اتريخ شبه اجلزيرة العربية يف عصورها القدمية املؤلف -...

171
http://www.shamela.ws شاملةكتبة ال بواسطة اف آليالاد هذا ا إعد ة القد بية ق عصورهازيرة العرريخ شبه ال :لكتاب العزيز صامؤلف: عبد ا اصريةكتبة امنلو الناشر: م اد امجزاء: عد1 ]مواشي هو مذيل ع ولمطبوب موافق للكتاترقيم ا[ ال بسمن الرحيم ر مقدمةلسكان عن البيئة وا البشري، ودروهان القدد الشرق امد بتوسط به اكا العربية موقعهاشبه الزيرة ا توافر ل، كما كانقدمنه ام سكا ا ب دت امكثر عدؤثر ف تكوين الس ا ا من دور ب أيضا نصي تهتصاوط ا ف بعض خططة والتأثلوسا اته.قتصاد وايلعلمي بتحلجه اللكتاب ف منهاكتفي هذا ا سوف ي و، يخ العرة القدلتار ات الرئيسية لسار ا نصدره ملد أكها إلا وتفاصيل التوسع ف مشكجيل راته، معة مضالعامطورات ا والتعا وا قر تعا شيئة ،لسابقة ة ا الكب بقية مؤلفاتنا ا على نسق يب ل. الشرق امدنا عن مؤلفنول منفصل امق ال وقد عرضنا ف سيا جـ القد1 - 1967 ص9 - 13 ، أو1990 ص14 - 19 لها ف أه العربية وب شبه الزيرة بيئةادلة بتب ات ا لنوعية التأثة الت العصور القدا هم عليا عمءاا ا بظروف بيئتهم وإ أكثر التزام فيهانوا كا،ن إل حد كب ه اعض سبل معااعهم ق ب حيث مدى انطب وذلك من تفرقهمم وعقائدهم، وظروفداض عا يشهم، وبع لشبهغراق الكب ع التسائص ارهم، تصانقلهم أو استقرام أو ثضرهم، وت عهم، وبداو أو تم الزيرة سواحل، معن وحات وجبال وود صحراوات ووا تنوع تضاريسها ب وبة الطبيعة غلة عليها الصحراوي- فاوت أسب ترتب على هذا من ت ومانتاج، ووفرة اافئج انصب أو الف اب ونتاعايششقة ف ا اء، واليسر أو انطوق أو انطلق، وامن أو القدى ام ارد، ومو أو شح ا

Transcript of اتريخ شبه اجلزيرة العربية يف عصورها القدمية املؤلف -...

http://www.shamela.ws مت إعداد هذا امللف آليا بواسطة املكتبة الشاملة

الكتاب: اتريخ شبه اجلزيرة العربية يف عصورها القدمية

املؤلف: عبد العزيز صاحل الناشر: مكتبة األجنلو املصرية

1عدد األجزاء: ]ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل ابحلواشي[

رمحن الرحيمبسم هللا ال

عن البيئة والسكان مقدمةتوافر لشبه اجلزيرة العربية موقعها املكاين املتوسط بني بالد الشرق األدىن القدمي، ودروها البشري

هلا نصيب أيضا من دور املؤثر ىف تكوين السالالت األكثر عددا بني سكانه األقدمني، كما كان واقتصادايته. الوساطة والتأثري ىف بعض خطوط اتصاالته

املسارات الرئيسية للتاريخ العريب القدمي، وسوف يكتفي هذا الكتاب ىف منهاجه العلمي بتحليلواملعامل والتطورات العامة حلضاراته، مع أتجيل التوسع ىف مشكالهتا وتفاصيلها إىل جملد أكرب نصدره

ىل.يبا على نسق بقية مؤلفاتنا الكبرية السابقة، مبشيئة هللا تعاقر - 9ص 1967 - 1القدمي جـ وقد عرضنا ىف سياق الفصل األول من مؤلفنا عن الشرق األدىن

لنوعية التأثريات املتبادلة بني بيئة شبه اجلزيرة العربية وبني أهلها ىف 19 - 14ص 1990، أو 13ه اآلن إىل حد كبري، كانوا فيها أكثر التزاما بظروف بيئتهم وإحياءاهتا عما هم عليالعصور القدمية الىت

يشهم، وبعض عاداهتم وعقائدهم، وظروف تفرقهم وذلك من حيث مدى انطباعهم يف بعض سبل معاأو جتمعهم، وبداوهتم أو حتضرهم، وتنقلهم أو استقرارهم، خبصائص االتساع اجلغرايف الكبري لشبه

غلبة الطبيعة وتنوع تضاريسها بني صحراوات وواحات وجبال ووداين وسواحل، مع اجلزيرةاب ونتائج اخلصب أو اجلفاف، ووفرة اإلنتاج وما ترتب على هذا من تفاوت أسب-الصحراوية عليها

أو شح املوارد، ومدى األمن أو القلق، واالنطالق أو االنطواء، واليسر أو املشقة ىف املعايش

اعات السكان هنا أو ، وهلم جرا. مث من حيث تباين الفرص الىت أتيحت أمام خمتلف مجواالتصاالتيف مع بقية الشعوب احلضرية القدمية املعاصرة هلم، نتيجة هناك ىف جماالت التبادل االقتصادي والثقا

لتجارة الختالف مواقع إقامتهم ابلنسبة جلرياهنم ىف الداخل ويف اخلارج، وابلنسبة الجتاهات طرق ا الربية والبحرية الرئيسية القدمية.

داخلية احملدودة ته ملسببات التحركات القبلية الداخلية القدمية، أو اهلجرات الوعرضنا يف الفصل ذا ملختلف البطون والعشائر يف شبه اجلزيرة، تبعا لتفرق

(1/5)

موارد املاء والتسابق إىل مناطق الكأل. والتماس املواطن ذات احلماية الطبيعية واألمن النسيب واملوارد تنمية الروح االستقاللية لدى القبائل وبني األفراد، يف مقابل هذا كله منترتب على الكافية. مث ما

تغليب املصاحل القبلية على املصلحة العامة أو املصلحة القومية، وصعوبة قيام وحدة عامة بني السكان، حىت وحدهم دين اإلسالم ودولة اإلسالم.صادية املؤدية إىل خروج رية واالقتاخية والبشوانقشنا كذلك يف شيء من التفصيل املسببات املن

اهلجرات البشرية الكبرية من شبه اجلزيرة إىل أطرافها. وفاضلنا بني النظرايت املرجحة لتأثري دورات اجلفاف الشديد املتباعدة، وبني اآلراء املرجحة لتأثريات فرتات الضعف السياسي وحتول طرق التجارة

رات حىت استقرارها ىف مناطق اهلالل اخلصيب أو هلذه اهلج ل احملتملةالرئيسية. كما تتبعنا املراح بقرهبا.

اجلنس واالسم:تعددت اآلراء قدميا وحديثا حول حتديد املوطن األصلي للجنس الغالب يف شبه اجلزيرة العربية، وهي

رين: ىف سوى أم آراء رغم كثرة ترديدها ىف مؤلفات التاريخ القدمي، ال تكاد تؤدي إىل نتائج يقينيةا أن ضخامة الكتلة الصحراوية لشبه اجلزيرة قد ساعدت على النقاء اجلنسي واللغوي بني أوهلم

أهلها، ومناطقها الوسطى خباصة، إىل حد نسيب كبري. والقول ابلنسبية هنا ضرورة علمية الزمة حيث الالت اختالط السية على أن ال وجود لساللة بشرية مل ختتلط بغريها قط، بينما دلت الشواهد التارخي

واألمم بعضها ببعض قد يؤدي أحياان إىل جتديد حيويتها وثراء حضارهتا، وذلك على شريطة أال تطغى العناصر الدخيلة على العناصر األصيلة فيها.

أما األمر الثاين فهو ترجيح انتماء سكان شبه اجلزيرة العربية يف لبانتهم أو ىف جوهرهم إىل ساللة

رئيسية متشاهبة تعرف عادة ابسم الساللة السامية أو الساميني. وهو ذات خصائص ة متجانسة بشري( يف August Ludvig Schlozerاسم اصطالحي نشر للباحث النمسوي شلوسر )

م، واستعاره مما ذكرته أنساب التوارة يف مثل اإلصحاح العاشر من 1781أواخر القرن الثامن عشر ى شام أو سام يف مقابل ولد آخر يدعى حام، وولد السالم يدعلنوح عليه سفر التكوين عن ولد

اثلث هو ايفث. وتواتر استخدام اسم الساميني بني معظم الباحثني، وإن أصبح بعضهم يطلقونه أساسا على جمموعة اللغات ذات األصل املشرتك الىت استخدمها سكان شبه اجلزيرة وأطرافها.

يف بصلة الدم وجرياهنم ممن اتصلوا هبم

(1/6)

اهلالل اخلصيب، أو بصلة اجلوار واالستيطان والتعامل على الساحل األفريقي جلنوب البحر األمحر. فريقيا ال سيما ىف قرطاجة الفينيقية، وذلك أكثر مما يرتبونه على ساللة وعلى الساحل الشمايل أل

بشرية مغلقة على ذاهتا. وهذا اجتاه سليم نعود إليه ىف موضوع آخر.يكفي أن نشري هنا إىل أن القرآن الكرمي مل يذكر للنيب نوح عليه السالم غري ولد واحد كان من و

لتزام ابلرواية العربية وإن مل ينفها متاما، وأن الفوارق الطبقية املغرقني. وذلك مما يعىن عدم ضرورة االاحلاميني هى مفتعلة مل يسبب والشعوبية الىت وضعها العربانيون ىف أنساب التوراة بني الساميني وبني

ظواهرها من حيث اختالف اللون واللغة ىف واقع األمر غري الفوارق املناخية ومطالب البيئات وفوارق ات. على أننا قد نضطر إىل استخدام تعبري الساميني وتعبري احلاميني أحياان ىف سياق أحاديثنا اللهج

حقيقة األمر فيهما.نظرا لشيوعهما، وال أبس من ذلك ما دمنا نتبنيومع وحدة األصل البعيد انشعبت اللغات السامية القدمية إىل شعبتني كبريتني كانت لكل منهما

ذلك من قبل أن توحد لغة القرآن الفصحى بينهما. وكانتا: شعبة سامية غربية فروعها العديدة، و ا ومشاهلا، ويف أغلب بالد شاعت بقواعدها وهلجاهتا ىف غرب شبه اجلزيرة العربية ووسطها وجنوهب

الشام وأغلب مصر، مث بعد ذلك ىف جزء من مشال أفريقيا وجزء من مشال السودان، بل وامتدت إىل أكسوم ىف احلبشة وجزء من الساحل األفريقي القريب منها. مث شعبة سامية شرقية قدميا من اليمن

ة وما اتصل هبا من نواحي اخلليج العريب شاعت خبصائصها ىف املناطق الشرقية من شبه اجلزيرة العربين هذه وجزره، وبالد النهرين أو العراق القدمي. وكنموذج للصالت القدمية بني األصول وبني الفروع م

الشعوب املتجاورة قدمنا يف الفصل األول من كتاب الشرق األدىن القدمي مناذج من أوجه التشابه بني

واعد اللغة املصرية القدمية، على الرغم من اختالف صور بعض قواعد اللغة العربية وبني بعض قة أو ابتصالت وذلك مع تقدير أن قواعد اللغات ال ميكن أن تنتقل مع التجار -الكتابة بينهما

عارضة شأهنا شأن املفردات اللفظية، وإمنا يدل تشاهبها بني اللغات على وحدة األصول بينها ىف بعيدة. وذلك مما ميكن تقريبه إىل افرتاض وجود أم لغوية قدمية أغلب األحوال حىت ولو كانت أصوال

اسب مع ظروف بيئته ومطالب واحدة وأبناء متنوعني أخذ كل منهم يطوع مفردات لغته وهلجتها مبا تن حياته.

وتعددت اآلراء مرة أخرى يف منشأ وتفسري تسمية العرب، كما تعددت أمثاهلا ىف شأن تسميات كثري لبلدان القدمية األخرى مثل تسميات مصر وسومر وعراق وشام وعربي وآرام ... إخل.من الشعوب وا

(1/7)

فمن وجهات النظر العربية القدمية فيها القول ابشتقاق لفظ العرب من اسم جد أعلى كان يسمى رب مبعىن يفصح تدليال على ما كان العرب يعتزون به من فصاحة يعرب بن قحطان، أو من فعل يع

شب إمساعيل عليه السالم ان .. ، مث القول ابشتقاقها من اسم عربة وهو أحد أمساء مكة الىتالبي على أرضها، أو هو اسم جلزء منها.

جت ومن وجهات النظر السامية األخرى القول ابشتقاق تسمية العرب من أحد األصول اليت خر ثل عرابة مبعىن األرض اجلافة، وأرااب منها كلمات عربية شبيهة هبا وليس من الكلمات العربية نفسها م

بة، وإرب مبعىن الشرود عن النظام، وعاابر مبعىن التجوال أو الرتحال ... مبعىن األرض الداكنة املعش إخل.

وأرييب وأريبو ... إخل، مبعىن وعندما استخدمت النصوص املسمارية العراقية القدمية تسميات أريبن التاسع ق. م. مل تقصرها على سكان شبه اجلزيرة وحدهم، وإمنا العريب والعرب والعربية منذ القر

لقها كذلك على بعض أهل ابدية جنوب الشام، وعنت هبم األعراب البدو يف أغلب األحوال. أطغريق والرومان فيما بعد تسمية أرابيا وكذا فعلت بعض قصص التوراة. كما مد املؤرخون والرحالة اإل

لشرقية.وأرايبيا إىل صحراء مصر اا فيما يبدو عن عربية أو العربية، للداللة واستخدمت بعض النصوص املصرية القدمية لفظ أراباي جتريف

على املنطقة القريبة من احلدود املصرية ىف شبه اجلزيرة العربية. كما استخدمت النصوص الفارسية وشبه جزيرة سيناء وما يتصل اللفظ أراباي يف القرن اخلامس ق. م. للداللة على ابدية فلسطني نفس

هبما من مشال شبه اجلزيرة العربية.دلت تسمية ع ر ب ن، وأعرب ىف نصوص اجلنوب العريب القدمي على معىن األعراب أساسا، ال و

، وقالت عنهم فيما قالت أعرب طودم أي سيما اخليالة واألابلة من بدو وسط شبه اجلزيرة العربية جد، وأعرب هتمت أي أعراب هتامة أو الوداين والسهول الساحلية.أعراب اهلضبة أو أعراب الن

__________ .1975، جدة 1964الرايض -طبعة أوىل .1980القاهرة -طعبة اثنية .1988القاهرة -طبعة اثلثة

(1/8)

الفصل األول: مصادر التاريخ العريب القدمي ودراساته األثرية احلديثة...

يب القدمي ومراحل دراستها احلديثةالبحث ىف التاريخ العر الفصل األول: مصادر تعاقبت على شبه اجلزيرة العربية خالل اترخيها القدمي عصور كثرية سبقت عهود اجلاهلية مبعناها

وميكن عرضها على النحو -احملدود بقرون طويلة. وتعددت مصادر البحث ىف اتريخ هذه العصور التايل:

خلفه إنساهنا البدائي القدمي يف دهوره احلجرية من أدوات لباقية، وهذه تبدأ مباأوال: اآلاثر املادية احجرية متواضعة، وما خطه من رسوم بدائية متفرقة. مث تتضمن أساسا ما تركته اجلماعات العربية املتحضرة ىف عصورها التارخيية القدمية من آاثر معمارية قائمة كبقااي املعابد واألسوار والسدود،

ساكن واملقابر، وما عثر عليه ىف هذه وتلك من آاثر منقولة متنوعة ألدوات واحلصون واألبراج، وامل االستعمال اليومي وأدوات الزينة وفنون النحت والنقش، يف مناطق عدة من أحناء شبه اجلزيرة العربية.

أصحاهبا، فهي واآلاثر فيما نعلم هى التاريخ احلي ألهلها، أو هي الشاهد الصادق على حضارةمدى التقدم أو مدى البداءة يف إنتاجهم، ومدى الثراء أو مدى الفقر ىف إمكاانهتم، تكشف عن

ومدى األصالة أو مدى التقليد يف صناعاهتم، ومدى التأثر أو مدى التأثري بني حضارهتم وبني ىف أنه كلما زاد حضارات جرياهنم. مث هى تعرب عن هيئاهتم وأزايئهم وطبيعة أذواقهم، وال جدال

عن هذه اآلاثر كلما زادت احلصيلة الىت يستنتج منها اتريخ بلدها وقومها. الكشف

وقد يضاف إىل مدلول اآلاثر ما يهتم به علماء األنثروبولوجي من دراسة اهلياكل البشرية اليت ميكن لماء اجليولوجيا أن حتدد السالالت ومدى النقاء أو مدى االختالط النسيب فيها. مث ما يهتم به ع

رافيا الطبيعية والتارخيية من دراسة التكوينات البيئية لتحديد األماكن القدمية لآلابر والواحات واجلغ واملناجم، ومواطن االستقرار واالستثمار القدمية، فضال عن ظروف املناخ واجتاهات

(1/9)

الوداين ومسالك اهلجرات والتجارة، وهلم جرا.جها، سواء كتبت خبطوط العربية القدمية اليت عثر عليها داخل شبه اجلزيرة وخار اثنيا: النصوص

والتدمرية، أم ابخلطوط العربية اخلالصة. -ال سيما النبطية-املسند ومشتقاهتا، أم ابخلطوط اآلرامية والنصوص سواء أكانت شخصية أم سياسية أم حربية أم دينية متثل ثروة اترخيية مفيدة، وتسجل رأي

لكنها إذا عوملت مبوازين النقد العلمي أهلها ىف أنفسهم ووجهات نظرهم ىف عالقاهتم جبرياهنم. و احتمل بعضها الشك كما حيتمل بعضها التأييد. وبتعبري آخر فإن النصوص القدمية مع أمهيتها ىف

وصا حربية. التعبري عن آراء أصحاهبا ال ختلو عادة من مبالغات ىف تضخيم االنتصارات إذا كانت نصك والرؤساء إذا كانت نصوصا رمسية أو نصوصا وال ختلو من اإلسراف ىف تعظيم وتقديس امللو

للموظفني وأتباع احلكام. وال ختلو من ادعاءات ابلصالح واإلصالح إذا كانت نصوصا شخصية. وال االصطالحات إذا ختلو من تكرار وسذاجة إذا كان كتبتها من األفراد البسطاء. وال ختلو من غموض

لو من ختيالت وأوهام إذا كانت نصوصا عقائدية أو سحرية. كانت نصوصا إدارية أو تقنينية. وال ختولكنها ىف جمملها، وعلى الرغم من ذلك كله، هي املصدر الرئيسي لتصوير عادات أهلها وعقائدهم

ميكن أن يستفاد به من بني وأوضاعهم السياسية واالجتماعية وعالقاهتم اخلارجية، فضال على ما يفصحوا عنه صراحة من مشكالت عصورهم.سطورها مما مل يشأ كتبتها أن

وجلي أن ما عقبنا به هنا على إجيابيات وسلبيات اآلاثر والنصوص العربية القدمية ميكن أن يقال كذلك عن بقية اآلاثر والنصوص القدمية كلها.

ن عالقات بعض دول العراق القدمية بعدد من قبائل اثلثا: النصوص املسمارية اليت حتدثت عشبه اجلزيرة منذ القرن التاسع ق. م. وهذه هي األخرى ال ختلو من قيمة وال ختلو من شك ودويالت

يف الوقت ذاته.فهي قد اعتادت على أن تنسب إىل أصحاهبا اآلشوريني والبابليني سلطاان واسعا، وأسرفت ىف تصوير

ل على جانب واحد نظرا أو األعراب. وتعترب يف أغلبها نصوصا تد-بية على العرب انتصاراهتم احلر ألنه مل يعثر على نصوص عربية تقابلها وتعاصرها وتشرح وجهة نظر أصحاهبا إال ىف القليل النادر.

وذلك ما يعين أنه ليس من ضرورة إىل التسليم حبرفية أخبارها. ولكن نفس هذه النصوص املسمارية . فهي أقدم املصادر الىت سجلت تسمية الرغم من حتيزها ومبالغاهتا مل ختل مما يستفاد به منها على

العرب كتابة منذ أواسط القرن التاسع ق. م. بصيغ أريب وأرييب وأريبو كما أسلفنا. وهى املصادر الوحيدة حىت اآلن اليت

(1/10)

لقرن الثامن والقرن السابع ق. م.حتدثت عن حنو ست ملكات عربيات مشاليات ظهرن خالل اة املعاصرة للمصادر العراقية مل تسجل تسمية العرب صراحة إال ىف ر املصرية القدميوإذا كانت املصاد

قرون متأخرة ىف الزمن نسبيا، إال أهنا ذكرت قبل ذلك بقرون طويلة أمساء بعض املناطق اإلقليمية أشارت إىل استخدام منتجات اجلنوب العريب ىف مصر على طرق التجارة يف مشال شبه اجلزيرة، كما

ثاين ق. م. على أقل تقدير، ودلت بذلك على قدم اتصاالهتا أبهله اتصاال مباشرا بوفرة منذ األلف ال أحياان وعن طريق وسطاء التجارة أحياان أخرى.

ماء وليست رابعا: مصادر التوراة: وهذه مبا تضمنته من أسفار وقصص ليست كلها منزلة من السبعضها اآلخر تضمن أخبارا أضافها كلها من رساالت األنبياء. وإذا كان بعضها له قداسته، فإن

األحبار والرواة. وصورت هذه املصادر ىف عبارات مقتضبة من سفر التكوين وسفر حزقيال وسفر دويالت عرب شبه املزامري وسفر عاموس وسفر دانيال، ومن التلمود، عالقات العربانيني ببعض قبائل و

مقبول وأغلبه مفتعل. وحاولت أن ترتب اجلزيرة، ومعلوماهتم عنهم وعن مناطقهم تصويرا بعضه أنساب القبائل الىت عرفها العربانيون ترتيبا قليله مقبول وكثريه مفتعل أيضا. وهلذا تؤخذ معلوماهتا

حبذر شديد.لذين زاروا أطراف وسواحل شبه اجلزيرة العربية خامسا: كتاابت الرحالة واملؤرخني اإلغريق والرومان ا

ممن زاروها من قبلهم، مث سجلوا أمساء دوهلا ومدهنا وموانيها وقبائلها، وأهم أومجعوا األخبار عنهامصادر الثروة فيها، وطرق التجارة منها وإليها، وضمنوها ىف مؤلفاهتم ابتداء من القرن اخلامس ق.

الكتاابت ما هو واقعى صحيح مفيد، ومنها ما يسوده الوهم م. على وجه التقريب. ومن هذهريف األمساء نظرا لقصر زايراهتم هلا والختالف لغاهتم عن اللغة العربية وشقيقاهتا واخليال وحت

الساميات.ومن أهم هؤالء الرحالة واملؤرخني هريودوت يف أواسط القرن اخلامس ق. م. وثيوفراتيس يف أواخر

الثاين ق. م. م. وإراتوسثنيس يف أواسط القرن الثالث ق. م. وجواب يف أواخر القرن القرن الرابع ق.وديودور الصقلي يف أواسط القرن األول ق. م. واسرتابون يف أواخر القرن األول ق. م. وبليين يف

أوائل القرن األول امليالدي، وبطلميوس يف أواسط القرن الثاين امليالدي، ومؤلف الطواف حول ل القرن الرابع امليالدي. مث حر اإلرتريي بني القرنني األول والثالث للميالد، ويوسيبيوس يف أوائالب

جمموعة من املؤرخني والرحالة املسيحيني والبيزنطيني الذين اتصلوا ابحلبشة وإماريت احلرية وغسان،

(1/11)

جنران، وبروكوييوس صاحب ومنهم روفينوس برتانيوس، ومشعون مؤلف رسائل الشهداء احلمرييني ىف قائد البيزنطي بليزاريوس .. وغريهم.كتاب اتريخ احلروب وصديق ال

وال تقتصر أمهية ما كتبه هؤالء الكالسيكيون على ما تضمنه من معلومان، وإمنا يفيد كثريا أيضا ىف اجلزيرة الىت عقد التواريخ املقارنة بني العهود الىت حتدثوا عنها وميكن حتديدها، وبني أحداث شبه

عجزت نصوصها عن حتديد زمنها بدقة.سا: آايت القرآن الكرمي الىت وصفت بعض أحوال الشعوب العربية القدمية، ونبهت إىل العربة من ساد

مسالك أهلها مع الرسل واألنبياء، وبينت أنه كان فيهم مؤمنون وكفرة، وعلماء وجهلة، ولبعضهم رام، تص إببراهيم وإمساعيل عليهما السالم، ومكة والبيت احلممالك ومنشآت .. ال سيما فيما خي

وأقوام: شعيب وهود وصاحل وغريهم يف مدين وعاد وإرم ومثود وأصحاب الرس وسبأ واألخدود .. إخل.

ويقرتن ببعض ما جاء به القرآن الكرمي ما ورد من أحاديث نبوية تعرضت أحياان ابلتعديل أو النقد أو ة ىف عهد اجلاهلية القريبة لبعض أوضاع احلياة االجتماعية والسياسية واالقتصادي التجريح أو اإلجازة

من بداية العصور اإلسالمية.سابعا: مؤلفات املؤرخني املسلمني الىت مجعوا بعض أخبارها من القصص العربية واألشعار اجلاهلية

ليات والقصص السراينية بل وسالسل األنساب املروية، ومجعوا بعضا آخر من أخبارها من اإلسرائياهتم الشخصية ملا بقي من آاثر املدن واملعابد واملقابر القدمية حىت والفارسية، فضال على مشاهد

العهود الىت عاشوا فيها.

ومن هؤالء املؤرخني: عبيد بني شرية اجلرمهي اليمين يف القرن اهلجري األول، ونسب إليه كتاب امللوك وأخبار املاضني.

وأخبارهم وقصصهم وقبورهم هـ ونسب إليه كتاب امللوك املتوجة من محري110منبه، ت وهب بن وأشعارهم، وكتاب املبتدأ.

هـ، ومن مؤلفاته الكثرية مجهرة النسب أو اجلمهرة ىف 204هشام بن حممد بن سائب الكليب ت والدايرات ونسب األنساب، وكتاب األصنام. ونسب إليه كتاب احلرية، وكتاب احلرية وتسمية البيع

العباديني

(1/12)

وكتاب ملوك كندة وكتاب الكالب األول والكالب الثاين ... إخل. تيجان وملوك محري.هـ، وأخرج كتاب ال 213حممد بن هشام بن أيوب احلمريي، ت

هـ ومن مؤلفاته الضخمة اإلكليل وصفة جزيرة العرب وملوك 334أبو حممد احلسن اهلمداين، ت كندة.

نسب إىل األصمعي كتاب جزيرة العرب ومياه العرب ... إخل.و وأخرج احلسن الغدة األصفهاين مؤلفه عن بالد العرب.

اليائية ... إخل. شوان احلمريي القصيدة احلمريية والقصيدةوألف نة من وأقرب إىل الوقائع التارخيية فيما كتبه هؤالء املؤرخون املسلمون هى أخبار عهود اجلاهلية القريب

ظهور اإلسالم، أما ما سبقها من عصور فقل منهم من أخضع رواايته عنها للنقد العلمي، وندر منهم رأ نصوصها القدمية قراءة سليمة.من استطاع أن يق

نت أشعار اجلاهلية من املصادر الىت اعتمد عليها هؤالء املؤرخون وكثري غريهم، فهي الزالت وكما كاأايم العرب وحروهبم وعاداهتم االجتماعية ومثلهم العليا، وذلك على ىف حد ذاهتا مصدرا لتصوير

األدبية والتارخيية.الرغم مما ينبه النقاد إليه من كثرة منحوالهتا فيما رأينا، ولكنها ىف حقيقتها التزال مصادر شحيحة ال تعطي الكثري ال سيما تلك إذن مصادر عدة

يب القدمي، وهي ابستثناء آايت القرآن الكرمي، تتفاوت فيما ابلنسبة للعصور األوىل من التاريخ العر أو العمومية ىف أخبارها، وإن كانت ال بينها ىف مدى صحتها ومدى وضوح تعبرياهتا، ومدى احمللية

لو على الرغم من بعض أوجه النقص فيها، مما يستفاد به منها ىف حتديد وتصوير اخلطوط العامة خت

للتاريخ العريب القدمي.وليس من شك يف أن أوسع املصادر السابقة تعبريا عن أحوال سكان شبه اجلزيرة األقدمني، مها

العربية القدمية الباقية.اثر العربية القدمية الباقية، والنصوص املصدران األوالن: أي اآلين وقل نصيب أراضي املناطق الوسطى والشمالية والشرقية لشبه اجلزيرة العربية من هذين املصدر

حىت اآلن نتيجة ألربعة أسباب هي:

(1/13)

قلة البحوث األثرية اليت جريت فيها قلة نسبية، إىل أن أخذت الدولة السعودية، ودول اخلليج اية طيبة خالل العقود األخرية.العريب، تويل هذه البحوث عن

دولة كبرية واحدة شدة اتساع أرضها الذي كان من عوائق اجتماع سكاهنا القدماء قبل اإلسالم يفرية تستطيع أن تيقيم تنظيمات متستقرة ومنشآت كبرية، أو تعمل على تدوين أخبارها ىف نصوص كب

متصلة.ح جلموعها أبن يقيموا غري منشأة صغرية مل تستطع قلة مواردها الطبيعية القدمية قلة نسبية مل تسم

مغالبة عوادي الزمن إال ىف الشمال الغريب.ل العصور اإلسالمية املتعاقبة إىل ما قبل العهود احلديثة برعاية اآلاثر القدمية يف البالد عدم احتفال أهملا وجدوه من صعوبة ىف الم فيها. نتيجة الختالف عقائدها عن داينة التوحيد، ونتيجةاليت نشأ اإلس

معرفة أغراضها احلقيقية وصعوبة قراءة نصوصها قراءة صحية.ية القدمية من شبه اجلزيرة العربية من هذين املصدرين، أي من اآلاثر وزاد حظ املناطق اجلنوب

وهي:والنصوص الباقية، نتيجة لستة أسباب، فرة نصوصها املكتوبة وفرة نسبية وقدم ظهور الكتابة فيها يف وقت مبكر نسبيا مما ساعد على و

عهدها قدما نسبيا أيضا.مية يف الشمال الغريب مما ساعد على بقاء بعض آاثرها بعدها النسيب عن مركز نشأة الدعوة اإلسال

صور اإلسالمية املتتابعة عن إزالتها.الظاهرة ونصوصها القدمية إىل اآلن نظرا لتجاوز العة يف أرضها مما عمل على جتميع أعداد متاجنسة من سكاهنا ىف دولة سياسية تعدد الفواصل الطبيعي

ين أخبارها وعملت كل منها على متييز إنتاجها احلضاري ما واضحة احلدود واملعامل اهتمت بتدو استطاعت.

يا مما يسر استقرار دوهلا وطول أمد عهودها وكثرة منشآهتا.سخاء بيئتها الطبيعية القدمية سخاء نسبوفرة موارد جتارهتا القدمية القائمة على اإلنتاج الداخلي وعلى الوساطة اخلارجية، مما شجع أهلها على

يقيموا آاثرا ضخمة قاومت عوادي الزمن وبقي بعضها حىت اآلن.أن بيا من العصر احلديث. وعلى أية حال، فقد بدء أعمال البحث األثري فيها يف وقت مبكر نس

اجلنوب والشمال والشرق والغرب يفخضعت كل من آاثر

(1/14)

أال وهي شدة السيول شبه اجلزيرة لعوامل هدامة أخرى قللت من أعدادها ومن أحجامها، أمامها من املباين، وقلة اهتمام العرب القدماء أنفسهم والعواصف الىت كانت تطيح مبا اليثبت

ابلتعمق ىف إرساء أسس مبانيهم مما عجل ابهنيارها. مث انتفاع األجيال املتعاقبة من السكان أبحجار اآلاثر يف العصر احلديث من سرقة اآلاثر املباين القدمية يف إقامة مبانيهم. فضال على ما جناه لصوص

الثمينة لالجتار هبا.الصغرية الفنية نشأة الدراسات واالكتشافات احلديثة:

انتفعت الدراسات التارخيية احلديثة لشبه اجلزيرة العربية كما انتفعت أمثاهلا يف بقية مناطق الشرق ات القدمية وإحياء الرتاث الىت القدمي أبنشطة حركة البحث العلمي وجهود الكشف عن احلضار

ن الثامن عشر وما تاله. وبفضلها اثبرت جمهودات البحث العلمي واألثري نشأت ىف أورواب منذ القر ىف العصر احلديث على كشف النقاب عن التاريخ العريب القدمي بنصوصه وآاثره من أجل التعرف

عليه كما صنعه أصحابه أو كما سجلوه أبنفسهم.آاثر شبه اجلزيرة العربية ما أتت به أوائل املؤرخني والرحالة احلديثني األجانب إىل اتريخ و ولفت أنظار

الكتب املقدسة عن ملكة سبأ وثراء دولتها، وعن أقوام مدين وعاد ومثود ... ، وما كتبه الكالسيكيون اإلغريق والرومان عن أرض البخور وجتارهتا، وما قرأه املستشرقون من كتب املؤرخني

عرفة املزيد عن األرض اليت انبعث اإلسالم واجلغرافيني املسلمني، إىل جانب دافع الفضول عندهم مل منها.

وإذا كان واقع األمر يدعو إىل االعرتاف أبن أغلب من سنتناول جهودهم من املؤرخني واآلاثريني أبن حتفظ الدولة العثمانية والرحالة ىف العصر احلديث كانوا من األوروبيني، فإنه جيب االعرتاف كذلك

إلسالمي حينذاك، وختوف املسلمني من سوابق أطماع املستعمرين الىت كانت تسيطر على الشرق ا

الغربيني، كالمها حدد عدد البعثات العلمية وجعل أغلب جهودها فردية تتم يف غري علنية وبغري الطرق الرمسية بل وعن غري طرق املتخصصني أحياان.

دا، أوتستهدف العلم فسه مل تكن حركة الكشف العلمي األوريب تستهدف غرضا واحويف الوقت نوحده، وإمنا كانت تستهدف الكشف عن خبااي األرض والثروات الطبيعية، وعن املعامل اجلغرافية

واملعامل التارخيية يف آن واحد. ويبدوا أنه كان لوجود أعداد من اليهود واألغراب املستوطنني ىف مناطق يثة إليها لسهولة التخفي يف زي بعضاجلنوب العريب أثر يف اجتاه أوائل الرحالت الكشفية احلد

(1/15)

طوائف سكاهنا والطارئني عليها وابلتايل إمكانية التنقل ىف أراضيها. وسوف نكتفي فيما يلي حبديث وقت احلاضر.ل الذين يسروا السبيل أمام الدراسات املوسعة ىف الموجز عن الرواد األوائ

ة ملناطق اجلنوب العريب بعثة يسرت هلا حكومة الدامنرك طريق فتحت أبواب الدراسات التارخيية احلديثللقيام بدراسات جغرافية ونباتية وحيوانية. وجتولت البعثة يف 1761الوصول إىل اليمن ىف عام

وقد Karsten Niebuhrأعضائها وأطوهلم بقاء اهلولندي كارستني نيبور اليمن، وكان أنشطووصف فيها ما 1772زار خما وعمان وعدة مناطق من اخلليج العريب، ونشر نتائج رحلته ىف عام

شاهده، ودون عددا من املالحظات الطبوغرافية واخلرائط التوضيحية للمناطق الىت زارها، كما ضمنها م دولة سبأ وذوريدان من نصوص املسند اليت وجدت ىف مدينة ظفار إحدى عواصمستنسخات لعدد

الل املواقع األثرية الىت شاهدها وأثبتها على خرائطه.القدمية. ولفت األنظار إىل أطشجعته على أن جيري 1761والطريف أن جتربة نيبور مع اآلاثر والنصوص العربية اجلنوبية ىف عام

بح بذلك رائدا والنصوص الفارسية ىف مدينة برسوبوليس إبيران، فأص نفس النشاط مع اآلاثر .للدراسات القدمية ىف كل من البلدين

الذي زار ظفار ىف صيف A.J. Seetzenواقتفى أثر نيبور األملاين أو لريخ جسبار سيتزن واستنتسخ بعض نقوشها. 1810

لدولتان الكبرياتن يف القرن التاسع عشر نصيب وكان من املتوقع أن يتاح لرحالة اجنلرتا وفرنسا ومها امن هلتون وكروتندن الربيطانيني جنح كل 1836كشف عن حضارات الشرق القدمي. ففي عام من ال

يف استنساخ نقوش سبئية من صنعاء.وزميله R. Wellstedوابسم البحرية اهلندية أو شركة اهلند الربيطانية كلف الكابنت ولستد

انت لولستد مبهمة تتبع خطوط الساحل العريب. وك 1835يف عام S.B.Hainesهاينس جه األنظار يف حضرموت إىل أطالل ونقوش حصن الغراب الذي اهتماماته اخلاصة ابلرحلة واآلاثر فو

كان حيمي ميناء من أكرب موانئ دولة حضرموت القدمية. ونبه إىل أطالل مدينة نقب احلجر أحد اف الربع . وسجل مالحظاته عن خصب وادي حضرموت. ووصل إىل أطر املراكز احلضارية القدمية

ن حىت وصل إىل احلافة اجلنوبية للجبل األخضر.اخلايل. كما بدأ رحالته اجلغرافية يف عما

(1/16)

Adolf-Barron vonوشاهبه يف مثل هذا اجملهود األملاين أدولف ابرون فون فريده Wrede.

بية عن طريق رقني للتعرف على خصائص الكتابة العربية اجلنو ويف هذه األثناء تفرغ بعض املستشالكتاابت احلبشية والعربية والفينقية وغريها من الكتاابت السامية مقارنتها مبا يشبهها ويعرفونه من

القدمية.Emil R.Rodiger (1837 )وكان من أوائل من بدأوا هذا اجملهود اللغوايت إميل ريدجر

أوسندر. ( وتبعهما أرنست1841) ييب H.F. Wilhelm Geseniusووهلام جيسينيوس رنسية بنصيبها الكشفي، وكان أشهر رجاهلا أرتو، وهاليفي.وقامت البعثات الف

1843وهو صيديل رحالة، جهود ىف عام Thomas J.Arnaudوركز توماس جوزيف أرنو سد مأرب، وحمرم بلقيس وسجل مشاهداته كتابة ورمسا عن-يف صرواح ومأرب عاصميت دولة سبأ

نصل فرنسا ىف جدة ىف عام نقشا قدميا نشرها فلجانس فرينل ق 56حوايل )أو معبد إملقه(. ونسخ يف كتابه حبوث يف النقوش احلمريية. 1845

البدء يف إصدار موسوعة 1869وأدت هذه اجلهود إىل أن قررت األكادميية الفرنسية يف ابريس عام كبريا وكان ذلك كسبا Corpus Inscriptionum Semiticar -النقوش السامية

العربية القدمية.للدراسات أكثر حظا ىف التوغل ىف اجلنوب العريب ويف وصف أهم Joscph Halevyوكان جوزيف هاليفي

آاثره الظاهرة واستنساخ العديد من نصوصه وترمجتها. ويف هيئة اليهودي الفقري وصل إىل مواضع مل وصرواح وصنعاء، وإمنا اجتاز أيضا منطقة من سبقوه. فلم يكتف ابآلاثر السبئية ىف مأرب يصل إليها

وف اجلنويب، وتعرف على بعض آاثر دولة معني القدمية ىف مدينيت قاران وويطيل مبا فيهما من أسوار اجل

حصيلته مث عاد إىل فرنسا ويف - 1869ومعابد وحصون. ووصل جنران وأطراف الربع اخلايل ىف عام بدراسة وشفعها 1872حلته ىف اجمللة اآلسيوية ىف عام موضعا. ونشر نتائج ر 37نصا من 686

عن رحلته إىل جنران. 1877حتليلية للنصوص اجلنوبية املعروفة حىت وقته. كما نشر مقاال يف عام Edwardر وأهم من يقرن هبا ليفي من حيث غزارة املادة هو املستشرق النمسوي إدوارد جالس

Glaser علنية والرمسيةوقد اكتست رحالته بنوع من ال

(1/17)

، 1892، 1888، 1887بعد أن يسر له املسئولون األتراك ىف صنعاء هذه الرحالت ىف أعوام وص احلمريية يف مهدان وظفار، والنصوص السبئية ىف مأرب، كما وهبذا اتسعت دراساته لآلاثر والنص

ختطيطا دقيقا لبقااي القنوات اتسعت جهوده لآلاثر والنصوص املعينية واحلضرمية والقتبانية، وقدم والسدود القدمية.

ل ومن الشخصيات الىت سامهت ىف استخالص قواعد اللغة العربية اجلنوبية فريتز هومF.Hommel اعتمد فيه على النصوص املعينية واعتربها أصال 1893ث أصدره عام يف حب

لغريها، وهو ما يعارضه اآلن فيه ابحثون آخرون.الت ودراسات املستشرقني ىف القرن التاسع عشر السبيل أمام أحباث أكثر عمقا وهكذا مهدت رح

ى الرواد األوائل اهتموا بتحقيق د ممن تتلمذوا علومشوال يف القرن العشرين، فربز خالل هذا القرن عد النصوص وأتريخ األحداث واالستعانة ابلدراسات املقارنة. وظلت الدراسات اجلغرافية لطرق التجارة

ومشروعات الري مكملة هلذه اجلهود.ابطن وتعدت الدراسات األثرية وصف اآلاثر الظاهرة إىل التنقيب عن اآلاثر الدفينة حتت التالل ويف

ددت على هذا السبيل بعثات منسوية وبريطانية وأمريكية. يف اليمني أبجزائها وعدن األرض. وتعبد واملقابر واحلصون واملنازل فضال على وحضر موت ومقسط وعمان. فكشف عن أعداد من املعا

النصوص واآلاثر املنقولة املتنوعة.ىف اجملاالت اللغوية واألثرية يشاركون جبهودهم وبدأ عدد من الباحثني العرب، ومن املصريني خباصة،

وحىت اآلن. 1936يف شبه اجلزيرة منذ عام ملعرفة أبمساء القبائل واملدن القدمية وحتديد وعن طريق تعاون املؤرخني واألاثريني واللغويني زادت ا

اصرة، والصالت بنيمواقعها، وزاد التعرف على كنه املعبودات اجلنوبية، والعالقات بني املمالك املتع

حكامها، وتتابع عهودهم وما مت فيها من جتديدات سياسية أو عمرانية.رفة أبمساء القبائل واملدن القدمية وحتديد وعن طريق تعاون املؤرخني واألاثريني واللغويني زادت املع

ة، والصالت بني مواقعها، وزاد التعرف على كنه املعبودات اجلنوبية، والعالقات بني املمالك املتعاصر كمها، وتتابع عهودهم وما مت قيها من جتديدات سياسية أو عمرانية.ح

شبه اجلزيرة من اهتمام الرحالة والباحثني ومل يقل نصيب املناطق العربية الشمالية والغربية والشرقية ىف ىف العصر احلديث كثريا عن نصيب

(1/18)

املناطق اجلنوبية. وكان من مقدمات البحث فيها فضول بعض الرحالة األجانب للتعرف على األماكن ل آاثر األنباط الكبرية الىت انتشرت يف جنوب األردن وامتدت حىت مشا اإلسالمية املقدسة، وتتبع

تكن نصوصها قد حلت رموزها املناطق احلجازية. وكانت عمائرها يف األردن واضحة معروفة وإن ملبعد. وجدير ابلذكر أن رحالة يدعى عبد الغين بن أمحد بن إبراهيم النابلسي أخرج كتااب ىف عام

اثر مدائن قيقة واجملاز يف رحلة بالد الشام ومصر واحلجاز وصف يف سياقه بعض آبعنوان احل 1693 من الغربيني ىف هذا السبيل. صاحل واحلجر ومغاير شعيب واستنسخ بعض نقوشها، وسبق غريه

وكما حدث ىف اجلنوب العريب مل تتعمد اجلهود األويل للرحالة األوروبيني الكشف العلمي مباشرة عن سة حياة البدو. قدمية، وإمنا صاحبتها رغبة التعرف على ثروات البالد الطبيعية ودرااحلضارات ال

هتم األخرى يف بوادى الشام وفلسطني ومناطق وكانت أغلب رحالهتم يف شبه اجلزيرة استمرارا لرحال اخلليج العريب.

عا، فقد استطاع وعلى الرغم من حترمي دخول املدينتني املقدستني على غري املسلمني ترحيما قاطيئاهتم فرصة لبعض األوروبيني الذين تظاهروا بعضهم دخوهلا. وكان يف تعدد أجناس احلجاج وتنوع ه

ابإلسالم واستخفوا يفهيئات شىت مل تكشف عن أجنبيتهم. وعن هذا الطريق تسلل عدد منهم إىل املدينتني املقدستني منذ

الذي Badia Leblich Domingoين بداية القرن السادس عشر، ومن أوائلهم األسبا املقدسة ىف مكة وماحوهلا.تنكر حتت اسم على بك ووصف األماكن

نيبور للدراسات احلديثة ىف اجلنوب العريب، مهدت رحلة السويسري لودفيج وكما مهدت رحلةالسبيل لدراسات األجزاء الشمالية الغربية من شبه اجلزيرة. وقد J.L.Burckhardtبوركهارت

. وزار مكة 1814ىف عام هر إسالمه وتسمى .. إبراهيم بن عبد هللا، وخرج من القاهرة إىل جدةأش. مث عاد إىل ينبع 1815احلجر. ووصل املدينة عام والطائف وتتبع الطريق الساحلي، ورمبا دخل

يكن ومنها إىل القاهرة. وحاول أن يكون دقيقا ىف تسجيل ما شاهده ىف رحلته وما نشره عنها. ومل بوركهات آاثراي ولكنه فتح الطريق أمام املهتمني ابآلاثر.

يث.كان إدوارد روبل أو أورويب يزور مغاير شعيب وآاثرها ىف العصر احلدو وإىل جانب الرحالة األوربيني العاديني واملندوبني السياسيني الذين زاروا أراضي الدولة السعودية ىف

ني. وسادليري(،منتصف القرن التاسع عشر )مثل فال

(1/19)

األنظار إىل آاثر املناجم مغاير شعيب، ولفتاملقابر النبطية ىف R.Bartonوصف ر. برتون راساته الطبوغرافية الىت كان يقوم هبا ىف األراضي احلجازية املمتدة القدمية ىف منطقة مدين، خالل د

من هضبة حسمى إىل ساحل هتامة.وتبعه ج. ر. ولستد ىف زايرة مغاير شعيب حيث استنسخ بعض نصوصها، وكتب عن ميناء الوجه

و أنه كان خيدم جتارة دولة ددان وحليان.الذي يبديف سياق مانشره عن W.G.Palgraveم ج. بلجريف ومن الرحالة ذوي امليول األثرية ولي

. لألغراض املتنوعة الىت 1863 - 1862رحالته ىف أراضي جند. مشاهلا ووسطها وشرقها، ىف عامي . ولكن أخذ عليه 1865قابر وحنوها يف عام استهدفها رحالة عصره. أشار إىل بعض املعامل األثرية كامل

يما يكتبه دون أن ميحصه ودون أن يقطع الشك فيه ابليقني.أنه كان يعتمد على السماع أحياان فالذي زار مناطق Charles M.Doughtyوهكذا استأثر ابلتقدير دونه شارل مونتاج دويت

ستنسخ منها نصوصا نبطية ومثودية وا - 1877، 1876مدائن صاحل. والعال واخلريبة، ىف عامي وأشار دويت J.Renanحث اللغوي جوزيف رينان البا وترمجها - 1884وحليانية نشرها ىف عام

إىل معامل قدمية أخرى ىف تيماء والطائف ووادي فاطمة. ونبه خالل دراساته اجليولوجية إىل وجود أدوات حجرية لدهور ما قبل التاريخ ىف معان.

Ch.Huberسة آاثر ونقوش شبه اجلزيرة ووسطها كذلك مبا مجعه منها تشارلزهوير وانتفعت دراويف عام - 1884وما نشره عنها يف عام 1884 - 1883. 1882 - 1878الل رحالته ىف خ

. وقد هلك خالهلا.1891

ونشر يف زايرة العال ومدائن صاحل واخلريبة، مث زار تيماء. J.Eutingوكان قد شاركه يوليوس يوتج ، وعن النقوش 1914، وعام 1896ة ىف عام عن آاثر متفرقة وعن نتائج رحالته داخل شبه اجلزير

، وقد عاود ترمجة هذه النصوص كل من 1904، والنقوش النمودية يف عام 1885النبطية ىف عام .E.Littmannاللغويني هـ. مولدر، وإنو ليتمان

ة أكثر رحالة والباحثني حصيلة مناسبة لتحقيقات علميومع أوائل القرن العشرين جتمعت من جهود ال Alois Musilلشبه اجلزيرة. وقد ساهم فيها بنصيب كبري ألوا موزيل مشوال عن التاريخ القدمي

(، قام 1915 - 1896فقدم دراسات تفصيلية عن مشال احلجاز ومشال جند، خالل عشرين عام ) عن جنوب فلسطني وابدية الشام. وقدفيها بعدة رحالت، مع دراسات مستفيضة أخرى

(1/20)

، وتناول فيها طبوغرافية األرض ومصادر املياه، وحقق 1930 - 1907نشرها يف عدة كتب بني طرق التجارة، وتعرف على كنه املواضع اليت عثر فيها على أمساء األماكن، واألعالم، وترسم

عربية واإلغريقية والالتينية. وحاول أن يربط بني هذا النصوص القدمية النبطية والثمودية واللحيانية، والوأنبيائها كشعوب مدين ومثود وإرم كله وبني ما ذكرته قصص الكتب املقدسة عن شعوب املنطقة

وخروج بين إسرائيل مستعينا برواايت املؤرخني واجلغرافيني اإلغريق وقصة يوسف وقصة موسى املسلمني، وما انتهت إليه الدراسات احلديثة لآلاثر والرومان، ومؤلفات املؤرخني واجلغرافيني

ة عن السكان وحياة البدو االجتماعية ىف والنصوص حىت أايمه، وكل ذلك إىل جانب الكتابة املعتاد لذي قام فيها برحالته.العصر احلديث ا

فينياك ويف نفس الوقت تقريبا، غلبت الصبغة اللغوية واألثرية على رحالت الباحثني جوسني وساA.Jaussen,R.Savignac يف مشال شبه اجلزيرة وساحل احلجاز، وكاان من اآلابء

يانية الفرنسيسكان ىف القدس، وأسهما يف نشر وإعادة نشر عشرات من النصوص النبطية واللحوالثمودية وترمجتها، ودراسة اآلاثر ىف تفصيل وتصويرها تصويرا دقيقا، ال سيما ىف مدائن صاحل

( ويف عدد من 1920 - 1909بة مث يف تيماء. وقد نشرا ذلك كله ىف ثالثة أجزاء كبرية )واخلريضة عن راساهتما من األسس الىت اعتمدت عليها املؤلفات املستفيالبحوث القصرية. وكانت د

- er,J.Contineau A.Kramer -احلضارة النبطية )مثل مؤلفات كرامور، وكونتينو وفريتز كاسكل يف مثل مؤلفات فريدرك وينت،وعن احلضارة اللحيانية )

F.V.Winnett,W.Caskel ( ( وعن احلضارة الثمودية )يف مثل مؤلف فإن دن براندنA.Van den Branden. )

جزئيا جبنوب جند، فكأن أول األوربيني Bertram Thomasوماس واهتمت رحالت برترام ت، حني عرب اجلزء الشرقي منه ىف طريقه من ظفار الذين حاولوا كشف النقاب عن طبيعة الربع اخلايل

رحلته، ورسم خرية ملسالكه ومعامله الطبيعية. وكانت إىل قطر، وقدم مناذج جيولوجية وأثرية من عن Z.Thesigerوتشيجر H.St. J.B. Philbyسان جون فليب دراساته عوان لدراسات

الطرق التجارية الىت كانت حتاذي حافته الربع اخلايل، وهي دراسات نبهت ضمن ما نبهت إىل بعض ا بعض حمطات القوافل.الغربية وتقوم فيه

ختلفت يف ولعل اآلراءمل ختتلف يف احلكم على مؤلفات ابحث ىف اتريخ شبه اجلزيرة العربية كما اك احلكم على مؤلفات فليب العديدة. وكل ما ميكن قوله إنه قدم يف ثناايها معلومات متناثرة كثرية، وتر

لغريه أن ينتقي منها وميحصها.

(1/21)

وتتابعت اجلهود العلمية حىت اآلن، كما تعدد املشتغلون ابللغوايت واآلاثر والدهور احلجرية والتاريخ املناطق الواسعة، وظهرت منهم أمساء المعة التزال تقدم حبوثها حىت اآلن من القدمي عن كل هذه

بالد العربية، ممن سوف نعاود التنويه هبم يف الفصل احلادي عشر، األجانب ومن املواطنني ومن بقية الفمنهم من يستهدف الدعاية وال تكاد صفحة مما مع وجود التفاوت املعتاد بينهم فيما ينشرونه،

ختلو من اهتمامه أبنه قابل فالان وأكل عند هذا وقال هلذا .... ومنهم من يكتفي ابلوصف يكتبه نهم كذلك من يفضل العلم للعلم فيدقق وجيدد، وهو األنفع واألبقى.والدراسة السطحية، وم

من املؤلفات املختارة ىف دراسات الفصل: .1964بريوت -مرتجم-)جاكلني(: اكتشاف جزيرة العرب برين

يف دائرة املعارف اإلسالمية.-: مادة العرب 1جرومهان، .1969سبتمرب -محد اجلاسر: يف جملة العرب

إصدار -صاحل: الرحالت والكشوف األثرية للعصر احلديث يف شبه اجلزيرة العربية عبد العزيز .93 - 5ص - 1981الكويت - 4ة دراسات اخلليج واجلزيرة العربي

جامعة الرايض 1جـ-ي، الدوري، اجلاسر: يف مصادر اتريخ اجلزيرة العربية وات، جونز، ابر، لطف )يف مواضع خمتلفة(. 1979

(1/22)

ثاين: ممهدات العصور التارخيية يف شبه اجلزيرة العربيةل الالفص مدخل

... الفصل الثاين: ممهدات العصور التارخيية يف شبه اجلزيرة العربية

أسلفنا أن املفهوم العلمي للتاريخ القدمي يف شبه اجلزيرة العربية ال يقتصر على عهود اجلاهلية مبعناها ىل حضارات أخرى سبقتها بعصور طويلة وآماد بعيدة.لك إد كذالتقليدي احملدود، وإمنا ميت

وبدأ النشاط العملي لإلنسان القدمي فيما قبل التاريخ يف املناطق الصاحلة لإلقامة خالل ما يسمي اصطالحا ابسم الدهور احلجرية تلك اليت تبعد أزمنتها عن عصران احلاضر بعشرات اآلالف من

لثاين من كتابنا عن الشرق األدىن القدمي أنه تعاقبت خالهلا على صل االف األعوام. وقد قدمنا عنها ىفشبه اجلزيرة العربية وغريها من مناطق العروض الوسطي يف الشرق األدىن، عصور مطرية طويلة،

وعصور جفاف عنيف طويلة أيضا )وذلك يف مقابل ما شهدته العروض العليا يف أوراب مثال من عصور جعه(.ترا عصورتقدم اجلليد و

وكان لكل طائفة من هذه العصور نبااتهتا وحيواانهتا املناسبة لظروفها، كما أن أتثرياهتا الطبيعية أي أتثريات العصور املطرية وعصور اجلفاف ميكن ترمسها جزئيا حىت اآلن يف تكوينات األودية الكبرية الىت

محر، ويضيع معظمها اآلخر يف قلب ر األالبحجيري بعضها انحية اخلليج العريب، وجيري بعضها انحية الصحراء. ومن هذه وتلك وادي احلمض ووادي الرمة ووادي حنيفة ووادي فاطمة ووداين

حضرموت وبيجان وحريب وأذنة .. إخل. وكلها كانت قد شقتها مياه أمطار غزيرة يف فرتات قدمية هور احلجرية، وهي أدوات الد دواتطويلة. ويغلب على الظن أن مدرجاهتا ال تزال حتتفظ ببعض أ

متواضعة صنعها اإلنسان البدائي واستخدمها يف الدفاع عن نفسه ويف صيد احليوان ويف حتصيل قوته. وعثر على مناذج منها يف أحناء خمتلفة من األحساء والعروض، واألطراف الشمالية، ومناطق متفرقة من

على أغلبها عن طريق املصادفة، ولكن عددا عثر دايةدول اخلليج واليمن الشمايل واجلنويب. ويف الب من بعثات اآلاثر الدامنركية

(1/23)

اخلليج العريب. والعربية قد أولتها أخريا عناية خاصة يف حفائرها بشرق شبه اجلزيرة ومناطق دول ل وسوف نتناول خصائصها وماتدل عليه حني الدراسة التفصيلية لألماكن الىت وجدت فيها يف الفص

احلادي عشر.جري ومن احملتمل أن تكون شبه اجلزيرة العربية قد شاركت بقية مناطق الشرق األدىن منذ العصر احل

رعي بعد مرحلتني متتابعتني مهدات هلا، احلديث ىف األلف السادس ق. م. أو حنوه يف معرفة حرفة الون احتياطيا حيا من اللحم ومها مرحلة أسر بعض احليواانت الربية الصغرية من آكالت العشب لتك

نسان، السيما ما كان يف فرتات اجلفاف وقلة احليواانت، مث مرحلة استئناسها وتعويدها على جرية اإل منها من ذوات الظلف املدرة للنب.

تناول ظروف شبه اجلزيرة يف تلك الدهور البعيدة، فال ينبغي أن نتصور هلا حدودا مغلقة على وحني نأهلها، فاحلدود اإلقليمية مل تكن معروفة بعد، وكانت اجلماعات تنتشر هنا وهناك أهلها أو أمام

وان الصيد اه حبثا عن األراضي النباتية واملعشبة الىت يتوافر فيها حيحيثما استطاعت ويف كل اجت والرعي وموارد املاء على نطاق الشرق األدين ابتساعه الكبري.

وسط لشبه اجلزيرة العربية قد يسر لبعض سكان أطرافها أن يشاركوا ومن احملتمل كذلك أن املوقع املتطار اهلالل اخلصيب حني بدأت عصورها التارخيية منذ األلف يف نقل املتاجر املناسبة لعهودهم بني أق

لث ق. م. وازدادت معها إمكانياهتا ومطالبها. كما قام بعض هؤالء السكان بدور الوسيط الثااليت يراتدوهنا، عملوا كذلك يف صلب العصور التارخيية على نقل ما ميكن االجتار التلقائي يف املناطق

لعريب.ها ال سيما منتجات البخور واللبان والصموغ واملر من اجلنوب ابه من منتجات بالدهم نفسويبدو أن هذا الدور التجاري مل يتم على نطاق أوسع إال بعد استئناس اجلمل سفينة الصحراء

ه يف النقل واألسفار، نظرا ملا هو معروف عن قدرته على حتمل املشقة والعطش والسري واستخدامقرب من قدم اء. وليس من املستبعد أن معرفة اإلنسان ابإلبل كانت قدمية وتاملتصل يف رمال الصحر

ئة معرفته بغريها من احليواانت آكلة العشب املدرة للنب )ففي مصر القدمية مثال كشف عما يشبه هيمنوذجا أثراي منذ فجر التاريخ حىت الدولة احلديثة(. ولكن الغريب هو أن مصادر 15اجلمل يف حنو

يف وقت متأخر يقدره الباحث اجلزيرة واهلالل اخلصيب ومصر مل تذكر اجلمل أو امسه صراحة إالشبه ق. م.(. 12قرن ( ابلنصف الثاين من األلف الثاين ق. م. )ويف حوايل الW.Albrightألربايت )

ى استخدام اجلمل يف النقل والتنقل يف شبه اجلزيرة لكان فيه وإذا صح أن هذا التاريخ ينطبق فعال عل ما يفسر بداية

(1/24)

ل ذلك يعتمدون التغيري يف احلياة النمطية لسكاهنا يف وقت الحق بقليل. ويبدو أن العرب كانوا قبوأصبحوا ه، فلما استخدموا اإلبل زادت إمكاانهتم االقتصادية على احلمري. وهلذا ظلت حتركاهتم بطيئ

أقدر على مداومة االتصال بعضهم ببعض. وعلى تكوين الوحدات السياسية ىف بعض املناطق الل اخلصيب وانتفعوا املشجعة على حياة االستقرار. واتسعت آفاق اتصاالهتم حينذاك جبرياهنم يف اهل

ط ما يتجه تقدمة وأخصها فكرة الكتابة. ورمبا زكى هذا االرتباببعض عناصر خصائص حضاراهتم املإليه بعض الرأي من إرجاع أوائل النصوص العربية املعروفة، وهي جمرد خمربشات أولية يف مثل وادي

ت حول نبع ماء دائم وعدة برك بيجان ابجلنوب العريب، إىل أواخر األلف الثاين ق. م. وقد وجد صغرية.

دول وإمارات عدة على فرتات الطبيعية والبشرية والتطورية اليت تقدم ذكرها ظهرت وبفضل العوامل خمتلفة يف مناطق متفرقة من شبه اجلزيرة. فتميزت يف اجلنوب العريب مخس دول كبرية، وهي سبأ

لى بعض، وتعاقب بعضها إثر بعض. وكانت وقتبان وأوسان ومعني وحضرموت، وقد تعاصر بعضها عمبا اتصفت به بيئاهتا من منها وهي سبأ عدة أطوار متعاقب. وانتفعت هذه الدول للدولة األوىل

الوفرة النسبية يف األمطار والوداين واألهنار. والوفرة النسبية ابلتايل يف حماصيل الزراعة ومنتجاهتا ك ة، ورمبا يف بعض املعادن أيضا كالذهب. وانتفعت كذلالبخور والصموغ واللبان واملر والذرير

ة الىت كانت تربط بني جنوب شبه اجلزيرة وبني إبشرافها على مداخل طرق القوافل التجارية الرئيسيمشاهلا مث تتفرع بعد ذلك إىل خمتلف مناطق اهلالل اخلصيب، مث إبشرافها شيئا فشيئا على مناطق

لى احمليط العريب )أو ا )احملدودة( وخلجاهنا الطبيعة على البحر األمحر وعساحلية طويلة أطلت مبوانيهق اإلنتاج الطبيعي على سواحل أفريقيا الشرقية. وبعد ذلك مع اهلندي( فتعاملت منها مع مناط

سواحل اهلند الغربية. وقامت بدور الوسيط التجاري يف تصديرها إىل مناطق االستهالك واالسترياد يف ارجي املتحضر القدمي.العامل اخل

ى والشرقية من قرار واحلضارة ىف املناطق الشمالية والغربية والوسطوتوزعت مناطق العمران واالستشبه اجلزيرة العربية واخلليج، على أسس مشاهبة فرتكزت يف الوداين وحول موارد املياه يف مناطق

تجارية الكبرية املؤدية إىل اخلارج، الواحات واحلرات وحول الطرق التجارية الداخلية. والطرق ال املوانئ على السواحل البحرية.وحول اخللجان و

العصور إمارات مدين وعاد ومثود. وممالك دومة، وقيدار، وتيماء وددان، وهكذا ظهرت مع توايل وحليان، واألنباط، وكندة وجتمعات مذحج واألزد

(1/25)

راء وآملج وقحطان ومعد. كما ازدهرت مكة ويثرب، وانتعشت مواين الشعيبة واجلار والوجه واحلو ر، وجرها وأقطار دملون وماجان وملوخا على اخلليج العريب.ى البحر األمحعل

ورمبا قامت إىل جانب ذلك جتمعات قبلية أخرى يف قلب الصحراء مل تكتشف آاثرها بعد. وأخريا قامت على األطراف الشرقية والشمالية الغربية. دولة املناذرة، ودولة الغساسنة، حىت ظهر اإلسالم

ربية دولة كبرية واحدة.اجلزيرة الع وجعل من شبهومل يقتصر نشاط العرب القدماء على أرضهم، وإمنا خرجت جاليات منهم إىل جزيرة سوقطرة وساحل

الصومال وشاطئ احلبشة وميناء رهابتا قرب دار السالم يف شرق أفريقيا. وذلك بطبيعة احلال إىل الل اخلصيب على فرتات متباعدة عض أراضي اهلاستوطنت يف بجانب هجراهتم الشعوبية الكبرية الىت

ال سيما يف مناطق األطراف الواصلة بينها وبني البوادي القريبة منها.وسوف يعرتضنا خالل البحث التفصيلي للدول واإلمارات العربية القدمية كثري من اجلدل حول حتديد

لوا أحداثها بتاريخ مارات مل يسجك الدول واإلبداايهتا الزمنية. وترتب هذا اجلدل على أن كتبة تلاثبت إال يف عهود متأخرة. ومل يسجلوا سنوات حكم ملوكهم إال يف عهود متأخرة أيضا. ومل تعرف هلم حىت اآلن قوائم ترتب أمساء حكمهم واحدا بعد اآلخر. وذلك حبيث أنه ال يتيسر حتديد عهد حاكم

خارجي معاصر له، من النصوص عليه يف نص مسه أو مايدلمنهم حتديدا قاطعا إال إذا ورد ااملسمارية، واملصادر املصرية والشامية واإلغريقية والرومانية، أو إذا كان عهده من العهود املتأخرة

ق. م.، 312الىت استخدم بعض العرب فيها التاريخ الثابت، حني عرفوه على أطراف الشام بعد عام . م. واستخدموه يف دولة األنباط يف عام ق 109وبني 115ام ما بني وعرفوه يف سبأ ومحري يف ع

بعد امليالد. 106

(1/26)

خطوط الكتابة القدمية يف شبه اجلزيرة العربية...

اجلزيرة العربية خطوط الكتاابت القدمية يف شبهموعتني ترجع خطوط الكتاابت القدمية الىت سبقت اخلط العريب املألوف يف شبه اجلزيرة العربية، إىل جم

كبريتني: جمموعة شاعت فيها كتابة املسند، وهي كتابة استخدمتها الدول العربية اجلنوبية املتحضرة فيها بعض اإلمارات واجلماعات الشمالية ة، سبأ وقتبان ومعني وحضرموت وأوسان. مث شاركتها القدمي

حور كتبتها يف أشكال حروفها والغربية يف شبه اجلزيرة العربية وما يتصل هبا من جنوب الشام، بعد أن ان وتعديالت مبا يتفق مع مدى إتقاهنم هلا ورمبا مبا يناسب خمارج ألفاظهم، تعديالت عفوية أحيا

ها خبطوط إقليمية امتاز منها اخلط اللحياين واخلط الثمودي مقصودة أحياان أخرى. وهكذا خرجوا منقليمية ميكن التمييز فيها أيضا بني عدة واخلط الصفوي. ويرى بعض اللغويني أن هذه اخلطوط اإل خطوط فرعية حملية اختلفت فيما بينها ابختالفات طفيفة.

رامية وكتب هبا فريق آخر من نية من اخلطوط اعتمدت أساسا على قواعد الكتابة اآلمث جمموعة اثحتويرا قليال أو الدول واإلمارات العربية الشمالية والغربية، بعد أن حور كتبتها فيها هم اآلخرون

كثريا. وأهم هذه الدول هي إدوم واألنباط وتدمر، مع احتمال وجود خطوط أخرى فرعية يف من اخلط النبطي يف األجيال القليلة الىت ها. وأخريا اشتق كتبة احلجاز اخلط العريب الصريح داخل

سبقت ظهور اإلسالم ال سيما يف مكة ويثرب.تاابت الشمالية منها واجلنوبية منقوشة على سطوح حجرية كبرية وعثر على بعض نصوص هذه الك

وسفوح اجلبال وقواعد التماثيل وسطوح النصب وصغرية مثل جدران املعابد ومداخل املدن واحلصون جر الصغرية. وعثر عليها منقوشة كذلك على سطوح معدنية كالصحاف وقواعد التماثيل وكسر احل

ا. ورمبا كانت منقوشة على األخشاب أيضا. ولكن ندر حىت اآلن ما الصغرية وقطع العملة وما إليهواح الصلصال اليت كتب عليها كتبة اهلالل اخلصيب، حيتمل معه أن العرب القدماء كتبوا عليه من أل

اجللود والرق والعظام وحقاف النخيل الىت كتب العرب عليها يف صدر اإلسالم، أو صحائف و ليها املصريون القدماء مث تعلم استخدامها منهم بعض اآلراميني. ولو أنه الربدي الىت صنعها وكتب ع

ها الشمال ويف اجلنوب كتبوا على بعض هذه املواد، ولكنليس من املستبعد أن العرب القدماء يف بليت مبرور الزمن نظرا لطبيعتها اهلشة وفعل األرضة واحلشرات فيها.

(1/27)

كتبة املهرة مطولة إىل حد ما نقش الكن التمييز بني نوعني: نصوص ويف سياق النصوص املنقوشة ميحروفها بعناية على جدران املعابد والنصب وواجهات املقابر واملباين الدنيوية الكبرية أحياان، وعلى

بعض املصنوعات الثمينة. مث نصوص أخرى خمتصرة أطلق املستشرقون عليها لفظ املخربشات. وقد ة مطالب حياهتم اليومية، فها ىف عجلة رجالة عاديون من أهل املدن والقرى خلدمحزها أو خربش حرو

كما حزها وخربش حروفها بعض الكتبة املصاحبني للقوافل على سفوح التالل وجوانب الوداين الىت كانوا ميرون هبا ويرحيون عندها، وسجلوا فيها بعض أمسائهم ودعواهتم أبمساء معبوداهتم، بل وبعض ما

هلم من خواطر شخصية أيضا.عن

(1/28)

كتابة املسند:يف األجزاء اجلنوبية كتابة املسندا ليس ما ميكن أتكيده حىت اآلن عن املنطقة أو الدولة الىت بدأت فيه

من شبه اجلزيرة العربية. فبينما كان هناك رأي قدمي رد ابتداعها إىل دولة معني، نبه رأي آخر إىل داللة قدم صور معروفة هلذه الكتابة يف دولة قتبان. ونبه رأي اثلث إىل وضع ظاهر تركز أغلب العثور على أ

ة سبأ موضع االعتبار.النصوص املعروفة حىت اآلن يف دولومرة أخرى ليس ما ميكن أتكيده عن العهد الذي ظهرت فيه بداية كتابة املسند يف هذه املناطق،

أبواخر األلف الثاين ق. م. أو أوائل األلف األول ق. وذهب بعض االحتمال إىل تعيني هذا العهد خيا أحدث من هذا بكثري.م.، كما أشران إىل ذلك من قبل، وإن افرتضت جاكلني برين هلا اتر

وتضمنت كتابة املسند تسعة وعشرين حرفا جامدا مل تتأكد أمساؤها القدمية وال ترتيبها القدمي حىت ية وعشرين حرفا جامدا مل تتأكد أمساؤها القدمية وال ترتيبها القدمي اآلن. ولكن تشاهبت أصوات مثان

فا منها مع أصوات حروف اهلجاء العربية حىت اآلن. ولكن تشاهبت أصوات مثانية وعشرين حر احلالية، وزادت عليه حرفا واحدا يسمى )يف العربية( حرف سامك كان ينطق قريبا من نطق حرف

جود سني أخرى عادية يف كتاب املسند )وقد وجد حرفان للسني ىف الكتابة السني على الرغم من و نها حرف ال املركب يف الكتابة العربية.املصرية القدمية أيضا(. وذلك يف مقابل عدم تضم

وتتصف كتابة املسند بصفات أخرى بعضها اختصت به. وبعضها اشرتكت يف مع غريها من الكتاابت ن ذلك على سبيل املثال:السامية القدمية. وكان م

(1/28)

رحية أو مقاطع صوتية. وقد يدل ذلك على أنه كانت هلا أوال: كانت حروفها ختطيطية، وليس صورا صأصول أخرى تصويرية مل تكتشف بعد، أو أهنا نقلت حروفها انضجة من كتابة أخرى متطورة هي فيما

يغلب على الظن الكتابة الكنعانية املبكرة.هو شأن : أن حروفها ظلت تكتب منفصلة غري متصلة. الواحد منها جبوار اآلخر، وكان ذلكاثنيا

أغلب الكتاابت القدمية أيضا حىت ما قبل امليالد بقليل.اثلثا: مل تتغري أشكال حروف املسند، سواء كتبت يف بداية الكلمة أو وسطها أو آخرها. وكانت

إىل اليسار. ولكن فردية احلروف، وثبات أشكاهلا، كل منهما سطورها األفقية تكتب عادة من اليمني بداية السطور من اليسار أحياان. وقد خيالف الكتاب بني بداييت سطرين متتاليني مسح لبعض الكتبة ب

فيبدأ أوهلما من اليمني ويبدأ الثاين من اليسار، إما إلظهار املهارة ورغبة التغيري، أو للتعمية على يف النصوص اللغوية. القارئ العادي

ألفقي خبط قائم، دون ترك مسافة رابعا: كانت كل كلمة فيها تنفصل عن األخرى يف سطرها امقصودة بني كلمة وأخرى إال يف القليل النادر وذلك مع إحلاق حرف الوصل أبول الكلمة املتصل

هبا.حلروف، شأهنا يف ذلك شأن خامسا: أهنا مل تتضمن حروفا لينة أو حروف حركة ومل تسجل تشكيل ا

ن ترجيح استعمال احلروف اللينة يف لغتها أغلب الكتاابت السامية القدمية، وإن مل مينع هذا م املنطوقة ووجود قواعد شفهية لنطق كلماهتا مشكلة.

سادسا: أهنا مل أتخذ ابحلروف املنقوطة، واكتفت بتغيري أشكال حروفها املتقاربة بعضها من بعض.ما عربت أحياان أهنا عربت أحياان عن التعريف والتنوين إبضافة نون أخرية يف هناية االسم، كسابعا:

عن التنكري إبضافة حرف ميم أخرية يف هناية االسم، وذلك مبا يتفق مع هلجة أهلها.اثمنا: أهنا نسبت أغلب أفعاهلا إىل ضمري الغائب، على الرغم من معرفة لغتها بضمائر املتكلم

خاطب يف اإلفراد واجلمع والتذكري والتأنيث.واملواهلا بكتابة أصول األفعال، وتركت للقارئ أن يستنتج صيغ هذه اتسعا: أهنا اكتفت يف أغلب أح

األفعال من سياق النصوص، فيما خال التعبري عن صيغة املستقبل إبضافة حرف السني أو حرف اهلاء يف بدايتها، مبا يتفق مع هلجة أصحاهبا.

(1/29)

رار احلرف املراد تشديده، ومل تتضمن ما يعرب صراحة عن عاشرا: أهنا عربت عن التشديد أحياان بتك صيغة االستفهام وما يشبهها.

وتعددت آراء اللغويني يف تعليل تسمية كتابة املسند وأقرب هذه اآلراء إىل االحتمال رأين ومها: ون كلمة مسند مبعىن الكتابة على اإلطالق. ويزكي هذاأوال: أن العرب اجلنوبيني كانوا يستخدم

الفرض أن بعض األوامر امللكية القدمية كانت تبدأ عندهم بعبارة: سطرو ذن مسندن، أى: سطروا أو أكتبوا هذه الكتابة.

اثنيا: أن الفواصل القائمة بني كل كلمة وأخرى يف هذه الكتابة، قد أوحت إىل أهلها، أو أوحت إىل عتبار أن كل كلمة فيه تكاد تستند على خني املسلمني، بتسمية خطهم ابسم اخلط املسند، على ااملؤر

اخلط القائم الذي يسبقها واخلط القائم الذي يليها.أسلفنا أن بعض الدول واجلماعات العربية الشمالية كتبت ابخلط املسند، نتيجة لظروف واتصاالت

ية. وكانت ن أو حليان الىت قامت حاضراهتا يف واحة العال احلالنتعرض هلا فيما بعد، وأمهها دولة دداحروفها أقرب احلروف الشمالية شبها حبروف املسند اجلنوبية، مع تعديالت طفيفة فيها. مث مجاعات

الثموديني الذين تعددت مناطقهم يف مشال احلجاز ومشال جند وغريمها من مناطق شبه اجلزيرة ليدية يف النصوص هم الرأسية خبط تقيدوا فيه أبشكال حروف املسند التقوخارجها، وقد كتبوا نصوص

الرئيسية، وخط آخر اشتقوا أشكال حروفه من أشكال املسند أيضا ولكنهم حوروا فيها حتويرا ملحوظا وغالبا ما استخدموه يف النصوص املوجزة واملخربشات. أما املنطقة الثالثة الىت أخذت بكتابة

لعة الزرقا إىل الشمال انتشرت نصوصها أساسا بني جبل سيس شرقي دمشق وبني قاملسند فقد الشرقي من عمان )وعلى سفوح جبل حوران إىل اجلنوب الشرقي من دمشق(. ومسيت كتابتها

اصطالحا ابسم الكتابة الصفوية، مع أن أقدم نصوصها وجدت يف احلرة وليس يف الصفا، ولكن كثرة كتبتها يف رسم حروفها عن بينها دعيا إىل نسبتها جتاوزا إىل الصفا. وقد حور احلرار واتقاء اللبس

حروف املسند أكثر مما فعل غريهم.ومل ينتشر اخلط املسند القدمي يف هذه املناطق العربية وحدها، وإمنا وجد سبيله كذلك إىل منطقة

اللغة األفريقية احمللية وبني أكسوم احلبشية حيث كتب به اجلعزيون )وهم األحرار من نصوصهم بنيبية. ويرى بعض اللغويني أن تسميات احلروف وترتيبها فيما احتفظت به األجبدية اللغة العربية اجلنو احلبشية قد تلقى

(1/30)

العريب القدمي نظرا للصالت املكانية والبشرية ضوءا على تسميات وترتيب احلروف يف اجلنوب واحلضارية بني اجلانبني.

(1/31)

اخلط النبطي وتطوره إىل اخلط العريبلتنويه مبجموعة رئيسية اثنية من اخلطوط القدمية يف شبه اجلزيرة العربية رجعت أصوهلا إىل سلف ا

الكتابة اآلرامية مث سلكت وجهات إقليمية أو شعوبية، ومتايز منها اخلط النبطي واخلط التدمري فضال ط العريب ووثيق يعنينا اآلن منها اخلط النبطي خباصة لوثيق صلته ابخلعن اخلط السرايين ... إخل. و

صلة أصحابه ابلعرب.تعلم كتبة األنباط اخلط األرامي من موضعني، من إمارة إدوم بعد أن استقروا يف أرضها وتغلبوا على

شق حكمها يف نواحي هضبة إدوم وجبل سعري شرقي العقبة وجنوب شرقي األردن، مث من دويلة دمواستفادوا من حضارهتا وحاولوا أن حيتلوها أكثر من اآلرامية األصل الىت اتصلوا هبا عن طريق التجارة

مرة. وحني تعلم األنباط اخلط اآلرامي تعلموه كيفما اتفق ويف غري دقة كبرية، فرمسوا حروفه يف أشكال ا عربية ذات رطانة آرامية السيما ىف خمتصرة وكتبوا هبا لغتهم احمللية وكانت لغة عربية ىف جمملها ولكنه

الشمالية. مناطق استقرارهموكان اآلراميون ومن أخذوا خبطهم قد كتبوا حروفهم من قبل مفردة، وكلماهتم متعاقبة دون فواصل بينها. فلما انفرد األنباط خبطهم كان خري مازادوه فيه جتديدان، ومها حماولة وصل حروف الكلمة

ضهما. مث حماولة الفصل ، أو على األقل حماولة وصل احلرفني املتجاورين مع بعالواحدة بعضها ببعضبني كل كلمة والكلمة الىت تليها يف سطرها األفقي بطريقة ما. وأدى هذان التجديدان إىل زايدة

الفوارق بني اخلط النبطي وبني أصوله اآلرامية القدمية.ة حريف الباء والراء يف كلمة بر مبعىن بن نظرا لكثر وبدأ كتبة األنباط خطوة وصل احلروف ابلوصل بني

استخدامها يف ذكر نسب الشخص إىل أبيه. واختذوا الوصل بني هذين احلرفني منوذجا لكلمات ثنائية أخرى تبدأ حبرف الباء )مثل به(، وذلك منذ القرن األول قبل امليالد على أقل تقدير. مث طبقوا هذا

ات الثالثية اليت الثنائية األخرى )مثل يد، من، نه، إخل(. وبعض الكلم الربط على أغلب الكلماتيكثر استعماهلا يف كتابة النصوص مثل كلمة ملك، وفعل عبد مبعىن صنع، وذلك منذ القرن األول امليالدي. وعملوا بعد ذلك على تطبيق هذه الطريقة على كثري من كلماهتم األخرى خالل القرنني

ل األلف والواو(.عد امليالد، مع استثناء حروف معينة تركوها مفردة )مثالثاين والثالث ب

(1/31)

ببعضها، وهي: واستخدم األنباط أربع وسائل يف ربط احلروف أسند احلرف على ساق احلرف الذي يليه.

ب ربط احلرف بذيل احلرف الذي يليه. ج مزج احلرف مع احلرف الذي يليه مثل: ال.

ة من أسفلها برابط واحد.د ربط حروف الكلموشابه األنباط ىف حماوالت الربط بني احلروف، كتبة دولة تدمر يف القرن الثالث امليالدي على أقل

قدير.تأما خطوة الفصل بني كل كلمة وأخرى، فاستخدم كتبة األنباط هلا أربع وسائل أيضا ال زلنا نستعمل

بعضها حىت اآلن، وهي: إذا أتى يف أول الكلمة وبني شكله إذا أتى يف وسطها أو يف هنايتها. أالتفرقة بني شكل احلرف

ب إطالة ذيل احلرف النهائي للكلمة. مة والكلمة اليت تليها بفراغ قليل، ولو أن هذه الوسيلة كانت قليلة االتباع.ج الفصل بني كل كل

ل األلف النهائية والتاء د إضافة حروف أجنبية استعاروها من نصوص جرياهنم، إىل هناية الكلمة )مث النهائية(. ولو أهنم ما لبثوا حىت استغنوا عن بعضها بعد أن تعودوا على بقية وسائل الفصل األخرى.

وظلت تنقص الكتابة النبطية خطوات أخرى مل يستكملها العرب إال يف صدر اإلسالم، وهي:الثاء، والدال مع الذال، والصاد مع عدم تنقيط احلروف املتقاربة مما أدى إىل تشابه كتابة التاء مع

الضاد .. إخل. وضا عن مالك(.وعدم كتابة حروف احلركة أو حروف املد يف داخل الكلمة )مثل كتابة ملك ع

وعدم تشكيل احلروف أو الكلمات.وكتابة اتء التأنيث األخرية اتء مفتوحة على الرغم من نطقها هاء، مثل حرثت عوضا عن حارثة.

وضا عن كليبة ... إخل.وكليبت ع ولكن يف مقابل هذا تضمنت اللغة النبطية بعض القواعد الىت عرفتها اللغة

(1/32)

الفاء والواو للرتتيب، واالستثناء بكلمة غري، واستخدام العربية، مثل إضافة الـ التعريف، واستخدام املاضي يف الدعاء.

دموه، أضافوا إليه بضعة جتديدات قبيل ظهور وبعد أن ورث العرب الشماليون خط األنباط واستخي السطر اإلسالم ويف أوائله. ومن هذه التجدايت ربط بعض احلروف من رأسها لتصبح حتت مستو

يف لفظ الرمحن. وزادوا يف حتوير أشكال بعض احلروف إىل صور قريبة مما نستخدمه مثل الراء والنونسطها وهنايتها، وشكل الياء يف أول الكلمة ويف آخرها هلا اآلن مثل شكل اهلاء يف بداية الكلمة وو

... إخل.لهجتهم دة صبغ النصوص النبطية بوكما استفاد الكتبة العرب من أسلوب اخلط النبطي أثروا يف زاي

العربية على حساب اللهجة اآلرامية منذ القرن الثالث والقرن الرابع امليالديني كما يتضح يف نقش ء، مث جعلوها عربية خالصة يف القرنني اخلامس والسادس اليالديني، كما يتضح النمارة ونقوش سينا

من نيقش زبد ونقش حران.طقة الىت تطور اخلط النبطي فيها إىل صورته العربية ون القدماء ىف حتديد املنواختلف املؤرخون املسلم

ىل احلرية، وقالوا فيما قالوه الىت عرف هبا قبيل ظهور اإلسالم. واجته أغلبهم إىل نسبة هذا التطوير إاألنبار إن أهل احلرية أخذوه عن األنبار وإن األنبار أخذوه عن اليمن، وإن ثالثة من قبيلة بوالن يف

حلروف املقطعة واملوصولة، واملنقوطة وغري املنقوطة.اجتمعوا فوضعوا اأهل احلرية يف عهود ويبدو أنه ساعدهم على القول هبذا الرأي ما تواتر إليهم عن رقي حضارة

املناذرة، وما علموه من أن بعض عرهبا النصارى كانوا يكتبون اإلجنيل ويقرءونه، ويدونون أخبارهم وأن فريقيا منهم كان يقرأ الفارسية واليواننية.ن أبناءهم إىل الكتاتيب، ويرسلو

ا عن أصل اخلط العريب واجته الباحثون احملدثون وجهة أخرى، ومنهم خليل حيىي انمي الذي أصدر حبث استبعد فيه الرأي السابق، على اعتبار أن املسيحيني من أهل احلرية كانوا يكتبون ابخلط السرايين،

ا من الكتابة اآلرامية إال أنه فرع بعيد عن أصول الكتابة العربية.خلط السرايين وإن كان فرع وااملؤرخني املسلمني القدامى يف ختمني منطقة وكان املؤرخ العريب هشام الكليب أكثر توفيقا من بقية

هم عن أهل مدين. تطوير اخلط النبطي إىل صورته العربية، فنقل عنه ابن الندمي أن العرب أخذوا خطاطع الىت حفظ العرب هبا أجبديتهم تعرب عن أمساء ملوك مدين. ورأ خليل انمي وغريه أنه ال وأن املق أبس من

(1/33)

األخري، وذلك على اعتبار أن األنباط انشرتوا يف ن الشطر من هذا الرأي دو قبول الشطر األولنفس املنطقة الىت كان يسكنها قدميا أهل مدين وكتبوا فيها خبطهم )يف مثل مغاير شعيب واحلوراء يف مشال احلجاز(. وعن هذا اخلط األنباطي أخذ عرب احلجاز ولكن ليس عن خط أهل مدين ابلذات،

الية وتعاملهم معها يف التجارة وما تتطلبه شئون التجارة من م قرهبم من املناطق الشمويسر ذلك هلالكتابة. وكانت أهم مراكز الكتابة يف مناطقهم هي مكة ويثرب. وقد ذكر البالذري أنه ملا ظهر

اإلسالم كان يف قريش سبعة عشر رجال كلهم يكتب. وكانت الشفاء بنت عبد هللا العدوية حتسن ثرب كان من األوس واخلزرج عدة يكتبون.تابة. وملا دخل اإلسالم يالك

تشاهبت النصوص القدمية يف شبه اجلزيرة العربية مع نصوص احلضارات األخرى يف الشرق األدىن وغريه يف بعض أغراضها واختلفت عنها يف بعض آخر. فتشاهبت معها يف اهتمامها بتسجيل أخبار

ات العمرانية والدفاعية، وتسجيل الدعوات املنشآت العامة واملشروع االنتصارات احلربية، وإقامةالدينية وألفاظ التعبد، واهلبات املقدمة إىل املعابد، وتسجيل مراسيم الضرائب وبعض املعامالت

الشخصية كالبيوع واملواريث، وتسجيل أمساء أصحاب املقابر ودعواهتم وختصيصها هلم. ولكن هذه صوص احلضارات الكبرية القدمية األخرى من قصص صها حىت اآلن ما تضمنته نالنصوص ال تزال تنق

وأساطري وعلوم وتعاليم مطولة، وال تزال تنقصها كذلك املدوانت التارخيية املنسقة الىت تتحدث عن قصد عن أخبار املاضي وحوادثه وترتب أمساء حكامه وعهودهم تدوينا مرتبا متصال. وليس من

ماء قد جتاوزوا عن الكتابة يف هذه النواحي فعال، أم أهنم كتبوا ر ما إذا كان العرب التقداليسري أن نقر عنها ولكن الزالت نصوصها خبيئة تنتظر كشف اللثام عنها، ال سيما وأن قلة قليلة من النصوص

ز أو املطولة نسبيا بدأت تلفت أنظار بعض الباحثني إىل احتمال صياغتها على هيئة السجع أو الرجالسياق أن نشري إىل حقيقة معروفة وهي أن نشأة الكتابة والنصوص املكتوبة النشيد. ويقتضي هذا

ال ترتبط بنشأة اللغة املنطوقة أو مبدى النشاط الفكري عند أهلها. فليس من شك يف أن كل رض. وليس اجلماعات البشرية كانت هلا لغاهتا الىت تتفاهم هبا منذ أن بدأت جتمعاهتا على سطح األ

أن كل مجاعة كانت تناقل عقائدها الدينية وأخبار أسالفها وأنساهبا وآداهبا من شك كذلك يف وأساطريها عن طرقيق الرواية قبل أن تعرف الكتابة أبزمان طويلة. ولعل يف ثراء الشعر اجلاهلي وثراء

الىت مل ف طريقها إىل التدوين أو النثر معه ما يرجح دسامة اآلداب العربية الشمالية القدمية الىت مل تعر يعثر على مدوانهتا الكبرية حىت اآلن.

(1/34)

من املؤلفات املختارة يف دراسات الفصل: -بريوت-من منشورات مجاعة صنعاء -ستون، وريكمانز، والغول، ومولر: املعجم السبئي بي

1982. .1934القاهرة -م خليل حيىي انمي: أصل اخلط العريب وتطوره إىل ما قبل اإلسال

Beeston, A.F.L.,A Descriptive Grammar of Epigraphic South Arabian, London 1962.

Pirenne, J., Paleographie des Inscriptions Sud -Arbes, Brus -sel, 1956

(1/35)

العربيةالفصل الثالث: متهيد يف جنوب شبه اجلزيرة مدخل

... به اجلزيرة العربيةالفصل الثالث يف جنوب ش

متهيد:دمنا مبا حيتمل من قيام نشاط عمراين داخلي قدمي يف بعض مناطق شبه اجلزيرة العربية، وقيام نشاط ق

اقتصادي مناسب للتعامل به يف داخلها ومع ما يف خارجها معا، وذلك حىت عندما كان أهلها ال أن ينشئوا دوال سياسية مستقرة بفرتات ن من وحدات صغرية وقبائل متفرقة، ومن قبليزالون يتألفو

ويلة، ويكفي هنا من القرائن الىت تزكي هذا االحتمال يف إجياز عثوران على نص مصري قدمي يسجل ط

من 32وصول وفد من حبار جنبتيني مبتاجرهم من الالدن والكندر واملر والبخور إىل مصر يف العام نيتاي كما ق. م.(. وكان اجلنبتيون أو اجلبا 1458ام هد الفرعون حتومتس الثالث )أي يف حوايل عع

ذكرهم بعض املؤرخني اإلغريق والرومان فيما بعد، عشائر نشطة من العرب القتبانيني يف جنوب شهبة يف عام اجلزيرة العربية. وحدث قبل وصول هذا الوفد إىل مصر أن اعتزم رجال البحرية املصرية

احلكم، أن بسوت الىت سبقت الفرعون حتومتس الثالث يفق. م. خالل عهد امللكة حاتش 1482يصلوا أبسطوهلم التجاري إىل مدرجات الكندر يف اجلنوب العريب ليتعاملوا مع جتارها مباشرة ويوفروا

الىت وقفها على بذلك تكاليف الوساطة والوسطاء بينهما. وقد اعتربوا هذه املدرجات من أرض هللا طرق البحر والرب املؤدية إليها. خور، وأملوا خريا يف أن يهديهم رهبم إىلتزويد معابدهم أبطايب الب

ولكن وسطاء التجارة من سكان منطقة بوينة )أو بونت( على الشاطئ األفريقي للبحر األمحر قرب بالغ أمريهم أمام املندوبني املصريني نواحي الصومال أو إريرتاي احلاليتني، خشوا أن يفقدوا مكاسبهم ف

ضيق ابب املندب املؤدي إىل مدرجات الكندر )يف وصلوا إىل أرضه يف تصوير استحالة عبور م حنياجلنوب العريب( وصعوبة اخرتاق ما ورائه من طرق برية، وادعى أن أحدا مل جيرء على ذلك منذ أايم

الثمني شجرية من أشجار الكندر العريب 31ن أجلهم رع. مث أرضى املندوبني املصريني أبن استورد م املدرجة يف مدينة طيبة ما داموا حريصني على أن يعودواحىت يزرعوها يف حدائق معبد آمون

(1/37)

بلدهم هبذا النوع الثمني من البخور، وسوف تغنيهم زراعته عن تكبد مشقة الوصول إىل مدرجاته. إىل يف مصر نظرا لالختالف يف ورضي املندوبون املصريون هبذا، ولو أن هذه الشجريات مل تنجح زراعتها

ع اجلنبتني يف الرتبة ويف املناخ عن بيئتها األصلية. وليس من املستبعد أن هذه الوقائع بلغت أمسا جنوب شبه اجلزيرة العربية وكانت من عوامل لفت أنظارهم إىل إمكان التعامل مع مصر مباشرة

الذي ساد مناطق واسعة من اهلالل مادامت هي راغبة يف ذلك. وقد وجدوا يف عهد حتومتس الثالثلعراق، ووطد اخلصيب امتدت من الشالل الرابع يف السودان إىل غرب الفرات بني الشام وبني ا

األمن فيها، ما شجعهم على تنفيذ رغبتهم. وليس من املستبعد مرة أخرى أن بعضهم سلكوا الطريق املصري يف منف أو طيبة. الربية يف سري طويل ومراحل متعددة حىت وصلوا إىل البالط

واملر وبعد هذا العهد ظلت املناظر املصرية القدمية تصور ضمن جتار الكندر والالدن والبخور الواردين إليها عن طريق البحر األمحر وشواطئه، والذين اعتربهتم من وجهة نظرها أتباعا يؤدون اجلزية

املصرية اترة، ويقفون عند سيناء اترة إىل مصر، رجاال ذوي مالمح سامية، يصلون إىل العاصمةن املتاجر هنا وهناك مع أخرى، وعند بعض املوانئ املطلة على البحر األمحر اترة اثلثة. ويتبادلو

املندوبني املصريني. ونستطيع أن نضيف إىل ذلك ثالثة فروض، وهي أنه ليس من املستبعد أن بعض سكان السواحل العربية الشمالية الذين قاموا بدور هؤالء التجار ذوي املالمح السامية كانوا من

ام به اجلنبتيون أسالف القتبانيني من الوساطة يف نقل املتاجر من اجلنوب العريب إىل مصر، وأن ما قتعامل جتاري مع مصر يف ذلك الزمن البعيد كانت تقوم مبثله طوائف عربية أخرى مل تعرف بعد

دونه من التبادل التجاري مع مصر كانوا يؤدون مثله مع الشام أمساؤها القدمية، وأن ما كانوا يؤ رواج الكبري هنا وهناك لكثرة استخدامها يف والعراق. وكانت سلعهم من البخور ومشتقاته تلقى ال

املعابد ويف القصور، ويف احملافل واألعياد واملآمث واجلنازات، ويف تركيب العقاقري، وإن زادت مصر ثرة يف عمليات التحنيط الىت اشتهرت هبا. وكانت الشعوب املستهلكة هلذه فاستخدمتها كذلك بك

أحياان، وتستورد بعضها من املناطق األفريقية الىت تنتجها، املنتجات الثمينة تنتج بعضها يف أرضها ولكن يبدو أن أفضل أنواعها هو ما كانت تسورده مباشرة أو عن طريق الوسطاء من مدرجات

لذات وهلذا عادت جتارته على أصحابه أبرابح وفرية.اجلنوب العريب ابخدام اإلبل يف عمليات النقل والتنقل وقد استشهدان من قبل برأي ألربايت وغريه من أن احتمال است

منذ القرن الثاين عشر ق. م أو حنوه قد زاد من

(1/38)

صاالهتم ابلدول احمليطة هبم، وأن كاانت االقتصادية لعرب شبه اجلزيرة العربية وزاد من إمكاانت اتاإلم لتكوين دول ودويالت غنية مستقرة أتخذ أبسباب احلضارة الراقية. هذه اإلمكاانت وتلك قد هيأهتم

سهولة أو يف وقت وأغلب الظن أن التحول من األوضاع القبلية إىل تنظيمات الدول املستقرة مل يتم بن التحالف على قدم املساواة بني القبائل ذات قصري. ولعله بدأ يف بعض صوره على األقل بنوع م

واملناطق املتقاربة، واملرتابطة بروابط الدم والنسب، مث عملت الظروف عملها يف املصاحل املشرتكة زعمائه إىل الرايسة الىت تغليب كفة فريق منهم على فريق يف إطار هذا التحالف، ووصول أكرب

ة الدين أم بتأثري القوة والثراء ونبالة األصل. ويبدو أن أقدم أصبحت وراثية يف أعقابه، سواء حتت راياجلماعات الىت هنجت مثل هذا النهج احملتمل هي اجلماعات السبئية اليت أشارت الكتب السماوية

لقرن العاشر ق. م على أقل تقدير. وهلذا سوف إىل أمهيتها منذ أايم سليمان عليه السالم، أي منذ ا

أن دوال أخرى سة املراحل األويل من اتريخ دولتها دولة سبأ، دون أن ينفي هذا نبدأ فيما يلي بدرا من الدول اليت سوف نبحث اترخيها بعدها كانت تعاصرها فعال يف بعض عهودها األوىل.

(1/39)

ة نشأ دولة سبأ يف عصورها املبكرةمشكل...

دولة سبأ يف عصورها املبكرة:ل العربية خني القدماء واحملدثني شهرة مل تتوافر ملا عداها من بقية الدو توافرت لدولة سبأ بني املؤر

اجلنوبية القدمية. وترجع عوامل هذه الشهرة إىل عدة أسباب، أمهها: ذكر سبأ يف أكثر من قصة من هد القدمي، ويف أكثر من آية من آايت القرآن الكرمي، وذكر أمساء بعض حكامها صراحة قصص الع

سمارية العراقية منذ القرن الثامن قبل امليالد، واستمرار كياهنا السياسي املتطور إىل ما يف النصوص امليون ور اإلسالم بقليل، وارتباطها بعدة حوادث دينية وسياسية أتثر هبا العرب الشمالقبل ظه

سطح واجلنوبيون قبيل ظهور اإلسالم بقليل أيضا، مث بقاء بعض معابدها ومنشأهتا الكربى ظاهرة فوق األرض خالل العصور اإلسالمية نفسها وحىت اآلن.

مشكلة النشأة:لسبأيني )أو السبئيني كما يكتب اللفظ أحياان( من أكثر من زاوية تناول بعض املستشرقني نشأة ا

إجياز آرائهم فيها يف نظريتني رئيسيتني، ومها: واحدة، وميكنوكيربت وهارمتان ودلتش وفريتز هومل(، ورأوا فيها أوال: نظرية زكاها عدد من الباحثني )مثل شرادر

العربية قرب منطقة اجلوف الشمايل واستمروا فيها على أن السبأيني عاشوا أصال يف مشال شبه اجلزيرة دفعتهم دوافع معينة إىل االجتاه حنو جنوب شبه اجلزيرة قبيل بداية القرن الثامن البداوة زمنا طويال، مث

ث استقروا فيه. واعتمدت هذه النظرية على عدة قرائن سوف نناقشها واحدة بعد ق. م بقليل حي األخرى بعد قليل.

موزيل(. ويرون فيها يا: نظرية أملح إليها ابحثون آخرون )ومنهم مولر وجالسر وفنكلر ومايرمث ألوا اثنت خالل القرن الثامن أن السبأيني عاشوا منذ بداية أمرهم يف اجلنوب العريب، ولكن جالية منهم اجته

لرتعى املصاحل ق. م أو قبله بقليل إىل الشمال وأقامت قرب واحة تيماء ومنطقة اجلوف الشمايل هة منها إىل اهلالل اخلصيب.التجارية لقومها يف مشال شبه اجلزيرة وعلى طرق القوافل املتج

هي األقرب إىل الصواب والسيما ومع منطقية كل من هاتني النظريتني، يبدو أن النظرية الثانية منهما فيما خيتص أبحوال السبأيني يف عصورهم التارخيية.

(1/40)

النظرية األوىل فثمة شواهد تدعوان إىل االكتفاء ابخلروج منها مبا حيتمل من أن السبأيني عاشوا قبل أما ة، على ما عاش عليه تكوين دولتهم السياسية املستقرة ىف منطقتها اخلصبة جبنوب شبه اجلزيرة العربيبني الشمال واجلنوب أغلب أهل القبائل القدمية ال يعرتفون حبدود إقليمية مفروضة وتتفرق بطوهنم

وبني الشرق والغرب وفقا لظروفها اخلاصة ومصاحلها الطارئة وعالقاهتا جبرياهنا. ومل يكن هذا هو شأن العربية، بل كان شأهنا أحياان أيضا يف اجلنوب القبائل القدمية يف الشمال والوسط فقط من شبه اجلزيرة

اخلصيب نفسه.قرائن هذه النظرية األوىل الىت افرتضت بداية حياة السبأيني يف ولتوضيح ذلك نعاود عرض ومناقشة

مشال شبه اجلزيرة، وهي قرائن أوردها أصحاهبا ممن أسلفنا ذكرهم من الباحثني متفرقة يف سياق حينا وغماضة حينا آخر. وهي يف جمملها قرائن ال ختلو من منطقية وإن مؤلفاهتم فخرجت واضحة

لو من شك. وميكن أن جنملها من انحيتنا يف مثان قرائن نعرضها فيما يلي كانت يف الوقت نفسه الخت واحدة بعد أخرى، وتعقب على كل منها مبا يزكيها أو ما يضعفها.

أن حاكمة سبأية زارت سليمان عليه السالم يف عاصمته أوال: ذكرت التوراة كما ذكر القرآن الكرمي، وهي حاكمة مل تعرف حقيقة امسها ومل يذكره هلا القرآن أورشليم )خالل منتصف القرن العاشر ق. م(

الكرمي. ولكن بعض الرواايت العربية والعربية واحلبشية القدمية أطلقت عليها أمساء يلمقه وماقدة فيها بينها. وكلها فيما يرى أغلب اللغويني احلديثني قد تكون أمساء وبلقمة وبلقيس، على خالف

ود األكرب لدولة سبأ )وذلك مع وجود احتماالت أخرى لتفسري بعض حمرفة عن اسم إملقه املعباألمساء املفرتضة آنفا هلذه احلاكمة مبعىن الزهرة يف اللغة العربية القدمية، ومعىن اجلارية أو احملظية يف

العربية(. اللغةع الكتاب وال أبس من أن نشري ابتداء إىل أن اجلدل يف اسم ومكان حاكمة سبأ هذه ال يتعارض م

السماوية يف شئ، فكما أن هذه الكتب مل تذكر امسها صراحة، فهي أيضا مل حتدد مكان دولتها ل وأصحابه من ابلشمال أو اجلنوب. وعلى هذا األساس من حرية البحث نستعرض ما ارآته فريتزهومطقة ما من مشال أن هذه احلاكمة كانت حتكم منطقة قريبة من مملكة سليمان الفلسطينية وتقدمي يف من

شبه اجلزيرة، وذلك حبجة أنه كان من املستبعد أن تسافر حباشيتها من أقصى جنوب شبه اجلزيرة إىل رأة حكمت سبأ اجلنوبية أو مقر سليمان يف أورشليم، وأنه ما من نص عريب جنويب قد أشار إىل إم

و ست ملكات وليت حكم دولة أخرى من دول اجلنوب، على حني ذكرت النصوص اآلشورية حن عربيات حكمن

(1/41)

نطقة مشالية من شبه اجلزيرة العربية.يف م ومع منطقية هذا الفرض، نالحظ أن هناك أربعة شواهد أخرى تدعو إىل إعادة النظر فيه، وهي:

القرآن الكرمي عن حديث اهلدهد مع سليمان }فمكث غرير، بعيد فـقال أحطت مبا ملر حتطر أ( جاء يف تك منر سبإ بنـبإ يقني{ وإذا عنت مجلة }فمكث غرير بعيد{ قصر املدة الزمنية على الرغم من به وجئـر

على إعجاز احلدث، فإن سياق بقية معجزة اهلدهد يدل طول املسافة املكانية، وهو املرجح للداللةبينهما من قبل على أن أرض سبأ كانت بعيدة عن مملكة سليمان حبيث مل حيط علما هبا، وهلذا مل يقم

اتصال مباشر، أو على أقل تقدير مل تكن إحدامها حتيط أبحوال األخرى إحاطة كاملة.ء وهلا عررش عظيم ب( وجاء عن حديث اهلدهد أيضا: }إين رأة مترلكهمر وأوتيتر منر كل شير وجدت امر

شيئ أقرب إىل أن يناسب املناطق العربية اجلنوبية الىت ... { ومثل هذا الثراء الذى يتوافر فيه كل كانت هلا يف عصورها القدمية مواردها الطبيعية واالقتصادية ذات الوفرة النسبة.

كانت من املناطق العربية الشمالية فعال لصح التساؤل عن ثالث ظواهر وهي: مل تظر آاثر ولوقلة البحوث األثرية هناك دخل يف ذلك؟ ومل أمهل دولتها الثرية هذه يف الشمال حىت اآلن؟ وهل ل

عنهم دخل الرواة واملؤرخون العرب الشماليون ذكرها ومل يتفاخروا هبا؟ وهل كان لبعدها الزمين الكبرييف ذلك؟ وأخريا إذا كان السبأيون قد بلغوا مبلغا عظيما من الثراء يف الشمال يف عهد سليمان أي يف

يالد، فما الذي دعاهم بعد ذلك إىل النزوح إىل اجلنوب؟ وهل كان لتقلبات القرن العاشر قبل املالوساطة يف نقل املتاجر اجلنوبية الظروف املناخية دخل يف ذلك؟ أم أهنم كانوا يقومون يف عهده بدور

إىل الشمال مث طمعوا بعد ذلك يف أن يسيطروا على مصادرها أبنفسهم ويقيموا عليها؟ هذه كلها تصعب اإلجابة عنها بردود شافية لألسف ىف حدود املعلومات التارخيية واألثرية املعروفة لنا تساؤالت

ماالت شىت.حىت اآلن على الرغم مما عقبنا به عليها من احتج( ذكر القرآن الكرمي جنيت سبأ وسيل العرم، وكل منهما ال شك يف قيامه يف جنوب شبه اجلزيرة

قصة سليمان ودولته، وذلك مما ميكن أن يدل على ترتيب مقصود العربية دون مشاهلا، بعد ذكر قبة الىت انتهت إليها أمور للتنبيه إىل الرابطة القدمية بني الدولتني، دولة سليمان ودولة سبأ، وإىل العا

هاتني الدولتني.

(1/42)

دت األساطري احلبشية نسب أسرهتا املليكة القدمية إىل سليمان وماقدة ملكة سبأ أو بلقيس د( ر ملكة سبأ. ورمبا تواتر خرب هذه النسبة املزعومة إىل األحباش عن طريق أسالفهم القدامى، أو عن

خر القرن ني، أو عن طريق رواة العربانيني الذين اتصلوا هبم منذ أواطريق جرياهنم السبأيني اجلنوبيالرابع ق. م. وهي على أي وجه من هذه الوجوه تشري إىل أن دولة اجلدة ما قدة الىت انتسب ملوكهم

إليها، إن حقا وإن ادعاء، كانت يف أغلب الظن قريبة من بلدهم أي يف جنوب شبه اجلزيرة العربية.ن بتحويل حاكمة سبأ من ل فإنه يبدو أنه إىل جانب الكسب الديين الذي اكتسبه سليماوعلى أية حا

عبادة الشمس إىل عقيدة التوحيد كما ذكر القرآن الكرمي، كان هناك كسب اقتصادي آخر، إذ يسرت الصلة بينه وبني سبأ االنتفاع بطريق قوافل اإلبل السبأية اجلديدة الىت حتمل منتجات البخور

نقل املتاجر أبسطول سليمان عرب بية إىل دولته، وهو طريق يعترب أقل نفقة وأخطارا من طريقاجلنو البحر األمحر إىل أوفري الىت ذكرهتا التوراة، كما أنه أقل تكلفة قطعا من طريق الوساطة عرب اخلليج

إليه حباشية العريب والعراق إىل فلسطني. وقد روت التوراة أن ملكة سبأ حني قصدت سليمان أتت را كرمية وقالت كذلك، وملا مسعت ملكة سبأ عن كبرية ومجال حتمل الطيوب وذهبا كثريا وأحجا

اهتمام سليمان ابسم الرب أتت متتحنه أبسئلة صعبة. وأشار القرآن الكرمي إىل هدااي حاكمة سبأ إىل سليمان ورفضه قبوهلا وتفضيله دعوهتا إىل داينة التوحيد.

اد سفر احلاكمة السبأية من أنه إذا اعتربت احلجة األوىل لنظرية هومل وأصحابه ابستبع وبقي أخريااجلنوب العريب إىل فلسطني حجة غري ذات موضوع نظرا لرتجيح استخدام اإلبل يف السفر يف

عصرها، فإن احلجة الثانية هلا ال تزال بغري رد شاف حىت اآلن، وهي: ملاذا مل تتضمن النصوص عل ما ميكن أن يرد به حىت اآلن القدمية املعروفة اسم ملكة وليت عرش قومها يف اجلنوب؟ ول السبأية

على هذا التساؤل هو أن األمر قد يرجع إىل حمض املصادفة، مبعىن أن أرض سبأ اجلنوبية ال تزال دة تتضمن نصوصا قدمية مل تكتشف بعد، هذا إذا كانت الكتابة قد عرفت فعال يف عهد تلك السي

طلبت التشاور فيها.الىت قرئت رسالة سليمان يف حضرهتا أو تلت هي مضموهنا و

و 738اثنيا: ذكرت النصوص اآلشورية السبأيني وحاكمني هلم يف ثالث مناسبات ترجع إىل أعوام ق. م. أنه 738ق. م. فذكر نص للملك اآلشوري تيجالت بيليسر الثالث يف عام 685و 714

ملك آشور يف عام من الذهب واإلبل والتوابل. وأكد نص للملك سرجون الثاين تلقى جزى السبأيني ق. م.724

(1/43)

تلقى من إيت أمر السبأي )أو السبئي( جزى من الذهب واألحجار الكرمية واألعشاب واخليول. أنه ق. م. أنه حني احتفل بوضع حجر 685مث ذكر نص لولده امللك اآلشوري سيناخريب يف عام

ساس بيت أكيثو )وقد يكون معبدا أو حصنا أو قصرا(. استقبل منوداب عن احلاكم السبأي كرييب أمحل إليه جزاه )أو هداايه( من املعادن الثمينة واألحجارة الكرمية والطيوب، ووضع جانبا منها إيلو

أبمر مواله يف أساس املبىن اجلديد.ار امسي احلاكمني السبأيني اللذين ذكرهتما النصوص اآلشورية. ومل جيد الباحثون احملدثون أبسا يف اعتب

حكام سبأ األوائل. مث أضافت النظرية األوىل أن السبأيني حمرفني عن بيع أمر وكرب إيل، ومها منالذين صورهتم هذه النصوص يدينون ابلوالء لدولة آشور البد وأهنم كانوا حيسون بسطوهتا وخيشون

نوا قريبني منها يف مشال شبه اجلزيزة وليسوا بعيدين عنها ىف مناطق اجلنوب.أبسها، ومبعىن آخر كاعفه من انحية أخرى أن هومل وغريه )مثل سان جون فليب( أرخوا بداية ولكن هذا االستنتاج يض

ق. م. وإذا صح هذا فالبد أنه حدث بعد 820أو 800الكيان السياسي حلكام سبأ اجلنوبية بعام الستقرارهم وبسط سيطرهتم على األراضي الىت نزلوها جنواب. وهو أمر يتعارض فرتة طويلة تكفي

جود دولتهم يف الشمال وأتثرها املباشر بسطوة اآلشوريني حىت عهد سينا بداهة مع سابق الظن بو خريب يف أوائل القرن السابع ق. م.

شبه اجلزيرة هو الذي وال يكفي يف هذا القول أبن الضغط اآلشوري على طرق التجارة يف مشال أعداء تعمل جيوشها اضطر السبأيني إىل النزوح إىل اجلنوب. فاملصادر اآلشورية مل تصور السبأيني ك

على طردهم وحرماهنم من التجارة، وإمنا صورهتم مهادنني مللوكها تتوافر فيها عالمات الود والطاعة، وإن أدوا اجلزى إليهم أو أرسلوا هداايهم إىل بالطهم.

هكذا يبدو أقرب إىل االحتمال أن السبأيني الشماليني املتصلني بدولة آشور كانوا جمرد جالية جتاريةو أقامت قرب تيماء ومنطقة اجلوف الشمايل كما رأت النظرية الثانية، لرتعى املصاحل التجارية لدولتها

مصلحتها أن تنتفع من على طرق القوافل، وكانت حتس بسطوة اآلشوريني فعال لقرهبا منهم وترى من مساء ملوك دولتها اإلجتار معهم واالحتماء هبم، ومل جتد أبسا من أن تقدم إىل ملوكهم هداايها أب

اجلنوبية، كما أن اآلشوريني مل جيدوا أبسا من انحيتهم يف أن يروا طاعتها هلم تعبريا عن طاعة دولتها اجلنوبية لسلطاهنم.

(1/44)

ل من سفر أيوب يف التوراة أن لصوصا سبأيني فتكوا برعاة يف اإلصحاح األو ا: ذكرت عبارة اثلث أيوب، وقال قائل: البقر كانت حترث، واألتن ترعى جبانبها، فسقط عليها السبئيون وأخذوها،

وضربوا الغلمان حبد السيف، وجنوت أان وحدي ألخربك. وملا كان أيوب فيما حيتمل من أهل الشمال عىن يف رأي هومل وأصحابه أن السبأيني كانوا يعيشون يف عهد نوب، فإن ذلك قدأكثر من أهل اجل

أيوب قريبا من دايره يف مشال شبه اجلزيرة وليس يف جنوهبا، وهو استنتاج طريف لوال أنه أقرب إىل أن الغنية الكبرية.ينطبق على بعض رجال اجلالية السبأية الصغرية اليت أشران إليها، دون دولة سبأ

بارة أخرى من عبارات العهد القدمي اسم سبأ إىل جانب اسم ددان. وكانت ددان هذه رابعا: ذكرت عدولة مشالية قامت حول واحة العال يف مشال احلجاز. وقد عىن ذلك عند هومل وأصحابه أن سبأ

كن قي هو اآلخر، ولكانت بدورها قريبة منها يف الشمال وليست بعيدة عنها. وذلك استنتاج منطعليه مبا انتهينا إليه يف القرينة السابقة من حيث أنه أقرب إىل أن ينطبق على اجلالية ميكن أن يرد

السبأية الىت سكبت حول واحة تيماء إىل الشمال الشرقي من واحة العال أو ددان.بعض وراة قد أقرت يفوقبل أن ندع قرائن التوراة ال أبس من أن نشري إىل أنه ملا كانت أسفار الت

رى ابألمر الواقع من استقرار السبأيني يف اجلنوب يف دولة سياسية كبرية، اجته بعض قصصها األخالباحثني إىل القول أبن هذه القصص عندما تذكر شبا تعين هبا سبأ اليمن، وعندما تذكر سبأ تعين هبا

يراعوا ني يف صحفهم وملطوا بني التسميتالسبأيني القاطنني يف الشمال، وإن كان كتبة التوراة قد خل هذه التفرقة كثريا.

خامسا: سجل كبريان من حكام ددان أيضا يف نص مشرتك أهنما توجها ابلشكر إىل أرابب معني )وكانت معني دولة جنوبية ارتبطت هبا دولتهما ابلوالء( على جناة قافلة جتارية اضطرت إىل املرور يف

وخوالين( عليها. ورأى هومل أن األخطار ها هلجوم سبأ )وتعرضت خالل سري مناطق مشلتها احلروب.الىت تعرضت هلا هذه القافلة كانت يف مشال شبه اجلزيرة العربية، كما أضاف فليب أنه ليس من املعقول

أن يعمل السبئيون على هنب قافلة جتارية يف عهود نضجهم السياسي وإمنا األرجح يف رأيه أهنم كانوا من البداوة.ينذاك على حالة يزالون يعيشون حال

ومرة أخرى ميكن التعقيب على هذا االستنتاج أبنه إذا صح أن السبئيني الذين تعرضوا للقافلة املعينية كانوا من أهل الشمال فعال فإنه ليس هناك ما حيول دون اعتبارهم من أفراد اجلالية السبأية الشمالية

الصغرية السيما وأن فشل

(1/45)

ها يدل على قلتهم وبساطة شأهنم. وميكن أن نتجاوز هنا عن أن قبائل خوالن الىت عليهم هجومذكرت مع املهامجني السبئيني قد عاشت هي األخرى على أطراف اجلنوب، وأن اتريخ جناة القافلة

متأخر عن اتريخ إنشاء دولة سبأ اجلنوبية أبجيال كثرية.واسم يقرأه هومل يهبليح ويراه مرادفا السم سبأسم سادسا: مجعت بعض النصوص السبئية بني ا

دقلة وأنه يدل على منطقة اجلوف يف مشال شبه اجلزيرة كما مجعت بينه وبني اسم يقرأه هومل أيضا بيشان أو فيشان ويراه مرادفا السم وادي الدواسر أحد أودية الشمال أو أودية اجلنة على حد

تعبريه.ال يزال هو اآلخر قرين الظن إن مل يكن قرين االفتعال، وكل ما ميكن تاجستنغري أنه يبدو أن هذا اال

قوله اآلن هو أن اسم يهبليح قد استعمل كذلك للداللة على قبيلة عاشت حول صرواح أقدم عواصم سبأ يف اجلنوب، وأن اسم بيشان إن دل على وادي الدواسر أو وادي بيشة فهو أقرب إىل

لى قبيلة عاشت حول صرواح أيضا وانتسب إليها أوائل احلكم ل عن دحافة الربع اخلايل، وإ السبئيني.

سابعا: يرى هومل أن اسم مأرب )أو مريب( الذي اشتهرت به عاصمة سبأ اجلنوبية )بعد صرواح( ذو صلة بلفظ أرييب الذي أطلقه اآلشوريون على أعراب مشال شبه اجلزيرة وابدية الشام، ولفظ ايرب

م بعض نصوص التوراة، وذلك مما يعين يف رأيه أن السبئيني كانوا من األقوام ليهه عالذى أطلقت الشماليني الذين عناهم اآلشوريون والعربانيون، فلما انتقلوا إىل اجلنوب أطلقوه على عاصمتهم.

ولكن يالحظ على هذا االستنتاج أن السبئيني يف اجلنوب مل يتخذوا مأرب عاصمة هلم منذ بداية الوقت الذي كانوا يستطيعون أن يتذكروا فيه أصلهم وخيلدوا ذكره، وإمنا اختذوا أوىل ي يفم أأمره

عواصمهم يف صرواح قبل أن ينتقلوا إىل مأرب بعشرات السنني. وهم مل يصفوا أنفسهم صراحة يف

يفإال نصوصهم املكتوبة بتسمية عرب أو أعراب املرادفة لتسمية أرييب اآلشورية. بل ومل يستعملوهاعهود متأخرة نسبيا ليصفوا هبا أعراب اجلبال والوداين التابعني لدولتهم، وذلك يف حدود ما هو

معروف حىت اآلن من نصوصهم.اثمنا: نبه هومل وأصحابه إىل أن اللهجة السبأية هي أقرب اللهجات اجلنوبية صلة بلغة القرآن

أن هذه الصلة ميكن أن تفسر من انحية أخرى وال، لالعربية الشمالية. ويف ذلك قرينة لطيفة ال تنكرابستمرار النصوص السبأية احلمريية حىت عهد نزول القرآن الكرمي أكثر مما عداها من بقية النصوص

اجلنوبية األخرى، وأن عامل الزمن كان له أثره يف التقريب بني هلجات عرب اجلنوب

(1/46)

ية بني الفريقني، ت التجارية واحلضارية والتنقالت القبلوهلجات عرب الشمال نتيجة الستمرار الصال وذلك فضال عن وحدة األصل البعيد بينهما.

وعلى أية حال، فقد تعمدان اإلسهاب يف مناقشة وجهات النظر املختلفة حول األصول السبأية ومقارعة العريب القدمي على أساس من أدب النقد، كنموذج ملا ميكن أن تعاجل به مشكالت التاريخ

رأي ما إال بدليل يزكيه، وعدم رفض رأي ما إال بدليل يضعفه.احلجة ابحلجة، وعدم التسليم ب من املؤلفات املختارة يف دراسات الفصل:

وما بعدها. نيلسن ومهول 168ص - 18ج -يف دائرة املعارف اإلسالمية-تكاتش، ج: سبأ ،1958القاهرة -ترمجة فؤاد حسنني - 1927-يس وجرومهان: التاريخ العريب القدمي ورودوكاانك

.64 - 63صAbdel-Aziz Saleh, The Gnbtyw of Thutmosis III.htm's

Annals and the south Arabian Gebbantae of the Classical Writers,BI FAO, 1972,245,-262.

Eissfeldt.O.,in CAH.II, 1965,593 and referncs. Grohmann,A., Aragien, 1961.

Musil, A., The Northern Hegaz, 1926.

(1/47)

ل الرابع: عهود املكربني يف سبأالفص...

الفصل الرابع: عهود املكربني )أو املكارب( يف سبأاصطبغت سلطة أوائل حكام دولة سبأ بصبغة ثيوقراطية أودينية، فتلقب كل منهم بلقب مكرب وهو

من لة، وإن أمكن تفسريه احتماال مبعىن املقرب للمعبودات، أي لقب اليزال غري حمدد النطق والداليشرف على توفري القرابني وتقدميها إىل معابدهم. أو مبعىن املقرب بني شعبه وبني معبوداته ابعتباره وسيطا مقدسا بينهما، أو مبعىن املقرب إىل أراببه. وهو على أي وجه من هذه الوجوه يتوىل رايسة

وتدعوهم إىل أتييده. ولته ويضمن إحاطة حكمه بقداسة روحية تكفل احرتام الناس له الكهنوت يف دوتوافرت هلذه الصبغة الثيوقراطية سوابقها يف أمم شرقية قدمية، فتلقب أوائل احلكام السومريني يف

يف العراق، على سبيل املثال، بلقب إنسي أي النائب أو الوكيل، إشارة إىل وكالته عن معبود مدينتههيا يف ممارسة سلطاته الدينية واملدنية. حكم أهلها، وإشارة إىل القداسة ابلوكالة اليت يرتكز عل

وتكررت نفس الظاهرة يف دول عربية جنوبية أخرى عاصرت السبئيني يف بعض مراحل اترخيهم، وكان يف حينه.منها أن تلقب أوائل احلكام يف دولة معني بلقب مزود، وهو ما سوف نتناول مدلوله

اية الزمنية لعهود املكربني السبئيني )أو املكارب وال زال اجلدل التارخيي قائما يف شأن حتديد البدالسبئيني(. فبينما يلتزم ابحثون بوضع عهد حاكمة سبأ املعاصرة لسليمان موضع االعتبار وبدء قيام

احثني اآلخرين ابالقتصار على دولتها ابلتايل ابلقرن احلادي عشر ق. م. أو حنوه، يكتفي بعض البص القدمية أمساءهم، ضاربني صفحا عن عهود ما قبل معرفة عهود احلكام الذين سجلت النصو

الكتابة يف سبأ، وال يذهبون بتاريخ الدولة املؤكد بناء على ذلك إىل أبعد من عهد يثع أمر السبئي ق. م.، ورمبا قبل ذلك بفرتات 714أو عام 715الذي ذكره نص سرجون الثاين ملك آشور يف عام

قليلة.ل حول أعداد املكربني الذين أتوا بعد يثع أمر وسبقوا عهود امللكية الصرحية يف وقام جدل اترخيي مماث

. ولكل نظرية مربراهتا 270، 170، 130، 100سبأ فرتاوحت النظرايت يف تقدير عددهم بني بطبيعة احلال.

(1/49)

إليه من أن كتبة السبئيني وغريهم من كتبة الدول لى ما سبق أن أشرانب هذا اجلدل وذاك عوترتاجلنوبيةمل يسجلوا األحداث بتاريخ اثبت إال يف عهود متأخرة، ومل يلتزموا بتسجيل سنوات عهود

ومدد حكامهم إال يف عهود متأخرة أيضا، ويف حاالت قليلة. ومل يرتكوا قوائم ترتب أمساء حكامهم هذا كله عمل اآلخر، أو إذا ورد اسم حاكم وأبيه. بل إن د اآلخر. وترتب علىحكمهم واحد بع

االعتماد على هذين األساسني ال خيلو من خماطرة يف بعض أحواله، فقد يكمل أحدهم عمل جده ات وليس عمل أبيه، وقد حيكم بعد عمه وليس بعد أبيه، وقد تتشابه أمساء احلكام وآابئهم يف فرت

يف وقت واحد، أو أخ مع أخيه يف آن واحد. وهكذا مل جيد د حيكم ابن مع أبيهمتباعدة. كما قالباحثون بدا من ترتيب أمساء احلكام الىت أتت اآلاثر هبا ترتيبا اجتهاداي. وتقدير عهودهم تقديرا

أفضل الفروض عاما لكل منهم، وعلى 25أو 20أو 15اصطالحيا، على أساس افرتاض ما بني ضهم عن طريق املصادفة يف نصوص خارجية مؤرخة عاصرت عهودهم.عانة مبا ورد عن بعابالست

على أنه مهما يكن من أمر بداية عهود املكريني وعددهم. فإن أهم ما ينسب إىل عهودهم هي آاثر جلنوبية اجملاورة معابدهم الباقية، وبداية مشروع سد مأرب. وعملهم على التوسع اخلارجي يف املناطق ا

م.هلعاصمتهم األوىل يف مدينة توافرت هلا بعض املقومات الضرورية للعواصم السياسية، اختذ املكربون

وهي مدينة صرواح. فقد نشأت يف واد خصيب شبه دائري كفل هلا مطالبها الزراعية وبعض مواردها رواح بني يعية. وتوسط موقع صاالقتصادية، وأحاطت هبا بعض املرتفعات فكفلت هلا احلصانة الطب

رب وصنعاء الشهريتني، وتقوم على أطالهلا اآلن كل من قرية القصر وقرية اخلريبة، ويظهر مدينيت مأعلى سطح األرض من عمائرها القدمية أطالل قليلة، بينما بقيت أغلب آاثرها تغطيها األنقاض حىت

اآلن.ماما كبريا م جعلتهم يولون اهتهبا يف تدعيم حكمه ويبدو أن الصبغة الدينية الىت استعان املكربون

ملعابد معبوداهتم. إظهارا لتقواهم الشخصية. وأتكيدا لصلتهم الروحية هبذه املعبودات. وعمال على كسب والء رجال الكهنوت وبعض املدنيني أيضا عن طريق ختصيص املرتبات العينية هلم من عائدات

هذه املعابد.دة معابد قدمية نتخري منها أربعة جرى الكشف إقامة أو توسيع عد املكربني البدء يفوينسب إىل عهو

عن بعض أجزائها، وهي: معبد يف صرواح، وآخر يف صرواح أرحب )أوحجر أرحب(. واثلث يف أوام، ورابع يف املساجد. وكان

(1/50)

دون شك ما هو أكثر منها لوال أنه مل يكشف عنه بعد. هناك بأ أو يف غريها نبحثها على ثالثة أسس، وهي:وحني نبحث أمر املعابد يف س

القدمية ويستنتجه من كل ما تركه أهلها يف عامل الفكرة وعامل أ( أن املؤرخ يستمد اتريخ احلضارات املادة.

مة لألمم القدمية تعترب من أصدق الدالالت على مدى ب( ما سبق أن ذكرانه من أن اآلاثر القائ ية والفنية، فضال عن داللتها على معتقدات قومها الدينية.إمكاانهتا االقتصادية والصناع

ل أكثر ما بقي من آاثر األمم القدمية، نتيجة لبناء أغلبها من األحجار الصلبة، ج( أن املعابد ال تزام واإلضافة جيال بعد جيل، نظرا ملا كانوا يفرتضونه فيها من احلرمة وحمافظة القدماء عليها ابلرتمي

والقداسة.مل الرئيسية يف ومع هذه األسس اليت جيب تقديرها يف الدراسات التالية ال أبس من االكتفاء ابملعا

فيها، وال دراسة املعابد وغريها من اآلاثر املعمارية والفنية دون ضرورة لاللتزام هنا ابلتفاصيل الدقيقةائد اإلسالمية، كلما تطلب أبس كذلك من التعقيب على العناصر الدينية فيها مبا ختتلف به عن العق

األمر ذلك.لتها األكرب الذى أطلق عليه اسم إملقه رمبا مبعىن اإلله أنشئ معبد العاصمة صرواح الكبري ملعبود دو

ظ إل أو إيل عند العرب اجلنوبيني وعند شعوب املقتدر أو اآلمر، أو اإلله البهي أو اجلميل. ودل لفعلى معىن اإلله. كما استخدم بنفس املعىن يف اللغة العربية سامية قدمية أخرى يف العراق والشام

ل أمساء: إمساعيل وجربائيل وميكائيل وإسرائيل ... وهلم جرا.الشمالية أيضا يف مثملقه أي: أبناؤه. وخص السبئيون معبودهم وأتكيدا لقداسة أصلهم تلقب حكام سبأ بلقب ولد إ

وعول صرواح مبا يعين تعدد املعبودات فيها إىل جانبه ورائسته األكرب هذا بربوبية القمر واعتربوه سيد معبد العاصمة ربة ابسم حرميت رمبا كزوجة له، وهي ترمز يف أغلب الظن إىل هلم. وقدسوا معه يف

عندهم وعند بقية عرب شبه اجلزيرة العربية قبل اإلسالم روبوبية الشمس. وهكذا توافرت للقمر س، على عكس شعوب اهلالل اخلصيب الزراعية، رمبا النتفاع أهل شبه منزلة أكرب من منزلة الشم

يف مسرى القوافل وتوقيت الشهور، مع شدة هجري الشمس وقسوهتا السيما يف اجلزيرة ابلقمر البيئات الصحراوية. وقد

(1/51)

لىت ت ألقاب هذين املعبودين بتعدد الصفات اليت نسبها الناس إليهما واختالف األماكن اتعددعلى خصائصها عبدوها فيها، وكان شأهنما يف ذلك شأن بقية ما ختيله القدماء من معبودات نعقب

كلما أدت مناسبة احلديث إىل ذكرها.من جزئني ضخمني. أحدمها مستطيل وأتلفت العناصر املعمارية الظاهرة يف معبد إملقه يف صرواح

لناقص، وتضمن أحد نصوص املعبد اسم واسع، واآلخر يتصل به ويبدو على هيئة البيضاوي اكر أنه سور معبد إملقه وقدم ثالث ذابئح لربته املكرب يدع إيل ذريح )حرفيا: يدع إىل ذرح( وذ

ق. م. ويبدو أنه مل 670بنحو حرميت ومييل أصحاب التاريخ املختصر إىل توقيت عهد هذا املكربيع معبد صغري قدمي ملعبود قومه وعمل على يشيد املعبد كله ومل يضع أساسه كله، وإمنا بدأ بتوس

ائه أن يزيدوه اتساعا وارتفاعا. ويدعو إىل األخذ هبذا تسويره كما أشار إىل ذلك نصه، وترك خللفء عدة مكربني وملوك سبئيني آخرين، وأن مباين الرأي أمران، ومها أن بقية نقوش املعبد تضمنت أمسا

هنا الباقية حنو عشرة أمتار تدل على مهارة كبرية يف فن العمارة مل املعبد احلالية اليت ترتفع بعض جدراعلى السبئيني أن يبلغوها يف أوائل عهودهم ابالستقرار وإقامة العمائر الضخمة. يكن من السهل

املعبد مل تكتشف كشفا علميا منظما حىت اآلن، ويبدو أن جزءا منه والزالت األجزاء الداخلية من يف العصور اإلسالمية وزادت فيه حينذاك بعض املداخل واملخارج، بل وال زالت تقوم حتول إىل حصن

فوق جدرانه بعض املساكن احلالية اليت غريت إىل حد ما من خارطته األصيلة.كيلو مرت من مأرب احلالية، من 27ببالد مراد وعلى مبعدة وأنشئ معبد معرب يف قرية املساجد

فس املكرب يدع إيل ذريح عمارته يف مناسبتني حتدثت عنهما نصوصه، مناسبة أجل إملقه أيضا. وأمت نبتنظيمات اجتماعية، وأخرى أحرز فيها انتصارات حربية وذكر عن املناسبة األوىل أنه أسس قام فيها

عبوده، واخلاصة به شخصيا ابعتباره حامي دولته، مث اخلاصة بتحقيق االحتاد كل اهليئات اخلاصة مبجتري لف بني طوائف شعبه. ومعىن ذلك أن دولته الناشئة كانت بسبيل إقرار تنظيمات مستقرةوالتحا

عليها يف شئوهنا الدينية والدنيوية. وختليدا لذكرى هذه اإلجنازات أقيم اجلزء الداخلي من املعبد ورة العبادة لف من هبو أعمدة بقيت منها ثالثة، ويعقبه إىل الداخل فناء كبري تقوم يف وسطه مقصوأت

ة ذات أعمدة. ويصل بني الرئيسية وحتمل سقفها أربعة أعمدة يف صفني، بينما يتقدم املقصورة صفة للمعبد أعلى هذه الصفة وبني أعلى املقصورة سقف حجري منحدر. وال تزال هذه اجملموعة املعماري

حتتفظ بروعتها على الرغم مما حلق هبا من هتدم.

(1/52)

أدت إىل توسيع رقعة الدولة بعد أن استوىل يدع إيل ذريح جبيشه على منطقة حلربية فقداملناسبة اأما يشقر ومزارعها. وملا كان يعتقد أن هذا التوسع قد مت بتأييد إملقه )وذات محيم وعثرت( عمل على

قدمت مرتا وت 37×104توسيع مساحة املعبد أيضا وإحاطته بسور مستطيل كبري بلغت أبعاده 5و 4.5صفة أخرى فخمة ذات ستة أعمدة مستطيلة املقطع بلغ ارتفاعها بني هذا السور واجهة

أمتار، أقيمت فوق رصيف حجري ليضمن توازهنا. وأتلف كل عمود منها من حجر واحد. وأدت هذه الصفة اخلارجية إىل املدخل الرئيسي للمعبد الذي حف به مدخالن جانبيان فتوفر له شكل

على املدخل بسقف حجري منحدر. وال ندري هل كانت ظاهرة ى الصفة أبواتصل أعل مهيب.السقف املنحدر الىت تكررت مرتني يف عمارة املعبد. ظاهرة عفوية نتيجة الختالف االرتفاعات، أم

كانت ظاهرة مقصودة لتصريف مياه األمطار من فوقها بسهولة؟.حب )أو حجر أرحب( من أجل ة صرواح أر بني يف بلدوبين املعبد الثالث املكتشف من عهود املكر

عبادة عثرت الذي اعتربه العرب اجلنوبيون راب لنجم الشعرى وولدا لرب القمر وربة الشمس. وكان شأهنم يف هذا التعدد هو شأن أغلب أصحاب الدايانت الوضعية القدمية، ونعين هبا الدايانت الىت

ألنبياء. وكانوا يتخيلون لكل ظاهرة الرسل واالسماء إىل وضعها البشر ومل تكن مما أوحى به منطبيعية راب خيتص هبا، ويتخيلون ملعبوداهتم حياة متاثلها حياة البشر يتزاوجون فيها وينجبون. ويتآلفون

فيها وخيتصمون. وظل العرب القدماء هكذا حىت ظهر اإلسالم فخلصهم من تعدد املعبودات ون سواه. وبين املعبد بتخطيط بسيط ولكنه ال خيلو العاملني دوعبادة رب ووجههم إىل داينة التوحيد

من خصائص مميزة متثلت يف تعدد املشكاوات وإدخال عنصر الزخرف على أجزائه املعمارية وال سيما األعمدة. فقد أقيم سور املعبد على هيئة مستطيل ينحرف قليال عن اجلهات األصلية األربعة.

ة الرئيسية للعبادة، وبين أمامها حوض مربع متسع، لعله كان لي املقصور نائه الداخوقامت يف مؤخرة ف يستخدم ملاء التطهري.

وظهرت عناصر التجديد يف عمارة املعبد يف أنه تصدرت واجهته اخلارجية مشكاة عليا تطل على ر الداخلي الطريق. وتصدرت جداره اخللفي مشكاة عليا أيضا تطل على فنائه. كما تصدرت اجلدا

عبادة مشكاة اثلثة كبرية تطل على املتعبدين فيه. ويبدو أنه كان يوضع يف كل مشكاة من ملقصورة الهذه املشكاوات متثال لصاحب املعبد. مث جتديد زخريف آخر، متثل يف إقامة تسعة أعمدة مثمنة

عمود ة أخرى كل األضالع على اجلوانب اخلارجية حلوض ماء التطهري الكبري، وإقامة تسعة أعمد ضلعا داخل مقصورة العبادة الرئيسية. 16ذو منها

(1/53)

لكل عمود منها اتج زخريف يف أعاله يضيق من أعلى إىل أسفل مبا يشبه بعض العمائم اليمنية. وكان وقد هتدمت األعمدة ومل يتبق غري قواعدها وأجزاء من تيجاهنا.

ا خاصا للمعابد ضمن نصوص معبد ضخم وتكرر اسم املكرب يدع إيل ذريح، الذي أوىل اهتمام الية بنحو أربع كيلو مرتات، وهو معبد أطلق السبئيون عليه اسم آخر يقع إىل جنوب شرقي مأرب احل

بيت أوام أي معبدها على اعتبار أنه يعترب بيتا مقدسا للمعبود األكرب يف البلد الذي يعبد فيه، نطقة أوام هذه ذات صلة بعشرية مرثد السبأية اليت وخصصوه إلملقه بعل أوام أي سيدها. وكانت م

ن حكام سبأ. وأطلق املسلمون على املعبد جتاوزا أو خطأ اسم حمرم بلقيس أتثرا انتسب إليها كثري ممبا نشرته القصص عن هذه السيدة. ويظهر السور الكبري للمعبد على هيئة بيضاوية تقريبا، وال يزال

ما اكتشفت بعثة أمريكية آاثرية أجزاءه القريبة من مدخله فأظهرت بضعةداخله مل يكتشف بعضه. بينعناصر معمارية راقية بنيت يف أغلب الظن بعد عهود املكربني وهلذا نؤجل احلديث عنها إىل حني

نبحث منشآت عصور امللكية يف سبأ.ن مكان، وإذا مل يكن ويكفي هنا ما يستنتج من اتساع النشاط املعماري يف عهود املكربني يف أكثر م

املعابد. فإن املعابدمل تكن تقام يف مناطق مقفرة لدينا حىت اآلن ما نقدمه من صور هذا النشاط غريوإمنا ال بد أنه صحب قيامها نشاط أكرب يف توفري العمران السكاين واالقتصادي بقرهبا. وإذا كان

ى على نصوصه يف ثالثة معابد على مكرب واحد مثل يدع إيل ذريح قد أسعد احلظ ذكراه أبن أبقته الدينية والعمرانية والتنظيمية واحلربية كما أسلفنا، فاملرجح أن أقل تقدير لتكون شاهدا على اهتماما

مكربني آخرين سبقوه وخلفوه كان هلم مثل نشاطه. وحتدثت بعض نصوصهم الباقية فعال عما عملوا عثر على آاثر معظمها حىت اآلن. وأخريا فقد كان اجتاه على تشييده يف عهودهم من معابد، وإن مل ي

ئي والديين إىل قرب مدينة مأرب مبشرا بقرب انتقال األمهية السياسية إليها واستغالل النشاط اإلنشا ما حوهلا، وقد أقيم فيها ابلفعل أكرب مشروع بدأه السبئيون يف عهود املكربني وهو:

مشروع سد مأرب:ر قى طرق جتارة القوافل القدمية الواردة من بيحان وحضرموت ومواين البحقامت مأرب عند ملت

العريب والبحر األمحر اجلنوبية، فضمنت لنفسها موارد اقتصادية كبرية من مكوس التجارة. وقامت يف الوقت نفسه عند النهاية الشمالية

(1/54)

ا كفل هلا بعض احلماية الطبيعية. كما مرت 350قية لتل ميتد حنو نصف كيلو مرت وبعرض يبلغ حنو الشر هم، على وادي أذنه الكبري الذى عمل السبئيون على استغالله يف الزراعة على أشرفت، وهذا هو األ

نطاق واسع.ها السنوية وجتري على وغالبا ما كانت األمطار الغزيرة تسقط على مرتفعات اليمن يف بعض موامس

ل ينتهي بعضها إىل فتحة طبيعية كبرية توسطت بني جانيب جب هيئة السيول العنيفة يف عدة وداينبركاين مرتفع مسي جبل البلق، وهو جبل يفصل بني الصحراء وبني مرتفعات اليمن يف منطقة مأرب

الشمايل. ويبدو أن تسمية ويسمى جانباه عند هذه الفتحة ابسم، جبل البلق األوسط، وجبل البلقويرتاوح ين الفتحة أيضا، وإن مسيت هذه الفتحة اآلن ابسم الضيقةالبلق كانت تعين احلجر كما تعمرتا. وكانت 230مرتا، مبتوسط لالتساع يبلغ 190مرت وبني 500اتساعها يف بعض أجزائها بني

ذنة( الكبري فتتفرق فيه، وال تلبث حىت السيول بعد أن تعرب هذه الفتحة تندفع إىل وادي أذنة )أو لرتبة بغري فائدة.يضيع أغلبها يف ا

نشاء السد ثالثة أغراض، وهي أن يقللوا من اندفاع السيول واستهدف السبأيون )أو السبئيون( من إإىل وادي أذنة وما ميكن أن يؤدي إليه من بوار الزرع وتدمري القرى يف مواسم األمطار العنيفة. وأن

ه. وأن يرفعوا مستوى مياه الري لوا دون ضياع أغلب مياه السويل يف جوف األرض حني تتجاوز حيو تصل إىل املدرجات املرتفعة القابلة للزراعة على جانيب الوادي، مث توزيعها عدة أمتار تسمح هلا أبن

ته عن طريق فتحات جانبية يسهل التحكم فيها. وهكذا مييل املهندس ريتشارد بوين من دراساعن الغرض من السد وهي فكرة ختزين املياه ملشروعات السدود اجلنوبية إىل تعديل الفكرة القدمية

صناعية كبرية أو حنوها وذلك لوجوده يف بيئة ميكن أن تتشرب أرضها املياه بسهولة.خلفه يف حبرية من املناطق وطبق بوين هذه الفكرة، والعهدة عليه فيها حبكم ختصصه، على سدود بيحان وغريها

مل يعملوا قط على خزن املياه وراء السدود ولكنهم بنوها اجلنوبية األخرى. وكرر أن العرب اجلنوبيني لكسر حدة السيول وتوزيعها على أكرب مساحة ممكنة. كما أشار إىل أن سدود اجلنوب بنيت يف

وداين جافة وليست عرب أهنار، ومع عدم توافر اخلربة لبنائها حتت املاء.دعى مسهو عايل ينوف )حرفيا: وأقدم من سجل امسه من حكم سبأ على صخور سد مأرب مكرب ي

د لليب عهده إىل منتصف القرن السابع ق. م. ويرده ألربايت إىل مسه على ينف(. وهو مكرب ير القرن اخلامس ق. م. ويعتقد فيسمان بوجود مكربني اثنني محال نفس

(1/55)

ادي أذنة ومبعىن م وحكما يف هذين التارخني(. وختري املسئولون عن بناء السد منطقة تلي فم و االسكان التحكم فيها، وسهولة االعتماد آخر تلي مدخل فتحة جبل البلق نظرا لتحديدها النسيب. وإم

على جوانبها احلجرية الربكانية الصلدة.يف حتديد امتداده األصلي، وكسوا واجهته وبدأوا بتشييد جسر ضخم من الردمي ختتلف اآلراء

أعيد بناؤه كله بعد ذلك أبحجار جيدة يف عهود اتلية. وامتد هذا ابألحجار يف مواجهة تيار املاء، مثاجلانب األمين من اتساع الفتحة، وجعلوا له بوابة متسعة اعتمد أحد كتفيها عليه، أي: على اجلسر يف

د كتفها اآلخر على اجلبل نفسه من انحية أخرى. ووجه املشرفون اجلسر أو اجلدار من انحية، واعتمحلجر املياه بعد هذه البوابة إىل جمرى واسع ينتهي إىل حوض ضخم حددوا جوانبه ابعلى املشروع

للحيلولة دون سرعة هتدمها أو تسرب املياه منها. وتركوا يف هناية اجلانب األمين منه فتحات مناسبة يق تصريف املقادير الضرورية من املياه لري اجلانب األمين من وادي أذنة عن طر يسهل التحكم فيها ل

مشروع عهد مسهو عايل ترع ختتلف أطواهلا واتساعاهتا واجتاهاهتا. وأطلقت النصوص القدمية على ينوف اسم رحب، أو رحاب، أو رحابوم، كما يقرتح بعض اللغوين قراءته، وهو اسم قد يعين السد

قط أتثرا سع. بينما أطلق اليمنيون املسلمون على بوابته اسم مربط الدم، أي: مربط المبعناه الوا أبسطورة عربية قدمية مستحيلة التصديق.

عهد املكرب يثع أمر بني ابن حفيد مسهو عايل ينوف، الذي تسمى وعدل مشروع السد وأكمل يفلري للناحية اليسرى من وادي أذنة ق. م. وعمل رجاله على توفري مياه ا 460مبثل امسه منذ حويل

وا اجلسر أو جدار السد يف عرض فتحة اجلبل حىت كما توفرت للناحية اليمن منه من قبل فمدقوا على مشروعهم اجلديد اسم وادي حبابض، وتركوا يف هناية بوابة ضخمة هنايتها انحية اليسار، وأطل

اجلانب األمين، فمدوا وراءها جمرى طويال أخرى ذات فتحتني، وأجروا خلفها مثل ما مت خلف بوابة حوض واسع ذي فتحات تؤدي إىل عدة ترع للمياه تتوزع يف دعمت جوانبه ابحلجر، وانتهى إىل

تسعة من وادي ذنة.الناحية اليسرى املأما أبعاده احلالية فيفهم من وصف من اهتموا -هذه صورة عامة لفكرة سد مأرب وبداية أجزائه

، ويبلغ مرتا 11ه التفصيلية أن االرتفاع احلايل للجزء الباقي من جدار السد يبلغ بدراسة مقاساتمن األمتار. وامتداد ضلع 4.55من األمتار. ويبلغ عرض البوابة اليمىن 12.40امتداده العرضي

من األمتار. 78.80احلوض الواقع خلفها

(1/56)

مرتا، وتتفرع من 1160يف الناحية اليسرى وهي األكرب فيمتد اجملرى املائي األساسي فيها حنوأما ترعة يبلغ عرض الواحدة منه حنو ثالثة أمتار. وقد فتحت يف أعلى 14احلوض الذي ينتهي إليه

، املياه الزائدة عن املنسوب املطلوب اجلانب األيسر لسد حبابض أربع فتحات تساعد على تصريفوتؤدي إىل ختفيض ضغط املياه على جدار السد نفسه. وقد اتبعت فكرة األهوسة يف الفتحات أو

م املعماري التالية. فشق يف الكتفني اجلانبيني لكل بوابة جتويفان رأسيان البواابت خالل مراحل التقدع فيهما إىل أعلى الصلبة حني يراد قفل البوابة. وترف ميتدان ابرتفاعها لتنزلق فيهما كتل األخشاب

حني فتحها. وال تقل طرق البناء املتمثلة فيما بقي سليما من السد داللة على براعة املعماريني، فقدشيد يف عصر اكتماله من أحجار ضخمة قطعت من جبل البلق وثبتت يف مداميكها مبونة صلبة.

ربط أحياان بني بعض وبعض آخر يف مداميكها مبونة صلبة. و وربط أحياان بني بعض أحجارها أحجارها وبعض آخر بقضبان من النحاس املنصهر والرصاص املنصهر رغبة يف زايدة ترابطها

قد يقارن هلذا استخدام ذي القرنني ملصهور احلديد والنحاس يف بناء سد دفاعي كبري، ومتاسكها. و .96انظر سورة الكهف آية

روع سد مأرب مها اللذان عنامها القرآن الكرمي بقوله: جانيب وادي أذنة اللذين انتفعا مبش واملرجح أنكنهمر آية، جنـتان عنر كروا له * بـلردة طيبة }لقد كان لسبإ يف مسر ميني ومشال، كلوا منر رزرق ربكمر واشر

رى األمين لسد مأرب تدل على عمراهنا ال تزال آاثر القرى الىت انتفعت ابجملورب غفور ... { و قيس والعمايد. القدمي وإن ختربت اآلن إىل حد كبري، ومنها مدينة النحاس وخرابة مروث وحمرم بل

وكانت مأرب أكثر انتفاعا ابجملرى األيسر، وقد أطلقت النصوص على منطقته اسم يسرن.تدعوان إىل الشك فيما إذا كان قد خامة سد مأرب أبجزائه كما سبق وصفهاوالواقع أن روعة وض

املشروع بدأ هكذا منذ عهد منشئه مسهو عايل ينوف وعهد حفيده البعيد يثع أمر بني، أم أن شقيبدءا متواضعني يف عهديهما مث زاد اتساعهما وارتفاعهما وتقويتهما يف عهود من تبعومها من املكريب

د أصلحت جدران السد أكثر من مرة بعد أن لعل هذا الرأي األخري هو األرجح. فقوامللوك، و يها حينا، وشدة تعرضت للتهدم نتيجة لرتاكم اإلرساب خلفها حينا، وبتأثري عامل الزمن يف مبان

السيول حينا آخر. وسجل عدد من احلكام السبئيني أخبار مرات اإلصالح الىت متت يف عهودهم. ويس الشمايل يف عهد امللكني ذمر عايل يهابر وأتران ك على سبيل املثال أن أعيد بناء اهلوكان من ذل

النهائية يف عهد امللكبعد القرن امليالدي األول. واختذت الفتحات الشمالية للسد صورهتا

(1/57)

م. مث جدد املبىن كله أو دعم يف عهد امللك شرحبيل يعفور يف عام 325هرعش يف حوايل عام مشري م.450م. كما أعيد إصالح صدع فيه يف العام التايل أي عام 449

م وبذلت فيه حينذاك جهود 543ومتت آخر إصالحات السد يف عهد أبرهة ملك سبأ حوايل عام قضوا يف ترميم السد أحد عشر شهرا، واستهلكوا خمة، حبيث ذكرت نصوص أبرهة أن رجاله ض

رأس من الغنم، 207بعري وثور، و 3000محل من التمر، و 26000غرارة من الدقيق، و 50806وعلى الرغم من قيام ثورة ضده حينذاك يف منطقة مأرب وتفشي الوابء فيها، إال أنه أقام حفال كبريا

ه وفد من احلبشة، ووفد من فارس، ووفد من بيزنطة. سبة انتهاء العمل يف إصالح السد. حضر مبنا ووفدان من احلرية وغسان.

وعلى أية حال فقد استطاع السبئيون على امتداد عصور اهتمامهم بسد مأرب أن يتموا مشروعا لقدمي. وهي مشاريع كان من أقدم كبريا حق هلم أن يفخروا به بني املشاريع املائية األخرى يف العامل ا

كن ترجيحه منها حىت اآلن مشروع سد الالهون يف مصر الذى شيد يف أوائل القرن الثامن عشر ما ميق. م. لتوجيه جانب من فيضاانت النيل إىل منخفض الفيوم لرفع مستوى املاء فيه حىت تنتفع به

اضي به. مث االنتفاع ببعض مياهه لري األر أكرب مساحة ممكنة من أراضي املدرجات اخلصبة الىت حتيط القريبة منها يف غري أوقات الفيضان. ورمبا سبق مشروع هذا السد سد آخر يف منطقة اجليزة مبصر

أيضا أقيم حوايل القرن السادس والعشرين ق. م. ولكن استخدامه مل يعمر.د عهد بداية إنشائه أبكثر م أي بع571وظل سد مأرب يؤدي أغراضه حىت هناية عهد أبرهة يف عام

م مبا وصفه القرآن الكرمي ووصف نتائجه يف قوله: 575قران. مث اهنار أغلبه عام من أحد عشر ذواتى أكل مخرط و ء منر }فأعررضوا فأررسلرنا عليرهمر سيرل الرعرم وبدلرناهمر جبنـتـيرهمر جنـتنير ر أثرل وشير سدر

ناه نا فيها قـر قليل، ذلك جزيـر الرقرى اليت ابركر نـهمر وبنير ى مر مبا كفروا وهلر جنازي إال الركفور، وجعلرنا بـيـرما آمنني، فـقالو فار ظاهرة وقدرران فيها السرير سريوا فيها ليايل وأاي أسر ان وظلموا أنفسهمر ا ربـنا ابعدر بنير

ناهمر كل ممزق إن يف ذلك آلايت لكل صبار شكور{ ]سورة سبأ اآلاي 15ت فجعلرناهمر أحاديث ومزقـر- 18.]

طق الىت تصلها مياه السيول بعيدا عنوأقام السبئيون سدودا أخرى حملية يف عهود متفرقة يف املنامنطقة مأرب. ومنها سد يعرف ابسم مبىن احلشرج لتنظم مياه وادي السيلة، ويتكون من ثالثة جدران

مرتا، وتوجد فتحات كثرية طويلة بينها، وعثر 180 - 150ضخمة يقال إن كال منها ميتد ما بني جالسر على

(1/58)

نقوش على صخورها.عشر ن دعوات االستسقاء وطلب رمحة السماء من حني إىل حني. وختلف من تغن السدود السبأيني عومل

نصوصهم القدمية الىت وجههوها إىل معبوده عثرت ذبيان، وقال يف هنايته: وسقى خرف وداث سبأ وجوم شبعم، أي: وسقى الرب خريفا وربيعا سبأ وجوما سقاية مشبعة.

فسرها بعضهم مبعىن الشعب أو مبعىن احللف، مة جوم يف هذا النص، فف اللغوين يف تفسري كلواختلوفسرها بعض آخر مبعىن النهر أو معىن السهل، وفسرها بعض اثلث أبهنا تعين األراضى املنخفضة

من هتامة اليمن. التوسع احلريب:

نتائج متنوعة يعرب لفتية الناشئة مطالب و غالبا ما ترتتب على املشروعات الداخلية الكبرية يف الدول اكام عنها ويتولون رسم سياستها ابسم شعبهم. فهي من انحية تستدعي توفري األمن لتنفيذها، احل

وتستدعي العمل على تغظية نفقاهتا سواء من موارد داخلية أو خارجية، كما تستدعي يف الوقت هذه أيضا. فإذا مت تنفيذ خلية منها أو اخلارجيةنفسه العمل على محايتها من األخطار املتوقعة الدا

املشروعات وآتت مثارها وزاد الدخل القومي منها غالبا ما يرتفع شأن أصحاهبا يف نظر أنفسهم ونظر شعبهم، وهنا إما أن تشجعهم شهرهتم على أن يستزيدوا من الرفاهة ألنفسهم وخيلدوا إىل النعيم.

سهم عن طريقها ما السياسية ليزيدوا ألنفا من قوهتم العسكرية و وإما أن تشجعهم على أن يستزيدو يعتقدون أهنم يستحقونه من اجملد والشهرة.

ومرت دولة سبأ أبمثال هذه املالبسات والظروف حني مهدت ملشروعات الري الكربى فيها وحني اقتصادية جديدة أمتتها. فقبيل البدء يف مشروع سد مأرب عملت دولة سبأ على االستزادة من موارد

خذت تؤمن نفسها منهم. وكان أقرب هؤالء اجلريان غليها: دولة ى حساب جرياهنا، كما أولو علمعني يف مشاهلا ودولة أوسان يف جنوهبا الغريب. وكانت األوىل تنافسها فيما أتيت به جتارة الرب. وكانت

يني الذي يؤرخ عهد املكرب يدع إيل ب الثانية تنافسها فيما أتيت به جتارة البحر، وبدأت دولة سبأ منذلتاريخ املختصر عهده ببداية القرن السادس ق. م. تقص أطراف دولة معني القريبة منها. أصحاب ا

ويفهم من نصوصه أنه عمل على تسوير مدن احلدود وتقوية أبراجها ليتخذها جيشه مراكز دفاعية أو ةأن مدان حدودية معينيهجومية يف الوقت املناسب. وحيتمل من نفس النصوص

(1/59)

ل دخلت فعال يف حوزة دولته مثل نشق ودابر )يف جنوب منطقة اجلوف(. مث أعاد رجاله األص حتصينها لنفس األغراض الدفاعية واهلجومية السابقة.

وجرى خلفاء هذا املكرب على سياسته وعملوا على توسيع املدن احلدودية ومنها املدن املعينية اليت ات من السبأيني لينتفعوا هبا. ويكونوا رقباء على أهلها. سكنوا فيها مجاعدخلت يف طاعة دولتهم. وأ

شوحطا يف عهد املكرب كرب 60وسندا لدولتهم فيها. وكان من ذلك أن زيد اتساع مدينة نشق ق. م.( مث زاد اتساعها مرة أخرى وأصلح ما حوهلا وأوقفت على 560إيل بيني )يف حوايل عام

ق. م.(. 535وتر )منذ حوايل عام ولده ذمر عايل مصلحة السبأيني يف عهدوانتفعت الدولة حبالة األمن والرخاء الىت وفرهتا هذه اإلجنازات وأمثاهلا فمضت يف تنفيذ مشروع سد مأرب الكبري. وما أن مت تنفيذ مراحله يف عهد يثع أمر بيني حىت التفتت إىل توسيع احلدود وإرهاب

مل على تسوير املدن وجتديد احلصون وروت نصوص هذا املكرب الع اجلريان مرة أخرى. فقد واصلعهده أنه هاجم )واألصح أن جيشه هاجم( مدن معني حىت منطقة جنران. ودمر بعضها وأحرق قراها وقتل منها األلوف وسىب األلوف. وروت نفس النصوص أنه )أو جيشه( اندار على دولة قتبان اليت

مماثال. ويالحظ هنا أننا وإن سلمنا ابجتاه النشاط احلريب مبدهنا دمارا جتاور دولته من اجلنوب وأنزللدولة سبأ إىل هذه االجتاهات إال أننا حرصنا على أن نقول وروت نصوص امللك السبأي كذا أو ادعت كذا لإلشارة إىل أننا غري ملزمني ابلضرورة أبن نسلم حبرفية ما ورد فيها عن ألوف القتلى

ارات دائما لصاحل أصحاهبا. ذلك أن املبالغات يف تقارير احلروب أمر ى وتوايل االنتصوألوف األسر مألوف يف العصور القدمية بل والعصور احلديثة أيضا. وهو ما سنضعه دائما يف احلسبان يف مناسبات

أخرى اتلية.إيل وتر وبعد جيلني أن حنومها نشطت سبأ إىل حرب توسعية أخرى يف عهد أخر مكربيها كرب

(. وكان داهية يف احلرب والسياسية. ويفهم من نصوص عهده أنه هادن دولة قتبان ودولة )الثاينحضرموت ليتفرغ حلربه مع دولة معني. وضمن حيادمها مرة أخرى ليحمي ظهره يف حربه مع دولة أو

ل يف نفوس أهل سان. وبدأ فاجته أبطماعه إىل دولة معني ليستغل ما أنزلته اجليوش السبأية من قبدهنا من الرعب وما صاروا إليه على أايمه من تفرق الكلمة وما جلأ إليه بعض أمرائهم من إعالن م

استقالهلم الذايت عن جسم دولتهم، وهامجها ببعض جيوشه. وعندما اجته إىل دولة أوسان استمال إليه أخذت اجليوش بقواته. وهكذا بعض حلفائها وأبتاعها ليضعفها وحيرمها من معونتهم. مث احنط عليها

السبأية

(1/60)

هنا وهناك وخترب وحترق املدن والقرى بضراوة مث اجتهت مشاال لتكمل سيطرهتا على منطقة تضرباجلوف ومنطقة جنران. وهنا ادعت نصوص كرب إيل وتر سيطرته على األلوف من األسرى وقضائه

نعاجل اتريخ كل من الدولتني معني وأوسان يف على األلوف من اجلنود مما سنعود إىل ذكره حني. وتكفي اإلشارة هنا إىل ما عقبت به نصوص ذلك املكرب املنتصر من أنه أعاد توزيع تفصيل

األقاليم الىت خضعت له. فاحتجز بعضها لنفسه. وخصص بعضها ملعبوده األكرب إملقه. وأقطع ت تسمى فيشان أو بيشان، كما تنازل عن بعضها بعضها للقبائل املوالية له والسيما قبيلته اليت كان

قتبان وحضرموت مكافأة هلما على حيادمها خالل حروبه الطويلة مع خصومه، وتعويضا هلما لدوليت عن سبق اعتداء أوسان على حدودمها.

وعندما اطمأن كرب إيل وتر إىل سالمة مركزه شجعته انتصاراته على أن يصيغ حكمه ابلصيغة املدنية ادعى يف نصوصه أن ربه إملقه هو الذى ختريه نية إىل جانب قداسته الروحية. فأعلن نفسه ملكا، و عال

ملكا أو صريه ملكا وأيده يف مشروعاته. وسجل أخبار انتصاراته )عن طريق كتبته( يف نص كبري يف ذا قد آل املعبد األكرب ابلعاصمة القدمية صرواح، ومن تصاريف األقدار أن نص النصر الكبري ه

احلاضر بعد أن أطل وجه احلجر الذي نقش عليه على مصريه إىل التلف واملهانة يف بداية العصر حظرية للماشية وأطل وجهه اآلخر على طريق السابلة ليعبث الصغار فيه ماشاءت هلم رغبة العبث.

دولته وهي عهود وكما كان كرب إيل وتر خامتة لعهود املكربني أصبح بداية لعهود جديدة يف اتريخ ق. م. )بينما كان أصحاب 410التاريخ املختصر حبوايل عام امللكية السبأية اليت يبدؤها أصحاب

ق. م.(.630التارخ املطول يبدأوهنا حبوايل عام A.G.Loundineوقبل أن ندع عهود الكربني نود اإلشارة إىل نظرية جديدة خرج هبا الباحث

رخوا نصوصهم السبأيني وإن مل يؤ ا متاما حىت اآلن. ومفادها أن، ومل تستقر صحته1956منذ عام بسنوات حكم املكربني ومل يدرجوا أمساء أولئك املكربني يف قوائم متصلة. مما أدى إىل االختالف

الواسع يف اتريخ عهودهم كما أسلفنا من قبل، إال أن التنظيمات السبأية جعلت إىل جانب املكرب يف فرتة نيابته الىت تسمى رشوة رشو، رمبا مبعىن الكاهن النائب، ليؤرخ الناس ابمسهموظفا كبريا بلقب

أو رشاوة، وكان يلي الكهانة ملعبود قومه عثرت ابلوراثة ولدا عن والد يف أكرب عشرية يف الدولة بعد ويشرف إىل جانب كهانته على مشروعات الري-عشرية امللك )وهي عشرية حزفر من قبيل خليل(

(1/61)

راعة خباصة. ورمبا مل تكن لنيابته فرتة حمدودة يف عهود املكربني ولكنها أصبحت حمددة بست أو والز سبع سنوات يف عهود امللكية كما سنعود إىل ذلك فيما بعد، وقد حيمل مع لقبه اخلاص لقب مود أي

صديق إشارة إىل الصلة أو املودة بينه وبني مكرب دولته. سة الفصل:ختارة يف درامن املؤلفات امل

.185 - 159، ص 1963القاهرة -أمحد فخرى: دراسات يف اتريخ املشرق القدمي مادة سبأ، نيلسن، - 2ج - 1968بريوت -جواد علي: املفصل يف اتريخ العرب قبل اإلسالم

.292 - 289، 87 - 75ص-وهومل، ورودو كاانكيس، وجرومها: املرجع السابق Bowen, R.Jr., Albright, W.F. and Others, Archacological

Discoveries in South Arabia, I, Baltimore, 1958, 70.htm''75. Philby, H.JB., The Background of Islam, Alexandria,

1947,32-41. phillips, W.,Qataban and Sheba, New York 1955.

Shahid, I.Pre-Islamic Arabia. CHI, Cambridge. 1970.

(1/62)

ل اخلامس: دولة قطبانالفص...

الفصل اخلامس: دولة قتبان أ( التكوين السياسي:

قامت دولة قتبان )ق ت ب ن( إىل اجلنوب من دولة سبأ وتضمنت وادي بيحان ووادي حريب وما شغل جزءا من اليمن وجزءا من عدن احلاليني. وعاصر كياهنا السياسي يف بعض عهوده بقية الدولة

ة، سبأ وحضرموت ومعني وأوسان. وتراوحت آراء الباحثني يف تعيني بداية هذا الكيان نوبيالعربية اجلالقتباين السياسي مبا بني منتصف القرن التاسع ق. م. وبني القرن السابع ق. م. ولكن الوجود

( إرجاعه إىل ما 39 - 37االجتماعي والنشاط االقتصادي جلماعات القتبانيني قد رجحنا )يف صعدة قرون، حينما دللنا على قيام التبادل التجاري بني اجلنبتني القتبانيني وبني مصر القدمية لك بقبل ذ

يف عهد امللك حتومتس الثالث خالل القرن اخلامس عشر قبل امليالد. ووجد هذا الدليل املصري

الباحثان ألربت عثر القدمي أدلة أخرى تقاربه يف نتائج أحباث بعثة أثرية أمريكية حديثا يف قتبان. فقد على خمربشات قتبانية )أي A.Jamme and F.P.Albrightجام وفرانك ألربايت

نصوص قصرية غري متقنة( يف هجر بن محيد ووادي فرع اجتهت بعض سطورها من اليسار إىل اليمني ىل ها إمما يعين يف رأيهما قدم عهدها، كما تعرفا فيها على أشكال حروف هجائية أرجعا أسلوب كتابت

حوايل القرن العاشر ق. م. واعتبارها من حيث الشكل بقية من مرحلة التحول من اخلط الكنعاين القدمي الذي حيتمل أن نقله بعض العرب عن جنوب الشام إىل خط آخر متيزت به النصوص اجلنوبية

بت، ه اثوهو اخلط املسند. وأضاف جام عن بدائية أشكال هذه احلروف أن رمسها مل يلتزم ابجتافبعضها مييل ميينا وبعضها مييل يسارا، وبعضها مقلوب وبعضها رسم على جانبه، وكان تعدد

االجتاهات يف رسم احلروف من مظاهر املرحلة األولية يف األجبدية الكنعانية يف الشام حىت القرن الثاين بدراسة تتابع خرى عشر ق. م. وزكى فان بيك وآخرون هذا الوجود القتباين القدمي من انحية أ الفخار يف مستوايت العمران يف هجر بن محيد، حيث أرجعوا أنواع الفخار

(1/63)

قدم مستوايت هذه البلدة إىل ما يدور حول القرن احلادي عشر والقرن العاشر ق. م. وزاد وندل يف أحتمال بناء بعضها فيليبس على هذا فافرتض من مالحظة مستوايت أطالل املباين يف املدن القتبانية ا

يف أواسط األلف الثاين ق. م.ة هنا ما يتعلق ابجلنوب العريب، وهو أحدث ومع هذا القدم النسيب للكيان القتباين، ونعين ابلنسبي

بطبيعة احلال يف تكويناته السياسية كثريا عن دول اهلالل اخلصيب الكبرية القدمية، فقد الحظ بعض وإن بدت أقرب إىل هلجات حضرموت ومعني منها إىل اللهجة السبأية، اللغويني أن اللهجة القتبانية

مسية وأسلوب تركيب أمساء وألقاب احلكام الكبار فيها ظال أقرب إال أن أسلوب الكتابة القتبانية الر إىل أمثاهلما يف دولة سبأ. ومن التفسريات احملتملة. هلاتني الظاهرتني أن أقواما من احلضارمة واملعينيني

كانوا يشاركون القتبانيني أصلهم القبلي. أو كانوا يشاركوهنم أرضهم يف عصور قدمية. ولكن هذه عت يف فرتة ما لنفوذ سبأي سياسي وانتقل إليها ما كان شائعا يف سبأ من أسلوب الكتابة األرض خض

ري كان فيه ما الرمسية وطريقة تركيب أمساء )أو ألقاب( احلكام. وإذا صح الشطر األول من هذا التفسظلت يزكي ما سبقت اإلشارة إليه من أن اجلماعات العربية القدمية يف اجلنوب ويف الشمال كذلك

لفرتات قدمية طويلة التلتزم حبدود إقليمية أو قومية قاطعة فيما بينها. من قبل أن تقوم فيها الدول

السياسية واضحة املعامل واحلدود.الصبغة الثيوقراطية أو الدينية الىت بدأ هبا يف بقية الدول العربية وبدأ احلكم يف دولة قتبان بنفسلكبار منذ القرن السابع ق. م. )يف عرف أصحاب التاريخ املختصر( اجلنوبية. فتلقب أوائل حكامها ا

بلقب مكرب وهو لقب تناولنا مدلوالت مثيله من قبل يف سياق احلديث من حكام سبأ. ومنذ هناية م. أو بداية القرن الرابع ق. م. فيما يرى ألربايت غلب احلكام القتبانيون الصبغة القر اخلامس ق.

يف حكمهم وتلقبوا أبلقاب امللوك. وليس من املستبعد أن ذلك التحول قد ارتبط املدنية والسياسية يف حينه بنصر سياسي أو حريب رفع من شأن احلكام القتباين يف نظر نفسه ونظر شعبه وجعله يعترب نفسه ال يقل مكانة عن ملوك سبأ الذين سبقوا يف التحول إىل نظام امللكية، ال سيما بعد أن خف

ذي فرضته هذه الدولة على جرياهنا يف عهد ملكها الداهية كرب إيل وتر.الضغط الويبدو أن قتبان قد استفادت من وضع كانت قد مسحت هلا به دولة سبأ املعتزة بقوهتا. مث استغلته

صلحتها. فقد مر بنا أن كرب إيل وتر منشئ نظام امللكية يف سبأ أقطع قتبان بعض األراضي هي ملوشه عليها من دولة أوسان مكافأة هلا على التزامها مبوقف احلياد خالل حروبه، وهو الىت استولت جي

مطمئن إىل

(1/64)

البحر األمحر وتنتفع من ها موالية له. وكانت هذه األراضي األوسانية األصل تطل على ساحلبقائ ى تدعيم سلطاهنا عليها وتوسيع رقعتها ملصلحتها.موارده التجارية، وهلذا عملت قتبان عل

ر ومع منطقية هذين السببني السياسي منهما والتوسعي للتحول إىل امللكية يف قتبان، ال أبس من تقديثيوقراطية األصل. ذلك أن جتارب عوامل أخرى داخلية غالبا ما تتماثل نتائجها يف نظم احلكم ال

راطية يف احلكم أشبه بسالح ذي حدين. فهي وإن ضمنت التاريخ أوضحت أن الصبغة الثيوقمن القداسة للحاكم األعلى وكفلت له الوالء لروحي من شعبه. إال أهنا كانت ختلق أمامه على مر الز

لدين، وحينذاك يرى من مصلحته منافسني من كبار رجال الكهنوت الذين يشاركونه السلطة ابسم ا إىل مستوى امللكية ذات السلطات الشاملة.أن يرتفع عن مستوى رايسة الكهنوت

وعلى أية حال. فإن التحول حنو امللكية يف قتبان مل مينع بعض ملوكها من العودة إىل التلقيب بلقب مات، وقد تلقب به امللك ب بني حني وآخر أتكيدا لصفتهم الدينية وال سيما يف أوقات األز املكر

ذا امللك شهر جيل يهرجب، ومل يقلل من استمساكهم يدع أب ذبيان يف القرن الثاين ق. م. وك

ابأللقاب اليت أكدت صلتهم املباشرة مبعبوداهتم واليت كان منها ما يعترب امللك ولد املعبود عم، واالبن البكر لكل من أنباي وحوكم.

أو األخ بعد ا يف األسرة املالكة يف قتبان يتوىل العرش فيه االبن بعد أبيه،واستمر احلكم األعلى وراثي أخيه إن مل يكن له ولد خيلفه. ورمبا اشرتك ويل العهد مع امللك احلاكم بعد أن تتقدم به السن كي

لية، ويؤيد حقه الوراثي عن طريق هذا االشرتاك ويضمن عدم أيخذ عنه خربته وميارسها بصورة عممني الشريكني معا. ومل يكن إخوته له فيه بعد موت أبيه، وحينذاك تصدر املراسيم ابسم احلاك منافسة

الوطن القتباين أقل منزلة عند أهله من مقدساهتم الدينية، فإىل جانب القسم الرمسي أبمساء املعبودات اي، وابسم امللك احلاكم، كان يقسم كذلك ابسم قتبان.السيما عم وأنب

أطلق عليه اسم )م س لكية قام يف قتبان جملس لألعيان من شويخ القبائل وكبار املوظفنيويف ظل املد( أو مسود، ووجد له شبيه بنفس االسم يف دولة معني، وال ندري أيهما سبق اآلخر. وجرت العادة

، العاصمة متنع بدعوة من امللك، رمبا ملرتني على األقل يف كل عامعلى أن جيتمع هذا اجمللس يف داولة يف أمور حلرب والسلم. للنظر فيما يعرض عليه من شئون الضرائب واملنشآت العامة، وللم

وإصدار العفو الكلي أو العفو اجلزئي يف القضااي الكبرية.

(1/65)

رف امللك على نتائج قرارات اجمللس فإن أقرها صيغت على هيئة مراسيم وأعلنها ابمسه، أو وقعه ويتعاملسود. ورمبا وقعها كذلك يف بعض األحوال كبار رجال اجمللس أبمسائهم مشفوعة معه رئيس جملس

س ملكي هكذا توافرت جمللس املسود القتباين صفات متعددة: فهو جملأبمساء عشائرهم أو قبائلهم. و جيتمع أبمر امللك وينفض أبمره، وهو جملس استشاري حيق للملك أن يقبل اقرتاحاته أو يرفضها، مث

الوقت نفسه جملس للدولة يضم كبار أعيان قبائلها وأقليمها ويبحث يف مصاحلها. كما أنه هو يفا وقع أعضاؤه الكبار قوانني بعد موافقة امللك عليها مث يوقع رئيسه عليها ورمبجملس تشريعي يصوغ ال

عليها كذلك بعد توقيع امللك عليها.احلاكم إال أهنا مل تكن تؤرخ بسنوات حكمه، وعلى الرغم من صدور املراسيم ابسم امللك القتباين

ايسة دورية يتعاقب عليها كبار وإمنا تؤرخ بعام رايسة رئيس جملس املسود. ويبدو أن هذه كانت ر ة قد تقتصر على عام أو عامني لكل منهم، وقد تزيد عن العامني يف أعضاء اجمللس لفرتات حمدود

أكثر من مرة لسبب أو آلخر. أحوال استثنائية يتجدد فيها اخيتار الرئيس

ش على نصب تقام وكانت األوامر أو املراسيم امللكية تنقش على مدخل العاصمة متنع أحياان، وتنقلك أغراضا شىت منها توفري العلنية للمراسيم، وختليدها يف السوق الرئيسية ويف املعابد. وختدم بذ

ملا يعقبها من عهود وقوانني. ويضاف إىل لذكرى امللك احلاكم الذي صدرت ابمسه، ولتظل مرجعاان هلا موضعها املتوسط داخل هذه األغراض فيما خيتص بنقشها على نصب املعابد أن من املعابد ماك

ن يعرفون القراءة، فضال عما توحي به من وضع األوامر امللكية حتت املدن، ويرتدد عليها كثري ممألرابب شركاء فيها، السيما إذا تناولت حقوقا مفروضة رعاية أرابهبا، وإشعار الناس أن هؤالء ا

افرتاض وجود منادين يعلنون مضمون هذه للمعابد ومنشآهتا وكهنتها. وليس ما مينع بعد هذا من شفاهة يف األحياء واألقاليم والقبائل ابسم امللك احلاكم.األوامر واملراسيم

ة متنع، والىت حيتمل تسميتها بوابة ذو سدان بقااي ومن أهم ما تضمنته نقوش البوابة اجلنوبية للعاصمية القرن الثاين ق. م. وفيه ما يقضي نص لتشريع صدر يف عهد امللك يدع أب ذبيان بن شهر يف بدا

ابحلرمان )من احلقوق املدنية أو الدينية( حبكم خروجه على القانون، فإن جتاهل على القاتل القتباينالبقاء يف قتبان أابح امللك دمه، دون أن ترتتب على قاتله عقوبة مقتضيات هذا احلكم وأصر على

أو مالمة.

(1/66)

احلياة االقتصادية:ب( يفاعتمدت اقتصادايت قتبان وسلطة حكامها على ما اعتمدت عليه أغلب الدول العربية اجلنوبية. من

ناعية. ورمبا الثروة الرعوية أيضا. مث التجارة الداخلية والتجارة اخلارجية، وتنمية الثروة الزراعية والصب على هذه وتلك. ووجدت مسلة حجرية االستفادة يف الوقت نفسه من حتصيل املكوس والضرائ

صغرية داخل العاصمة متنع نقشت عليها بعض تنظيمات التجارة الداخلية والضرائب يف عهد امللك ائب التجارة، ومحاية مصاحل شهر هالل بن يدع أب، وهدفت إىل ضمان حقوق الدولة يف ضر ر، وإلزام التجار األغراب بتبليغ املواطنني التجار واملستهلكني. وتركيز جتارة العاصمة يف سوق مش

الدولة عن شئون جتارهتم سواء لإلذن مبمارستها أو لتقدير الضرائب عليها.هما كانت جتارته، جيب أن وجاء يف هذا املرسوم على سبيل املثال أنه إما اتجر يف متنع أو يف برم، مكل اتجر أايما كانت قبيلته. يدفع ضريبة يف متنع ليكون له دكانه يف سوق مشر. وهذا حق وواجب ل

فإذا أسس دكانه أصبح له احلق يف أن يتاجر وحده أو يشارك غريه. دون اعرتاض من مدير مشر. وإذا

للتجارة وأعلن ذلك أصبح حقا هلم.مسح مدير مشر للتجار القتبانيني أبن يتجولوا بني القبائل أحدهم، غرم هذا األجنيب مخسني وزنة فإذا أخطروه أبن أجنبيا انفسهم يف هذه التجارة أو خدع

ذهبية.ومن أدي ضريبة سوق متنع ليتاجر فيها. فتاجر مع قبيلة أخرى، فقد حقه يف ممارسة هذه التجارة،

مللك.وذلك حفاظا على حق القتبانيني الذي خصصه امللك. من جتارة وإذا أجر مواطن داره أو خمتنا لتاجر أصبح ملزما أبداء ضريبة السوق يف متنع إىل ا

املستأجر وما تغله، فإن مل تكف دفعها مما ميلكه ومن كسبه اخلاص.وإذا ابع شخص جتارة مجلة. وكان ينبغي أن تباع يف سوق مشر، وجب أن جيري بيعها ابلتجزئة عن

اء قتبانيني.طريق وسطا من حوله حىت وإذا دخل اتجر سوق مشر بتجارة يود أن يبيعها ليال، وجب على الناس أن ينفضو

يطلع النهار.وانتهى املرسوم ابلنص على أن للملك حق السيادة على كل معاملة وكل جتارة جتري يف منطقته وهذا

أمر ينبغي على كل ملك اتل أن يؤيده.

(1/67)

حىت اآلن من كميات امللح من هناية وادي بيحان، وعلى أعماق خمتلفة فيه، مث يستخرج و أن ماويبديصدر بعضه إىل مناطق أخرى من اجلنوب العريب. كان ميثل موردا اقتصاداي له اعتباره كذلك يف

العصور القدمية.يما خيتص سيما ف سيت( الومن أجل خدمة وتشجيع قوافل التجارة اخلارجية أو جتارة املرور )الرتان

ابلبخور أبنواعه ومشتقاته، ومن أجل إحكام اإلشراف عليها يف الوقت نفسه. مد القتبانيون الطرق الربية ومهدوها. ومن أمهها طريق ممر مبلقة )العقبة( الذي بذل فيه جمهود ابرع ابلنسبة لعصره وبيئته

هة من عدن إىل نواحي مأرب ل املتجالقواف ليصل عرب اجلبال بني وادي بيحان ووادي حريب. وتعربهيف سبأ. عرب األراضي القتبانية. وقد مهدت أرضيته ابألحجار ابتساع يرتاوح بني أربعة ومخسة أمتار.

وامتد حنو ثالثة أميال بني ارتفاع واخنفاض ابحنناءات كثرية يف أجزاء شقتها الطبيعة وأجزاء أخرى ا جدارن منحوتة أو مبنية، وأقيم على كل من جوانبه ية حتميمهدهتا يد اإلنسان على مدرجات جبل

طريف هذا الطريق الطويل حوض للماء خلدمة القوافل وسقاية اإلبل. ووردت ثالثة نصوص من عهد

امللك يدع أب ذبيان بن شهر حتدثت عن تعبيده يف أايمه. ولوحظ أن هذا اجملهود كان ميكن توفريه متنع رأسا إىل وادي حريب، لوال حرص القتبانيني العاصمةمن غرب ابستخدام طرق سهلي آخر ميتد

على التحكم يف التجارة اليت متر يف منطقتهم ورغبتهم يف إطالة مسالكها داخل أرضهم ليحصلوا أكرب نسبة من املكوس عليها. ونظرا لألمهية االقتصادية هلذا الطريق نشأت بعض البلدان حوله. ومنها ذو

خله. وجبوارها هجر بن محيد على جانبه الشرقي. وحنو الزرير على عند مد حلضريي(غيالن )حصن اجانبه الغريب. ولعلها قامت يف بداية أمرها كمحطات للقوافل ومراكز لتحصيل املكوس مث اتسع

عمراهنا.ب ومهد القتبانيون طريقا آخر يف ممر جند مرقد على احلافة الصحراوية بني وادي بيحان ووادي حري

ه. ومتر القوافل خالله بني جدارين يبلغ مسك الواحد منهما حنو املرت، وقام فيه مركز . ورصفو أيضالتحصيل املكوس من قوافل التجارة املتجهة إىل حريب اليت تبعد عنه بنحو مخسة أميال. أو اخلارجة

منها ىف اجتاهها إىل بيحان والعاصمة متنع.دايت قتبان، وال سيما يف سهل بيحان وحريب. اقتصا آخر يفوتوفر لالستثمار الزراعي دور كبري

وبدأت مشروعات الري يف وادي بيحان منذ القرن اخلامس ق. م. وهو واد كبري ينحدر من املرتفعات اجلنوبية انحية الشمال التقرييب ويبلغ متوسط اتساعه بني ثالثة وأربعة كيلو مرتات، وإن زاد

عن ذلك كثريا أو قل

(1/68)

يف بعض أجزائه. ويف احنداره تتعاقب على جانبيه تكوينات بركانية من الشست والكوارتز. مث ال عنه تلبث هذه التكوينات حىت ختتفي حتت رملة السبعتني الصحراوية الضخمة. وقامت على البداية آلن الشمالية للوادي مدينة متنع عاصمة قتبان. كما قامت على بدايته اجلنوبية حاضرة أخرى تعرف ا

ابسم بيحان القصاب والزالت أغلب آاثرها مل تكتشف بعد.وعادة ما كانت مياه األمطار املومسية تصل إىل وادي بيحان على هيئة السيول فتمأل جمراه الذي ميتد

كيلو مرت بعد أن يرتك اجلبال. وابتساع يرتاوح بني مائة ومائيت مرت عرضا. وقد تنقطع هذه 65حنو ولكن موامسها وسيوهلا القدمية أرسبت -ات، وتتشرب األرض الرملية جانبا منها السيول لعدة سنو

على مدرجات الوادي مع توايل األزمنة طبقات كثيفة من الطمي تراوح عمقها يف بعض مواضعها بني مرتا.18وبني 15

وقلدوها أم وال ندري هل استفاد القتبانيون خربة ما من نتائج مشروعات الري يف أراضي جارهتم سبأال؟ ولكن الدالئل تشري إىل أهنم أحسنوا استغالل أوضاع واديهم فأنشأوا فيه شبكة مائية ضخمة.

يفهم من وصف املتخصصني هلا أن جماري املياه الرئيسية منها، واليت تتلقى معينها من سيول األمطار ارتفعت عن مستوى األرض مرتا و 40املومسية، امتدت كيلو مرتات طويلة وبلغ اتساع بعضها حنو

الزراعية بنحو أربعة أمتار وهلذا بنيت فيها أهوسة ساعدت على نقل مياه الري من اجملاري املرتفعة إىل أهوسة أخرى فرعية منخفضة يف مستوى احلقوق. حيث تتوزع منها على قنوات كثرية صغرية. وكانت

ستفادة هبا. وعادة ما كسيت منحنيات الرتع سرعة توزيع املياه على هذه الفروع الصغرية مما يضمن اال مبداميك حجرية ترتاجع مع جوانب اجملرى إىل اخللف لتمنع آتكلها.

وقامت منشآت ري أخرى وشقت ترع يف وادي حريب الذي يقع إىل الغرب من وادي بيحان ويصل تدت الرتع بينهما وادي مبلقة عرب اجلبال. ووادي حريب أعرض من وادي بيحان ولكنه أقصر. وام

واملنشآت املائية إىل وداين فرعية تتصل به )مثل وادي العني ووادي مقبل ووادي مبلقة ووادي وهبة(. والتزال بعض أطالل مباين هذه املشروعات املائية ظاهرة بينما غطت األكوام على بعضها

أسلفنا مما جعل عوامل اآلخر، وآتكلت بقيتها نتيجة الرتفاع اجملاري املائية عن احلقوق املنزرعة كماالتعرية تعمل عملها فيها. والتزال تتناثر يف الوداين نتيجة هلذه املشروعات بعض حفر وجذور ما كان ينمو فيها من خنيل التمر والدوم وأشجار املر الذي أشار الرحالة اسرتابون يف القرن األول ق. م. إىل

شهرة قتبان ابالجتار فيه وإنتاج بعض أنواعه.

(1/69)

س القتبانيون إنشاء السدود ضمن مشروعات الري. على نطاق ضيق. ومنها سد فرعي يف ومار منطقة احلضرة حيتمل إرجاعه إىل القرن الرابع ق. م. لصد مياه وادي محاد. وشيد أبسلوب بسيط بين

أعاليها أبكوام من الردمي والطني اجلاف دعمت واجهتها املواجهة لتيار املاء ابألحجار كما دعمت ألحجار أيضا. ومثة بقااي سد آخر جبوار بيحان القصب.اب

ومن املشروعات املائية القتبانية أيضا حر الصهاريج. وال تزال تتوزع على قمة جبل ريدان وسفوحه آاثر صهاريج قتبانية كان البعض منها يتسع آلالف اجلالوانت. ويبدو أهنا وزعت على مستوايت

أحدها نزل الفائض منها إىل ما يليه. وحفرت هذه الصهاريج يف ض املاء يفخمتلفة حبيث إذا فااألرض وكسيت من الداخل بلياسة من أسفلها حىت االرتفاع احملتمل ملا ختتزنه من املاء. واختلف

الرأي يف توقيت إنشائها بني ما يعاصر العصر الفارسي يف القرن اخلامس ق. م. وبني القرن امليالدي األول.

هذه املشروعات القتبانية عن حفر اآلابر العادية يف املناطق اليت حتتاجها، وحيتمل أنه مل تغن كل و كانت تتسرب إليها املياه الزائدة يف املزارع فتختزن طبيعيا فيها حىت حيني وقت احلاجة إليها ويتيسر

رفعها.ررات ضيقة يق إليها مبوحول نبع طبيعي يف وادي فرع يف بيحان ظاهرة طريفة، حيث مهد الطر

مرصوفة، وليتيسر وصول الرعاة ورجال القوافل إليه حفرت عالمات على الصخور قبل الوصول إليه بنحو كيلو مرت، ومنها ما ميثل شخصا يشري إبصبعه إىل مكان املاء. وهلذه العالمات ما مياثلها يف

احلاجة إىل معرفة أماكن حيث تشتدمناطق متفرقة من صخور بيحان ويف مناطق قريبة من الربع اخلايل املياه.

ومع هذه التيسريات لتويف مياه الري والشر. لوحظ يف آاثر املدن والقرى )يف هجر بن محيد واحلرجة وجبل احلضرة والنقب( أنه كان يوضع أمام كل دار حوض قليل العمق مليس من الداخل. مللئه

ابملاء.الثالث امليالدي. السيما يف وادي بيحان. غري أن حىت القرن وظلت مشروعات املياه تؤدي أغراضها

استمرار االستفادة منها كان يتطلب اسرتمار العناية هبا. فقد كان ارتفاع اجملاري الرئيسية عن مستوى األراضي املزروعة يعرضها لعوامل التعرية كما ذكران، كما أن ارتفاع اإلرساب نتيجة لنظام الصرف

احلقول. كان يتطلب االرتفاع ابلقنوات الفرعية واالرتفاع مبداخلها إىل املياه يف املستعمل وتوزيع مستوى احلقول.

(1/70)

فادت الدولة من ضرائب الزراعة كما استفادت من ضرائب التجارة ويفهم من دراسات البحث واستمن الدول للنظم القتبانية أن الضرائب يف قتبان ويف غريها Rhodokanakisرودو كاانكيس

ما يقرب منه، وتؤدي عينية عادة أي من نفس حمصول األرض العربية اجلنوبية كانت تعادل العشر أونع واملتاجر. ويتوىل اإلشراف على حتصيلها والة األقاليم وشيوخ القبائل أحياان. كما كانت واملصا

بعض كبار أهل القرى واألقاليم الدولة أتخذ بنظام االلتزام يف حتصيل ضرائبها أحياان أخرى، فتسمح ل واملعابد أبن يتولوا جباية ضرائب معينة وختصص هلم جعال منها.

ائب إىل ما هو أكثر من هذا، فورد يف أمر أصدره ملك قتباين إىل كبري إحدى وامتد حتصيل الضر وكل القبائل أبن يؤدي إىل خزائنه من ضرائب قبيلته ما ترمجه رودوكاانكيس: عشر كل ربح صاف

ربح يرد عن طريق االلتزام وكل ربح جيىب من بيع ومن إرث. وقد تدل العبارة األخرية على حتصيل البيع وعقود التوريث على حنو ما جتري عليه قوانني الضرائب يف أغلب اجملتمعات رسوم على عقود

املعاصرة. ح( من آاثر العمران والفنون:

وخلد الرحالة -فداان 52الن احلالية( عاصمة قتبان بنحو قدر االتساع القدمي ملدينة متنع )هجر كحمع ما يف رواية بليين من مبالغة واضحة فإن معبدا. و 65بليين أمهيتها حينما روى أهنا كانت تتضمن

اآلاثر الباقية يف متنع تشهد بروعتها النسبية القدمية فعال رغم عوامل التخريب اليت حلقت هبا قدميا أنشئت هذه العاصمة فوق ربوة مرتفعة بعض الشيء عند النهاية الشمالية لوادي وحديثا. وقد

تداخلت بعض املساكن يف أجزائه نتيجة الزدايد العمران. بيحان، وكان حييطها سور حيميها وإن وتضمن السور أربع بواابت كشف عن اثنتني منها يف انحييت اجلنوب الغريب واجلنوب الشرقي

ىل البوابتني وتعرف عادة ابسم البوابة اجلنوبية، هي األقدم، وترتب على بنائها للمدينة. وكانت أو جزء من بنياهنا يرتفع أكثر من ثالثة أمتار، وأجزاء من الصرحني أو أبحجار صلبة كبرية أن بقي لآلن

الربجني اللذين كاان حييطان هبا. ويبدو أنه كان ملدخلها ابب خشيب ضخم ينزل من أعلى إىل أسفلحني غلقه ويدعمه من اخللف عارض خشيب أفقي متني. واحتفظت جدران البوابة، وهذا هو األهم،

كما تضمن -اء بعض ملوك قتبان، وكان من أقدمهم يدع أب ذبيان بنصوص عديدة سجلت أبمس أحدهم تشريعا للدولة أشران من قبل إىل فقرة منه.

(1/71)

اعتربه جام قصرا ملكيا اعتربه فإن بيك معبدا رئيسيا، و يف داخل املدينة مبىن متسع فخم، وقاملالحتفاالت العامة. وقد شيدت األجزاء األقدم منه على مرحلتني خالل عهود املكربني بني القرن

قل يف السابع والقرن السادس ق. م. مث جددت أجزاؤه وأضيفت إليها إضافات مرتني أيضا على األل ق. م. وتشاهبت بعض هذه اإلضافات رن الرابع ق. م. مث يف القرن األو عصور امللكية يف أواخر الق

مع أساليب العمارة الشائعة يف احلضارات اخلارجية الىت اتصل القتبانيون هبا، فشيدت جدران املبىن قبت على مسافات خالل مرحلة البناء الثانية مبشكاوات رأسية )أو دخالت رأسية( متسعة تعا

يف أقطار شرقية قدمية مثل نواحي العراق األسلوب املعماري شائعا من قبل متساوية، وكان هذاومصر وفارس وغريها. وعندما متت املرحلة األخرية لتجديد املبىن يف عهد امللك شهر جيل يهرجب يف

ستية الشائعة يف عصره. بداية القرن األول ق. م. أخذت عناصره ببعض خصائص فن العمارة اهليلنىل اببه درجات متسعة حيف هبا جداران جانبيان. ويؤدي صورته العامة عند اكتماله تؤدي إ وقد بدأ يف

مدخله إىل فناء كبري مرصوف كانت حتيط به من ثالثة جوانب أعمدة مربعة، بينما يتوسط ضلعه ضها عن ستة أمتار، وتؤدي الشرقي )املقابل للمدخل( مخس درجات حجرية متسعة أخرى يزيد عر

سافل جدرانه الداخلية ببالطات من األلباسرت القرمزي كبري مرتفع حتتمل تكسية أرضيته وأإىل هبو رقمت حبروف تساعد على وضع كل صف منها يف موضعه املناسب. وتوسط هذا البهو ممر للمواكب

منها حىت اآلن. ولعل االرتفاع قامت على جانبيه أربعة صفوف من املباين الصغرية مل يتضح الغرض من الفناء إىل البهو كان مقصودا لذاته.درجيي من ابب الدخول إىل الفناء و الت

1951 - 1950وكشفت البعثة األمريكية لآلاثر اليت أظهرت تفاصيل هذا املبىن الفخم منذ عام ن اجلدران املتصلة هبا عن مساحة واسعة أيضا حول البوابة اجلنوبية ملدينة متنع تضمنت مزيدا م

هلون بعد ذلك بطريق املصادفة عن مبان أخرى. ها وشارعني وعدة مبان. كما كشف األومدخل فنائوتعددت الفروض بشأن األغراض اليت خدمتها هذه العناصر املكتشفة وكانت منها دور تضمنتت

، ودار هدث، ودار شعبان، نصوصا حتدد أمساءها وأمساء أصحاهبا أحياان )مثل: دار يفش، ودار ايفع ان .. إخل(.ودار عثم

ض مكتشفوها أهنا خدمت أغراضا عامة. ففي داخل بوابة املدينة وجدت وظهرت مبان أخرى افرت على سبيل املثال ساحة رصفت ابحلجر وقامت على جانبيها دكات حجرية مما احتمل معه أهنا كانت

كة مرتفعة دار للندوة( ومبىن آخر شيد على د ساحة سوق أو ساحة اجتماعات )مبا يشبه ساحة أو ويؤدي إليه

(1/72)

درجان )أحدمها من انحية اجلنوب واآلخر من انحية الشرق(، وتضمن يف مدخله صفوفا من املناضد احلجرية، مما دفع مبكتشفه إىل أن يفرتض أنه كان ميثل دار حمكمة مركزا للشرطة أو حنوه.

دمهما ة املدينة مبنيان متصالن مسي أقومن أهم الدور اخلاصة اليت أشران إىل الكشف عنها قرب بواببيت يفش، ومسي اآلخر بيت ايفع أو يفعم، واتصل به بطريق يؤدي إىل فناء، وكنموذج للمباين الثرية

يف متنع ال أبس من تقدمي وصف مفصل لبيت يفش. فقد أتلف من طابقني: طابق أرضي ذي صفات غرية، مث طابق علوي تضمن شرفات أو بواكي مسقوفة، وعدة غرف تقوم بدور مصانع خاصة ص

ومقصورة مباخر وخمزنني للبخور. ويستنتج من ستة نصوص تعلقت به أنه شيد يف أواخر القرن الثاين ق. م. )كما يعتقد ألربايت( مث اشرتاه وجدده رجل من أثرايء العاصمة يدعى هوفعم بن ثونب يف

كبار اثنني من أسرته مرة أخرى؟( على بداية القرن األول ق. م. ووقفه ابمسه )ورمبا ابمسه معمعبودات قتبان: أنباي، وإيل تعالي، وعثرت، وعم، وذات سنتم، وذات ظهران، وورفو. وبقيت بني

أطالل هذا املبىن ثالث غرف يف حالة طيبة حبيث عثر يف داخلها على صناديق للبخور ومرااي برونزية وما شاهبها.

متثاالن من الربونز )ارتفاع كل جلنويب املواجه لبوابة العاصمة وأمتع ما عثر عليه جبوار جداره اسم( وال يعرف إن كان يف األصل متجاورين أو متقابلني. وميثل كل منهما 70سم وطوله 61منهما

لبؤة بكفل أسد ترفع إحدى ساقيها األماميتني، ويعتليها غالم عار ميسك قوسا بيمناه ويقبض بيسراه ولعله كان يسمك أيضا بسوط أو حنوه. ت تنتهي بطوق حييط بعنق اللبؤة،على حلقة لسلسلة كان

والغالمان توأمان مع اختالف يسري بينهما يف املالمح، ويعترب التمثاالن من أروع القطع الفنية الىت احتفظت هبا مناطق اجلنوب العريب حىت اآلن والىت تزكي ما رواه اسرتابون يف القرن األول ق. م. عن

املعدنية. وسجل على قاعدة أحد التمثالني امسا الفنانني ثويب ة العرب اجلنوبيني يف الصناعات مهار وولده عقرب )حرفيا: ثويبم وعقرمب( اللذين قاما بزخرفة الدار وقلدا ابلتمثالني منوذجا من الفن

إتقاان من اهليلينسيت السكندري فنجحا يف عملية التقليد إىل حد ملحوظ وإن ظل تشكيلهما أقل املماثلة هلما واليت وجد بعضها يف منف يف مصر. وإىل جانب اهلدف الزخريف يف األصول اهليلينستية

هذه اجملموعة الفنية افرتض بعض الباحثني أهنا رمزت إىل معىن ميثولوجي )أي ديين أسطوري(. ويف س الشتاء ومشس الصيف، وأن حتديد هذا املعىن آراء شىت، ومنها ما يرى أن اللبؤتني ترمزان إىل مش

مها التوأمني ميثالن عثرت جنم الشعرى ابن القمر، كماراكبا

(1/73)

ان بدور سدنة عم املعبود األكرب لدولة قتبان وقد أخضعا له الشمس وروضاها. وليس ما مينع يقومرض احلماية من افرتاض أن اجملموعة كلها كانت ختدم كذلك غرض احلماية الرمزية لبيت يفشان، أو غواآلراء ما الرمزية ملا يدخل من بوابة املدينة اجملاورة له من قوافل التجارة. ولكل من هذه الفروض

يربره من عقائد العرب اجلنوبيني ومن العقائد اهليلينستية املنقولة ال سيما من مدينة األسكندرية اليت اجلنوبيني كانوا يشرتكون يف مواكبها روى بعض املؤرخني الكالسيكيني أن وفودا من التجار العرب

د العرب نفسها من رحالة العصر وأسواقها ويتبادلون األفكار مع أهلها، فضال عمن كان يقصد بالاهليلنسيت، وما يصلها عن طريق التجارة من القطع الفنية ذات الدالالت أو األغراض العقائدية والىت

تغري الفنانني بتقليدها.الدور الباقية األخرى من آاثر تدل على ثراء أهلها وتدل على أمهية ما ميكن أن ومل ختل دار من

دينة حني يتم الكشف عنها، وهو ما ندع التفصيل فيه اآلن.يظهر من آاثر بقية املوكانت لقتبان فنوهنا احمللية يف النحت والنقش وصناعة احللي وقطع الزينة وهذه نتجاوز عنها أيضا

إلجياز. ومن مناذج النحت يف احلجر الىت أتثرت ابلفن اهليلينسيت ولت على اتساع مؤقتا مراعاة لرأس مرمرية توضع يف مستوى متثايل اللبؤتني والغالمني الربونزيني، وهي ألنثى صالت قتبان ابخلارج،

ايد أطلق عمال احلفائر األثرية عليها اسم مرمي أو مرايم فاشتهرت به. وعثر عليها ىف إحدى مقابر ح بن عقيل جبانة العاصمة، وحيتمل إرجاع صناعتها إىل ما بني القرن األول وبني القرن الثاين ق. م.وقد انعقدت خصل شعرها خلف رأسها من نفس مادة احلجر مبا يشبه الطريقة املصرية القدمية،

دة التماثيل واحتفظ حمجرا عينيها آباثر التطعيم ابلالزورد على عادة كثري من متاثيل اجلنوب وعا. ومع ما املصرية أيضا. وعنقها طويل كانت حتيط به قالدة، وأذانها مثقوبتان ليتدىل منهما قرطان

أخذت به هذه الرأس من األسلوب اهليلينسيت، حز فناهنا على صدغيها تقليدا لوشم أو شريط قد حبة الرأس ابتغاء الشفاء من يعرب عن عادة حملية أو قبلية، إن مل يكن تقليدا ألثر حجامة أجريت لصا

مرض ما. د( عالقات قتبان جبرياهنا:

التوسع ومن االنكماش يف اترخيها الطويل. وكيفت سياستها حنو شهدت دولة قتبان أطوارا خمتلفة منجرياهنا األقربني، صداقة أو عداء أو حيادا. مبا يتمشى مع قدراهتا وإمكاانهتم. فقد مر بنا يف تتبع

ينها وبني جارهتا القوية سبأ، كيف أهنا لزمت احلياد والشماتة أايم حروب كرب إيل وتر العالقة ب السبأي ضد

(1/74)

ق. م.( وكيف أمنت هبذا على أرضها من أطماعه بل وحصلت منه 430وأوسان )قبل عام معنيأن تالصق على بعض أراضي أوسان القريبة من البحر األمحر مكافأة هلا على مسلكها إزاءه. غري

احلدود بني الدولتني الطموحتني سبأ وقتبان كان من شأنه أن يهيئ استمرار فرص التنافس واالحتكاك االشتعال بينهما. وقد ورد يف نصني ذكر حربني بينهما صعب توقيتهما إن كانتا سابقني على أايم مث

ب أسبقية إحدامها على احلياد يف عهد كرب إيل وترى السبأي أم اتليتني هلا. وصعب كذلك ترتياألخرى. وعن إحدى هاتني احلربني حتدث قائد سبأي يدعى تبع كرب عن حرب بني الدولتني

رت مخسة أعوام. وكانت قتبان فيما يبدو هي البادئة هبا، وانتهت إىل ما يشبه الصلح أو اهلدنة، استمار، وذلك مما يعين من انحية أنه األمر الذي دعاه إىل أن خيصص أوقافا كثرية ملعابد أرابب سبأ الكب

الدولتني مل تنته إىل اعترب الصلح كسبا ينبغي شكر أراببه عليه، ويعين من انحية أخرى أن احلرب بني نتيجة فاصلة وأن أاي منهما مل تستطع القضاء على األخرى.

عدة قبائل وحتدث قائد قتباين يدعى يذمر ملك عن احلرب األخرى وروى عن مرحلة منها أنه هزم وعشائر واستوىل على مدهنا وخنيلها وأرضها، مث أعلن تقدميها إىل املعبود عم وإىل أنباي وإىل ملكه

دع أب جيل بن ذمر عايل ملك قتبان. وذلك مما يعين أنه مع فخره مبجهوده يف احلرب قد رد الفضل يلته الكبريين وإىل ملكه الذي يف النصر واحلق يف متلك األرض املكتسبة ونتائج النصر إىل معبودي دو

يف نصه حتدث فيها كان يعترب نفسه ولدا هلما وممثال هلما على وجه األرض. وزاد ذلك القائد عبارة عن مرحلة حرب واسعة شنتها سبأ وإمارة رعنان وقبائلها اليت ساءها أن متلك القتبانيون جزءا من

كثرة األعداء وضراوة احلرب أملح إىل أنه جتمع أرضها، ضد قتبان. ولكي يضخم القائد القتباين منجيل بن ذمر عايل ملك قتبان فيها حقد عهود املركبني وعهود امللوك السبأيني ضد ملكه يدع أب

وضد قتبان نفسها وضد أوالد عم مجيعا.لذى وبعد هذه احلرب اليت ال يعرف شيء مؤكد عن نتائجها، واليت يفرتض ألربايت أن امللك القتباين ا

شقت قتبان طريقها -ذكر يف سياق نصها وهو يدع أب جيل قد حكم يف منتصف القرن الرابع ق. م جزاء من املناطق الساحلية الىت كانت تشغلها من قبل دولة أوسان واليت عاشت وظلت تسيطر على أ

ائل احلمريية يف بعض أجزائها قبائل محري ذات الصلة والقرابة ابلقبائل السبأية. وقد تلونت هذه القبحينذاك ابلوالء القتباين واعتربت نفسها من ولد املعبود عم معبود القتبانني. وأطلقت على حصنها

لرئيسي اسم ريدان، وهو اسم يراه الباحث فون فيسمان قتباين األصل كان يطلق من قبل على ا حصن رئيسي للعاصمة.

(1/75)

ل بداية القرن اجلنوب منها. وقد ذكر يف نص إنشائه )قبيبانية متنع وقام على ملتقى الوداين إىل القتالرابع ق. م( أنه يف اجتاه حدن، وال زال حصن حدن )أو حادي( هذا قائما أسفل اجلبل حيث توجد

أطالل ريدان.ق. م استطاعت 285بعد عام على أنه مل يكن من املنتظر أن تسري األمور يف مصلحة قتبان دائما. ف

اليت اكتسبتها قتبان من أسالفه خالل بأي يثع أمر بيني أن تسرتد بعض األراضي جيوش امللك السالقرن الرابع ق. م، وذكر نصه من املدن الىت اسرتدهتا جيوشه حينذاك مدن نعمان وصنعاء وذحبان

ذو محرور.جيل اثلثة أو رابعة بلغت شأوها يف عهد شهر وشهدت قتبان فرتة ازدهار أخرية يف عصر أسرة حاكمة

ن عهده ببداية القرن األول ق. م. وقد تطلعت قتبان يف يهرجب الذي يؤرخ ألربايت وفون فيسماعهده إىل دولة معني الواقعة إىل الشمال منها فاجتزأت جانبا من أرضها وعقدت معها حلفا احتفظت

دولة سبأ هدفت من وراء هذا احللف أن تضيق به على لنفسها فيه ابملكانة األمسى، ولعلها استط حليفتها معني عليها من الشمال. ويرجع إىل أايم هذا فتضغط هي عليها من اجلنوب وتضغ

التحالف نص من عهد ملك معني وقه إيل يثع أرخه كاتبه املعيين ابسم ملكه واسم ويل عهده جيل يف الوقت نفسه ابسم امللك القتباين شهر وشريكه يف احلكم إيل يفيع يشور الثاين، كما أرخه

ضمين بنفوذ قتبان على بلده. وعندما انفرد ويل العهد املعيىن يهرجب، وذلك مما يدل على اعرتافه الإيل يفع يشور ابحلكم بعد أبيه حضر حفل توليته يف عاصمته كاهنان قتبانيان نيابة عن ملكهما. ولعل

يين أن إنتاج الكندر كان أيخذ هي اليت روى عنها الرحالة الروماين بلهذه الفرتة من االزدهار القتباينحضرموت وعاصمتها شبوة إىل حيث تتسلمه قتبان وعاصمتها متنع على طريق البخور طريقه من

املمتد حىت ساحل احلرب املتوسط، وروى عنها كذلك ما سبق أن استشهدان به من أن اجلبانيتاي )أو ائها.معبدا مما يشري إيل ثر 65هذه األخرية كثرية أكربها جناو ومتنع، وأهنا كان يف القتبانيني( هلم مدن

ولكن يبدو أن بلوغ القمة قد يعقبه االحندار أحياان، فقبيل عهد شهر جيل يهرجب اهتز أحد املوارد حوايل االقتصادية للدولة بعد جناح السفن املصرية يف عصر البطاملة يف اجتياز مضيق ابب املندب

رب السواحل اجلنوبية اهلند واالجتار معها رأسا دون وساطة ع ق. م لالجتاه إىل 117أو 120عام ومنهم القتبانيون. وليس من املستبعد أن هذا الوضع كان من أسباب حتول أطماع قتبان إىل دولة

ساحل.معني لكي تعوض من مكاسب جتارهتا الربية ما أوشكت أن ختسره من مكاسب جتارة ال

(1/76)

لى املناطق الساحلية للبحر األمحر أن أتلبت ة قتبان االضطراري عترتب على ختفيف قبض ولكنعليها قبائل محري املنتشرة فيها، ويبدو أهنا كانت قد جنحت يف جتميع كلمتها من قبل بداية القرن األول ق. م. وبيتت النية على االستقالل عن قتبان. وليس ما يعرف حىت اآلن عن تفاصيل هذه

ألخري من القرن األول ق. م. فقاتلت قتبان وأخذت منها قت هدفها يف النصف احملاولة إال أهنا حقا ما كان ابقيا هلا من سواحلها.

وتوفرت هبذا فرصة ذهبية لسبأ الىت سكتت على االزدهار القتباين اجملاور هلا على مضض، وعانت ن الشمال. فاستغلت بعتها معني عليها ممن تضييق قتبان عليها من اجلنوب وتضييق حليفتها أو ات

رصتها وبدأت أبضعف الفريقني وهي معني فهامجت عاصمتها واستولت على مناطق واسعة من ف أراضيها قبل الربع الثالث من القرن األول ق. م.

وانكمشت قتبان على خارطة اجلنوب بعد أن خسرت أرض محري وخسرت حليفتها معني، ولكنها دولة سبأ كانت تعاين هي األخرى من الستمرار أن غرميتهالبقاء وساعدها على اجاهدت يف سبيل ا

مشاكل متعددة نتعرض هلا يف حينها، فلم تستطع أحدامها أن تقضي على األخرى، وإن اتصلت املناوشات بينهما.

ية إال أن ويف هذه املرحلة املضطربة من اتريخ قتبان توايل ملوك ال يذكر لعهودهم من األعمال اإلنشائ عهد أحدهم وهو ورواو إيل غيالن يف احلصن امللكي القتباين ذهبية قتبانية سكت يفأول عملة

حريب. وكانوا يف جمموعهم ضعاف احليلة إزاء اضطراب موازين القوى يف اجلنوب، وكان ازايد اليت ضعفهم مشجعا أو مرتتبا على هجوم جديد غري متوقع من جارهتم الشرقية دولة حضرموت

ن قتبان، حبيث عثر على ثالثة نقوش يف وادي بيحان القتباين ى األجزاء الشرقية مبسطت نفوذها علمتجد ثالثة ملوك حضرميني. وقد روى أحدمها أن ملكه احلضرمي عمل على تسوير مدينة غيالن بعد

روع للري أن تغلب أبوه على قتبان )أو على جزء منها( وروى آخر أنه مت يف عهد ملك حضرمي مش عالن )القتبانية(.يف منطقة و

كان يف العاصمة متنع ملك قتباين ال يزال حيسن الظن بسلطته وهو شهر هالل بن ذر أكرب. إذ و وجد له نص مرسوم يطلب فيه إىل كبري العاصمة )أي املدير احملافظ أو من يؤرخ ابمسه( بتحصيل

ومه ني أبن يلتزموا مبرسعاصمة( وأمر املزارعالضرائب ممن يسكنون ويزرعون األراضي يف سد )قرب ال ابتداء من أول ذي فرعم إىل السادس من ذي فقحو يوما بيوم وشهرا بشهر. واستنتج

(1/77)

حث رودوكاانكيس من العبارة األخرية أن ذا فرعم ميثل أو شهور السنة الزراعية عند القتبانيني ,أن الباكون ذو فرعم أول احلصاد، وذو فقحو ذا فقحو ميثل آخرها. ولو أنه ما من أبس فيما يبدو أن ي

ولة، وليست آخره، فمواسم احلصاد هي الىت يستيطع املزارعون أن يوفوا فيها ابلتزاماهتم جتاه الد مواسم الزراعة كلها. ورمبا دل اللفظان يف سبأ على العشرتني األوليني من الشهر.

نغ عامصة قتبان تدمريا عنيفا م دمرت مت 106أو 100ويف عهد امللك شهر هالل أيضا حوايل عام على حريق الزالت آاثره ابقية يف معاملها القدمية اليت اكتسى بعضها بطبقة كثيفة من الرماد دلت

متعمد، ال تعرف حىت اآلن حقيقة املتسببني فيه.ت وعلى الرغم مما حلق هبا، جاهدت قتبان يف سبيل البقاء لفرتة أربعني عاما أخرى أو حنوها، فاكتفمبناطقها الغربية، ونقلت عاصمتها إىل حريب اليت أشران إىل سك أول عملة ذهبية قتبانية فيها،

أخرى ضربت هبا، ونقشت على بعضها صورة البومة وحتتها خنجر. ووجدت هبا ابلفعل عمالتوكانت صورة البومة من رموز بعض العمالت اإلغريقية السكندرية. ويبدو أن قتبان قد اضطرت

ة لضعف حيلتها أن تنضم إىل حضرموت يف مشاكلها ضد دولة سبأ بعد أن أصبحت هااتن نتيجم 140ريب فحاربت يف صف حضرموت، مث هتاوت حوايل عام الدولتان مها مركز الثقل يف اجلنوب الع

م( بعد أن استهلكت قوهتا، واحنسر كياهنا السياسي، وهجرت مناطقها الزراعية بعد أن قلت 146)أوشاريع املياه فيها، وغطت الرمال عليها. وآلت أرضها فيما بعد إىل حوزة دولة سبأ وذوريدان رعاية م

الدي.منذ أوائل القرن الرابع املي ملحوظة:

أسهمنا بعض الشيء يف الفصول السابقة ىف مناقشة اتريخ دولة سبأ واتريخ دولة قتبان، من حيث ع العمران وفروع الفنون، وأتثري العوامل الداخلية مشكالت النشأة، وتطور احلياة السياسية، ومشاري

ا للتوسع فيما يعاجل به اترخ واخلارجية يف كيان كل دولة منهما لكي جنعل من هذه املناقشات منوذج بقية الدول العربية القدمية األخرى الىت سنحاول االكتفاء خبطوطها الرئيسية فيما يلي، مراعاة

ل فيها للجزء الثاين من كتابنا يف الشرق األدىن القدمي حني يصدر يف للتخفيف مؤقتا. وندع التفصي وقت الحق قريب إبذن هللا.

(1/78)

ملؤلفات املختارة يف دراسات الفصل:من ا مادة قتبان. - 2ج-جواد علي: املرجع السابق

.289 - 279، 136 - 132ص-نيلسن وآخرون: املرجع السابق Abdel-Aziz Saleh, op.cit.

Bowen, R. Jr,. Albright, W.F., and others, op., cit.,43-68 155-163.

Philby, op,cit., 59-63. Phillips, op.cit.,51f.

Pirenne,J., Le Royaume Sud-Arabe des Qataban et sa Datation,

Louvain 1961. Rhodokanakis, N.,Katabanische Texte zur

Bodenwirtschaft, I-II, Vienne 1919,1922.

(1/79)

ل السادس: دولة معنيالفصكانت دولة معني أقرب الدول اجلنوبية اتصاال ابملناطق الشمالية يف شبه اجلزيرة العربية. ونشأت يف

اجلوف اجلنويب فيما ميتد بني حدود حضرموت وبني املنطقة احلدودية احلالية الفاصلة بني اململكة ران. وانتفعت معني بسهل متسع يغذيه د جنالعربية السعودية وبني مجهورية اليمن الشمالية، عن

ابخلصوبة ومياه الري هنر خارد وفروعه.واختلفت تقديرات املستشرقني يف تعيني البداية السياسية لدولة معني فيما بني القرن الثالث عشر ق.

م. والقرن احلادي عشر ق. م. وبداية القرن السادس ق. م. وبداية القرن الرابع ق. م. ويبدو أن هذه التقديرات احتماال هو بداية القرن السادس ق. م. أكثر

واختذت الدولة عاصمتها يف مدينة قران ويف شرق اجلوف اجلنويب. وبنيت مستطيلة يف مساحة صغرية نسبيا تبلغ حنو مائة ألف مرت مربع، وسورت بسور ضخم ذي مدخلني حتميهما األبراج احلجرية، وبقي

ن مبدخلها الشرقي. وقام إىل جانب العاصمة معبد كبري رددت النصوص حيفاجزء من الربجني اللذين

املعينية امسه وهو معبد رصف والزالت بقية من أعمدته ونقوشه وزخارفه قائمة تشهد بكفاية أصحاهبا وإن جتاوزان عن وصفه مراعاة لإلجياز واكتفاء مبا وصفنا به أمثاله يف سبأ وقتبان.

مواطن العمران األخرى يف معني مدن: يثل )خربة براقش( وكمنهو ة منوتناولت البحوث األثري )خربة كمنة( ونشان )خربة السودا( ونشق )خربة البيضا( ورمجة )يف أخدود جنران( .... وغريها.

تعاقبت على حكم معني مخس أسرات حاكمة مل حتتفظ النصوص الباقية أبلقاب حكامها األوائل، فس الصبغة الدينية اليت ظهرت عند جرياهنم. فتلقب كل منهم ت بنولكن يرجح أن سلطتهم بدأ

بلقب مزود رمبا مبعىن من يزود

(1/81)

بودات أو املعابر بقرابينها، أو من يزود دولته خبرياهتا. واعتمد هذا الرتجيح على بقاء هذا اللقب املع امللوك.مزود ضمن ألقاب حكام معني املتأخرين حىت بلغوا أن تلقبوا أبلقاب

وعملت معني على استثمار أراضيها الصاحلة للزراعة إبقامة بعض مشروعات الري الصغرية لالستفادة ألمطار والسيول ومياه هنر خارد وفروعه، وذلك مما جعل الرحالة الروماين بليىن يصف أراضيهم من ا

ة. غري أن معني أبهنا أرض خصبة تكثر فيها األشجار والنخيل واألعناب وهلم فيها قطعان كثري اعتمدت يف حياهتا االقتصادية أكثر ما اعتمدت على االشرتاك بنصيب كبري يف تصدير منتجات

نوب إىل أسواق التجارة اخلارجية، والسيما منتجات الالدن والكندر واملر، اليت كانت ترحب هبا اجلل نفس الرحالة بليىن يعقب معابد اهلالل اخلصيب ودول البحر املتوسط ترحيبا كبريا، وذلك مما جع

أوا التجارة وأهم بقوله: واملعينيون منطقتهم مير فيها ترانسيت الكندر عرب طريق ضيق. وهم الذين بد .Minaeanمن مارسوها. واختذ نوع من البخور امسه من امسهم وهو البخور املعيىن

يت حركت أطماع دولة سبأ ويبدو أن مكاسب هذه التجارة اليت سبقت عهد بليين بقرون طويلة هي الكربني كيف تكررت احلروب بينهما يف عهود املمنذ عهود املكربني ضد دولة معني. وقد مر بنا

األواخر، وكيف أسرفت جيوش كرب إيل وتر )الثاين( السبأي يف تدمري مدن معني وتشريد أهلها حىت ليت ذكرهتا نصوصه عن قتلى ما ميتد إىل جنران. وإذا كنا قد تشككنا يف صحة األعداد الضخمة ا

اع عمران معني املعينيني وأسراهم )راجع الفصل اخلامس(. فإن نفس هذه األعداد تعرب ضمنا عن اتس القدمية.

وعندما اسرتدت معني كياهنا بدأت هبا عصور امللكية يف أوائل القر الرابع ق. م. واعتاد ملوكها على

وغريه تفسريها، مثل: صدق مبعىن الصادق أو العادل، أن يتلقبوا بكنيات شخصية معربة حاول هومل ويشور مبعىن املستقيم، ورايم مبعىن املتعايل ... إخل.

وعلى الرغم من غلبة نظام احلكم امللكي يف معني ظل ملشايخ القبائل وأعيان العاصمة جملس مسود صف أبنه مسد منعن بنفس االسم الذي عرف به مثيله يف قتبان ويراجع له الفصل السادس. وقد و

ور أي اجمللس املنيع أو شيء من هذا القبيل. وكانوا جيتمعون فيه بدعوة من امللك للبحث يف أم الضرائب واملنشآت العامة واملداولة يف أمور احلرب إن وجدت، والتصديق على

(1/82)

مشروعاهتا الدينية أو ود اليت تربمها الدولة مع كبار األفراد وتعهد إليهم مبقتضاها بتنفيذ بعضالعق منها على هذه املشروعات. املدنية وتتفق معهم فيها على املوارد اليت ينفقون

ويغلب على الظن أنه قامت إىل جانب هذا اجمللس الرئيسى يف العاصمة جمالس أخرى فرعية يف املدن وية احلالية.رية واألقاليم كانت تشكيالهتا واختصاصاهتا تشبه اجملالس البلدية أو القر الكب

لقب كل منهم بلقب كرب أي كبري، أو وتوىل رايسة حكم األقاليم واملدن الكبرية يف معني موظفون تقامة وال، وتوىل كل منهم رعاية شئون إقليمه ابسم ملكه يف شئون القضاء ويف جباية الضرائب ويف إ

املشروعات اإلقليمية.وحدهم على جباية الضرائب وإمنا أخذت دولتهم يف غري أن الكرباء أو الوالة مل يكونوا املشرفني

م يف حتصيل بعض ضرائبها، وهو نظام سبق أن أشران إىل تطبيق مثله يف نفس الوقت بنظام االلتزاحول العشر أو ما يقرب منه ويؤدى قتبان وغريها )يف الفصل السادس(. وكان معدل الضرائب يدور

عينيا عادة.معني أكثر اتصاال بطرق التجارة الشمالية الرئيسية اليت خترج من وحبكم موقعها الشمايل ظلت

ا قرانو ومن اتبعتها جنران، إىل جند وما ورائها وإىل احلجاز وما ورائه. ولرعاية قوافل املتاجر عاصمتهربي الكبري على طول احلجاز واملمتد إىل العقبة وما يتفرع منها إىل الىت تسلك الطريق التجاري ال

وجاليات معينية املصرية، وإىل غزة ومعان يف جنوب الشام، زودت معني هذا الطريق حباميات سيناءكان استقرارها يف مدن احلجاز من عوامل التزاوج واالختالط السلمي بني عرب الشمال وبني عرب

أسباب ما تناقله النسابون عن تناثر بطون جنوبية أو قحطانية بني العرب اجلنوب كما كان من لشماليني )يف مثل مدينة يثرب يف عصور اتلية(.ا

حلاميات املعينية يف واحة العال مشايل يثرب وكانت يف بعض عصورها مقرا وأقامت أكرب اجلاليات أو ال. وعندما زاد النفوذ االقتصادي هلذه اجلالية لدولة ددان ودولة حليان مما سنتناوله فيما بعد بتفصي

حىت غدت منطقتها حليفة لدولة معني يتوالها كبري أو كبريان على صلة زاد ابلتايل نفوذه السياسيلك املعيين اجلنويب. ورمبا حدث هذا التطور يف أواخر القرن الثالث ق. م. وأصبحت املنطقة تذكر ابمل

ا القدمية ابسم ... اجلنوبية أي معن أو معني، مع ختصيصها بكلمة معه يف النصوص إىل جانب أمسائه مصرن.

عامل جتار معني ووسطاؤها من معن مع العواصم املصرية واستقروت

(1/83)

م فيها. ومنهم رجل يدعى زيد إيل بن زيد دفن يف مصر ووجد له اتبوت يف منطقة منف كتب بعضهعليه حبروف املسند ما يفهم منه أنه عمل يف خدمة معبد مصري لعله سريابيوم منف، وتوىل توريد

ما ة إليه مثل املر والذريرة )قصب الطيب( وغريمها على سفينة حبرية يف مقابل بعض املنتجات العربيكان يصدره إىل بلده من املنسوجات املصرية. ويعرب زيد إيل بن زيد عن استغراقه يف احلياة املصرية

22تلقب بلقب وعب وهو لقب ديين مصري قدمي يعين الكاهن املطهر. وأرخ هذا النص ابلعام بعده.ق. م. خالل عهد بطلميوس الثاين، أو 263ما يوث برتوملايوس وقد يقابل عام للملك تولي

ووصل جتار معينيون بتجارهتم إىل جزيرة ديلوس يف حبر إجية يف النصف األخري من القرن الثاين ق. م. حيث وجدت فيها آاثر صغرية نقشت بنصوص عربية تدعو ألصحاهبا آهلة معني )وآهلة سبأ(.

واشتد معني يف سبيلها السياسي وسبيلها االقتصادي حىت دب الوهن يف نظامها احلاكمواستمرت أبس جرياهنا، وجترأت عليها دولة قتبان ودولة سبأ. وبدأت قتبان فاقتطعت جانبا من أراضها،

وأجربهتا )كما مر بنا يف الفصل السادس( على عقد حلف معها احتفظت لنفسها فيه ابملكانة العليا بان أن تستغل معني يما يف أايم ملكي معني وقه إيل يثع وولده إيل يثع يشور الثاين. وحاولت قتال س

يف التضييق على دولة سبأ من الشمال، ولكن هذا زاد من حقد سبأ عليها فما لبثت هذه األخرية ها حىت استغلت انشغال قتبان مبشكالهتا الداخلية مع قبائل محري وانفردت مبعني فدمرت عاصمت

األول ق. م. حبيث مل قرانو واستولت على أجزاء متسعة من أراضيها قبيل الربع الثالث من القرنق. م. حينما صحب محلة القائد الروماين آيليوس جاللوس ضد الدولة 24يذكرها اسرتابون يف عام

العربية اجلنوبية، مما يعين أهنا كانت قد فقدت استقالهلا على أايمه.

بدورهم ش السياسي مل يؤد إىل وقف نشاط املعينيني يف جماالت التجارة فظلوا يقومونولكن االنكمافيها وجينون مكاسبها حتت طاعة دولة سبأ القوية، وهبذه الصورة كتب عنهم بليين يف القرن امليالدي

ثاين.األول ما نقلناه عنه من قبل، كما كتب عنهم الرحالة اجلغرايف بطلميوس يف القرن امليالدي ال

(1/84)

ملؤلفات املختارة يف دراسات الفصل:من ا مادة معني. - 2جواد علي: املرجع السابق، ج .1957القاهرة -، نقوش خربة براقش1952القاهرة -خليل انمي: نقوش خربة معني

.1952الفاهرة -نقوش خربة معني 1951القاهرة -حممد توفيق: آاثر معني يف جوف اليمن .273 - 267، 75 - 64ص-ون: املرجع السابق نيلسن وآخر

Philby, op.cit., 42-58. Ryckmans, J,. Institution monarchique en Arabie

Meridionale avant I.htm'Islam (Maein et Saba) , Louvain 1951

Winnett, F.V., The Place of the Minaeans in the History of Pre-islamic Arabia, BASOR, 73,1939,-39

(1/85)

ل السابع: دولة حضرموتالفصشغلت حضرموت منطقة واسعة من جنوب شبه اجلزيرة العربية، ومجعت يف أرضها الواسعة بني اجلبال العالية وبني الوداين العميقة. ويبدو أن واديها الكبري وادي حضرموت كان جمرى مائيا ضخما خالل

جتري فيه بضعه أهنار صغرية منها هنر ميفع ميال و 60تد جزؤه اخلصب حنو الدهور املطرية القدمية، وميوهو هنر حيتمل أن يكون المسه صلة قدمية ابسم مدينة ميفعة اليت كانت من أقدم العواصم املعروفة

حلضرموت.وانتفعت حضرموت بساحل طويل على حبر العرب أو احمليط اهلندي قامت عليه ميناء رئيسية أمستها

انيون القدماء عليها اسم كنية، بينما أطلق اإلغريق عليها اسم كاين نصوص القدمية قنأ، وأطلق العرب الCane .وتقوم على أطالهلا بري علي احلالية

والزال اخلالف بني تقديرات الباحثني -وال يزال املعروف من اتريخ املراحل األوىل حلضرموت قليال داية عصور امللكية فيها أبواخر القرن فبينما أخذ فليب برأي هومل ببلبداية تكوينها السياسي واسعا،

احلادي عشر ق. م. أرخها ألربايت أبواخر القرن اخلامس ق. م. على أساس أنه بعد أن اختفت شخصية كرب إيل وتر السبأي القوية من اجلنوب قامت امللكية يف حضرموت ورمبا بدأت مبا يشبه

ق إيل. وإذا صح هذا فقد يعين ترابط حكمهما معا ملك واحد يدعى صدالتبعية لدولة معني حبيث اجلارتني معني وحضرموت يف جماالت التجارة وختالفهما للوقوف يف وجه دولة سبأ ذات املطامع

الواسعة. وبعد جيلني أو ثالثة انفرد حبكم حضرموت أمري من أصل معيين يدعى معدكرب أسس هبا احلاكمني قائمة حبيث كان الكتبة يف كل العالقات الودية بني البيتني أسرة حكم مستقلة، مع بقاء

منهما يسجلون أحياان اسم ملك الدولة الثانية إىل جانب اسم ملكهم يف النصوص اليت تتناول ذكر املنشآت اجلديدة واالحتفاالت الكبرية. وامتد هذا الوضع الذي الزال الشك حييط بتفاصيل فرتة

ا، مث غابتصعب حتديد أمده

(1/87)

ء ملوك حضرموت. وعلل بعض املؤرخني هذه الظاهرة ابحتمال خضوع حضرموت مرة أخرى أمساخضوعا مباشرا لدولة معني، بينما عللها بعضهم اآلخر خبضوعها لدولة أخرى من الدول اجلنوبية مثل

مي العزيلط مث خاصمه سبأ، وكان امللك السبئي شعر أوتر قد زوج أخته ملك حلك من امللك احلضر ر عاصمته.وهاج

وبعد هذه الفجوة ازدهرت امللكية احلضرمية من جديد وبدأها ملك يسمى يدع إيل بيني. ومرة أخرى ليس ما يعرف يقينا عن الظروف اليت بدأ هبا ملك ولكن ختلفت بضعة قرائن ميكن االستفادة منها يف

مشس كان من أحرار ذكر يف نصوصه أن أابه رب تصور هذه الظروف. ومنها أن يدع إيل بيني هذا يهبأر، وذلك مما قد يعين أنه مل يكن من بيت مالك قدمي وأنه بلغ العرش مبسعاه الشخصي. وقد

يزكي هذا االستنتاج أن عددا من رعاايه تفاخروا يف نصوصهم أبهنم ساعدوه، دون أن يبينوا نوع هذه وقد بدت العالقات بني مملكته مساعدته على بلوغ العرش. املساعدة. وليس من املستبعد أهنا كانت

اجلديدة وبني دولة سبأ اليت أصبحت أكرب الدول اجلنوبية يف ذلك احلني عالقات طيبة. وذلك مما

حيتمل معه أن سبأ عاونته على إعالن ملكه أو أهنا على األقل رضيت مبا قام به يف سبيل إعالن ملكه.

ة شبوة اليت ذكرت نصوصه أنه عمرها بعد يني شهرة العاصمة احلضرميوزادت منذ عهد يدع إيل بخراهبا وأعاد تشييد حصن ومعبد رئيسي فيها. وتناقل املؤرخون والرحالة الكالسيكيون اسم هذه

العاصمة مبرتادفات متقاربة حترفت بعض الشيء عن امسها احلقيقي، ومن هذه املرتادفات: Sobatha, SabatA. Sabbatha.

ني عدد من ملوك حضرموت، استطاعت دولتهم يف فرتة ما من القرن بعد عهد يدع إيل بيي عاقبوتاألول امليالدي أن تسيطر على األجزاء الشرقية من دولة قتبان بعد أن ضعف شأن هذه الدولة

األخرية. فسيطرت على جزء من وادي بيحان وعثر فيه على ثالثة نصوص متجد أمساء ثالثة ملوك سياق الفصل السادس(. غري أن تدخل حضرموت يف شئون اجلزء كما أسلفنا من قبل )يف حضرميني

اجلنويب الغريب من شبه اجلزيرة جر عليها مشكالت كثرية من القبائل احلمريية حىت أصبحت احلدود بينهما بني مد وجذر إلحديهما على حساب مصلحة األخرى. وجرى عليه مشكالت أخرى مع دولة

السبأي. مث أعقبت ذلك عهود سالم ظهر فيها امللك عنها خالل العصر امللكي سبأ نتحدثاحلضرمي إيل عزيليط أو إلعزيلط الثاين وأثبت يف نص من نصوصه أنه إيل عزيليط ملك حضرموت

ابن عم ذخر، وأنه سار إىل حصن أنود ليتلقب )بلقب امللك(. وأشار

(1/88)

من أشراف محري أن ملك سبأ هذه املرحلة. كما سجل رجالن من أتباعه إىل أهنم صاحبوه يفعدد وذوريدان أثران يعوب أوفدمها حلضور حفله. وتنم هذه املصادر جمتمعة عن أن حصن أنود هذا الذي

ال زالت بعض أطالله ابقية تشرف على واد ينتهي إىل العاصمة شبوة قد توفرت له ذكرايت خاصة يالئم املناسبة اليت أقيم من أجلها وأن حفل التولية كان حفال ضخما عهود امللكية احلضرمية، وأن يف

العالقات بني حضرموت وبني دولة سبأ اليت دخلت يف طور جديد من أطوار امللكية مجعت فيه بني ني سبأ ومحري، أو سبأ وريدان، قد غدت عالقات طيبة. وورد يف نص ملك حضرمي آخر أنه ح

25كبشا و 82ثورا و 35تضمنت حصن أنود ضحى بقرابني كثريةاحتفل بيوم توليته العرش يف غزاال ومثانية فهود؟.

ويذهب الظن إىل أن إيل عزيليط الثاين ابن عم ذخر هو امللك الذي ورد ذكره ابسم إليازوس

Eleazus اإلريتريي، ومن يف مصدرين إغريقيني، عرف أحدمها ابسم كتاب الطواف حول البحر حوال الربع األول من القرن الثالث امليالدي، وقد وصف ثة يف شأنه ما حيتمل أتليفه يفاآلراء احلدي

وامتد سطانه إىل قنأ. Sabathaفيه إليازوس أبنه ملك بالد البخور والطيب وأنه أقام يف عاصمته على ظهور مو يف البالد ويؤتى به إليها وذكر عن هذه امليناء قنأ أهنا كانت سوقا لكل الالدن الذي ين

احمللية املصنوعة من اجللد، ويف القوارب، وهلا جتارة أخرى مع مدن الساحل اجلمال ويف األرماث البعيد، ومع بريجيازا وسكيثيا )يف وادي السند( وعمانة وفارس اجملاورة هلا. ويف هذ الوصف ما يشري

بحرية يف أايمه.إىل ثراء حضرموت من جتارهتا الربية واليلوه يهيمن على القمر ابسم سني وهو الذي عرب عنه ون عن معبودهم األكرب الذي ختوعرب احلضرمي

جرياهنم من اجلنوبيني أبمساء عم وود، وإملقه. وإذا كان هناك ما يضاف إىل هذه املقارنة فهو أن اسم مر ودهم الذي ختيلوه معنيا ابلقسني سبق أن أطلقه األكديون والبابليون كذلك يف العراق على معب

مسا ساميا قدميا واسع االنتشار، ورمبا كانت له صلته أيضا بتسمية سيناء أيضا، مما يعين أنه كان ا املصرية وإن وجدت آراء أخرى لتفسري هذه التسمية.

ها بصفة وانتشرت معابد سني هذا يف العاصمة شبوة ويف احلواضر احلضرمية الكبرية وعرفت يف كل منكيتون طومسون يف بلدة حضرمية عرفت قدميا د كشفت عن آاثره بعثة جرترود مميزة. وكان منها معب

ابسم مذاب وتعرف اآلن ابسم احلريضة. وكشفت هذه البعثة حول املعبد عن عدد من املقابر القدمية تضمنت إىل جانب جثث أصحاهبا أعدادا كثرية من أدوات احلياة اليومية

(1/89)

مما يعىن أن املعبد كان حمورا لعمران واسع من حوله ، والقالئد وما إليها،واين من الفخار واخلزفكاأل ضم مساكن األحياء وقبور املوتى.

وإذا كانت حضرموت قد أقامت أغلب بنياهنا االقتصادي على امتاد نشاطها إىل منطقة ظفار املنطقة تنمية ، فهى قد اهتمت كذلك بمث تصديرها شرقا وغرابالرئيسية إلنتاج أفضل أنواع الالدن والكندر،

ثروهتا الزراعية الىت كشفت البحوث احلديثة عن عدد من مشروعات الري الىت خدمتها، والىت نتجاوز عن التصيل فيها مؤقتا اكتفاء مبا ذكرانه عن أمثاهلا يف سبأ وقتبان.

صديقتها املنافسة بينهما وبني واستمرت حضرموت يف سبيلها االقتصادي والسياسي حىت اشتدتوذوريدان، وتطورت هذه املنافسة إىل حروب عنيفة عملت حضرموت معها على زايدة القدمية سبأ

حصوهنا وأسوارها ملقاومة السبأيني.وبقيت من هذه األسوار أطالل سور كبري كان حيمي منطقة ميفعة ولكن احلروب انتهت ابنتصار

دي، وبلغ من أمهية خر القرن الثالث املياليهر عش الثالث يف أوا السبأيني يف عهد ملكهم مشرانتصاره عليها أن شجعه على أن يبدأ عهدا جديدا للملكية السبأية تلقب فيه هو ومن تاله من

امللوك بلقب ملك سبأ وذوريدان وحضرموت ومينت. ويذهب رأي حديث إىل اعتبار مينت هذه أو احمليط اهلندي(. ورمبا احل البحر العريب )أو ن حضرموت واملطل على سميانة متثل اجلزء اجلنويب م

حاولت حضرموت النهوض بعد ذلك بقليل ولكن احلمالت السبأية احلمريية تكررت عليها وأخضعتها لنفوذها املباشر منذ أواسط القرن امليالدي الرابع.

(1/90)

ملؤلفات املختارة يف دراسات الفصل:من اBowen, Albright. and Others, op.cit., 77-81,139-142. Brown, W.L., and Beeston, A.F.L., JRAS, 1954,43-62.

Caton Thompson, G.The Tombs and Moon Temple of Hureidha (Hadhramaut) . Oxford, 1944.

Philby, op. cit., 77-18. Phillips, op.cit., 431.

Pirenne, J., Premiere mission archeologique francaise au Hadramout, C.R. de AIEL, 1975; Deuxieme mission.. ibid,

1976. Stark, R.F., in gJ, 93, 1939, 1-17; JRAs,1939,480-498. Van der Muelen and Wissmann, H, Von, Hadrmaut, Some

of its Musteries unveiled, Leiden 1932. وت.مادة حضرم - 2جواد علي: املرجع السابق، ج

.279 - 274نيلسن وآخرون: املرجع السابق، ص

(1/91)

ل الثامن: دولة أوسانالفص...

الفصل الثالث: دولة أوسانشهد جنوب شبه اجلزيرة العربية من دولة الصغرى الثرية قصرية األجل دولة مسيت ابسم أوسن أو

وب من قتبان وامتدت يف عصور جمدها حىت حدود حضرموت. وبقي امسها أوسان، نشأت إىل اجلن هور اإلسالم.حيا يف ألقاب بعض مواطنيها إىل ما بعد ظ

ويبدو أن أوسان مل تكن يف بداية أمرها غري منطقة رئيسية من دولة قتبان قرب مدخل البحر األمحر ها يف ظروف غري معروفة بعد أن وأشرفت على جزء من الساحل العريب اجلنويب، مث انفصلت عن

رت لنفسها وحلفائها مجعت األحالف حوهلا من أقاليم وقبائل مسورا وايفع وحلج ودثينة وأبيان، ووف كياان مستقال جنبا إىل جنب مع قتبان وسبأ.

ومضت أوسان تشق طريقها احلضاري مستعينة فيه بنشاطها التجاري الذي انتفعت فيه خبليج عدن، طموح السبأيني يف أواخر عهود املكربني وحتولت أطماعهم إليها، وحينذاك تداولت حىت اتسع

حالفهم النصر عليها أحياان وحالفها النصر عليهم أحياان أخرى وذلك مما املناوشات بينهم وبينها، و سروا مسح للملوك األوسانيني أن يسجلوا أخبار انتصاراهتم يف معابد أرابهبم، ومسح هلم كذلك أبن أي

مجاعات من السبأيني وحيتفظوا هبم رهائن يف أرضهم.األخري كرب إيل وتر الثاين الذى دلت ومالت كفة النصر إىل جانب السبأيني يف عهد املكرب

الشواهد على أنه متتع إىل جانب مهارته يف إرادة دقة احلرب مبهارة أخرى يف شئون السياسة، يف حربه ضد أوسان كما ضمن حيادمها يف حربه ضد فاستطاع أن يضمن حياد قتبان وحضرموت

بل استقالهلا جزءا من قتبان كان معني على حنو ما سبق ذكره من قبل. وإذا صح أن أوسان كانت قيف ذلك تفسري لرضى هذه األخرية مبهامجة السبأيني هلا. وعدم دفاعها عنها، وزاد كرب إيل وتر على

للتخلي عنها واالنضمام إليه فاستجاب له بعضهم، ومن هؤالء ذلك فاستمال حلفاء أوسان وأتباعها أمري كان يتوىل أمر إقليم

(1/93)

وقبائل ايفع، وهو واحد من أكرب أقاليم أوسان وحلفائها.دهس واحنط كرب إيل وتر جبيوشه على أوسان يف عهد ملكها مرتوم )أومرتو أو مراتوا( وادعى فيما روت

لت أبمره يف معبد عاصمته صرواح أنه )أي جيشه( قتل من األوسانيني نصوص انتصاراته اليت سجألفا وبني ما هو أكثر 16هنا أن تراوح عددهم يف سياق عباراته بني آالفا كثرية دل على مبالغته بشأ

ألفا وبني 40من العشرين ألفا، وأنه أسر منهم آالفا كثرية تراوح عددهم أيضا يف سياق عباراته بني ألفا، وافتخر أبنه حرر األسرى السبأيني الذين احتجزهم األوسانيون من انتصاراهتم القدمية، 56

بد عوضا عنهم أعضاء جملس املسود األوساين أنفسهم وجعلهم رقيقا للمعبودة السبأية مسهت واستعابنتصاراهتم إمعاان يف إذالهلم. وأمر مبحو وهتشيم النصوص اليت كان ملوك أوسان قد تفاخروا فيها

. القدمية على نصب معابدهم. يف عامل حلفاء أوسان بنفس القسوة فدمر جيشه مدهنم وأحرقهاواستعبد هو مدان أخرى لصاحله اخلاص على حنو ما ذكر يف نص له أنه اقتىن كل إقليم كحد أبحراره

قتبان، كما كافأ وعبيده، وتعمد أن يقتطع أجزاء أخرى من جسم الدولة املهزومة ورد بعضها إىل ما عن سبق حضرموت ببعضها اآلخر، جزاء هلما على جيادها يف حروبه مع أعدائه، ورمبا تعويضا هل

اعتداء أوسان على أراضيهما.وانطوت أوسان يف ظل اخلضوع والنسيان لفرتة طويلة. مث اسرتدت كياهنا السياسي يف ظروف غري

يف أواخر القرن الثالث ق. م. فيما يظن فليب. معروفة، واعتلى عرشها من جديد ملوك وطنيونهم دعتهم إىل التقريب إليهم ابهلدااي والقرابني وابعتبارهم حمررين توافرت هلم قداسة واسعة بني رعااي

رمبا ليحتفظوا هبا يف قصورهم مث يف قبورهم، أو ليضعوها أبمسائهم يف معابد دولتهم. وأشهر من ء امللوك ملك يدعى يصدق إيل فرعم شرح عت. وقد سجل أحد احتفظت اآلاثر بذكراه من هؤال

ن الذي قدم )األثر( إىل سيده يصدق إيل فرعم شرح رعاايه على أثر له ما يفيد أنه الفاضل مصداعت ملك أوسان ابن ود. وكان ود فيما أسلفنا امسا أو صفة ملعبود ختيله املعينيون من قبل يهيمن

بعض قبائل وإمارات العرب الشماليني أيضا. وكان يف انتساب ملوك على القمر وامتد تقديسه إىل ما كان القتبانيون يعتربون أفسهم ولد عم ضماان إلحاطة حكم أوسان إليه واعتبارهم ولدا له، ك

ابلقداسة الدينية بني رعاايهم. ولعلهم تعمدوا اختاذ ود امسا إلهلهم خمالفة لتسمية قتبان إلهلها األكرب م.ابسم ع

وازدهرت وأسان يف عصر هذه امللكية األخرية وامتد نفوذها من ابب املندب على الساحل إىل كما امتد يف الداخل إىل حدود قتبان. األحور،

(1/94)

هرتت من مناطقها األثرية مسورة ومرخا وتعمان وخلة والسقية وأم انب، فضال عن خليج عدن واشتArabia Eudaimonل ما مسح له بتجارة واسعة مع ها الساحلي الطوي. وكان يف امتداد

شاطئ شرق أفريقيا املواجه هلا حىت زنزابر حبيث مسي جزء من هذا الشاطئ حينا ابسم الساحل عكست موارد هذه التجارة على ثراء مقابر ملوك أوسان وآاثرهم اليت نقل بعضها إىل األوساين. وان متحف عدن.

لباسرت مثلت عددا منهم يف هيئاهتم العربية ومالبسهم القومية، على ومن أمهها بضعة متاثيل من األذي انتشر يف الشرق شبه أسلوب الفن اهليلينسيت الالرغم من أن فنانيها قلدوا يف حنتها أسلواب فنيا ي

منذ القرن الثالث ق. م .. وكانت األسكندرية من مراكزه الرئيسية. وأظهرت بعض هذه التماثيل دون أيديهم إىل األمام كما لو كانوا يقدمون هبا قرابني وهدااي إىل معبوداهتم. ونوعت بني أصحاهبا مي

تنسدل إىل ما حتت األذنني أو رية. وبعضا آخر بشعور طويلة هيئاهتم فأظهرت بعضهم بشعور قصتسرتسل على هيئة اجلدائل على الكتفني. ومثلتهم حليقي اللحى، وجعلت لبعضهم شوارب خفيفة.

ينما أظهرت بعضهم بثياب طويلة كاسية تزخرفها أحياان زركشة لطيفة يف وسطها وعند أطرافها وعند وب ة.ضا آخر بنقبة )أو فوطة( طويلدماجل الزراعني، أظهرت بع

وال تربأ هذه التماثيل من قلة التناسق بني أعضائها. حيث تبدو قاماهتا قصرية أحياان إىل حد ملحوظ. وأكفها عريضة ابلنسبة إىل بقية جسومها. ولكنها على الرغم من ذلك بلغت وسيقاهنا غليظة.

را مهما للتعرف كما أصبحت بتنوع هيئاهتا مصد صناعتها مستوى الأبس به ابلنسبة إلمكاانت بيئتها. على مسات أهلها وأزابئهم.

اسية لدولة أوسان وكجزء من مشكالت التاريخ يف دول اجلنوب العريب. افرتض فليب أن النهاية السيحدثت يف أواخر القرن الثاين ق. م. بينما افرتضت جاكلني برين بقاءها إىل قبيل ميالد املسيح.

وت بعد ذلك حتت سيطرة محري مث دولة سبأ وذوريدان. لى أية حال هو أن أراضيها انطواملرجح عأو واليتها إليها على ودخلت معها حتت إشراف هذه الدولة األخرية املناطق اليت امتدت جتارهتا

الساحل األفريقي املواجه هلا.

(1/95)

ملؤلفات املختارة يف دراسات الفصل:من اConti Rossini, C., Dalle Rovine di Ausan, Dedalo, 1927

727-754. Hamilton, R., GJ, 101,1943.

Philby, op cit.,82-86. مادة أوسان. - 2ج-جواد علي: املرجع السابق

.299 - 298، 91، 84 - 82ص-يلسن وآخرون: املرجع السابق ن

(1/96)

ل التاسع: عودة إىل دولة سبأ يف عصر امللكية السبأيةالفص...

الفصل التاسع: عودة إىل دولة سبأ يف عصر اململكة السبأية، أو إىل بدأت عهود امللكية يف سبأ ابختاذ كرب إيل وتر الثاين لقب امللك عوضا عن لقب املكرب

ختصر )ومنهم ألربايت وفون ق. م. كما يعتقد أصحاب التاريخ امل 410جانبه، يف حوايل عام فيسمان( بعد أن أحرز لدولته توسعا كبريا على حساب جرياهنا. ويبدو أن الرجل قد انصرف بعد

ملدن املعينية انتصاراته إىل توطيد األمن يف أرجاء دولته اجلديدة الواسعة عن طريق إعادة تعمري ا، وإعادة حتصينها بعد أن اطمأن إىل واألوسانية اخلاضعة له وإسكان مجاعات من السبأيني فيها

مواالهتا له. مث عن طريق مواصلة سياسية أسالفه العمرانية واالقتصادية يف االهتمام مبشروعات الري وما إليها.

رب إملقه هو الذي أيده يف مشروعاته وختريه وملا كان الرجل قد ادعى أو اقتنع أبن مبعود دولته األكسلفنا من قبل، فقد ترتب على هذا أن ازداد شأن إملقه ابزدايد شأن ممثله ملكا أو صريه ملكا كما أ

على األرض كرب إيل وتر، وزادت معابده يف حواضر الدولة كما انتشرت عبادته يف البالد التابعة من أهلها وأتباعها على حد سواء، ومعها ضمنيا بقية معبودات هلا. وزادت األوقاف املرصودة عليها

ى.سبأ األخر وتوسعت سبأ يف عصرها امللكي فيما كانت قد بدأت به من نظم يف عهود املكربيني كما تقبلت بعض

عناصر احلضارة وبعض التسميات اليت أخذت هبا الدول اجلنوبية األخرى، الصديقة منها واملنافسة

آن واحد.واخلاضعة يف النصوص السبأية أخذت تؤرخ أشران يف هناية الفصل اخلامس إىل نظرية جديدة تفرتض أن بعض

أحداثها منذ عهود أواخر املكربني بنيابة عظيم ذي صفة دينية يتلقب بلقب رشو وجيمع إىل كهانته أن النيابة قد للمعبود عثرت شيئا من اإلشراف على شئون الري والزراعة. ويرى صاحب هذه النظرية

ثالث أسر كبرية وهي أسرة حزفر انتظم أمرها يف عهود امللكية وأصبحت حتتسب لكبار أفراد

(1/97)

خليل. وأسرة حذمة. وأسرة فضحم. وكان هؤالء يتعاقبون ولدا عن والد بعد كل دورة ثالثية من كبرياء مرة واحدة استمرت لتسع األسر الثالث. وتستمر نيابة كل منهم ست سنوات أو سبعا، ابستثن

سنوات.ابسم مشد وتلقب الوالة بلقب كرب )وهو لقب كان له ما يشبهه يف معني وقتبان(. وتسمى جملسهم

)وهو مسد أو مسود يف معني وقتبان أيضا(. وتلقب والة سبأيون آخرون بلقب قني وإذا زادت منزلة األقيان أو األقيال. وإىل جانب لقب مود أحدهم لقب بلقب أكرب أقيم أو أكرب أقني مبعىن أكرب

ه كان خيص ظهر أيضا لقب حرج ويبدو أن -مبعىن صديق أو ندمي )للملك يف البالط السبأي املشرف على املنشآت احلكومية.

وميكن أن يرد إىل العصر امللكي يف سبأ إنشاء بعض العناصر املعمارية الراقية يف معبد أوام إىل أرب والذي أشران من قبل إىل بداية إنشائه يف عهود املكربني. وهو معبد ذو اجلنوب الشرقي من م

مرت. وبلغ 75إىل 71رت وامتد قطره القصري ما بني حميط بيضاوي امتد قطره الطويل حنو مائة ماالرتفاع احلايل. لبعض جدرانه الباقية حنو تسعة أمتار. وبلغ مسك بعض أجزاء جداره اخللفي حنو أربعة

وإن امتأل داخله ابلردمي وكسر األحجار. أمتارأبس يف استعراض بعض ومل يتميز هذا البناء بضخامته فقط وإمنا متيز كذلك بفخامته، وهلذا فما من

أجزائه كنموذج لفن العمارة السبأية يف أايمه. تقدمت هذا املعبد صفة أو سقيفة حيمل سقفها صف من مثانية أعمدة حجرية، كل منها حجر واحد

. ويتلوها مدخل ذو صرحني مرتفعني يؤدي إىل هبو ضخم حفت بصفاته 7.65قائم يبلغ ارتفاعه حنو عمودا. 32أعمدة حجرية كبرية بقيت بعض أجزائها، وكانت تبلغ الداخلية ومحلت سقوفها

يئة انفذة حجرية ومهية متتابعة قلد بناؤها يف أحجارها ه 64وشكلت يف اجلدران الداخلية هلذا البهو

النوافذ اخلشبية الشبكية يف إتقان ابرع.اببه بل وأرضيته ودرجات ويفرتض مكتشفوا املعبد أن واجهة املدخل املؤدي إىل هذا البهو وأخشاب

سلمه الرئيسي كانت مكسوة يف بعض مواضعها بصفائح عريضة من الربونز تعبريا عن الثراء. ويعتقد نت تتوسطه انفورة تصب ماءها يف حوض برونزي كبري يواجه أحدهم )جام( أن الدرج املؤدي إليه كا

املدخل كان ميأل من بئر يف داخل املدخل. بينما يفرتض غريه )ألربايت( وجود خزان ماء فوق صرحياملعبد، مث جتري مياهه يف جمار متر خالل أرضية املعبد لتصب يف احلوض الربونزي الكبري مث يعاد

توزيعها مرة أخرى يف

(1/98)

راض اليت خصصت من أجلها.األغوعثر يف املعبد وعلى جوانب مدخل البهو خاصة على عدد كبري من النصب احلجرية املنقوشة وعدد كبري آخر من التماثيل الربونزية الصغرية والكبرية مثلت أصحاهبا األثرايء. ونقشت على هذه وتلك

عض النماذج الطبية منها أساليب الفن وقلدت ب عبارات التعبد واإلهداء إىل إملقه صاحب معبد أوام. الفينيقي والفن اهليلينسيت.

وما من شك يف أن الصورة اإلمجالية اليت صورها مكتشفو مدخل هذا املعبد. واليت قدمنا جزءا منها. تدل على ما كانت عليه بقيته اليت مل تكتشف حىت اآلن من روعة وفخامة. وتدل ابلتايل على ثراء

فيها وهي عهود أسلفنا أن أقدمها يرجع إىل عهود املكربني وأن أوسطها يرجع إىل اليت بين العهودالعصر امللكي السبأي منذ بداية القرن الرابع ق. م. بينما يرجع أحدثها إىل القرن األول امليالدي.

ه حني وخترب املعبد يف أواخر العصور السبأية وقام مصنع يف صفته الغربية. كما استخدم سورا ملنطقتقل سكاهنا بعد أن خترب سد مأرب. وتناثرت حوله املقابر واملساكن، مث حتول إىل حصن يف العصور

اإلسالمية.وتوفر لبقية معابد سبأ ما توفر يف غريها من طقوس وثروات وممتلكات مبا يتناسب مع قدرات منشئها

عها يف التنبؤات )وهي رجم ابلغيب( ومدى أمهية املناطق اليت نشأت فيها. وانتفع أغلبها ابعتقاد أتباعن طريق وسطاء من الكهنة. وهو ما كانوا يسمونه ابسم مسأل وإىل جانب ما تتلقاه هذه املعابد من

النذور والقرابني واألضاحي من الدولة. كان بعض أثرايء مريديها يسجلون على أنفسهم حججا أو ينة ويتوقعون. أو يتوقع هلم الكهنة مبعىن أصح، سوء أوقافا مع الكهنة يلتزمون فيها أبداء قرابني مع

املصري أن هم ختلفوا عن أدائها.وتقبلت سبأ من عقائد جرياهنا يف عصرها امللكي تسمية ذمسوي أو ذومساوي مبعىن سيد السماء. وقد

ورد امسه أصال ضمن نصوص عشرية معينية قدمية خضعت للسبأيني وهي عشرية احلنكانيني الذين ت إليهم مدينة حنان. وعلى الرغم من أهنم أدخلوا ذمسوي هذا ضمن عقائد التعدد الفاشية بينهم نسب

إال أن من الباحثني من يرى فيه تطورا يف تفكريهم. وذلك على اعتبار أنه إىل جانب اعتقادهم بوجود واحدة.معبود لكل كوكب كبري يف السماء. جعلوا من ذمسوي هذا معبودا للسماء كلها كوحدة

وإذا كانت هذه بعض نواحي االزدهار العمراين واإلداري يف سبأ يف عصرها امللكي. فقد مرت يف أواخر هذا العصر مبشكالت خارجية وداخلية عدة

(1/99)

عليها أن تواجهها مبا يناسبها.كان االنتفاع وترتبت أهم املشكالت اخلارجية على رغبة قادة اإلغريق وجتارهم يف مشاركة العرب يف

بتجارة البخور والتوابل عن طريق البحر األمحر وما يتصل به من جتارة احمليط اهلندي أو احتكارها السكندر األكرب املقدوين الذى تطلع بعد أن وحرماهنم منها. وأطلت هذه الرغبة برأسها منذ عهد ا

عرب واحتكار جتارة اهلند. دانت له دولة اببل حىت اخلليج العريب. إىل السيطرة على جتارة جتار الفأرسل يف عامه األخري ثالثة بعثات حبرية كبرية جتوب البحار وتتعرف على مواطن العضف ومواطن

جلزيرة العربية. وبدأت هذه البعثات املالحية رحلتها من االستغالل يف السواحل الىت حتيط بشبه ا( رأس اخليمة Hieronاحا )بقيادة اخلليج العريب, ولكنها مل تتقدم كثريا إذ بلغت أكثرها جن

Maket .وقيل: إن األسكندر أمر كذلك خبروج بعثة حبرية من مصر عن طريق البحر األمحر . ب املندب أو مل تبلغه.ولكنها تعثرت هي األخرى ورمبا بلغت اب

بطاملة وعندما تقاسم قادة االسكندر املقدوين حكم أقطار الشرق القدمي بعد وفاته، وحينما استقر اليف مصر يف أواخر القرن الرابع ق. م. كان من سياستهم أن يستغلوا السواحل الطويلة املطلة على

ملصلحتهم خبطوات متئدة عملية مل يكن البحر األمحر إىل أقصى احلدود. وأن حيققوا آمال االسكندر حلها األوىل فيما يلي:أتثر عرب اجلنوب بنتائجها حمسوسا على درجة واحدة دائما. وميكن إجياز مرا

أ( أرسل أحد البطاملة األوائل ولعله بطلميوس األول أو الثاين قائدا من قادة البحر يدعى Ariston سواحل بالد العرب وطبيعة املالحة يف حبارها. يف بعثة حبرية استطالعية ليتعرف على

را مفصال عما شاهده والحظه يف فطاف جبزء كبري منها. وملا عاد إىل األسكندرية قدم إىل دولته تقري رحلته من املوانئ الشمالية واجلنوبية.

. حىت ب( جددت يف عصر البطاملة بعض املوانئ املصرية املطلة على البحر األمحر وأنشئ بعض آخرتستعد الستقبال املزيد من متاجر هذا البحر وتصديرها. )ومنها ميناء أرسينوى يف هناية خليج

ميوس هرميس قرب ميناء القصري احلالية، وميناء برينيكي إىل الشرق من أسوان(.السويس، وميناء املتجهة )برا( إىل ج( العمل على أتمني السيطرة على خليج العقبة ابعتباره خمرج جتارة البحر األمحر

جنوب بالد الشام. حلد( زايدة األساطيل البطلمية املقاتلة يف البحر األمحر لتأمني السفن واملصا

(1/100)

التجارية فيه. وتشجيع الوسطاء على التعامل معها. وصرفهم عن االعتماد على نقل املتاجر ابلطرق الربية اليت أشرف عليها العرب الشماليون واجلنوبيون يف شبه اجلزيرة.

نها هـ( تشجيع اجلاليات اإلغريقية التجارية على استيطان موانئ البحر األمحر وجزره .. وقد حتدث عيف منتصف Agatharchidesملواطن اليت نزلت هبا على الشاطئ العريب الرحالة وعن بعض ا

القرن الثاين ق. م. ووصلت بعض هذه اجلاليات حىت جزيرة سوقطرى يف البحر العريب، وشاركوا العرب واهلنود يف سكناها. كما شاركوهم يف نقل جتارة اهلند وسواحل شرق أفريقيا.

إىل نتيجتني خمتلفتني على املدى البعيد ابلنسبة لدول شبه اجلزيرة وات املتتابعةوأدت هذه اخلطالعربية. فانتفع هبا أهل السواحل وازدهرت جتارة موانيهم اجلنوبية واجلنوبية الغربية. مثل ميناء قنأ يف

حضر موت. وميناء عدن.ا سبأ(. بينما أتثرت بعض ري )مث ورثتهوميناء موزا، يف املنطقة اليت تقامستها كل من قتبان وأوسان ومح

الشيء اقتصادايت الدول العربية الداخلية الىت اعتمدت على استغالل قوافل الطرق الربية والسيما الطريق الرئيسي املمتد من جنوب شبه اجلزيرة عرب احلجاز حىت العقبة وما ورائها يف سيناء أو يف

ها. حمدودا.ليت وقفنا عندجنوب الشام. وإن ظل أتثرها حىت املرحلة اوكان من أكثر املستغلني لنتائج هذه التطورات قبائل محري اليت أطلت على سواحل البحر األمحر

اجلنوبية الغربية. واستفادت من نشاط التجارة البحرية يف موانيها السيما عدن وموزا )موشج( وميناء أخرى ذكرها رحالة اإلغريق ابسم أوكيليس.

الفئة احلاكمة حللف قبلي تداخل مع بعضه بدوافع املصلحة املشرتكة ري كانت متثل ويبدو أن محورابطة الدم واملوقع. وقد صورهتا املصادر العربية تنقسم إىل قبائل صغرية تعيش حول حلج بناحية ظفار ورداع )أي جتاور أوسان( ومتتد شرقا يف سرو وجند محري. قد أسلفنا أن هذه القبائل اعرتفت

بان منذ القران الرابع ق. م حبيث أطلقت بعض النصوص على أهلها لقب "ولد عم" سيادة دولة قتبمثل القتبانيني، وحبيث أصبح حصنهم الرئيسي يسمى "ريدان" تقليدا السم حصن ريدان القتباين. ولكن األمور تطورت إىل مصلحة محري بعد ازدايد النشاط البحري على سواحلها، فأخذت تعمل

احلها.لص ظاهرة جديرة ابالعتبار ربط بعض الباحثني بينها وبني هنضةونشأت

(1/101)

. وهي أن املصادر العربية القدمية مل تنسب أحداثها إىل اتريخ اثبت )كالتاريخ امليالدي أو محريالتاريخ اهلجري احلاليني( إال يف حنو سبعة نصوص متباعدة عرفت حىت اآلن. وأدت الدراسات

عام رنة إىل تعيني عام البداية للتاريخ الثابت الذي ردت هذه النصوص السبعة أحداثها إليه باملقاق. م(. ولكن تعددت النظرايت يف تعيني املناسبة اهلامة اليت ارتبطت هبا 109ق. م )أو عام 115

ك حمل هذه البداية، ومالت أحدث هذه النظرايت إىل ربطها ابحتاد محري يف كيان واحد، وحلت بذلعا إىل إعادة نظرية أخرى سبقتها كانت تربط بينها وبني نشأة مملكة سبأ وذوريدان، األمر الذي د

ترتيب أحداث اجلنوب على أساس جديد وهو ما سوف أنخذ به فيما يلي.وقد مر بنا كيف اجتهت محري بقبائلها املتحدة إىل االنقالب على دولة قتبان واستقلت عنها يف القرن

ق. م وكانت سببا يف إضعافها، وكيف دخلت يف بعض احلروب ضد دولة حضر موت، مث األول الفرص إلثبات كياهنا إزاء جارهتا العجوز مملكة سبأ.أخذت تتحني

وكانت سبأ تشق طريقها يف جهد، وعانت بعض الوقت من تضييق جارتيها قتبان ومعني، ولكنها أسلفنا، وأسكنت جمموعات من السبأيني يف بعض قاومت وبدأت مبعني فقضت على استقالهلا كما

ذ هددها خطر خارجي رمبا مل تكن حتسب حسابه.مدهنا، ولكنها مل تنتفع طويال بنصرها، إونعود إىل العوامل اخلارجية أو املنافسات اخلارجية لنجد أن خطوهتا الفاصلة بدأت منذ امتد اهتمام

بحر األمحر وجتارته إىل رغبة اإلشراف على جتارة احمليط البطاملة األواخر من رغبة اإلشراف على الثريا مما أيتيهم به التجار العرب من متاجر إمنا أييت عن طريقهم من اهلندي الذي كانوا يعلمون أن ك

اهلند، فودوا أن يوجهوا سفنهم إليها دون وساطة. وسجل املؤرخون خرب واحدة من أوىل الرحالت Eudoxus ofالرغبة، وقد ترأسها مالح يدعى بودوكسوس الكيزيكي اليت جنحت يف حتقيق هذه

Cyzicus ق. م. وتعددت بعدها رحالت حبارة اإلغريق والبطاملة 117وايل عام وبلغ هبا اهلند حإىل إمكان استخدام الرايح املومسية Hipalusوساعد على جناحها اهتداء اليوانين هيبالوس

ن يونيو إىل أكتوبر( يف تقصري أمد الرحلة من البحر األمحر إىل اجلنوبية الغربية خالل الصيف )م يط مباشرة دون ضرورة إىل التزام خطوط سواحله الطويلة.سواحل اهلند يف عرض احمل

وأعقب البطاملة منافس أشد خطرا منهم ومتثل يف النفوذ الروماين يف عهد اإلمرباطور أوجسطوس )أو غلب مناطق العاملكتافيوس( الذي أصبح يسيطر على أ

(1/102)

مي دون منازع منذ أواخر القرن األول ق. م ومل يكتف أوجسطوس ابلنشاط العادي الذي يقوم به القدأعوانه من اإلغريق والرومان يف جتارة اهلند والبحر األمحر. وأراد أن يقصي العرب عن هذه التجارة

أرضهم جبيوشه.مجلة أو جيعلهم يعملون لصاحله فيها. أو يسيطر على اقة املسرفة اليت أشاعها الرحالة واملؤرخون اإلغريق والرومان يف عاملهم الغريب عن وكانت الصورة الرب

ثراء بالد العرب مما شجع على هذه الرغبة فقد كتب الرحالة اجلغرايف اسرتابون ما يقول إن السبأيني ذا توفرت لتجارهتم يف املواد العطرية، وهلواجلرهائيني يف عصره كانوا من أكثر القبائل ثراء نتيجة

لديهم كميات كبرية من مصنوعات الذهب والفضة كاألسرة واملوائد الصغرية واألواين والكئوس. فضال عن قصورهم الرائعة اليت كانت أبواهبا وجدراهنا وسقوفها خمتلفة األلوان. يرصعون بعضها ابلعاج

والفضة واألحجار الكرمية ... إخل.يق هذا التصوير حبذافريه، ولكنه كان كافيا إلاثرة أطماع س من ضرورة بطبيعة احلال إىل تصدولي

ساسة الرومان الطموحني إىل السيطرة واالستغالل. ومل يعدم أولئك الساسة والتجار تقدمي املربرات ح ابهظة ألطماعهم، وصور اسرتابون بعضها فادعى أن أهل العربية السعيدة كانوا حيصلون على أراب

والرومان فال يرتكون هلم وال للبالد اليت ينقلون جتارهتم إليها جماال للكسب أو من جتارهتم مع األعراب الثراء.

Aelrusوهكذا صدر أمر اإلمرباطور أوجسطوس إىل انئبه الروماين على مصر آيليوس جاللوس ) Gallus.مبهمة إرهاب العرب أو احتالل أرضهم )

هود ومن األنباط حلفاء الرومان. وخرج اجليش يف يفا وانضم إليه عدد كبري من اليفرتأس جيشا كثسفينة( من خليج السويس واجته يف 130ق. م على منت أسطول كبري )قيل إنه أتلف من 24عام

ولعلها هي ميناء احلوراء أو أملج احلالية اليت استغلها قوم Leuke Komeالبحر األمحر حىت ط. وسلكت جيوش جاللوس بعدها سبيل الرب هم القدمية مث خضعت لنفوذ األنبامدين يف عصور

خالل ساحل احلجاز وهتامة اليمن وخربت يف طريقها مدان كبرية. وعندما وصلت إىل اجلنوب بدأتب بتخريب مدن دولة معني القدمية اليت أصبحت سبأ مسئولة عنها، وروى اسرتابون أن ملك جنران فر

دمر الغزاة مدن نشق ونشان وكمنة ولية وحريب ات الرومان، وفتحت يثل أبواهبا و حني اقرتاب قو وحاصروا مأرب. ولكن محلتهم ابءت يف هناية أمرها ابلفشل ومل تتعد مأرب، وفقدت كثريا من سفنها

ومن رجاهلا. وكان قد صحبها رجالن اهتم التاريخ هبما، اسرتابون اجلغرايف الرحالة الذي روى

(1/103)

ثها )من وجهة نظره( وكان صديقا شخصيا للقائد جاللوس، مث رجل آخر اختلف احلكم عليه، أحداوهو رجل من األنباط ترأس قومه الذين رافقوا احلملة واعتربه الرومان دليال هلم على أساس خربته

ياؤوس وهو ابسم سلابلطرق الربية يف شبه اجلزيرة وخربته بطرق العرب يف القتال، وقد ذكره اسرتابون اسم قد يكون حمرفا عن اسم صاحل أو سلي أو سالء )يراجع عنه بعده(.

ورجعت أسباب فشل محلة جاللوس إىل عدة عوامل ذكر اسرتابون بعضها، ومنها عدم كفاية جاللوس نفاقه يف قيادة البحر وتنظيم األسطول حبيث فقد كثريا من سفنه قبل أن يصل هبا إىل ميناء احلوراء، وإ

غلب جهده يف إعداد سفن مقاتلةمل تكن هلا ضرورة ملحة يف محلته ألنه مل يكن من املنتظر أن يقاتله أالعرب يف البحر. ولعله عدل هلذا إىل طريق الرب وسار جبيشه يف طرق صحراوية وجبلية طويلة وعرة

ريقه يف البحر ما يتابع طميل من احلوراء أو أملج إىل داخل اليمن، وكان يستطيع أن 1200متتد حنو دام قد بدأه حىت ساحل اليمن، وقلة املاء خالل حصار مأرب، وتفشى اجلوع واألوبئة حوهلا، فضال

عن عدم إخالص الدليل النبطي يف النصيحة للرومان.وإذا زدان شيئا على حتليل اسرتابون فهو وضع مقاومة العرب جليوش الرومان موضع االعتبار يف عدة

حداها عند هنر ذكره اسرتابون وقد يكون هو غيل خارد، وشدة حتصن السبأيني يف كانت إ معاركعاصمتهم مأرب ومقاومتهم للحصار الروماين. وأخريا تفسري عدم إخالص الدليل النبطي للرومان

برغبته يف الوفاء لبين عمومته العرب مما خيب آمال السادة الرومان.لهم بعد ذلك إىل موانئ بالد العرب اجلنوبية عن طرق أخرى دوا سبيويبدو أن جتار الرومان قد وج

غري طرق احلرب، فتحالفوا كما يفهم من بعض الرواايت املتأخرة مع أمري ظفار احلمريي على أن يقدم هلم بعض االمتيازات اإلقليمية، ورمبا جنحوا يف أن يرتكوا مبيناء عدن جالية أو حامية رومانية

لقرصنة يف البحر وتشرف على مصاحلهم التجارية.أخطار اتساعد سفنهم ضد واسرتدت دولة سبأ كياهنا بعد فشل احلملة الرومانية، وانفسح السبيل أمامها يف الداخل بعد أن

انكمش نشاط دولة قتبان وخسرت كياهنا السياسي شيئا فشيئا حتت أتثري ضرابت السبأيني الدي وبعده بقليل، كما مر بنا من قبل.ول امليواحلضرميني واحلمرييني خالل القرن األ

ولكن سبأ مل تنتفع هبدوئها طويال، وأخذت املشكالت احلدودية والداخلية تعمل عملها السيئ فيها، األمر الذي قلل من هيبتها أمام القوتني الباقيتني يف

(1/104)

حضر موت، مث مهد لعصر جديد ن املنافسة أمامها يف جنوب شبه اجلزيرة ومها قوة محري وقوةميدا من عصورها املتميزة وهو عصر ملوك سبأ وذوريدان موضوع البحث التايل.

* * * * * من املؤلفات املختارة يف دراسات الفصل:

Bowen, Albright and Others, op. cit Jamme, A., Sabcan lnscriptions from Mahram Biliqis

Baltimore, 1961 philby,op. cit., 64-76 Phillips, op. cit., 279f Ryckmans, j., op. cit

جواد علي: املرجع السابق، مادة ملكية سبأ. .293 - 291، 88 - 87نيلسن وآخرون: املرجع السابق، ص

(1/105)

وسيطرة محري-ل العاشر: دولة سبأ وذوربدانالفص...

الفصل العاشر: دولة سبأ وذو ريدان وسيطرة محريفت نشأة هذه الدولة عن نشأة غريها من الدول يف أهنامل تبدأ ببداية زاهرة، وإمنا قامت خالل اختل

م، وهي ظروف 265م وعام 90ظروف مضطربة استمرت أكثر من قرن ونصف القرن بني عام زالت تفاصيلها خافية ونصوصها متضاربة.ال

القرن األول امليالدي روح من التنافس وكانت قد ظهرت بني القبائل العربية اجلنوبية والوسطى خالل الشديد ورغبة االنتشار وأطماع الرايسة والسيادة، ألسباب غري حمددة، قد تكون منها تلك احملنة اليت

ومانية عليها، ورؤية دول اجلنوب تنهار واحدة بعد واحدة هزت كيان دولة سبأ خالل احلملة الر افتقار مناطق أخرى نتيجة للمنافسة بني التجارة لسبب أو آلخر، وزايدة ثراء بعض املناطق مع

البحرية والتجارة الربية. وقد يكون منها كذلك ما جد من انتشار اخليول والقوات الراكبة بني رجال من سرعة احلركة والكر والفر والشعور ابلزهو، وهلم جرا.القبائل وما أدى إليه هذا

ب هي قبائل مرئد وجرت اليت ارتبطت أبسرة ملوك سبأ وكانت أكثر القبائل السبأية شهرة خارج مأر بروابط األصل والنسب. وهلذا ظلت صالت املودة غالبة بينها وبينهم، ولكن هذا مل مينع بعض

ون من قبل أبلقاب األقيان أو األقيال من أن يتلقبوا بلقب "ملك" حكامها الكبار الذين كانوا يتلقبضا، األمر الذي تقبله امللك السبأي الشرعي يف مأرب، يف بني حني وآخر، بل ولقب ملك سبأ أي

بعض احلاالت، على مضض حىت يبقوا مساندين له.قبائل مسعي اليت ضمت ويف الوقت نفسه ظلت أكثر القبائل القريبة من مأرب، عددا وأبسا، هي

أبو حممد احلسن أثالث: سخيم، وبتع، ومهدان )واألخرية هي اليت انتسب إليها فيما بعد الرحالة اهلمداين أشهر من كتب يف العصور اإلسالمية عن جغرافية شبه اجلزيرة العربية واترخيها(.

(1/107)

ت هذه القبائل مسلكها إزاء سبأ مبا يتفق مع مصاحلها والظروف اليت عاشت فيها. فظل موالية وكيف، فبدأت تتحني الفرصة إلثبات للدولة يف عهود قوهتا، واستمرت كذلك حىت رأت األطماع حتيط هبا

عى كياهنا الذايت حتت زعامة بيت حكم كبري فيها انتسب إىل جد أكرب يدعى" أعني". وجد أصغر يد

أوسالت رفشان.ويف محأة هذه األطماع واملالبسات الداخلية اليت مهددت لتمزق الكيان السبأي، كانت قبائل محري

متها يف مدينة ظفار اليت نشأت يف منطقة خصبة قد شقت طريقها حىت حدود سبأ، واختذت عاص، وكان حصن ريدان قرب مدينة يرمي احلالية، ومحتها عدة حصون قامت على التالل اليت حتيط هبا

أكربها، فأصبح حصنها امللكي، وانتسب إليه ملوكها يف لقبهم الذي اشتهروا به وهو ذوريدان.على أنه قامت يف كل من مأرب وظفار أسرة وفجأة ظهر يف نصوص هذا العصر املضطرب ما يدل

الظاهرة حاكمة ادعى ملوكها ألنفسهم لقب ملك سبأ وذوريدان كل على حدة. ويف تفسري هذه افرتض الباحث فون فيسمان أن مأرب عاصمة سبأ تعرضت هلجوم من قبل ملك ريدان احلمريى يف

ها إىل لقبه، ولكن تقديره ملكانة سبأ هناية القرن امليالدى األول، وحينما انتصر عليها أضاف امسعلى القبائل التارخيية والدينية جعله يقدم امسها يف مقدمة هذا اللقب، وإن مل يطل حكمه. وعز

احمليطة مبأرب ما صارت إليه فعملوا على إجالء امللك احلمريي عنها وأعادوا إليها امللك السبأي قب ملك سبأ وذوريدان يف الوقت الذي مل يتنازل فيه املنهزم أو رجال من أسرته اختذ هو اآلخر ل امللك احلمريي يف ظفار عن لقبه املزدوج.

عديدة اليت أتت النصوص هبا، مراعاة للتخفيف مؤقتا، تكفي اإلشارة إىل ومع التجاوز عن األمساء المان لقبيليت أنه كان من أصحاب الفضل يف إعادة امللكية الشرعية إىل مأرب زعيم قبائل بتع، وزعي

مرئد وجرت، وقد عمل كل منهم من انحيته، ومل يكن عمله بغري مثن، فقد تلقب كل من الثالثة مبثل ب العائد، أي ملك سبأ.لقب ملك مأر

وعمل اهلمدانيون على أن يكون هلم بدورهم نصيب يف ألقاب العصر وزعامته. وكان قد ترأسهم بعد هرحب، وقد مثال ملك سبأ يف عقد صلح أهنى حرواب متقطعة أوسالت رفشان ولداه يرم أمين وابرج ي

انت دولتهم تلفظ أنفاسها األخرية(. قامت بينه وبني دولة حضر موت واحلمرييني والقتبانيني )الذين ك وكان اجلزاء على عقد الصلح أن تلقب أكرب األخوين يرم أمين بلقب

(1/108)

وأورثه لولده.ملك نتصف القرن الثاين امليالدي( أربع أسر إقليمية أو قبلية ادعى كل رئيس وهكذا شهد العصر )يف م

فيها لقب ملك سبأ. وذلك إىل جانب ملك مأرب الشرعي صاحب لقب ملك سبأ وذوريدان يف

دولة كانت تسيطر عليها من قبل مملكة واحدة.ى بلقب ملك سبأ هناك ملكية محري اليت متسكت هي األخر وإىل جانب هؤالء امللوك اخلمسة كانت

وذوريدان وحاولت أن حتققه على حساب هذه األطراف مجيعا.وهنا تصدى زعيم مهدان علهان هنفان الذي شارك أابه يرم أمين يف رائسة قومه ويف لقب امللك،

لف مع دولة ملواجهة األزمة، وتلمس احللفاء حوله، ووجد بعضهم يف خصوم األمس، فتحاذكرهتا النصوص حتت زعامة جدرت ملك حبشت أو جدورة ملك حضرموت، ومع مجاعات حبشية

احلبشة أو احلبش. واختلفت آراء الباحثني يف حتديد أصل هذه اجلماعات. فذهب رأي إىل اعتبارهم هلم وكان فرعا من سكان جنوب اليمن أو هتامة األصيلني نزح بعضهم إىل الساحل األفريقي املواجه

عزيني األحرار الذين نشروا اللغة السامية يف احلبشة، وقد عرفوا عند هلم أثر يف تكوين مجاعات اجلالعرب حينذاك بتسمية احلبش على جانيب البحر األمحر. وذهب رأي اثن إىل اعتبارهم مولدين من

ت التمزق الداخلي مهاجرين أحباش إىل سواحل هتامة تكاثروا عليها مث عملوا ملصلحتهم يف فرتاضد فريق. وذهب رأي اثلث إىل اعتبارهم غزاة من احلبشة استغلوا فرتات التفكك ابالحنياز إىل فريق

اليت عمت املناطق اليمنية فاحتلوا مناطق ساحلية واسعة من مشال جيزان وعسري وجزء من ساحل فريقي، وللسيطرة الكاملة على احلجاز، ردا على التوغل االقتصادي والبشري العريب على الساحل األ

األفريقية املنقولة ابلوساطة إىل الساحل العريب بعد أن فشلت احلملة الرومانية يف السيطرة التجارةعليها. وأاي ما كان من هذه التفسريات فإهنا ال ختفى حقيقة واقعة وهي أن متزق أهل الدولة الواحدة

العام، كل ية أو اإلقليمية فيها على حساب الصاحلوتضارب مطامع زعمائها وتغليب املصاحل القبل ذلك كان سبيال إىل تدخل األغراب يف أمورها.

وجدير ابلذكر أن النصوص اجلنوبية أخذت تشري يف هذه الفرتة إىل دور األعراب أهل البادية ابسم خليالة أو الفرق أعرب وإىل انضمامهم إىل هذا الفريق أو ذاك. ويبدو أنه أصح هلم دور كبري يف فرق ا

الراكبة يف احلروب.

(1/109)

يتحقق أمل علهان هنفان يف إعادة هيبة دولة سبأ وريدان. إال يف عهد ولده شعر أو تر الذي ومل أضاف إىل هذا األمل هدفا آخر وهو حترير األراضي اليت سيطر احلبش عليها ولو استدعى األمر أن

يه وبسط تنفيذ أغلب هدفيقاتل معهم من كانوا حيالفوهنم من القبائل العربية األصلية. وقد جنح يف

سلطانه على أغلب اليمن ومشاله، يف أواخر القرن الثاين امليالدي.ولكن جناح شعر أوتر كان رهينا بشخصه، وبعد وفاته عادت احلروب بني السبأيني وبني احلمرييني

عذبه لسنوات طويلة. وحتالف احلمرييون فيها مع األحباش أو األكسوميني األفريقيني يف عهد ملكهم. ويبدو أن هؤالء األحباش خططوا للعمل ملصاحلهم اخلاصة ووجدوا عوان أو حتريضا من أو عذااب

الرومان الذين تالقت مصاحلهم معهم يف استغالل جتارة البحر األمحر وتقليل نصيب العرب منها. ومل .بلده بعد وفاتهينفذ اجلنوب منهم إال وفاة عذبه األكسومي أو احلبشي وقيام االضطراابت يف

تلك كانت جمرد مناذج من فرتات التشتت والصراع واملد واجلذر اليت شهدهتا دولة سبأ وجرياهنا، وقد تكررت أمثاهلا وتغريت مواقع األطراف فيها بني حتالف وختاصم عدة مرات خالل القرون الثالثة

ر احلمريية ملأرب من منافسة ظفا امليالدية األوىل. والغريب أنه على الرغم من ذلك كله، وعلى الرغم-السبأية يف شئون التجارة والسياسة، ومنافسة ذمار )قرب صنعاء( ملأرب أيضا يف شئون العمرانظلت أوجه النشاط اإلنتاجي والتجاري قائمة إىل حد ما. وظلت تثري اهتمام املؤرخني والرحالة

الكالسيكيني املعاصرين هلا.ناء اهلويس الشمايل من سد مأرب )يف الفرتة بني عامي رب متت إعادة بففي أوائل هذا العصر املضط

( بعد اهنياره األول املعروف. وإىل هذه الفرتة نسب األخباريون العرب تشييد قصر 120 - 100وقد احرتق القصر، مث -عمدان الذي أسرفوا يف وصفه ومتجيد صاحبه إيل شرح حيضب ملك مرئد

بح تال خراب.اإلسالمية وأص مت تدمريه يف بداية العصورونسب إىل عهد هذا امللك يف هناية القرن امليالدي الثاين إرسال بعثة إىل ملوك غسان واإلزدونزار

ومذحج وهي من أقدم املرات اليت ذكرت فيها أمساء هذه القبائل. ابه عن التاريخويف أوائل هذا العصر أيضا، خالل القرن األول امليالدي، ذكر الرحالة بليين يف كت

الطبيعي أمرين متقابلني، ذكر يف أوهلما أن السفن التابعة للرومان كانت خترج من برينيكي )قرب أسوان يف مصر على البحر األمحر( إىل ميناء أوكيليس على مضيق ابب املندب، أو إىل قنأ يف منطقة

الكندر

(1/110)

العرب، ولكنه أصناف إىل ذلك أمرا آخر وهو توقف، ومن هناك إىل اهلند رأسا ودون وساطةدون أن العرب ظلوا من أغىن األمم لتدفق الثروة من روما وابرثيا إليهم وتكدسها بني أيديهم. فهم يبيعون

وذكر أن ما حيصلون عليه من )جتارة( البحر ومن )إنتاج( غاابهتم وال يشرتون شيئا يف مقابله.مبا تنتجه غاابهتم من البخور، وما ميلكونه من مناجم الذهب، وما السبأيني كانوا أعظم القبائل ثراء

يوجد عندهم من األراضي الزراعية. وما ينتجونه من احلبوب والكروم والعسل .... إخل.أن جنازة ويف تصويره ملدى استهالك العامل اخلارجي ملنتجات جنوب شبه اجلزيرة، روى بليين

poppaea ساوي اإلنتاج السنوي للعربية السعيدة. وروى أنه ترتب يف روما قد استنفذت ما يعلى ازدايد استهالك البخور والصموغ يف أايمه، أن أصبح الصمغ جيمع مرتني يف العام دون أن يرتك

التجار الوقت الكايف لسيقانه لكي تنضج.اهلندي والبحر وإن سيطروا على أغلب جتارة اهلند يف احمليطوهكذا يبدو أن جتار اإلغريق والرومان

األمحر. فقد ظل العرب ينتفعون ببيعها ويقومون بنقل منتجاهتم اخلاصة من البخور والصموغ ومشتقاهتا بقوافل اإلبل ويعملون على تصريفها وجينون أرابحها. وهو أمرمل ينتفع به اجلنوبيون

ذكره فيما بعد. لشماليون أيضا لفرتات طويلة مما سنعود إىلوحدهم، وإمنا انتفع به العرب ابل إن السفن اإلغريقية والرومانية وإن عرفت الطريق البحري القصري املباشر إىل اهلند، إال أهنا ظلت

تلجأ إىل املوانئ العربية من حني إىل آخر لإلجتار معها مباشرة، أو للراحة فيها والتزود منها ابملاء ا منها. بل وظلت تسمح لبعض السفن العربية الل رحالهتا الطويلة إىل سواحل اهلند وعودهتوالزاد خ

ابالشرتاك معها يف التجارة، وذلك مما يعين أهنا لو تقاطعها مجلة ومل حترمها من التجارة مجلة. وقد كان اهله.للحمرييني على ساحل البحر األمحر وساحل البحر العريب أسطول جتاري ضخم ال ميكن جت

Periplus Marisب الطواف حول البحر اإلريرتي وأدت هذه األوضاع إىل أن ورد يف كتاErythrael م، ما سبق أن استشهدان به 220من حديثه عن جنوب شبه اجلزيرة يف حوايل عام

منه عن ازدهار ميناء قنأ احلضرمية، وجتارهتا الواسعة من عمان وابرثيا واهلند. وقد ذكر نفس األمرميناء عامرة دائما أبصحاب السفن واملالحني العرب ويف عن ميناء موزا )موشج أو املخا( فقال إهنا

شغل شاغل بشئون التجارة، ويتعامل أهلها مع الساحل البعيد )األفريقي؟( ومع برجيازا )يف حوض السند( ويرسلون سفنهم إليهما.

(1/111)

رأس ا احتفظ العرب بنشاطهم على الساحل األفريقي، السيما يف منطقته املعروفة ابسم وهكذالتوابل، ويف منطقة الصومال، وعلى ساحل احلبشة، وامتد نشاطهم إىل ميناء رهابتا )وقد تكون ربطة

فر العربية( جبوار زنزابر، وذكر مؤلف كتاب الطواف أن رهابتا هذه ظلت تعرتف ابلسيادة ألمري معاي دولة أوسان( وأن احلمريي حبكم امتياز قدمي أخضع ساحلها لنفوذ دولة قدمية يف بالد العرب )وه

طائفة من جتار ميناء موزا احلمريية كانوا يعملون ابسم أمريهم فيها ويسيطرون على جتارهتا ويتزاوجون مع أهلها.

ريبة منهم مثل جزيرة سوقطرى وظل للعرب نشاطهم يف جزر البحر العريب )أو احمليط اهلندي( القر مؤلف الكتاب السابق أهنا كانت اتبعة مللك )دفيبا سخرتا=ديوس كوريديس= اجلزيرة السعيدة(.وذك

اللبان يعين بذلك ملك حضر موت، وأنه كان يسكن على ساحلها الشمايل جتار من العرب واهلنود واإلغريق.

نوبية سالمها القدمي عوضا عن االضطراابت اليت وليس من شك يف أنه لو توافر للمناطق العربية اجلتطاعت أن حتقق أضعاف ما استشهدان به من رواايت املؤرخني مزقت مشلها يف هذه الفرتة الس

ولكن هذا الذي استشهدان به كاف للداللة على أنه كان ال يزال هبا من اإلمكاانت -والرحالة عنها أو بعضها على أقل تقدير. ما تستطيع أن تستعيد به أجمادها القدمية

بعد كفاحها الطويل يف سبيل البقاء، فقد بقي وإذا كانت مأرب قد استنفذت جزءا كبريا من طاقتها على ظفار أن تقوم بدورها، وقد مالت موازين القوى النسبية إليها ابلفعل منذ النصف الثاين للقرن

ذي انفس حصن سلحني السبأي اجملاور ملأرب. الثالث امليالدي. وجبوارها قام حصن ريدان امللكي القصرين وأشادوا مبا فيهما من فخامة وروعة ما وسعتهم وقد اعترب اإلخباريون العرب احلصنني

اإلشادة. وضموا إيل ذكر قصر ريدان قصرا فخيما آخر ذكروه ابسم شوحطان. هنضة محري وملكية سبأ وذوريدان وحضرموت ومينة:

ة لسيادة أسرة محريية ريدانية تنسب إىل إيل عز نوفان يهصدق. أو إىل ولده مهدت الفرتة السابقسع شهرة منه ايسر يهنعم الثاين الذي حرف بعض اإلخباريني امسه إىل انشر النعم اليعفرى. وذكر األو

عبيد بن شرية أنه مسي كذلك واشتهر به ألنه اسرتجع ملك احلمرييني ومجع األمر هلم. وملا كان رأس ة جديدة أسرفت رواايت هؤالء اإلخباريني )السيما ذوي األصل اليمين( يف ذكرأسر

(1/112)

به وفتوحه فروت أنه ضرب يف الشرق والغرب والرب والبحر. بتفاصيل نتجاوز عن ذكرها لعدم مناق ثبوت شيء منها.

- 291م ولده مشر يهرعش )الثالث( مث انفرد ابحلكم يف حوايل 270وشاركه يف احلكم قبيل عامعة عريضة، العربية بسم، وتوافرت له شهرة أوسع من شهرة أبيه، واحتفظت له بعض األساطري 316

فاعتربته أعقل من حكم، وأطلقت عليه لقب تبع األكرب، واعتربته فاحتا عظيما امتد حكمه يف زعمها إىل أرض اببل وفارس ومسرقند وأرمينيا والصني والتبت ... إخل. وعلى الرغم من وضوح عنصر

من الواقع وضخمته صيب متواضع التهويل فيما ادعته هذه األساطري، فإنه يبدو أهنا اعتمدت على نابسم القومية يف عصر نشطت فيه قوى خارجية من الفرس والروم واحلبشة لتوجيه مصائر األمة

العربية.فقد حاول مشر يهرعش الثالث أن حيقق الوحدة السياسية جلنوب شبه اجلزيرة وأن يزيد من إمكاانته

دولة حضرموت وتوابعها وإن اء متسعة منويوسع من حدوده واتصاالته. فاستولت جيوشه على أجز مل يقض متاما عليها وبقيت جتاهد يف سبيل البقاء لفرتة قصرية. وتغلبت جيوشه على أقاليم من هتامة

واتسعت يف وسط شبه اجلزيرة ومشاال يف أرض سهرة وعك. ورمبا غزت سواحل احلبشة أو على األقل ت اتصاالته الدبلوماسية إىل قطوسف وكوك ألمحر، وبلغضيقت على مصاحل األحباش يف جتارة البحر ا

وحيتمل وجودمها قرب املدائن بني العراق وفارس.ويف نفس العهد الذي حقق فيه عرب اجلنوب هنضتهم على يدي مشر يهرعش الثالث، كان لعرب

م، 328الشمال هنضة أخرى ال تقل قيمة عنها على يدي امرئ القيس بن عمرز التنوخي املتوىف عام تناول تفاصيل نص امرئ القيس املشهور هذا فيما بعد، وتكفي اإلشارة هنا إىل ما ذكره من وسوف ن

أنه أحرز جناحا يف حصار جنران مدينة مشر )يهرعش( أي اخلاضعة له. وأنه شتت قبائل مذحج. وكان قوم التنوخيني مشر يهرعش قد احتضن قبائل مذحج هذه، ومنها كندة، واستعان هبا يف مهامجة مناطق

منافسه امرئ القيس أو أنصاره على اخلليج العريب، كما وجه نشاطه من صعدة إىل أرض مالك بن كعب ملك أزد السراة.

وشجعت هذه االنتصارات املتوالية مشر يهرعش الثالث على أن يزيد يف ألقاب ملكيته ألقااب أخرى، الثالث امليالدي، وكانت مينة أواخر القرنفاختذ لقب ملك سبأ وذوريدان وحضر موت ومينة حول

)أو ميانة( فيما حيتمل وأشران من قبل هي اجلزء اجلنويب من دولة حضرموت. وكان الرجل مصلحا إىل جانب

(1/113)

حماراب، فبقي من أايمه نص ينظم بيع الرقيق واملاشية. وحيدد املدة اليت يكون البائع مسئوال فيها كونهالذي ابعه إذا هلك بسبعة أايم. ويبدو أن هذا النص كان جزءا من تشريع متكامل صدر عن احليوان

يف أايمه.لثالث ومن قبله بشخصية ومرة أخرى ارتبطت هذه النهضة احلمريية الكبرية بشخصية مشريهرعش ا

أبيه قبل أي شيء آخر، حبيث أن بعض أقاليم دولته يف حضر موت ويف هتامة، حاولت االنسالخ نها يف أواخر أايمه أي عندما شاخ عهده. ورمبا ردها إىل طاعته ولكن إىل حني.ع

ستنفذت وجتددت املشكالت يف عهود خلفائه األقربني ومل ينجحوا يف غري إخضاع حضرموت اليت ا قواها، أما األطراف الغربية لدولتهم فاكتنف الغموض مصريها.

ى بعض الباحثني أنه عاصر خلفاء مشريهرعش فقد ورد يف ألقاب ملك احلبشة عيزاان الذي ير أنه ملك أكسوم ومحري وريدان وحبشة وسبأ وسلحني وصيامو -م325املباشرين منذ حوايل عام

أن سيطرته على محري وسبأ اللتني أوردمها لقبه بعد عاصمته أكسوم. وجبه وكاسو ملك امللوك. ويبدو مقبلة بعد أن أصبحت دولة سبأ وذوريدان يف نظره كانت سيطرة مفتعلة أراد أن ميهد بذكرها ملرحلة

لقمة سائغة طحنتها مشكالهتا الداخلية. وال يستغرب مثل هذا األمل املفتعل إذا ما قورن مبا حدث قرون حني أمر اإلمرباطور انبليون بسك نوط تذكاري ابمسه متجيدا لفتحه اجلزر بعد كثري من ال

لنوط تذكارا ألمل مل يتحقق.الربيطانية، وهو أمر مل يتم وبقي اومل يقتصر هدف عيزاان من هذا اللقب على جمرد األمل يف السيطرة على بالد اجلنوب العريب وما

البسات أخرى، فقد مسح اإلمرباطور البيزنطي قسطنطني يصل إليها من متاجر، بل كانت وراءه مصبحت دينا رمسيا لإلمرباطورية يف عام م، مث أ311األكرب ابنتشار املسيحية يف دولته ابتداء من عام

م، واجتهت بعثات بيزنظة يف عهده إىل احلبشة وما جياورها للتبشري ابملسيحية واختاذ الدين 375السياسية واالتفاقيات االقتصادية. وجنحت هذه البعثات من انحيتها مدخال إىل عقد احملالفات

التجار األغراب ومن تنصروا من رجال البالط وأهل الدينية يف إطالق حرية العبادة للمسيحيني من البالد اليت دخلتها املسيحية. ويبدو أن عيزاان ملك احلبشة قد سايرها على الرغم من أن اليهودية

املسيحية إىل بالده منذ قرون ولكنها ظلت حمصورة يف نطاقها الضيق وسط الداينة كانت قد سبقت ه للمسيحية ويف لقبه الذي ادعى فيه سيطرته على سبأ ومحري كان الوضعية الشائعة. ولعله يف مشايعت

يعمل على أن تكون له الصدارة

(1/114)

ثيل البالد الواقعة على جانيب السواحل اجلنوبية للبحر األمحر أمام حليفته الدولة البيزنطية القوية يف مت ه وجتارته.حامية املسيحية يف الشرق ووريثة الرومان يف السيطرة على سياست

يا على أن اجلدير ابلذكر هو أنه إذا كان ملك احلبشة هذا أو خلفاؤه قد ودوا أن تكون هلم اليد العلعلى املناطق العربية اجلنوبية، فقد أسلفنا من قبل أن هجرات عربية جنوبية قدمية كانت قد أثبتت

نوبية يف نصوصها إىل جانب اللغة وجودها وأتثرياهتا يف احلبشة، عن طريق استخدام اللغة العربية اجلطريق النشاط االقتصادي األفريقية، أو خمتلطة هبا، وكتابة هذه النصوص حبروف املسند العربية. وعن

الذي جعل لطوائفهم اليت عرفت ابسم اجلعزيني أي األحرار منزلة مرموقة ومكانة سياسية كبرية يف الساحل األفريقي. احلبشة، مع امتداد نفوذهم على أجزاء متفرقة من

ا.وعلى أية حال فما لبثت دولة أكسوم أن اضطربت أحواهلا يف أرضها األفريقية فانشغلت بنفسهوبقيت ملكية سبأ وذوريدان وحضر موت ومينة العربية قائمة جتاهد يف سبيل االستمرار، ومن أعمال

ه عند هتدمه للمرة الثانية ملوكها إصالح سد مأرب ثالث مرات، ويف أوالها أصلح اجلزء األوسط من م.360املعروفة بعد عام

ستني عاما منذ أن اشرتك مع أبيه ومتيز من ملوك العصر أب كرب أسعد الذي مارس احلكم حنو م. وأثرت له جهود 400طفال. وعندما استقل ابحلكم اشرك معه ولده حسان يهنعم يف حوايل عام

القوافل املتجهة إىل الشمال. فكانت له حروب يف لتوطيد األمن يف دولته والسيطرة على طرقوحىت الربع اخلايل يف أواسط شبه منطقة معد، ولعلها امتدت أيضا يف نواحي احلجاز من انحية،

اجلزيرة من انحية أخرى, وكانت قبيلة كندة من أعوانه. وشجعه جناحه على أن يزيد يف ألقابه امللكية املرتفعات والرباري، فأصبح ملك سبأ وذوريدان وحضرموت ومينت عبارة أكد فيها سلطانه على بدو

النجد والسهل( ... وال تساع أعماله العامة وأعرب طودم وهتمت. أي وأعراب اجلبل وهتامة )أونسبيا أشاد اإلخباريون بذكراه وذكروه ابسم أسعد تبع ونسبوا إليه فتوحات واسعة كما أشادوا

فار وبني صنعاء.بقصوره أو حصونه فيما بني ظم يف عهد امللك شرحبيل يعفور، وزيدت قنواته ودعمت 449وأصلح سد مأرب اثنية يف عام

ولكن اهنار جانب من سد رحب اثنية بعد عملية إصالحه بعام واحد وأدى ذلك إىل هلع جسوره، السكان وفرارهم إىل اجلبال خوفا من

(1/115)

ألف رجل. 20م وقيل إنه اشرتك يف إصالحه حنو 451م ن السيول، فأصلح مرة أخرى يف عاطغياوارتبطت أهم أحداث العصر يف اجلنوب العريب الذي سوف نعرب عنه فيما يلي ابسم اليمن وهو االسم الشائع يف املصادر العربية، ابلتطورات الدينية وما ترتب عليها من نتائج حضارية وسياسية.

يف عهود غري معروفة ود بعض الكتاب ومن اليهود خباصة أن سلكت اليهودية سبيلها إىل اليمنفقد يرجعوا هبا إىل زمن بعيد فربطوا بينها وبني عهد ختريب الرومان لبيت املقدس يف عهد فسباسيانوس

زووا يف م، وتشتيتهم ملن بقي فيها من اليهود الذين هرب بعضهم إىل الصحراء وان70وتيتوس يف عام ق التجاري املتجه إىل اجلنوب حىت اليمن. والواقع أنه ليس من سند جاليات صغرية على الطري

إلرجاع هجراهتم إىل بالد العرب إىل مثل هذا الزمن البعيد الذي رددته بعض الكتب التارخيية دون منذ القرن الرابع أو متحيص حيث مل يظهر لعقيدهتم أثر يف النقوش العربية اجلنوبية أو الشمالية إال

يالديني.اخلامس املوليس من املستبعد أن بعضهم تسلل إىل اليمن عن طريق فارس اليت احتضنتهم نكاية يف البيزنطيني املسيحيني الذين كانوا يكرهوهنم. وألمر ما ربط بعض اإلخباريني ومن ذوي األصل العربي أيضا بني

حلته إليها وهتوده، ومرة بدخوهلم إليها يف عهده، ومرة بر امللك أب كرب أسعد وبني يهود يثرب، مرة ابمتداد نفوذه إليها وتعيني أحد أوالده عليها حيث قتل بعد رحيله عنها ... إخل.

وسلكت املسيحية سبيلها إىل اليمن عن أكثر من طريق، فسلكته أوال عن طريق البعثات التبشريية. خلية عما أملته فيها من احلبشة قد انشغلت مبشاكلها الداويبدو أن الدولة البيزنطية حينما وجدت

نشر املسيحية وما يستتبعها من أهداف سياسية، تعاملت مع الدولة احلمريية رأسا. وكان من رسلها املبشرين األوائل ثيوفيلوس اهلندي يف منتصف القرن الرابع امليالدي ويروي التاريخ الكنسي أنه جنح

مللك، إن صح، هو بيت القصيد. وإمنا يبدو أن ي املعاصر له. ومل يكن تنصري ايف تنصري امللك احلمري بيزنطة أرادت أن تضمن هلا أنصارا ابسم الدين للوقوف يف وجه انطالق نفوذ الفرس احملتمل يف شبه

إىل اجلزيرة العربية وما يتصل هبا عرب اخلليج العريب وعمان. وهكذا اجتهت البعثات التبشريية البيزنطية أيضا.جزيرة سوقطرى وميناء هرمز

وسلكت املسيحية طريقها إىل اجلنوب العريب كذلك عن طريق جتار الشام املسيحيني الذين تعاملوا مع أهله، ورمبا سلكته كذلك عن طريق جتار احلبشة املسيحيني، وبعض أهل احلرية أيضا على الرغم

من اختالف مذهبهم املسيحي

(1/116)

ملذهب الذي أخذ به نصارى اليمن.عن اى أنه مهما كان من أمر املسيحية واليهودية يف اليمن. فقد ظل أتباعهما قلة قليلة. وظلت غالبية عل

أهل اجلنوب العريب على عقائدهم الوضعية القدمية وإن حاولوا أن يوسعوا آفاقهم الدينية من تلقاء وهكذا ورد يف نص ني اليهودية واملسيحية اترة أخرى. أنفسهم اترة ونتيجة التصاهلم أبصحاب الداينت

امللك شرحبيل يعفور عن إصالح سد مأرب عبارة تقول ما ميكن ترمجته إىل بنصر وعون اإلله سيد السماء واألرض وذلك مما يعين تقديس معبود أكرب يشمل سلطانه السماء واألرض وال يقتصر

رمحنن أي: بعون دت يف نص عبد كالل عبارة تقول برداسلطانه على إقليم بعينه أو مظهر معني. وور الرمحن، مما يعين اإلميان برمحة الرب الدائمة وفضله الواسع، وروى أحد مؤرخي التاريخ الكنسي أنه

كان بني احلمرييني إبراهيميون عارضوا ثيوفيلوس املبشر املسيحي، غري أن أمثال هذه الفلتات د القدمية فظلت هي الغالبة.القليلةمل تقض على عقائد التعد

ت الدايانت الثالث، وكان األكثر تنافسا أنصار الداينتني اجلديدتني أي اليهودية والنصرانية. وتنافسويف خالل هذا التنافس اشتد أحد امللوك احلمرييني األواخر وهو يوسف أسأر يثأر امللقب ذو نواس

ه، ويرده حباش لسبب ما يرده البعض إىل هتوديف معاملة التجار املسيحيني واألشاعرة حلفاء األالبعض إىل صداقته لليهود وأتثره بتحريضهم، ويرده البعض اآلخر إىل ربطه بني انتشار املسيحيني يف بلده وبني احتمال انتشار النفوذ احلبشي املسيحي عن طريقهم السيما وأن منهم من كانوا على صلة

يني مع املوانئ العربية الشدة أن قل تعامل التجار البيزنط ببالط احلبشة فعال. وترتب على هذهواملوانئ األفريقية القريبة منها. واستنصر املسيحيون بعضهم بعضا، وانشدوا إمرباطور بيزنطة أن

يتدخل ملعاونتهم، ولكن الشقة بني بيزنطة وبني اليمن كانت بعيدة، فوقع عبء معاونتهم على ملك نصار هذه هوى يف نفسه لتحقيق حليف البيزنطيني ووجدت دعوة االصت احلبشة كاليب أل أصبحا

أمل أسالفه ولزايدة نفوذه السياسي والتجاري، السيما وأن بالده قد أتثرت إىل حد ما من اضطراب أمور التجارة البيزنطية يف جنوب البحر األمحر.

على إعدادها يف ميناء وقيل: إن كاليب كان على رأس احلملة على اليمن أو أشرف على األقلم. وجنحت احلملة يف 523م و 520أحبرت منه عرب ابب املندب يف فرتة ما تقع بنيعدوىل الذي

غرضها، وفر ذو نواس إىل منطقة جبلية ببعض أعوانه. وأعلن امللك احلبشي سيادته على ظفار وعني فأعاد جتميع أنصاره واستعاد عليها واليا حبشيا، وعندما تويف هذا الوايل استغل ذو نواس فرصته

(1/117)

وانتقم ممن فيها من األحباش وأجلى بقيتهم عن بالده مث رد الصاع صاعني، فرتك اليهود ظفاريفتكون مبن شاءوا من منافسيهم املسيحيني. ووجه انتقامه إىل جنران أكرب مراكز جتمع املسيحيني

حصار فراسل زعيمها احلارث؟ ليتصل به، ولكن الرجل ختوف غدره فتحصن مبدينته. وشدد نواس ن وقيل: إنه وعد أهلها األمان إن استسلموا له. فلما طال املطال عليهم فتحوا له أبواب جنرا

( إذ 9 - 4مدينتهم فكان انتقامه هو وأعوانه منهم على حنو ما ذكر القرآن الكرمي يف سورة الربوج )دود، النار ذات الروقود، إذر همر ه يقول: }قتل أصرحاب األخر علون عليـر ا قـعود، وهمر على ما يـفر

ميد، الذي له ملرك منوا ابلل الرعزيز احلر همر إال أنر يـؤر منني شهود، وما نـقموا منـر السموات واألررض ابلرمؤرء شهيد{. والل على كل شير

دا لو أتزمت األمور ضده فكتب إىل ملك احلرية املنذر الثالث يود أن تخذ له سنوأراد ذو نواس أن يحيالفه أو جيعل له سبيال إىل حمالفة الفرس وتصادف أن كان يف جملس املنذر وقتئذ وفد من قساوسة الروم فأشاعوا أن ذا نواس دعا املنذر يف رسالته إىل أن يفتك مبسيحي احلرية كما فتك هو مبسيحي

ران.جنرت اثئرة العامل املسيحي، وأراد امللك احلبشي أن ينتقم ملا أصاب رجاله فعاود احلملة على اليمن واث

جبيش كثيف، وانتصر جيشه بعد جهد جهيد. وقتل ذو نواس أو فر وغرق كما روت بعض املصادر العربية.

وب نيب من ضر م ما يصحب كل احتالل أج525وصحب االحتالل احلبشي األخري لليمن يف عام القتل والتدمري والنهب واألسر اليت أفاضت املصادر اإلسالمية يف تصوير بشاعتها. ويبدو أن مقاومة

احلمرييني للغزاة قد استمرت لبعض الوقت. إذ يذكر محزة األصفهاين )يف اتريخ سىن ملوك األرض هذه املقاومة أن ه من جراءواألنبياء( أنه أعقب ذا نواس ولده ذو جدن ولكنه لقي نفس مصريه. ولعل

عمل جناشي احلبشة على أن يوطد احتالله لبالد اليمن مبا خيدر أهلها فعني على حكمهم حتت طاعته رجال من سادهتم يدعى مسيفع أشوع كان من كبار أعوان ذي نواس، وبعد مقتله حتصن هو أبوالده يف

وة األحباش فهادهنم ورمبا ستجاب لدعحصنه ومجع حوله بعض حلفائه، مث تبني عقم املقاومة أو اتنصر حينذاك واختذ امسه املسيحي الصيغة الذي سبق ذكره. وقد نسب إليه نص عريب تلقب فيه

بلقب ملك سبأ وذكر إميانه ابملسيح الذي أورد امسه بصيغة التينية حمرفة، مع إثبات تبعيته لنجاشي أكسوم.

ني، وكانت كرباها كنيسة يف جنران مساها نذ ذلك احلوازدادت أعداد الكنائس الكبرية يف اليمن مأتباعها كعبة جنران وكعبة اليمن وكان هلا سرادق من أدم. وأخرى يف ظفار أقام فيها كبار قساوسة

اليمن، وكنيسة اثلثة يف عدن ... إخل.

(1/118)

، وكانت كل منهما قد فت الدولتان الكبرياتن دولة الروم ودولة الفرس إىل هذا اجملال لصاحلهماوالتفرغت من مشكالهتا اليت شغلتها يف أغلب القرن اخلامس امليالدي حني تدفقت هجرات اهلون على

أمالك فارس، وتدفقت هجرات اجلرمان على أمالك بيزنطة. استغالل رؤساء مسيحي احلبشة واليمن. وبدأ اإلمرباطور البيزنطي مبحاولة

ن وايل اليمن أن جيعال قضية املسيحيني قضية واحدة وأن وقيل: إنه طلب من جناشي احلبشة وميتعاوان مع دولته يف التضييق على الفرس. وأوصى احلاكم اليمين على شيخ عريب قصد بالطه يدعى

ائل معد وأن يتعاون معه على مهاجنة مصاحل قيس أويلي زعامة قبيلة قيس وأن جيعله رئيسا على قب هؤالمل يستجب له. الفرس، ولكن يبدو أن أحدا من

وسواء مات الوايل مسيفع ميتة طبيعية أم قتل، فقد عمل األحباش على أن حيكموا بالد اليمن بعده لقائد األعلى حكما مباشرا بعد أن رضخ أهلها حلكم الواقع. فعينوا عليها حاكما حبشيا لعله كان ا

يه واغتصب مكانه يف والية اليمن، جليش االحتالل، ولكن قائدا من أعوانه مالبث حىت انقلب علوهو الوايل الذي ذكرته املصادر العربية ابسم أبرهة أو إل إبرهة. وحاول النجاشي إقصاءه ففشل،

ت طاعته. وهنا انتحل وعندما خلفه جناشي آخر أرضاه أبرهة فأقره على والية ملك سبأ العريض حتوهنا انتحل أبرهة اللقب السبأي الضخم ملك أبرهة فأقره على والية ملك سبأ العريض حتت طاعته.

سبأ وذوريدان وحضرموت وأعراهبا يف اجلبل وهتامة، مع اعرتافه بنيابته أو تبعته لسيدة ملك اجلعزيني ا كان زبيمن لقبا من ألقاب احلكام رحمس زبيمان ويبدو أن رحمس أو رماحس هذه تعين الشجاع. كم

يف احلبشة.. وشيدت فيها خالل عهده كنيسة ضخمة ذكرها اإلخباريون ابسم واختذ أبرهة صنعاء عاصمة

مبعىن اجملمع الكنسي. وشيدت كنيسة ضخمة أخرى يف Eccleststicالقليس حتريفا عن كلمة وجمهودات اليمنيني قد سخرت من أجل مأرب. وروت املصادر العربية أن نفائس املعابد القدمية

ة.إخراج هاتني الكنيستني يف فخامة كبري ويبدو أن عرب اجلنوب مل يسلموا حبكم أبرهة بسهولة، إذ حتدثت بعض نصوصه عن انقالب وايل

كندة يزيد بن كبشة ضده وتعاونه مع أبناء مسيفع أشوع الوايل السابق وعدد من بقااي األسر النبيلة وهزم أبرهة بعض قبائلهم ومنها قبيلة يزن اليت انتسب إليها فيما بعد سيف بن ذي يزن.القدمية و

جبيشه هؤالء األحالف بعد جهد جهيد. مث سنحت له فرصته لكي يظهر مبظهر احلاكم املصلح. فقد زاد تصدع سد مأرب بعد فرتات اإلمهال واالضطراب املتعاقبة. فعمل على

(1/119)

م. وقد أسلفنا يف الفصل الرابع ذكر بعض اجلهود الضخمة اليت 543و542حه يف عامي إصالفيه حينذاك، وأنه حضر حفل إعادة افتتاحه مندوبون من دول احلبشة والروم والفرس أنفقت

والغساسنة واملناذرة، مما يعين أن أبرهة استطاع أن يوفر لنفسه شهرة كبرية تعدت حدود اليمن. ولعل م هرة كانت من العوامل اليت خدعته عن نفسه وحقيقة قوته ودفعته إىل غزو مكة وحماولة هدهذه الش

الكعبة، سواء ابسم التعصب الديين للمسيحية، أم الستعادة السيطرة على الطريق التجاري الرئيسي خلناق الذي كانت مكة قد حققت لنفسها مكانة كبرية فيه، أم استجابة لدعوة الروم القدمية إبحكام ا

ابلدولة الغسانية على املصاحل التجارية الفارسية عن طريق ربط الدولة املسيحية اجلديدة يف اليمن املسيحية يف جنوب الشام وكلتامها من أولياء بيزنطة.

وقد أثبت القرآن الكرمي يف سورة الفيل نتيجة هذه احملاولة الفاشلة. وكان من تفسري الزخمشري ى ما رمته الطري األاببيل على جيوش أبرهة أن تفشى بينهم وابء لعله اجلدري والطربي: أنه ترتب عل

ابن هشام وابن سعد وابن منبه أنه عرف أول ما عرف أبرض العرب يف عام الفيل. الذي روى وعوضا عما كان أبرهة أيمل فيه من إضعاف مكة، أصبحت هزميته هبا من عوامل ازدايد شهرهتا. ورمبا

ده بقلة قليلة بقيت من جنوده. وعندما هلك خلفه ولداه، ولد من أم حبشية كان قد عاد هو إىل بلمن قبل على قبائل معافر. وذكره األخباريون ابسم يكسوم، وولد من أم عربية ذكروه ابسم واله

مسروق وكان أبوه قد واله من قبل أيضا على قبائل شناتر. وكان كل منهما شرا من أخيه فضاق ا ومتنوا حترير أرضهم من حكمهما.الناس هبم

لرواايت واألساطري الشعبية ذكره، ولكنه مل وتزعم حركة حترير اليمن سيف بن ذي يزن الذي خلدت ايستطع أبعوانه أن يناهضوا الغزاة األغراب أو املهجنني بدون عون خارجي. رمبا ألن هؤالء الغزاة

الفرقة بينهم. ولعل ماروته األساطري من اضطرار ذي كانوا قد حرموا املواطنني من السالح أو أشاعوا وابتالئه أبم انضمت إىل من اغتصب عرش أبيه، وكثرة ماالقاه من يزن إىل االستعانة ابلسحر واجلن. كل ذلك كان يرمز إىل املشكالت اليت واجهتها دعوته التحريرية -مصاعب وعقبات يف تنقله وترحاله

ت املصادر العربية أن سيفا قصد بالد الروم واستنجد ابإلمرباطور يف جمتمعه وخارج بلده. وقد رو

ه مل جيد لديه استعدادا ملعاونته ضد دولة مسيحية حليفة. فرتكه إىل ملك احلرية جوستني الثاين ولكنالعربية ليتوسط له لدى ملك الفرس أعداء الروم وأعداء املسيحية. فاستجاب له بعد ألي عسى أن

طريقه إىل السيطرة على بالد اليمن جيد سبيال عن

(1/120)

واالقتصادية فيها. ولكنه مل يكن مطمئنا كثريا إىل إمكان جناح ان بيزنطة من امتيازاهتا السياسيةوحرماحملاولة حيث روت املصادر العربية أنه أعانه بفرق قليلة أتلف أغلبها من األفاقني اجملرمني حتت رائسة

وصلت الست الباقية إىل قائد فارسي يدعى وهرز. وخرجت احلملة يف مثان سفن غرفت اثنتان منها و ميناء قنأ يف حضرموت وهناك ضم سيف أنصاره إليهم وانتصر هبم على جيوش ابن عدن أو إىل

م.575أبرهة ولعله املسمى مسروق، يف حواىل عام وكالعادة، مل يكن العون العسكري األجنيب بغري مثن يقابله، فقد حكم سيف بن ذي يزن اليمن حتت

بشة. وأضافت الرواايت العربية أنه ا من قبل مسيفع أشوع حتت طاعة احلطاعة الفرس. كما حكمهلقي مصرعه بعد ذلك على أيدي مجاعة من األحباش، سواء بدافع من كراهيتهم الشخصية له. أو

بدافع من حتريض دولتهم، أو بدافع من حتريض الفرس أنفسهم. وقد كان عهد ولده معد يكرب وحكم الفرس اليمن بعد ذلك يما يذكر املسعودي، عهدا قصريا.الذي خلفه حتت طاعة الفرس. ف

حكما مباشرا، كما فعل األحباش من قبل، بعد أن أطمأنوا إىل تسليم السكان ابألمر الواقع. فولوا حاكما فارسيا يف ظفار، وإن تركوا املخاليف يف أيدي األمراء الوطنيني. وهنا توفر للفرس ما مل يكونوا

لربية والبحرية من بالد اليمن وإليها عن طريق البحر ه من السيطرة على خمارج التجارة احيلموا بوعلى الطرق الربية املؤدية إىل اخلليج والعراق من انحية وإىل الشام -اهلندي-األمحر واحمليط العريب

ابع على حكم ومصر من انحية أخرى، إىل جانب ما كانوا يسيطرون عليه من جتارة اخلليج العريب. وتتمن والة الفرس كان آخرهم ابذان الذي أسلم يف عهد الرسول عليه السالم اليمن ثالثة أو أربعة

م. وانتهى دور املناطق اجلنوبية أو العربية السعيدة 628ودخلت بالد اليمن بعده يف اإلسالم يف عام Arabia Felix ناطق الشمالية يف شبه يف عصور ما قبل اإلسالم عند هذا احلد. بينما كانت امل

صرها يف املسرية، وهو ما سوف نتتبعه يف فصول اتلية.اجلزيرة تعا

(1/121)

ملؤلفات املختارة يف دراسات الفصل:من اBeeston, A.F.L., Qahtan, Studies in Old South Arabian

Epig- raphy 1976

philby, op. cit., 87-121 pirenne, j., Recueil des inscriptions et antiquites sud-asabes,

1977 Ryckmans,G, in Museon 1942,bsoas1952

Shahid, l., The Martyrs of Najran 1971 Wissmann, H.V., Zur Geschichte und Landeskunde von alt-

Sudarabien, 1964 Wissmann, H.V. und Hofiners, M., Beitrage Zur

Historisschen Geographie des Vorislamischen Sudarrabien, 1953

نية القدميةابفقيه، وبيبستون، وروابن، والغول: خمتارات من النقوش اليم .1985تونس -

.2جواد علي: املرجع السابق، جـ .1972القاهرة -مظهر علي األرايين: يف اتريخ اليمن

.424 - 401ص - 1971يناير -جملة العرب، السنة اخلامسة

(1/122)

طراف العربيةل احلادي عشر: مناطق األالفص اوال: املصادر املسمارية

... الفصل احلادي عشر: مناطق األطراف العربية

أوال: يف املصادر املسماريةتوزعت مناطق التجمع والتحضر القدمية يف األجزاء الوسطى والشمالية من شبه اجلزيرة العربية

من العوامل االقتصادية والعوامل اجلنوب حتت أتثري عدد بشرقها وغرهبا. على حنو ما توزعت به يفاجلغرافية. فانتشر أغلبها حول الطرق التجارية الرئيسية الواصلة بني أجزاء شبه اجلزيرة واملؤدية منها

إىل البالد اجملاورة، كما انتشر بعضها على مناطق احلواف بني أطراف الصحراء وبني حدود دول رها الداخلي يف الواحات والنجوع والقرى حول العيون ة منها، فضال عن انتشااهلالل اخلصيب القريب

واآلابر والنهريات الصغرية ويف مناطق احلرات.وانصرفت تسمية عرب، اليت تداولتها نصوص التاريخ القدمي على العرب الشماليني أكثر منها على

اضر. وذلك على أكثر منها على أهل احلو العرب اجلنوبيني، كما انصرفت للداللة على أعراب البادية الرغم مما تناقلته أغلب مؤلفات األخباريني من تسمية أهل اجلنوب ابسم العرب العاربة وتسمية أهل

الشمال ابسم العرب املستعربة. أ( يف العصر األشوري:

ام والعراق اتسع اجملال العرىب يف عصوره القدمية ملا كان يتعدى شبه اجلزيرة إىل قرب بوادي الشا. وهبذا املعىن الواسع ورد أقدم لفظ مكتوب مؤكد لتسمية العرب يف النصوص املسمارية وسيناء أيض

اآلشورية خالل القرن التاسع قبل امليالد على حنو ما سلف ذكره يف مقدمة هذا الكتاب. وال يعين ولنا ل. فهناك قرائن عدة تناوروده يف هذا القرن بداية ظهوره أو بداية ظهور العرب حبال من األحوا

بعضها يف فصول سابقة ونتناول بعضها اآلخر يف مناسبات اتلية، تدل على قدم وجود العرب خبصائصهم وخصائص لغتهم منذ عهود سبقته آبمال طويلة. ومن الباحثني من حيتمل ورود تعبري

كدي خالل القرن قريب من تعبري العرب يف نص مسماري من عهد انرام سني امللك السامي اآل والعشرين الثالث

(1/123)

ق. م وإن كانت قراءته ال تزال موضعا للجدل.وكان التوسع اآلشوري قد امتد يف القرن التاسع ق. م إىل بوادي الشام وضغط على ما يف جنوهبا من

مناطق التجمعات العربية. وحاولت دويالت املنطقة أن تقف يف وجه تقدمه بتكوين حلف كبري 853حوهلا. وهنا ذكرت نصوص شلما نصر الثالث امللك اآلشوري يف عام ارة دمشق ومابزعامة إم

ق. م.أنه انضم إىل هذا احللف فيمن انضموا إليه ألف راكب مجل من رجال جنديبو أرييب )أو األرييب(.

. وقد ويعترب لفظ جنيديبو حتريفا السم جندب أو جندبة. كما يعترب لفظ أرييب حتريفا لصفة العريبديبو هذا بلقب امللك، ويبدو أنه كان يعيش بقبيلته العربية أو يرتدد هبا على البادية الواقعة لقب جن

إىل اجلنوب الشرقي من دمشق. وإذا صح أنه اشرتك يف احلرب ضد اآلشوريني أبلف راكب مجل فعال لدل ذلك على سعة نفوذه وكثرة رجاله قياسا على إمكاانت عصره.

اآلشورية بعد ذلك إىل اجلماعات العربية القريبة من دولتها والواقعة على ارات النصوص وتعددت إشطرق التجارة الواصلة إليها. ورددت القول ابنتصارات ملوكها العراقيني وجيوشهم على هذه

اجلماعات وتلقي اجلزى منها. وهي أخبار حتتمل الصدق كما حتتمل الشك. فيحتمل صدق بعضها الفريقني من حيث العدد والعدة ومن حيث وفرة املوارد. ولكن يتعني م تعادل كفيتعلى أساس عد

الشك يف بعضها اآلخر على أساس أهنا أخبار تواترت من جانب واحد وهو اجلانب اآلشوري الذي سجل انتصارات أصحابه دون هزائمهم. وجلي أنه لو كان خصومه من العرب الشماليني قد

هبا أخبارهم، ألمكن مقارنة أخبار اجلانبيني ببعضهما البعض ئذاك وسجلوا استخدموا الكتابة حينواخلروج منهما مبا هو أقرب إىل الصحة. وعلى أية حال فإن ما ذكرته النصوص اآلشورية نفسها عن تعدد حروب اجلانبني يدل ضمنا على استمرار مقاومة القبائل العربية اليت اعتمدت على مهارهتا يف

راء، ووعورة مناطقها، وعملها على مضايقة خصومها عن طريق هتديد قوافل ر وقتال الصحالكر والفجتارهتم. واستطاعت على الرغم من قلتها النسبية أن تسجل صفحات جميدة يف الدفاع عن أرضها

واستقالهلا. ذكرت النصوص املسمارية اآلشورية أمساء ممالك وقبائل عدة مثل سبأ وقيدرى وتيماء ومصوري

اب ومساء ... إخل. وكان أهم ما تضمنته فيما نكتفي به مؤقتا وفيما يفيد التاريخ العريب ومتودي وخاايالعام هو أهنا ذكرت أمساء مخس ملكات عربيات على أقل تقدير حكمن يف جهة ما من مشال شبه

مكان م. ومل حتدد اجلزيرة العربية فيما بني أواسط القرن الثامن ق. م، وبني أواسط القرن السابع ق. دولتهن صراحة، ولكنها ذكرت خالل احلديث عنهن أحياان اسم أداوماتو

(1/124)

وذلك مما دفع إىل احتمال حكمهن يف دومة اجلندل أو بقرهبا يف منطقة اجلوف الشمايل، كما نسبت إىل إحداهن كهانة معبودهتا الكربى دلبات، وذلك مما قد يعين بدوره أن حكمهن اعتمد على تقاليد

الكة ومسحت هلن بوراثة احلكم واحدة بعد دينية جعلت رايسة الكهنوت لكربايت نساء األسرة امل أخرى أو بنتا بعد أمها.

وهكذا أشارت النصوص املسمارية يف القرن الثامن ق. م إىل ملكتني عربيتني أطلقت على كل منهما ، وأضافت أهنا اعرتفت ابلطاعة لدولة لقب ملكة أرييب. وذكرت أقدمهما ابسم زبييب حتريفا عن زبيبة

زية إىل ملكها. وذكرت الثانية ابسم مسسى )حتريفا عن مشس( يف مناسبتني: مناسبة آشور وأدت اجلأدت اجلزية فيها إىل امللك اآلشوري كسابقتها، ومناسبة أخرى خلعت فيها هذه الطاعة وساعدت

هددون القوافل اآلشورية، فحاربتها القوات اآلشوريةالبدو اآلراميني أعداء اآلشوريني. وتركت رجاهلا يوخربت بلدتني يف أرضها وأجربهتا على الطاعة، مث عني امللك اآلشوري مندواب له يف عاصمتها يتلقب

بلقب قيبو أي قيم كي يشرف على سياستها ويكتب إليه عن أمرها.، وإمنا أسرفوا يف تصويره مبا أشبع ومل يكتف اآلشوريون أبن يسجلوا نصرهم على قوم مشس كتابة فقط

منه ما يصور فارسني آشوريني على جوادين يالحقان برحميهما حماراب عربيا جيري كربايءهم، وبقيمسرعا ببعريه ويلتفت إليهما يف ضراعة بعد أن أصيب بعريه بسهم يف جنبه كاد يرديه. وصوروا عددا

لى الثرى حتت سنابك اجلوادين. وزادوا فصوروا امرأةمن قتلى جيش امللكة وقتلى حلفائها ممدين عبثوب كاس تسري ابكية تلطم وجهها بكفها أو تسرته خجال بكفها ومتسك ابليد األخرى جرة كبرية

ويعقبها عدد من نياقها. وليس من املستبعد أهنم أرادوا أن يرمزوا هبا إىل امللكة مشس نفسها وإىل رعاية اإلبل. عجزها واستسالمها وعودهتا إىل

سابع ق. م إىل ملكتني عربيتني أخرتني: يتيئة وتلخونو، حتريفا وأشارت النصوص اآلشورية يف القرن الفيما يبدو عن امسي يطيعة وتلهونة، وذكرت عن يطيعة أهنا انصبت اآلشوريني العداء ورمبا حتالفت مع

لك اآلشوري. وأسندت قيادة جيشها إىل كبري اآلراميني يف العراق مردوك أيبا ليدينا الثاين ضد امل حتريفا فيما يبدو عن الباشق. ولكن اجليوش اآلشورية هزمت جيشها وأسرت أخاها.أخيها بسقانو

وسلكت امللكة تلهونة )أو تلخونو( مسلكها اخلاص يف سبيل الدفاع عن أرضها ومصاحلها، ائيل، ملك قبائل قيدار اجملاورة فتحالفت مع من ذكرته النصوص اآلشورية ابسم خزا إيلي أو حز

جلوف. وعهدت إليهألرضها يف منطقة ا

(1/125)

بقيادة جيشهما املشرتك ضد اآلشوريني، ولكن حلفهما فشل يف أداء مهمته، على األقل يف حدود ماروته املصادر اآلشورية، وفرت امللكة إىل أداوماتو )دومة؟( فلحقت هبا القوات اآلشورية على الرغم

هي أو امللكة أبكاالتو كما أسرت ابنتها تبؤة، وعورة الطريق وضيقت احلصار عليها حىت أسرهتا منواستولت على متاثيل معبوداهتا، ويبدو أنه فت يف عضد امللكة أنه نشب خالف بينها وبني حليفها

مؤقتا وعز حزائيل عقب هزميتها األوىل أو خالل حصار أداوماتو، فخرج إىل قلب البادية وجنا نفسه إن كانوا قد دمروا بلده، واستولوا على متاثيل بعض معبوداته.على اجلند اآلشوريني أن يتعقبوه و

ولعله كان من جراء طول املقاومة والرغبة يف إعادة السالم إىل الطرق التجارية أن اتبع البالط ة والرعاية رغبة يف أن تشب وفية اآلشوري سياسة املهادنة، فتعهد األمرية العربية الصغرية تبؤة ابلرتبي

ة اآلشورية وعندما بلغت سنا مناسبة اعرتف هبا ملكة على قومها.خملصة للملكيوربطت النصوص اآلشورية بني ملكة عربية أخرى وبني إاي إيلو بن حزائيل ملك قيدار كحليفة له

رب اللغوي إذوارد ضمن ملوك صغار آخرين، وذكرت هذه امللكة ابسم ابئيلو ملكة أخيلو. واعتن االسم العريب ابهلة، كما قرب اسم أخيلو إىل اسم داير أخلة أو أجلة يف جالزر اسم ابئيلو حتريفا ع

منطقة اخلرج يف جند. وبرر رأيه مبا روته املصادر املتأخرة عن سكىن قبيلة ابهلة اليت يشبه امسها اسم ا يف مرحلة الفروض.امللكة القدمية يف هذه الداير، ولكن الزال رأيه هذ

ري:ب( يف العصر البابلي األخعندما ورثت الدولة البابلية الكلدانية مناطق النفوذ اآلشوري يف الشرق األدىن كان من الطبيعي أن

تتجدد العالقات االقتصادية السلمية أو املناوشات احلربية بينها وبني اإلمارات العربية اليت حتف هبذه القات حراب كانت أم سلما، إىل صوص البابليةمل تسجل شيئا كثريا عن هذه العاملناطق، لوال أن الن

جانب احلقيقة األخرى املتوقعة وهي أن العرب بدورهم مل يعثر هلم على نصوص تتحدث عن أحواهلم معها.

وظل احلال على هذا الغموض حىت اشتد التنافس بني دولة اببل وبني دولة الفرس. ومالت أحوال جيرب حظه مع املناطق العربية عله يسرتجع هبا إىل التدهور، فحاول آخر ملوكها انبوهنيد أن اببل

بعض جمده الذاهب فغزا جنوب الشام حىت إدوم وغزة، مث أانب عنه على عرش اببل ويل عهده، نيوألمر ما اجته إىل واحة تيماء، رمبا ليحيي أمهيتها االقتصادية على الطريق التجاري الرئيسي ب

(1/126)

مشال غرب شبه اجلزيرة العربية وبني العراق من انحية وبني البحر املتوسط من انحية أخرى. مث ينتفع مبواردها، أو على أمل أن يستعني هبا وبوسطها البدوي على تطعيم جيشه بقوات فتية يستعد هبا

الفرس حني بعده عن طائلةملعركة قريبة بينه وبني الفرس، أو على أسوأ تقدير ليهيئ هبا ملجأ ي الضرورة.

وعلى الرغم من هذه األغراض امللحةمل يكن انبوهنيد موفقا يف سياسته، فاشتد على تيماء اليت أراد أن يتخذها قاعدة جديدة حلكمه وفتك برؤسائها وأخضع سكاهنا وقتل ملكها، مث أعاد تسويرها وأقام

مد نفوذه منها جنواب على ساحل ره البابلي. و هبا بضع سنوات يف قصر جديد حمصن على مثال قصاحلجاز ورمبا وصل حىت يثرب. وأخريا أدرك عقم حماولته فعاد إىل اببل حيث مل يلبث حىت خسر

ق. م والزالت أغلب آاثر هذا العصر البابلي يف تيماء مطمورة 538دولته كلها أمام الفرس ىف عام حتت أنقاض العصور اليت تلته.

عصر الفارسي:جـ( يف الأدى مشروع انبو هنيا الفاشل يف تيماء إىل عكس ما أراده منها، إذ كان من نتيجته أن وجه أطماع

الفرس إليها وإىل ما حوهلا من املناطق العربية بعد أن مدوا نفوذهم على اهلالل اخلصيب كله. وأحس يث روى املؤرخ لسالمة معهم حبأمراء ابدية فلسطني وما يف جنوهبا بعنفوان الفرس وشدهتم فآثروا ا

ق. م. حالف ملكا من 525هريودوت أن قمبيز ملك الفرس وهو يف طريقه إىل فتح مصر يف عام ملوك البادية كان يعبد هو وقومه الالت قرب خليج العقبة. أو مبعىن آخر أجربه. على أن يزوده

ي مشكلة املاء مبلء , فعاجل البدو ابإلبل واملاء ويرشد جيشه إىل مسالك الصحراء املؤدية إىل مصربطون اجلمال إىل حني احلاجة إليه، وعمل على إعداد ما يشبه اخلراطيم الطويلة من جلود املاشية

لتجري ابملاء من هنري يف بلده إىل ثالث قنوات تصب يف ثالثة صهاريج ضخمة ابلصحراء.امللك الفارسي فقد رددت نصوصوأاي ما كان يف رواية هريودوت هذه من الصحة أو من اخليال.

دارا أن قبائل أراباي، أي القبائل العربية اليت انتشرت يف ابدية جنوب الشام وعلى أطرافها كانت تؤدي إىل دولته كميات هائلة من البخور والطيوب وما إليها على هيئة اجلزى واهلدااي. وكان هذا أمرا

من غري منازع بعد أن شاخت بقية الشرق األوسط طبيعيا يف عصر أصبح الفرس فيه أقوى دولة يف دوله األخرى وهتاوت إىل حني.

وامتد النفوذ الفارسي إىل واحة تيماء نظرا ملا هلا من أمهية جتارية. ويبدو أنه كان نفوذا غري مباشر مل حيس أهل الواحة بشدة وطأته. حبيث أن أغلب ما

(1/127)

مه وماتاله. وتقع أطالل تيماء القدمية هذه يف جنوب الواحة احلالية. وجد هبا من اآلاثر يرجع إيل أايمن األمتار ويبلغ ارتفاعه حنو ثالثة أمتار. أما 320وبني 175وكان حييط هبا سور يرتاوح مسكه بني

، بينما قدره سافينياك وجوسن بثالثة كيلو مرتات فقط. مما امتداده فقد قدره دويت بنحو ثالثة أميالاملنطقة ال تزال تتطلب دراسة واسعة للكشف عن حقائق ماضيها، السيما وأنه كشف فيها يعين أن

ابلفعل وعن طريق املصادفات مث البحوث احملدودة بقااي قليلة من معابدها ومقابرها ونصبها الدينية. نظرا ات عراقية ومصرية وفارسية، وحيمل أحدثها أتثريات نبطية ورومانية وهذه حيمل أقدمها أتثري

لكثرة اتصاالهتا اخلارجية القدمية وحبكم موقعها التجاري املتوسط. وذلك إىل جانب اخلصائص احمللية اليت ظهرت يف أمساء معبوداهتا القدمية.

د( األطراف الشرقية:العربية نصيب قليل مما أتت به املصادر املسمارية ولكنه على توافر لألطراف الشرقية من شبه اجلزيرة

ال يعدم ما يؤيده من الكشوف األثرية احلديثة اليت سنتناول نتائجها يف صفحات اتلية. وعرفت قلته أهم هذه األطراف يف النصوص املسمارية أبمساء دملون وماجان وملوخا. وألمر ما اعتربت األساطري

استقر السومريون زمنا هبا قبل أن يدخلوا أرض العراق.السومرية دملون جنة يح إىل أهنا، أي: دملون، متثلت يف جزيرة البحرين. مث تواتر ذكرها اترخييا ومشل امسها فيما وذهب الرتج

يعتقد بعض الباحثني احملدثني جزءا من ساحل األحساء املواجه هلا. وذكرت نصوص امللك سرجون وأن بع والعشرين ق. م. أن إشراف دولته امتد على دملون وماجان وملوخا اآلكدي يف القرن الرا

سفنها سارت على مياه آكد، وذلك مما دعا إىل اعتبار هذه األقطار الثالثة أقطارا حبرية وساحلية ذات خربة ابملالحة وصناعة السفن، ويعمل أهلها ابلنقل البحري والتجارة البحرية. وهلذا سارت

تشغل ما تشغله ه الفرات طاعة لدولة آكد. وهكذا يتجه بعض الرأي إىل اعتبار ماجانسفنهم يف مياعمان احلالية. وأضافت نصوص مسمارية أخرى أنه كان يستورد منها للعراق اخلشب والنحاس

واألحجار الصلبة. أما ملوخا اليت ذكرت النصوص املسمارية أنه كان يستورد منها الذهب واخلشب املنطقتني األخريني يتيسر حتديد موضعها الفعلي حىت اآلن، وإن مل يستبعد أهنا وقعت بنيالثمني، فلم

دملون وماجان أو البحرين وعمان. وذهبت آراء أخرى إىل املضي ابتساع املناطق السابقة أو بعضها حىت وادي السند.

لذي أراده ابمتداد وتعاقبت نصوص مسمارية أخرى اببلية وآشورية بعد عهد سرجون تكرر املعىن ا يبدو أنه النفوذ العراقي على هذه األجزاء الشرقية. ولكن

(1/128)

كان نفوذا جتاراي فقط. قام على أساس استرياد املواد األولية اليت ذكرانها وبعض منتجات خبور منطقة ظفار. وما يتجمع من منتجات اهلند وجزر احمليط اهلندي على سواحل اخلليج العريب لتصريفه يف

أسواق العراق.ثامن ق. م إىل أريبيي مطلع الشمس وعنت هبم يف القرن ال وزادت النصوص اآلشورية فأشارت

أعراب الشروق قرب اخلليج العريب.وأخذت بعض اجلاليات الفينيقية تتوافد على هذه املناطق الساحلية خالل العصر الفارسي، ومارست

دت أعداد نشاطها التجاري فيها ويف البحار القريبة منها. ونقلت إليها بعض عناصر حضارهتا. مث ازداجار الفينيقيني وأتثرياهتم واختالطهم ابلسكان احملليني يف العصر اهليلينسيت وهو ما خيرج عن دائرة الت

املصادر املسمارية. وقد شهدت به تسمية جبيل إلحدى مدن املنطقة الشرقية.

(1/129)

اثنيا: من نتائج الكشوف األثرية احلديثة:ليج العريب وجزره مؤخرا جبهود بعثة دامنركية آلاثر ارتبطت أغلب االكتشافات األثرية يف سواحل اخل

ما قبل التاريخ، وما تبعها من بعثات أخرى.يف مناطق الظران وأدوات ما قبل التاريخ 1953أ( يف البحرين: استهلت هذه البعثة عملها يف عام

من مواطن الدهور احلجرية على جبل الدخان واملنطقة الصحراوية يف البحرين وامتدت منها إىل غريها احلجرية هبا. مث اتسعت جماالت حبثها فالتفتت إىل رجم املقابر اليت بلغ من كثرهتا أن بدت يف هيئة

قدر عددها بنحو مائة ألف وتنوعت بني كبرية وصغرية، وخمروطية الغرود الطبيعية يف الصحراء. وقد رية بني املرت وبني الستة أمتار، بل ومستطيلة. وتفاوت متوسط ارتفاعات املقابر ذات القواعد الدائ

مرتا. وأحاط ببعضها سور دائري. وذلك إىل جانب 17مرتا وبلغ قطر قاعدته 12وارتفع أكربها إىل ة دفن أصحاهبا يف جرار من الفخار.مقابر أخرى صغري

وتنقلت أعمال الكشف األثري إىل حيث تتبعت شواهد العمران القدمي يف العواصم األوىل اليتنسبت إىل عهود متفاوتة حيتمل أن أقدمها عاصر احلضارة السومرية، وعاصر بعضها العصر اآلشوري

ة السليوكية اهليلنستية واحلضارة البارثية، احلديث والعصر البابلي األخري، كما عاصر أحدثها احلضار يف أطالل معابد مع انقطاع عمراهنا يف فرتات أخرى بعوامل خمتلفة. ومتثلت أهم مكتشفات البعثة

ابرابر مبستوايهتا الثالث املتعاقبة وبعض عناصرها الباقية األمر الذي شجع على تسمية أهم الفرتات ة ابرابر.احلضارية جبزيرة البحرين ابسم حضار

(1/129)

وتنوعت حصيلة ما بقي من مناطق السكن والعبادة والدفن، من أنواع اآلاثر املنقولة. فشملت كمية نسبيا من أواين الفخار واألواين احلجرية، وجمموعات من األختام الدملونية املستديرة ذات القمة كبرية

ظر حملية، ونقش بعضها اآلخر مبناظر تشبه مناظر األختام املدببة واملسطحة. واليت نقش بعضها مبناتجارية بني هذه القدمية يف العراق ويف وادي السند، وذلك مما يدل على العالقات احلضارية أو ال

األقطار الثالثة، وذلك فضال على جمموعات من األواين والتماثيل املعدنية واملرمرية الصغرية، وقطع يق والالزورد. وأوزان حملية ومنقولة ... إخل.حناسية وأخرى من العق

طقة دملون اليت وأيدت هذه اآلاثر املنوعة األمهية النسبية جلزيرة البحرين يف العصور القدمية كمركز ملنرددت املصادر املسمارية ذكرها، ومركزا حلضارة خاصة هبا وهي حضارة ابرابر، فضال على كوهنا

يب يف جممله.جزءا من حضارة اخلليج العر يف دولة الكويت يف جزيرة 1958ب( يف الكويت: تركزت أغلب أعمال البعثة الدامنركية منذ عام

يت ابإلغريقية يف عهد اإلسكندر األكرب. وقد ذكرهتا املصادر فيلكا أو جزيرة أكاروس كما مسج، وملا هيأته من املرفأ الكالسيكية كمحطة جتارية نظرا ملوقعها االسرتاتيجي املناسب عند مدخل اخللي

اآلمن واملياه العذبة لسفن التجارة. وبقيت البعثة فيها على مستوايت متعاقبة عادت أبقدم مظاهر اسط وأواخر الدهر احلجري القدمي وإىل العصر اخلالكولىت: النحاس احلجري. وقيل: إن سكاهنا إىل أو

ول من األلف الثالث ق. م، وحضارة بعضها عاصر احلضارة السومرية يف العراق خالل النصف األ 33الرسا يف العراق )من أوائل القرن -كوىل يف السند، وما ميتد من العصر اآلكدي حىت عهد إسني

ق. م.( حيث قلت مظاهر العمران لفرتات طويلة حىت عاد نشاطها مع 18ىل أواخر القرن ق. م إكزا جتاراي وحضاراي مجع إىل صبغته احمللية عهد اإلسكندر والعصر السليوكي الذي مثلت فيلكا فيه مر

واخلليجية عناصر أخرى إغريقية وهيلينستية وفدت مع نشاط املالحة والتجارة يف هذا العصر وماتاله. وظلت اتصاالت اجلزيرة بشبه اجلزيرة العربية قائمة وعثر يف أرضها على نصوص عربية

قدمية.يب يف جزيرة فيلكا ومتثلت يف أطالل حمالت سكنية وأفران وتعددت اآلاثر الثابتة يف مواقع التنق

ع ومصادر املياه. ومواقد وأسوار وحصون، ومعابد حملية مثل معبد إنزاك ومواقع عبادة آهلة الينابي وأخرى هيلنستية مثل معبد

(1/130)

أرتيميس. وتباينت أطالل هذه اآلاثر يف أحجامها ويف مدى أمهيتها. كما تباينت وتداخلت يف أزمنتها، السيما ابلنسبة ملناطق السكن ومراكز العبادة اليت أعيد استخدام بعضها جزئيا أو كليا يف

ان بني آاثر من عصور ما قبل التاريخ وبني آاثر من املوقع الواحد أحيا فرتات متعاقبة، حبيث قد يضمالعصر اهليلينسىت متقاربة من بعضها أو خمتلطة مع بعضها وقد لوحظت كثرة استخدام األحجار يف

املباين القدمية على عادة بعض أهل جنوب شبه اجلزيرة العربية، مع قلة البناء ابللنب الذي اعتاده أهل ق القريبني منهم.العرا

العادة احتوت هذه األطالل على آاثر صغرية منقولة تضمنت أعدادا من أواين الفخار واألواين وكاحلجرية واألسلحة الصغرية واألحجار املنقوشة والتماثيل البشرية واحليوانية الصغرية وقطع من

هلا م صغرية تنوعت أبشكاالعمالت احمللية واهليليستية والعربية القدمية، وعدة آالف من أختاوموضوعاهتا بني أختام إقليمية مستديرة أنتجتها حضارة اخلليج، وأختام أسطوانية قلدت أختام

العراق، وأختام رابعية قلدت أختام وادي السند، بل وشكل أحد األختام على هيئة األختام املصرية يعية وزخارف وحيوانية وأشياء طب القدمية. ونقشت على هذه األختام أشكال خمتصرة لكائنات بشرية

ختطيطية عربت عن بعض عقائد أصحاهبا وأخيلتهم وأساطريهم ومستوى فنوهنم.جـ( يف قطر: ابشرت البعثة الدامنركية أعماهلا يف الساحل الغريب من قطر. وعثرت على كميات كبرية

ر احلجري املتوسط من أدوات حجرية صنفتها يف أربع حضارات بدائية ترجع إىل فرتات من الدهلدهر احلجري احلديث والعصر النحاسي احلجري. وغلبت على حياة الدهور والعصور حرفة الصيد وا

وحرفة الرعي مث القليل من الزراعة. ووجدت البعثة رسوما خمتصرة على جوانب الصخور صورت سط األلف األول ق. مناظر زخرفية ومالحية وعقائدية. كما وجدت بقااي بلدة يرجع عمراهنا إىل أوا

.مد( يف دولة اإلمارات العربية: ركزت البعثة أغلب أعماهلا يف أبو ظيب يف جزيرة أم النار اليت قيل: إهنا

اكتبست امسها من كثرة ما وجد هبا من أحجار كانت تستخدم حمطات إليقاد النار. مث اتسع البحث دمية ذات مساكن للعمران يف حمالت ق إىل منطقة العني وقرية هيلي. وظهرت شواهد أربع مراحل

منوعة. كما وجدت أعداد كثرية من رجم املقابر املستديرة الفردية واألسرية، وأرجع أقدمها إىل فرتات من األلف الثالث ق. م. وبين أكربها ابحلجر، وصورت على مداخلها مناظر إبل وماشية وحيات.

أوان وخناجر وأدواتواحتفظت بعض املقابر ببعض مازود املوتى به من

(1/131)

للزينة، وحيتمل أن أهل جزيرة أم النار القدامى أخذوا يف بعض عصورهم بتضحية األتباع حني دفن سادهتم.

هـ( يف الساحل الشرقي للملكة السعودية:توزعت األكوام األثرية الصغرية على طول الساحل الشرقي للملكة السعودية يف مثل اتج والقطيف

والعقري والظهران وجبيل. وكان لكل هذه املواضع نشاطها االقتصادي كمراكز حبرية وبرية روتواتلتجارة املرور، فضال على جتارهتا احمللية. مما دلت عليه كتاابت الرحالة واملؤرخني الكالسيكيني وبعض

املصادر العربية القدمية.غرية إلانث وحيواانت. وقامت البعثة الصوعثر فيما عثر عليه على أعداد من التماثيل الطينية

الدامنركية بتجميع أعداد كبرية من كسر الفخار اخلشن والرقيق، واألواين الفخارية واحلجرية، ومباخر ويبدو أهنا كانت من آاثر عمران لبلدة عاصرت احلضارة السليوكية أو اهليلينستية. كما عثر -مربعة

اثج. يف على نقش بكتابة عربية جنوبية قدميةويف شبه جزيرة اتروت على امتداد القطيف تعددت رجم املقابر ذات الشكل املخروطي. ووجدت

البعثة الدامنركية آاثر عمران متقطع متفاوت قد يبدأ معاصرا حلضارة العبيد يف أقدم طبقاته، وميتد به لصغرية لدهور ما ة االزمن حىت عهد حضارة ابرابر يف البحرين. ويضم خملفات من األدوات احلجري

قبل التاريخ، وخملفات من كسر الفخار.وامتدت البحوث إىل جرها القدمية وهي اجلرعاء العربية والعقري احلالية، على أساس ما شهد به

الرحالة الكالسيكيون من ثرائها ونشاطها الواسع يف جتارة املرور، الرتانزيت، خالل العصر السليوكي. أثرية كثرية فيما بني العقري وبني الظهران، واستغلت البعثة الدامنركية ما ام وقد تعددت ابلفعل أكو

وجد على سطوحها من كسر الفخار واألواين احلجرية لتصنيفها وتوقيت صناعتها.

ويف الوقت ذاته كان لقرب مناطق النفط من الظهران أثر يف توجيه األنظار إىل ما كشف يف أرضها لطرق وتعبيدها وحفر اآلابر. ونبه بيرت بروس كورنوول إىل أمهية موقعها د امصادفة من اآلاثر خالل م

وضخامة جبانتها القدمية، ونسبها إىل كبار منطقة دملون الذين مشل نفوذهم البحرين واألحساء.وتفاوتت مقابر هذه اجلبانة فيما بينها يف سعتها وأمهيتها وحمتوايهتا. واحتوى أكربها على توابيت

ان مبنية.جدر حجرية و

(1/132)

و( من كشوف البعوث العربية:حاولت بعض البعثات الوطنية والعربية أن تديل بدلوها يف الكشف عن جوانب من تراث اخلليج

، وجرى 1970القدمي. فأولت وزارة الرتبية يف البحرين اهتمامها ملوقعي احلجر والشاخورة منذ عام يعاصر العصر الكاسي يف العراق. وما يعاصر العصر اعها إىل ما الكشف عن مقابر حيتمل إرج

السليوكي. وهي مقابر مستديرة صغرية تنتمي لطوائف اجتماعية خمتلفة. وغالبا ما كسيت جوانبها الداخلية مبالط وعلتها قطع حجرية، وأدت إىل مدخلها درجة حجرية أو أكثر من درجة.

أحنائها عن املزيد من املدافن القدمية. ووجدت ما ابلكشف يفوأولت دولة اإلمارات العربية اهتماعلى بعض أحجار املقابر رسوم هيئات بشرية وحيوانية ومناظر صيد. وتضمنت اآلاثر املنقولة اليت

عثر عليها من أوان وكسر الفخار أعدادا مزخرفة أبشكال حيوانية وختطيطية على الطريقة احمللية ار اخلارجية يف مثل ابمبور وكلى، أحياان أخرى.ض زخارف الفخأحياان. ومبا يقلد بع

وانصب كثري من االهتمام يف جند ابململكة العربية السعودية على منطقة الفاو. وكانت مستوطنة قدمية على الطريق التجاري بني جنران وبني أطراف العراق عرب وادي الدواسر. وكشف فيها عن آاثر

واين احلجرية والفخارية فضال عن نقوش نصب املقابر وخمربشات ف عنه من األعمراهنا القدمي وما ختلالصخور مما اختلط فيه األسلوب العريب اجلنويب ابألسلوب العريب الشمايل وحيتمل ربطه إىل حد ما

بنشاط مملكة كندة قبل ظهور اإلسالم.

(1/133)

من املؤلفات املختارة يف دراسات الفصل:Bawden, Edens and Miller, Prelominary archaeologcal

inves- tigation at Tayma, ATLAL, A 1980 Dayton J.E"The city of tayma and the Land of Edom, 1970-

73 Dougherty R.P" ,Tayma.htm's place in the Egypto-

Balylonian World of the 6th Century B.C" .Mizraim, 1, 1930

Hamid, J.. Abu- Duruk. Introduction to the ASrchaeologyof

Tayma, Riy adh, 1986 Milik, I, Priere de Nabonidus, RB, 63, 1966. 407-15

Oppenheim, L., in ANET, 283-284M308f Winnett and Reed, Ancient Records from North Arabia

To- ronto 1970

يخ:من املؤلفات املختارة يف دراسات ما قبل التار Bilby, G., Looking for Dil;mum 1970 Arabian Gulf

Archaeol- ogy in Kuml 1954, 1964-66 Glob P.V., Archaeological Investigation in Four Arab

States, 1959, in Kuml,1954, 100 f., 112f., 1958, 144f Marty, A.H., Prehistory in Northeastern Arabia, Florida.

1974 -سليمان سعدون البدر: منطقة اخلليج العريب خالل األلفني الرابع والثالث قبل امليالد

.1974الكويتدراسات اخلليج واجلزيرة -ية عبد العزيز صاحل: الرحالت األثرية للعصر احلديث يف شبه اجلزيرة العرب

.80 - 77، 72 - 63ص - 4، إصدار 1981الكويت-العربية

(1/134)

اين عشر: اجلماعات العربية القدمية ذات الصلة برساالت األنبياءالفصل الث أوال: مدين

أبقى على ذكر مدين ما ذكره القرآن الكرمي وذكرته التوراة عن ارتباطها ابلنبيني موسى وشعيب من مصر بعد أن قتل فيها أحد خصومه. عليهما السالم. فقد جلأ موسى عليه السالم إىل أرضها هراب

يف مدين رجال صاحلا ذكرته التوراة ابسم رعوئيل وأطلقت عليه لقب يثرون مبعىن الكاهن. وصاهر كما ذكرت ابنته اليت تزوجها موسى ابسم صفورة.

وتدل معاصرة مدين لعهد موسى عليه السالم على قدم وجودها وإمكان نسبتها إىل ما قبل القرن ألفون من قبائل متعددة انتشرت يف إقليم حسمى الث عشر ق. م على أقل تقدير. وكان قومها يتالث

وما ميتد منه إىل الشرق واجلنوب الشرقي من خليج العقبة. ورمبا وصلت إابن ازدهارها حىت حدود واحة العال احلالية يف مشال احلجاز.

، قيامه بدعوة أهل مدين إىل عبادة هللا وحده أما النيب شعيب عليه السالم الذي ذكر القرآن الكرمي فمن احملتمل توقيت عهده أبوائل فرتات ازدهار اترخيها القدمي.

وإذا كانت قصة النيب موسى قد دلت على اعتماد بعض قبائل مدين على حرفة الرعي، فإن دعوة خرى اعتمدت على النيب شعيب هلم ابلتزام األمانة يف الكيل وامليزان تعين أن بعض قبائلهم األ

االقتصادية. وكان موقع أرضهم يسمح هلم فعال ابالنتفاع بثالثة طرق معامالت التجارة يف حياهتاجتارية رئيسية: طريق يتجه حنو شبه جزيرة سيناء وجنوب فلسطني. وطريق يتجه انحية اجلنوب

بشعبتني يف اجتاه يثرب ومكة. وطريق اثلث شرقا حنو تبوك وتيماء. اليت انتشرت فيها قبائلجانب الرعي والتجارة كان يف اتساع املنطقة وإىل

(1/135)

مدين ما جعلها تنتفع كذلك بعدد من الواحات اخلصبة يف شئون الزراعة، ورمبا انتفعت أيضا بساحلها املطل على البحر األمحر يف النشاط البحري. وكانت أكرب واحات املنطقة هي واحة البدع

ما ينمو فيها وفيما ميتد منها إىل ساحل ةوتركزت حوهلا أهم مجاعات مدين. وأدت كثرة مياهها وكثر

البحر من األشجار وخنيل التمر والدوم، إىل اجتاه بعض املؤرخني املسلمني إىل ربطها ابسم األيكة مبعىن الغيضة أو الشجر الكثيف امللتف، واعتربوها على هذا األساس هي األيكة اليت ذكر القرآن

الكرمي أن أصحاهبا كذبوا املرسلني.ق بعض الباحثني الغربيني على فكرة الربط بني أرض مدين وبني األيكة فعال ولكنهم فسروا اسم فووا

اليت أطلقها بعض اإلغريق على امليناء Leukeاأليكة بطريقة أخرى، فاعتربوه النطق العريب لكلمة ىن عمبعين القرية البيضاء، وهو امل Leuke Komeالبحرية الواقعة يف أرض مدين حني مسوها

الذي يشبه اسم ميناء احلوراء أو أملج احلالية الواقعة إىل اجلنوب الغريب من واحة البدع. وال يزال التفسري األول أي: تفسري املؤرخني املسلمني لكلمة األيكة هو األكثر شيوعا.

اويفهم من قصص التوراة أن عداء أهل مدين للعربانيني بدأ منذ عهد موسى عليه السالم، وذلك مميكن تفسريه مبا أسلفناه من أهنم أتلفوا من قبائل عدة. رمبا صادقت إحداها موسى بعد أن تزوج

منها، بينما جاهرت القبائل األخرى قومه اليهود ابلعداء بعد أن خشيت منهم على أرضها وجتارهتا.ها جنواب على يوزاد عداء مدين لألسرائيليني حينما زادت أطماع هؤالء األخريين يف فلسطني وما يل

عهد ملكهم شاؤول يف هناية القرن احلادي عشر ق. م. وقد قاومهم املداينيون مقاومة شديدة حبيث ذكرت إحدى الرواايت أهنم متكنوا من بين إسرائيل سبع سنني.

وبعد قرون دخلت مدين يف طي النسيان، مث سيطر األنباط على أرضها بعد أن مدوا نفوذهم ن شرق األردن إىل مشال احلجاز. وعملوا خالل القرن األول ق. م على توسيع مالتجاري والسياسي

ميناء احلوراء وحتصينها. وال تزال املقابر اليت حنتت يف الصخر جبوارها خالل عصرهم تعرف ابسم مغاير شعيب وتشبهها بعض مقابر واحة البدع، كما تشبه بقية مقابر األنباط يف برتا ويف مدائن صاحل

هنا هتدمت إىل حد كبري.ألوال

(1/136)

اثنيا: قوم عاداعتاد الرواة واألخباريون األوائل أن يضربوا املثل يف القدم بعاد، واعتادوا على أن ينسبوا إليها كل ما

استعظموا شأنه وجهلوا أصله من أطالل القصور واآلابر وبقااي الصخور واألشجار القدمية أيضا. األخباريون يف بعض ما ذكروه عن قوم عاد على ما جاء عنهم يف القرآن و واعتمد أولئك الرواة

الكرمي، كما اعتمدوا على تفسري كتبة التوراة ومن أتثروا هبم.

ويفيد ما ذكره القرآن الكرمي عن قوم عاد أهنم عاشوا يف منطقة تعرف ابألحقاف }واذركرر أخا عاد إذر قاف مه ابألحر . وأهنم متيزوا إبرم ذات العماد }أملر تـر كيرف فـعل ربك بعاد، إرم ذات الرعماد، {أنرذر قـور

لها يف الربالد{، وأهنم كذبوا نبيهم هودا }كذبتر عاد الرمررسلني، إذر قال هلمر أ خوهمر اليت ملر خيرلقر مثـرنون ، هود أال تـتـقون إين لكمر رسول أمني، فاتـقوا الل وأطيعون{. وأهنم كانوا أويل أبس وقدرة }أتـبـر

تمر جبارين{ تمر بطشر . ورمبا كانوا بكل ريع آية تـعربـثون، وتـتخذون مصانع لعلكمر خترلدون، وإذا بطشرلك عادا األوىل، ومثود فما أبـرقى{. وأهنم عوقبوا جزاء كفرهم بريح ة قرييب الصل ابلثموديني }وأنه أهر

ء أتتر عل يره عنيفة أطاحت بكل ما كانوا فيه }ويف عاد إذر أررسلرنا عليرهمر الريح الرعقيم، ما تذر منر شير ميم{.لر إال جعلتره كا

ومل يعني القرآن الكرمي موضع األحقاف، وهلذا تعددت آراء املفسرين واملؤرخني املسلمني بشأهنا.وذهب بعضهم إىل تعيني أحقاف عاد مبنطقة األحقاف يف حضر موت وزكوا رأيهم مبا يعتقده بعض

نت تصدر كاأهل حضرموت من وجود قرب هود يف أرضهم ووجود بئر تسمى بئر برهوت رووا أنه عنها أصواات هائلة يف العصور القدمية وختيلوا أن هذه األصوات قوم هود املعذبني ولكن أضعف هذا

. ومنها أن الرواايت الشعبية يصعب التسليم هبا 4 - 138الرأي القدمي عدة قرائن نذكرها يف ص السالم يف أرضهم. ه دائما أو كامال دون دليل. فكما قال بعض أهل حضرموت بوجود قرب هود علي

قال بعض أهل شبه جزيرة سيناء: إن قربه يف أرضهم.وإىل جانب رأي من قالوا بوجود األحقاف يف حضرموت، قال رأي آخر: إهنا رمال مستطيلة بشحر عمان. وقال اثلث: إهنا حشاف من حسمى، واحلشاف هي احلجارة يف املوضع السهل. وقال رابع

قال خامس: إهنا اسم عام يطلق على أي منطقة إذا عظم رملها واستدار و أبهنا: اسم جبل يف الشام. ويقال له: حقف.

(1/137)

ويف اختالف هذه اآلراء ما يدعو إىل عدم التقيد برأي منها ما إال بعد متحيصه ووجود أدلة تؤيده.بالد. فاعترب بعض وربط القرآن الكرمي بني قوم عاد وبني إرم ذات العماد اليت مل خيلق مثلها يف ال

ينوها ابإلسكندرية اترة ودمشق اترة أخرى, واعتربها املفسرين واملؤرخني إرم هذه مدينة عظيمة وعبعض آخر قبيلة قوية، وكان من هذا البعض األخري املؤرخ بن خلدون الذي وجه إىل أصحاب الرأي

األول نقدا الذعا.

ب العقبة تنمو عليه الكروم وأشجار تشبه أشجار وجعل ايقوت إرم جبال عظيما يف داير جذام قر الرحالة القزويين أن قوم عاد عاشوا على هذا اجلبل الذي أصبح من منازل طي، الصنوبر. وذكر

وكانت توجد عنده بقااي متاثيل كثرية ومنازل عديدة.ابلفعل وأدت الكشوف األثرية احلديثة إىل الكشف عن بقااي عمران متسع فوق وحول جبل إرم هذا

وصه إىل القرنني األول والثاين امليالديني، شرقي العقبة، ومنها معبد أقيم فوق اجلبل ترجع بعض نصوأعداد من التماثيل ومن النصب اليت تذكر الالت والعزى. وقد ال تتيسر نسبة هذه اآلاثر إىل قوم

عاد إىل مشال شبه اجلزيرة عاد بصورة مؤكدة. لوال أن هناك أدلة أخرى تزكي نسبة هؤالء القوم، قومالقرآن الكرمي مجع بني عاد ومثود، ومثود مشالية فيما هو شائع، العربية أكثر من جنوهبا، ومنها أن

وجعل مواقع عاد قريبة من أهل احلجاز حني نزول القرآن فقال: }وعادا ومثود وقدر تـبني لكمر منر وا إذر جعلكمر خلفاء منر بـعرد عاد{.مساكنهمر{ وقال: }واذركر

الشعراء املبكرين بني عاد ومثود، وأطلقوا على مثود اسم عاد الثانية أخذا بقول القرآن وربط بعض لك عادا األوىل{ ومل يعرتض عليهم معرتض. -الكرمي: }وأنه أهر

ن الثاين امليالدي امسني يف مشال احلجاز ميكن هذا وقد ذكر اجلغرايف بطلميوس السكندري يف القر الذي يتشابه مع اسم عاد، واسم Oaditaeبني قوم عاد، ومها اسم شعب الربط بينهما و

Aramaua .الذي يتشابه مع إرم ورم وأرام وكلها أمساء تعاقبت ملسمى واحد ود قرب هود عليه ومال بعض املؤرخني احملدثني إىل تفسري ما تواتر لدى أهل حضر موت عن وج

ني كان يعز عليهم أن ظهر األنبياء بني العرب السالم عندهم أبهنم وغريهم من العرب اجلنوبي الشماليني دوهنم، فاعتمدوا على وجود اسم

(1/138)

األحقاف يف أرضهم ونسبوه إىل عاد، واعتربوا سكاهنا القدامى قوم هود، حىت ال تكون للعرب ىت ولو كان قوم هود هؤالء قد عوقبوا جزاء تكذيبهم له. وال يبعد مع هذا الشماليني ميزة عليهم ح

ني كانت فوهة بركان صغري اثئر، مخدت ثورته أن بئر برهوت اليت دارت حوهلا أساطري قوم هود املعذب مع مرور الزمن.

(1/139)

اثلثا: الثموديون نظرا ملا ذكره القرآن الكرمي عنهم. توافر للثموديني حظ كبري من الشهرة بني املؤرخني املسلمني

وملعرفتهم جبزء من أرضهم، وبقاء بعض آاثرهم حىت بداية العصور اإلسالمية )وما بعدها(. وكما سلك عاد. سلكه كذلك مع قوم لوط وأصحاب األيكة ومساهم األحزاب. ووصف القرآن الكرمي مثودا مع

ا مبعين الذين قطعوا صخر اجلبال وحنتوا فيه مقابرهم أو الثموديني أبهنم الذين جابوا الصخر ابلواد رمببنوا به بيوهتم. وذكر القرآن الكرمي العذاب الذي نزل هبم جزاء كفرهم بدعوة نبيبهم صاحل عليه

بحوا يف دارهمر جامثني{ وقوله: }إان أررسلرنا عل السالم يف فة فأصر مر الرجر يرهمر صيرحة قوله: }فأخذهترتظر{. واحدة فكانوا كهشيم الرمحر

م وأشارت النصوص اآلشورية إىل قدامى الثموديني ابسم مثودي منذ أواخر القرن الثامن ق. م واعتربهتمن أهل الربية، وذكرت أهنم وجرياهنم من األعراب مل أيلفوا اخلضوع للملوك وال للحكام. وليس ما

يكون أوائل مجاعات الثموديني قد ظهروا قبل القرن الثامن ق. م. بكثري ولكنهم كانوا مينع من أن وجتاوزوا عن يزالون على حال متواضعة من البداوة، حبيث جتاهلهم فيما بعد كتبة قصص التوراة

لتني ذكرهم بينما ذكروا بعض أمساء القبائل اليت جاورهتم يف البادية مثل قبيلة خااياب وقبيلة عيفة ال ذكرهتما النصوص اآلشورية مع الثموديني.

واتفق املؤرخون املسلمون على أن أهم داير مثود كانت بوادي القرى فيما بني احلجاز وبني الشام، السالم مر جبيشه على خرائب دايرهم يف احلجر وهنى عن دخوهلا رمبا لتأكيد كره ورووا أن النيب عليه

آابرها وعيوهنا قد مست بفعل فاعل لإليقاع ابملسلمني الذين كانوا الكافرين أو ألنه توجس أن تكون قد عانوا من شدة حرارة الصحراء يف طريقهم إليها. كما تناقلوا القصص عن انقة النيب صاحل عليه

لسالم ومكان خروجه ومكان حملها ... إخل.ااز أو العهد الذي بعث إليهم ولسنا على بينة من العهود اليت تزايد الثموديون خالهلا يف مشال احلج

فيه النيب صاحل عليه السالم. ولكن ميكم إجياز ما عرف

(1/139)

عنهم اترخييا يف أهنم أتلفوا من قبائل وعشائر متعددة وأهنم مل يكونوا دولة مستقرة واضحة املعامل، صة كانت مدينة وأهنم حني انتشروا يف مشال احلجاز وسيطروا على بعض أجزائه يف وادى القرى خبا

مدينة ظنها بعض املؤرخني القدامى مدائن صاحل احلجر من أهم احلواضر اليت عاشوا فيها، وهي احلالية نظرا لكثرة آاثرها املنحوتة يف اجلبال، ووضوح التدمري الذي حلق هبا، وارتباط امسها ابسم النيب

اليت تبعد عن مدائن صاحل بنحو عشرة صاحل. ولكن كثرة من الباحثني احملدثني حددوها ببلدة اخلريبةهي األخرى خراب كبري. وبنوا رأيهم على غلبة النصوص الثمودية اليت عثر أميال وقد أصاب آاثرها

عليها فيها، بينما رجحوا اعتبار مدائن صاحل من مناطق األنباط على أساس غلبة اآلاثر والنصوص دية قليلة.النبطية فيها وإن تضمنت إىل جانبها نصوصا مثو

صلوا يف مشال احلجاز بطوائف متحضرة قدمية وساعد الثموديني على االستمرار احلضاري أهنم اتفانتفعوا حبضارهتا ومنها طوائف ددان وحليان اليت أحاطت ببلدة اخلريبة، وعندما امتدوا إىل الشمال

رية يف شبه جزيرة أكثر انتفعوا ببعض حضارات جنوب فلسطني كما جاوروا امتداد احلضارة املص صلوا ببعض اجلماعات املتحضرة يف احناء اليمن.سيناء. وعندما امتد نشاطهم إىل اجلنوب ات

وكان من أهم ما استفادوا به حضاراي من هذه االتصاالت املتعددة، هو الكتابة خبط متميز اشتقوه ددان وحليان إن مل يكن عن أساسا من اخلط املسند اجلنويب الذي حيتمل أهنم تعلموه عن أهل منطقة

هبم اتصاال مباشرا يف شئون التجارة، مث طعموا هذا اخلط ببعض كتبة اجلنوب العريب الذين اتصلوا خصائص اخلط السينيائي املصري يف سيناء.

وأصبحت نصوص الثموديني هي الشاهد احلي على مدى انتشارهم، وهي نصوص قصرية سريعة، مناذجها ة من كانوا يعرفون الكتابة بينهم ألغراض التجارة. وقد وجدتولكنها كثرية تدل على كثر

خارج وادي القرى يف تبوك والطائف ويف قلب جند ومشاهلا ويف شبه جزيرة سيناء، ويف مناطق متفرقة من شرق األردن، ويف شرقي دمشق، ويف أطراف اليمن أيضا، وكل ذلك مما يدل على سعة انتشار

ا فيما قبل امليالد بقليل االهتم التجارية والسيما يف العهود املتأخرة يف الزمن نسبي قوافلهم وكثرة اتص وفيما بعده بقليل أيضا.

وشاعت بني الثموديني أمساء عربية خالصة مثل: سعد وقيس ومالك ووائل وزيد وأوس وعاصم وعمر وعقرب وواسط وكعب وحارثة، وسعدة ومسكة وسهرة وهانئة ... إخل.

(1/140)

كما وجدت بينهم أمساء قل استعماهلا قبيل اإلسالم ويبدو أهنم أتثروا فيها أبمساء من كانوا خيالطوهنم من اآلراميني وغريهم ومنها ثريت، ومهل، وبيب ... إخل.

ية، فقدسوا وأخذ الثموديون بتعدد املعبودات كغريهم من اجلماعات القدمية ذات الدايانت الوضعوبعلة ومناة ... إخل. ومن أجل إصالح هذه العقائد أرسل فيهم نبيهم صاحل، الشمس وودا وكاها

ولكنهم خالفوه.وظل لبقااي الثموديني كياهنم حىت غلب األنباط على وادي القرى، فتفرقوا ولكنهم ظلوا معروفني

دية طواف حول البحر اإلريرتي يف ابخالل القرون األوىل بعد امليالد، فأشار إليهم مؤلف كتاب الالقرن الثالث امليالدي وذكر أهنم انتشروا يف أايمه على ساحل صخري طويل ال توجد به خلجان

صاحلة حتتمي هبا السفن.ويبدو أن جيوش الروم ظلت تتقبل أعدادا منهم يف قواهتا املساعدة حىت القرن اخلامس امليالدي.

وبني قبائل ثقيف العربية. ولكن الثقفيني ني أواخر الثموديني أو نسلهم وأخريا ربط بعض النسابني ب أبوا هذه النسبة واستنكروها.

من املؤلفات املختارة يف دراسات الفصل:Branden, A. van den Histoire de Thamoud, Les Inscriptions

Thamoudeenes de Philby. 1950, Essai de Solution de Probleme

Thamoudeens, in BR, 1958 7-12, Studia Islamica, 1957,5-27 Hardings, L., Some Thamudic Inscriptions ... 1952

Iamme, A., Thamudic Studies, 1967 Jaussen et Savignac, op. cit

Littmann, E., Thamud and Safa, 1940 Musil. A., The Norethern Hegaz, 1926

Philby, J, The Land of Midian, 1957 Ryckmans, R., in Studia lslamica, 1956, 8 f., Museon. 1959.

177-189 winnett. F.V.. op. cit

جواد علي: املرجع السابق. واد ومدين وعاد ومثود.-دائرة املعارف اإلسالمية

(1/141)

الفصل الثالث عشر: من املمالك العربية املسقرة اوال: دولة ددان وحليان

... املمالك العربية املستقرة الفصل الثالث عشر: من أوال: دولة ددان وحليان

ملنورة بنحو قامت حاضرة هذة الدولة يف واحة العال قرب وادي القرى إىل الشمال الغريب من املدينة اكم، وامتدت منها يف عهود ازدهارها إىل ما حوهلا حىت قرب تيماء. واعتمدت اقتصادايهتا 328

ياة الباطنية يف واحة العال وخصوبة أرضها، وعلى التجارة نظرا ملوقعها القدمية على الزراعة لوفرة املرة بني معني على أطراف منطقة على طريق القوافل التجاري الرئيسي القدمي املمتد يف غرب شبه اجلزي

اجلوف اجلنويب وبني أطراف اهلالل اخلصيب يف الشمال.والشعب، وذكرته قصص من التوراة يرجع وأطلق اسم ددان يف بداية األمر على األرض والدولة

أقدمها إىل ما بني القرن التاسع ق. م. وبني القرن السادس ق. م.، كما تضمنته نصوص من الواحة د يرجع أقدمها كذلك إىل القرن السادس ق. م.نفسها ق

اكمة وبعد عهود يصعب تقديرها ورمبا يف القرن اخلامس ق. م. عرفت الواحة ودولتها وقبيلتها احلابسم حليان، وهو اسم احتفظ به بطن من بطون العرب حىت ظهور اإلسالم مث انصهر يف قبيلة هذيل.

على أساس االشرتاك يف املصاحل التجارية، ونزلتها جالية من وتوثقت عالقة حليان بدولة معني اجلنوبيةة خط املسند اجلنويب معني كما أسلفنا يف الفصل السادس، وانتفعت الواحة من هذه العالقة مبعرف

الذي تطور بعد حتويره إىل اخلط اللحياين وكان من أوائل اخلطوط املعروفة اليت كتبت هبا نصوص عالقات حليان جبرياهنا يف الشام عن طريق الرب، ويف مصر عن طريق الرب العرب الشماليني. واتسعت

عدة سنوات يف اخلريبة اجملاورة والبحر، حبيث وجدت يف حليان بضعة متاثيل عثران على بعضها منذللعال، أخذت ابألسلوب الفين املصري القدمي ويرجع اترخيها إىل ما بعد القرن اخلامس ق. م ويبدو

من حكام حليان أو أثرايئها قد أعجبوا أبمثاهلا يف مصر فانتدبوا فنانني مصريني قاموا أن أصحاهبا بنحتها من الصخر احمللي يف

(1/143)

خلريبة. ومجعوا فيها بني تقاليد الفن املصري يف جسم التمثال وبني املالمح وأغطية الرأس منطقة ا اللحيانية يف الرأس والوجه.

وتوثقت هذه العالقة بني حليان وبني مصر يف عصر البطاملة، ويبدو أنه قامت مفاوضة بينهما يف عهد يف أوائل القرن الثالث ق. م.بطلميوس الثاين

جر الواصلة إىل حليان برا وحبرا بطريق مباشر من ساحلها إىل إحدى املواين املصرية املقابلة خلروج املتاهلا على الساحل الغربيب للبحر األمحر، وهبذا يقل وصول هذه املتاجر إىل خصوم الطرفني األنباط

والسليكويني يف جنوب بالد الشام.ريق ميناء الوجه املوجودة يف منطقتها، وكان من أثر كت حليان يف جتارة البحر فعال رمبا عن طوقد شار

نشاطها البحري أن ذكر الرحالة بليين جزءا من خليج العقبة ابسم اخلليج اللحياين.وشاعت بني اللحيانيني أمساء عربية خالصة مثل: محد وعاصم وعنزة وأوس وعمر وحجر ومسلمة.

وث وبركة غوث وعبد ود وعبد مناةنسبوها إىل معبوداهتم القدمية مثل: زيد غوأمساء وظهر من أمساء ملوكهم أمساء: هناس بن شهر. وشامت جشم بن لوذان، ومنعى لوذان ..

ويبدو أن ازدهار حليان يف القرن الثالث ق. م, أطمع فيها حليفتها دولة معني اجلنوبية اليت كانت قد خالل القرن نفسه، وأصبح للجالية ة مزدهرة يف اترخيها، فمدت نفوذها إليها بلغت بدورها مرحل

املعينية فيها مكان الصدارة االقتصادية. وبعد أن كان يرأس الدولة ملوك من أهلها. توالها والة يتلقبون بلقب كرب وقد يشرتك اثنان منهم يف احلكم ىف آن واحد رمبا ليكون أحدمها رئيسا للحيانيني،

نويب، وأصبحت املنطقة أو واحتها تعرف أحياان ابسم ثل اآلخر مصاحل املعينيني وملك معني اجلوميمعن مصرن، وهو اسم أشران يف الفصل السادس إىل أنه قد يقلد اسم الدولة احلليفة وهي معني من

و انحية. وخيصصها بلفظ مصرن من انحية أخرى رمبا مبعىن املصرية على أساس قرهبا من مصر أ ة.تعاملها الواسع معها. أو مبعىن احلدودي

وغالبا ما يرجع إىل هذا العهد نص زيد إيل بن زيد ذلك التاجر املعيىن الذي ذكران يف الفصل نفسه أنه أقام يف مصر حىت دفن فيها، وكان يتوىل توريد البخور وملحقاته إيل معبد السربابيوم يف منف،

بد املصري بلقب الكاهن سوجات املصرية إىل بلده، وكما أكرمه املعويصدر يف مقابلة أصنافا من املن املطهر يبدو أنه منحه قرضا ليسدد به ديونه، على أن يعتربه مقدما لتجارة يستوردها

(1/144)

إليه. وتعهد زيد إيل ابلوفاء يف موعد معلوم كما وعد برصد جانب من ثروته لبعض املعابد املصرية.لالت وبعل مسني وذي غابة وسلمان وأخذ اللحيانيون يف عقائدهم بتعدد املعبودات مثل غوث واهم بعل مسني، أي: بعل السماء أو وكاتب أو سافر. ومن نصوصهم الطريفة نص ذكر أن معبود

سيدها، حرم أن ترتقي النساء صخرة عالية قام عليها معبده أو قام جبوارها. وإن كانوا يف الوقت انب الكهنة أفكل الرجال. وكان نفسه قد مسحوا بوجود الكاهنات أفكلت يف بعض املعابد، إىل ج

ة العال والزالت أطالله ابقية.هلم معبد حجري واسع توسط منطقة اخلريبة اجملاورة لواحواستمر اللحيانيون يف طريقهم احلضاري حىت امتد نفوذ األنباط إىل أرضهم وسيطروا عليها بعد أن

قرن األول قبل امليالد.ضعف شأن اللحيانيني وحلفائهم املعينيني يف محايتها، خالل ال

(1/145)

اثنيا: دولة األنباطكانت دولة األنباط أكثر اتصاال ببادية جنوب الشام منها بشبه اجلزيرة العربية، حيث قامت كربى عواصمهم يف برتا أو البرتاء يف شرق األردن، شأهنم يف ذلك شأن اإلدوميني الذين سبقوهم يف هذه

ناول طرفا من اتريخ األنباط هنا، مع اتريخ شبه اجلزيرة العربية بناء على تالعاصمة نفسها. ولكننا نثالثة اعتبارات، وهي: غلبة األمساء العربية بينهم، وامتداد نفوذهم التجاري والسياسي واحلضاري يف

مشال احلجاز. مث ضخامة اآلاثر اليت تركوها يف مدائن صاحل. ومغاير شعيب.بائل عربية األصل غلبت عليها يف مراحل نشأهتا حياة البداوة وحرفة الرعي، قكان األنباط كما قدمنا

وانتشرت بطوهنا بني جنوب ابدية الشام وبني مشال غرب شبه اجلزيرة العربية. ووصف املؤرخ ديودور الصقلي حال األنباط األوائل يف هذه املرحلة فيما قرأه أو مسعه عمن سبقوه أبهنم كانوا بدوا رعاة اليعرفون الزراعة وال يشربون اخلمر، وأرضهم أغلبها صخرية وعرة توجد هبا حبرية ملحة تصدر عنها

أخبرة حارة وتصعب اإلقامة جبوارها، ولكن توجد معها أراض أخرى كثرية األشجار والنخيل. وشجع انتشار األنباط حول طرق التجارة الربية الرئيسية على أن يتطلعوا

(1/145)

بها، فعمل بعضهم يف اإلغارة على قوافلها، وعمل بعضهم يف حراستها، وعمل بعضهم يف إىل مكاساملشاركة فيها مث االنفراد هبا. وأدى احتكاكهم بدولة إدوم يف جنوب األردن إىل أن يعتادوا على

ية وأن يستفيدوا بعض الشيء من احلضارة اآلراماالستقرار شيئا فشيئا، وأن ميارس بعضهم الزراعة، إىل أخذ اإلدوميون هبا. مث استغل األنباط ضعف هذه الدولة أمام اعتداءات العربانيني عليها وسيطروا على أرضها خالل القرن اخلامس قبل امليالد وحلوا حمل أمرائها يف حكم عاصمتهم اليت عرفت ابسم

عن هذا املعىن ، اليت تفصل بني واديني، وقد ترجم اإلغريقرقيم، واسم سلع الذي يعين الصخرةاألخري ابسم برتا فاشتهرت به وال تزال تعرف مبرادفه البرتاء حىت اآلن. وهكذا عمل األنباط بعد

استقرارهم يف الزراعة كما عملوا يف جتارة الرب، ورمبا تطلعوا إىل السيطرة على ما يقرهبم من جتارة أيضا. سكندر يف الشام وآسيا الصغرى منذ أواخر يهم نشاطهم يف جتارة الرب منافسة خلفاء اإلولكن جر عل

القرن الرابع ق. م. كما جرت عليهن قرصنة البحر وجتارته منافسة البطاملة حكام مصر يف العهد نفسه.

ر وعن هذه املرحلة يذكر ديودور الصقلي أن جيش أنتيجونوس أحد كبار القادة من خلفاء اإلسكندحمالفة البطاملة فأغار على عاصمتهم برتا وهنبها خالل يف الشرق أراد إرهاب األنباط وصرفهم عن

غياب رجاهلا عنها للغزو أو للتجارة أو لالحتفال بعيد ديين. ولكن األنباط القوا هذا اجليش يف م منهم عودته وأابدوا أغلب مؤخرته. وأعاد جيش أنتيجونوس الكرة عليهم بقيادة ولده لينتق

عات هبا وال يتيسر دخوهلا إال عن طريق ممر جبلي ضيق ميكن أن فتحصنوا مبدينتهم اليت حتيط املرتف حتميه القلة من الرجال. وطال حصاره هلم حىت صاحلوه على بعض اهلدااي فرجع عنهم.

م العرب وكان أقدم من ذكرهتم قصص التوراة من ملوك األنباط امللك حارثة األول، ووصفته أبنه زعيية األردن، وذكرت له شأان يف منازعات رؤساء العربانيني وقصدت بذلك العرب املقيمني يف ابد

بعضهم مع بعض.غري أنه مل يعثر حىت اآلن على نصوص نبطية صرحية إال من قبيل القرن الثاين ق. م. مث وضحت

تعددت معاركهم مع اجليوش أطماع ملوك األنباط للتوسع قبيل بداية القرن األول قبل امليالد. و ملكهم حارثة الثالث دمشق واستوىل جبيشه عليها، وسكت فيها عمله رمسية ابمسه السليوكية، وهاجم

ق. م. ولكن مل تطل إقامة األنباط فيها حيث اسرتدها الرومان منهم يف حوايل عام 85حوايل عام ق. م. بعد أن سيطروا على أغلب بالد الشام. 65

ارة اآلرامينيالتوسع األنباطي إىل أن استزاد أهله من حضوأدت فرتات

(1/146)

اليت عرفوها يف إدوم، وكانت دمشق من أكرب مراكزها، كما ساعدهم على أن يتذوقوا نعيم أهل احلضر. وكان خري ما تعلموه من حضارة جرياهنم هو حروف الكتابة اآلرامية اليت أسلفنا مراحل

هذا الكتاب، وكيف أصبحت ثاين من تطويرها على أيدي كتبة األنباط ومتيزهم هبا، يف الفصل ال أساسا فيما بعد الكتابة العربية.

وعلى حنو ما انتفع األنباط حبضارة اآلراميني انتفعوا كذلك ابحلضارة اهليلينستية اليت تعهدها السليوكيون يف سوراي. وعرف األنباط منها سك العملة، مث تطوروا بعملتهم واعتادوا على أن ينقشوا

م. ورمبا صوروا معها رءوس امللكات أيضا. أو صوروا مع رأس امللك رأس وس ملوكهعليها صور رء أمه إذا كان صغريا وكانت وصية عليه.

وامتد األنباط مع مسالك التجارة على ساحل احلجاز واستغلوا قوهتم مع ضعف بقااي أهل مدين د، وتركزت جالياهتم يف ل امليالواللحيانيني فسيطروا على أراضي هؤالء وهؤالء خالل القرن األول قب

حماط القوافل الرئيسية هبذه األراضي، وقد ذكران منها من قبل واحة البدع واحلوراء يف أرض مدين، واحلجر ومدائن صاحل وواحة العال يف أرض اللحيانيني.

ورمبا وعندما استتب أمر حكم الرومان يف بالد الشام أيقن األنباط أن ال سبيل هلم إىل مقاومتهم، ربوا إىل القائد الروماين أوكنافيوس إبحراق جزء من أسطول خصيمته كليوابتره. ورأى الرومان أن تق

يستفيدوا منهم فاستعانوا بفرقة حربية منهم ملعاونة يوليوس قيصر على التخلص من حصار املصريني محلة آيليوس منهم يف له يف اإلسكندرية، يف عهد امللك النبطي مالك الثاين، كما استعانوا جبماعة

Syllaeusجاللوس القائد الروماين على بالد اليمن، وصحبهم فيها الدليل صاحل، أوسلي أوسالء كما تقدم القول بذلك وقد عرف أحد معاوين امللك النبطي عبادة الثاين يف العهد نفسه ابسم صاحل

قبل لألنباط.خضعت من فعال، كما نزلت حامية رومانية يف ميناء احلوراء اليت كانت قد وظلت العالقات بني الرومان وبني األنباط يف جنوب الشام بني مد وجذر، فطورا يقتطع الرومان

أرضا من األنباط ويهبوهنا لليهود، وطورا جياملون األنباط ويزيدون يف أمالكهم. وعلى أية حال فقد وعملهم يف جيوشهم، إىل جانب ابلرومانازداد اتصال األنباط ابحلضارات اخلارجية نتيجة التصاهلم

ما كانوا قد اقتبسوه من احلضارات السابقة عليهم.وسجل الرحالة اسرتابون لألنباط مأثرة تذكر هلم، فروى عن فيلسوف إغريقي كان يرتبط به برابطة

الصداقة، أنه نشأ بني األنباط ورأى كثريا من

(1/147)

من املنازعات تدور بني أولئك األجانب على حني األجانب يعيشون يف عاصمتهم والحظ كثريا الحظ قلة املنازعات بني السكان األصليني وميلهم إىل حياة السالم رمبا لصاحل نشاطهم االقتصادي.

ت املتنوعة اليت اتصلوا هبا فيما تركوه من آاثر وعرب األنباط عما استطاعوا استيعابه من فنون احلضاراا يف األردن، ومنطقة مغاير شعيب وواحة البدع يف أرض مدين، مث مدائن معمارية حفلت هبا مدينة برت

صاحل إىل الشمال من واحة العال. ونكتفي هنا آباثر هذه املنطقة األخرية أي مدائن صاحل. وترجع رن األول قبل امليالد وبني القرن األول بعد امليالد. وتتمثل هذه اآلاثر أهم آاثرهم فيها إىل ما بني الق

حنو مائة مقربة حنتت وشكلت واجهاهتا يف السفوح اجلبلية ابملنطقة، وتفاوتت فيما بينها يف يفأحجامها ويف مدى فخامتها، وامتازت جمموعة منها متثل مقابركبار األثرايء ابلضخامة والروعة

ية شيء شاهبت واجهات القصور، وإن مل يوجد يف بيئتها من آاثر بقااي القصور الدنيو واالرتفاع حىتما يرقى إىل مستواها. وقد مجع طرازها املعماري وزخارفها بني األسلوب احمللي وبني أساليب مصرية

ة ابسم وهيلينستية ورومانية. وال زال أهل املنطقة يصرون على تسمية أمثال هذه املقابر الفخمة القدميالبنت، وذلك قصر أيب القصور، وذهب خياهلم يف تصور أصحاهبا كل مذهب، فهذا يف زعمهم قصر

البنت، واثلث قصر الصانع، ورابع أطلقوا عليه اسم اجمللس، وهلم جرا، أما النصوص النبطية اليت قابر تدل على نقشت على واجهات هذه املباين فهي ال ترتك جماال للشك يف كوهنا مقابر، ولكنها م

ما بلغه أهلها من تنعم وثراء وما بلغه عصرها من حتضر ورخاء.ويوجد يف نفس املنطقة معبد استغل األنباط له مغارة طبيعية يف جوف صخرة ذات قمة تشبه القبة،

أمتار( يطلق األهايل عليه اسم الديوان. وأخذ األنباط مبا 8×10×12وشكلوها على هيئة هبو كبري )... أغلب العرب قبل اإلسالم من تقديس هبل والعزى والالت وذي الشرى وشيع القوم أخذ به

إخل.وبعد هذا التاريخ احلافل، الذي تضمنت برتا يف األردن أضغاف ما تضمنته مدائن صاحل من آاثره.

بعد امليالد وسيطروا على عاصمتهم برتا يف 106قضى الرومان على اسقالل األنباط حواىل عام لنفوذ الروماين اإلمرباطور الروماين تراجان. وحتولت أرضهم بعد ذلك إىل جمرد والية خضعت ل عهد

وإن خصوها بعد ذلك هي Provinca Arabiaواندجمت فيما مسي ابسم الوالية العربية Arabiaواألراضي اليت تقع إىل جنوهبا ابسم منطقة برتا العربية أو املنطقة العربية الصخرية

Petraea، وبعد أن كان األنباط يؤرخون نصوصهم يف عهود

(1/148)

لوكهم وسنوات حكمهم، أصبحوا يؤرخوهنا ببداية تبعية دولتهم إلمرباطورية استقالهلم أبمساء م الرومان.

وعلى أية حال فقد انتشرت النصوص النبطية القصرية يف عهود استقالل أهلها مث يف عهود حكم دلت على سعة انتشار أصحاهبا مع مسالك التجارة، الرومان ألرضهم أيضا، يف مناطق كثرية متباعدة

يف أماكن متعددة من مشال شبه اجلزيرة العربية ووسطها وجنوهبا، ويف جنوب الشام، ويف فوجدتسيناء، ويف صعيد مصر، بل ووجدت نصوص قليلة يف انبويل وروما يف إيطاليا، وهذه األخرية نصوص

يف جيوشها. واصم اإلمرباطورية الرومانية أو خالل فرتات جتنيدهم رمبا تركها أصحاهبا تذكارا لزايرهتم لعوقد فعلوا نفس الشيء لبعض الوقت يف ظل اإلمرباطورية البيزنطية الشرقية اليت ورثت الرومان يف

حكم الشرق. وظل كيان األنباط واضحا حىت القرن الرابع امليالدي مث اندجموا بعد ذلك فيمن املناطق العربية وغري العربية.خالطوهم من السكان يف

يف دراسات الفصل: من املؤلفات املختارةAbdel- Aziz Saleh. Some Monuments of North- Western

Arabia in Ancient Egyptian Style, Bull, of the Faculty of Arts

Caro Univ., 28, 1970,1-31 Albright, W.F., Dedan, 1953

Branden, A. van den. Les Inscriotions Thamoudeennes. 1950

Histoire de Thamoud, Essai de solution de Probleme Thamoudeens BR, 1958, 7-12

Cantineau, j., Le Nabatenn, Paris 1931 f Cakel.W., Lihyan und Lihyanisch, 1953

Hammond Ph. C., The Nabataeans., 1973 Kennedy, A.B. Petra, its History and Monuments, London

1925

Krammer, A., Perta et la Nabatene, Paris 1929 Jaussen et Savignac, Mission Archeologique en Arabie, 4

vols, Paris, 1904-1920 Philby, The Land of Midian, 1955

Riddle, J. M.,Politcal History of the Nabatans.., 1961 Starcky, J., The Nabataens, 1955

Winnett. F.V., A Study of the Lihyanite and Thamudic Inscriptions. Toronto, 1937

(1/149)

الفصل الرابع عشر: من ممالك األطراف العربية أوال: مملكة احلرية

نسبت هذه اململكة العربية إىل تنوخ اترة، وإىل خلم اترة اثنية، ومسي ملوكها ابسم بىن نصر اترة واسم تسمية من هذه التسميات ما يربرها يف مرحلة ما من مراحل اتريخ املناذرة اترة أخرى, وكان لكل

دولتها.وهنا إىل ما بني ابدية العراق وكان لقبائل تنوخ دورها يف قلب شبه اجلزيرة العربية، كما انتشرت بط

وابدية الشام منذ القرون امليالدية األوىل. وتعني عليها خالل هذا االنتشار أن حتسب حساب دولة القوية اليت أشرفت على طرق التجارة يف الباديتني وحققت لنفسها شهرة كبرية جتاوزان عن تدمر

الشام لصلتها الوثيقة أبحداثها وثقافتها دراستها هذا حيث هي أقرب إىل الدراسة مع اتريخ بالد األرامية اليت مجعت بينها وبني أصوهلا العربية.

الفريقني، التدمريني والتنوخيني، مما انعكس صداه على ما ويبدو أن األمور مل تسر هيئة دائما بني اسم الزابء وبني صورته الرواايت العربية من تنافس ومكائد بني ملكة تدمر اليت أطلقت عليها جتاوزا

ملك تنوخ جذمية األبرش. وأحاط الغموض ابلتفاصيل الفعلية هلذا التنافس ال سيما وأن الرواايت تصويره وخلعت عليه ثوب األساطري. ولكن التاريخ قد سجل إيل جانب هذا العربية قد اختلفت يف

ا كان من شأنه أن يفسح م. مم273أن دولة تدمر أتت خامتتها على أيدي اجليوش الرومانية يف عام السبيل أمام التنوخيني ليحاولوا القيام بدور التدمريني وأن جبربوا حظهم مع الدولتني املتسيطرتني على

الشرق حينذاك ومها دولة الفرس الساسانيني ودولة الرومان.شئون ق مصدران. فذكر ودل على احلالة األوىل للتنوخيني. أي حالة انتشارهم يف ابدية الشام وابدية العرا

اجلغرايف بطلميوس السكندري يف القرن الثاين امليالدي اسم شعيب يشبه اسم التنوخيني وهو Tanuetiare or Thanuitae إمارات أو شعوب مشال غرب شبه اجلزيرة العربية. كما بني

عثر يف قرية أم اجلمال

(1/151)

بشرق األردن على نصب أقيم على قرب رجل يدعى فهر بن سلى تلقب بلقب مريب جذمية ملك تنوخ.

وكان امللك جذمية هذا الذي أشار النص إليه من أوائل ملوك تنوخ الذين احتفظ املؤرخون املسلمونهم الذي حيتمل أن يكون تاله عمر بن فهم، بذكراهم، وجعلوا من قبله على رائسة تنوخ مالكا بن ف

أو تاله جذمية نفسه. ولقبوا جذمية ابألبرش والوضاح ونسبوا إليه فتوحات واسعة، ووصفوه جذمية قب الرأي، نفسه. ولقبوا جذمية ابألبرش والوضاح ونسبوا إليه فتوحات واسعة، ووصفوه أبنه كان اث

أول من غزا ابجليوش، فشن الغارات على قبائل العزب. بعيد املغار، شديد النكاية، ظاهر احلزم، و ولو أن بعض األوصاف قد خلعت أيضا على غريه من كبار امللوك، أي أنه ليس من ضرورة إىل

ب العريب بذكراها.التسليم حبرفيتها. مث جعلوا هنايته يف مكيدة دبرهتا له ملكة تدمر واحتفظ األدلمني من أن ملك جذمية قد امتد فيما بني احلرية واألنبار وبقة وإذا صح ما رواه بعض املورخني املس

وهيت وانحيتها وعني التمر وأطراف الرب إىل الغمر والقطقطانة وخفية وما واالها، لدل ذلك على أن ليسمحوا هلم أبن يقيموا على أطراف قومه قد بدأوا حماولتهم مع الفرس يف عهده أو من قبيل عهده

العراق.ؤرخون املسلمون ما يعين أن هذه اإلقامة مل تتم بسهولة حيث ضاق الفرس بكثرة من أتت وأضاف امل

تنوخ هبم من العرب، فضيقوا عليهم حىت كره بعضهم اإلقامة، ومنهم قضاعة، فنزحوا، وبقي بعض ا عليه، وكان منهم خلم وترأسهم حينذاك ملوك بين نصر آخر عملوا على أن يثبتوا أقدامهم فيما نزلو

لذين جعل املؤرخون أوهلم عمرا بن عدي، واعتربوه من أقرابء جذمية وقد يكون بن أخته.اومع هذه الرغبة يف االستقرار أخذ عمران األنبار واحلرية يف االتساع، وكانت كل منهما مدينة حدودية

مداد من أجله فنشأت األنبار مبعىن املستودع كمركز حدودي إلدل امسها على ما أنشلت يف األصل

احلاميات العسكرية ابملؤن، منذ القرن امليالدي األول، مث اتسعت ودعمت أسوارها. وقامت احلرية بدور مشابه ففسر امسها اآلرامي حريته بنفس ما فسر به امسها العريب احلرية مبعاين املخيم واملعسكر

كما قدر هلا أن تصبح أكثر امة ... إخل ويبدو أهنا كانت أقدم عهدا من األنبار، واحلصن وموضع اإلق شهرة منها.

وصور انطالقة هؤالء القوم يف مرحلتهم الثانية لكي يتزعموا من حوهلم من العرب واألعراب ولكي الفرس يشغلوا يف ابدييت العراق والشام ما كانت تشغله من قبل دولة تدمر، ويستفيدوا من كل من

والرومان مث الروم، نص مللكهم

(1/152)

م، وجد منقوشا ابخلط األنباطي املتطور على نصب أقني 328امرئ القيس بن عمرو املتوىف يف عام فوق قربه يف منطقة النمارة إىل اجلنوب الشرقي من دمشق، وقيل فيبه عن صاحبه: إنه كان ملكا على

زاريني واملعديني، وشتت قبائل مذحج، وحاصر األسديني والن العرب كلهم وأنه أحرز التاج وحكم جنران مدينة مشر، ووىل أوالده على القبائل واستعان هبم الفرس والروم أو جعلهم فرساان للروم.

وقد أسلفنا يف الفصل العاشر. أن امرأ القيس هذا قد عاصر أواخر أايم ملك عرىب جنويب ال يقل عنه الث ملك سبأ وذوريدان، وكانت جيوش مشر قد انطلقت من مشر يهرعش الث اقتدارا وطموحا وهو

جنران إحدى قواعده العسكرية فتحالفت مع قبائل مذحج يف منطقة األفالج يف وسط شبه اجلزيرة العربية وعملت على التوسع يف املنطقة الشرقية على اخلليج العريب وأطراف العراق.

شتت قبائل مذحج حلفاء مشر يهرعش وحاصر هجومه املضاد فوعندما ظهرت قوة امرئ القيس شن جنران التابعة له. ولعله وجد العون أو وجد اخلضوع من قبائل عربية متفرقة مما مسح له أبن يدعى يف

نصه حكم قبائل أسد ونزار معد.رية ويف وشيئا فشيئا اكتفى اللخميون ابلوالء للفرس دون الرومان، وتقبل الفرس استقرارهم يف احل

ار وما حوهلما ليعدلوا الكفة يف مقابل ملوك الطوائف يف العراق، ويقوموا بدور الدولة احلاجزة األنب حلماية احلدود وقوافل التجارة من شغب أبناء عمومتهم من بدو الصحاري.

وجنح ملوك احلرية يف القيام بدورهم، وثبت أقدامهم ما يروى من أن يزدجرد ملك فارس قد ائتمن م على تربية ولده هبرام جور يف ظاهر احلرية، فرابه مع ولده 418 - 388ملك احلرية النعمان األول

املنذر، وقيل: إنه أدبه آبداب العرب، وكانت فرصة ذهبية لتقارب البيتني احلاكمني. وازدادت من

جرائها سلطة النعمان وزاد جيشه واتسع ثراؤه ونسب إليه إنشاء قصر اخلورنق.والؤه للفرس وشن الغارات ابمسهم على حدود أمالك الروم يف بالد الشام. وإن يف الوقت نفسه وزاد

روى بعض املؤرخني أنه زهد يف هناية حياته وتنسك وترك لولده املنذر ملكا مكينا. وعندما تويف م أراد عظماء الفرس أن يقصوا أوالده عن عرشه، فاستغل املنذر الفرصة421يزدجرد يف عام

جور وعاونه بفرقته العربية الضارية دوسر أو بفرقتني، على بلوغ عرشه، ومحد هبرام وانتصر لبهرامجور له هذه املبادرة وردها إليه مضاعفة وخلع عليه لقبني تشريفيني البد أهنما اعتربا مكرمة منه تزيد

، ومهشت اد سرور يزدجردمن مسعة املنذر بني الفرس والعرب ومها: رام أفزود يزدجرد مبعىن الذي أز مبعىن أعظم اخلول.

(1/153)

وأظهر عرب احلرية كفايتهم يف قتال جيوش الروم وحلفائهم، وحدهم اترة ويف صفوف الفرس اترة م الذي نسبه املؤرخون 554 - 512أخرى. وكان أشد ملوكهم ضرااب وجناحا املنذر الثالث

حثني أن اسم ماء السماء هذا حمرف ماء، ورأى بعض البااملسلمون إىل أمه ولقبوه بلقب ابن ماء السعن اسم ماوية أو مارية، كما أطلقوا عليه لقب ذي القرنني رمبا ألنه كان يرسل ضفريتني على جانيب

رأسه، أو لرغبتهم يف تشبيهه بذي القرنني نظرا التساع فتوحه مثله.عاما، 35ل م، أي خال554 عام حىت 519وتتابعت حروب املنذر على فرتات منقطعة منذ عام

ونستطيع أن نتجاوز عن تفاصيلها لنذكر ما يروى من أنه استطاع يف أوائلها أن يكتسح ابدية الشام من حدود العراق إىل أنطاكية، األمر الذي جعل قيصر الروم يوفد إليه رسله من القساوسة ليفاوضوه

يغروه ابالنقالب على الفرس ه بقبول اهلدنة أو يف إطالق بعض من أسرهم من قادته الكبار أو يقنعو واالنضمام إىل صفوفهم.

واتصلت أسباب املودة بني املنذر وبني ذي نواس احلمريي كما أسلفنا يف الفصل العاشر، وابتغى هذا األخري أن حيالفه، ولكن تصادف أن وصلت رسالته يف حضور قساوسة الروم عند املنذر ففسروها

وألبوا العامل املسيحي عليه. وعندما احتفل أبرهة احلبشى ابنتهاء ضد نصارى احلرية، أبهنا حتريض منه م.543العمل يف إصالح سد مأرب أوفد املنذر إليه مندواب عنه حلضور حفله يف عام

وهكذا خرج عرب احلرية بشهرهتم عن نطاق اإلقليمية والتبعية.ث إال عداؤها لفريقني من العرب وهم عهد املنذر الثالوالواقع أنه مل يفسد على دولة احلرية أمرها يف

الغساسنة وبنو كندة. فقد كان كل منهم أدرى حبرب اآلخر، وكل منهم يعرف عن أسرار الصحراء ودروهبا ما يعرفه اآلخر.

وكان على رأس بين غسان فيما يعاصر عهد املنذر، احلارث بن جبلة، ومل يكن أقل جرأة واقتدارا لألسف أكثر مما اتصلت بني الروم وبني الفرس، وعقد الروم والفرس صلت احلروب بينهما منه، فات

أكثر من هدنة وصلح، ولكن املنذر واحلارث مل يعرتفا هبدنة أو صلح، وكما غزا املنذر أرض الشام قتل غزا احلارث أرض اجلزيرة يف العراق، وهكذا أعمت املطامع بصرية هذين الزعيمني. وانتهى األمر ب

م يف موقعة حليمة أو موقعة احليار قرب قنسرين كما سريد تفصيله بعد قليل.554ام املنذر حوايل عأما قبائل كندة فقد غدوا حينذاك قوة خيشى أبسها يف قلب شبه اجلزيرة العربية كما سنتناول ذلك

وتوقعوا أن بعد صفحات، فاستغل الفرس طموحهم إلضغاف شوكة ملك احلرية بعد أن ارتفع شأنه، طموحه إىل اإلضرار يؤدي به

(1/154)

مبصاحل دولتهم أو اخلروج عن طاعتها، فرتكوه يستنفذ قواه ضد احلارث بن عمرو ملك كندة مث وجلأ املنذر إىل بعض -م524عزلوه، ووىل قباذ ملك فارس احلارث الكندي على احلرية يف حوايل عام

وذ كندة. مث اسرتجع حكم دولته بعد أربع له وخرجت عن نف القبائل العربية اليت بقيت على الوالء سنوات، وظل العداء قائما بينه وبني كندة بعد فشل احلركة املزدكية.

م الذي أملح األعشى 574 - 554وتعاقب على حكم احلرية عدة ملوك اشتهر منهم عمرو بن هند ىن جعدة. وكان قد يمامة من بالد بيف شعره إىل أن نفوذه امتد ما بني عمان وبني ملج يف أرض ال

استغل ضعف كندة فوسع نفوذه على حساهبا وحتاربت قواته مع متيم وطيء وتغلب وغريها.م امللقب بلقب أيب قابوس، واشتهر أمره عند 605 - 583واشتهر كذلك النعمان بن املنذر

بالطه مة خلقته، وكان املؤرخني العرب أبقاصيص كثرية ووصفوه بفصاحة اللسان على الرغم من دماجممعا للشعراء فمدحه املقربون إليه منهم وأمهم النابغة الذبياين وهجاه املبعدون عنه. وحاول أن ميد

نفوذه من البحرين شرقا إىل جبل طيء غراب. غري أن احلروب اليت شنها مل يكتب له التوفيق يف أغلبها ايت أن جيوشه اهنزمت أمام بين رى. فذكرت الرواسواء ضد الغساسنة، أم ضد القبائل العربية األخ

يريوع مرة، وأمام بين عامر مرة، وأمام تغلب مرة أخرى. وكذلك كان حظه سيئا مع كسرى ملك الفرس بعد أن أوقع خصومه بينه وبينه، فتمكن كسرى منه وسجنه، وتغرق أنصاره عنه، ومات يف

سجنه.د اختلف أوالده على احلكم بعد موته، م يف احلرية، وقكان النعمان الثاين هو آخر امللوك العظا

واستغل كسرى ملك الفرس اختالفهم فوىل على احلرية ملكا من غري أسرهتم وهو إايس بن قبيصة الطائي وكان من كبار عرب العراق الذين أقطعهم الفرس إقطاعيات واسعة، ووثق به كسرى كما وثق

م عاون جيوش الفرس ضد جيوش الروم 605ام ويل احلرية يف عبه النعمان نفسه وجعله انئبه، فلما ليثبت أنه ليس أقل كفاية من املناذرة يف نصرهتم، ولكن التوفيق جانبه يف عالقاته أبهل احلرية وجرياهنا

م خارجها، 614حبيث قيل: إنه أمضى أغلب عهده القصري الذي مل يزد عن تسع سنوات حىت عهده سواء بتحريض أنصار املناذرة أو الضطراب حدود العراق يف وجترأت القبائل العربية على

األمور يف فارس نفسها.وحدث أن نشبت حينذاك موقعة خالدة بينب عرب شبه اجلزيرة العربية وبني أعوان الفرس، وكان

إايس هو مندوب كسرى يف قيادة أعوانه من الفرس والعرب اخلاضعني له، فاهنزم هو وجنوده، وكانت لسمعة تهم مبثابة ضربةهزمي

(1/155)

فارس نفسها، ولعلها كانت من اآلايت املبشرة للعرب أبن االستبسال ميكن أن يعوض قلة العدد يف مقاومة إحدى الدولتني الكبريتني اللتني حكمتا الشرقني األدىن واألوسط يف ذلك احلني وهي دولة

الفرس.، وقص املؤرخون املسلمون من أخبارها أن النعمان اشتهرت واقعة هذه احلرب ابسم واقعة ذي قار

الثاين حينما ختوف من غدر كسرى به ترك بعض ودائعه من األموال واألسلحة عند هانئ بن مسعود الشيباين، أو هو هانئ بن قبيصه بن مسعود يف رواية الطربي، أحد رجاالت ربيعة وبكر بن وائل،

ى إايسا بن قبيصة عامله على احلرية أبن يسرتدها من فلما مات النعمان يف سجن الفرس كلف كسر هانئ فرفض هذا األخري أن يفرط فيما اؤمتن عليه. فأمر كسرى إبعداد جيش من الوالايت الفارسية

والعربية احلدودية وأمر عليه إايسا بن قبيصة كما ذكران.ة قليلة من احلرية. واستظهر وتالقى هذا اجليش مع قبائل بكر وحلفائها يف منطقة ذي قار على مبعد

الفرس وأعواهنم على العرب يف يومهم األول نظرا لكثرة أعدادهم وما استعانوا به من الفيلة، ولتهيب بعض العرب منهم، ولكنهم ما لبثوا حىت جزعوا من شدة اهلجري واحتمال تعرضهم للعطش فتقهقروا

جال يف شحذ العزائم، بل وصحت ضمائر وكانت بداية النصر للعرب فتبعوهم وشاركت النساء الر بعض القبائل العربية املظاهرة للفرس فاستعدت للتخلي عنهم حني جيد اجلد، ويف بطحاء ذي قار

توالت أايم قليلة وجليلة حتطمت فيها عزائم جيوش الفرس وأتباعهم من شدة هجمات العرب وشدة م. وعن 611م و 609رخني يف حتديده بني العطش حىت هزموا هزمية منكرة يف عام تفاوتت آراء املؤ

هذه املوقعة قال الرسول صلى هللا عليه وسلم: "هذا أول يوم انتصفت العرب فيه من العجم ويب نصروا".

وليس ما يعرف عن مصري إايس بن قبيصة بعد هذه املوقعة إن كان قد استمر على حكم احلرية لفرتة إخالص العرب حلكمه. وعلى أية حال فقد حكمت بعدها أم عزله كسرى بعد أن خاب أمله يف

م حبكم فارسي مباشر. ووليها فارسي يدعى آزادبة عجز عن 631 - 614عاما أو حنوها 17احلريةأن يبسط نفوذه على ما يف خارجها، كما انفسه يف عامه األخري شاب من نسل املناذرة يدعى املنذر

م.633م أو 632تح اإلسالمي يف عام ويلقب ابملغرور، مث أتت هنايتهما معا ابلفتلك كانت اخلطوط العامة لالجتاهات السياسية واحلربية لدولة احلرية. أما حياهتا االجتماعية، فأهم ما

يذكر هلا أهنا مجعت بني تقاليد العرب وبني رفاهة الفرس، فتتوج ملوكها ابلتيجان على عادة األكاسرة، مثلهم، واحتذوا الروادف أشبه الوزراء أو النواب، وفتحوا بالطهم وأمروا ابحلجاب بينهم وبني الناس

لألدابء

(1/156)

والشعراء. أما عاصمتهم فاتسعت هي وما حوهلا لطوائف شىت، من اللخميني أهل الطبقة العليا، واألحالف الذين حلقوا هبم، والعباد من النصارى، ومجاعات من أهل العراق األصليني، وجاليات

املظال ومضارب الشعر والوبر كبار من الفرس، فضال على أعراب الضاحية أصحاب وموظفني واألخبية الذين مل يسكنوا بيوت املدر يف احلرية وانتشروا حوهلا.

وتعددت احلرف بتعدد هذه الطوائف بني الزراعة والرعي والتجارة والصناعة ومنها صناعات النسيج .ب وسلوك الذهب، وصناعات احللي واألسلحة وما عداهااملتنوعة، وكان أفخرها يطرز ابلقص

وتعددت املذاهب الدينية بني الوثنية واجملوسية والزرادشتية الفارسية واليهودية واملسيحية. ووجدت املسيحية جماال رحبا بني هذه الدايانت وأخذت ابملذهب النسطوري أكثر من املذهب اليعقويب،

إىل لفظ عبد الذي وعرف أتباعها ابسم العباد أو العباديني رمبا نسبةوأقيمت من أجلها أديرة عدة،

يربط بني اإلنسان وبني ربه أو نسبة إىل كلمة عابد.وكان ملوقع احلرية واتصاالهتا التجارية والظروف اليت أدت إىل احتكاك أهلها بغريهم من اإلمارات

ة لعراقية واآلرامية السراينية والفارسية والبيزنطيواجلماعات سلما وحراب، أثر يف انتفاعها ابلثقافات افضال على العربية، وكان فيها كتبه كثريون يكتبون ابخلط الشرقي، وكتاتيب تعلم الصبية ويلحق

بعضها ابألديرة.ونسب املؤرخون املسلمون إىل ملوك احلرية كثريا من القصور، فنسبوا إىل أحد النعمانني النعمان

ا رد بعض الباحثني احملدثني تشييده إىل ين بناء قصر اخلورنق بظاهر احلرية كما تقدم، بينماألول أو الثاعصر أقدم من عصر استقرار اللخميني يف احلرية، مث زاد عليه ملوكهم، وقيل: إن بعض أجزائه وقبابه

قصر ظلت قائمة لفرتة طويلة يف العصور اإلسالمية بعد أن جددت أكثر من مرة, ونسبوا إليهم ا لفن البناء احلريي، ويتألف جملسه الرئيسي من إيوان السدير وميثل بقبابه الثالثة املتجاورة منوذج

حيف به كمان أو قاعتان، ونسبوا إليهم قصورا كثرية أخرى تتفق مع ما علموه عن ثرائهم وحتضرهم، نسبوا إىل أحد النعمانني ومل يرتكوا قصرا منها دون قصة أو أسطورة دارت حوله وميزته عن غريه. و

املشلوم، وقصة يوم السعد ويوم البؤس، وحتدثوا عن مقتل عبيد بن األبرص قصة سنمار البناء وجزائهيف يوم البؤس، وجناة حنظلة الطائي يف اليوم نفسه، وما إىل ذلك مما زخرت به كتب األدب العريب

لنواحي السيئة يف احلياة العربية قبل اإلسالم. وعربت فيه ابلشعر والنثر عن كثري من النواحي الطيبة وا ووا أنور

(1/157)

النعمان األول تنسك وساح يف األرض. وأن املنذر بن ماء السماء تنصر، وأن النعمان الثاين ولد من أم ذات أصل يهودي.

ني اخليال، وعلى اجلملة ظلت أايم ملوك احلرية جماال خصبا لرواة العرب ميزجون فيها بني الواقع وبعن ثرائهم ورفاهيتهم وقوة جيوشهم وقوافلهم، واتصاالهتم ابلدولتني الكبريتني نظرا ملا تواتر إليهم

دولة الفرس ابلتبعية ودولة الروم ابلعداء، وهي صفات مل يكن ينافسهم فيها من ملوك العرب الشماليني أكثر من ملوك بين غسان.

(1/158)

اثنيا: دولة الغساسنةام الغساسنة على أطراف جنوب الشام وما ميتد حىت منطقة اجلوالن جنويب دمشق، مبثل الدور ق

الذي قام به اللخميون املناذرة على أطراف العراق. أي: بتكوين دولة حاجزة ووسيطة على أطراف هدا من الروم البيزنطية وتنتفع منها وتعمل ابمسها، وكانوا أحدث عابدية الشام تدين ابلوالء لدولة

املناذرة بنحو قرنني من الزمان. كما كان أتباعهم أقل استقرارا يف حواضرهم من أهل احلرية. ورمبا كانوا أقل ثراء وبذخا أيضا من املناذرة، وأخذ املسيحيون منهم ابملذهب املونوفيسيت اليعقويب دون

النسطوري الذي أخذ به أغلب مسيحيي احلرية. املذهباملسلمون على القبائل اليت انتسب امللوك الغساسنة إليها اسم آل جفنة وآل ثعلبة أطلق املؤرخون

فضال عن آل غسان. وذكروا أن غسان كان اسم ماء نزلوا عليه فسموا ابمسه. وأضافوا أهنم نزلوا يف تدعى قبائل الضجاعمة، وهي من قضاعة، استخدمها الروم جنوب الشام جبوار قبائل عربية قوية

زنطيون يف محاية حدود أمالكهم الصحراوية، فخضع الغساسنة هلا حينا وأتلبوا عليها حينا حىت البيأجلوها عن مواضعها فتفرقت وورثوها يف أرضها ويف شهرهتا، وحينذاك أقرهم الروم على مكانتهم

ا خيصصون يعملوا ابمسهم على مناطق احلواف ويف قوافل التجارة. وكانو اليت حصلوا عليها بسيوفهم، ل هلم بعض موارد الشام املالية ليستعينوا هبا يف تقوية إمارهتم ونفقات جيشهم.

وذكر املؤرخون عددا كبريا من احلكام الغساسنة تراوح بني األحد عشر وبني االثنني والثالثني، وخلعوا ا أكثر من كن يذهب الرتجيح إىل أن عددا من حكامهم األوائل مل يكونو عليهم ألقاب امللوك. ول

مبعىن وال، ولقب Phylarchosمشايخ قبائل كيسار خلع البيزنطيون عليهم لقب Patrieius مبعىن أب أو بطريق

(1/158)

وهكذا كان شأن أواخرهم الذين مل يزد أمرهم عن كوهنم امراء أو شيوخا وإن أطلق عليهم الرواة ألقاب امللوك.

يط السياسي قبل أوائل القرن السادس امليالدي، وكان أشهر ومل يتضح شأن احلكام الغساسنة يف احمل عربية أبعماله منهم احلارث الثاين ابن جبلة، وولده املنذر.من احتفظت الرواايت البيزنطية وال

م. عاصر فيها اإلمرباطور 569 - 528طال حكم احلارث الثاين بن جبلة واحدا وأربعني عاما

يزنطة، واملنذر الثالث ملك احلرية، وكان كفئا هلذا األخري طموحا يوستينيانوس، أو جستنيان، يف بم، ليس فقط كممثلني للدولتني الكبريتني 528العام األول من حكمه مثله بدأ حروبه معه منذ

املتنافستني دولة الروم ودولة الفرس. ولكن للتنافس بينهما كذلك على السيطرة على املناطق اليت ومتتد فيما يرى نولدكه على جانيب الطريق احلريب من Strataزنطية عليها اسم أطلقت املصادر البيس إىل الشمال من تدمر. وتعاقبت االنتصارات واهلزائم بني اجلانبني وكانت ضاربة دمشق حىت سرجيو

عنيفة كما أسلفنا يف احلديث عن اتريخ املناذرة، وحبيث قيل: إن املنذر أسر ولدا للحارث يف عام وذحبه قرابان للعزى، وأسر احلارث ولدين للمنذر يف موقعة أخرى يف العام نفسه، واستمر م544

م، وقتل يف نفس املوقعة ولد آخر للحارث، 554ال هكذا حىت قتل املنذر قرب قنسرين عام احله ومع ما كان يف هذا التنافس من دمار مؤسف للقوتني العربيتني، ازداد سلطان احلارث مؤقتا يف أرض

لقاء وامتد نفوذه من جنوب األردن حىت الرصافة يف مشال ابدية الشام، واشتهرت من مدن دولته البوالصفا وحران. ولقب نفسه بلقب ملك وقيل: إنه تتوج بتاج عوضا عن اإلكليل الذي مسح الروم به

ي على لقبه واتجه ألسالفه، حىت ال تكون خلصومه املناذرة ميزة عليه، ورمبا أقره اإلمرباطور البيزنطلق هذا على االحتمال م ليستأذنه يف تعيني خليفته املنذر، ونع563حني زاره يف القسطنطينية عام

الختالف املؤرخني بشأنه.على أن الواقع أن العالقات بني الروم وبني احلارث الغساين مل تكن خالية من الشوائب دائما، فهو

أنه كان أيخذ ابملذهب املونوفيسيت اليعقويب ويناصره كما أسلفنا وإن أخذ وقومه ابملسيحية مثلهم إال روم، وكان يف هذا ما أاثر حفيظة بعض قساوسة الروم ضده وشكهم يف دون املذهب الذي يناصره ال

م 541والئه هلم. وقد اهتموه ابخليانة خالل اشرتاكه مع جيش بليزاريوس يف حرب الفرس يف عام ة بعد أن عرب معها هنر دجلة، إما عن أنفة من التبعية له يف اجليش أو حني تراجع عن صفوف احلمل

ني القائدين.نتيجة خلصومة شخصية ب م الذي ال ندري كيف مساه ابسم581 - 569وأعقب احلارث ولده املنذر

(1/159)

خصمه فتوالت حروبه مع النعمان ملك احلرية وتعاقبت االنتصارات واهلزائم بينهما كما حدث يفم. ولكنه مل يستمتع 570عهد أبويهما. فانتصر على اخلميني يف موقعة عني أابغ قرب الفرات يف عام

ني الثاين، ومل يكن يطمئن إليه فحرض عليه بنصره طويال حيث غدر به اإلمرباطور بوستينوس جوست

لكن املنذر استطاع وايل سوراي البيزنطي ليعمل على قتله، ومل يكن هذا الوايل أقل حقدا منه عليه، و النزوح جبزء من جيشه إىل البادية ورد للروم الصاع صاعني فأقلق حدودهم إبغاراته السريعة. وتشجع

روا على سوراي، األمر الذي جعل الروم يتساحمون مع املنذر يف أواخر املناذرة بغيابه عن امليدان فأغام وزاره املنذر الغساين يف 582م578الثاين عهد يوستينيوس الثاين. وعندما ويل اإلمرباطور تيبرييوس

م.580عاصمته أقره اإلمرباطور على لقب امللك ومسح له ابلتتوج مثل أبيه يف عام الطرفني يطل برأسه من حني إىل آخر. فحدث أن اشرتك املنذر مع وإىل وظل سوء الظن قائما بني

ولكي يثبت براءته مما نسب إليه أغار مع سوراي يف محلة فاشلة على العراق فرد الروم فشلها إليه، أعوانه العرب وحدهم على احلرية وأهلب فيها احلريق.

مومته، فقد اعتربوا جناحه يف هذه وإذا كان املنذر قد فعل هذا لريضي سادته على حساب بين عفيه إىل الغارة حتداي هلم ولفشلهم، وجنح أعوان اإلمرباطور يف هذه املرة يف القبض على املنذر ون

صقلية، وقطع املعونة اليت كانت بيزنطة تقدمها إىل دولته.. وكان على رأسهم وحاول أوالد املنذر الغساين أن يثأروا له فشبت املنازعات بينهم وبني البيزانطيني

أخوهم األكرب النعمان، الذي مساه أبوه ابسم خصمه أيضا، ولكن حماوالهتم مل جتد وتشتت مشل م ففقدت ملكها الواسع وهبط زعماؤها الكبار إىل مرتبة 584أو 583ة منذ عام أسرهتم احلاكم

جانب الفرس نكاية يف وقيل: إن بعضهم مال إىل -اإلمارة وترأسوا مناطق متفرقة من ملكهم القدمي الروم. وأضعف من آمال الغساسنة يف اسرتجاع جمدهم استيالء جيوش الفرس على بالد الشام يف

مل يكن من املنتظر أن يطمئنوا إليهم بعد عدائهم القدمي وحللفائهم. مث سنحت الفرصة م. و 613عام الفرس عن الشام يف عام للغساسنة من جديد بعد جناح جيوش هرقل قيصر الروم يف إجالء جيوش

م. ويبدو أن ساسة الروم أدركوا أن ال أمان لألطراف الصحراوية وقوافل التجارة الربية إال إذا 629دت الزعامة إىل أهلها من الغساسنة، ومن هنا ظهرت أمساء أمراء جدد عاصروا ظهور اإلسالم عا

ومنهم احلارث بن أيب مشر الغساين أمري مؤتة الذي أرسل

(1/160)

الرسول عليه السالم إليه مع شجاع بن وهب يف العام السادس للهجرة بكتاب يقول فيه: "بسم هللا رسول هللا إىل احلارث بن أيب مشر. سالم على من اتبع اهلدى وآمن به الرمحن الرحيم. من حممد

بقى لك ملكك". وأىب احلارث اإلسالم، وصدق. وإين أدعوك أن تؤمن ابهلل وحده ال شريك له. ي

فسري الرسول عليه السالم محلة ضده بقيادة زيد بن حارثة الكليب.ة، وقد عاصر الفتح اإلسالمي للشام. وقيل: إنه مث جبلة بن األيهم آخر األمراء الكبار من الغساسن

ؤرخني بشأهنا.أسلم يف عهد عمر بن اخلطاب مث ارتد عن اإلسالم ألسباب اختلفت رواايت املتنقل الغساسنة يف أايم ازدهار دولتهم بني أكثر من عاصمة، وذكر املؤرخون املسلمون من عواصمهم

على بعد عشرة أميال جنويب دمشق، واجلابية يف منطقة جلق اليت قد تكون جلني احلالية أو الكسوة اجلوالن والزالت البوابة الغربية لدمشق القدمية تسمى ابمسها.

أن حتضرت مجاعات بين غسان يف بالد الشام، أولت اهتمامها ملشروعات الري والزراعة وبعد غري أن أمور احلرب ومحاية واستفادت منها السيما يف إقليم حوران، حبيث ذكر هلا حنو ثالثني قرية.

القوافل وجتارة الوساطة ظلت هي الغالبة على أوجه نشاطها.ومراكز القوافل يف أايمهم مدينة بصرى عاصمة إقليم حوران، واشتهرت من مدن التجارة اخلارجية

من وقيل: إن الرسول عليه السالم قصدها للتجارة مرتني يف شبابه وقابل فيها حبريا الراهب. وكانت مراكز احلضارات اهليلينستية والرومانية القدمية.

اشتهرت بقديسها املسيحي مث مدينة الرصافة مشال تدمر. وقد جدد الغساسنة كنائسها وأديرهتا و وكان نصارى الشام يتيمنون به Sargio- Plorsمارسرجيوس الذي خلع امسه عليها فسميت

أطالل بواابت الرصافة القدمية وصهاريج مياهها وبصورته ويعمدون أبناءهم يف كنيسته. والزالت زمان عليها.قائمة. على الرغم من ختريب جيوش احلرية هلا أكثر من مرة، وفعل توايل األ

وانتفعت حضارة الغساسنة ابحلضارات الشامية احمللية والبيزنطية والساسانية فضال على ميوهلا العربية. موية فيما بعد حينما استكملت عناصرها املتعددة يف دمشق وما وكان شأهنا يف ذلك شأن احلضارة األ

الغساسنة واألمويني إىل اآلخر. حوهلا. وترتب على ذلك أن نسب املؤرخون املسلمون آاثر كل من ومن أشهر هذه اآلاثر قصران: القصر األبيض جبوار منطقة النمارة. وقصر

(1/161)

من هنر األردن حىت نقلت أحجاره إىل متحف برلني وأعيد املشىت وكان يقوم يف الناحية الشرقية تركيبها فيه يف أوائل القرن احلايل. ويذهب بعض املستشرقني إىل إرجاع املراحل األوىل يف بناء

القصرين إىل ما قبل استقرار الغساسنة يف الشام.انوا من أكرب أنصار بقى على ذكر األمراء الغساسنة يف التاريخ املسيحي ما أسلفناه من أهنم كوأ

مذهب الطبيعة الواحدة، أي: املذهب املونوفيسيت أو املذهب اليعقويب، وكانوا ينيبون عنهم نافرة.قساوستهم يف حضور اجملامع الدينية الكبرية اليت حاولت أن توفق بني املذاهب املسيحية املت

ياين الذي قصدهم بعد أن ختاصم وخلد ذكر أمراء الغساسنة يف األدب العريب، شاعران، النابغة الذب مع ملوك احلرية، فكان من لطيف وصفه هلم قوله:

وال عيب فيهم غري أن سيوفهم ... هبن فلول من قراع الكتائبسالم وحظي إبنعاماهتم، ووصف مث حسان بن اثبت الذي يرجع نسبه إليهم، وقد نزل بالطهم قبل اإل

ر أن نفوذهم كان اليزال ميتد يف أايمه بني حوران وبني نعيمهم وترفهم، حىت بعد أن خبا جنمهم، وذك خليج العقبة.

من املؤلفات املختارة يف دراسات الفصل: ،874 - 857ص - 1973يونيو -جملة العرب -خالد العسل: احلرية وعالقتها ابجلزيرة العربية

.935 - 924ص - 1973يوليو .1959القاهرة -ة عبد احلميد الدواخليترمج-ديسو رنيه: العرب يف سوراي قبل اإلسالم

.1962جملة كلية اآلداب جبامعة بغداد، -صاحل العلي: منطقة احلرية .1965ترمجه بريوت -فيليب حىت: اتريخ العرب

.1933بريوت ترمجة -نولدكه تيودور: أمراء غسان من آل جفنة .1936بغداد -يوسف رزق هللا غنيمة: احلرية

(1/162)

اخلامس عشر: مملكة كندة يف جند وما حوهلاالفصل لقبائل كندة اتريخ قدمي قد ال تتأخر نشأته عن نشأة اتريخ تنوخ. وقد امتدت أايمها حىت انفست

ء املناذرة والغساسنة يف عنفوان جمدهم. ولكن أحاط الغموض بتاريخ كندة أكثر مما أحاط بتاريخ هؤالاب، أمهها أنه مل تكتشف جلماعات كندة آاثر قائمة مهمة وهؤالء. ويرجع هذا الغموض إىل عدة أسب

أو نصوص وفرية، وأن وجودهم يف أغلب عهودهم يف قلب البادية أقصاهم إىل حد ما عن معرفة يوس املؤرخني الكالسيكيني والبيزنطيني فيما خال إشارات خمتصرة ذكرها عنهم كل من بليين وبطلم

فانيس، ويوشع.وننوسوس وبروكوبيوس، وماالالس، وثيو وهي يف جمملها إشارات حتتمل كثريا من اجلدل. مث إن أوائل املؤرخني واألدابء املسلمني الذين كتبوا

عن كندة وملوكها أتثروا إىل حد ما مبيوهلم القبلية، ونقلوا قصصها من مصادر متضاربة فخرجت تلطة.أخبارهم عنها متباينة خم

ألدابء املسلمني القدامى من مؤلفات هشام بن حممد الكليب واستفادت أغلب رواايت املؤرخني وااملفقودة اآلن لألسف وأخصها كتاب ملوك كندة وكتاب الكالب األول، وكتاب الكالب الثاين ...

عن ملوك إخل. كما استفادت أغلب الدراسات احلديثة عن كندة مما حققه املستشرق جوانر أو لندر .1927لفه املنشور يف عام كندة أو أسرة آكل املرار يف مؤ

مث نشرت يف األعوام األخرية بضعة نصوص سبأية ومحريية ألقت ضوءا جديدا على نشأة كندة وأرجعتها إىل عهود أقدم مما ختيله املؤرخون املسلمون عنها.ا مبا مبا حققه أو لندر منها. مث نعقب أخري وسوف نبدأ مبا أتت به املصادر اإلسالمية القدمية ونستعني

أضافته حديثا قراءة النصوص األثرية القدمية إىل املعروف عن اتريخ كندة.رد أغلب املؤرخني املسلمني كندة إىل أصل قحطاين، ورووا أهنا أقامت يف بداية أمرها يف شرقي اليمن

وغريب حضرموت، مث احتدمت املنازعات بينها

(1/163)

ت إىل الشمال. وتعاقب على كندة رؤساء لقبهم املؤرخون وبني احلضارمة إىل أن تركت موطنها ونزحاملسلمون أبلقاب ونسبوهم إىل جد أعلى يدعى ثور. واختلفوا يف حقيقة عددهم ويف مدد حكمهم.

للخميني ابلنسبة للفرس. يف عهد امللك وبعد أمد ما حتالفت كندة مع احلمريين لتكون هلم مثل ابع األكرب، أو ولده حسان بن تبع. فويل أحدمها كبريها احلمريي أب كرب أسعد امللقب بلقب ت

حجرا بن عمرو امللقب آبكل املرار على أرض معد فنزل ببطن عاقل بنجد. وأغار ببكر فانتزع ما د بلغ يف هذه النواحي وادي مأسل كان أبيدي اللخميني من أرض بكر. وكان أب كرب أسعد ق

صخرة فيه. اجلمح جنوب شرق الدوادمي. وسجل امسه علىوانتشرت كندة يف أرض جند وما يف مشاهلا وتصادمت مع الضجاعمة وحلفائهم الغساسنة على أطراف

الشام، كما تصادمت مع املناذرة على أطراف العراق.لقب املقصور رمبا هلبوط مهته وألن الظروف قصرت وويل بعد آكل املرار ولده عمرو بن حجر الذي

دون ملكه كله. حكمه على جزء من ملك أبيهفاكتفى مبناطق ربيعة ومعد يف جند وختلى عن اليمامة ألخيه، وعوض هذا القصور بصداقاته ووالئه

جلريانه احلمرييني واللخميني، وحماولته اإلغارة على أمالك الغساسنة.أشد بن عمرو الكندي يف هناية القرن اخلامس امليالدي كما يعتقد أولندر، وكان وخلفه ولده احلارث

صالبة منه. وامتد حكمه على قبائل بكر بن وائل اليت رغبت يف االحتماء بسلطانه حني نزحت هي وقبائل تغلب من أرض اليمامة حنو الشمال بعد أن مزقتها حرب البسوس، تريدان النزول يف البحرين

والعراق. فارس بعد أن أغار وسنحت الفرص لعلو شأن احلارث الكندي نتيجة ألمرين، ومها انتقال صيته إىل

اتباعه البدو على حدود العراق وحوافه الزراعية وفشلت جيوش احلرية يف إخضاعهم. مث رغبة امللك ه بعد انتصاراته الفارسي قباذ يف إجياد منافس قوي أمام املنذر الثالث ملك احلرية حىت ال تزيد أطماع

يفاوضونه يف فك أسراهم أو يغرونه األولية على الغساسنة. وبعد أن وصل إليه رسل قيصر الرومابالنضمام إىل صفوفهم أو مهادنة أنصارهم، كما سلف القول من قبل، ورمبا كتغيري يناسب احلركة

املزدكية يف فارس.حلارث الكندى على ما استوىل رجاله عليه من وذكر املؤرخون املسلمون أن قباذا ملك الفرس أقر ا

تقبله بنفسه عند قنطرةأطراف العراق، وأضافوا أنه اس

(1/164)

الفيوم قرب هيت يف العراق. وبعد أن اطمأن قباذ إليه عزل املنذر الثالث ووىل احلارث الكندي على أطراف فحكمها من احلرية أو من األنبار، وكان له أوالد كثريون والهم رؤساء على القبائل العربية منذ

كة احلرية بوجه خاص، وأسند إىل أكربهم حجر رايسة أن ذاع صيته يف البادية وخالل حكمه ململقبائل أسد وكنانة أو بين أسد بن خزمية وغطفان، وكانت أسد قبيلة كبرية تركزت يف جنوب جبلي

طيء على جانيب وادي الرمة وتوزعت بطوهنا فيما قيل بني املدينة وبني الفرات. فقبلت رايسته على ا وإمنا كان يقيم يف هتامة ويبعثث رسله ليجمعوا اإلاتوة منها. مضض حبيث قيل: إنه مل يكن يقيم فيه

مث تشجع مبا صارت إليه رائسته فشن هجمات خاطفة على حدود الغساسنة، وجترأ أخوه معد يكرب مبثل جرأته وكان يلي قيس عيالن فأغار على حدود فلسطني وأوغل فيها حىت أوفد قيصر الروم

ارث ليوقف شره.أانستاسيوس وفدا إىل أبيه احلوهكذا زاد شأن احلارث الكندي واستمر على حكم احلرية وما حوهلا، ولكن لفرتة قليلة ترتاوح بني

م مث مالبثت اآلية أن انقلبت عليه حني تويف ملك الفرس الذي 528-م525ثالث وأربع سنوات

ئل واستجمع قواه بينهم واله وعضده. وكان املنذر الثالث قد جلأ بعد عزله إىل بعض حلفائه من القبامث عاد ليسرتجع ملكه. ووجد التأييد من ملك فارس اجلديد كسرى أنو شروان الذي مسح له

ابستعادة ملك احلرية، وعزل الكندي ففر وتبعته جيوش املنذر، واختلفت الرواايت العربية فيما إذا كان أفلت منها أم قتلته.

القبائل اخلاضعة له ضد آله وبنيه حبيث قيل: إن تغلب وأدت هزمية احلارث أو قتله إىل أن انقلبتسلمت مثانية وأربعني فردا من أسرته إىل املنذر فأمر بضرب رقاهبم مجيعا. ونعاهم امرؤ القيس كثريا يف

شعره. وكان شر البلية أن تناحر أبناء احلارث بعضهم مع بعض حىت ذهبت رحيهم فقيل على سبيل رث يدعى شرحبيل كان حيكم قبائل بكر بن وائل وما واالها من قبائل املنطقة املثال: إن ولدا للحا

الشرقية اختلف مع أخر أصغر، له يدعى مسلمة كان حيكم قبائل تغلب والنمر بن قاسط. وزكى املنذر ملك احلرية الفرقة بني األخني، فتقاتال وأضعف كل منهما هيبة اآلخر، فتنمر هلما أتباعهما

أن قتل األول فيما يسمى يوم الكالب وهو ماء بني البصرة والكوفة، وفر الثاين، فكر وحلفاؤمها إىل املنذر ملك احلرية عليه جبيشه وقتل من اتباعه خلقا كثريا.

أما أسد فقد زاد حقدها على ولده حجر، وملا اشتد وعماله عليها متكنت من قتله والفتك أبهله يف ظروف اختلف الرواة يف تصويرها.

وهكذا تشتت أفراد أسرة آكل املرار وفت يف عضدهم أن ضعف شأن

(1/165)

م، فلم يبق هلم نصري خارجي ال من 525حليفتهم محري واحتل األحباش املسيحيون اليمن يف عام الفرس وال من اليمن وال من الروم وال من أنفسهم بعد أن فرقت املطامع صفوفهم. وكان حلجر عدة

مع شهرته يف الشعر. وكان أبوه فيما ذكرته امرؤ القيس الشاعر وكان مياال للهو أبناء أصغرهم هوالرواايت العربية قد تربأ منه يف حياته حىت يقلع عن هلوه وشعره ففارقه وظل على سفره وهلوه حىت

أاته نعيه وهو يشرب ويسمر يف دمون من أرض حضر موت فقال مجلته املأثورة: ضيعين صغريا ا، اليوم مخر وغدا أمر، واستنصر امرؤ القيس قبائل دمه كبريا، ال صحو اليوم وال سكر غد وحلمين

بكر وتغلب على بين أسد قاتلي أبيه. فاستعصم بنو أسد ببين كنانة مث تركوهم. وتعقبهم امرؤ القيس دث وتفرقت حبلفائه والتحم معهم يف معركة ضارية ولكنهم هربوا منه بليل. واكتفت بكر وتغلب مبا ح

عنه.

ملضي يف االنتقام ألبيه، فمضى يستنصر عرب العراق اترة وعرب اليمن اترة وأىب امرؤ القيس إال اأخرى، مث قاتل بين أسد مرة أخرى وظفر ببعض بطوهنم وقيل: إنه مثل هبا متثيال شديدا، مث أحل

ن امرئ القيس من قومه، اخلمر لنفسه. ولو أن شاعر بين أسد عبيد بن األبرص نفى يف شعره متك عض املؤرخني.وأخذ بروايته ب

وكان رؤساء احلرية ال يزالون يكنون البغضاء لكندة، فتعقبوا امرؤ القيس وشردوه ..... ، وتشجعت عليه قبائل أسد ومعد، وتفرق عنه أتباعه. ففر أبهله وأسلحته وماله وظل يتنقل هبم واملكائد تالزمه

أهنا كانت حتت رائسة قريب له من يء، وفزارة، مث ارحتل إىل تيماء ويبدوبني بين يربوع، وإايد. وطكندة يدعى قيس، وإن كانت بعض الرواايت قد اكتفت من قصته فيها أبنه أودع أهله ودروعه عند السموأل بن عاداي صاحب احلصن األبلق ورجاه أن يوصي به احلارث بن أيب مشر الغساين، مث قصد

ومحاة ... ومن هناك أوفده احلارث ره عن أنه مر فيها حبوران وبعلبك ومحصبالد الشام ومن شعالغساين بتزكية منه إىل قيصر الروم يف القسطنطينية، حيث مات فيها مريضا أو مسموما، أو مات

م من قبل أن حيقق هدفه، وأضافت الرواايت نفسها أن 540و530أثناء رجوعه منها يف فرتة ما بني طالبوا السموأل بودائعه فأىب، فحاصروا حصنه أو بعض أنصاره عندما حتققوا من وفاته بعض أعدائه

وقتلوا ولده، ولكنها اختلفت فيمن طالب السموأل وحاصره، إن كان احلارث بن أيب مشر الغساين، هم أو األبرد ابن عمه، أو احلارث بن ظامل حليف املنذر ملك احلرية. ونظر بعض املؤرخني احملدثني ومن

جهة نظر أخرى، فقدفنكلر ومارجوليوت إىل املشكلة من و

(1/166)

الحظوا أن شاع القصة وأشاد بوفاء السموأل مصدر يهودي يتمثل يف دارم بن عقال الذي قيل: إنه كان من نسل السموأل، وسعية بن عريس، وغريمها من رواة اليهود، مث األعشى الشاعر اجلاهلي،

أل قصة موضوعة استوحاها رواة شك حمتملة فرجح أن تكون قصة السمو ورأى فنكلر عالمات الاليهود هؤالء من بعض قصص التوراة وأشاعوها متجيدا لقومهم، مث رددها بعض اإلخباريني بعدهم

وأعجبوا هبا ملا اصطبغت به من روح الوفاء واإلابء احملببة إىل العرب.القسطنطينية ومصريه ال عند قصة ذهاب امرئ القيس إىل واعتاد الباحثون يف اتريخ كندة أن يقفوا قلي

فيها. حيث مل تذكر املصادر البيزنطية شيئا عن امرئ القيس هذا وال عن زايرته لعاصمتها من طرف صريح، وإن أشارت يف مناسبات أخرى متفرقة إىل أن أعوان القيصر كانوا يقربون بني مشايخ العرب

ون عنده يف أن يسمح هلم بزايرته ويشجعوهنم على زايرة بالطه أو يسعوملوكهم الصغار وبني قيصرهم يف عاصمته.

ويفهم من بعض هذه املصادر على سبيل املثال أن شيخا من شيوخ العرب الكبار يسمى امرأ القيس ارحتل من نواحي العراق إىل دومة اجلندل واختذها مركزا لغزو جنوب فلسطني وساحل البحر األمحر

مث اتصلت األسباب بينه وبني األسقف العريب بطرس ل العقبة واستوىل على جزيرة فيه. أو ساحفأقنعه مبهادنة الروم والسعي إليهم. وسعى له هو عند القيصر ليو حىت دعاه إىل القسطنطينية حوايل

م فزاره وتنصر، وأقره على أرضه ولقبه بلقب فيالرخوس. وليس المرئ القيس هذا صلة 473عام كثر من نصف قرن.رئ القيس الشاعر وهو يسبق عهده أبابم

واتصلت األسباب بني شيخ عريب آخر دعته املصادر البيزنطية أاب كرب وبني القيصر يوستينيانوس )جوستني( وكان أبو كرب يتزعم قبيلته يف جنوب فلسطني، وله واحة هناك كثرية النخيل تقرب هبا إىل

اب من معد كانوا يدينون خر بلقب فيالرخوس، وجاور أرضه أعر القيصر فقبلها منه ولقبه هو اآل ابلوالء للحمرييني، مما حيتمل معه أهنم كانوا من كندة. وأراد أن يستعني ابلقيصر ضدهم.

وذكرت رواية أخرى أن اإلمرباطور يوستنيانوس أرسل رسوال إىل مسيفع إشوع املسيحي عامل لى رايسة معد عن رئيس عريب يدعى قيس ويعاونه ع األحباش على اليمن، يدعوه إىل أن يصفح

إما -م ومل حتقق غرضها 531وكانت هذه السفارة قبل عام -ويتعاون معه على غزو أمالك فارس للخوف من فارس أو ألن مسيفع مل تكن له سيادة فعلية على معد حبيث يويل قيسا عليها.

(1/167)

ه من قبل من أن القيصر أانستاسيوس أرسل وفدا برائسة وذكر الكاتب البيزنطي نونوسوس ما أسلفناجده إىل احلارث ملك كندة ومعد بعد أن تعددت إغارات ولده معد يكرب على حدود فلسطني.

يقابل قيسا حفيد احلارث، ولعله بن معد كما أرسل القيصر يوستينيايوس وفدا برائسة أبيه أبراهام لخذ منه ولده معاوية إىل القسطنطينية كرهينة على وفاته. مث كلف يكرب، ليعقد حلفا معه، فقابله وأ

القيصر نونوسوس نفسه أبن يدعو قيسا الكندي إىل القسطنطينية فاصطحبه معه إليها مث أرجعه إىل طني. وليس قيس هذا بطبيعة احلال هو امرؤ القيس بلده بعد أن أقره على والية جزء من فلس

وفاته حبسرته قبل أن تتحقق أمنيته ابلعودة إىل بلده معززا مكرما. وإن الشاعر الذي ذكر املؤرخون افرتض بعض الباحثني احتمال صحبته لقيس هذا وهو من أبناء عمومته يف رحلته وعودته معه وإن

ناسوا ابن عمه.اهتم الرواة املسلمون بقصته هو وتة املكتشفة حديثا على بداية اتريخ كندة، أسلفنا أن مثة ضوءا جديدا ألقته النصوص السبأية احلمريي

وأن ما أضافته هو الرجوع هبذا التاريخ إىل أبعد مما ذهب به املؤرخون املسلمون وإىل ما حول ميالد الشماليني أكثر مما ارتبطت ابلعرب املسيح عليه السالم، وأن كندة ارتبطت يف نشأهتا ابلعرب

ني املسلمني، وأن اجلنوبيني كانوا ينطقون امسها كدة بدال اجلنوبيني على عكس ما رواه أغلب املؤرخ مشددة مما قد يعين أن امسها مل يكن من أمسائهم فحرفوه.

ي الثاين، ويرجع أقدم هذه النصوص إىل عهد شعر أوتر ملك سبأ وذوريدان يف أواخر القرن امليالدهة النفوذ احلبشي عن ساحل وهو ملك عمل أن جيمع مشل املناطق العربية اجلنوبية وأن يقضي شب

هتامة كما ذكران يف سياق الفصل العاشر. فتعددت معارك جيوشه يف حضرموت ويف ردمان وعلى ساحل هتامة اجلنويب ويف جنران.

نت قريبة من الفاو احلالية ونسبت إىل معبودها ومن جنران اجتهت قواته إىل قرية ذات كاهل ولعلها كاور مالك كدة وقحطان وهو ملك قد ينتمي إليه معاوية بن ربيعة ملك كاهل، وحاربت ربيعة ذو آل ث

قحطان ومذحج الذى ذكره نص من قرية الفاو أيضا.حظة أن وكان الرحالة بليين قد ذكر يف أوائل القرن األول امليالدي منطقة آل ثور هذه مع مال

رجال، وقد يكون معبودا قدميا املؤرخني املسلمني قد ردوا نسب ملوك كندة إىل ثور فعال واعتربوه عبدوه.

(1/168)

وذكر اجلغرايف بطلميوس السكندري اسم العاصمة ماؤوكسموس كعاصمة لكندة يف القرن الثاين امليالدي.

وابالستفادة من هذه املصادر جمتمعة وخبريطة بطلميوس اجلغرايف السكندري اليت أثبتها يف كتابه، ألوىل إىل ما يف مشال جنران يف منطقة األفالج والعارض اه بداير كندة ايذهب الرأي احلديث إىل االجت

وجبل طويق يف قلب جند. وإذا صحت قراءة قحطان اليت تضمنها نص شعر أوتر وذكر ارتباطها بكندة وخضوعهما معا مللك واحد يدعى ربيعة ومن بعده لولده؟ معاوية، فإهنا قد تعين منطقة ما من

لية اليت متتد بني مشال شرق جيزان وبني مشال جنران.ة يف خوالن الشماأرض قحطان الواسعوبعد جيل أو حنوه يف أوائل القرن الثالث امليالدي، روي نص من عهد إيلشرح خيضب وأخيه أيزل

بني ملكي سبأ وذوريدان خرب حرب شنتها قوات هذين امللكني ضد مالك ملك كندة وشعب كندة صة، وأسرت هذه القوات قادة كندة واحتجزهتم يف س بن عوف ملك خصاكدة ملؤازرته المرئ القي

مأرب حىت سلموا الغالم امرأ القيس مللكي سبأ وذوريدان وتركوا أبناءهم رهائن لديهما، وأدوا اجلزية والفدية من اخليول واإلبل واملتاجر. ورمبا قامت خصاصة هذه حليفة كندة قريبة من منازهلا يف مشال

إىل اجلنوب الغريب منها.القرب من بيشة و جنران، إىلوبعد قرن تقريبا ويف أوائل القرن الرابع امليالدي حتدثت نصوص مشريهرعش الثالث ملك سبأ

وذوريدان عن كندة ومذحج كأحالف له مث كأتباع له.ئيسية يف وكانوا يف احلالة األوىل ال يزالون يف منطقة األفالج يف قلب جند، ومثلت كندة القبيلة الر

تعاونوا مجيعا مع قواته على مهامجة أرض تنوخ يف املنطقة الشرقية على اخلليج العريب وما مذحج, و ميتد منها إىل جنوب العراق. ولكن ضربة مضادة وجهت إليه وإليهم يف أواخر عهده على يد ملك

واللهجة ابللغة اآلرامية تنوخ امرئ القيس بن عمرو الذي استشهدان مبلخص نصه العريب املتأثر قليال -النبطية يف الفصل الرابع عشر، ومبا ذكره فيه من أنه حاصر جنران مدينة مشريهرعش, وشتت

قبائل مذجح عن أرضها. وهاجرت هذه القبائل حينذاك ومعها كندة إىل دولة حليفها -حلفاءهنطقة أوسان مشريهرعش يف اجلنوب، وأصبح رجاهلا من فرق األعراب يف جيوشه. وأقطعهم م

ي القدمية فأصبحوا سادهتا حتت حكمه.ومضحاواستمر وضع مذحج وكندة هكذا يف عهود خلفاء مشريهرعش، فظهر رجاهلما بني األعراب يف جيوش

ايسر يهنعم الثالث وذرأ أمر أمين ملكي سبأ

(1/169)

ب يف جيوش أب م، كما ظهروا بعد حنو قرن من الزمان بني األعرا330وذوريدان يف حوايل عام كرب أسعد وولده حسان يهأمن يف محلتها على أرض معد يف وادي مأسل محح، ويف بداية القرن

اخلامس امليالدي.مريية القدمية والرواايت العربية معا قد نسبت إىل ومر بنا يف الفصل العاشر كذلك أن النصوص احل

ودا حربيا يف منطقة أحالف معد، ويف أب كرب أسعد وولده حسان يف فرتة اشرتاكهما يف احلكم جمهبعض نواحي احلجاز من انحية، وحىت الربع اخلايل يف أواسط شبه اجلزيرة العربية من انحية أخرى،

رجال مذحج وكندة. وابلربط بني هذا العهد وبني ما كان جيري خارج وأنه كان من بني قواته الراكبة

يني على حدود العراق, ووثيق صلتهم بفارس يف عهد حدود اليمن يتضح أنه كان يعاصر هنضة اللخمالنعمان األول. وهكذا يبدو أنه كان من أهداف محلة أب كرب أسعد اليت اصطحب معه فيها كندة

كندة يف الشمال حتت طاعة دولة سبأ وذوريدان أو محري أو يف حلفها، لكي ومذحج إعادة كيان إمارة ان أو محري أو يف حلفها، لكي ترأس قبائل معد العداننية وتقف ترأس قبائل معد العداننية سبأ وذوريد

يف وجه التوسع اللخمي املنتظر من انحية، وتؤمن الطرق التجارية املتجهة إىل جند واحلجاز وما من انحية أخرى.ورائهما

وهو ومن هنا تالقت النصوص السبأية القدمية مع الرواايت العربية اليت روت أن تبعا أب كرب أسعد يف طريقه إىل أرض العراق نزل أبرض معد فجعل حجرا بن عمرو الكندي ملكا هناك. وإذا كانت قد

اكهما يف احلكم معا لفرتة خلطت بني أب كرب وبني ابنه حسان يف هذا األمر فذلك يرجع إىل اشرت طويلة.

فس بني القوى الثالث وقامت كندة بدورها حىت الربع األول من القرن السادس م، وفيه احتدم التناالكبرية يف شبه اجلزيرة العربية وعلى أطرافها، وكل منها جند خلفها من يؤيدها، نعين بذلك مملكة

دها دولة الفرس، ومملكة الغساسنة يف عهد احلارث م وتؤي554 - 512احلرية يف عهد املنذر الثالث د احلارث بن عمرو بن حجر م وتؤيدها دولة الروم، ومملكة كندة يف عه569 - 528بن جبلة

م وتؤيدها دولة محري سبأ وذوريدان, وعن مرحلة من مراحل هذا التنافس حتدث نص 540 - 528 516مع مذحج وكندة يف عام يقع بني سبأي قدمي عن خروج قوات معد يكرب ملك سبأ وذوريدان

ذر ملك احلرية.م إلعادة االستقرار إىل منطقة بين ثعلبة ومضر بعد مشاكلهم مع املن522و وهكذا يتضح إىل أي مدى أفادت النصوص القدمية األصلية يف توضيح التاريخ العريب القدمي وحتقيق

ري هذا التاريخ وزادت حصيلته.قضاايه، وكلما زاد املكتشف منها ومتت دراسته كلما أث

(1/170)

من املؤلفات املختارة يف دراسات الفصل: هـ.1353-ترمجة بغداد - 1927-من أسرة آكل املرار أولندر )جوانر(: ملوك كندة .10، 6، 3جـ -مادة كندة-جواد علي: املرجع السابق

يف -الفاو ونقوشها عبد الرمحن األنصاري: أضواء جديدة على دولة كندة من خالل آاثر قرية .11 - 3، ص1جـ - 1979الرايض -مصادر اتريخ اجلزيرة العربية

.121 - 89ص - 2أوراق يف اتريخ اليمن وآاثره جـ يوسف حممد عبد هللا:Jamme. A., Sabaean Inscriptions from Mahram Bilqis,

Sabaean Rock Inscriptions form Qaryat al -Faw, Washington 1973

(1/171)

الفصل السادس عشر: انتقال مركز الثقل إىل مكة ويثرب...

قل إىل أواسط احلجاز يف مكة ويثربالفصل السادس عشر: حتول مركز الثمن معاين احلجاز فيما ذكرته املعاجم العربية معىن احلاجز بني الغور وهتامة وهو هابط. وبني جند وهو

السهل الساحلي املوازي للبحر األمحر فيما ميتد من اليمن جنواب إىل خليج العقبة ظاهر. أي بنيسلسلة جبال السراة هي العمود الفقري هلذا السهل, وقد مشاال، وبني مرتفعات هضبة جند. وتعترب

ختللت حافتها الداخلية عدة وداين من أمهها وادي القرى الذى متيزت من مدنه الرئيسية كل من ة ويثرب، بعد أن ورثت كل منهما نصيبا مما كانت تنعم به املدن القدمية الواقعة إىل مشاهلما مثل: مك

جر األنباط، مث مارست كل منهم هنضتها اخلاصة فيما بني القرن اخلامس مدين وحليان وحجر مثود وح وبداية القرن السابع للميالد.

جبلي حتوطه مرتفعات السراة اجلرداء، وتشتد وتقع مكة يف واد شحيح املاء والزراعة أشبه حبوض حرارته صيفا كما يشتد جفافه فيقلل أخطار أوبلة املناطق احلارة على أهله.

هي أال يكون للتنقيب األثري دور هام يف تتبع ماضي هاتني املدينتني، نظرا ملا حييط هبما من وبديرخيهما حىت اآلن على بعض املأثورات قداسة خاصة وحرمة دينية، األمر الذي يكاد يقصر مصادر ات

الدينية، والرواايت العربية. وبعض املالبسات اخلارجية.اترخيي بعيد تبعا لقيام البيت احلرام فيها، والذي قال فيه: }إن وقد خص القرآن الكرمي مكة مباض

عالمني{. ويبدو أن قدم هذا البيت مل يبدأ أول بـيرت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للر كما افرتض بعض ابلضرورة بعهد إبراهيم عليه السالم يف حوايل القرن التاسع عشر قبل امليالد

املؤرخني ومل يبدأ ابلضرورة أيضا منذ عهد آدم كما ذهبت إليه أقوال بعض املفسرين. وإمنا قد يكفي كنت منر ذرييت بواد فيه ما ينم عنه ظاهر قول إبراهيم عليه السالم: }ربـنا إين أسر

(1/173)

علر أفرئدة من الناس هتروي إليرهمر واررزقـرهمر من غرير ذي زررع عنرد بـيرتك الرمحر م، ربـنا ليقيموا الصالة فاجركرون{ ]سورة إبراهيم: عين قيام البيت احلرام فعال يف صورة [ ويف هذا ما قد ي37الثمرات لعلهمر يشر

توخى محايته وحرمته فأودع زوجته هاجر املصرية وولده أولية من قبل عهد إبراهيم, وأن إبراهيم إمساعيل يف رحابه. وذاك احتمال يزيد منطقية عما قيل من احتمال دعاء إبراهيم ابلدعاء السابق

بيعة احلال إال بعد أن انقضت على إسكانه أهله عقب بنائه البيبت ألول مرة. وهو أمر مل يتم بطمساعيل عن طوقه وعاون أابه يف البناء )انظر سورة البقرة: عنده سنوات طوال امتدت حىت شب إ

127.) ولعل البيت احملرم أو بناء الكعبة يف صورته األولية تلك كان هو املعين بتسمية البيت العتيق اليت

، إذا أخذت لفظة العتيق هنا مبعىن شدة القدم وهو الشائع 33، 29 ذكرهتا له آيتان من سورة احلج العتق والكرم واجلمال، كما تذكر قواميس اللغة. وإن كانت هذه التسمية قد إىل جانب معاين

انصرفت بعد ذلك إىل بقية صفات البيت الشريف واقرتنت هبا. ولعل احلجر األسود أو األسعد هو بيت العتيق، أو هو ما أمكن االحتفاظ به منه، ونتيجة لقيمته وندرته كل ما بقي من بنيان ذلك ال

ا من علو املكانة وإعزاز الرسول له، والعرب مث املسلمني بكافة، ابعتباره أثرا جليال اكتسب شيئ فريدا من ماض كرمي بعيد. وقد ال يكون من أبس بعد هذا الفرض املقرتح من النظر كذلك بعني

ات ي إىل بعض رواايت املفسرين اإلسالميني عن ماضي احلرم واحلجر وارتباطهما مبعجز االعتبار الروحمساوية ال تتطرق إليها الدراسات التارخيية عادة يف مناقشاهتا احلديثة، ولكن ال أبس معها يف الوقت

أنك ذاته من تذكر مقولة عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه عن هذا احلجر مبا معناه وهللا إين ألعلم يف ذلك أبدب اإلسالم حجر ال يضر وال ينفع، ولوال أين رأيت رسول هللا يقبلك ما قبلتك، متأداب

وأدب الرسول. وظل احلجر األسود على طول األمد عالمة مميزة لبداية الطواف ابلكعبة املشرفة.

م اجملاورة له، ويبدو أن عندما تقادم البيت العتيق وطال العهد به، وهجر ما حوله وطمست بئر زمز قامة قواعده من جديد، وإعادة تعمريه وانقطع هبذا رواده املؤمنون به أو كادوا، تطلب األمر اإلهلي إ

وإحياء شعائره. وتكفل إبراهيم هبذا وعاونه فيه ولده إمساعيل بعد أن شب عن طوقه, يف مثل قول اعيل ربـنا تـقبلر منا إنك أنرت الس الذكر احلكيم: }وإذر يـررفع إبـرراهيم الرقواعد م ميع ن الربـيرت وإمسر

الرعليم{. وغين عن الذكر أن بناء الكعبة قد جدد أو رمم بعد ذلك أكثر من مرة،

(1/174)

وشارك الرسول عليه السالم يف إحدى هذه املرات قبيل بداية بعثته الشريفة بقليل.راهيم مكان الربـيرت أنر ال ورمبا أوحى بنفس القدم البعيد للبيت قول القرآن الكرمي: }وإذر بـوأران إلبـر

رر بـير ئا وطه ركر يب شيـر [ وذلك 28 - 26يت للطائفني والرقائمني والركع السجود{ ]يف سورة احلج: تشرمبا يعين إهلامه أو إرشاده إىل موضع البيت الذي قام فيه، أكثر منه إىل املكان الذي سوف يقيمه هو

من أصنام وحمرمات.له أبن يعمل وولده على تطهري ساحته رمبا مما كان قد وجد عليها فيه، مث اإلذننا إنك أنرت التـواب الرحيم{. وهو وكان من دعاء إبراهيم وإمساعيل قوهلما: }وأران مناسكنا وتبر عليـر

تهما إىل ما غاب عنهما منها واملساحمة ما قد يعين بداية تشريع هذه املناسك، أو على األرجح هداي ائها.حني النسيان واخلطأ يف أد

أما عن نشأة البيت العتيق قبل أايم إبراهيم، وصورة بنائه، والقائمني ببنائه، فكلها أمور يصعب البت فيها برأي شاف يف ضوء املعارف املتيسرة عنها حىت اآلن. وحسبها إمكان تفسري أولوية هذا البيت

ي أفضلية متايز هبا عن ا عداه أبنه أول بيت وضع للناس على األرض لعبادة هللا خباصة. وهعلى ماملعابد أو بيوت العبادة يف الدايانت الوضعية القدمية واليت كان منها ما مسي ابسم البيت فعال، مع

احلضارات اختالف لفظه ابختالف لغة أهله, ونسبته إىل موضعه أو إىل معبوده الرئيسي يف كل من مية أيضا.املصرية واآلشورية والكنعانية واآلرامية والعربية القد

ومن املسلم به أن إبراهيم عليه السالم مل يكن أقدم الرسل واألنبياء الذين دعوا إىل تقديس هللا وحده األنبياء يف بيوت العبادة، وإمنا سبقه إىل مثلها، أو كلف مبثلها، أنبياء آخرون. وإذا كان قد اعترب أاب

م والتوراة أو العرب واليهود.فإمنا يعين هذا أبوته الشريفة البعيدة ألنبياء اإلسالولعل مثل هذه الفكرة بقدم كيان البيت عن عهد إبراهيم كانت من وراء قول بعض املفسرين

عند القدامى, ومنهم البخاري أبن إبراهيم جاء هباجر وإمساعيل وهي ترضعه حىت وضعها عند البيت تقبل بوجهه البيت ودعا بدعائه: رب دوحة فوق زمزم يف أعلى املسجد، وملا فارقهما ووصل الثنية اس

إين أسكنت من ذرييت بواد غري ذي زرع عند بيتك احملرم.وعلى أيه حال فإذا كان سياق البحث قد تطلب التطرق هنا إىل مسائل دينية أمكن التجاوز عن

صول هذا الكتاب، فإن اختالف التفاسري أمر مسموح به فيما ال ميس اخلوض يف أمثاهلا يف بقية ف الفرائض وجوهر العقيدة.

ولن نعيد هنا ما قامت به بعض كتب التفاسري والتاريخ من أتكيد صلة

(1/175)

إبراهيم وإمساعيل عليهما السالم مبكة واحلرم، وقصة الذبيح، دون إسحاق وبرية فاران اليت قال هبا عهد القدمي، إال إذا كانت تسمية فاران هذه تسمية عربية تطلق على مواضع منها مكة كما يهود ال

اعيليني نسبة أخذ بذلك بن منظور يف لسان العرب، وهو ما تزكيه كذلك تسمية التوراة للعرب ابإلمسلتكوين إىل أبيهم إمساعيل حيثما امتد نشاط قبائلهم من شبه اجلزيرة إىل جنوب الشام، مث قول سفر ا

: ملك الرب ها أنت حبلى -أي: هلاجر-يف صلة هاجر إبمساعيل: وقال هلا 11: 16من التوراة ا أمر إبراهيم ابلتضحية، فتلدين ابنا وتدعني امسه إمشاعيل ألن الرب قد استمع إىل مذلتك، وحينم

اببنه كان من املفروض أن يضحي ببكر أوالده وهو إمساعيل.غالة اليهود قد حاولوا التشكيك يف قدم اسم إمساعيل األب الروحي ونضيف هنا أنه كان بعض

للعرب، ومدى شيوعه يف العامل القدمي، فثمة ما يلقمهم حجرا يف وجود اسم يشمع إل مبعىن يسمع إمساعيل يف نص آكدي عراقي يرجع إىل أكثر من أربعة آالف عام، مث وجوده بعد ذلك يف هللا أو

بق العصر اجلاهلي والعصور اإلسالمية.نصوص نبطية وصفوية تستعددت اآلراء قدميا وحديثا يف تفسري تسمية مكة. على حنو ما تعددت أمثاهلا يف تفسري ما عداها من

ر من آراء اللغويني املسلمني ما عقد الصلة بينها وبني ألفاظ عربية مسميات املواضع القدمية. وظهداللة التقديس. ومنها: املتك وهو امتصاص املاء حني قلته. معينة تشبهها يف الشكل والنطق أو يف

وامتصاص الفصيل للضرع، ورمبا امتصاص الناس إىل مكان ما، واملتك وهو القدرة على إضعاف و املكان اهلابط بني مرتفعني. ورمبا املك أيضا أو املكاء وهو طواف بعض اجلبارين, واملكوك وه

اجلاهلني ابلصفري أو التصفيق.ملامل يكن يف كل هذه املشتقات ما يشفي الغليل، اجتهت آراء حديثة إىل عقد املقارانت بني اسم و

الشمالية. ومنها لفظ مكة وبني بضعة ألفاظ من لغات أو هلجات أخرى قريبة الصلة ابللغة العربية . وقد شابه هذا مكربة أو مكارابو يف اللغة العربية اجلنوبية مبعىن التقديس والتقريب وهيكل القرابن

اللفظ األخري ما أشار إليه الرحالة بطلميوس السكندري من وجود مدينة عربية تسمى ماكورااب

Macorabaمنتصف القرن الثاين . سبق إنشاؤها بطبيعة احلال العهد الذي عاش فيه وهو للميالد.

يفت كلمة رب واقرتح رأي آخر تقارب اسم مكة مع لفظ مك البابلي مبعين البيت حبيث إذا أض ليكون مكرب كان معناه بيت الرب، على سبيل

(1/176)

االحتمال.وإذا جاز عقد مثل هذه الصلة مع لغة أخرى من خارج شبه اجلزيرة العربية فال أبس من أن تضاف

إليها مقارنة اثنية، وهي وجود لفظ مكة يف اللغة املصرية القدمية ذات الصلة مبجموعة اللغات ة الوضع. وكما مل تكن اللغة البابلية غريبة متاما على ستخدامه مبا يعين احلماية وسالمالسامية، وا

إبراهيم عليه السالم مع ما قيل عن هجرته األوىل من جنوب العراق إىل جنوب الشام، فإن اللغة اليت املصرية القدمية مل تكن غريبة كذلك عن إمساعيل عليه السالم مع بنوته للسيدة هاجر املصرية

براهيم، وما قيل كذلك يف سفر التكوين من أن زوجته الثانية كانت اصطحبته إىل مكة يف رفقة إمصرية أيضا. وعلى أية حال فإن االستشهاد ابللفظني البابلي واملصري هنا ال يعين ابلضرورة أهنما

قد اشتق من اآلخر ميثالن مع لفظ مكة العريب مسمى واحدا، وال يعين أن أحد هذه األلفاظ الثالثة ا يكفي افرتاض اشتقاقهما مجيعا من مصدر سامي قدمي يصعب اآلن حتديده.ابلضرورة وإمن

ورادف القرآن الكرمي بني اسم مكة وبني اسم بكة يف اآلية اليت بدأان االستشهاد بنصها آنفا. وقال عادة بعض اللهجات العربية املؤرخون القدامى أبهنما يكوانن امسا واحدا بعد قلب امليم ابء على

مية ومنها هلجة هوازن. أو يتكامالن حبيث تعرب بكة عن الكعبة واملسجد، وتكون مكة هي ما القدحوله فيما سوى ذلك من بطن الوادي. أما من حيث االشتقاق اللفظي فقد قيل ابشتقاق بكة من

ة اآلرامية مبعىن البيت.بك األقدام حني التزاحم، كما قيل مؤخرا صلتها بلفظ بك يف اللغأوصاف مكة بعد ذلك يف املصادر العربية ومن أمهها فيما هو مشهور: أم القرى والبلد وتعددت

األمني والقادس واملقدسة والعرش وأم الرحم ... إخل.ومل جيد اإلخباريون واملؤرخون القدامى ما يقال عن سكان مكة األوائل من قبل عهد إمساعيل إال

شبه األسطوريني، الذين ردهتم أنساب التوراة إىل عمالق بتهم إىل العماليق وهم األقوام احتمال نسبن أرفخشذ بن سام بن نوح، على حد قوهلا. ويبدو كما روى املفسرون أن انكشاف بئر زمزم بعد

هبا على اختفائها وتفجرها ابملاء كرامة هلاجر وإمساعيل قد أغراي بعض اجلماعات العربية اليت كانت متر نت تتجاوزها من قبل لشدة جدب أرضها وشح مائها. وكانت جرهم النزول عندها بعد أن كا

القحطانية أو بطن منها من أوىل هذه القبائل، وقيل: إن إمساعيل أخذ عنها لغتها أو هلجتها العربية املصرية أيضا، وتناسل اجلنوبية إىل جانب لغة أبيه األمورية أو اآلرامية ولغة أمه املصرية، ورمبا زوجته

عشر له إثنا

(1/177)

ولدا ظلوا يلون أمر قومهم وخدمة البيت احلرام حىت انفسهم فيها أبناء خؤولتهم من جرهم بعد أن تالحقت بطوهنم إىل مكة، وأزاحوهم فتفرقوا حوهلا وأسفلها.

تهم إىل ظاهر ا خزاعة فأزاحومل يلبث اجلرمهيون بدورهم أن فاجأهتم هجرة لألزد من اليمن وعلى رأسه مكة كما أزاحواهم أبناء إمساعيل وبطون كنانة من قبل، وتفرقوا حوهلا ويف هتامة.

وويل عمرو بن حلي كبري خزاعة احلكم وشئون البيت. وألمر أو آخر نسبت الرواايت العربية إليه، أو نام واستقدم خل عبادة األصإىل عمرو بن ربيعة املعروف بعمر بن حيىي، أنه بدل دين إبراهيم وأد

بعضها من جنوب الشام. وعمل على إقامتها حول الكعبة، رمبا ليغري أتباعها بزايرهتا واالئتناس هبا كلما رحلوا إىل احلجاز، مع تقريب ما بينهم وبني شعائرها بعد أن قل وفودهم إليها اتقاء لبغي جرهم

القاصدة إليها.وقوافل احلج وما قيل عن تعديها على قوافل التجارة املارة هباوظل أمر خزاعة يف يدها حىت جنح قصي اجلد القدمي للرسول عليه السالم، يف فرتة ما من القرن

اخلامس امليالدي، يف تزعم قريش، وقريش بطن من كنانة، وكنانة من مضر، أو هي من قبائل هتامة، مة أو عاشت لفرتة قبل ول مكة يف هتاكما يقول النسابون. ويبدو أهنا عاشت قبل عهده متفرقة ح

ذلك يف مشال غرب احلجاز حيث اختلطت هناك ببقااي دويالته القدمية من اللحيانيني واألنباط ومن عايشهم يف أرضهم من جاليات املعينيني واحلمرييني اجلنوبيني، واكتسبت منهم بعض عناصر

الحرتافها التجارة، والتقرش ا مسيت قريشاحضارهتم. كما مهرت يف ممارسة التجارة حىت لقد قيل: إهن هو التجمع واالكتساب والتجارة.

ومثة نص للملك احلضرمي إيلعز يليط من حوايل القرن الثالث امليالدي حتتمل داللته على أن موكب امللك إىل احلصن امللكي أنود قد تضمن عشر نساء قرشيات. ولو صحت هذه القراءة لزكت قدم

نوب شبه اجلزيرة العربية أيضا.بعض بطوهنا جبقريش واتصال

وسلك قصي زعيم قريش سبيل السياسة أوال، فأصهر إىل زعيم خزاعة حىت إذا ما ارتفع شأنه وابن ضعفها انقلب عليها، ورمبا استعان عليها ببطن من قضاعة قد يكون من الغساسنة أو ممن واالهم.

بطن مر يف وادي فاطمة حيث انضمت ر فارحتلوا إىلوأجلى خزاعة عن مكة هم ومن واالهم من بكإليهم فيما بعد بطون من كنانة وخزمية بن مدركة وحالفوهم، وأطلق عليهم مع مر الزمن اسم

األحابيش مبعىن املوايل أو شيء من هذا القبيل، ورمبا عاش يف جمتمعهم مجاعات من أصول أفريقية ضمت رقيق التجارة واحلروب ومن إليهم.

وبدوا. وعاش حضرها يف داخل مكة واقتسموها مت قريش حضراوض

(1/178)

أرابعا، ومسح هلم قصي ابلبناء حول الكعبة بعد أن كان اجلرمهيون واخلزاعيون يقيمون على مسافة وكان -أي: املناطق املنخفضة-أو قريش البطاح -وهو واد مبكة-منها، وهؤالء هم قريش األبطح

من قريش خارج مكة وتوزعت يف الشعاب ر وأهل الثراء. وانتشرتت بطون أخرىمنهم أغلب التجا واملرتفعات، وهؤالء هم قريش الظواهر، وكان منهم أهل سطو وإغارة.

ومجع قصي بني رائسة احلكم يف مكة وبني شعائر احلرم، وويل أمر السقاية واحلجابة والرفادة واللواء. ة أمور الدنيا والدين يف فها. ولكنه مع ما اجتمع له من رائسوعمل على جتديد بناء الكعبة وتسقي

بلده، قد حافظ على التقاليد القبلية يف نظام حكمه، وأقام دارا للحكومة واملشورة عرفت، أو عرفت مثيلتها فيما بعد، بدار الندوة لتكون منتدى للمإل من قومه ورؤساء العشائر املشهود هلم ابلكفاية

ها يف املعامالت الكبرية وأمور احلرب وإقرار ا سن األربعني، وكانوا يتشاورون فيوالفضل ممن ختطو السلم وعقد ألوية البعوث. ورمبا عقدوا فيها عقود زواج أشرافهم أيضا. ولعلها أشبهت حينذاك

جملس املسود السبأي أو القتباين واملعيين القدمي. وقد بلغ من شهرهتا أن رأى فيها بعض املستشرقني ظيم اجلمهوري الذي جيمع بني خصائص االرستقراطية والكتاب احلديثني صورة من صور التن

وخصائص الدميقراطية، بل وشبيها إبكليزاي أثينا القدمية. وما لبث أبناء قصي وخلفاؤه أن اقتسموا خمتلف صالحياته الدينية والدنيوية عن تراض حينا وابلتنافس حينا آخر.

التجارة احمللية والعربية وكان من سلعها تاجها الزراعي والصناعي ابلتوسع يفوعوضت قريش قلة إناليت تتاجر هبا بني العرب: األدم والزبيب والصموغ والترب واحلرير والربد اليمانية والثياب العدنية

واألسلحة. وانتفعت يف ذلك ابألسواق الكربى اليت كانت تعقد ابلقرب منها يف مواقيت متعاقبة من

أسواق عكاظ وجمنة وحباشة وذو اجملاز وغريها.األشهر احلرم لضمان أمنها. ومنها ومنذ أوائل القرن السادس امليالدي سنحت الفرص أمام قريش وأهل احلجاز للعمل ابسم العرب

على نطاق واسع، وهم مبنأى عما تدخلت به وأدت إليه أطماع احلبشة والبيزنطني والفرس يف شئون يف هذا السبيل، وانتفعت فيه بتوسط موقعها يف رية وغسان. وقامت مكة ابلدور األكرباليمن واحل

قلب احلجاز وبعدها النسيب وحصانتها الطبيعية، وحرمتها الدينية ومنزلتها الروحية بني عرب الشمال وعرب اجلنوب، فضال على سابق خربهتا ابلتجارة والوساطة التجارية بني ممالك اليمن والشام.

(1/179)

ومن أجل تنشيط هذا الدور واخلروج به من دائرته اإلقليمية اجتهت بعوث رؤساء مكة إىل العامل اخلارجي لعقد املعاهدات التجارية مع الدول الكربى يف أايمهم. وهكذا نسب إىل هاشم بن عبد

املمثل له يصر الروم أو ملك غسان مناف أنه آلف ملك الشام، أي حصل على إيالف أو عهد من قيف جنوب الشام لتنشيط التعامل مع قريش وأتمني جتارهتا يف ممتلكاته، كما اكتسب مودة أحياء

العرب وأمراء الشام احملليني ال سيما يف أيلة وغزة والقدس حىت بصرى يف حوران إىل اجلنوب الشرقي من دمشق.

مع دولة احلرية ودولة الفرس ودولة نوفل واملطلب إيالفا وقيل: إن إخوة هاشم فعلوا ابملثل، فعقدسبأ ومحري وذي ريدان. وركز عبد مشس على إيالف احلبشة وشرق أفريقية. وهبذا اجتمع لقريش

إيالف رحلة الشتاء والصيف، رحلة الشتاء إىل اليمن واحلبشة، أو العراق، ورحلة الصيف إىل الشام. يضم ما يزيد عن األلفني. وأخذت هذه يضم ألف بعري, ومنها ماوقيل: إن من قوافلها ما كان

القوافل بنظام املشاركة حبيث يسهم فيها القادرون من األسر واألفراد، وقد يكون هلم فيه وكيل أو شريك أو أجري، حتت رائسة شخصية كبرية تقود القافلة وتعمل على محايتها.

ا أعدادا ممن كانوا يقيمون فيها وحدها وإمنا تضمنت معه ومل تقتصر مكة على بطوهنا القرشية الكبريةلفرتات مؤقتة أو دائمة من جتار احلبشة والفرس والروم، أو من أمالكهم. وكانت تفرض املكوس

والعشور عليهم وما يقابل أمنهم وخفارة متاجرهم. ولتشجيع نزالئها من حلفاء وموال وحجاج وجتار، يف رحاهبا قريب أو غريب، وال حر أو عبد، ف الفضول على أال يظلم أقام سادة مكة فيما بينهم حل

إال وكانوا معه حىت أيخذوا له حبقه من أنفسهم ومن غريهم. وقد امتدح الرسول عليه السالم فكرة هذا احللف وأثىن عليها.

قريش يف ومع توايل االتفاقات التجارية مع أقيال اليمن وأمراء اليمامة وملوك غسان واحلرية توسعتشرة ومتاجر الوساطة. وهكذا حتدثت الرواايت العربية عن خفارة قريش للطائم ملوك التجارة املبا

احلرية إىل عكاظ وكانت تتضمن املسك واملنسوجات وكثريا من املصنوعات. كما حتدثت عن بالد الشام تصديرها بضائع اليمن وما يصلها من اهلند من العطور واجللود واملنسوجات والسيوف إىل

عوضا عنها أنواع احلبوب والزيوت واخلمور واجلواري. حيث تستوردوكما انتفعت مكة بتجارة الرب انتفعت كذلك وإىل حد ما بتجارة البحر األمحر وما حيمله من متاجر

شرق أفريقية واحمليط اهلندي، عن طريق مينائها الشعبية اليت بقيت حىت عهد عثمان حيث سأله أهل أن ينقل الساحل منمكة

(1/180)

الشعبية إىل جدة لقرهبا منهم فأمر به، وكانت تقع يف جون من البحر ويصلها التجار والوسطاء البحريون من مصر واحلبشة والصومال، فينقلون املتاجر منها وإليها، كما كانت متري منها سفن الروم،

ارجية.ليمن وغريها من املواين اخلوأغنت هذه امليناء مكة عن أداء املكوس ملواين اومضت األمور سراعا يف مصلحة مكة وحلفائها لسد الفراغ التجاري الناشئ من تعاقب االضطراابت

م خالل الصراع بني أنصار الداينتني اليهودية 520السياسية والدينية يف بالد اليمن منذ حوايل عام فن الروم يف جتارة وحلفائها يف تعويض تناقص س واملسيحية والتدخل احلبشي فيها، مث فشل احلبشة

البحر على نطاق واسع، مع ختلخل أمن الطرق التجارية يف اهلالل اخلصيب بني العراق والشام خالل احلروب البيزنطية الفارسية.

ومل ينج ازدايد نشاطات مكة وحلفائها من العرب الشماليني من إجراءات مضادة ضمنية ومباشرة، احلبشة وبيزنطة.استفحاهلا، من قبل اليمن و لوأدها قبل

ومتثلت اإلجراءات الضمنية يف تزكية محالت التبشري ابملسيحية يف أرجاء اليمن وأتييد احلبشة وبيزنطة هلا. وبطبيعة احلال مل يكن يف انتشارها من أبس لوال أن رأت مكة يف هذا االنتشار ما يهدد

.مكانتها الدينية بني العرب اجلنوبينيمية كربى كنائس جنران وصنعاء حينذاك بتسمية الكعبة اجتذااب ملشاعر وقد سلفت اإلشارة إىل تس

العرب وصرف والئهم عن حرم مكة إليها. ومل تنجح هذه اخلطوة كثريا يف صرف العرب اجلنوبيني عن البيت احلرام ومقام إبراهيم، أو صرفهم عن عباداهتم الوضعية القدمية.

هرها هو ما روته بعض املصادر العربية عن محلة ضد مكة اءات العسكرية املباشرة فأشوأما اإلجر قادها من يدعى حسان بن عبد كالل من أقيال اليمن.

وقد أسر وابءت محلته ابلفشل.وكانت محلة أبرهة احلبشي ملك سبأ ومحري ضد مكة وحرمها املقدس يف عهد عبد املطلب بن هاشم

وقد أسلفنا يف الفصل العاشر أهنا قد تفسر بطموح ألكثر إعدادا وأشد وقعا. م هي ا570حوايل عام أبرهة إىل مد سلطانه إىل غرب شبه اجلزيرة ووسطها ومشاهلا، ورغبته يف استعادة سيطرة اليمن على شراين التجارة الرئيسي الذي أوشكت مكة، ويثرب، على احتكار مكاسبه، أو تفسر ابلتعصب

م واالستجابة 580 - 571رب البيزنطية الرابعة عشرة يف املشاركة بصورة ما يف احلالديين ورغبته فيها لدعوة الروم إىل التضييق على املصاحل التجارية ألعدائهم الفرس عن طريق ربط مصاحل الدولة

اء املسيحية اجلديدة يف اليمن ابلدولة الغسانية املسيحية يف جنوب الشام، ابعتبارمها مجيعا من حلف بيزنطة، وفشلت

(1/181)

محلة أبرهة مبا سبق التعقيب به يف الفصل نفسه، وعوضا عما طمع فيه من إضعاف مكة وهدم كعبتها، أصبح فشله فيها من عوامل ازدايد شهرهتا.

وعندما انقضى عهد والديه القصري، وجنح سيف بن ذي يزن يف إجالء األحباش عن اليمن مبعونة ئته.عبد املطلب شيخ قريش وفدها لتهن الفرس. ترأس

وقرن زايرته بتجديد اتفاقيات مكة التجارية مع كبار أقيال اليمن وأمراء اليمامة. كما جدد من انحية أخرى اتفاقياهتا مع ملوك غسان واحلرية.

وأضافت بعض املصادر العربية نبأ حماولة دبلوماسية استهدف البيزنطيون منها ضمان والء مكة أو أحد سادة قريش وهو عثمان بن احلويرث, وكان قد عدل عن تبعيتها السياسية هلم، حيث أيدوا

الوثنية وتنصر. فيكون ملكا على مكة من قبلهم. وروي أنه مجع كبار قومه ولوح هلم بقوة قيصر و الروم وثرائه، وسيطرته على جماالت التجارة يف أمالكه، ولكنهم رفضوا وعده ووعيده، ورفضوه ه

الروم وحاجة الشام إىل وساطتهم التجارية ما أجناهم من أي رد فعل أيضا. وكان يف بعدهم عن تناول خارجي مباشر.

ومع هذه التجارب ظلت قريش تؤثر احلياد بني القوى الكربى واملتنازعة يف عصرها، كي تضمن أمن

ف الطريق ما استطاعت بني جتارهتا وأمن حجيجها، ولكي يزداد املتعاملون معها. ووقفت يف منتص مال وعرب اجلنوب، وبني احلرية وغسان، وبني الفرس والروم.عرب الش

وليس كثريا ما ارآته البعض من أن اتساع األمهية الدينية والتجارية ملكة قد جعل منها ملتقى لقوى العرب املتفرقة وبداية جلمعهم يف إطار واحد ذي تقاليد قومية مشرتكة.

رجية، اتسعت مكة ألخالط كثرية من العقائد الوضعية ا احلضاري ونشاطها وأسفارها اخلاوحبكم طابعهوالعقائد الكتابية واحلنيفية، وأخالط أخرى من طوائف العرب واألجانب أحرارا وموايل وأرقاء

ومن وجواري، مما أثرى لغتها وثقافتها، وأشاع فيها عمالت وأوزاان وصناعات فارسية وبيزنطية ومينية.بناء قبطيا، أي: مصراي أو روميا ابلتبعية، يدعى ابخوم اشرتك يف إعادة طريف ما يروى أن جنارا أو

بناء الكعبة املشرفة بعد أن تطلب بنياهنا إصالحه قبيل عهد البعثة النبوية، فصنع هلا سقفا مسطحا مت هلا أخشاب سفينة حبشية يرتكز فيما روى األزرقي على دعائم وعمد. وكانت قريش قد استخد

ية دفعها الريح إىل ساحل الشعبية حيث عطبت فركب إليها مجاعات من قريش وأخذوا أو روم خشبها.

ومل يكن سالم مكة سالما مطلقا أو دائما، ومل تكن تستطيع أن تنأى بنفسها

(1/182)

عما حييط هبا من نزعات قبلية وروح جاهلية. فتعرضت حلروب متقطعة أرخت املصادر العربية أبايمها رة بسوء ما حدث فيها، ومنها حرب الفجار وعام الغدر، وقد انتهكت فيهما الشهر احلرم ذاهتا.تذك

لطارئة بغري أثر سيئ متثل يف اتساع اهلوة بني خمتلف ومل يكن ثراء املكيني وتنوع طوائفهم احمللية واشيئا فشيئا عن طبقاهتم، ويف جترب بعض رؤسائهم وشيوع املفاسد بني مرتفيهم. فضال على تباعدهم

الدين القومي وأخالقياته، وهو ما تصدت الدعوة اإلسالمية له فيما بعد ابإلصالح والتقومي والتغيري، خيرج حبثه عن نطاق دراسات العصور القدمية.ونشر التوحيد، وهو ما

مدينة يثربا، وابلتايل وفرة أرابضها ملدينة يثرب كيان قدمي كفله هلا تعدد أوديتها وعيوهنا وآابرها، وخصوبة تربته

ومزارعها، مع كثرة إنتاجها وسكاهنا كثرة نسبية، وأمهية أسواقها احمللية واملومسية، فضال على موقعها التجارة الرئيسية الربية والبحرية, وتعاملها ابلتايل مع متاجر اليمن ومصر والشام.قرب شرايني

سبخة، أمهها حرة واقم وحرة الوبرة وحرة قباء. وتقع يثرب يف مهاد من األرض ذات الابت أو حرار

وهي مفتوحة احلدود، وأقرب اجلبال إليها جبال أحد وعري، وسلع وسليع، وهي ذات ارتفاعات ينة.متبا

وانتفعت يثرب مبيناء اجلار يف عمليات التصدير واالسترياد املناسبة لعصرها القدمي، وكانت تصل إليها وشرق أفريقية واهلند ومصر, وبلغ من شهرهتا القدمية أن مسي الساحل وخترج منها بعض متاجر عدن

يكة احلالية الىت عمرت لفرتة ولعلها هى الرب -املمتد منها إىل خليج أيلة بساحل اجلار لفرتة من الزمن وجاورهتا جزيرة صغرية كانت ترسو عليها سفن احلبشة خباصة. وظلت -طويلة من العصر اإلسالمي

ىت حلت حملها يف األمهية ميناء ينبع.اجلار كذلك حوعثر يف جبل املكتب خارج املدينة على نصوص قدمية مل يتم حبثها بعد، كما عثر يف جبل الصويدرة

عدة منها على نصوص مثودية وصور حيواانت منقورة. وعثر يف داخل املدينة نفسها عن طريق على مبخة وغريها على بقااي عمران سابق مل يتيسر حتديد املصادفة وخالل حفر أساسات بعض املباين ابملنا

عهده. واحتفظ اإلخباريون املسلمون ملدينة يثرب أبمساء كثرية تراوحت عدهتا

(1/183)

يف مؤلفاهتم بني العشرة، واألحد عشر، والتسعة والعشرين، بل واألربعة والتسعني، وكانت يف أغلبها ه، بينما تصعب معرفة مدلول الكثري منها أو حتليله. وكان صفات قد يسهل تفسري القليل منها وتعليل

ن هلجتني ملسمى واحد كان يشغل جزءا من املدينة اسم يثرب من أقدمها، أو هو أثرب، وقد يكوانغرب مشهد محزة احلايل، مث عم عليها. ومن األمهية مبكان أن ذكر نص للملك انبوهنيد آخر ملوك

ن السادس قبل امليالد، اسم أتربيو يف هناية توسعه جبيوشه يف أرض اببل الكلدانية يف منتصف القر عواصم الطريق التجاري الكبري بني غرب شبه اجلزيرة وبالد احلجاز، وخالل حماولته السيطرة على

الشام. وحدث هذا التسجيل بطبيعة احلال بعد نشأة يثرب فيما قبل القرن السادس ق. م بعهود طويلة.

وص املعينية القدمية اسم يثرب أيضا، كما ذكره الرحالة بطلميوس السكندري يف وتضمنت بعض النص، وأشار إليه Iathrip- Pa or Jathrippeيالد، بصيغيت منتصف القرن الثاين للم

أي مدينة يثرب، وذلك مبا يدل على أهنا كانت Iathrippa Polisاسطفانوس البيزنطي ابسم ت به عما حوهلا من أراضي الزراعة ومضارب البدو. وأتيد هذا يف قد استكملت الطابع املدين ومتيز

عن هذا التحول، وتكون عربية األصل، إن مل تكن مشتقة من تسميتها العربية املدينة اليت قد تعربلفظ آرامي قدمي عرب العربانيون عنه بصيغة مدينتو أو مدينتا بنفس معناه العريب أو مبعىن احلمى.

م يثرب استحب الرسول هلا اسم املدينة وصفة طيبة أو طابة دون اسم يثرب وعندما دخل اإلسالالفساد أو التثريب أي املؤاخذة ابلذنب. وشاعت للمدينة صفات الذي قيل: إنه قد يعين معىن

أخرى من أمهها: أم القرى املدينة، واجلارة واجملرية واجملبورة. والبحرة والبحرية .. إخل.ها النسيب إىل كثرة عمراهنا، وأدى موقعها والظروف اليت مرت هبا إىل تعدد أدي خصب يثرب وثراؤ

صعب حتديد مسمياهتا األوىل، ومل جيد النسابون لديهم إال أن جيعلوا طوائف سكاهنا. وهي طوائف يمن أقدمها طائفة العماليق ذات الصيغة شبه األسطورية، كما أشاروا إىل بطون متأخرة من جذام وبلى

ومن قيس عيالن وغريها ظلت بقاايها خارج املدينة حىت العصر اجلاهلي، ورمباكانت يف وسليم غلبها غريها على أمرها وأخرجها منها. وفازت ابلشهرة أكثر منها قبائل ذات األصل بداخلها حىت

أصول قحطانية اختطلت ابلعداننية، وبقيت منها يف العصر اجلاهليطوائف األوس واخلزرج ببطوهنا ثرية. وجاورهتا طوائف عربية بقي منها يف العصر اجلاهلي أيضا بنو النضري وقينقاع وقريظة، وبطون الكها صغرية. ولعل ما يقال عن تداخل اجلماعات ذات األصول القحطانية والعداننية يف يثرب يشبه غري

عربية جنوبية معينية ما كانت احلال عليه قدميا يف حليان وتيماء وغريها من حيث نزول جاليات جتارية وسبأية يف أرضها لكي ترعى

(1/184)

املصاحل التجارية لدوهلا اجلنوبية، وملا طال املقام هبا اختلطت وتصاهرت مع السكان األصليني من العرب الشماليني ولكن النسابني ظلوا يردوهنا إىل أصوهلا القحطانية أو اجلنوبية األوىل من حني إىل

آخر.ينة حبماية حدودها وأرابضها ومزارعها بتحصينات صناعية متثل بيعي أن هتتم طوائف املدوكان من الط

أكربها يف اآلطام مجع أطم، وعرفت صغارها ابسم الصياصي. وبين بعضها من اللنب وبين بعضها اآلخر أبحجار صغرية أو كبرية، وزودت أببراج كما احتوت على آابر وخمازن حبيث حيتمي هبا أهلها

يوخ والنساء والصغار حني خروج رجاهلا إىل احلرب. وكما كانت ليثرب الغارة، ويتحصن هبا الش حنيحصوهنا العامة كانت لكل طائفة من سكاهنا حصوهنا اخلاصة نتيجة فيما يبدو لعدم خلوص نوااي

بعضهم للبعض اآلخر.

ا هلا ماضيا خيلو من الغرض, وختيلو واهتم رواة اليهود وكتاهبم بتاريخ طوائفهم يف يثرب اهتماما كبريا الق. م، أو بعد انتصار داود على 13بعيدا تباروا يف القول ببدايته منذ أايم موسى وهارون يف القرن

معارضيه يف القرانلعاشر ق. م، أو بعد سقوط مدينة السامرة اإلسرائيلية أمام الغزو اآلشوري يف عام ق. م, أو بعد قضاء 586عام ورشليم وهيكل سليمان يفق. م، أو بعد تدمري البابليني أل 721

م، أو بعد القضاء على 70القائد الروماين تيتوس على ثورة اليهود األوىل وختريب معبدهم يف عام م، أو هم قد مجعوا بني أشتات من كل 135 - 132ثورهتم الثانية يف عهد اإلمرباطور هادراين بني

وجد آذاان صاغية ممن أخذوا عن خلليط الكثري من اآلراء هؤالء. ومع وضوح الشك يف هذا ااإلسرائيليات وصدقوا رواهتا ابعتبارهم من أهل الكتاب والكتابة ال سيما وأنه مل تظهر لألسف لعرب

يثرب القدامى كتاابت أصيلة تتحدث ابمسهم حىت اآلن.و أغلبهم فيه أن يكون يهود يثرب أوافرتض بعض املؤرخني من القدامى واحملدثني رأاي وسطا. احتملوا

من العرب احملليني الذين قد يرتد نسبهم إىل اجلنوب، وأهنم هتودوا يف يثرب حينما بلغتها الداينة اليهودية بطريقة ما, شأهنم يف ذلك شأن من هتود من عرب تيماء وتبوك ووادي القرى وعرب اليمن

أيضا.يعرتفون ابلتلمود كله، وأن معارفهم يهود احملليني مل يكونواوزكوا هذا الفرض مبا قيل من أن هؤالء ال

الدينية كانت حمدودة حبيث أنكر عليهم بعض يهود الشام يف القرن الثالث امليالدي صدق يهوديتهم. ورمبا انضمت إليهم أشتات صغرية مهاجرة من اإلدوميني مثال بعد أن زالت دولتهم؛ حيث وجد رأي

كثرة كبرية، وإمنا قدر عدد رجاهلم يف إحدى . ومل يكن هؤالء وهؤالء ينسب بين قينقاع إليهم املناسبات مبا ال يزيد عن األلفني.

(1/185)

وكانوا يتحدثون بعربية تداخلت فيها ألفاظ ومسميات عربية اكتسبوها من التوراة أو ممن معهم من روض أن يتدارسوا فيه أمور دينهم اليهود الطارئني، وقام هلم بيت يسمى بيت املدارس, كان من املف

هبم عاشوا يف أحياء حمدودة وجمتمع مقفل عليهم. ويفصلوا فيه يف قضاايهم. ومع عربيتهم أو استعراوقد أسلفنا يف الفصل العاشر كيف ربط بعض اإلخباريني بني امللك أب كرب أسعد ملك سبأ وذي

داية القرن اخلامس امليالدي، ومرة ابمتداد ريدان وبني يهود يثرب مرة بدخوهلم إليها يف عهده يف بواحلجاز، ومرة برحلته إليها وهتوده، ومرة بتعيينه أحد أوالده نفوذه إليها حينما توسع يف نواحي معد

عليها حيث قتل بعد رحيله عنها ... إخل.يل العرم واعتربت الرواايت العربية األوس واخلزرج أخوين من األزد وقضاعة هاجروا إىل يثرب بعد س

يف أكثر من وخراب سد مأرب ابليمن، وهو توقيت غري حمدد بزمن صريح حيث خترب سد مأربعهد، وأصلح أكثر من مرة كما سبق التنويه بذلك يف الفصل الرابع. وهلذا تباينت آراؤهم يف توقيت

هذه اهلجرة ابلقرن الثالث أو أواخر القرن الرابع، أو يف القرن اخلامس للميالد.األوس واخلزرج رة أخرى أشاعت الرواايت العربية وما أتثر هبا أو وافقها من الرواايت العربية أنوم

اكتفوا يف بداية األمر حبياة متواضعة يف يثرب يف مقابل كثرة استغالل يهودها للتجارة والصناعة. يهود يف هذا وعمل بعضهم يف الزراعة وتعاقدوا يف حلف مع اليهود ليؤمن بعضهم بعضا. ووجد ال

يثرب, والقيام بدور احللف ما يزكي وجودهم ويكفل هلم معونة األوس واخلرزج يف الدفاع عن الوساطة بينهم وبني من حوهلم من عرب وأعراب.

وشيئا فشيئا أثري األوس واخلزرج وحتسنت أوضاعهم. ورأى بنو قريظة والنضري احليلولة دون استبدوا هبم. وانكمش األوس واخلزرج زمنا حىت استنفر استفحال أمرهم فأهدروا حلفهم معهم و

وسعى معهم إىل إحراز السيادة. -أو عمرو بن النعمان-العجالن مهمهم زعيم اخلزرج مالك بنويبدو أنه حالف بطوان من قضاعة يف غسان أو يف غريها من جنوب الشام، ورمبا حالف بعض

ليهود قبل أن يعتصموا بصياصيهم وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، احلمرييني أيضا، مث فاجأ بقومه وحلفائه اختام القرن اخلامس امليالدي أو بعده بقليل. ورأى بعض املؤرخني ومنهم وساد هو وقومه يثرب يف

إلفنسون أن هزمية اليهود حينذاك يف يثرب كانت انعكاسا هلزميتهم يف اليمن، وأهنا متت يف احلالني بناء ي احلبشة يف اليمن، وبناء على حتريض مسيحي غسان يف يثرب. ورأى آخرون على حتريض مسيح

الحظ هنا أن هزميتهم يف يثرب سبقت هزميتهمالعكس. وي

(1/186)

يف اليمن. واستبعد مؤرخون آخرون أثر التحريض الديين يف يثرب وقصر أسباب النزاع بني العرب والرغبة يف االستئثار ابلسلطة. واليهود حينذاك على تضارب املصاحل االقتصادية

امها وحصوهنا. وانتشر وبعد النصر زاد األوس واخلزرج من عمران يثرب ومسعتها، وزادوا من آطاخلزرج يف بقاع خصيبة من العوايل يف جنوب وشرق يثرب, بينما انتشر اخلزرج يف بقاع أقل ثراء يف

األجزاء الوسطى والشمالية منها.

اية األمر متحدي الصفوف، مث ساءت العالقات فيما بني قبائلهم الرئيسية، وعاش عرب يثرب يف بدياسي وحدهتم، حيث أخذ األوس على اخلزرج استئثارهم ابلسيادة وفرق التنافس االقتصادي والس

السياسية، بينما أخذ اخلزرج على األوس استئثارهم أبهم النواحي االقتصادية.جيج انر الفتنة بني الفريقني وأتليب فريق منهما على فريق. وعمل اليهود من حني إىل آخر على أت

زرج, وظل أغلب النصر فيها للخزرج حىت هزموا يف وهكذا تكررت أايم احلروب بني األوس واخلحرب بعاث اليت سبقت هجرة الرسول إىل يثرب بنحو مخس سنني. وقبيل وصوله إليها كان األوس

ن النعمان، بينما أعاد اخلزرج تنظيم صفوفهم برائسة عبد هللا بن قد مجعوا كلمتهم برائسة أيب عامر ب رب كلها.أيب سلول وأعدوه ليكون ملكا على يث

وكما تنافس األوس واخلزرج واليهود خفية وعالنية يف يثرب، تنافست مكة ويثرب يف شئون التجارة تغلب فيها العداننية، -كما سبق القول عنها-واالقتصاد وزعامة عرب احلجاز. وكانت أوالمها

ل القحطانية وجدب الرتبة، وثراء التجارة اخلارجية، وحرمة البيت، بينما غلبت يف يثرب األصو اخلليطة وخصب الرتبة وكثرة اإلنتاج من النصيب األقل من التجارة اخلارجية,

من املؤلفات املختارة يف دراسات الفصل: .1965القاهرة -اهلية وعصر الرسول أمحد إبراهيم الشريف: مكة واملدينة يف اجل .1975بريوت -سعد زغلول: يف اتريخ العرب قبل اإلسالم

.1973-األنصاري: آاثر املدينة املنورة عبد القدوس .1967القاهرة -علي حسين اخلربوطلي: الكعبة على مر العصور

.1972ورة املدينة املن -نور الدين السمهودي: خالصة الوفا أبخبار دار املصطفى

(1/187)