الرؤية الحضارية في دراسة السيرة النبوية عند عبدالحليم...

15
1 الرؤية النبوية السيرةة في دراسةلحضاري احليم عويس عند عبد ال بقلم: أ. د. مسعود فلوسي أستاذ بتنة ـ الجزائر جامعة با عويس رحمهحليمذ الدكتور عبد الستا إن ا" 3491 - 1133 " ص في ، الذي تخص وكتب فيه رسالتيهميسريخ التا دراسة ا نال بهمالتين الجستير والدكلما اه، إضافة إلى توراحداث يكن مجرد مؤرخ يرصد اوسعة، لم أخرى بين موجزة وم تاريخيةسات عدة دراف إلى ذلك بعداا أو عدمه، وإنما أضا إثبات مدى صدقه على ترتيبها ويحرص على ويعملث وتفسيرها وبيانحدايل ا وهو تحلمي، أسريخ التاحثون في الباتم به ا اه ما آخر قلي أس والسنةييس القرآنمية خالصة تعتمد مقا وجهة نظر إستائجها من بابها ونيلتحل في ال والتفسير. في عويس رحمهحليمذ الدكتور عبد الستام اأتي إسهاطار ي في هذا ا السيرة حقلو إسهام النبوية، وهة فيميسرية الحضا الرؤية ا نطلق عليها متفردة يمكن أن تميز برؤية د النبوية السيرة راسة باعتبارها كيب المصطفى تنظر إلى سيرة الحب رؤية كلية ، وهي السيرة، فيلحضاري رؤية ترصد البعد اث جزئية متفرقة، إنها وليس مجرد أحدا متكام إلى صنع حضارة جديدة متفر تهدف إنما كانتلة النبي باعتبار أن رسا دة بخصائصها، تبدأناس جميعا وتشمل اللة يعم خيرها حضارة متكاملدولة، لتنتهي بإقامةء الفرد، ثم بنا بتربية ا برحمته البشرية جمعاء ا وإنسانيتها. " رسول الل في ظ.." مبكرة دراسة ورؤية واضحة: حليمدكتور عبد اللت المبكرة لسا من الدرا عويس؛ز الذي كتبه الموجز المتمي كتا به عنوان النبوية بعن السيرة" رسول الل في ظ" لكتاب سنةر هذا ا ، ظه3491 عن دارلقاهرة،م في اعتصا ا المتوسط،ن الحجمي مائتي صفحة م ف ولم ي مرة أخرى بعد ذلك، طبع

Transcript of الرؤية الحضارية في دراسة السيرة النبوية عند عبدالحليم...

1

الحضارية في دراسة السيرة النبوية الرؤية

عند عبد الحليم عويس

مسعود فلوسي. د.أ: بقلم

جامعة باتنة ـ الجزائرأستاذ ب

، الذي تخصص في "1133-3491" إن األستاذ الدكتور عبد الحليم عويس رحمه هللا

توراه، إضافة إلى الماجستير والدك اللتين نال بهمادراسة التاريخ اإلسالمي وكتب فيه رسالتيه

عدة دراسات تاريخية أخرى بين موجزة وموسعة، لم يكن مجرد مؤرخ يرصد األحداث

ويعمل على ترتيبها ويحرص على إثبات مدى صدقها أو عدمه، وإنما أضاف إلى ذلك بعدا

آخر قليال ما اهتم به الباحثون في التاريخ اإلسالمي، أال وهو تحليل األحداث وتفسيرها وبيان

في التحليل بابها ونتائجها من وجهة نظر إسالمية خالصة تعتمد مقاييس القرآن والسنةأس

.والتفسير

حقل السيرة في هذا اإلطار يأتي إسهام األستاذ الدكتور عبد الحليم عويس رحمه هللا في

تميز برؤية متفردة يمكن أن نطلق عليها الرؤية الحضارية اإلسالمية في النبوية، وهو إسهام

، وهي رؤية كلية تنظر إلى سيرة الحبيب المصطفى ملسو هيلع هللا ىلص باعتبارها كال راسة السيرة النبويةد

متكامال وليس مجرد أحداث جزئية متفرقة، إنها رؤية ترصد البعد الحضاري في السيرة،

دة بخصائصها، تبدأ باعتبار أن رسالة النبي ملسو هيلع هللا ىلص إنما كانت تهدف إلى صنع حضارة جديدة متفر

بتربية الفرد، ثم بناء الدولة، لتنتهي بإقامة حضارة متكاملة يعم خيرها الناس جميعا وتشمل

.وإنسانيتها البشرية جمعاء ابرحمته

:ورؤية واضحةدراسة مبكرة ".. في ظالل الرسول"

به عن كتابه الموجز المتميز الذي كتعويس؛ من الدراسات المبكرة للدكتور عبد الحليم

عن دار 3491، ظهر هذا الكتاب سنة "في ظالل الرسول ملسو هيلع هللا ىلص"السيرة النبوية بعنوان

طبع مرة أخرى بعد ذلك، ولم ي في مائتي صفحة من الحجم المتوسط، االعتصام في القاهرة،

2

ا وهو أمر غريب، ألن كثيرا من كتب المؤلف رحمه هللا طبعت عدة مرات، بينما لم يطبع هذ

.الكتاب سوى مرة واحدة

عويس السيرة النبوية في هذا الكتاب بأسلوب عبد الحليم على كل حال، لقد تناول

التي انفرد مختلف، وبعناوين غير مسبوقة، مما يدل على أن الرجل كانت له رؤيته المتميزة

.بها عن غيره

ن وإمام حضارة إلى دمحم بن عبد هللا خاتم المرسلي"بدأ المؤلف كتابه بإهداء خاص

مجرد معايشة عصرية للنبي الكريم الذي أرسى "، معتبرا صفحات هذا الكتاب "المسلمين

للبشرية ـ من خالل بنائه لإلنسان والدولة والحضارة ـ قواعد الحق والخير والجمال، في أروع

".تناسق وانسجام عرفهما التاريخ

منها المؤلف في دراسة سيرة إن هذا اإلهداء يكشف من البداية الرؤية التي ينطلق

.القرآن والسنة المشبعة بتعاليمالرسول عليه الصالة والسالم، أال وهي الرؤية الحضارية

فصل من فصول الكتاب، إن لم نقل في كل هذه الرؤية نجدها تتجلى بعد ذلك في كل

.صفحة من صفحاته

بها، على غير عادة صاعنوانا خاأبى المؤلف إال أن يضع لها في مقدمة الكتاب التي

،[4: ص] "سيرة النبي ملسو هيلع هللا ىلص بين المنهج والمذهب"المؤلفين في مقدمات الكتب، وهذا العنوان هو

:توجه المؤلف بالنقد إلى عدد من المناهج المنحرفة في كتابة السيرةفي هذه المقدمة

وأحداث حياته لمفاهيم المؤلف يقوم على إخضاع سيرة النبي ملسو هيلع هللا ىلصالذي منهج ال ؛أولها

وبيئته وخياالته وأهوائه، ال للحقائق التاريخية الموثوقة، وهذا نهج جمهرة المستشرقين الذين

أكبر همهم أن يخضعوا الرسول ملسو هيلع هللا ىلص لبيئاتهم وأمزجتهم وأهداف مؤسساتهم التبشيرية "كان

.[31: ص] "والسياسية

بعض تالمذة االستشراق وسدنة الدين العقلي الذي يريد "ج؛ منهج وثاني هذه المناه

تجريد الرسالة والرسول من الجانب الغيبي، وتحويلهما ـ باسم مقاييس العلم ـ إلى ظاهرة تحتية

ـ وليست فوقية ـ تخضع للناموس العادي، ويمكن تحليلها كما يمكن تحليل كل ظاهرة طبيعية

. فالنبي عليه الصالة والسالم ـ في نظر هؤالء ـ عبقري... من ظواهر الكون الملموسة

وهلم .. والمعجزات النبوية ـ ما عدا القرآن ـ ملغاة، وظاهرة الوحي ظاهرة نفسية أو تليباثية

.[39: ص" ]جرا

3

ذلك المنهج األعور المنحرف الذي يريد استنطاق "؛ والمنهج الثالث، وهو أخطرها

. ض مواقف في ظروف محدودة على القاعدة الحياتية كلهافر السيرة الزكية غير ما تنطق به، و

وعلى رأس هؤالء المنحرفين المزورين؛ جماعة االشتراكيين والشيوعيين اليساريين الذين

ينظرون إلى النبي ملسو هيلع هللا ىلص على أنه مصلح اجتماعي، أو قائد ثورة، أو محرر للعبيد، أو نصير

.[31: ص] "للفقراء ضد األغنياء

ينتهي وبعد أن يكشف المؤلف عوار هذه المناهج كلها، ويفضح ما يهدف إليه أصحابها،

يتلخص في "المنهج الذي وهو، في نظره إلى بيان المنهج األمثل في دراسة السيرة النبوية

ضرورة التجرد النزيه وانفساح الصدر على الحقيقة وتلمسها، والرغبة الصادقة في الوصول

بها، والرجوع ـ بعد ذلك ـ إلى المصادر األصلية للسيرة النبوية، بدءا من القرآن إليها والتأثر

الكريم، فالسنة الشريفة الصحيحة، فكتب السيرة والمغازي المعتمدة لدى علماء اإلسالم، ثم

[.31: ص" ]ترك الحقيقة تعلن عن نفسها

الميالدي بين عالم القرن السادس"بعد هذه المقدمة، يأتي الفصل األول بعنوان

القرن الذي العالم فيوفيه يتحدث المؤلف بنظرة عصرية عن واقع ، "الشيوعية واالنحاللية

سيطرة قوتين شهد الذي العصرشهد مولد النبي عليه الصالة والسالم وظهور رسالته، ذلك

والفكرية تمثل المادية الجاهلية، بكل الفوضوية العقائدية"التي كانت " فارس"كبيرتين؛ إحداهما

بقايا حضارة "والثانية [. 34: ص" ]والخلقية التي امتاز بها الالدينيون على امتداد التاريخ

: ص" ]هيلينية ورومانية ورثت التراث الرجعي اإلغريقي في أثينا سقراط وأرسطو وأفالطون

دس في مقابل ما كان عليه هذا العالمان الفاسدان المنحرفان، في مطلع القرن الساو [..11

.. كان العرب يمثلون في الحقيقة إنسانا متميزا بين هاتين الحضارتين"ومطلع القرن السابع،

كان اإلنسان العربي أقرب إلى الخير في جوانب تهم طبيعة الدعوة اإلسالمية كرسالة تتطلب

دة وكانوا يمتازون بالنج... كانوا يمتازون بالشجاعة. نفوسا أقرب إلى الفطرة وقوانين األخالق

واإلباء والكرم وحفظ األعراض وحماية المستجير والبساطة ووضوح الفكر وسالمة الطوية

من جانب آخر، وعلى ما في "إال أنهم [. 11-11: ص" ]وبكثير من الفضائل البدوية الفطرية

األضداد من غرابة، كانوا يتصفون بسفك الدماء وحقنها، وباعتقاد الخرافات وردها، وباإليمان

، واجتماع الصفات المتضادة في نفس اإلنسان العربي بهذه الصورة، ليس ـ في نظر "ادواإللح

، وال قانون ةصورة حقيقية مجسمة للرجل الفطري الذي ال تسيره عقيدة محدد"المؤلف ـ سوى

وحكاية عبادتهم للصنم، فإذا ما جاعوا أكلوه أو استخدموه .. ضارية معينةضابط، وال أخالق ح

[.11: ص" ]هة خير دليل على ذلكفي أغراض تاف

4

: ويلخص المؤلف حال الجزيرة العربية في ذلك العصر، وفق رؤيته الحضارية، فيقول

لقد ساد الضياع الفكري والظالم العقدي شبه الجزيرة العربية على امتداد أركانها عبر تلك "

نهيار الشامل، لقد ، لكن ذلك ال يعني الموت المطبق واال[13: ص" ]القرون التي سبقت البعثة

له أولئك القلة الحنفاء الذين لم يعجبهم ما آل إليه حال أقوامهم، ـث كان هناك بصيص من نور م

لم يكن : "فاعتزلوا يبحثون عن الحق ويتطلعون إلى معرفته واعتناقه، وفي ذلك يقول المؤلف

هذا الهمود ل االستسالم، راضيا كل الرضا عنكب الجاهلية مستسلما لخدر الضياع ترا

وتؤكد لنا قصص الحنفاء الباحثين عن دين ... المنحرف الذي يسود الحياة في الجزيرة العربية

من وقائع جاهلية الجزيرة العربية األولى، تؤكد لنا هذه حق، تلك التي برزت في غير واقعة

كان القصص في مضمونها األخير حالة عدم الرضا الذي كان يقبع خلف تراب الجزيرة الذي

كما تصور لنا هذه القصص مدى القلق والتيه النفسي والفكري الذي كان يهيمن .. يبدو هادئا

ويعتبر ورقة بن نوفل وزيد بن عمرو بن نفيل "، [11: ص" ]على العقالء في أرجاء الجزيرة

قمة الشعور بالمأساة؛ مأساة الفراغ والضياع والتيه التي سادت الجزيرة العربية وسادت العالم

: ص" ]الشيوعية الفارسية واالنحاللية الرومانية: كله في ظل إشعاعات الحضارتين المنهارتين

11.]

، حيث "حياة دمحم ملسو هيلع هللا ىلص في الجاهلية"ينتقل المؤلف بعد ذلك إلى الحديث في فصل ثان عن

ميا، وعاش نشأ أ"يذكر ما هو معروف من أنه عليه الصالة والسالم ولد في مكة ونشأ فيها،

، ويؤكد "أميا، بين قوم أميين مجردين من أي رصيد ثقافي أو أية خلفية حضارية مؤثرة

وظهوره بين قوم مغرقين في األمية؛ حكمتان من حكم هللا سبحانه "المؤلف أن أمية النبي ملسو هيلع هللا ىلص

لبس بينها وبين وتعالى، حتى تكون معجزة النبوة والشريعة اإلسالمية واضحة في األذهان ال

[.14: ص" ]الدعوات البشرية المختلقة

ويبرزالمؤلف تميز حياة النبي ملسو هيلع هللا ىلص ووضوحها في هذه المرحلة من حياته، من خالل ما

مر به عليه الصالة والسالم من أطوار وما قام به من أعمال وما عرف به من أخالق حنيفية

.دونعالية شهد له بها األقربون واألبع

في بدايته ظاهرة المؤلف ، حلل "دمحم بن عبد هللا نبيا ورسوال"الفصل الثالث جاء بعنوان

الوحي باعتبارها حقيقة ثابتة ال غبار عليها، ورد على العلمانيين وأشباههم ممن يرفضون

ظاهرة تحتية، تخضع لتطور نفسي وروحي معين، ويمكن "الوحي جملة وتفصيال ويرون فيه

وقد استدل المؤلف على حقيقة الوحي وكونه [. 14: ص" ]يها عبر تدريبات معينةالوصول إل

يحمل دليل إلهيته معه، ويحمل معه دليل نبوة "ظاهرة واقعية من خالل القرآن الكريم الذي

هذا إضافة إلى الصدق المطلق الذي عرف به دمحم ملسو هيلع هللا ىلص حتى لم [. 11: ص" ]الموحى به إليه

5

يتكامل مع "وصدقه عليه الصالة والسالم . حد من أعدائه أن يطعن فيه من هذا الجانبيستطع أ

: ص" ]أمانته، مع كرمه، مع مروءته، مع وفائه، فكأن األخالق والعظمة اجتمعتا وج سدتا فيه

وكذا الجيل الفريد الذي أنشأه ورباه وخرجه والذي لم تشهد البشرية له مثيال في تاريخها [. 11

.الطويل

، حيث يرى المؤلف أن "دمحم ملسو هيلع هللا ىلص يبني الفرد"يأتي بعد ذلك الفصل الرابع وهو بعنوان

، هذا النداء الذي "اقرأ: "البداية في ذلك تمثلت بأول نداء ألقي إلى النبي ملسو هيلع هللا ىلص وهو قوله تعالى

أ، وبناء األفراد اآلخرين بناء الفرد األمثل القائد المخاطب بكلمة اقر"كان الغرض منه

" المرشحين لحمل الدعوة وبناء الدولة والحضارة عن طريق فكر هذا الفرد النبي وسلوكه

[.13: ص]

ويتحدث المؤلف كيف بدأ النبي ملسو هيلع هللا ىلص في تربية األفراد وتكوينهم لحمل الدعوة من خالل

هم سوى إسالم خمسين فردا، معظمالدعوة السرية أوال، والتي لم تشهد خالل ثالث سنوات

التي الجهريةثم جاءت بعد ذلك الدعوة . وآمنوا به كانوا من المقربين الذين صدقوا بالرسول ملسو هيلع هللا ىلص

امتدت عشر سنوات لقي خاللها النبي ملسو هيلع هللا ىلص واألفراد القليلون الذين اتبعوه من صنوف األذى ما

جعل النبي ملسو هيلع هللا ىلص يأمر أصحابه بالهجرة إلى الحبشة فرارا بدينهم وحماية تنوء بحمله الجبال، مما

لهم من االنهيار تحت صنوف التعذيب واإلرهاب الفكري والنفسي والجسدي التي سلطت

ويبرز المؤلف بالعرض والتحليل الوسائل التي استخدمها المشركون في مقاومتهم . عليهم

إنها .. هي الوسائل التي يلجأ إليها الباطل في معاركه مع الحق"تي لإلسالم والمسلمين، وال

وسائل الترغيب االقتصادي واالجتماعي، واالعتماد على أعراف وتقاليد متحجرة لحجب

: ص" ]العيون عن أن ترى الحق، والتنكيل والتعذيب عند اإلفالس وعند الشعور بتفوق الحق

ة لل وشواهدها من السيرة النبوية، وهي تسعة متمث، وفصل المؤلف القول في هذه الوسائ[14

، [91: ص]إسقاط الحماية عن الرسول ملسو هيلع هللا ىلص بمحاوالت اإليقاع بينه وبين عمه أبي طالب : في

، [91: ص]، الحرب النفسية، وحرب الغوغاء والرعاع [93: ص]التصفية الجسدية للمسلمين

بطلب المعجزات الحسية والسؤال عن أمور غيبية دي الما، التحدي [91: ص]اإلغراء المادي

[.41]، القتل [91]، المقاطعة [91: ص]، حرب اإلعالم والتشويش الفكري [99: ص]

بداية مرحلة جديدة في مثلتويعتبر المؤلف أن نجاة النبي ملسو هيلع هللا ىلص من القتل ليلة الهجرة،

سالمية، هي مرحلة بناء الدولة بعد بناء الفرد، لهذا وحياة الدعوة اإلعليه الصالة والسالم حياته

." يبني الدولةدمحم ملسو هيلع هللا ىلص"ذلك مباشرة بعنوان جاء الفصل الخامس بعد

6

بعد ما عمليا ويرى المؤلف في هذا الصدد أن تفكير النبي ملسو هيلع هللا ىلص في إنشاء دولة إنما بدأ

خالل فترة المقاطعة االقتصادية التي أعلنها عليهم عاناه مع المسلمين في شعب أبي طالب

المشركون، وذاقوا بسببها ويالت الجوع والعري وصنوف المعاناة، وكذلك بعد وفاة درعي

الدعوة القويين أبي طالب وخديجة رضي هللا عنها، حيث لم يعد النبي ملسو هيلع هللا ىلص نفسه بمنأى عن

واحدة منها تأخذه هللا ملسو هيلع هللا ىلص يعرض نفسه على القبائل، عل ولذلك كان رسول . االضطهاد اليومي

إلى أرضها وتحمي المسلمين المضطهدين، ولم تنجح محاوالته الكثيرة عليه الصالة والسالم،

لط وكانت قمة المأساة تلك التي حصلت له في الطائف مع خادمه زيد بن حارثة، حيث س

األمر كذلك حتى أذن هللا عز وجل بأن يقبل أهل يثرب وظل. األذى واالضطهاد ماعليه

باستقبال النبي ملسو هيلع هللا ىلص وأصحابه في مدينتهم، فكانت الهجرة التي مثلت نقطة انطالق الدولة

بيعة العقبة الثانية أبرز وأسمى عقد اجتماعي في "اإلسالمية ومبدأ بنائها، ويعتبر المؤلف

ي ظل منظومة ثالثية فانبثقت عنه دولة اإلسالم الفتية القوية عقد قام ف.. تاريخ البشرية

العقيدة، : ويعني المؤلف بالمنظومة الثالثية العناصر الكبرى الثالثة للدولة وهي". الدعائم

األنصار والمهاجرون والقيادة العليا الحكيمة الممثلة في شخص "والبشر " يثرب"واألرض

.[49: ص] "النبي عليه الصالة والسالم

وفي أكثر من أربعين صفحة يحلل المؤلف ما مرت به الدولة اإلسالمية الناشئة في

، وتدعمت بالمآخاة بين [311: ص]والتي أرسيت أولى دعائمها ببناء المسجد المدينة،

الصحيفة التي وضعها الرسول ملسو هيلع هللا ىلص كدستور "، ثم تأتي [311: ص]المهاجرين واألنصار

ا، كأساس ثالث إلرساء دعائم الدولة الجديدة، أو كركن ثالث من أركان العقد للمدينة كله

كما تحدث المؤلف عن السياسة [. 314: ص" ]االجتماعي األول في التاريخ الحضاري

الخارجية لدولة اإلسالم في المدينة، والتي تجلت حينئذ في السرايا التي كان يرسلها النبي صلى

ية الدولة خارجيا، إضافة إلى الغزوات والمعارك التي دارت بين هللا عليه وسلم بغرض حما

ويخص المؤلف معركة بدر بتحليل . المسلمين وبين أعدائهم وعلى رأسهم مشركو قريش

خاص امتد على ثمان صفحات، معتبرا أن هذه المعركة وما حصل فيها وما أحاط بالمسلمين

ديدة في التاريخ اإلسالمي، مسيرة الدولة فتحت باب المسيرة الج"من رعاية ربانية خاللها

[.311: ص" ]وتنتصر، وتذل األعداء باإلسالمية الثابتة األركان، القوية الدعائم، التي تحار

وبعد أن يستفيض المؤلف في تحليل األحداث التي تلت معركة بدر إلى غزوة الخندق،

جت الجزيرة العربية ـ بكل أخر"ينتهي إلى أن هذه األخيرة مثلت قمة مرحلة الدولة، حيث

أطراف الوجود فيها ـ كل ما ادخرت من حقد، وكل ما أضمرته نحو القوة اإلسالمية الناشئة

، وهنا يبرز المؤلف الدور الذي [311: ص" ]من نوايا الهالك والتدمير والقضاء الشامل عليها

7

أة، وكان من قدر هللا شمعة توهجت فج"قام به نعيم بن مسعود رضي هللا عنه، معتبرا ما فعله

، حيث نجح هذا الرجل ـ "أن أخرج المسلمين على يدها من بين هذا الظالم الجاهلي المطبق

في اإليقاع بين قريش واليهود، "الذي أسلم وقوى الكفر مطبقة على المسلمين من كل جانب ـ

[.311: ص" ]وعلمنا بنجاحه كيف أن الشمعة الصغيرة قد تبدد ظالم ليل كلوح

ما يعانيه أن نتهي المؤلف إلى استخالص العبرة من معركة الخندق، ليشير إلىوي

ره ما عاناه النبي ملسو هيلع هللا ىلص وصحابته عندما أطبق عليهم هالمسلمون في عصرنا مما يشبه في جو

الجدير باإلشارة والتأكيد أن أعداء اإلسالم الذين واجهوا : "أعداء هللا من كل جانب، فيقول

لمين في الخندق، هم أنفسهم القوالب الفكرية التي يواجهها المسلمون اليوم، إنهم األحزاب المس

والمنافقون ..لشيوعيون المتضافرون مع اليهوديةاديون اوالوثنيون الم ..ذاتها؛ اليهود

ومية، وملوك الطوائف ذيول التبشير، ورؤساء العشائر القمن ،المتظاهرون باإلسالم

[.314-319: ص" ]سالمي الفسيححة العالم اإلالمنتشرين في سا

قمة مرحلة الدولة "إن معركة الخندق، في نظرالمؤلف رحمه هللا، بقدر ما مثلت

، وهذا ما فصل المؤلف القول فيه في الفصل السادس من "ميالد حضارة"، مثلت كذلك "النبوية

، حيث بدأ هذا الفصل بالتأكيد على "لحضارةدمحم ملسو هيلع هللا ىلص يصنع ا"الكتاب ، والذي جاء تحت عنوان

جاء يجمع ـ في ظالل النبوة .. النبي عليه الصالة والسالم جاء يطرح مفهوما فذا للحضارة"أن

الحضارة ـ في ظالل .. ـ على مستوى السلوك وعلى مستوى التقعيد معنى متكامال للحضارة

مستوى إنساني ممتد في .. سلوكيةالنبوة ـ مستوى إنساني ينتظم كل الجزئيات الفكرية وال

في المكان، يكرم مستوى إنساني ممتد.. الزمن، يربط بين الدنيا المحدودة واآلخرة الالنهائية

مستوى إنساني ممتد في .. نسان ويحدد حقوقه أنى كان، دون تفرقة على أساس لون أو جنساإل

مستوى إنساني ممتد في .. القانونالوقائع، فال جزئية فوق القانون، وال جزئية ال مكان لها في

المجتمع والفرد، والرجل والمرأة، والقوي والضعيف، والجسم والروح، والمادي والالمادي،

والعجيب الذي يمثل أبرز ظاهرة فردية في التاريخ؛ أن هذا ... والطبيعة وما وراء الطبيعة

ها، حتى ليخيل للدارس أن قد مثل ـ بحياته ـ كل أطوار الحضارة في مراحل رقي النبي الكريم

حياته عليه الصالة والسالم حضارة مستقلة، تتجلى كشعاع وهاج لكل الحضارات الباحثة عن

وقد استفاض [.399-391: ص" ]المستوى اإلنساني السامق الجدير باإلنسانية المتحضرة

.المؤلف رحمه هللا في ذكر مظاهر الحضارة الراقية في حياة النبي ملسو هيلع هللا ىلص وتوجيهاته

: ويبرر المؤلف اعتباره معركة الخندق مولد الحضارة اإلسالمية في ظالل النبوة، بقوله

حمل ولم توجد حضارة ولدت قبل معاناة ال.. من الخندق دائما تولد الحضارات المبدعة"

وكانت الفترة التي بدأت بالهجرة وانتهت بالخندق، هي . والوضع والتعرض لمبضع الجراح

8

، مستشهدا ببعض "الفترة التي تعرض المسلمون فيها آلالم الحمل كأشد ما تكون المعاناة

استشرافات مستقبلية للحضارة "المواقف النبوية التي حدثت أثناء الحصار، والتي اعتبرها

.[391: ص] "متدة الواسعةالمالجديدة

البعد الحضاري فيما تال معركة الخندق من أحداث حتى وفاته مبرزاويمضي المؤلف

إلى أن النبي ملسو هيلع هللا ىلص مثل نموذج حضارة راقية، وفي أربع صفحات ومنتهياعليه الصالة والسالم،

صطفى عليه الصالة أبرز المؤلف رحمه هللا مظاهر هذا النموذج في شخصية الحبيب الم

[.319-313: ص]والسالم، مما ال يمكن تلخيصه في هذه العجالة

، وهو رغم "موكب الحضارة في ظالل النبي ملسو هيلع هللا ىلص"ليأتي بعد ذلك الفصل األخير بعنوان

كونه موجزا جدا، مقارنة بالفصول السابقة عليه، إال أنه مثل خالصة وافية لما أراد المؤلف أن

زه من سيرة النبي ملسو هيلع هللا ىلص، وهو البعد أو المظهر الحضاري، وهذا الفصل إليجازه وتماسكه ال يبر

يمكن تلخيصه وال غنى عن قراءته كما هو في مصدره، ويكفي أن نقول إنه تحليل ألبعاد

تعالميه ومعجزاته حياة النبي ملسو هيلع هللا ىلص وضر والمستقبل في ظالل االزمن الثالثة وهي الماضي والح

[.393-311: ص]

: ، ويلخص ذلك بقوله"التأثير الفكري للسيرة النبوية"وفيما يشبه الخاتمة، يبرز المؤلف

تباعه وأعدائه، مثل العناية ألم يعرف نبي وال عظيم حظي بعناية الفكر البشري، سواء من "

ال ترى كاتبا على امتداد العالم بحيث أنك.. التي حظي بها دمحم بن عبد هللا عليه الصالة والسالم

اإلسالمي نال احترام التاريخ وتقدير القراء إال إذا كانت له نظرات جديدة لسيرته عليه الصالة

ويسرد المؤلف [.391: ص" ]والسالم؛ كأن حياته الزكية نهر من معاني العظمة دائم التدفق

عرب، ومن يهود ونصارى أسماء عشرات من المفكرين والباحثين من مسلمين عرب وغير

ومستشرقين ومستغربين، كتبوا في السيرة النبوية أو بعض جوانبها، كل حسب مقصده من

.التأليف ومنهجه في البحث والدراسة

كما يشير المؤلف رحمه هللا إلى مظهر آخر من مظاهر التأثير الحضاري للنبي عليه

ثر تعليماته عليه الصالة أهنا عن ال نتحدث: "فيقولدون أن يفصل فيه، الصالة والسالم،

فكل ما ينسب لتأثير .. والسلم في أخالق األوروبيين وفي مسيرة الحضارة اإلنسانية بعامة

سالمية في الحضارات البشرية، في مجاالت التشريع واألخالق خاصة، إنما الحضارة اإل

[.394: ص" ]مرجعه أيضا إلى تأثيره عليه الصالة والسالم

9

:ول في ضوء المقاييس اإلنسانيةشخصية الرس

إضافة إلى هذا الكتاب المبكر في المسيرة الفكرية لألستاذ الدكتور عبد الحليم عويس

، ذلك هو شخصية رحمه هللا، كتب بعد ذلك، كتيبا آخر موجزا حول جانب من جوانب السيرة

ي ضوء المقاييس ف ل هذه الشخصية بالدراسة والتحليلالنبي عليه الصالة والسالم، حيث تناو

، والذي نشرته "اإلنسانية المقاييس ضوء في الرسول شخصية "اإلنسانية، وعنوان الكتيب هو

هـ، 3931جامعة اإلمام دمحم بن سعود اإلسالمية في الرياض بالمملكة العربية السعودية سنة

.م، في ثمانين صفحة من الحجم المتوسط3441

المتميزة تفق عليه في الحكم على الشخصياتينطلق المؤلف من تحديد المقياس الم

اإلنسانية، وهو المقياس الذي يعتمد ركنين جوهريين في الشخصية تاريخالعظيمة في

؛ أولهما الوضوح والواقعية، وثانيهما التأثير اإلنساني العام الممتد عبر القرون وعبر النموذجية

أي مقدار "الكمي : في تحديده مستويانعتمد أماكن مختلفة وأجناس مختلفين، وهذا التأثير ي

.[31:ص] "أي ينوع التأثير وجوهره"، والكيفي "التأثير

فيما يتعلق بالركن على حياة الرسول ملسو هيلع هللا ىلص، فيقرر المقياس وينتقل بعد ذلك إلى تطبيق هذا

ضوح الكبير، فكأن الذين الخاصة العظمى في حياة الرسول ملسو هيلع هللا ىلص وشخصيته هي الو"أن األول؛

درسوا حياته دراسة جيدة وعرفوه من خالل ما ورد عنه في القرآن ـ الذي هو المصدر األول

لسيرته ـ وما ورد في كتب السنة عن شمائله وما ورد في كتب السيرة والتاريخ، لكأنهم

للباحث أن ويمكن .. ويحسون بحركته اليومية، وغدواته في دروب مكة والمدينة يعيشون معه،

إذا يعرف مدى الوضوح في حياة رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص إذا قارنها بأية شخصية أخرى في التاريخ، بل

[.39-31: ص" ]ي نبي آخرهو قارنها بشخصية أ

وعبر صفحات عديدة يركز المؤلف على الجانب األخالقي في شخصية الرسول صلى

القي لدمحم رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص هو اآلية البشرية العظمى في النسيج األخ"هللا عليه وسلم، مؤكدا أن

إنه نسيج متكامل، وإنه نظام أخالقي متعانق الخيوط، فليس ثمة "، [19: ص" ]تاريخ هذا العالم

خيط نشاز، أو خيط من فصيلة مختلفة، وإنما هي الحقيقة األخالقية الواحدة التي يتعامل بها

إن هذه الوحدة األخالقية التي تفرد بها الرسول صلى هللا عليه .. األحياءالرسول مع الحياة و

، وهي تفسر ـ في "إنما بعثت ألتمم مكارم األخالق: "وسلم تمثل جوهر رسالته إلى العالم

نساني ال نور له وال رحمة فيه إذا الوقت نفسه ـ معنى أنه رحمة ونور لهذا العالم، فالعالم اإل

ـ ما اندثر منها وما بقي ـ إنما يعود إلى انحالل ق، وإن أزمات الحضاراتهو تجرد عن األخال

[.13: ص" ]األخالق

10

ويمضي المؤلف في تحليل التميز األخالقي الفريد للرسول ملسو هيلع هللا ىلص، مركزا خاصة على

تحديات التي ثبات األخالق في شخصية المصطفى ملسو هيلع هللا ىلص رغم تعدد الظروف التي أحاطت به وال

.واجهته، وعدم تغير هذه األخالق بتغير أصناف الناس الذين تعامل معهم أو اختلط بهم

وفيما يتعلق بالركن الثاني في مقياس تقدير الحكم على الشخصية، وهو مدى تأثير هذه

الشخصية في الحياة ومدى عمق هذا التأثير وامتداده، يبرز المؤلف التأثير العميق لرسول هللا

، ذلك التأثير العجيب الذي ظهر في حياة الصحابة الذين تتلمذوا على يدي في حياة المسلمينملسو هيلع هللا ىلص

إن العالقة : "رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص وعرفوا سيرته واطلعوا على مختلف جوانب حياته، وفي ذلك يقول

إنها . ..من طراز فريد في التاريخ ةبين دمحم الرسول عليه الصالة والسالم وبين المسلمين عالق

بما رحمة من هللا لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب النفضوا من ف: "عالقة أخالقية أساسها

شياء الدنيا، فإنه عليه الصالة قة رحمة وحب، وليس فيها شيء من أ؛ أي أنها عال"حولك

" ماء واألوالد والزوجاتوالسالم ما كان لديه شيء يغريهم به، بل إنه كبدهم األموال والد

[.13: ص]

ويسرد المؤلف عدة شهادات لكتاب غربيين يعترفون فيها بالتأثير العجيب للرسول

دمحما الرسول "ملسو هيلع هللا ىلص في حياة أصحابه وفي حياة المسلمين عبر القرون، لينتهي في األخير إلى أن

تاريخ، وأن هذه الشخصية لم تكن عليه الصالة والسالم صاحب شخصية نموذجية عظمى في ال

سالمية، أو من وجهة نظر إسالمية ية إاإلنساني العتبارات عاطف قمة السمو ـ وحدها ـ في

فحسب، وإنما هي كذلك بالمقاييس العامة للشخصية؛ سواء في وضوحها التاريخي الدقيق، أم

م التأثيري الهائل، أم في في تأثيرها اإلنساني العام الممتد في الزمان والمكان، وسواء في الك

[.13: ص" ]الكيف النادر األتباع الذين لم يفز بمثلهم اي عظيم في التاريخ

:برؤية حضارية السيرة جوانب من مقاالت في

بالسيرة النبوية الشريفة ألستاذ الدكتور عبد الحليم عويس رحمه هللالم يتوقف اهتمام ا

تمام قائما ومستمرا طيلة حياته الفكرية، تجلى ذلك في عند الكتابين المذكورين، بل ظل هذا االه

البحوث والمقاالت التي كتبها في مناسبات مختلفة وكان محور كل منها موضوع من

توجهه الحضاري وقد ظهر في هذه البحوث والمقاالت بوضوح. موضوعات السيرة النبوية

.في دراسة السيرة وتحليل أحداثها

11

ست مقاالت عن بعض جوانب السيرة الشريفة، المقال ــ وأنا أخط هذا وبين يدي

دبجها يراع األستاذ الدكتور عبد الحليم عويس رحمه هللا، ونشرها في بعض الجرائد

مقاالن منها عن الهجرة، واثنان آخران عن حروب الرسول ملسو هيلع هللا ىلص، والخامس عن . والمجالت

". المسجد األقصى ودرس السيرة النبوية"، والسادس عن العدل والرحمة في حياة النبي ملسو هيلع هللا ىلص

.والغالب أن هناك مقاالت أخرى لم يتح لي االطالع عليها

، كتبه بمناسبة المولد "خاتم المرسلين إمام العدل والرحمة لكل الناس"في مقال بعنوان

تعطينا فسيحة آفاق اإلنسانية الرسول آفاق"النبوي الشريف، يؤكد عبد الحليم عويس أن

من بموقف إليها نتوجه نكاد وال واألبعاد، المواقف فيها تتعدد الحياة، من لدورة كامال نموذجا

اإلنسان بإنسانية تليق التى المثلى الحلول تعطينا ونجدها إال المشكالت من مشكلة أو المواقف

".اإلنسانية النفس إليها تصعد أن يمكن التى القمة أقصى إلى يسمو حين

ويبرز األثر العظيم الذي تحقق ببعثة الرسول ملسو هيلع هللا ىلص ورسالته التي أخرج بها الناس من

التاريخ فى تحوال وسلم عليه هللا صلى الرسول ظهور كان لقد: "الظلمات إلى النور، فيقول

الطبيعة توأصبح لها، عابدا ال للطبيعة سيدا اإلنسان أصبح اإلنسانى الجانب ففى والطبيعة؛

".مسخر إلى المعبود فتحول اإلنسان لخدمة ويسخرها ويستخدمها يدرسها لإلنسان مسخرة

، وانطالقا من رؤيته الحضارية "الهجرة بين حضارتنا وحضارتهم"وفي مقال بعنوان

كانت حدثا "معتبرا أنها يم عويس البعد الحضاري في الهجرة، لالتي تميز بها، يبرز عبد الح

واإلسالمى العربى الحضارى المسار فى تحوال وكانت الكبرى، التاريخ حداثأ منفاصال

الدعوة تاريخ به هللا فتح الذى المنطلق أيضا وكانت. .الحضارى التحول معانى بكل واإلنسانى

والمؤاخاة المسجد أسس على المدينة دولة بناء من.. المختلفة وبأشكاله مصراعيه، على

الكتب بإرسال ،(العالمية اإلسالمية الدعوة) نشر على العمل إلى(... الصحيفة) والدستور

والتى والعدة، العدد القليلة الصغيرة المدينة الدولة هذه من وحكامه العالم ملوك إلى والرسل

".بالمعصم السوار إحاطة لهم والموالين واليهود قريش من األعداء بها يحيط

بين هجرة غير المسلمين، من حيث ما ن والمسلميوويقارن المؤلف بين هجرة الرسول

د التي تتم الهجرة إليها، فيقرر بالشواهد يترتب على كل منهما من خير أو شر على أهل البال

الهجرات األمريكية واألوروبية االحتاللية واالستيطانية تقوم على اإلبادة الجماعية "واألدلة أن

تهم هجرات وحوش همجية متبربرة ال ويمكن القول إن هجرا... واستعمال أبشع الوسائل

12

الضد وعلى"، "كائنات متحضرة األوروبية للهجرة الالإنسانية الصورة هذه من تماما

العالم بالد كل وإلى( يثرب) المدينة إلى المسلمين هجرة صورة تأتى.. أمريكا إلى االستيطانية

بقاعدة فتحوها التى البالد بناءأ الوافدون المسلمون عامل لقد... فيها واستوطنوا فتحوها التى

وقد.. دينه على بقى لمن( علينا ما وعليهم لنا ما لهم) وبقاعدة أسلم لمن( اإلسالمية األخوة)

الصغيرة الوظائف فى وإشراكهم وتحضيرهم البالد أبناء تعليم فى الوافدون المسلمون جاهد

والصيدلة كالطب الحرف ضببع ينفردون كادوا يسلموا لم الذين بعض أن لدرجة والكبيرة

باهلل عالقتهم ينظمون كيف المفتوحة البالد أبناء علموا ولقد.. والتنظيمية المالية والشؤون

األمن بتحقيق الكفيلة( الشرعية المقاصد) ظل فى العادل، للقضاء يحتكمون وكيف.. وبالناس

".الناس لكل والكفاية والحماية

مع الموفد عليهم ذا االختالف في صورة التعامل ويتساءل المؤلف رحمه هللا عن سبب ه

.، ويربط اإلجابة بمنطلقات كل حضارة وما تقوم عليه من أسس ومبادئمبين المسلمين وغيره

التبرير هو الدين كان االستيطانية؛ والصهيونية واألوروبية األمريكية الحالة ففى"

فى ـ برجاله ـ شريكا كان الدين نأل والصهيونية، واإلقطاعية والصليبية البربرية للوحشية

نفسه يقدم أن عليه يفرض وهذا ..اآلخر إبادة صفقة أنها بدعوى الشرور كل لتبربر خادما

، لصالح المباركة اإلبادة عمليات وكل.. المسيح عودة أو سيادته وتحقيق الصليب ولنشر الرب

حاكم فالدين.. اإلسالمية هجراتال حالة في أما. .األساس هذا إلى ترجع والكنيسة البابوية من

".اإلنسانى والتراحم والعدل والخير للحق وموجه وضابط،

، وبعد أن يذكر ما تعرض "الطبيعة األخالقية في حروب الرسول ملسو هيلع هللا ىلص"وفي مقال بعنوان

عليهم من أذى وعذاب وما ب له النبي عليه الصالة والسالم وصحابته من ويالت وما ص

دوا من شهداء في حروبهم مع المشركين، ينتهي إلى إبراز موقف النبي ملسو هيلع هللا ىلص من قريش يوم تكب

فتح مكة، ويعلق على عفوه عنهم وتجاوزه عن ظلمهم الذي طاله وصحابته على مدى أكثر من

.. سموه في عفوه.. سمو دمحم عليه الصالة والسالم في حربه"عقدين من الزمن، معتبرا ذلك من

13

إلى يدخل أن أعظم كنبي يهمه ما أكبر فإن. سموه في إكرام من ظلموه وفي تأليف قلوبهم

للعالمين، رحمة هللا بعثه كنبي الحب مع الطاعة يريد وإنما كملك الطاعة يريد ال إنه قلوبهم،

".أراد ما له تحقق وقد

بيب المصطفى وهكذا يتتبع عبد الحليم عويس مظاهر السمو األخالقي في سيرة الح

ملسو هيلع هللا ىلص، لينفذ منها إلى إبراز هذا السمو في الحضارة السامقة التي بناها المسلمون وعم خيرها

هذه الحضارة التي توقفت عند مرحلة معينة، عندما نكص أحفاد صانعيها على . الناس جميعا

روا لقمة سائغة يلوكها ، حتى صاأعقابهم وتركوا واجبهم وانغمسوا في أهواء الدنيا وشهواتها

.األعداء ويعبثون بها كيفما شاؤوا

واإلحباط، وتجعل المسلمين ييأسون من ومع أن وطأة الواقع األليم قد تدعو إلى اليأس

أن تقوم لهم قائمة في المستقبل، إال أن عبد الحليم عويس ينطلق مرة أخرى من سيرة النبي

ـ أن "المسجد األقصى ودرس السيرة النبوية"نوان عليه الصالة والسالم، ويؤكد ـ في مقال بع

العدد حسابات أساس على معركة يدخل ولم المادية، القوة موازين تحكمه لم"الرسول ملسو هيلع هللا ىلص

الوثنية القبائل غدر يترقبون معه ومن فيها ويعيش صغيرة مدينة يحكم كان بينما.. والعدة

العالم ملوك يخاطبـ الواقع هذا كل معـ كان. رةالجزي في الشرك زعيمة قريش وأحالف

لهم اإلسالم، إلى يدعوهم وقياصرته أشعة لوصول األبواب يفتحوا لم إذا معهم من أوزار ويحم

أوشاب من لها والمطه رة الرساالت، كل على المهيمنة الخاتمة هللا رسالة الناس ليعرف اإليمان

وبعد.. المهيمن الخاتم الجديد الدين حقائق الناس يعرف نأ وبعد وعندها،.. والعادات الوثنيات

اه ال }.. الغي من الرشد يتبين أن ر بينة، عن حي من ليحيا ولكن ،[111: البقرة]{ الد ين في إك

".بي نة عن هلك من وليهلك

أن يرتبطوا باهلل عز وجل ؛وهذا ما يجب أن يفقهه المسلمون اليوم ويقيموا عيله حياتهم

ويجعلوا أكبر همهم أن يقوموا بواجبهم في التمكين لدينهم بالدعوة إلى هللا بالحكمة والموعظة

14

الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن واتخاذ أسباب القوة، مستهدفين هداية الناس وإيصال الحق

.على عدوهم ويعينهمإليهم، معتقدين أن هللا عز وجل سينصرهم ويدافع عنهم ويمكن لهم

ي عبد الحليم عويس إلى توجيه نداء إلى المسلمين مستنهضا هممهم ومستثيرا وينته

نخوتهم للدفاع عن األقصى في وجه محاوالت تهويده وهدمه، مما يمكن اعتباره وصية ختامية

:يقول رحمه هللا. أسداها لقومه وهو في أخريات ايامه

ترك الذي لرسولكم تقولون اذام ..الهداية مشعل وحملة العقيدة حراس يا.. دمحم أحفاد يا"

واليأس، الوهن تزرع معادالت ألية يخضع ولم سيرة، أفضل لكم وقد م دين، أفضل لديكم

على وتعيش الحرمين، وثالث القبلتين أولى في وتفرط والهوان، الذل وقبول االستسالم وتبرر

السامري سىومو الناسك بطرس حفدة من الكذوبة الوعود وقبول بالمساومات نفسها خداع

ر كل من أبرياء وهم اإلسالم، أنبياء فهم ودمحم وهارون موسى أما.. !العجل؟ عابد خائن أو مزو

قد اللهم.. يداه قدمت ما على المرء يحاسب يوم هللا، بلقاء آبه غير والحياة، للمال عابد أو

"..فاشهد اللهم بلغت،

دكتور عبد الحليم عويس، وأورثه الجليل وحبيبنا الغالي األستاذ ال يخناشرحم هللا

، وجمعنا بهم الفردوس األعلى من الجنة، مع النبيين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا

.جميعا في مستقر رحمته يوم ال ينفع مال وال بنون إال من أتى هللا بقلب سليم

:المراجع

الدكتور عبد الحليم : ة، تأليفشخصية الرسول ملسو هيلع هللا ىلص في ضوء المقاييس اإلنساني -3

إدارة الثقافة والنشر بجامعة اإلمام دمحم بن سعود اإلسالمية في الرياض بالمملكة : عويس، نشر

.م 3441هـ، 3931العربية السعودية، الطبعة األولى

دار االعتصام، : الدكتور عبد الحليم عويس، نشر: في ظالل الرسول، تأليف -1

.م 3491لى، القاهرة، الطبعة األو

15

الهجرة بين حضارتنا وحضارتهم، مقال للدكتور عبد الحليم عويس، منشور في -1

.1114 يناير 14 الجمعة، 19 العددالصادرة عن الجمعية الشرعية، القاهرة، التبيان مجلة

، منشور في ، مقال للدكتور عبد الحليم عويسكله العالم إلى المدينة من الهجرة -9

.1131 ديسمبر 11 األحد، 19 لعددا، التبيان مجلة

، مقال للدكتور عبد الحليم عويس، الناس لكل والرحمة العدل إمام المرسلين خاتم -1

.1133 مايو 19 السبت، 91 العدد، التبيان مجلةمنشور في

، مقال للدكتور عبد الحليم عويس، منشور على موقع حروبه في الرسول إنسانية -1

.قصة اإلسالم

مقال للدكتور عبد ، وسلم عليه هللا صلى الرسول حروب في األخالقية ةالطبيع -1

.1111 يونيو - أبريل، 1: العددالحليم عويس منشور في مجلة حراء التركية،

، مقال للدكتور عبد الحليم عويس، منشور النبوية السيرة ودرس األقصى المسجد -9

.على موقع قصة اإلسالم