رثاء الصداقة في شعر المتنبي: الذات بين تنازع الفقد...

38
ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺩﻨﻴﺔ ﺍﻟﻤﺠﻠﺔ ﺍﻟﻤﺠﻠﺩ ﻭﺁﺩﺍﺒﻬﺎ، ﺍﻟﻌﺭﺒﻴﺔ ﻟﻠﻐﺔ) ١١ ( ﺍﻟﻌﺩﺩ) ١ ( ﺼﻔﺭ١٤٣٦ ﻫـ/ ﺜﺎﻨﻲ ﻜﺎﻨﻭﻥ٢٠١٥ ١٢٧ ﺍﻟﻤﺘﻨﺒ ﺸﻌﺭ ﻓﻲﺩﺍﻗﺔ ﺍﻟﺼ ﺭﺜﺎﺀ: ﺍﻟﺫ ﺘﻨﺎﺯ ﺒﻴﻥ ﺍﺕ ﻭﺍﻟﺤﻨﻴﻥ ﺍﻟﻔﻘﺩ. ﺍﻟﺤﻭﻴﻁﺎﺕ ﻤﻔﻠﺢ* ﺘﺎﺭﻴﺦ ﺘﻘﺩﻴﻡ ﺍﻟﺒﺤﺙ: ٥ / ١١ / ٢٠١٣ ﺘﺎﺭﻴﺦ ﻗﺒﻭل ﺍﻟﺒﺤﺙ: ١٦ / ١٠ / ٢٠١٤ ﻤﻠﺨ ﺃﻥﺍﺭﺱ ﻟﻠﺩ ﹶﺒﻴ ﺇﺫﻲ؛ ﺍﻟﻤﺘﻨﺒ ﺸﻌﺭ ﻓﻲﺩﺍﻗﺔ ﺍﻟﺼ ﻤﻭﻀﻭﻉﺭﺍﺴﺔ ﺍﻟﺩ ﻫﺫﻩ ﺘﺘﻨﺎﻭل ﺍﻟﻤﻭﻀﻭﻉ ﻬﺫﺍ ﺸﻌﺭﻩ ﻓﻲ ﻭﺍﻀﺤﺎ ﺤﻀﻭﺭﺍ. ﻤﺜل ﻤﻥ ﻤﻔﺭﺩﺍﺕ ﻭﺃﻥ" : ﺩﺍﻗﺔ ﺍﻟﺼ" ، " ﺩﻴﻕ ﺍﻟﺼ" ، " ل ﺍﻟﺨ" ، " ﺎﺤﺏ ﺍﻟﺼ" ، " ﱠﺩﻴﻡ ﺍﻟﻨ" ﺍﻻﻨﺘﺒﺎﻩ ﻭﻴﺜﻴﺭ ﱠﻅﺭ ﺍﻟﻨ ﻴﺴﺘﺭﻋﻲ ﻨﺤﻭ ﻋﻠﻰ ﱢﻌ ﺍﻟﺸ ﻫﺫﺍ ﻓﻲ ﱠﺭﺩ ﺘﻁ. ﻫﺫﺍ ﺒﺤﺙ ﻓﻲﺭﺍﺴﺔ ﺍﻟﺩ ﻭﺘﺠﻬﺩ ﺍﻟ ﺍﻟﻤﺘﻨﺒ ﺨﻁﺎﺏ ﻓﻲ ﱢﻴﺎﺘﻪ ﺘﺠﻠ ﻭﺍﺴﺘﻘﺼﺎﺀ ﺍﻟﻤﻭﻀﻭﻉ ﺍﻟﻔﻜﺭﺓ ﺃﻫﻤﻴ ﻓﻴﻪ ﹸﺒ ﺘﻤﻬﻴﺩﺍ ﺃﻭﻻ ﻓﺘﻘﺩ؛ ﺭﻱ ﱢﻌ ﺍﻟﻤﺘﻨﺒ ﺸﻌﺭ ﻓﻲﻬﺎ ﻏﺎﺕ ﻭﻤﺴﻭ. ﻭﻋﻼﻗﺔ ﻭﻭﺤﺩﺘﻬﺎ، ﹼﺎﻋﺭﺓ ﺍﻟﺸ ﹼﺍﺕ ﺍﻟﺫ ﻋﺯﻟﺔ ﻓﻜﺭﺓ، ﻤﻥ ﹸ، ﻭﺘﺒﺤﺙﺩﺍﻗﺔ ﺍﻟﺼ ﻅﺎﻫﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻙ ﻭﺃﺜﺭ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ، ﻫﺫﻩ ﻤﻥﻠﺔ ﺍﻟﻤﺘﺤﺼ ﹼﺘﺎﺌﺞ ﻭﺍﻟﻨ ﺒﺎﻵﺨﺭ ﹼﺍﺕ ﺍﻟﺫ ﻫﺫﻩ. ﻭﺘﻘﻑﺭﺍﺴﺔ ﺍﻟﺩﺩﻴﻕ ﺍﻟﺼ ﻭﺼﻔﺎﺕﺩﺍﻗﺔ ﺍﻟﺼ ﻟﻤﻌﻨﻰﺭﻩ ﺘﺼﻭ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺘﻨﺒ ﻤﻨﻬﺎ ﻴﻨﻁﻠﻕ ﺍﻟﺘﻲﺅﻴﺔ ﺍﻟﺭ ﻋﻠﻰ، ﹶﻡ ﻤﻥ، . ﻋﺫﺍﺒﺎﺕﻬﺎ ﺘﺘﺠﺎﺫﺒ ﱠﺕ ﻅﻠ ﻟﺼﺩﺍﻗﺔ ﻤﺜﺎﻻ ﺍﻟﺤﻤﺩﺍﻨﻲﻭﻟﺔ ﺍﻟﺩ ﺒﺴﻴﻑ ﹼﺎﻋﺭ ﺍﻟﺸ ﻋﻼﻗﺔ ﻤﻥ ﺃﺨﻴﺭﺍﺭﺍﺴﺔ ﺍﻟﺩ ﹼﺨﺫ ﻭﺘﺘ ﺍﻟﺤﻨﻴﻥ ﻭﻨﻭﺍﺯﻉ ﹾﺩ ﹶﻘ ﺍﻟﻔ. ﻜل ﻓﻲﻬﺎ ﻤﻭﻀﻭﻋ ﺘﻘﺎﺭﺏﺭﺍﺴﺔ ﻭﺍﻟﺩ ﻫﺫﺍ ﺇﻟﻰ ﹶﻌ ﺇﺫ ﻭﻫﻲ ﹰ، ﻨﺼﻴ ﻤﻘﺎﺭﺒﺔ ﻟﻙ ﻭﺘﻘﺭﻴﺒﻬﺎﻻﻟﺔ ﺍﻟﺩ ﺘﻌﻴﻴﻥ ﻓﻲ ﻴﺴﺎﻋﺩ ﻤﺎ ﻜﺜﻴﺭﺍ ﺍﻟﺫﻱﻴﺎﻕ ﺍﻟﺴ ﺩﻭﺭ ﺘﻤﺎﻤﺎل ﹾﻔ ﹸﻐ ﹼﻬﺎ ﻓﺈﻨ. ﹼﺔ ﺍﻟﺩﺍﻟ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ: ﻭﺍﻵﺨﺭ ﺍﻷﻨﺎﺩﺍﻗﺔ، ﺍﻟﺼﻲ، ﺍﻟﻤﺘﻨﺒ، ﺎﺴﻲ ﻋﺒ ﺸﻌﺭ. * ﱡﻐﺎﺕ، ﺍﻟﻠ ﻜﻠﻴ ﺍﻟﻌﻘﺒﺔ ﻓﺭﻉﺔ، ﺍﻷﺭﺩﻨﻴ ﺍﻟﺠﺎﻤﻌﺔ. ﺍﻟﻨﺸ ﺤﻘﻭﻕ ﻤﺅﺘﺔ ﻟﺠﺎﻤﻌﺔ ﻤﺤﻔﻭﻅﺔ، ﺍﻟﻜﺭﻙ، ﺍﻷﺭﺩﻥ.

Transcript of رثاء الصداقة في شعر المتنبي: الذات بين تنازع الفقد...

م٢٠١٥ كانون ثاني/ هـ ١٤٣٦ صفر )١(العدد ) ١١(للغة العربية وآدابها، المجلد المجلة األردنية في ا

١٢٧

ع الفقد والحنينات بين تنازالذ: رثاء الصداقة في شعر المتنبي

* مفلح الحويطات. د

م١٦/١٠/٢٠١٤ : البحثقبول تاريخ م ٥/١١/٢٠١٣: البحثتقديمتاريخ

صملخ

هذا الموضوع تتناول هذه الدراسة موضوع الصداقة في شعر المتنبي؛ إذ تبين للدارس أن ل

، "الصاحب"، و"الخل"، و"الصديق"، و"الصداقة: "وأن مفردات من مثل. حضورا واضحا في شعره

وتجهد الدراسة في بحث هذا . تطرد في هذا الشعر على نحو يسترعي النظر ويثير االنتباه" النديم"و

شعري؛ فتقدم أوال تمهيدا تبرز فيه أهمية الفكرة الموضوع واستقصاء تجلياته في خطاب المتنبي ال

وتبحث، من بعد، فكرة عزلة الذات الشاعرة ووحدتها، وعالقة . ومسوغات درسها في شعر المتنبي

وتقف . هذه الذات باآلخر والنتائج المتحصلة من هذه العالقة، وأثر ذلك على ظاهرة الصداقة

. ، من ثم، على الرؤية التي ينطلق منها المتنبي في تصوره لمعنى الصداقة وصفات الصديقالدراسة

وتتخذ الدراسة أخيرا من عالقة الشاعر بسيف الدولة الحمداني مثاال لصداقة ظلت تتجاذبها عذابات

لك مقاربة نصية، وهي إذ تعمد إلى هذا والدراسة تقارب موضوعها في كل ذ. الفقد ونوازع الحنين

.فإنها ال تغفل تماما دور السياق الذي كثيرا ما يساعد في تعيين الداللة وتقريبها

. شعر عباسي، المتنبي، الصداقة، األنا واآلخر:الكلمات الدالة

. الجامعة األردنية، فرع العقبةكلية اللغات، *

.األردن، الكرك، ر محفوظة لجامعة مؤتة حقوق النش

مفلح الحويطات. الذات بين تنازع الفقد والحنين د: رثاء الصداقة في شعر المتنبي

١٢٨

Lament Friendship in Al-Mutanabbi's Poetry:

Conflict between Self-loss and Nostalgia

Dr. Mufleh Dab'an Hweitat

Abstract This study examines the subject of friendship in Al- Mutanabbi's poetry.

It shows that the word "friend" and its synonyms in Arabic such as "al-khil", "al-sahib" and "al-nadim" are repeated markedly in this poetry. The study deeply investigates this issue with all its details in Al-Mutanabbi's poetic discourse. Thus, the study first presents the significance of the idea as well as the justifications for exploring it in Al-Mutanabbi's poetry. Then, the study searches the idea of poetic self-isolation and its unity. Adding to that, the self-relationship with the other, the results obtained from this relationship as well as the effect of all that on the friendship have been investigated. Furthermore, the study considers the bases on which Al-Mutanabbi envisions the meaning of friendship and the features of friend. Finally, the study exemplifies on the friendship by referring to the friendship between Al-Mutanabbi and Saif Al-Dawla Al-Hamadani, which was characterized by suffering loss and desires of nostalgia. The study converges the theme in all of this in text approach. Hence, it does not completely overlook the role of context, which largely helps to set and produce the significance.

Keywords: Abbasid poetry, Al-Mutanabbi, friendship, ego and the other.

م٢٠١٥ كانون ثاني/ هـ ١٤٣٦ صفر )١(العدد ) ١١(للغة العربية وآدابها، المجلد المجلة األردنية في ا

١٢٩

- ؤلموي رضداقة ما يالص ومن ـهنفع داوة ما ينالكالع منو

)١(المتنبي

".وقبل كل شيء ينبغي أن تثق بأنه ال صديق وال من يتشبه بالصديق "-

)٢(التوحيدي

تمهيد

. المتميزة في حياة بني البشرالصداقة، مثلها مثل الحب، قيمة إنسانية عظيمة لها مكانتها

وهي قيمة خالدة يتجدد حضورها بتجدد العصور واألزمان، ذلك أنها شرط من شروط الحضور

را أم شريرا، سعيدا أم تعيسا، بحاجة إلى أن يكون له أصدقاء"؛ )٣(اإلنسانيفاإلنسان سواء أكان خي .

عن طريقهم يتوصل إلى تجاوز تعاسته وحظه العاثر، فبواسطتهم يكتشف نفسه كإنسان خير سعيد، و

) أو تعرف المرء على نفسه(ذلك أن معرفة الذات . أو اإلصرار على شره كما هو حاصل أحيانا

.)٤("يضاء ويترسخ عن طريق االحتكاك باآلخر

وا فيه رؤاهم وقد شغل موضوع الصداقة عددا من الفالسفة والمفكرين واألدباء، فقدم

أن يكون من أوائل الفالسفة الذين بحثوا ) م. ق٣٢٢-٣٨٤(ولعل أرسطو . وتصوراتهم المختلفة

.)٥(هذا الموضوع بحثا مستفيضا، ويعد ما كتبه مرجعا لكثيرين ممن تناولوا هذا الموضوع من بعده

ابن المقفع : الصداقةومن الفالسفة والمفكرين العرب القدامى الذين تناولوا موضوع

، )م١١١١/هـ٥٠٥ت(، وأبو حامد الغزالي )م١٠٣٠/هـ٤٢١ت(، ومسكويه )م٧٥٩/هـ١٤٢ت(

أبرز من عني بهذا الموضوع من العرب؛ ) م١٠٢٣/ه٤١٤ت(ولعل أبا حيان التوحيدي . )٦(وغيرهم

مصطفى السقا، : ، شرح أبي البقاء العكبري، تحقيقديوانه): م٩٦٥/هـ٣٥٤(المتنبي، أحمد بن الحسين )١(

.١٣٠، ص٤، ج١٩٢٦وإبراهيم اإلبياري، وعبد الحفيظ شلبي، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة،

، ١، طكتاب األدب واإلنشا في الصداقة والصديق): م١٠٢٣/هـ٤١٤(مد التوحيدي، أبو حيان علي بن مح )٢(

.٦هـ، ص١٣٢٣المطبعة العامرة الشرقية، مصر،

، دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، قراءات تأويلية في الثقافة العربية: التأويل والحقيقة: حرب، علي )٣(

.٨١، ص٢٠٠٧بيروت،

، دار ١هاشم صالح، ط: ، ترجمةجيل مسكويه والتوحيدي: نسنة في الفكر العربينزعة األ: أركون، محمد )٤(

.٥١٩، ص١٩٩٧الساقي، بيروت،

مجلة كلية اإلنسانيات ، "فكرة الصداقة بين أرسطو وأبي حيان التوحيدي: "روسان، زاهد: عن ذلك انظر )٥(

.١٠٢-٩٠، ص٢٠٠٠، ٢٣، جامعة قطر، العدد والعلوم االجتماعية

، المجلس عالم المعرفة، "الصداقة من منظور علم النفس: "أبو سريع، أسامة أسعد: في تفصيل ذلك انظر )٦(

).نسخة الكترونية. (٢٦ - ١٩، ص١٩٩٣فة والفنون واآلداب، الكويت، نوفمبر الوطني للثقا

مفلح الحويطات. الذات بين تنازع الفقد والحنين د: رثاء الصداقة في شعر المتنبي

١٣٠

ومختارات واسعة من أقوال الذي ضمنه آراءه " الصداقة والصديق"فقد كرس له كتابا كامال هو

.)١(الفالسفة والكتاب والشعراء في الصداقة

داقة، كما أنراسة استقصاء كل التراث الذي كتب في موضوع الصوليست غاية هذه الد

. الغاية ال تتجه إلى بحث هذا الموضوع بحثا فكريا متخصصا، فلذلك مجال آخر غير ما نحن فيه

بصفتها أمنية دائمة وكونية "إنما غاية ما تهدف إليه هذه الدراسة بيان أهمية موضوع الصداقة و

ياسيوالس واألخالقي ينيلوك الدللفرد الذي يعيش في إطار )٢("لإلنسان، وامتحانا رائزا للس

يرا من موضوعات األدب اجتماعي تتداخل فيه العالقات وتتقاطع، األمر الذي جعلها موضوعا أث

هذه الفكرة وأثرها في - ولعل هذا ما يهم الباحث في مجال األدب-، ثم استجالء)٣(العربي القديم

.الرؤية الشعرية لدى شاعر كبير كالمتنبي

إن بحث موضوع الصداقة في شعر المتنبي يكشف عن جانب من أزمة الذات الشاعرة

؛ ففي شعره ال نجد تمتعا بمباهج الصداقة ومسارها، بل نصادف شكوى مريرة من قلة ومعاناتها

الذي يشكك بواقعية - وهما ابنا عصر واحد-الصديق وندرته، في موقف يذكر بموقف التوحيدي

هذه الدراسة ما ولعل في االقتباسين االفتتاحيين اللذين صدرت بهما . )٤(الصداقة وإمكان وجودها

وهي نظرة تتسم، في عمومها، . يدل على أن ثمة تقاربا في نظرة كال األديبين لموضوع الصداقة

ة وجود صديق حقيقية واليأس من إمكانيلبير. بالسعن ضعف ثقة كليهما - في الوقت ذاته-وتعب

مية تغلف رؤية كل منهما للحياة وهو أمر يكشف، على نحو أو آخر، عن نزعة تشاؤ. بالناس

. والناس

للتوحيدي، في بعدها العميق، تعد تعبيرا عن حنين " الصداقة والصديق"وإذا كانت رسالة

جارف إلى الصديق الذي لم يعرفه أبو حيان ولم ينعم بوصله، كما يذهب إلى ذلك جمال

م ظلت دائمة الحضور في شعر المتنبي أيضا، وفق ما ، فإن فكرة الحنين إلى صديق حمي)٥(الغيطاني

وربما ساعد على هذا التقارب في رؤية كل من . ستكشف عنه هذه الدراسة في فقرات الحقة

، رسطو وأبي حيان التوحيديفكرة الصداقة بين أروسان، : الستقصاء آراء التوحيدي في هذا الموضوع انظر )١(

.١١٧-١٠٢ص

.٥١٨، صنزعة األنسنة في الفكر العربيأركون، )٢(

.٥١٨، صنزعة األنسنة في الفكر العربيأركون، )٣(

، دار سعاد ٢حسن السندوبي، ط: ، تحقيقالمقابسات): م١٠٢٣/هـ٤١٤(التوحيدي، أبو حيان علي بن محمد )٤(

.٣٦٢-٣٥٩، ص١٩٩٢الصباح، الكويت،

، المجلس األعلى للثقافة، القاهرة، مختارات من نثر أبي حيان التوحيدي: خالصة التوحيدي: الغيطاني، جمال )٥(

.٧، ص١٩٩٥

م٢٠١٥ كانون ثاني/ هـ ١٤٣٦ صفر )١(العدد ) ١١(للغة العربية وآدابها، المجلد المجلة األردنية في ا

١٣١

الشاعر والكاتب طبيعة شخصيتيهما وما قد تفتقران إليه من غنى وحميمية في عالقتهما باآلخر،

وقد . )١( توجههما العام، من أسلوب احتدامي في عالقاتهما اإلنسانيةفضال عما يصدران عنه، في

يكون أيضا لطبيعة القرن الرابع الهجري بتركيبته االجتماعية المعقدة دور في تأزم أوضاع األدباء

وافق في غير أن مثل هذا الت. )٢(بما قد ينعكس على تواصلهم اإلنساني وحياتهم في جوانبها المختلفة

.)٣(الرؤية ينبغي أال يصرف الذهن عن االختالفات الواضحة بين هاتين الشخصيتين في الوقت ذاته

والدراسة نصية تعتمد . وتتجه هذه الدراسة إلى بحث موضوع الصداقة في شعر المتنبي

و أمر ال يعني على كل حال إغفال وه. النص الشعري أساسا في اكتناه محموالته ودالالته المضمرة

السياق ودوره في تحديد الداللة وتعيينها؛ فالنص يبقى وثيق الصلة بشروط إبداعه وإنتاجه، ولكنه

.مع ذلك ليس هدف الدراسة ومنطلقها الرئيس) السياق(

عدد من القضايا إن بحث موضوع الصداقة يتطلب من الدارس في هذا المقام أن يقف على

المتداخلة بهذا الموضوع، والمتأثرة أو المؤثرة فيه؛ فاستقراء فكرة الوحدة والعزلة التي تشكل معنى

الزبا في شعر المتنبي، والوقوف على عالقة الذات الشاعرة باآلخر واستكناه ما تكشف عنه هذه

والحقيقة أن فكرة . ح بموضوع هذه الدراسةالعالقة من أبعاد ودالالت، أمور لها تماسها الواض

الصداقة تتواتر في نص المتنبي في إشارات متوارية حينا، وسافرة حينا آخر، وهي تعلن عن نفسها

والدارس يمكنه، في المحصلة، أن يلم بأبعاد هذا الموضوع . في مثل هذه الموضوعات وغيرها

.بي الذي يكشف بعضه وجوه بعضبالنظر الشامل في نص المتن

أحمد : ، أصدرها باللغة العربيةدائرة المعارف اإلسالمية، "أبو الطيب المتنبي: "بالشير، ريجسير: انظر )١(

مفهوم اإلنسان عند أبي حيان : "؛ العراقي، عاطف٣٦٨، ص١ت، م. م، د. الشنتناوي وآخرون، دار الفكر، د

.٢٨، ٢٦، ص١٩٩٦، ١، م١٥، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ممجلة فصول، "التوحيدي

: السمرة، محمود؛٣٣-٢٦ت، ص. ، دار المعارف، القاهرة، د١٢ ط،مع المتنبي: حسين، طه: حول ذلك انظر )٢(

، ١٩٦٦، منشورات المكتب التجاري للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ١، طاألديب الناقد: ي الجرجانيالقاض

.٢٢-٩ص

" فيلسوف"و" مفكر"؛ فالتوحيدي "موضوع الصداقة"ب عن البال أيضا اختالف الشخصيتين في تناول يجب أال يغي )٣(

حص الناقد، والمتنبي شاعر يعبر عن رؤيته وأحاسيسه بلغة يناقش المفاهيم والتعريفات ويحاكمها محاكمة المتف

وهو أحد شعراء المعاني الكبار في الشعر -وإن لم يخل شعره . الشعر التي هي غير لغة الفلسفة والفكر

لة ناقدة في هذا الموضوع-العربيمن نظرات متأم .

مفلح الحويطات. الذات بين تنازع الفقد والحنين د: رثاء الصداقة في شعر المتنبي

١٣٢

عزلة الذات ووحدتها

ولقد . في شعر المتنبي ثمة إحساس بالوحدة يلمسه كل من يقرأ هذا الشعر منذ الوهلة األولى

ولعل في تكرار الحديث عن معنى . بقي هذا اإلحساس صفة مالزمة للشاعر في أغلب أطوار حياته

ي بعض وجوهه، بقلة الصديق، أو انعدامه أصال في عالم الذات الشاعرة التي الوحدة ما يشي، ف

:)١(تتملكها أحيانا حاالت بعيدة من الشكوى واالنكسار أهـــم بـــشيء والليـــالي كأنهـــا

تطـــاردني عــــن كونــــه وأطـــــــارد

ـــدة ــل بلــ ــي ك ــان ف ــن الخل ــد م ـد إ وحي ــساعـ ـــل الم ــوب قـــ ــم المطل ذا عظ

)٢(ـدــــسبوح لها منها عليها شــواهــ ـرةـوتسعدني في غمرة بعد غـــمـ

ـــاح تثنى على قدر الطعان كأنمـــــــا ــت الرمــــــ ــلها تحـ مفاصـ

)( )٤(ــدــــــها والقالئـــــاتمحللة لب اـــ خيلي عـــلى القنمحرمة أكفال

دـــــوارد ال يصدرن من ال يجالــــم ـديــــوأورد نفسي والمهند في يـ

بها ففي األبيات السابقة تصوير لتناقضات الذات ومفارقاتها؛ فهي تجهد في سبيل تحصيل مطل

ال سند لها أو صديق في كل مكان تحل " وحيدة"الذي يصطدم بعوارض الزمن وعوائقه، وهي كذلك

ومع ذلك فإن غايتها ومطلوبها بعيدان، وكلما عظم المطلوب، وفق ما يقرر الشاعر، قل وجود . فيه

تجد في الخالص منه، في الصديق، وفي هذا تعبير عن إحساس الذات بمأزقها الذي ال/المساعد

التي تنقل داللة األبيات إلى جو آخر تؤدي )٥(الخيل/اللحظة الراهنة، سوى استحضار صورة الفرس

ويعمق من حدة . عالمة إشارية مؤثرة بما تثيره من إيحاءات مغايرة لما سبق" تسعدني"فيه لفظة

.٢٧١- ٢٧٠، ص١، جديوانهالمتنبي، )١(

.الفرس التي كأنها تسبح في جريها: السبوح. الشدة: مرةالغ )٢(

.جمع مرود، وهو حديدة تدور في اللجام: المراود )٣(

.أعالي الصدور: اللبات )٤(

، قراءة في شعر المتنبي: الرونق العجيب: الكركي، خالد: عن صورة الخيل ودالالتها في شعر المتنبي انظر )٥(

؛ ٤٠-٣٢، ص٢٠٠٨ بيروت، عمان، مؤسسة عبد الحميد شومان،راسات والنشر،بية للد المؤسسة العر،١ط

ـا في شـالخيل وداللته: "ادقي، فائقةالصـمج، "يعر المتنبجامعة البحرينةلة العلوم اإلنساني ،،

.١٣٦- ١١٦، ص٢٠١٠ ،١٨/١٩ددـالع

م٢٠١٥ كانون ثاني/ هـ ١٤٣٦ صفر )١(العدد ) ١١(للغة العربية وآدابها، المجلد المجلة األردنية في ا

١٣٣

سبوح، ( على فرسه من صفات تناوش حدود األسطورة االنتقال لهذا المعنى أيضا ما يضفيه الشاعر

إلى ذلك فإن الذات تسعى، اتكاء على ..). تثنى على قدر الطعان، مفاصلها تحت الرماح مراود

فاعلية الصورة الشعرية وتأثيرها، إلى تحقيق وجودها باجتراح فعل الشجاعة الذي يمدها بالقوة

. ا وعزلتها البالغتينالالزمة في مواجهة وحدته

وتتكرر فكرة الوحدة وقلة النصير في شعر المتنبي، ومن ذلك األبيات التالية التي يبلغ فيها

:)١(هذا المعنى حدودا بالغة التأثير، يقول

كيف الرجاء من الخطـوب تخلـصــــا

ـ ـــا من بعد ما أنشبن فـي مخـــــالبــ

متناهيا فجعلنه لـــي صــــــاحبــا واحــــــدا أوحدنني ووجدن حزنـا

ـــاـــمحن أحد من السيوف مضــاربـ ـاة تصيبنيـــونصبنني غرض الرمـ

تنيني أظمـــا جئتها الــدــس اــــفلم ـمست ــي ــ ــرت عل ــصائباقيا مط م

)٢(مــــن دارش فغدوت أمشي راكبـــا ــاب بأسودـوحبيت من خوص الركـ

يحسن بداية ربط هذه األبيات بسياقها الذي قيلت فيه؛ فاألبيات من قصيدة يمدح فيها المتنبي

الذي يقال إنه لم يجز الشاعر عليها إال دينارا واحدا؛ فسميت بالقصيدة علي بن منصور الحاجب

واألبيات من نتاج المرحلة التي سبقت اتصال الشاعر بسيف الدولة، والتي يجمل . )٣(الدينارية

ه، ويمشي في كثيرا ما يتجشم أسفارا بعيدة أبعد من آمال] المتنبي[وكان : "الثعالبي وصفها بقوله

مناكب األرض، ويطوي المناهل والمراحل، وال زاد إال من ضرب الحراب، على صفحة

وهو وصف يعبر عن مبلغ البؤس الذي وصلت إليه . )٤("المحراب، وال مطية إال الخف أو النعل

. الذات الشاعرة في هذه الفترة النكدة من حياتها

.١٢٥-١٢٤، ص١، جديوانهالمتنبي، )١(

.ضرب من الجلد: الدارش. الناقة الغائرة العينين من الجهد واإلعياءجمع خوصاء، وهي: خوص )٢(

: ، تحقيـق يتيمة الدهر في محاسن أهل العـصر ): م١٠٣٨/هـ٤٢٩(الثعالبي، أبو منصور عبدالملك بن محمد )٣(

؛ البـديعي، يوسـف ١٤٦-١٤٥، ص ١، ج ١٩٨٣، دار الكتـب العلميـة، بيـروت، ١مفيد محمد قميحـة، ط

مصطفى السقا، ومحمد شتا، وعبده زياد عبده، : ، تحقيق الصبح المنبي عن حيثية المتنبي ): م١٦٦٢/هـ١٠٧٣(

.٤٢٢ت، ص. ، دار المعارف، القاهرة، د٣ط

.١٤٤، ص١، جهريتيمة الدي، الثعالب )٤(

مفلح الحويطات. الذات بين تنازع الفقد والحنين د: رثاء الصداقة في شعر المتنبي

١٣٤

تكوين النصي لألبيات السابقة التي وفر لها الشاعر من ويجد وصف الثعالبي هذا صداه في ال

المؤثرات الفنية ما جعلها تعبر تعبيرا بالغا عن فكرة وحدة الذات التي تتلبسها حالة من الحزن الدائم

ومصاحبة الحزن فكرة أثيرة لدى المتنبي الذي سيكرر في . المالزم لها" كالصاحب"الذي غدا

لم يتركوا لي : "تقبل هذا المعنى في إحدى مقدماته الغزلية حين يصف من رحلوا وتركوه وحيداالمس

أقول إن الشاعر وفر ألبياته من المؤثرات ما جعلها معبرة عن حاله، ومن . )١(.."صاحبا إال األسى

الرؤية التي تصدر عنها األبيات؛ ذلك الصور االستعارية التي كان لها دور بارز في تأكيد مأساوية

فالخطوب تبدو كالوحش الكاسر الذي ينشب مخالبه في فريسته في صورة تذكر بصورة أبي ذؤيب

والذات تكون هدفا سهال للمحن التي تبدو في قسوتها كالسيوف . )٢(الهذلي في وصفه الشهير للمنية

. الماضية

وقد . )٣(المفارقة التي تعد من السمات المائزة في شعر المتنبيويوظف الشاعر أخيرا تقنية

وتتجلى المفارقة بوضوح حين يتوقع "عمقت هذه التقنية من حس المأساة في األبيات السابقة،

ا التوقع المتلقي أن الدنيا ستكافئ الشاعر بعد هذه المعاناة الدائمة بحال غير هذه الحال، ولكن مثل هذ

، فبعد كل هذا الظمأ في انتظار الماء والسقيا، "مطرت علي مصائبا: "سرعان ما يخيبه قول الشاعر

وتتأكد حدة المفارقة حين يظهر . تكون النتيجة وابال من المصائب الجديدة التي تضاف إلى سابقاتها

. نقله وحركته، فإذا به اآلن ال يملك إال خفا أسودأن الشاعر كان في السابق يمتطي اإلبل في ت

وهكذا فقد تمكن الشاعر من استثمار تقنية المفارقة في تصوير صراعه غير المتكافئ مع الزمن،

.)٤("وتجسيد ما أصابه من تحوالت سلبية تركت أثرها القاسي على نفسه وحياته

عر؛ فالذات تبدو ممعنة في الرحيل، عازمة على هكذا تتعمق فكرة الوحدة في حياة الشا

:)٥(مفارقة اآلخرين واعتزالهم، وكأنها تجد في ذلك خالصا وانعتاقا مما هي فيه

)١( ٩، ص٤ ج،ديوانه ي،المتنب.

رها ألفيت كل تميمة ال تنفعوإذا المنية أنشبت أظفا: إشارة إلى قوله )٢(

الم الس د شاكر وعبد أحمد محم:، تحقيق وشرحاتالمفضلي ):م٧٩٤/هـ١٧٨(، المفضل بن محمد بي الض:انظر

.٤٢٢ص ،١٩٩٢ دار المعارف، القاهرة، ،١٠ طهارون،

مقاربة : المتوقع والالمتوقع في شعر المتنبي: إبراهيم، نوال مصطفى: عن المفارقة في شعر المتنبي انظر )٣(

؛ ٢٦٧-٢٤٦، ص٢٠٠٨، دار جرير للنشر والتوزيع، عمان، ١، طنصية في ضوء نظرية التلقي والتأويل

، رسالة دكتوراه مخطوطة، دراسة في الرؤية والتشكيل: تجليات الصراع في شعر المتنبي: الحويطات، مفلح

.١٩٤-١٨٣، ص٢٠٠٨جامعة مؤتة،

.١٩٢، صيات الصراع في شعر المتنبيتجلالحويطات، ) ٤(

)٥ (١٤٣- ١٤٢، ص٢، جديوانهي، المتنب.

م٢٠١٥ كانون ثاني/ هـ ١٤٣٦ صفر )١(العدد ) ١١(للغة العربية وآدابها، المجلد المجلة األردنية في ا

١٣٥

)١(وآونة عـــلى قتــــــد البعــير أوانا فـي بيـوت البـدو رحــلــــي

ـــري ــصم نـحـ ــاح ال ــرض للرم أع جيـــروهـــي للهجو ـــرح ٢(أنـــصب(

ــر منيرـكأني منه فــــــــي قمـ ديـــــوأسري في ظالم الليل وحــ

بشر منك يا شــــر الدهـــــــور ــيـوقلة ناصــر جوزيت عنـــ..

)٣(دورــــرة الصـم موغـــلخلت األك حتىـك ــعدوي كــــل شيء فيــ

ومع ما . )٤(ففي األبيات السابقة وصف لذات أدمنت الرحيل، فصار كأنه صفة مالزمة لها

أنصب حر /أعرض للرماح الصم نحري: "تسعى الذات إلى اجتالبه من صور القوة والصالبة

، فإنها تشف، مع ذلك، عن إحساس بالغ من الضعف " ظالم الليل وحديأسري في/ وجهي للهجير

الصديق الذي يمكن أن تأنس إليه الذات /والضياع، وقد تمثل ذلك أوال في الشكوى من قلة الناصر

ديق هنا والحديث عن قلة الص-وتمثل ثانيا في الشكوى من كثرة األعداء. وتجد فيها عونا وسندا لها

ا لهذه الذات، خصيما لها-يستدعي حديثا مقابال عن كثرة العدوكل ما الوجود بات عدو حتى لكأن .

إن فكرة عزلة الذات تبدو واضحة في شعر المتنبي، وهي فكرة يتكرر ورودها لديه على

: )٥(نحو الفت

ـرـــبعو نــزالناس ح نود ةخليالي ـا فقـــــــدمت ما لهببأح نعلى فقد م

وعي بالجمد ـ تلج جفوني لعيني كــل باكــــــية خــد ـاــفون كأنــــم

)٦(ـدوأصبر عنه مثل ما تصبر الربــــ ـاء نـغبـــةـوإني لتغنيني من المــ

.حلخشب الر: د البعيرتق) ١(

)٢ (الرمالب: ماح الصماح الصوجهي. الر روقت الهاجرة: الهجير. ما بدا منه: ح ة الحرشد.

.موضع المطمئن من األرضجمع أكمة، وهي ال: األكم) ٣(

)٤ (تجد فكرة الري، يقول مثالحيل وإدمانه حضورها الواضح في شعر المتنب:

ألفت ترحلي وجعلت أرضي قتودي والغريري الجـالال

نت ععما وال أزقامض ما حاولت في أرواال فمض زأر

ـأن الريح تحتي أوجهها جنوبا أو شمـاال على قلق ك

.٢٢٥-٢٢٤، ص٣، جديوانهالمتنبي، : انظر

)٥ (٣٧٧- ٣٧٦، ص١، جديوانهي، المتنب.

.النعام: الربد. عةرج: ةبغن) ٦(

مفلح الحويطات. الذات بين تنازع الفقد والحنين د: رثاء الصداقة في شعر المتنبي

١٣٦

)١(وأطوي كما تطوي المجلحـة الـــــعقد وأمــضي كمــا يمــضي الــسنان لطيتــي

ـ و ــزاء بــغيبــة أكبر نفسي عن جـ

ـ ـ غـن الــعي وال ـواما م وأرحم أق ـاب

ـــدهج مـا لـه ـنم ـدهكل اغتياب جو

)٢(عــــذر في بغضي ألنهم ضــــد وأ

ذا أثر في " خليالي دون الناس حزن وعبرة: "وإذا كان افتقاد الذات للصديق في هذه األبيات

، فإن الذات .."تلج دموعي بالجفون كأنما: "طبعها بهذه المسحة البادية من الحزن ولوعة الفقد

ه الخسارة، تمعن في تعميق حضورها، وإبراز وجوه قوتها الشاعرة، في سبيل تعويض هذ

: وامتالئها، مستثمرة عنصر المبالغة بما يمكن أن يكون له من دور في تعميق الداللة وتأكيدها

بل إن ..". ، وأطوي كما تطوي..، وأمضي كما يمضي..وإني لتغنيني من الماء نغبة، وأصبر عنه"

وأكبر نفسي عن جزاء : "مايز حين تترفع عن اآلخر بسمو الموقف والخلقالذات لتكابر في هذا الت

اآلخر بما : ، مقيمة حدا فاصال بين ضدين ال يلتقيان.."وأعذر في بغضي.. وأرحم أقواما.. بغيبة

، واألنا بما يمكن أن تتميز به من صفات )العي والغبا(تسبغه عليه األبيات من صفات منقوصة

وهكذا فإن األمر، في حالة . جابية غائبة ساعد على استحضارها تلك الصفات الشائهة لآلخرإي

كما يرد لديه في سياق بعيد )٣("وبضدها تتبين األشياء"المتنبي هذه، ال يمكن أن يفضي إلى التقاء،

.آخر

لى عالم غير عالم البشر، وربما كان لهذا المنزع الصدامي مع اآلخرين أثر في دفع الذات إ

: )٤(علها تجد فيه شيئا من تعويض وتكريم ضائعين

جمع أعقد، : دقالع. الذئاب المصممة الماضية: المجلحة. أجوع: أطوي. لالمكان الذي تطوى إليه الرواح: الطية) ١(

قدةوهو الذي في ذنبه ع.

.الغباوة: الغبا. العجز عن الحجة: العي) ٢(

)٣ (٢٢، ص١، جديوانهي، المتنب.

)٤ (٩٢-٩١، ص٤، جديوانهي، المتنب.

م٢٠١٥ كانون ثاني/ هـ ١٤٣٦ صفر )١(العدد ) ١١(للغة العربية وآدابها، المجلد المجلة األردنية في ا

١٣٧

مــــــكـرالفراديس م دك يا أسارأج لمــس فم ــــــانهم ــسي أم ــسكن نف )١(فت

ــ ورائي وقــدامي عــداة كثيـــــرة ــص ومن ــن ل ـهمــــك ومنـأحــاذر م

ة أعـــلمـــاب المعيشــــفإني بأسب دهــــــفهل لك في حلفي على ما أري

ــمـــوأثريت ممـــــا تغنمين وأغن ــةــل وجهـــإذا ألتاك الخير من ك

وانعدام األنيس، ولعل ذلك هو الذي جعل الذات تكشف األبيات عن إحساس بالغ بالوحدة

صداقة مع عالم الحيوان بعد أن تقطعت أواصر األلفة والمودة مع عالم /تنظر في إقامة حلف

وواضح ما تكشف عنه األبيات من حالة متمكنة من الشعور بالضياع والنفي، األمر الذي . اإلنسان

والالفت للنظر أن فكرة كثرة األعداء . بمثل هذا الرجاء المنكسر" راديسأسد الف"دفعها إلى مخاطبة

ذلك أن النص يعمل في "تتكرر في هذه األبيات كما في سابقتها، والتكرار هنا ليس منعدم الداللة؛

رارية في أغلب األحيان على تأكيد حضور أي وحدة أسلوبية وداللية من أجل إعطائها طابع االستم

النص، وكذلك من أجل إبرازها أمام انتباه القارئ، وتحديد الدور الذي تقوم به بين مجموع الوحدات

عن هذه الفكرة جاء تعبيرا عن شواغل الذات وهواجسها " المتكرر"فكأن هذا الحديث . )٢("األخرى

.رها من جديدالمستبدة التي ما إن تغب عن مداركها لحظة، حتى تعاود ظهو

تذكر بحالة الشنفرى - بما تتضمنه من نزوع إلى عالم مفارق-ولعل فكرة األبيات أخيرا

، وإن بدت )٣(الذي وجد هو اآلخر في صداقة الحيوان ما يغني عن صداقة اإلنسان أو التعايش معه

، وكانت )٤(لمتنبي التي بدت عرضيةحالة الشنفرى أكثر اندماجا واستغراقا في هذا العالم من حالة ا

..". إذا ألتاك الخير.. فهل لك في حلفي.. أحاذر من لص ومنك ومنهم: "أقرب إلى التوجس والحذر

، دار صادر، بيروت، معجم البلدان): م١٢٢٨/ه٦٢٦(عبداهللا الحموي، ياقوت بن : انظر. موضع قرب حلب: الفراديس )١(

.٢٤٣، ص٤، ج١٩٧٧

.١١٧، ص٢٠٠٣، المركز الثقافي العربي، بيروت، الدار البيضاء، ١، طالقراءة وتوليد الداللة: لحمداني، حميد )٢(

:إشارة إلى قول الشنفرى )٣(

ـألرفاء جي وأرقط زهلول وعــون سيد عملس ولي دونكم أهل

هم األهل ال مستودع السر ذائع لديهم وال الجاني بما جر يخذل

، دراسة "نهاية األرب في شرح المية العرب): "م١٧٧٢/هـ١١٨٦بعد (األزهري، عطاء اهللا بن أحمد المصري : انظر

، ١٩٩٢، جامعة الكويت، ٧٤، الحولية الثانية عشرة، الرسالة حوليات كلية اآلدابعبد اهللا محمد عيسى الغزالي، : يقوتحق

.٤٣- ٤٢ص

:يتكرر مثل هذا النزوع إلى عالم الحيوان أيضا في قول المتنبي )٤(

م القور واألكـــجب منيفلوات الوحش منفردا حتى تعصحبت في ال

والدارس ال يعنيه أن تأتي هذه الصحبة على سبيل الحقيقة أو المجاز، وغاية ما يهدف إليه تأكيد هذه اإلشارات التي ال

.٣٦٩، ص٣، جديوانهالمتنبي، : انظر. يخلو تواترها من داللة

مفلح الحويطات. الذات بين تنازع الفقد والحنين د: رثاء الصداقة في شعر المتنبي

١٣٨

احتدام العالقة وتوترها: الذات واآلخر

تقتضي دراسة موضوع الصداقة في شعر المتنبي الوقوف على طبيعة عالقته باآلخر؛

هذه العالقة يساعد الدارس على بحث هذا الموضوع وتحديد أبعاده؛ فالصداقة، في فاستقراء

المحصلة، نتاج تواصل إيجابي ومتصالح مع اآلخر، وهي تتأثر بمزاج الفرد وتركيبته النفسية

لعميق ومع أن الصداقة بمفهومها ا. واالجتماعية، وقدرته على التجانس واالنسجام مع محيطه

حالة إنسانية خاصة "تتجاوز مسألة التفاعل االجتماعي أو التواصل مع اآلخر بمعناه العام، باعتبارها

حالة هي أرحب من عزلة : تقع في منتصف الطريق بين الذات من جهة والمجتمع من جهة أخرى

، إال أن ذلك ال ينفي أن الصداقة، )١("الذات، ولكنها أقل اتساعا وأكثر حميمية من الكتلة االجتماعية

بما هي عالقة تجمع بين ذاتين، يتحدد حضورها أو غيابها برغبة الذات في التفاعل مع اآلخر،

. معه)٢("االستعداد الروحي والتناغم النفسي"وقدرتها على مد وشائج حقيقية من

يفرز "، وأنه )٣("في أدبه شخصية اصطدامية"خصيته والدارس لحياة المتنبي وشعره يجد أن ش

يمثل "، وهو )٤("نفسه ويعرضها عالما فسيحا من اليقين والثقة والتعالي في وجه اآلخرين وضدهم

وال يحتاج تعزيز هذه األحكام وتأكيدها في شعر المتنبي كبير . )٥("ذروة اإلحساس بالعظمة والتفوق

ما كانت رؤيته للناس تتخذ أشكاال من التوجس وإساءة الظن بهم، على شاكلة قوله عناء؛ فكثيرا

: )٦(التالي الذي يتحرر من قيد االحتراس الواجب ليدخل في مطلق التعميم

ــب ــربهم لبيـ ــاس جـ ــا النـ فـــإني قـــــد أكلـــتهم وذاقــــــا إذا مـ

أر اعـــــا فلــمإلــا خد ــمهدو

ـــا ــا نفاقــ ــنهم إل دي أر ـــم ولــ

.٨١، ص٢٠٠٢، دار الشروق، عمان، ١، طيةالداللة المرئ، "مرثية الصداقة اآلفلة: "العالق، علي جعفر) ١(

.٥١٩، ص في الفكر العربينزعة األنسنة أركون، )٢(

، دار سعاد الصباح، الكويت، ٤، طي والجاحظ وابن خلدونقراءات مع الشابي والمتنب: المسدي، عبد السالم) ٣(

.٧٠، ص١٩٩٣القاهرة،

.٥٥، ص١٩٧٩، دار العودة، بيروت، ٣، طلعربيعر امة للشمقد: أدونيس، علي أحمد سعيد) ٤(

.١٧٧، ص٢٠٠٥شر، بيروت، ، المؤسسة العربية للدراسات والن١، طفكيكهكذا أقرأ ما بعد الت: حرب، علي) ٥(

.٣٠٣، ص٢، جديوانهي، بالمتن) ٦(

م٢٠١٥ كانون ثاني/ هـ ١٤٣٦ صفر )١(العدد ) ١١(للغة العربية وآدابها، المجلد المجلة األردنية في ا

١٣٩

والبيتان يعبران، في مباشرتهما الحادة، عن سوء ظن بالناس الذين ترسخت في عالمهم، وفق

لديهم، في المقابل، كل القيم وانتفت . إلخ.. رؤية الشاعر، كثير من القيم السالبة من خداع ونفاق

والبيتان من قصيدة في مدح سيف الدولة، وفيها حديث . الموجبة التي يتحدد بها معنى الحياة ويكون

ولعل لموقف المتنبي هذا، بما ينطوي عليه من يأس وإحباط ظاهرين، . عن الحاسدين ومكائدهم

عر في ظل سيف الدولة، وما كان يدور في بالط األمير من ارتباطا باللحظة التاريخية من حياة الشا

.)١("دوما في الوسط الالعج منها"صور الشحناء والتباغض التي وجد المتنبي نفسه

ومثل هذا المعنى بالغ الوضوح في شعر المتنبي، ومن ذلك أبياته التالية التي اجتزئت من

:)٢(ه من مصر بنحو عامينهـ، أي بعد خروج٣٥٢قصيدة قالها سنة

هــر ــق منظ ــا ش ــصر م ــى ب ــون عل ه

ـــلم ــين كالحـــــ ــات الع ــا يقظ فإنم

إلــى خلــــق فتــشمته ال تــشكخم وــر ــان وال ــى الغرب ــريح إل ــكوى الج ش

مــــهم ثغــــر مبتسغرك منــولا ي ذر للناس تسترهــــن على حــوكــ

مــار والقســــوأعوز الصدق في األخب دةـاه في عــاء فما تلقــــغاض الوف

وال تشك : "فاألبيات تكشف عن نزعة تشاؤمية يتداخل فيها شعور اليأس والالجدوى من الناس

ليتبدى الموقف أخيرا .." وال يغرك.. وكن على حذر: "وشعور الحذر وعدم الثقة بهم، .."إلى خلق

وواضح أن األبيات . عن حكم تعميمي ينفي وجود صفتي الوفاء والصدق في هذا الوجود قاطبة

من نفسها تعبر في النهاية عن وحدة الذات وعزلتها في هذا العالم، فهي تنكفئ في شرنقتها لتقيم

.أنيسا تبثه الشكوى حين ال تجد من يمكن أن تنفتح عليه لتبوح له بمكنونها وداخلها المعذبين/مخاطبا

ة ، المؤسسة العربي١، طةنقديدراسات : ينابيع الرؤيا، "التناقض والحل: ي وشعرهالمتنب: "جبرا، جبرا إبراهيم )١(

حسين، : عن هذه األجواء انظر و.٣٣، ص١٩٧٩راسات والنشر، بيروت، للد؛ ٢٦٩-٢٥٨، صيمع المتنب

، عر العربي القديمقوسي لقصيدة المدح في الشالتفسير الط: أدب السياسة وسياسة األدب: ستيتكيفيتش، سوزان

، ١٩٩٨ين، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، حسن البنا عز الد: لهترجمه باالشتراك مع المؤلفة وقدم

.١٣٦ص

.١٦٢، ص٤، جديوانهي، تنبالم) ٢(

مفلح الحويطات. الذات بين تنازع الفقد والحنين د: رثاء الصداقة في شعر المتنبي

١٤٠

وتحتد العالقة بين الذات واآلخر لتتخذ شكال هجائيا حادا يكشف عن شعور عدائي تجاه أهل

: )١(الزمان عامة

هيلــــه أذم إلى هذا الزمـــــان أ

غـدو مهمزأحو مفــــــــد مهلم٢(فأع(

ردـــوأسهدهم فهـــــــد وأشجعهم ق وأكرمهم كلب وأبصرهم عــــــــم

ن صداقته بــــد عــــــدوا له ما م ر أن يرىـــا على الحــومن نكد الدني

والتصغير تغيير . "التصغير: تستثمر األبيات السابقة في سبيل تأكيد داللتها أمرين؛ األول

مخصوص في بنية الكلمة، وهو من هذه الوجهة تحول صرفي محض، ولكنه من وجهة أخرى

لمة، ثم في الداللة الكلية للنسق يعتبر وصفا في المعنى، ومن هنا تأثيره في الداللة الجزئية للك

مه، في بعض دالالته، من معاني التحقير والتهوين . )٣("اللغويالتصغير، بما يقد ومن الواضح أن

المفارقة التي تتمثل هنا في : والثاني. وتقليل الشأن، يتفق وشعور المتنبي الناقم على أهل زمانه

أن التوتر الناشئ "، وواضح .."عم/كلب، أبصرهم/فدم، أكرمهم/أعلمهم: "الجمع بين أزواج متنافرة

؛ فالشاعر يقدم اسم تفضيل ذا داللة إيجابية )٤("من المفارقة يزداد حفزا كلما ازداد التباين بين حديها

تي ال تبعد يقرنه بصفة أو كلمة ذات داللة سلبية ليتولد من الموقف صور من السخرية القاسية ال

.غايتها الداللية عن الغاية التي عبر عنها التصغير

وتتجلى المفارقة أخيرا في التعبير عن سوء اشتراطات الزمن واختياراته التي قد تجبر المرء

يستصحب اإلنسان "أحيانا على صداقة عدوه، وذلك حين تصبح هذه الصداقة أمرا ال بد منه؛ فقد

الئمهمال ي المعنى في البيت األخير من األبيات . كما يقرر الشاعر في مناسبة أخرى)٥("ن ومع أن

ابقة يأخذ صفة اإلطالق ليصبح حكما يمكن أن يتمثله كل من يجد فيه تعبيرا عن حاله، إال أنالس

إال المتنبي الذي جار عليه زمنه، هنا ليس " فالحر"إحالته على المتنبي تحديدا واضحة ال تخفى؛

)١ (٣٧٥- ٣٧٤، ص١، جديوانهي، المتنب.

.الغبي من الرجال: الفدم) ٢(

وعن دالالت .٤١، ص١٩٨٣، دار المعارف، القاهرة، قراءة أخرى: يشعر المتنب: أحمد، محمد فتوح) ٣(

، دار ٤، طمطالعات في الكتب والحياة: العقاد، عباس محمود: التصغير واطراده في شعر المتنبي انظر

.١٣٢-١٢٦، ص١٩٨٧المعارف، القاهرة،

.١٥٤، ص٢٠٠٢، أزمنة للنشر والتوزيع، عمان، ؤيا والفنالر: عرار: الرباعي، عبدالقادر) ٤(

)٥ (٣٢٧، ص٣، جديوانهي، المتنب.

م٢٠١٥ كانون ثاني/ هـ ١٤٣٦ صفر )١(العدد ) ١١(للغة العربية وآدابها، المجلد المجلة األردنية في ا

١٤١

وفق ما يتبدى من الرؤية المهيمنة التي يصدر عنها نصه، والتي تصوره ذاتا متفردة وحيدة تقف في

.)١(جهة، ويقف العالم كله في الجهة التي تقابلها

، بالحميمية المأمولة ولعل هذه القطيعة مع اآلخر، وعدم انفتاح الذات عليه أو التفاعل معه

والصفاء المرتجى، هي وراء انكفاء الذات على داخلها، والوصول إلى نتيجة مفادها أن اإلنسان ال

: )٢(صديق له سوى نفسه

ــي ــت خل ــن قل ــت ال م ــك أن خليل

ـــكالم ـــل والـ ــر التجمـــ وإن كثـ

ـتجنب عنق صيقل قلــ عـو حيز الحفاظ بغيرــــــول ـه الـحســ )٣(امــــ

)٤(ـغامــوأشبهنا بدنيـــانا الطـــــ ـهــوشبه الشيء منجذب إليــــــ

إن الوصول إلى هذه النتيجة يعني أن أسباب الثقة وااللتقاء مع اآلخر باتت غير ممكنة، وأنه

سبيل أمام الفرد إال أن يلوذ بعزلته ويتحصن بداخله بسبب ما ينطوي عليه الخارج من أشكال ال

ولو حيز الحفاظ : "، واختفاء الحفاظ والعهد بين الناس"وإن كثر التجمل والكالم: "المداهنة والتملق

التي تتوخى التأثير واإلقناع، ومع واألبيات تسوق منطقها بأسلوب المحاجة العقلية ..". بغير عقل

لتسويغ وجاهة منطلقه، وهي فكرة كثرت النوادر وأقوال " المشاكلة"أن البيت الثالث يوظف فكرة

المؤاخاة والمودة واأللفة : الحكماء وأبيات الشعر التي تتخذ منها تفسيرا لموضوعات من مثل

ذا الطرح يكشف عن رؤية سوداوية للدنيا تتمثل في إقامة مشاكلة ، إال أن ه)٥(والصداقة والمحبة

. تحديدا، في صورة تقدم وجها واحدا للموقف ال تتجاوزه) الطغام(تامة بينها وبين أراذل الناس

ومثل هذه الحدية في النظر تعني أن الذات قد تصدر، في تقييمها األشياء والمواقف، عن مزاجها

ومن الواضح أن هذا الموقف . الخاص الذي يعبر عن مبلغ نقمتها وسخطها على الدنيا والناس معا

.االنفعالي قد حجب عن الذات رحابة الرؤية للوجود الذي يتسم بتعدد وجوهه وتناقضها أحيانا

)١ (مة للشأدونيس، : ؤية أو ما هو قريب منها انظرعن هذه الرمقدع٥٧-٥٥، صر العربي.

)٢ (٧١، ص٤، جديوانهي، المتنب.

.الذي يعمل السيوف: يقلالص. المحافظة على الحقوق ورعي الذمام: الحفاظ) ٣(

.رذال الناس: الطغام) ٤(

راث ودراسات عربية وإسالمية نظرية الت، "مشاكلة في نظرية الحب عند العربداعي ال: "ان، فهميجدع )٥(

.١٤٦، ص٢٠١٠، منشورات وزارة الثقافة، عمان، أخرى

مفلح الحويطات. الذات بين تنازع الفقد والحنين د: رثاء الصداقة في شعر المتنبي

١٤٢

واضحا في القصيدة التي وتأخذ فكرة الصدام مع اآلخر والتباس العالقة به وتعقيدها حيزا

اجتزئت منها األبيات السابقة، ويتبدى ذلك منذ مطلعها الذي يقيم تمايزا قاطعا وحادا بين الذات

وإن / ودهر ناسه ناس صغار: "واآلخر؛ فيبدو هذا األخير على درجة بالغة من الدونية واالنتقاص

ثث ضخامج د واالختالف، وتبدو الذ)١("كانت لهموما أنا : "ات في المقابل على درجة كبيرة من التفر

وتكشف أبيات أخرى من القصيدة عن غربة . )٢("ولكن معدن الذهب الرغام/منهم بالعيش فيهم

: )٣(متمكنة ظلت تتلبس الذات التي لم تحظ باأللفة واالندماج المطلوبين مع اآلخر

أر لممثـــــــــلي ومثـــلهـــم مثل جيراني و ثلــي عنــدلم قـــــــامم

ــا ــت فيه أيت رــتهي ــا اش ــأرض م ا إلا كــــــــرامــــفليس يفوتـه ب

وكـــان ألهلـــــــها منهـــا التمـــام ــاــل فيهـــــ كان نقص األههلاف

نفصام بين الذات واآلخر يتخذ منحى حديا؛ فإمكانية المقام أو التوافق بين الطرفين تبدو فاال

وتعيش الذات حالة من المفارقة التي تتجسد في هذا التباين الالفت بين جماليات المكان الذي . بعيدة

. م وعطل معنى الجمال فيهجذب الذات وأثار فضولها، وبين سوء ساكنه الذي غيب قيمة الكر

وتعبر األبيات الثالثة األخيرة عن حنين بالغ إلى األلفة المفقودة واالنسجام الغائب اللذين تتشوف

إليهما الذات وتتوق؛ فالمكان يتحدد معناه وقيمته بمن يسكنه، ولذا فال غرابة أن نجد الشاعر يتمنى

لتمام والكمال، وال بأس لديه لو تعطلت، في سبيل هذه أن يكتسب اإلنسان من صفات المكان ا

.الغاية، تلك الصفات في المكان ذاته

بيد أن الذات ال تستسلم، وفق ما يكشف عنه النص الشعري في تحوالته المختلفة، لضعفها أو

يه باجتراح وجوه من القوة إلى تجاوز ماهي ف- كعادتها-تستكين له إلى النهاية، ولكنها تسعى

والتميز واالختالف، وكأنها في نهجها هذا تؤكد استغناءها عن اآلخر، مكتفية بحضورها المتفرد

: )٤(يقول المتنبي في سياق آخر بعيد. الخلاق

.٧٠، ص٤، جديوانهالمتنبي، ) ١(

: مثل هذا المعنى كثيرا على عقل المتنبي، من ذلك قولهلح وي.٧٠، ص٤، جديوانهالمتنبي، ) ٢(

و ي أت فنكذا كهلهفي ونطي وغ الني إن فيسح ريبثما كاناي

.٢٢٣، ص٤، جديوانهالمتنبي، : انظر

.٧٣، ص٤، جديوانهالمتنبي، ) ٣(

.١٩٣- ١٩١، ص١، جديوانهي، نبالمت) ٤(

م٢٠١٥ كانون ثاني/ هـ ١٤٣٦ صفر )١(العدد ) ١١(للغة العربية وآدابها، المجلد المجلة األردنية في ا

١٤٣

ـ وإني لنجـــم تهتدي بي صــــحـتي ــــــابإذا حال من دون النجوم سحـ

افرت عنه إيــــــابــإلى بـــلد س يـغني عـــن األوطـــان ال يستفزن

)١(ن عقـــــــــابـوإال ففي أكواره ــت بهـوعن ذمالن العيس إن سامحــ

ه شــــــــرابــال يفضي إلينديم و ــهـوللسر مني موضــع ال ينالــ..

..س جرنى سكان في الــدم زم ابـحــأعليس في الزج خيرــان كتـــــوــاب

وينحسر مقابله حضور ها الفرديفالذات تبدو في هذه األبيات ذاتا فاعلة، يتنامى حضور

وهي تمعن في ". تهتدي بي صحبتي: "دور حوله األطرافاآلخر الجماعي، فتكون كالمركز الذي ت

تقديم صورة متعالية لنفسها؛ ولعل في تشبيهها بالنجم في علوه وسموه، وبالعقاب في ارتفاعه

.وتحليقه، ما يؤكد هذه الداللة ويعمقها

تمضي كذلك في وإذا كانت الذات تذهب في تصوير تميزها واستعالئها آمادا بعيدة، فإنها

،أو شراب ها نديمنة منيعة ال يكشف سرالتباعد عن اآلخر أشواطا بعيدة أخرى؛ فهي ذات محص

وفي هذا إشارة إلى أن الذات دائمة الحركة ال يستقر بها . وهي تجد في سرج الفرس مكانها األثير

أما الصحبة ..". غني عن األوطان: "والفكرة ذاتها تكررت في البيت الثاني. الحال في مكان

المفضلة والجليس األنيس لديها فهو الكتاب، وكأنها تؤكد فكرة الرحيل واالنتقال مرة أخرى؛ ذلك

وهكذا فإن الذات، إمعانا منها في . ألن في القراءة ذاتها ارتحاال وتنقال في أزمنة وأمكنة متعددة

ن، تستغرق في هذا كله، وربما وجدت فيه ما يغنيها عن فكرة التواصل مفارقة عالم اآلخري

.وااللتقاء

ابقة تكشف أنصة في القصيدة التي اجتزئت منها األبيات السقراءة متفح ومع كل ذلك، فإن

،رتها وتساميها واستغنائها عن غيرها، بقدر ما تظهمن الذات بقدر ما تجهد في إبراز مالمح قو

جهة مقابلة، مكامن ضعفها وانكسارها وغربتها؛ وكأن رسم هذه الصورة المائزة للذات، في وجهها

ويؤكد ذلك أمران؛ . العميق، تعويض عما تعانيه هذه الذات من أشكال الوحدة والغربة والخذالن

وواضح ما كانت . )٢(يهسياق القصيدة التي قالها الشاعر في مدح كافور وهي آخر مدائحه ف: أولهما

وليس النص، مهما بالغت بعض االتجاهات . )٣(تعانيه الذات في هذه الفترة من قيود وإكراهات

.حلجمع كور وهو الر: األكوار. ضرب من السير: الذمالن) ١(

.١٢٣، صبح المنبيالصالبديعي، ) ٢(

.٣٢٣-٣١٧، صيمع المتنبحسين، : عن ذلك انظر) ٣(

مفلح الحويطات. الذات بين تنازع الفقد والحنين د: رثاء الصداقة في شعر المتنبي

١٤٤

. ، ببعيد عن شروط إنتاجه وتأثيرها فيه)١(النقدية الحديثة في اعتباره بنية مستقلة عما عداها

إشارات دالة تعبر عن صور من الضعف والخيبة ما يلمسه الدارس في نص القصيدة من : وثانيهما

واالنكسار، ومن ذلك هذه الشكوى الصريحة التي يشوبها الشك واالرتياب في صدق نوايا كافور

ثم ذلك الرجاء المتذلل . )٢("وإن كان قربا بالبعاد يشاب/ أرى لي بقربي منك عينا قريرة: "ووعوده

وفي النفس حاجات : " كافورا على إنجاز ما كثر اإللماح إليه من حاجات ورغباتالذي يستحث

وأخيرا إحساس الشاعر بخيبة مسعاه إلى كافور بعد . )٣("سكوتي بيان عندها وخطاب/ وفيك فطانة

عات فراقه سيف الدولة، ذلك اإلحساس الذي لم يبدده ادعاء المتنبي بصحة خياره وخطأ توق

: )٤(اآلخرين

ل عأد ا شئت إال أنميـــــــواذلـو ــواب ص ــواك ــي ه ــي ف ــى أن رأي عل

ـــواــي قد ظفرت وخابـــوغربت أن ـرقواــــي فشـــوأعلم قوما خالفون

قارئه في /واالمتالء التي واجه بها الشاعر سامعهفكأن اجتالب تلك الصورة الناطقة بالحيوية

مقتبل القصيدة ما هو إال رد فعل مسبق تسعى الذات من خالله إلى التسامي على جراحها وعذاباتها

ومن المؤكد أن اإلبداع يحقق للمبدع شيئا من ذلك على صعيد الفن؛ فاإلبداع . وإخفاقاتها البالغة

بكالم آخر، كل إبداع فني. اتي التعبير عن الذات أو الوعي الذاتي أو تحقيق الذعملية ناشطة ف"

(..) ى نفسه ويتجاوز أوضاعه النفسيةعل] الشاعر[هو نشاط إيجابي يتسامى من خالله الكاتب (..)

ة أو هو نوع من الحلم الذي يحقق أمنية ما، فيختبر اإلنسان من خالل اإلبداع تجربة تنفيسي

يئا من ذلك، إن على نحو ـد شـل الذات الشاعرة كانت تقصـولع. )٥("أو متسامية(..) تطهرية

.واع، أو غير واع

)١ (ال صلة بينه وبين ظروف " حركة النقد الجديد"ؤية بوضوح لدى تتجلى هذه الر النص ها أنالتي يرى أصحاب

، "اخل نقدية معاصرة إلى دراسة النص األدبيمد: "الربيعي، محمود: انظر في ذلك. إلخ.. تأليفه، أو حياة مؤلفه

، ١٩٩٤، ٢+١، العدد٢٣ المجلد الكويت،س الوطني للثقافة والفنون واآلداب،ـ، المجلمجلة عالم الفكر

.٣٢١-٣١٢ص

)٢ (١٩٨، ص١، جديوانهي، المتنب.

)٣ (١٩٨، ص١، جديوانهي، المتنب.

)٤ (١٩٩، ص١، جديوانهي، المتنب.

ورات وزارة الثقافة، ـ، منشوال والمقاماتـ في تغير األحبحث: المعاصرالمجتمع العربي: حليمبركات،) ٥(

.٤٢٥-٤٢٤، ص٢٠٠٩ عمان،

م٢٠١٥ كانون ثاني/ هـ ١٤٣٦ صفر )١(العدد ) ١١(للغة العربية وآدابها، المجلد المجلة األردنية في ا

١٤٥

فكرة األصل والزيف : الصداقة

تأخذ فكرة األصل والزيف حضورها الالفت في نص المتنبي الشعري، وهي فكرة متمكنة

عن غيره من نصوص - وفق رؤية صاحبه–لة هذا النص الذي يتمايز تتبدى أوال في تأكيد أصا

: )١(زائفة

ودع كل صـوت غيـر صـوتي فـإنني

أنا الـصائح المحكـي واآلخـر الـصدى

ز الذات األداة الفارقة في تمي/وهو معنى يتكرر كثيرا؛ فالنص الشعري يبقى دائما هو القيمة

: )٢(عن اآلخرين

ــه ــا أقول ــى م ــادي إل ابق الهــس ــا ال أن

وما لكالم الناس فيمـــا يريبنـــــي

ـ إذ القول قب ـــول ــل القـائلين مق ــ

أصـــــــول وال لقائليـــه أصـــول

عمومية واتساعا حين يكشف نص المتنبي عن وتتبدى فكرة األصل والزيف لتأخذ داللة أكثر

التعارض القائم بين قيمة األصالة والنقاء من جانب، وقيمة التصنع والتزييف من جانب آخر،

من : "ولعل أبرز ما يمثل ذلك مقدمة قصيدته في مدح كافور. وجدليتهما الحاضرة في هذا الوجود

من تغزل بالبدويات اللواتي يتميزن - في ظاهرها–، بما تتضمنه )٣(.."الجآذر في زي األعاريب

ات بحسنهنفي الحديث والكالم، مقابل الحط من قدر الحضري وعفويتهن ،الفطري بحسنهن

وما تنطوي عليه ". وصبغ الحواجيب.. مضغ الكالم "المجلوب بالحيلة والمعالجة، ومهارتهن بـ

، لتنفذ إلى تأكيد )٤( من دالالت رامزة تتجاوز تلك المعاني المباشرة- باطنها في-هذه المقدمة

)١ (٢٩١، ص١، جديوانهي، المتنب.

)٢ (١٠٩- ١٠٨، ص٣، جديوانهي، المتنب.

)٣ (١٥٩، ص١، جديوانهي، المتنب.

مطالع: "؛ خليف، يوسف٣٠١-٣٠٠، صمع المتنبيين، حس: للوقوف على بعض هذه الدالالت انظر) ٤(

ة المتنبر نفسيات، وكيف تصو١٩٥٨ل، ـ إبري،١٦العدد، ٢نةـالس القاهرة،،مجلة المجلة، "يالكافوري ،

، ر العباسيعدراسات في الش: لقيالتناص والت: ؛ الجعافرة، ماجد٧٩- ٧٦، صيشعر المتنب؛ فتوح، ٨٩-٨٨ص

.٧٤- ٦٤، ص٢٠٠٣لكندي، إربد، دار ا

مفلح الحويطات. الذات بين تنازع الفقد والحنين د: رثاء الصداقة في شعر المتنبي

١٤٦

قضية األصالة المنشودة في كل شيء، وبال حدود، قضية الصدق مع النفس حتى لو ابتعثت "

: صراحة هذا الصدق من المرارة ما تبتعثه صراحة المشيب

ومت مليس نوى كل مه منــــــةوه

ومن هـوى الـصدق فـي قـولي وعادتـه

تركت لون مشيبي غيـر مخـضـــوب

رغبت عـن شـعر فـي الوجـه مكـذوب

بإزاء موقف من هذا الوجود الذي تتقنع حقائقه بمظاهر التلبيس - بعد هذا الكشف-أترانا

.)١("معاني النقاء والبكارةوالتمويه، بقدر ما تفتقد من

لقد ظلت فكرة األصل والزيف هاجسا يلح دائما على عقل المتنبي، حتى لكأن رؤيته لألشياء

والمواقف ال تقوم إال على هذا الفرز الواضح بين ما ينبغي أن يكون وما ال ينبغي؛ فالصداقة ذاتها

: )٢( يخبر عنه المظهر الذي غالبا ما يكون خادعا عن جوهر أصيل ال- عند اختبارها-تتكشف

إذا لم يكن في فعلـه والخـــالئـــــق هــرفا لـــوما الحسن في وجه الفتى ش

ون غير األصـــادقـــــوال أهله األدن ان غير الموافقـوما بلـــــــد اإلنس

ـــوىوــــة والهحبوى المعائزة دنافـ جالم خفى كــــالمال ي كان ـقــوإن

فالفكرة التي تسعى األبيات إلى تأكيدها هي فكرة األصل والجوهر في كل شيء؛ فأفعال

فيه اإلنسان وأخالقه هي ما يقرر حقيقته وجوهره، وبلده الحقيقي هو ما تطيب به اإلقامة ويلذ

. ؛ أي من يخلصون له الود والمحبة)٣()جمع صديق(العيش، وكذا أهله األدنون إنما هم األصادق

وكأن المتنبي يصدر، في موقفه هذا، عن رغبة عزيزة تتفق مع رؤية بعض الفالسفة العرب الذين

ذا أخذتها من جانب اشتقاق لفظها الصداقة إ"قدموا للصداقة تصورا مثاليا بقي نادر الوجود؛ فـ

كانت من الصدق، والصدق ميزان النفس وصورة العقل وكمال الجملة وزينة التفصيل، وإذا ألف

إنسان إنسانا فقد أجراه مجرى جميع ما سميناه، وإذا صادقه فقد رفع من شأنه وأعلى مكانه وميز

.)٤(" ينصف إذا عوملقدره وأفرد حاله فيما ال يصدق إذا حدث، وال

.٧٩، صيشعر المتنبفتوح، ) ١(

)٢ (٣٢١- ٣٢٠، ص٢، جديوانهي، المتنب.

)٣( ٢، حاشية رقم ٣٢٠، ص٢، جديوانهي، المتنب.

.٣٦٢، صالمقابساتالتوحيدي، ) ٤(

م٢٠١٥ كانون ثاني/ هـ ١٤٣٦ صفر )١(العدد ) ١١(للغة العربية وآدابها، المجلد المجلة األردنية في ا

١٤٧

وقد يكون لتجربة الذات دور في تعميق حسها في النظر إلى المواقف واألشياء، ورصد أوجه

العالقات اإلنسانية بتناقضاتها وتعقيداتها المختلفة؛ فكأن إحساس الذات الشاعرة بالنقص الذي يخترم

ويمكن التمثيل على ذلك . وما تأمل أن يكونهذه العالقات دفعها إلى المقارنة بين ما هو كائن

باألبيات التالية التي قالها الشاعر من قصيدة له في مدح كافور، وفيها يعرض جانبا من رؤيته

ولعل هذه الرؤية تولدت بتأثير من تجربة الشاعر المؤلمة في فراق سيف الدولة، وما . للصداقة

وتناقضات متباينة وفق ما ستكشف عنه هذه الدراسة في موضع ولدته في الذات من صراعات

:)١(يقول. الحق

ـــرفها فــي فعلــــه والتكلــــــم ـهــأصادق نفس المرء من قبل جسمــ أعو

دمــين على الجهل ا ـــــمتى أجزه حلم ـهـوأحلــم عن خلي وأعلـــم أنــ

ــمـــجزيت بجـــود الباذل المتبســ وإن بذل اإلنسان لي جـــود عـــابس

)٢(قومـــالمـ در السمهري ـــنجيب كص ذعــــوأهوى من الفتيان كــل سميـ

)٣(رمــالعرم س ــــبه الخيل كبات الخمي تــة وخالطالـــخطت تحته العيس الف

مـــــرج والفـولكنها في الكف والفـــ عفــــة في سيفــه وسنانـــه وال

والفكرة، كما في . تذهب األبيات إلى تعيين ماهية الصداقة التي تتوق إليها الذات وتتمناها

" في فعله والتكلم.. أصادق نفس المرء: "األصل /نموذج الشعري السابق، تتجه إلى تقديم القيمةال

وأحلم : "وتقدم األبيات منهجا في معاملة الصديق صديقه". من قبل جسمه: "على الشكل والمظهر

ا المنحى من تجارب خبرها ، وكأنها بذلك تشير إلى ما يناقض هذ.."وإن بذل اإلنسان.. عن خلي

.." وأهوى من الفتيان: "إلى ذلك فإن الذات تسعى إلى خلق البديل. الشاعر في عالقاته وصداقاته

وهي في رسمها هذا البديل تعبر عن حنين عارم إلى صداقة بخل بها واقع الحال عليها؛ وكأنها

: ويلحظ أن قيمة الجود. ه الصديق الحقيقياألصل الذي ينبغي أن يكون علي /بذلك تقدم النموذج

تظالن عنصرين فاعلين في صفات هذا .." خطت تحته العيس الفالة: "والشجاعة" سميذع، نجيب"

وقد بقي المتنبي وفيا لهاتين القيمتين على امتداد متنه الشعري، وكأنه في . النموذج المتمنى

)١ (١٣٧-١٣٥، ص٤، جديوانهي، المتنب.

.لقوي الصلبمح االر: السمهري. السيد الكريم: السميذع) ٢(

.الكثير: العرمرم. الجيش: الخميس. اإلبل: العيس. جابت وقطعت: تطخ) ٣(

مفلح الحويطات. الذات بين تنازع الفقد والحنين د: رثاء الصداقة في شعر المتنبي

١٤٨

إرادة القوة التي يجدها الوسيلة الناجعة في مواجهة قدره وظروفه استحضارهما يرسخ دائما

.)١(القاهرة

وربما وجد الدارس في صورة هذا النموذج المتخيل معادال لصورة الذات الشاعرة نفسها، أو

الخاطر ويعزز مثل هذا التأويل ما يتوارد إلى. ما تسعى إلى أن تبدو عليه هذه الذات أمام اآلخرين

من صفات لهذه الذات، كما توردها بعض المرويات، مع بعض الصفات المرسومة لهذا النموذج

عن )٢(ومن ذلك ما يرويه علي بن حمزة البصري). عفة الكف والفرج والفم تحديدا(المتميز

كذب، وال زنى، وال بلوت من أبي الطيب ثالث خالل محمودة؛ وتلك أنه ما: "الشاعر حين يقول

وسواء اتفقت صورة هذا النموذج مع صورة الذات أو اختلفت، فإن هذه الصورة المثلى . )٣(.."الط

ديق الذي تشتدديق تبقى في النهاية تعبيرا عن رغبة الذات األثيرة في وجود مثل هذا الصللص

.قيلةالحاجة إليه كلما ضاقت الذات بواقعها وقيوده الث

وهي اإلقامة التي عبر . ومن التجارب المؤثرة في هذا االتجاه تجربة إقامة الشاعر في مصر

التي صورت حال المتنبي في مصر، وما )٤(عنها في عدد من قصائده ومنها قصيدته في الحمى

بعض أبياتها مما له يقول الشاعر في. كان يتنازعه فيها من مشاعر وأهواء على نحو بالغ التأثير

: صلة بموضوع هذه الدراسة

)٥( بابتســــام امـــــجزيت على ابتس ــــاــفلما صـــار ود الناس خبـ

ـــامـــاألنـــ ه بعض ـي أنــلعلم ــــهـوصرت أشك فيمن أصطفيـــ

)٦(امــــــين على الوســوحب الجاهل ـيــون على التصافـــــيحب العاقل

، ١٩٤٣، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، رـفيض الخاط: أمين، أحمد: ي انظرعر المتنبـعن فلسفة القوة في ش) ١(

.١٧٤-١٤٨، ص٤، جمطالعات في الكتب والحياة؛ العقاد، ١٠٠- ٩١ص

ي الذي نزل عليه ضيفا حين ورد بغداد، وبقي عنده إلى غة واألدب، روى عنه ابن جني شيئا من أخبار المتنبأعالم اللأحد ) ٢(

إحسان : ، تحقيقمعجم األدباء): م١٢٢٨/ـه٦٢٦(الحموي، ياقوت بن عبد اهللا : انظر. هـ٣٧٥توفي سنة . أن رحل عنها

.١٧٥٥-١٧٥٤، ص٤، ج١٩٩٣، دار الغرب اإلسالمي، بيروت، ١عباس، ط

.٩٤، صبح المنبيالصالبديعي، ) ٣(

)٤ (١٤٩-١٤٢، ص٤، جديوانهي، المتنب.

)٥ (الخداع: الخب.

.حسن الصورة: الوسام) ٦(

م٢٠١٥ كانون ثاني/ هـ ١٤٣٦ صفر )١(العدد ) ١١(للغة العربية وآدابها، المجلد المجلة األردنية في ا

١٤٩

تعبر األبيات عن تجربة مؤلمة في عالقة الذات الشاعرة بالناس، وهي العالقة التي تتكشف

وصرت أشك فيمن : "عن صور من المجامالت الكاذبة والشك المهيمن الذي طال حتى الصديق

وهو موقف يكشف، بما يصدر عنه من تعميم بالغ، ". أنه بعض األنام"، ليس لشيء سوى "أصطفيه

ولعل هذه التجربة القاسية هي التي دفعت الذات . عن سوء ظن وانعدام ثقة في الجنس البشري كله

إلى تأمل فكرة األصل والزيف في موضوع الصداقة واالصطفاء؛ فإذا كانت أشكال الخداع

والمداهنة قد استشرت وباتت، وفق رؤية النص الشعري، هي الوجه الغالب على عالقات الناس

بعضهم ببعض، فإن في ذلك ما يدعو إلى التعلق بجوهر الصداقة الحقيقية التي تقوم على الصفاء

وحب الجاهلين على / تصافييحب العاقلون على ال: "الخالص الذي ال ينخدع بجمال المظهر وتأثيره

وال يخفى ما في هذا الموقف من حنين إلى صداقة خالصة لم تسعد بها الذات في هذه ". الوسام

الفترة العصيبة من حياتها، وهو ما عبر عنه الشاعر بوضوح حين شكا قلة األصدقاء، وكثرة

د غايات الذات التي تحول دونها عوائق ومثبعاد، وبسكثير /قليل عائدي سقم فؤادي: "طاتالح

".حاسدي صعب مرامي

الصداقة بين لوعة الفقد وسطوة الحنين

يلحظ الدارس أن الفكرة األكثر حضورا في موضوع الصداقة في شعر المتنبي هي تعبيره

جر إلى صداقة وصديق لم يحنينه المتكر داقة وفقدها، ثمائم عن ضياع الصالحالالد بهما واقع د .

وتطرد هذه الفكرة على نحو بالغ الوضوح في شعر المتنبي كله، وربما وجدت حضورها األوسع

ها لقاءفي مرحلة فراقهما التي لم يعقب ي، ثمولة والمتنبفي فترة القطيعة التي حدثت بين سيف الد.

لقاءه بسيف الدولة لم يكن لقاء عاديا؛ فقد ، فإن)١(وبما أن المتنبي شاعر عروبي النزعة

التقت العبقرية الشعرية الفذة بالفعل التاريخي، فاخترقت الحدث إلى أبعاده الحضارية، وأبدعت "

ة لنماذج أصيلة متجذرة في الالوعي اإلنسانيفي أمير (..) صورا أسطوري لقد وجد هذا الشاعر

حمداني، الذي حارب الروم وانتصر في بعض معاركه ضدهم، رمز التخطي حلب، سيف الدولة ال

وإذا كان ثمة من يرى أن . )٢("لواقع التردي واالضمحالل الذي تعيشه األمة العربية في زمنه

السنة بغداد،،مجلة األقالمخليل الخوري، : ، ترجمة"المتنبي شاعر عربي: "مايكل، أندريه: حول ذلك انظر) ١(

، أمراء الشعر العربي في العصر العباسي: ؛ المقدسي، أنيس٦٦-٦٠، ص١٩٧٨نون الثاني، ، كا٤، العدد ١٣

.٣٤٩-٣٤٦، ص١٩٨٩، دار العلم للماليين، بيروت، ١٧ط

، موقع مجلة ٢٠٠٣، أكتوبر، ٥٣٩، مجلة العربي، العدد"ري والشعاريخيالحرب في الزمنين الت: "وض، ريتاع) ٢(

com.alarabimag.www://http / :العربي االلكتروني

مفلح الحويطات. الذات بين تنازع الفقد والحنين د: رثاء الصداقة في شعر المتنبي

١٥٠

بداقة ضرب من ضروب الحولة غير )١(الصريح لسيف الده الصر عن حبي قد عبالمتنب فإن ،

ةمر :

-هردبمــــــان والز سيا شم كأحب الس المني فيك ها ــوإن ٢(والفراقـــــد(

ـجس ي أكتم حبا قد برى ـــ ما ل- )٣(مــــاألم يف الدولة ــوتدعي حب س ديـ

قة التي قامت بين سيف الدولة والمتنبي وعليه فإنه يمكن القول بشيء من االطمئنان إن العال

قد تجاوزت عالقة أمير بشاعر مداح، كما هو الوجه الغالب على مثل هذه العالقة في الشعر

وأمر هذه . العربي، لتصل إلى عالقة هي أقرب إلى الحب والصداقة منها إلى المنفعة واالستجداء

ويؤكدها . ه سيرتهما وعالقتهما الممتدة التي لم تنته بعد فراقهماالصداقة بين الرجلين ثابت، تشهد ب

فقد فارق أبو الطيب سيف الدولة، وهو ال يزال مستقصيا "الشعر الذي عبر عنها بحميمية وتأثير؛

ال يزال وكان أيضا . ألخباره في كل بلد ينزله، متتبعا لشعره الذي يقوله لكل من مدحه من بعده

يهدي إليه من هداياه، مع أنه فارقه ومدح غيره، بعد إكرامه له إكراما لم يلق مثله أبو الطيب قبل

وكان أيضا يكاتبه، ويتلقى منه بعض كتبه، وكل هذا دليل على أن المحبة التي كانت بين . اتصاله به

صداقة ال يقطع فيها حدث من أحداث الرجلين لم تكن محبة أمير لشاعره فحسب، بل كانت

.)٤(.."الزمان

وكان متعلقا به تعلقا شديدا، "وظل المتنبي، في المقابل، وفيا لسيف الدولة، دائم الشوق إليه،

وقد بدا هذا في . )٥("يرى أنه جمع صفات الزعيم العربي الكامل، فقد كان عظيما شجاعا مسماحا

كثيرا ما كان يتجاوز المسالك المألوفة التي سار عليها شعر المديح العربي، لينفذ إلى شعره الذي

، ١عماد الهاللي، ط: ، دراسة وتحقيقتهذيب األخالق): م١٠٣٠/هـ٤٢١(مسكويه، أحمد بن محمد : انظر) ١(

، قراءة في الموروث: العشق والكتابة: ؛ بن سالمة، رجاء٣٦١، ص٢٠١١منشورات الجمل، بغداد، بيروت،

.٣٣٨-٣٣٧، ص٢٠٠٣ر الجمل، ألمانيا، ، دا١ط

نجم قريب من القطب : والفرقد. نجم خفي من بنات نعش الصغرى: السها. ٢٨٠، ص١، جديوانهالمتنبي، ) ٢(

هتدى به، وبجانبه آخر أخفى منه، فهما فرقدانالشمالي ي.

.٣٦٤، ص٣، جديوانهالمتنبي، ) ٣(

.٣٢٧، ص١٩٧٧طبعة المدني، القاهرة، ، مالمتنبي: شاكر، محمود محمد) ٤(

.٣٦٧، ص١، مدائرة المعارف اإلسالمية، "ب المتنبيأبو الطي"بالشير، ) ٥(

م٢٠١٥ كانون ثاني/ هـ ١٤٣٦ صفر )١(العدد ) ١١(للغة العربية وآدابها، المجلد المجلة األردنية في ا

١٥١

مناطق أكثر استبطانا وكشفا لتلك العالقة المتوهجة التي جمعت بين الرجلين، والتي لم تطفئ أوارها

:)١(يبارحانهاالقطيعة والفراق؛ فقد بقي ذكر سيف الدولة وذكراه حاضرين في الذات ال

)٢(اي ربــــــوال اعتضت من رب نعم د بعــــــــدكـمـــوما القني بل

ـــبـفدع ذكر بعض بمن في حلـــــ الدـــوك البــوما قست كل ملـــ..

وا الخشـــــــبــالحديد وكانان ـلك ولو كنت سميتهم باســمــــــــه

ي األدبــم ف ـة ــ أم في الشجاعـــء ـاــبه أم في السخـــــأفي الرأي يش

.. ـتذكـــ وإني لأتبــــــعهالة اإلل ـارـه وسـص السحـــــــب قي ـ

ـربـأى أو قـــــــوأقرب منــه ن ــهـــوأثني عليــــه بــــآالئ

هـــــــطــــارفـارقتني أم غــــ وإن رانــها ـفأكثرـد ــب٣(ما نض(

هـ؛ أي بعد فراقه سيف الدولة بنحو سبع سنوات، ٣٥٣واألبيات من قصيدة قالها الشاعر سنة

، فرد عليه المتنبي بقصيدة اجتزئت )٤(ه كتابا بخطه يسأله المسير إليهوكان سيف الدولة قد أنفذ إلي

ومع أن القصيدة تتضمن صورا من التعريض أو قل شيئا من اللوم والعتب . منها األبيات السابقة

غض وليتك تجزي بب.. سمعه] الوشاة[وقد كان ينصرهم : "لسيف الدولة على بعض ممارساته

بها من معاني الوفاء واإلخالص في القصيدة )٥("وحابقة وغيرما تتكشف عنه األبيات الس إال أن ،

ولعل ما فيها من بوح حميم وتلقائية مؤثرة يغني عن أي . قارئها /هو أكثر ما يعلق في نفس سامعها

ي الذي يقصر عالقة المتنبي بسيف الدولة على ولعل فيها أيضا ردا على عبداهللا الغذام. قول أو بيان

ولة ومن النصوص التي تحمل قدرا واضحا من الوفاء لسيف الد.١٠٠-٩٨، ص١، جديوانهالمتنبي، ) ١(

هـ من ٣٥١، وقد كتب إليه بها سنة ..." يا رسولما لنا كلنا جو: "واإلخالص لذكراه أيضا قصيدة الشاعر

المتنبي، : انظر. والقصيدة تتكشف عن صور من الوفاء الذي ينم عن صداقة لم تنل منها األيام. الكوفة إلى حلب

.١٥٨-١٤٨، ص٣، جديوانه

.أمسكني وحبسني: القني) ٢(

.سيلجمع غدير، وهو البقية من الماء تبقى بعد ال: الغدران) ٣(

.١٠٩-١٠٨، صبح المنبيالصالبديعي، ) ٤(

.١٠٤، ٩٧، ص١، جديوانهمتنبي، ال) ٥(

مفلح الحويطات. الذات بين تنازع الفقد والحنين د: رثاء الصداقة في شعر المتنبي

١٥٢

الشاعر مأخوذا بالمحبة التي ظل "جانب واحد هو العطاء والمنفعة المادية ال غير، نافيا أن يكون

.)١("وليست عنده أساسا لإلبداع، وال سببا له، وما جاء للممدوح إال طلبا للعطاء(..) يزدريها

الجانب المادي عن هذه العالقة؛ فالشاعر، في النتيجة، كائن إنساني وليس القصد هنا نفي

وقد وجد الشاعر العربي نفسه في أوضاع بالغة التعقيد منذ . خاضع لمنطق الحاجة والضرورة

تحول ملحوظ في النموذج األصلي للشاعر، وفق تعبير جابر القرن الثاني الهجري حين جرى

السلطة من هيكل القبيلة إلى هيكل الدولة، وما "عصفور، وهو التحول الذي ارتبط بانتقال بنية

. صحب ذلك من تغيرات اقتصادية واجتماعية وسياسية وديموجرافية وجيمورفولوجية على السواء

أكثر تعقدا وتركيباوهي تغي البسيط إلى تراتب اجتماعي القبلي ٢("رات انتقلت بالتراتب االجتماعي( .

فلم تعد للشاعر تلك المكانة االعتبارية المتميزة التي كان يحظى بها في العصر الجاهلي حين كان

حول إلى تابع هامشي يقف على صوت القبيلة، والمعبر األبرز عن أشواقها ووجدانها الجمعي، ليت

إذ لم يعد أمام الشاعر والحالة هذه سوى وهو وضع بالغ التعقيد؛ . باب السلطان فيعطيه أو يمنعه

أولهما أن يربأ بنفسه عن سبل التكسب والعطاء، ويزهد في متاع الدنيا : )٣(واحد من أمرين

. شاعر هذا الزمان من صنوف التردي والهوانوحطامها على السواء، فينجو بذلك مما ابتلي به

وثانيهما أن يرضى . وهو خيار ليس سهال على أية حال؛ إذ للحاجة سلطانها الذي ال يستهان بدوره

بهذا القدر المتحكم، ويقبل بمبدأ تحويل شعره إلى سلعة تبادلية يقدمها ألصحاب السلطة لقاء ما

وكال الخيارين كما نلحظ صعب وخطير، وكان له نتائجه البعيدة . وعطاءيجودون به عليه من مال

.التي تركت أثرها على الشعر العربي كله

المركز الثقافي العربي، بيروت، الدار ،٢ ط،ة العربيةقراءة في األنساق الثقافي: النقد الثقافي: الغذامي، عبداهللا) ١(

.١٧١-١٧٠، ص٢٠٠١البيضاء،

.٧٣، ص١٩٩٤، الكويت، أكتوبر ٤٣١، العددمجلة العربي، "ج األصلي للشاعرموذتحول الن: "عصفور، جابر) ٢(

دار ،٣ ط،دراسات بنيوية في األدب العربي: األدب والغرابة: كيليطو، عبد الفتاح: وحول هذه الفكرة انظر أيضا

.٦٠-٥٣، ص٢٠٠٦توبقال للنشر، الدار البيضاء،

المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ،١ ط،الكتابة ونداء األقاصي: لفتنة المتخي: اليوسفي، محمد لطفي) ٣(

.٢٥٦، ص١، ج٢٠٠٢بيروت،

م٢٠١٥ كانون ثاني/ هـ ١٤٣٦ صفر )١(العدد ) ١١(للغة العربية وآدابها، المجلد المجلة األردنية في ا

١٥٣

، فإنه مع ذلك )١("لم يعرف الشعر فيه وظيفة سوى المدح"ومع أن المتنبي قد وجد في عصر

، وذلك بما عرف عنه من )٢(انتهما المستلبةكان من أكثر الشعراء الذين أعادوا للشعر والشاعر مك

جرأة في معاملة ممدوحيه ومخاطبتهم، وليس أدل على ذلك من اشتراطه على سيف الدولة نفسه

أنه إذا أنشده مديحه ال ينشده إال وهو قاعد، وأنه ال يكلف تقبيل األرض بين يديه، فنسب إلى "

.)٣("روطالجنون، ودخل سيف الدولة تحت هذه الش

وعليه، فإنه من غير اإلنصاف أن يختزل األمر، وهو على ما هو عليه من تعقيد وتركيب

كما بدا، في أحكام انتقائية، مثل ما ذهب الغذامي، تتعالى على الواقع، وتغفل عن مالبساته المركبة،

. شعرية معزولة عن سياقهالتقرر نتائج حدية جازمة، راح الباحث يجهد في إثباتها بانتقاء شواهد

ويلحظ أن الغذامي يجتزئ أبياتا معينة من القصيدة ليقيم أحكامه من خاللها، ويتجاوز، في المقابل،

ويمكن . وليس المقام مقام إطالة في هذا الموضوع. عن أبيات أخرى قد تنقض نتائجه وأحكامه

عن المتنبي على " النقد الثقافي" في كتابه لمقاربة متخصصة أن تتناول آراء الغذامي التي وردت

.)٤(نحو أكثر إحاطة وتفصيال

وإذا كانت صداقة المتنبي لسيف الدولة قد انتشت بنشوة الصداقة مرات، فإنها قد اكتوت

إن المدقق في عالقة الرجلين يتبين أنها أعقد من أن تختزل في. بنارها وخذالنها مرات كثيرة

تفسير واحد أو توصيف محدد؛ فبالرغم من كل وجوه التعلق واالتحاد التي جمعت الشخصيتين،

والتي عبر عنها المتنبي في سيفياته التي قارب بعضها حدود العشق الصوفي واالنصهار التام في

نافر كثيرا ما كانت تظهر في أمر ، فإن صورا أخرى خفية من الصراع والت)٥(شخصية سيف الدولة

وربما كانت طبيعة شخصية المتنبي بما ظلت تصبو إليه من رغبة محمومة في الحكم . هذه الصداقة

، ١٩٧٧، تـشرين ثـان، ١١العـدد بيروت، ، مجلة اآلداب ، "فضيل في شعر المتنبي صيغة الت : "عياد، شكري ) ١(

.٣٢ص

فتنة اليوسفي، : انظر. ي في هذا المجالام به المتنبقدم محمد لطفي اليوسفي تحليال عميقا مطوال للدور الذي ق) ٢(

.٤٢٦-٢٩٣، ص١، جالمتخيل

.٧١، صالصبح المنبيالبديعي، ) ٣(

- وإن لم تخصص للمتنبي بطبيعة الحال-ن تتضمفهي ؛ظر في مقاربة عبداهللا إبراهيم لهذا الكتابيمكن الن )٤(

- سمامي الذي يت عن منهج الغذ، في الوقت ذاته، وتكشف.هالواردة فيتحليال وتفكيكا لكثير من اآلراء والمواقف

ما في النتائج التي يروم الوصول منها قانونا متحكويجعل يضخمها،اتبانتقاء جزئي" -ة ما يتسم به جملمن

، الهيئة جلة فصولم، "مطارحات في النظرية والمنهج والتطبيق: النقد الثقافي: "إبراهيم، عبداهللا: انظر. "إليها

.٢٠٧-١٩٧، ص٢٠٠٤، شتاء وربيع ٦٣المصرية العامة للكتاب، القاهرة، العدد

.٧٩، صي والجاحظ وابن خلدونقراءات مع الشابي والمتنبالمسدي، ) ٥(

مفلح الحويطات. الذات بين تنازع الفقد والحنين د: رثاء الصداقة في شعر المتنبي

١٥٤

وتلك مأساة المتنبي أنه يحمل . "من األسباب الدافعة إلى مثل هذا التقاطع والتنافس مع سيف الدولة

فجهاده جهاد الكائن البشري يرفض وضعه فينشد صفة اآللهة كماال النقص الذي قدر آلدم وبنيه،

وإعجازا، ولقد تحددت رؤى الشاعر في سعيه للكمال المنشود باسترجاع ما كان يرى نفسه حقيقا به

ياسيي . أال وهو المجد السإلهام المفارقة عند المتنب غدا (..) فمرد جموح عنان الطموح إلى حد

مركبا من العلو يرفض به صاحبه اإلقرار بالواقع والتسليم بالمفروض، فهو إلهام شعري متمرد معه

وقد كان شعره . )١("على الواقع ال يعرف اإلذعان، لذلك كان قطب الرحى فيه الرفض بكل إيحاءاته

حضارها إذا ما عمد الباحث في سيف الدولة ينطوي على كثير من الدالالت المتوارية التي يمكن است

أما من . )٢(إلى استنطاق النص، والبحث عن عناصر الغياب التي تتخفى دائما بعناصر الحضور فيه

جهة سيف الدولة فلعل شخصية المتنبي، بما كانت تتسم به من تضخم األنا، وما قد ينتج عن ذلك

، ذات أثر في )٣(ي موضع سابق من هذه الدراسةمن تعال وامتالء وإحساس بالعظمة، كما ذكر ف

. خلق مثل هذا التقاطع بين الشخصيتين

أما على الجانب . هذا على الجانب الذاتي الذي استنتج بالتأمل في طبيعة كلتا الشخصيتين

األمير بين الشاعر العام، أعني الظروف العامة، والشخصيات المحيطة، والتنافس المحتدم في بالط

وغيره من شعراء طامحين، فقد كان لكل ذلك أثره في تأزيم العالقة وتعقيدها بين األمير

.)٥(وهو ما شكا منه المتنبي بحرقة في كثير من شعره. )٤(وشاعره

ولعل من أوضح وجوه التعبير عن هذا البعد السلبي في تجربة صداقة المتنبي وسيف الدولة

التي دشنت فعل القطيعة بين الطرفين على نحو متحقق ) واحر قلباه(قصيدة الشاعر الشهيرة

وستقف الدراسة على خاتمة هذه القصيدة لتبين ما فيها من دالالت كاشفة في التعبير عن . صريح

: )٦(هذا الجانب

.٨٠، صي والجاحظ وابن خلدونقراءات مع الشابي والمتنبالمسدي، ) ١(

.٧٤-٦٠، صتجليات الصراع في شعر المتنبيالحويطات، : بعض هذه الدالالت انظرتجالءالس) ٢(

، ١٧ السنة دمشق،،مجلة المعرفة، "لماذا صمد المتنبي؟: "اليوسف، يوسف: لالستزادة في هذا الجانب انظر) ٣(

.٩٣-٨٣، ص٦٩-٦٨، ص١٩٧٨آب ،١٩٩العدد

الفن ومذاهبه في : يف، شوقي؛ ض٩٢-٨٧، ص٨٠، صالصبح المنبيالبديعي، : حول هذه األجواء انظر) ٤(

٣٠٧ت، ص. القاهرة، د، دار المعارف،١٠ ط،الشعر العربي.

.٣٧٤-٣٦٢، ص٣ ج.٢٨٩، ص٩٧، ص١، جديوانهالمتنبي، : انظر مثال) ٥(

)٦ (٣٧٤- ٣٧٢، ص٣، جديوانه، يالمتنب.

م٢٠١٥ كانون ثاني/ هـ ١٤٣٦ صفر )١(العدد ) ١١(للغة العربية وآدابها، المجلد المجلة األردنية في ا

١٥٥

)١(ـــــرسمـادة الـــ تستقل بها الوخال ـلةــوى تقتضيني كل مرحـــأرى الن

ـــنيرا عمض كنتر يـ لئنلم ـامنناــم ثنحدتــــليعدو ـن مـه م٢(نــــد(

ـــم فالراحــــــلون ه أن ال تفارقهم ـدرواــد قــوم وقــإذا ترحلت عن ق

ال ص البالد بالد كس ديق بــهــــاــشرما ي شراإلنسـو ـــب ص انــما ي٣(م(

)٤(ـمــوز عندك ال عرب وال عجــــتج ر زعنفــةـبأي لفظ تقـــول الشعـ..

)٥(ـدر إال أنه كلــــمــمن الـــد ضق ه مــقــةـهـــــذا عتابـك إال أن

فالذات الشاعرة تجد، بعد تأزم عالقتها بسيف الدولة، في الرحيل حلا وخالصا؛

، فبه ومن خالله )٦(السفر، كما يرى محمد لطفي اليوسفي، كان بالنسبة للمتنبي فعل وجود/فالرحيل

وواضح ما . )٧(مضاءها إذا ما انسدت في وجهها السبل وضاقت المسالكتحقق الذات فاعليتها و

.تؤديه المبالغة في البيت األول من دور في تأكيد العزم على هذا الرحيل الذي ال رجعة عنه

وعلى الرغم مما تنطوي عليه األبيات من شكوى مؤثرة بفقد الصديق المؤنس غير المتحقق

ل، فإنها ظلت تتشبث بعناصر قواها الكامنة التي قد تجد فيها الصديق الدائم إذا ما في واقع الحا

جمع رسوم، وهي الناقة التي : الرسم. ااإلبل التي تسير سيرا سريع: الوخادة. تطالبني: تقتضيني. البعد: النوى) ١(

.ر في األرض بأخفافها لسيرها الشديدتؤث

: ، تحقيقمعجم البلدان): م١٢٢٨/ـه٦٢٦(الحموي، ياقوت بن عبداهللا : انظر. موضع قرب دمشق: ضمير) ٢(

.٥٢٦، ص٣، ج١٩٩٠، دار الكتب العلمية، بيروت، ١فريد عبدالغني الجندي، ط

.يعيب: يصم) ٣(

.اسقاط من النئام السالل: الزعنفة) ٤(

.المحبة: قةالم) ٥(

.٣٣٣، ص١، جة المتخيلنفتاليوسفي، ) ٦(

:تتأكد هذه الفكرة في أبيات أخرى من قصيدة للشاعر في مدح بدر بن عمار، وهي قوله) ٧(

و مهعلى قم تهبـه جمـدع جزنـي تعالع الذلله رامس

لمتـالم مش مجتزئ بالظمخبرتي د بتـرـصارمي م ب

م تعيني في فراقـه الحيل ل به ـرت جان إذا صديق نكـ

ـدل أختها بنالد مي بف وافقين مضطرب في سعة الخ

ويلحظ أن وجوها من الشبه بين هذه األبيات واألبيات الواردة في متن هذه الدراسة، ومن ذلك وضوح عنصر

المبالغة الذي يبرز الذات على قدر من الصالبة والقوة التي تفوق قدرة اإلبل القوية الشديدة، ثم اختيار الرحيل

.٢١٢-٢١١، ص٣، جديوانهي، المتنب: انظر. هانه بعد الشكوى من قلة الصديق وتقلب مودته ووفائهوامت

مفلح الحويطات. الذات بين تنازع الفقد والحنين د: رثاء الصداقة في شعر المتنبي

١٥٦

لئن تركنا ضميرا عن : "أعوز الواقع في إيجاده؛ فالذات تدعم فعل الرحيل بلغة التهديد والوعيد

د يحدث لمن ودعهم، وإذا كان الشاعر لم يفصح على نحو صريح عن ماهية الندم الذي ق..". ميامننا

فإن تضمين األبيات بعض اإلشارات المواربة يمكن أن يوجه الذهن إلى معان محتملة؛ فالخاسر

إذا ترحلت عن قوم وقد : "الحقيقي، وفق رؤية النص، هو من سعى في أسباب الخصومة وأحدثها

مر كذلك فإن الذات واثقة، في ما يبدو، من سالمة ، وما دام األ"أن ال تفارقهم فالراحلون هم/ قدروا

: هذه إشارة، وثمة إشارة أخرى وهي أن القصيدة تقفل بالحديث عن الشعر. المبدأ الذي اختارته

مالذ الذات األخير، ومجال تميزها الباقي، ولهذا األمر داللته البالغة؛ فقد بقي المتنبي يراهن على

وقد أعلن عن هذا الوعي غير مرة، من . ويرى فيه الضمان األكيد لديمومة الذكر والبقاءالشعر،

ذلك مثال ما قاله حين زين له ابن العميد تلبية دعوة عضد الدولة البويهي في المسير إليه، فأجاب

ملكهم شيئا يبقى بقاء النيرين، بأني ملقى من هؤالء الملوك، أقصد الواحد بعد الواحد، وأ: "المتنبي

.)١("ويعطونني عرضا فانيا

بأي لفظ تقول الشعر : "وإذا كان المتنبي يسخر من شعراء سيف الدولة ويحط من فصاحتهم

أن في ذلك ، وك"قد ضمن الدر إال أنه كلم: "، فإنه في المقابل يصف تميز شعره وفرادته.."زعنفة

وليس في . خسارة لسيف الدولة الذي يفرط، وفق مقصد النص الموارب، بالجوهر ويتمسك بالزائف

. األمر تجاوز للحقيقة إذا ما قلنا إن فقدان سيف الدولة لشعر المتنبي هو خسارة كبيرة له وإلمارته

سيف الد به الشاعر ولة، حتى لتبدو كثرة التذكير به من باب المنة وهو معنى سبق أن ذكر

بل إن األمر ليتعدى ذلك حين . )٢("وما لم يسر قمر حيث سارا/ ولي فيك ما لم يقل قائل: "والتفضل

صار ممن/بأذني حاسد] الشعر[فإذا مر : "يصور هذا الشعر في مناسبة أخرى بقوة تدميرية مهلكة

.ومن الواضح أن لكل ذلك مقاصده المتعمدة التي ال تأتي عفو الخاطر أو اعتباطا. )٣("كان حيا فهلك

هل قصد المتنبي أو ألمح من وعيده أن يوظف الشعر في هجاء سيف الدولة والنيل منه؟

ن المتنبي بقي، من الناحية لكن المؤكد أ. ربما انطوى هذا الوعيد على مثل هذا المعنى: أقول

ذلك لم يتعد ض به في غير مناسبة وموقف، فإنولة، وهو إن عرة، على وفائه لسيف الدالعملي

: ، أو كما يقول هو نفسه في موضع آخر)"محبة(هذا عتابك إال أنه مقة : "عتب الصديق لصديقه

، الواضح في مشكالت شعر المتنبي): م١٠١٩/هـ٤١٠بعد (األصفهاني، أبو القاسم عبد اهللا بن عبد الرحمن ) ١(

.٢٠-١٩، ص١٩٦٨محمد الطاهر بن عاشور، الدار التونسية للنشر، تونس، : تحقيق

.٩٦، ص٢، جديوانهالمتنبي، ) ٢(

.٣٧٥، ص٢، جديوانهبي، المتن) ٣(

م٢٠١٥ كانون ثاني/ هـ ١٤٣٦ صفر )١(العدد ) ١١(للغة العربية وآدابها، المجلد المجلة األردنية في ا

١٥٧

بعد كل هذا أن نقارن بين حالتين خرج فيهما المتنبي ولنا. )١("ويلم بي عتب الصديق فأجزع"

عن كل حالة من مواقف - من ثم-حالة فراقه لسيف الدولة، وحالة فراقه لكافور، وما نتج: غاضبا

وتداعيات، لندرك الفرق ونتبين جوهر الصداقة التي سعت هذه المقاربة إلى تأكيدها وإثباتها بين

.األمير والشاعر

وقد تبلغ الذات حالة من اليأس المتمكن الذي يستحضر تجربة الصداقة بشيء من األلم

والمرارة، وربما كان فراق الشاعر المكره لسيف الدولة ولجوؤه القسري لكافور أوضح ما يمثل هذا

يقول الشاعر . كافوراإلحساس الممض الذي بقي يمارس تأثيره القاسي على الذات مدة إقامتها عند

: )٢(في مقدمة أولى مدائحه فيه

ـــاـأمانيــ ن ـا أن يكــوحسب المناي افياـوت شــكفى بك داء أن ترى المــ

)٣(يــــــامداج دوا ــصديقا فأعيا أو ع ا لمــا تمنيت أن تــــرىـــتمنيته

اليمانيــــــــــا فال تستعدن الحسام ش بــذلــــةـإذا كنت ترضى أن تعي

)٤(ـــاـ المذاكيــ اقـجيدن العتـوال تست ــارةــــاح لغــوال تستطيلن الرمـ

)٥(ــــاـون ضواريـــوال تتقى حتى تك ـوىـن الطـفما ينفع األسد الحياء مـــ

نم كبل حقلبي قب تكببنـــــــأى ح لــــي ارا فكنغد كان قدافيـــــا وو

شكوي نيالب أن ــلمـأع اكيـــاــرأيتك شؤادي إن ـست فـــفل ـدهـبعــ يك ـ

الع وعمد ـفإن رن غـــدهــــا يبإثــإذا ك بر ــن الظاعنين يـ راروــاــج

اــ باقي الـوبا وال المــــفال الحمد مكس من األذى ا ـــإذا الجود لم يرزق خالص

اخـــياـأم تس ى ـخاء ما أتــــأكان س ـــىـالق تدل على الفتـوللنفس أخــ

اـــس جازيــود من ليــرأيتك تصفي ال أقل اشتياقا أيهـــــا القلــــب ربما

ب باكــــياـع القلـــلفارقت شيبي موج باـلقت ألـــوفا لو رحــلت إلى الصخ

.٢٦٩، ص٢، جديوانهالمتنبي، ) ١(

.٢٨٤- ٢٨١، ص٤، جديوانهالمتنبي، ) ٢(

.الساتر للعداوة: المداجي) ٣(

.ت أسنانهاالخيل القرح التي قد تم: المذاكي. الخيل الكريمة: العتاق) ٤(

.الجوع: ىالطو) ٥(

مفلح الحويطات. الذات بين تنازع الفقد والحنين د: رثاء الصداقة في شعر المتنبي

١٥٨

أن تأتي بكالم هو "- كما يعرفه ابن األثير-والتجريد. تبدأ األبيات بتوظيف أسلوب التجريد

؛ فالشاعر يقيم من نفسه مخاطبا يبثه دواعي حزنه وألمه، )١("خطاب لغيرك، وأنت تريد به نفسك

أن ترى صديقا فأعيا، أو " بعد أن تمنت الذات وكأنه لم يجد غير ذاته يناجيها ويشكو إليها همه،

.، فقد بات ذلك من باب األماني عزيزة المنال"عدوا مداجيا

وإذا كان بعض النقاد القدامى قد أخذ على المتنبي في هذا المطلع بعده عن اللياقة ومراعاة

وتطير أثارهما ذكره للموت والمنايا مقام الحال بالنظر إلى ما ينطوي عليه مطلع قصيدته من شؤم

كان بالغ الداللة في التعبير عن ) المطلع(، فإنه )٢(في أول قصيدة يمدح بها كافورا بعد اتصاله به

من يأس محبط جعلها تجد - في هذه الفترة العصيبة من حياتها-إحساس الذات الشاعرة، وما تملكها

في مفارقة تثير من وجوه الدهشة والغرابة ما ! في المنايا أمنية مشتهاةفي الموت عالجا شافيا، و

.تثير

غايتها في هذا المطلع، فإن - كما لحظنا-وإذا كانت حالة الضعف واالنكسار قد بلغت

ال يستسلم لضعفه طائعا - كعادته في كثير من شعره، وكما تبدى في ما سبق من قول-المتنبي

ه يستحضر من المعاني ما يقصي فكرة الضعف وينحيها، والشاعر هنا يجد في منطق راضيا، ولكن

وهو يسوق هذا المعنى . القوة وسيلة فاعلة النتشال الذات من وهدة اليأس وأجواء اإلحباط المخيمة

صالبة بالمفردات الناطقة بدالالت القوة وال- على نحو واضح-في ثالثة أبيات متتابعة احتشدت

..".تستعدن، الحسام اليماني، الرماح، غارة، العتاق المذاكي، األسد، ضواريا: "والمضاء

غير أن نبرة القوة هذه التي تحولت في المعنى الشعري تحوال حادا سرعان ما تتبدد لتظهر

ولعل في هذا ما يؤكد تمكن هذا . اتمرة أخرى نغمة جديدة من الحزن والتأثر تستغرق باقي األبي

وإذا صح القول إن . والشاعر يقيم حوارا مؤثرا بينه وبين قلبه. اإلحساس من الشاعر ومالزمته له

الشاعر يمثل صوت العقل الواعي الذي يجهد في الحد من غلواء العاطفة واندفاعها، فإن القلب

ومع ما . سيف الدولة/ صوت العاطفة التي بقيت متعلقة بالحبيب الظاعن- وفق هذا التقدير-يمثل

وقد كان : "يبذله الشاعر من جهد كبير في سبيل إقناع قلبه بحتمية القطيعة والفراق وضرورتهما

فإن لواعج الشوق والحنين لذلك .." فلست فؤادي إن رأيتك شاكيا.. غدارا فكن لي وافيا

إذا الجود لم : " على ما توسل به من حكمة وإقناع- ظلت متقدة، ولم يتمكن الشاعرالصديق/الحبيب

)١ (ين ابن األثير، ضياء الد)ائر في أدب الكاتب والشاعر): م١٢٣٩/هـ٦٣٧مه وعلق عليهالمثل السأحمد : ، قد

.١٦٠، ص٢ت، ق. الحوفي وبدوي طبانة، دار نهضة مصر للطبع والنشر، القاهرة، د

.١٨٢، ص١، جيتيمة الدهر، الثعالبي) ٢(

م٢٠١٥ كانون ثاني/ هـ ١٤٣٦ صفر )١(العدد ) ١١(للغة العربية وآدابها، المجلد المجلة األردنية في ا

١٥٩

من إخفاء تلك المشاعر الجياشة التي -.."وللنفس أخالق تدل على الفتى.. يرزق خالصا من األذى

وأعلم أن البين .. بأقل اشتياقا أيها القل: "كانت تعلن عن نفسها في سياق الحديث بوضوح ال يخفى

، ففي هذه العبارات وأمثالها كشف لباطن الذات .."خلقت ألوفا لو رحلت إلى الصبا.. يشكيك بعده

على وفائها وحنينها - على ما ينطوي عليه القول في وجهه اآلخر من مكابرة وتعريض-التي بقيت

عالقة في النفس رغم تنائي المكان - مع ما شابها من عوارض ومنغصات-لصداقة ظلت ذكراها

.وتعاقب الزمان

تتوزع بين ضربين من المشاعر - مدة إقامتها في مصر-هكذا بقيت الذات الشاعرة

المتضادة، ولعل شيئا من ذلك قد بدا في األبيات السابقة؛ فالذات تنقسم في هذه الحالة بين جانبين من

وافع المتعارضة والرجانب الوفاء بمديح كافور وما يقتضيه ذلك من أعراف : غبات المتصارعةالد

بل إن هذه المشاعر المتضادة طالت عالقة . وشروط، وجانب استحضار سيف الدولة وذكراه

صداقتهما من تجربة /الشاعر بسيف الدولة نفسه؛ فهو من جهة يعبر عما انتهت إليه عالقتهما

. ثانية لم يستطع أن يخف ما ظل يحمله من حنين عارم إلى صديقه القديممؤلمة، وهو من جهة

:)١(يقول في مقدمة إحدى كافورياته

مــ خير ميم تـــن يممــوأم ومـــ فــــــراق ومن فارقت غير مــذمم

رمــــــــم أبجل عنده وأكــإذا لــ نزلومــــا منزل اللذات عندي بمـــ

)٢(رمــمخ من الضيم مرميا بها كــــل سجية نفس مـــا تــزال مــــليحة

مـيغض ان ـــم باك بأجفـعلي وكــــ ـادنت فكم باك بأجـفان شـرحـــــل

مـــام المصمـــبأجزع مــن رب الحس ـهــوما ربــة القرط المليح مــكانـ

مــعذرت ولكن مـــــــن حبيب معم فلو كــــان ما بي مـــن حبيب مقنع

مون مـى واتقـرد منيي ومكاس ىـقا اتـى ر وىـه ـر كفي وقوســ ـي وأسهمـ يـ

ء سرل المفع اءت ظنونــــهــإذا ساء من هتادعــــــــــا يق مدصم وهتو

وأصبح في ليل من الـشك مظـــــــلم وعـــــادى محبيه بقول عــــداته

)١ (١٣٥- ١٣٤، ص٤، جديوانهي، المتنب.

.الطريق في الجبل: المخرم. مشفقة خائفة: مليحة) ٢(

مفلح الحويطات. الذات بين تنازع الفقد والحنين د: رثاء الصداقة في شعر المتنبي

١٦٠

إن ما تعيشسه الذات من صراع في موقفها ومشاعرها تجلى بدوره في بنية هذه األبيات التي

وأول . )١(والتضاد سمة بادية الوضوح في شعر المتنبي عامة. تقوم على عدد من الثنائيات الضدية

إلى إقامة مصالحة أو - من خالله-هذه الثنائيات ما يتبدى في البيت األول الذي يسعى الشاعر

، "فراق ومن فارقت غير مذمم: "التقاء بين ماض ما يزال يستقطب الذات ويستحوذ على إدراكها

وإذا كان الشطر ". وأم ومن يممت خير ميمم: "وحاضر تجهد الذات في االندماج به والتعايش معه

اج والحبور في نفس كافور باعتباره خير مقصود الثاني من هذا البيت يمكن أن يثير شيئا من االبته

يتوجه إليه المتنبي بعد فراق سيف الدولة، فإن شطره األول، بما يكشف عنه من وفاء بالغ لسيف

الرضا المقبول في نفس كافور، فها هو ذا المتنبي يصر على - بالتأكيد-الدولة، لم يكن ليلقى

- في األصل-دولة على هذا النحو من الجرأة والوضوح، في قصيدة هياالعتراف بوفائه لسيف ال

ما يزال يتلفت بقلبه إلى "ولعل في هذا ما يؤكد أن المتنبي . في مدح كافور وفي مجلسه أيضا

صديقه الذي فجع بصداقته، وال يزال يرتبط به ارتباط روح ووجدان، رغم القطيعة، ورغم الجرح،

.)٢("عةورغم الفجي

وتتوالى هذه الثنائيات في األبيات التالية لتتناول هذه المرة عالقة الذات الشاعرة بسيف

واألبيات تكشف عن انقسام الذات بين . الدولة، تلك العالقة التي أخذت وجوها من التجاذب والتقاطع

ر الذي بقي عالقا في النفس برغم شعور الحب والوفاء لسيف الدولة، وهو الشعو: شعورين؛ أولهما

". هوى كاسر كفي وقوسي وأسهمي.. حبيب معمم.. ومن فارقت غير مذمم: ".. كل ما حدث

باك بأجفان : "وتأكيدا لهذا اإلحساس يشير الشاعر إلى ما كان يبادله إياه سيف الدولة من مشاعر

ت النظر في هذه األبيات حضور المرأة التي ال يقل ويلف". بأجزع من رب الحسام المصمم.. ضيغم

رحلت فكم باك : "سيف الدولة/ عن جزع الرجل- كما يذكر الشاعر-جزعها بسبب هذا الفراق

وقد اتخذ ". فلو كان ما بي من حبيب مقنع عذرت.. وما ربة القرط المليح مكانه.. بأجفان شادن

، وإذا صح مثل هذا )٣( دليال على حب المتنبي لخولة أخت سيف الدولةمحمود شاكر من هذه األبيات

.االفتراض فإن أسبابا قوية أخرى كانت تشد المتنبي إلى حلب التي فارقها فراق المضطر المكره

إبراهيم الكيالني، : ، ترجمةدراسة في التاريخ األدبي: ب المتنبييأبو الط: بالشير، ريجسير: حول ذلك انظر) ١(

.٧٣، صمع المتنبي؛ حسين، ٢٦٩- ٢٦٨، ص١٩٨٥، دار الفكر، دمشق، ٢ط

.٧٧، ص١٩٨٦مؤسسة األبحاث العربية، بيروت، ، ٢ط، رفهتراثنا كيف نع: مروة، حسين) ٢(

.٣٥٢-٣٥١، صالمتنبيكر، شا) ٣(

م٢٠١٥ كانون ثاني/ هـ ١٤٣٦ صفر )١(العدد ) ١١(للغة العربية وآدابها، المجلد المجلة األردنية في ا

١٦١

وما : "وثاني هذين الشعورين هو شعور اللوم الذي يناوش في بعض صوره حدود الغضب

، ومع .."وعادى محبيه بقول عداته.. إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه.. ذات عندي بمنزلمنزل الل

ذلك فقد جاء أكثر هذا اللوم على شكل حكم عامة، وكأن الشاعر بذلك يحترس في الخطاب،

ج بما هي قول عام يندر-فيحرص على أال يكون تعريضه بسيف الدولة مباشرا ومكشوفا؛ فالحكمة

قد تخفف من حدة النقد، وتنتقل من خصوصية الحالة إلى -في نطاقه حاالت كثيرة، ومواقف مختلفة

.عمومها

ولعل إحساس الذات الدائم بافتقاد الصديق هو الذي جعلها تتخفى على هذا الحنين الموجع إلى

نسجم مع القول الشعري الذائع صداقة بدت كأنها شيء مفقود في عالم اإلنسان، في تصور يكاد ي

، وإذا كان وجود الغول )١("أسماء أشياء لم توجد ولم تكن /الغول والخل والعنقاء ثالثة: "عند العرب

مع أن إمكانية -إليهما" الخل"والعنقاء أقرب إلى االستحالة بالنظر إلى أسطوريتهما، فإن إضافة

وقد كان . تعبر عن مبلغ يأس اإلنسان من وجود مثل هذا الصديق الوفي-ائمةوجوده في الواقع ق

من الطبيعي نتيجة هذا الشعور اليائس أن يشتد حنين اإلنسان وشوقه إلى ذلك الصديق الذي ال يجود

حساس المؤثر وكثيرا ما كان المتنبي يقترب في رؤيته للصداقة من مثل هذا اإل. به الزمان إال نادرا

:)٢(يقول مثال. بافتقاد الصديق

نيــــأمــا في هذه الدول ب ا كريـــــمن القلــتزبـــه ع مـــــ الهوم

نيــــأمك ا ـــا في هذه الدـــمان سله الجــيبأه ـــرقيـــــــمالم ار

الذي تتمناه الذات بهذه اللهفة المحرقة ما هو إال الصديق المؤاسي المفقود " الكريم"ا إن هذ

يمكن أن ينطبق عليه هذا الوصف؟ والداللة " الصديق"، فمن غير "تزول به عن القلب الهموم"الذي

ن شدة الحنين المتحصلة من هذين البيتين تنطوي على حنين بالغ إلى صديق ومكان مؤنسين زاد م

.)٣(إليهما ما تعيشه الذات الشاعرة في لحظتها اآلنية من مشاعر يائسة محبطة

محمد بهجة : ، عني بشرحه وتصحيحه وضبطهبلوغ األرب في معرفة أحوال العرب: األلوسي، محمود شكري) ١(

.٣٤٧، ص٢ت، ج. األثري، دار الكتب العلمية، بيروت، د

.١٥١، ص٤، جديوانهالمتنبي، ) ٢(

)٣ (داقة يموضوع الص البيتان من قصيدة في هجاء كافور، ومن المالحظ أنات لحويحضر في أغلب كافوري

.المتنبي

مفلح الحويطات. الذات بين تنازع الفقد والحنين د: رثاء الصداقة في شعر المتنبي

١٦٢

لقد بقي الحنين إلى صديق غائب وصداقة مفقودة في شعر المتنبي لحنا متكررا يتزايد

يرد في قصيدة الشاعر ولعل مما يمثل ذلك ما . حضوره كلما اشتدت وطأة الواقع وقيوده على الذات

؛ فبعد مقدمة تظهر ما تعيشه الذات الشاعرة )١(.."أغالب فيك الشوق والشوق أغلب: "في مدح كافور

من صراع وتجاذب بين مشاعر ومواقف متضاربة، وشكوى من تقديرات الزمن ومفارقاته التي

اضي ونسيانه، ووصف للحبيب والليل واألعداء تقرب البغيض وتبعد الحبيب، ورغبة في تجاوز الم

والرقبة، تبرز الفرس في النص لتشكل مهادا ينقل الذات من عالم قديم هو عالم سيف الدولة

ويلحظ أن . )٢(بمسراته وآالمه، إلى عالم جديد هو عالم كافور بما قد ينطوي عليه من أمل أو يأس

منحى وجدانيا تتوحد فيه الذات مع هذه الفرس التي تتجسد في " يتخذ حديث الشاعر عن الفرس

وأصرع أي "، .."شققت به الظلماء: "صور من القوة والمهابة التي تتوازى مع قوة الذات وتتقابل

تصبح إن هذه الفرس التي يستغرق الحديث عنها حيزا بارزا في هذه القصيدة..". الوحش قفيته به

هي األداة الوظيفية القادرة على إنجاز فعل االنتقال من المكان المرتحل عنه إلى المكان المرتحل

إليه بكفاءة ونجاح، ولذا فال غرابة أن تتجاوز العالقة بها المظهر الخارجي لتنفذ إلى أعماق داخلية

: )٣("حميمة

ربـــــــوإن كثرت في عين من ال يج وما الخيل إلا كالصديق قليلــــــــة

سح رغي تشاهد اتهاـــن شــــإذا لمي بغيم نكع نسضائهـــــــا فالحأع٤(و(

ولعل صورة هذه الفرس النادرة التي استغرق الشاعر في تقديمها قد استدعت من منظور

وما الربط بين الخيل والصديق في هذا . ذي تتمناه الذات وترغب في وجودهمواز صورة الصديق ال

السياق إال تأكيد على عمق العالقة التي تجمع بينهما في تصور المتنبي الذي أفضى به هذا الوصف

الوجداني اآلسر لتلك الفرس إلى استحضار الصديق الذي لم يجد أقرب منه في تشبيه فرسه به،

وكأن هذا يظهر في مرآة ذاك، وذاك في مرآة هذا، في عالقة تدني بطرفيها إلى وجوه بالغة من

.١٨٧- ١٧٦، ص١، جديوانهنبي، المت) ١(

، الهيئة دراسة في التراث النقدي: مفهوم الشعر: عصفور، جابر: انظر ما هو قريب من هذه الفكرة في) ٢(

ة للكتاب، القاهرة، المصري٣٧٨، ص٢٠٠٥ة العام.

، مجلس النشر المجلة العربية للعلوم اإلنسانية، "صراع األنا والمكان في شعر المتنبي: "الحويطات، مفلح) ٣(

.١٥٢، ص٢٠١١، ١١٦، العدد ٢٩العلمي، جامعة الكويت، السنة

.جمع شية، وهي األلوان: الشيات) ٤(

م٢٠١٥ كانون ثاني/ هـ ١٤٣٦ صفر )١(العدد ) ١١(للغة العربية وآدابها، المجلد المجلة األردنية في ا

١٦٣

كما يعترف -والوجه الجامع لهذه العالقة هنا هو القلة أو الندرة، فإذا كانت الخيل. التقارب واالتحاد

وعزيزا، وهو ما يعبر عنه هذا الحنين قليلة، فإن الصديق ظل في حياة الذات أيضا نادرا -الشاعر

.الدائم إلى صديق حقيقي بقيت الذات تتمناه وتتوق إليه دون أن تجده

: )١(وإذا كان المتنبي يقترب أخيرا في قوله

وائهـــوأرى بطــــــرف ال يرى بس ـهـما الخــــل إال من أود بقلبــــ

من الفالسفة المسلمينمن الحد عنه عدد ديق، ونقلهالذي وضعه أرسطو في تعريف الص :

، فإن هذا الحد بقي عصي التحقق، وفق ما )٢("الصديق إنسان هو أنت، إال أنه بالشخص غيرك"

ة التي تعبر عن ولعله أدخل في باب األماني العزيز. )٣(فصل في ذلك التوحيدي في إحدى مقابساته

أو . )٤(رغبة اإلنسان الدائمة في العثور على مثل هذا الصديق الذي ليس له في عالم الواقع وجود

!الذي يندر وجوده في الواقع اإلنساني: لنقل على نحو أكثر احترازا ودقة

خاتمة

ر ورحيل دائمين؛ إذ لقد كانت حياة المتنبي، وفق ما يكشف عنها شعره وسيرته، على سف

قضى أغلب سني عمره القصير ظاعنا بين أمكنة متعددة لم ينعم في أكثرها بإقامة أو يهنأ باستقرار،

، حتى بات هذا المنحى السلوكي سمة مائزة في "على قلق كأن الريح تحتي: "أو كما يصف هو نفسه

ساعد، في الغالب، على إقامة صداقات دائمة، فإن وإذا كانت مثل هذه الحياة ال ت. حياته وأدبه

شخص المتنبي ذاته؛ بشهرته الواسعة، وكبريائه البالغ، وشعريته الفذة، كثيرا ما كان يؤلب عليه

)١( ٤، ص١ ج،ديوانهي، لمتنب.

داعي المشاكلة في ؛ جدعان، ٣٦٨، صتهذيب األخالقمسكويه، : وانظر أيضا. ٣٥٩، صالمقابساتلتوحيدي، )٢(

.١٤٥، صنظرية الحب عند العرب

.٣٦٢-٣٥٩، صالمقابساتلتوحيدي، )٣(

إني ألظن : "..ديق بقولهة وجود مثل هذا الص عن يأسه من إمكاني- ه على التوحيدي في رد–عبر مسكويه )٤(

التوحيدي، أبو : انظر". العقوق، والعنقاء المغرب، والكبريت األحمر، أيسر مطلبا وأقرب وجودا منهاألبلق

الهوامل والشوامل :)م١٠٣٠/هـ٤٢١(ومسكويه، أحمد بن محمد ) م١٠٢٣/هـ٤١٤( ان علي بن محمدحي ،

.٢ صت،. دالثقافة، القاهرة،أحمد أمين والسيد أحمد صقر، الهيئة العامة لقصور : نشره

مفلح الحويطات. الذات بين تنازع الفقد والحنين د: رثاء الصداقة في شعر المتنبي

١٦٤

وأن تطفح . إحنا وعدوات في كل مكان كان يحل فيه، فال غرابة إذن أن يكثر أعداؤه ويقل أصدقاؤه

من جهة - حرقة الفقد وبكاء الصداقة واألصدقاء، وتتنامى في هذا الخطاب- من جهة-في خطابه

نبرة الشوق والحنين إلى صداقة غائبة ظلت الذات تتمناها وتتوق إليها دون أن تسعفها -مقابلة

لوجه السلبي وفي المجمل فقد غلب على رؤية المتنبي للصداقة ا. الحال في نيلها أو التمتع بمباهجها

وثانيتهما . الذي يعبر في أقل تقدير عن داللتين؛ أوالهما سوء ظن الذات بالناس وانعدام ثقتها بهم

.غربة هذه الذات في عالمها وافتقارها الدائم إلى األلفة والتواصل واالنسجام