ميرلوبونتي والجسد عند إشكالية الفينومينولوجيا - ASJP

14
جلد ا80 د: / العـد80 ( 0800 ) ، ص396 - 409 ISSN : 2352- 9776 EISSN : 660X-2600 لسفية مجلة مقاربات ف396 لفينومينولوجيالية ا إشكا والجسد عندرلوبونتي ميThe problem of Phenomenology and the body when Merleau-ponty 1 . ج احمدتي حا * ، معة وهران جا2 ا( ) لجزائر، oran2.dz - latti.hadjahmed@univ 2 أ.د زاد دراس شهرمعة وهران جا2 ا) لجزائر، [email protected] تاري م: ست خ22 / 50 / 2521 قبول:ريخ ال تا11 / 50 / 2521 يخ النشر: تار05 / 50 / 2521 ملخص:موند هوسرلني ادايلسوف بن الفن يرون بالباحثي اغلب ا(Edmaund Husserl) هو الذياصرة سرعانعفلسفة اء الخل سمار دالتيانهج او اس لهذا ا أس كبيرة منجموعة ما تبناه م( تن هايدغرلزمان مار نة و اسوف الكينوة، ابرزهم فيل سف الفMartine Heidegger ، وماكس) ( شيلرmax shiler تخدامه ليسول اسلفرنسية تحافلسفة ا من ال سيجعلنهج، هذا اانيا في ا) ا جونقصد هاهن فرنسية، و ا فينومينولوجيا لكي تكونانية بل بطريقة اانيا لذي سافر تر ا بول سار ماوت مبكرا الذي خطفه ارلوبونتيس ميثله موري اخر يم ل و تياروص هوسر لدراسة نص خصيصا عدا متخصصة حوله ماسات بي حول درالم العرلعاك ندرة في ا هناوحة، حتى انلسفته مفت جعل فبع اليد.د على أصاب تع و الكت تقا بعض ا.) يجعلنا مر الذي ية الجسد عنده وج إشكال نعال الجديدةلفينومينولوجيا الطريق نحو ا. مفتاح كلمات ية: لم، الوجودلعا، الجسد، الفينومينولوجيا اAbstract: Most researchers believe that the German philosopher Edmund Husserl was the one who established this method or current within the sky of contemporary philosophy. It was quickly adopted by a large group of philosophers, most notably the philosopher of being and time Martin Heidegger and Max Shiler in Germany. He will make French philosophy try to use it not in a German way, but in order to be a French phenomenology, and I mean here John Paul Sartre, who traveled to Germany specifically to study Husserl's texts and another current represented by Maurice Merleau-Ponty, who was kidnapped by death early, which made his philosophy open, so that there is a scarcity in the Arab world. About specialized studies about it, with the exception of some articles and books prepared on the fingers of the hand.) Which makes us solve the problem of the body with him and the way to the new phenomenology Key words: phenomenology, body, world, existence * ؤلف ارسل ا1 . مقدمة: نسقصرة بفكر العافلسفة اتميز ال ت فكر النسق ف بخة فيزة أساسي كان مي الذيت الحداثةلسفا فles philosophies modern لجاهزتمرد على اتجاه و رؤى تيلسوف اكل ف ، فاصبح ل

Transcript of ميرلوبونتي والجسد عند إشكالية الفينومينولوجيا - ASJP

مجلة مقاربات فلسفية ISSN : 2352- 9776 EISSN : 660X-2600 409 -396ص ، (0800)80/ العـــدد: 80 املجلد

396

ميرلوبونتي والجسد عندإشكالية الفينومينولوجيا The problem of Phenomenology and the body when Merleau-ponty

oran2.dz-latti.hadjahmed@univ ، لجزائر()ا 2جامعة وهران ،*التي حاج احمد. 1

[email protected]، لجزائر(ا 2جامعة وهران شهرزاد دراس أ.د 2

2521/ 05/50تاريخ النشر: 11/50/2521تاريخ القبول: 22/50/2521خ الاستالم: تاري

ملخص:

هو الذي (Edmaund Husserl)اغلب الباحثين يرون بان الفيلسوف ألاملاني ادموند هوسرل

ما تبناه مجموعة كبيرة من أسس لهذا املنهج او التيار داخل سماء الفلسفة املعاصرة سرعان

(، وماكس Martine Heideggerالفالسفة، ابرزهم فيلسوف الكينونة و الزمان مارتن هايدغر)

( في املانيا، هذا املنهج سيجعل من الفلسفة الفرنسية تحاول استخدامه ليس max shilerشيلر)

بول سارتر الذي سافر ألملانيا بطريقة املانية بل لكي تكون فينومينولوجيا فرنسية، و اقصد هاهنا جون

خصيصا لدراسة نصوص هوسرل و تيار اخر يمثله موريس ميرلوبونتي الذي خطفه املوت مبكرا ما

جعل فلسفته مفتوحة، حتى ان هناك ندرة في العالم العربي حول دراسات متخصصة حوله ما عدا

نعالج إشكالية الجسد عنده و الامر الذي يجعلنا(. بعض املقاالت و الكتب تعد على أصابع اليد.

.الطريق نحو الفينومينولوجيا الجديدة

الفينومينولوجيا، الجسد، العالم، الوجود :يةكلمات مفتاحAbstract:

Most researchers believe that the German philosopher Edmund Husserl was the one who

established this method or current within the sky of contemporary philosophy. It was quickly

adopted by a large group of philosophers, most notably the philosopher of being and time Martin

Heidegger and Max Shiler in Germany. He will make French philosophy try to use it not in a

German way, but in order to be a French phenomenology, and I mean here John Paul Sartre, who

traveled to Germany specifically to study Husserl's texts and another current represented by

Maurice Merleau-Ponty, who was kidnapped by death early, which made his philosophy open, so

that there is a scarcity in the Arab world. About specialized studies about it, with the exception of

some articles and books prepared on the fingers of the hand.) Which makes us solve the problem

of the body with him and the way to the new phenomenology

Key words: phenomenology, body, world, existence

املرسل املؤلف *

:مقدمة .1

الذي كان ميزة أساسية في بخالف فكر النسق تتميز الفلسفة املعاصرة بفكر الالنسق

، فاصبح لكل فيلسوف اتجاه و رؤى تتمرد على الجاهز les philosophies modernفلسفات الحداثة

إشكالية االدراك و الجسد عند ميرلوبونتي

397

ما تعلمه لنا فلسفته ان نقول ال ( من يين friedrich Nietzscheوال تؤخذه كما هو، فريدريك نيتشه )

no حتى انه يرفض في كتاباته ان يكون له اتباع يسيرون وفق منهجه، و لعل هذا ما جعل "جمال ،

مصباح" الذي ترجم كتب نيتشه الى اللغة العربية في احد محاضراته يقول " ان تكون نيتشوي هو ان

ل الجاهز من ألافكار ، ولعل من ابرز املناهج ال تكون نيتشوي" ، بمعنى الثورة على الفكر و عدم تقب

عارف الجاهزة و الاحكام املسبقة املعاصرة التي تعلمنا أسس التفكير و البحث السليم ورفض امل

Préjudice( هي الفينومينولوجياla phenomenology )

املنهج او اغلب الباحثين يرون بان الفيلسوف ألاملاني ادموند هوسرل هو الذي أسس لهذا

التيار داخل سماء الفلسفة املعاصرة سرعان ما تبناه مجموعة كبيرة من الفالسفة، ابرزهم فيلسوف

( في املانيا، هذا max sheller(، وماكس شيلر)Martine Heideggerالكينونة و الزمان مارتن هايدغر)

ة بل لكي تكون املنهج سيجعل من الفلسفة الفرنسية تحاول استخدامه ليس بطريقة املاني

فينومينولوجيا فرنسية، و اقصد هاهنا جون بول سارتر الذي سافر ألملانيا خصيصا لدراسة نصوص

هوسرل و تيار اخر يمثله موريس ميرلوبونتي الذي خطفه املوت مبكرا ما جعل فلسفته مفتوحة، حتى

االت و الكتب تعد ان هناك ندرة في العالم العربي حول دراسات متخصصة حوله ما عدا بعض املق

و نذكر على سبيل املثال: محمد بن سباع، ثريا الابقع، الراحلة زروقي زينة من جامعة على أصابع اليد.

باتنة، واسهامات عبد العزيزي العيادي، بدر الدين مصطفى و غيرهم.

ميرلوبونتي فيلسوف فرنس ي اصيل رأى بان هوسرل اس يء فهمه و ينبغي تخليصه من هذا

ض الذي طبع فلسفته الفينومينولوجية، ما جعله يطرح سؤال التفكير مع هوسرل لتجاوزه الغمو

و التأسيس ملشروعه الفلسفي بعيدا عنه، و عن هايدغر من خالل ما يعرف بتجربة الادراك الحس ي

ي كيف نظر ميرلوبونت( نطرح الاشكال التالي : paradoxو الجسد امام هذه املفارقة)

للفينومينولوجيا؟ و كيف يمكن للجسد ان يكون أداة فينومينولوجية ؟

بين الشك الحداثي و الايبوخي الفينومينولوجي : -0

la)لحظة مهمة في تاريخ الفكر الفلسفي، وفي التأسيس للحداثة (Descartes)لحظة ديكارت تعتبر

modernité) ظة التي تحرر فيها الانسان ليعود لذاته، "ان الحداثة بدأت في اللح بحيث يقول هايدغر

ح، و بالتالي سيصبHeidegger, 1971, 183)ألنه الكائن الوحيد الذي يرد جميع ألاشياء الى ذاته")

الانسان مركز الكون و ستصبح الذات املريدة سيدة اللعبة، وهي وحدها املسؤولة عن اصالح نفسها

(151، 1991الا من كان واضحا متميزا)بنعبد العالي، واتخاذ القرار في الا يقبل من الافكار ))

و الثقة في إلامكان العقلي rationalitéو العقالنية subjectivitéان الحداثة تقوم على الذاتية

البشري هذا هو املشروع الحداثي، دائما ما يعود الفيلسوف ألاملاني" ادموند هوسرل" و "ميرلوبونتي "

شهرزاد دراس ،التي حاج احمد

398

"ديكارت "الستئناف ما لم يفكر فيه او ما نسيه و اسقط في كتاباته، او باألحرى الى مؤسس الحداثة

بعض املواضيع التي تغافل عنها و اعتبرها من البديهيات، بالتالي نتساءل ما هو الامر الذي لم يفكر فيه

لبدء ديكارت؟ او بعبارة أخرى ما هو الامر الذي جعل فلسفات الحداثة من منظور هوسرل ال تقوم با

الفلسفي؟

و الفينومينولوجيا ةيجيب هوسرل على هذا السؤال في كتابه" ازمة العلوم ألاوروبي

الترستندنتالية" في قوله " هناك أسباب وجيهة تجعلني الان افسح املجال ملحاولتي تقديم تأويل دقيق ال

، الن فكر ديكارت كان يسير بغير 1يكرر ما يقوله ديكارت، بل يستخرج ما كان يكمن بالفعل في تفكيره"

وعي منه و تحت تأثير احكام مسبقة جعلته في ألاخير ان صح القول يفشل في التدشين للحظة البدء

الجديدة و التأسيس للمنهج الكلي للفلسفة، بحيث ان هذه ألافكار ليست مجرد بقايا لتقاليد

ت تلقائية تعود الالف السنين ال يمكن سكوالئية، ليست احكاما عارضة تنتمي لزمانه، بل اعتقادا

2تخطيها عموما الا بواسطة إيضاح كامل و يواسطة تفكير ما هو اصيل في أفكاره الى النهاية"

بحسب هوسرل ان ما حدث لفلسفات الحداثة من ازمة ما هو الا انعكاس على لحظة البدء

نهج الذي اتبعه الفالسفة، ما عدا ديكارت الذي الاغريقية، بحيث ان املشكلة كانت أساسا تتعلق بامل

هو اول من احدث انعطاف على مستوى الفكر الغربي، ويعتبر هوسرل هذه اللحظة محاولة اصالح

الفلسفة، لكنه لم يفض ي الى الفلسفة الى بر ألامان بسبب عدم وفائه لالنا الترستندنتالي، كما انه بقي

ل يرفض الشك الديكارتي او يحاول اصالحه، هذا الشك الذي حبيس املوقف الطبيعي ما جعل هوسر

ابقى على بعض القضايا و اخرجها من دائرة الشك باعتبارها بديهيات يقوم التفكير عليها، من هنا فكر

هوسرل في شك من نوع اخر فتوصل الى ما يسمى "الايبوخي" بمعنى وضع العالم بين قوسين، فبفضله

الطبيعي الساذج الى املوقف الفلسفي الصارم ، و عدم الدخول و الاستعانة يمكن الانتقال من املوقف

و قد لجا 3يجعلني اتعالى على صالحيات الوجود épochèبصالحيات املوقف الطبيعي اذ ان الايبوخي

4هوسرل البتكار هذه الخطوة الى الفلسفات الريبية القديمة

لة التمييز بين ايبوخي ديكارت و الايبوخي من خالل قراءة نصوص هوسرل نستطيع بسهو

الفينومينولوجي الترستندنتالي، هذا ألاخير في الحقيقة توصل اليه بعد تخليص الديكارتية من فخ

الاحكام املسبقة، لذلك يقول: "ان الطريق ألاقصر الى الايبوخي الترستندنتالي في كتابي أفكار من اجل

وفلسفة فينومينولوجية الذي اسميه الطريق phénoménologie pureفينوميولوجيا خالصة

الديكارتي ذلك الن بلوغه تم بمجرد تعمق متمعن في الايبوخي الديكارتي لكتاب تأمالت بفضل تطهير

إضافة الى انه يعتبر ان لجوء ديكارت الى الشك كان 5نقدي له من احكام ديكارت املسبقة واخطائه"

ما جعل هوسرل يصل الى نتيجة 6في الوجود ال ينالها الشك اطالقا"لغرض تبيان " انه توجد دائرة

املساءلة لكل ألاشياء املوجودة في العالم و النظر اليها كظواهر موضوعة بين قوسين الى غاية التأكد من

التي ال تقبل الشك و يخضع كل ش يء للشك évidenceصحتها، الامر الذي جعله يرفض قكرة البداهة

إشكالية االدراك و الجسد عند ميرلوبونتي

399

يء و أي ش يء مهما كنا مقتنعين به ثابت الاقتناع بل ومهما كانت بداهته يقينية فإننا الكلي "فكل ش

7نستطيع مع ذلك ان نحاول الشك فيه"

في الحقيقة ان عودة هوسرل الى ديكارت و ألاهمية التي خصه بها في كتاباته، النه كما يسميه"

ل املنهج الذي يخلص الفلسفة والعلوم عبقري الحداثة" جعلته في ألاخير يرى بضرورة طرح سؤا

إلانسانية و العلوم ككل من قبضة املذهب الطبيعي، واملنهج املناسب هاهنا هو الفينومينولوجيا منهج

كان قريب من ارضه ديكارت لوال العثرات التي أدت به الى ارتكاس، جعل الفلسفة الشاملة تبقى مجرد

critiqueا هي علم دقيق" بين نوعين من النقد سلبي حلم.و يميز هوسرل في كتابه" الفلسفة بم

radicale يعتمد على نقد النتائج و غض النظر على أسس و مباديء املنهج، و نقد إيجابيcritique

positive "8بستهدف أسس ومبادئ املناهج نقدا كهذا هو الذي يساهم في بناء فلسفة علمية

الانا وتنقيته من جميع التصورات التي تجعل الش يء ال بحاول هوسرل من خالل منهجه تطهير

يمنحني نفسه، وبالتالي ال يمنحني سره، و لتطهير هذه الانا ينبغي فصلها عن تجربتها، ملاذا هذا الفصل

جب أن تكون ألانا التي ؟ "بl’intentionnalitéبين الانا و التجربة على الرغم من ابداعه ملفهوم القصدية

من أجل الوصول إلى جوهرها فوق التأثيرات التجريبية والنفسية ، أي يجب أن تكون تصف ألاشياء

بفضل الاختزال عالية. يتحقق هذا الانتقال من ألانا التجريبية والنفسية إلى ألانا املتعاليةمت

افصل تلميذ ، الذي يعتبر ، حسب يوجين فينك ، réduction phénoménologieالفينومينولوجي

"الدهشة في العالم". وهذا الاستغراب يجبر الشخص على تعليق حكمه كما يشاء تسميتهلهوسرل

وضع العالم ، من اجل كما يرى ميرلوبونتي" ان نتعلم كيف نرى العالم" وينبغي التنويه الى ان وإيقافه

الحديث عن العالم فقط بأحكام مسبقة من نا ليس رفض العالم ، بل هو عملية تجنب بين قوس

.9رين. هذا يعني أنه يسمح لي بالحصول على رؤية )أو رؤية( لعالميآلاخ

تعتبر قراءة هوسرل للتراث الفلسفي قراءة اصيلة، اذا سألنا احدهم اين تكمن هذه الاصالة؟ نجد

يقول " لقد عادت الحاجة تلح الى فلسفة 1911إلاجابة في املحاضرة الافتتاحية في فرايبورغ عام

د انتاج النهضة)..( ها هو علم أساس ي جديد ينشا داخل مجال الفلسفة انه'' جديدة ال تعي

و من هنا نطرح سؤال هل هذه الفينومينولوجيا استطاعت تحقيق هذا 10الفينومينولوجيا البحتة''

إلامكان؟

مآخذ املذهب الطبيعي :

philosophie comeق" يعرف هوسرل املذهب الطبيعي في كتابه" الفلسفة بما هي علم دقي

science regourous بقوله :" ان املذهب الطبيعي هو ظاهرة نتجت عن اكتشاف الطبيعة، أي الطبيعة

وينبغي التمييز بين النزعة 11منظور اليها كوحدة للوجود الزماني و املكاني، تخصع لقوانين طبيعية ثابتة"

شهرزاد دراس ،التي حاج احمد

400

فاملذهب الطبيعي attitude naturelleلطبيعي ، و املوقف اnaturalismeالطبيعية او املذهب الطبيعي

الذي ينتقده هوسرل هو تلك النزعة التي تطورت نتيجة لتقدم العلوم الطبيعية وتطبيق مناهجها في

شتى املجاالت، الامر الذي افرز اتجاه كامل ينحو حول اتهاذ العلم الطبيعي انموذجا لكل معرفة حتى

12مهام هوسرل في فلسفتهعلوم الانسان، ولقد كانت هذه احدى

يرى هوسرل ان ما يميز املذهب الطبيعي تحت مسمياته العديدة، خاصيتين هي محاولة تطبيع

الشعور و تطبيع ألافكار، لكن هذا املوقف نس ي الامر الذي يسميه ميرلوبونتي" تجربة العالم"

expérience de mondeطبيعي ؟ يجيب هوسرل ان ، من هنا نتساءل كيف يمكننا تجاوز املوقف ال

الانتقال من املوقف الطبيعي الى املوقف الفينومينولوجي يكون عن طريق 'الرد

، لجا هوسرل الى هذه الخطوة باعتبارها خطوة réduction phénoménologieالفينومينولوجي"

عي، ففي هذا أساسية لطريق التفلسف، ان الرد انما هو إزالة لعقبة تثفل على الوعي هي املوقف الطبي

املوقف ينس ى الوعي ذاته، ويضيع في ألاشياء و املوضوعات، بحيث يتباعد عن ذاته ويغترب و يغدو

و بالتالي فان هدف هوسرل هو الوصول الى منطقة موجود في الوعي يصعب على من ،13متخارجا عنها

خرى أيضا تجاوزت املوقف يتقيد باملوقف الطبيعي الوصول اليها، لكن الا نرى ان املذاهب املثالية ألا

الطبيعي ؟ يكمن الفرق بين الفينومينولوجيا و املذاهب ألاخرى في ان هذا الخروج ليس

خروجا حتميا تمليه الضرورة فكرية ال يمكن التخلص منها، انما هو خروج اختياري يقوم به

14 بعد تعليق العالم الطبيعيالفيلسوف بمحض ارادته، مستهدفا وجهة نظر جديدة ال تتبدى له الا

هذا باختصار كيفية نشأت الفينومينولوجيا الهوسرلية التي لم تقتصر على بلدها املانيا، الامر الذي

يجعل من الفالسفة الوجوديين أمثال: جون بول سارتر و موريس ميرلوبونتي استخدام هذا املنهج من

وجدوا في منهج هوسرل ديكارت الفترة املعاصرة.اجل معالجة إلاشكاليات ألاساسية للوجود وكأنهم

فكرة الفينومينولوجيا عند ميرلوبونتي : -0

يصدر ميرلوبونتي كتاب تحت عنوان" فينومينولوجيا الادراك" 1990في سنة

phénoménologie de la perception يبداه بسؤال أساس ي و غريب نوعا ما، ما هي الفينومينولوجيا ؟

، 15من الغرابة في طرح هذا السؤال بعد مرور تقريب نصف قرن على اعمال ادموند هوسرل ألاولىتك

يكمن السبب ألاساس ي الذي دفعه لطرح هذا السؤال يكمن في سوء تأويل فينومينولوجيا هوسرل او

د ان وكأن ميرلوبونتي يري 16هايدغر، اذ انه ان كان مكان ينبغي التأويل فيه هو فقط تاريخ الفلسفة

يكون املمثل ألاول للفينومينولوجيا الفرنسية علما انه كان يعرف هوسرل واصبح على دراية كبيرة

سيقض ي ميرلوبونتي 1919) في ابريل 1919)مؤتمر هوسرل بباريس( الى غاية 1929بفكره من عام

17أسبوعا في أرشيف هوسرل بلوفان ببلجيكا(

إشكالية االدراك و الجسد عند ميرلوبونتي

401

ومينولوجيا كمجال مغلق او حكرا على فلسفة او نسق فيلسوف برفص ميرلوبونتي ان تكون الفين

، موجودة كحركة style معين، وبهذا فهي "متروكة للممارسة ويتم التعرف عليها كطريقة او كأسلوب

قبل التوصل الى وعي فلسفي كامل، انها على الطريق منذ وقت طويل، تالميذتها يجدونها في كل مكان،

وكانه يخبرنا ان 18بالطبع، وحتى أيضا عند ماركس و نيتشه وفرويد" عند هيغل و عند كيركغارد

الكيفيات التي اتبعها هؤالء الفالسفة ال تغدو ان تكون فينومينولوجيا، ما نريد قوله هاهنا ان

ميرلوبونتي يرفض فكرة جعل الفينومينولوجيا كنسق مقتصر على فيلسوف معين بل هي علم ان صح

و الانفتاح، حتى انه يقر بانه ال معنى لفكرة الاتفاق حول مفهوم محدد القول يتميز باملرونة

حولها، فاألمر ألاهم هو إيجاد الطريق الصحيح لبلوعها، أي ان نفكر فينومينولوجيا، لهذا " يعتبر

ادورنو فلسفة هوسرل نموذجا فكريا حقيقيا للتاسيس و الوصول الى الحقيقة و هذا من خالل مثاله

19ميتا نقد "

،كما ان (c’est l’étude des essences)يعرف الفينومينولوجيا على انها "هي دراسة املاهيات"

جميع املشاكل تعود اليها الى تعريف املاهيات كماهية الادراك و الوعي ووضع هذه املاهية داخل

لفلسفات الكالسيكية تفعل ما يعني رفض دراستها بصفة مستقلة عن الوجود كما كانت ا 20الوجود

مثل فلسفة افالطون التي فصلت املاهية عن الوجود و العالم. فاذا كان سارتر قد حكم علينا في كتابه

بالحرية فان ميرلوبونتي في فينومينولوجيا الادراك قد حكم علينا être et néant"الوجود و العدم"

ألنه يرفض تماما فكرة 21ك املعاني او املاهيات، وما علينا الا التوصل الى وصف تل sensباملعنى

. descriptiveالتفسير او التأويل و الاقتصار على الوصف

تحتل فكرة املاهيات )الجواهر( مكانة متميزة في فكر هوسرل، فمسالة عالقتها بالوجود افرزت

و الوجود" مثلما اقر بذلك "ول" لنا رأيين متباينين فهناك من يعتقد ان هوسرل فصل "بين املاهية

ويعتبر ميرلوبونتي ان هذا الفهم و التأويل هو خاطيء لفينومينولوجية هوسرل، معتبرا ان

وضع املاهيات في خانة الوجود وال ترى انه بمقدورنا ان الفينومينولوجيا هي "فلسفة تعيد ربط و

و ليس من وضعهم املزيف و facticitéما نفهم الانسان و العالم الا انطالقا من واقعيتهما وحقيقته

املصطنع، انها الفلسفة الترستندنتالية تعلق كل توكيدات املوقف الطبيعي من اجل فهم الانسان و

قبل اي تفكير، كحضور غير مستلب، déjà- laالعالم، انها أيضا تعتبر ان العالم قائم هنا على الدوام

جاد هذا اللقاء البسيط مع العالم من اجل اعطاءه في النهاية وكل املجهود ينبغي ان ينصب على إي

وكان ميرلوبونتي يرفض التصورات 22كيانا فلسفيا انه هدف الفلسفة في ان تصبح علما دقيقا"

الكالسيكية حول الانسان و همومه الانطولوجية، سواءا تصورات ميثالية او تجريبية وضعية.لنطرخ

للفينومينولوجيا ؟سؤال هنا ملاذا هذه املساءلة

شهرزاد دراس ،التي حاج احمد

402

قد نتسرع في إلاجابة و أقول، ان ما تركه هوسرل من اعمال جعلت البعض يسعى الى إعادة

قراءة هذه النصوص، بهدف البحث عن تأويالت جديدة لهذا العلم الجديد اعتقادا ان هناك ش يء

ن التحليل الفلسفي مخفي كان يود هوسرل ان يقوله، هذه القضية جعلت ميرلوبونتي يقول " ا

للنصوص ال يعطينا شيئا، ال نجد الا ما وضعناه فيها، تاريخ الفلسفة هو الوحيد الذي بحاجة الى

الن هناك الوعي و عملياته ينبغي 23تاويل، اننا نجد وحدة الفينومينولوجيا ومعناها الحقيقي داخلنا"

يلة في كتابه"فينومينولوجيا الادراك" جاءت معرفة الكيفيات التي ندرك بها العالم ، وربما املقدمة الطو

لتوضيح هذه املسالة.

و الربط بين ,يرى ميرلوبونتي ان اهم مكسب قدمته الفينومينولوجيا " هو دون شك فض النزاع

و هنا إشارة الى مفهوم القصدية 24الذاتية املفرطة و املوضوعية املفرطة في مفهومها للعالم و العقل"

"l’intentionnalité " التي تعني ان كل وعي هو دائما وعي بش يء ما، الن " السمة الاساسية لكل وعي: ان

بعد تطهيره من الذي اخذه هوسرل من استاذه فرانز برنتانو 25يحمل معنى، او ان يصوب على معنى ما

لجة مشكالت النزعة النفسانية، أي كل شعور هو شعور بش يء ما وبالتالي بداية صفحة جديدة في معا

املعرفة بعيدا عن املشكالت التي افرزتها فلسفات الحداثة و محاولة من الفينومينولوجيين الى إيجاد

مواضيع جديدة للتفكير.

les recherche 1عندما كشف هوسرل عن املبادئ ألاولى في فلسفته في كتاب" مباحث منطقية"

logique 26اتها" يبدو وكانه اعالن حرب ضد املفاهيم الوضعية لعصرهفان اقتراحه "عودة الى ألاشياء ذ

هذه الوضعية التي تغيب كل جانب ال تستطيع التجربة الوصول اليه، ال سيما القضايا الكبرى التي

تهم الانسان ومصيره وتضعها في خانة ألاسئلة امليتافزيقية، ويرى بان الفينومينولوجيا هي الطريق نحو

حن الفينومينولوجيين وضعيون " ن ideenفي افكار 25ذ يقول في الفقرة الوضعية الصحيحة، ا

وبالتالي ال ينبغي فهم فينومينولوجيته انها حرب ضد الوضعية بل هي الطريق املؤدي 27" حقيقيون

و الذي يعني في ألاملانية موضوع النقاش يحيلنا قبل (sache) للوضعية الحقيقية، كما ان كلة" ش يء

ان الشغل الشاغل للفينومينولوجيا لن يكون بالضرورة ألاشياء املادية الحاضرة في كل ش يء الى

بل كل ما فيها من أشياء مادية، صورية ثقافية لحظة تناولنا لها من حيث هي dingeلطبيعة

28موضوعات للتحليل"

فاق من حيث املبدأ ات يتفق جل الفينومينولوجيين مع هوسرل في فكرة "العودة الى ألاشياء عينها"

وليس من حيث الهدف، فما تهدف اليه فينومينولوجية هايدغر يختلف عما تهدف اليه

فينومينولوجية ميرلوبونتي، بحيث اذا كانت فكرة "العودة لالشياء نفسها، عند هايدغر الى السؤال

، كما تهدف فكرة 29عرفة"ألاصل حول الوجود فإنها عند مرلوبونتي تعني "العودة الى هذا العالم قبل امل

العودة الى ألاشياء ذاتها العودة الى نقطة البدء، فقد شعر هوسرل بان هناك في الفلسفة اهتماما

إشكالية االدراك و الجسد عند ميرلوبونتي

403

، الامر الذي انتج لنا نظريات ميزتها التالعب data ، واهتمام ضئيال باملعطياتconceptsبالتصورات

الية من التصورات و الفروض و الاحكام املنطقي بتصوراتها، وبالتالي فهدف هوسرل انشاء فلسفة خ

فهناك ارتباط وثيق بين 30املسبقة، وتقوم على ألاشياء و املعطيات او ألاشياء ذاتها

الاحكام املسبقة و فكرة ألاشياء ذاتها، فانا عندما اسمع عن فالن انه س يء وأتعامل معه وفق هذا

وهر هذا الشخص مستحيلة، على العكس لو تعاملت معه من التصور فيكون فكرة الوصول الى ج

منطلق ألاشياء ذاتها. كما ان النقطة الثانية التي يلخصها لنا كتابه فينومينولوجيا الادراك هي "ان

فميرلوبونتي 31الادراك هو الذي يستطيع الوصول الى ألاشياء نفسها، ويقدم امامنا العالم الحقيقي"

من خالل نظرته للفينومينولوجيا يتضح انه كان يهدف الى بناء فلسفة محكمة ال تستثني أي ش يء في

الكائن، وربما ان امكن صياغة فلسفته رياضيا سيكون الامر التالي: الفينومينولوجيا = الوعي+ الجسد

+ ألاشياء + العالم + الاخر.

: ةالادراك الحس ي و الطريق نحو الفلسفة و الحقيق -3

يحاول ميرلوبونتي ان يبين لنا كيف تنشا املعرفة بالعودة الى العالم قبل املعرفة وهذا من اجل

الوصول الى ألاساس، ونعني باألساس هاهنا الش يء لذاته، لهذا نجده يتخذ من الادراك طريق ملعرفة

د هاهنا علماء النفس العالم و الوجود لكن أي ادراك ؟ هل الادراك كما فهمه معاصريه واقص

و الفيزيولوجيا ؟

بحسب ميرلوبونتي فاتتنا ظاهرة الادراك ألننا انطلقنا من البسيط او الذي يظهر بسيط املتمثل في

التي اعتبرته السيكولوجيا التقليدية ش يء بديهي و بسيط، فلتناول هذه (sensation)"إلاحساس"

ي تجنب الخلط سيكوفيزيولوجي حول هذه الظاهرة، بحيث ينبغي على الفيلسوف" إعادة الظاهرة ينبغ

32النظر في املفاهيم ألاكثر ثباتا و إعادة تعريفها، وعلى ابداع مفاهيم جديدة بألفاظ جديدة لتسميتها"

تنطلق وبالتالي فان ميرلوبونتي يريد ان يبني فلسفة وجودية تكون البديل الذي لم يفكر فيه سابقيه

من الادراك الحس ي، اعتقادا منه كما يقول "يجب البحث فوق الادراك الحس ي ذاته عن ضمانة و عن

وبالتالي فانه يحاول ان يعيد لإلنسان ككل الى عالقة ارتباطه بوجوده، 33معنى وظيفته الانطولوجية"

دية الجسد فهو الذي املرتبطة بالعالم، بل الارتباط يكون عن طريق قص فالذات ليست هي الوحيدة

L'oeil et"العين و العقل" و لست غريبا عنه لهذا يقول في كتابه يشعرني اني موجود في العالم

l'esprit "إلادراك" هو فعل استيعاب شكل الجسم ف 34" ان الجسد يتكون من نفس نسيج العالم"

. ةالعام بنيةملدرك إلى البشكل حدس ي. إنه عملية بديهية وتركيبية بشكل أساس ي تقود املوضوع ا

إلادراك هو أول عملية لجسدي في العالم. جسدي محكوم عليه بالعالم والعالم ليس سوى ما

شهرزاد دراس ،التي حاج احمد

404

يجعل وجود العالم. إذا كان العالم بالنسبة للفيلسوف شوبنهاور هو الذي "ندركه". مجموع تصوراتنا

35جموعة تصوراتناهو مجموعة تمثيالتنا ، فإن العالم بالنسبة مليرلو بونتي هو م

يطرح بونتي سؤال ملاذا لم تصل الفلسفات السابقة الى جوهر الادراك ؟ ، ليجيبنا ببساطة لم

نستطع الوصول الى ماهية ووظيفة الادراك ألننا بقينا اسيري الاحكام و الفروض املسبقة، وقبول

الطريق الصحيح ملعرفة العالم املفاهيم جاهزة كما هي فما يبدو لنا بسيط هو الذي اخلط علينا

املتمثل في الادراك، وبالتالي فبونتي يعود للفينومينولوجيا من باب العودة الى ألاشياء ذاتها و اقصد

املفاهيم املبتذلة التي جعلت طريقة الوصول الى définition strictementهاهنا العودة لتعريف بدقة

ا نعتقده واضحا يجعله التفكير مبهما كما يؤكده ميرلوبونتي، املعنى الصحيح لالدراك غائبة عنا، الن م

قد نتساءل ملاذا هذه ألاهمية لالدراك في فلسفة ميرلوبونتي ؟ نجد إلاجابة في نص "فينومينولوجيا

أي ان املعرفة موجودة 36الادراك" في قوله " الوظيفة ألاساسية لالدراك هي تأسيس و تدشين املعرفة"

ية غائبة عنا.لكن كمعرفة يقين

بتخذ ميرلوبونتي هوسرل كنقطة انطالق في عملية فهم وتحليل الادراك الحس ي، نقطة بداية ال

نهاية، اذ ان هوسرل كما هو معلوم جعل من "الذات الترستندنتالية" و الوعي إلانساني كصنم جديد

وص هوسرل يحاول ان يتجاوز الهتمامه باملاهيات على حساب الوفائع، ما جعل سارتر بعد قراءته لنص

ذلك، السيما في مسالة اتصال الوعي و الذات بالعالم، فافتراض هوسرل انه توجد ذات خلف الوعي

يجعل املوضوعات من صنع الوعي، الامر الذي راه سارتر مبالغ فيه وقال بانه الوجود لهذه الذات في

ط، فالذات تبقى هناك في الخارج اما الوعي ذات من اجل الوعي فق كالوعي وال وراء الوعي، كل ما هنال

37فهو فارغ و ليس فيه أي ش يء.

يرى ميرلوبونتي ان فلسفته هي تطوير لفلسفة هوسرل املبتدئة و ليست فلسفة هوسرل مع عالم

العيش، ذلك انه أراد تأسيس ابستمولوجيا جديدة بعيدة عن املثالية التي ارجعت الادراك لعمليات

جسد يرى انه -تجريبية التي ارجعت الادراك لنشاط وعملية الحواس، فحول موضوع النفسالعقل، وال

هذا فيما 38سؤال ال قيمة له اذ يقول: "ان النفس مغروزة في الجسد كما الوتد مغروز في ألارض"

يخص مسالة الثنائيات، اما فيما يخص مسالة ادراك العالم، و السؤال التقليدي هل نحن نرى العالم

نتوهم وجود ألاشياء؟ فهو يرى انه سؤال المعنى له، في إشارة صريحة للنزعة امليثالية التي تتاسس ام

على البداهة، فعلى حد تعبيره ان العالم هو الذي ندركه و نراه، واذا اعتمدت على املثالية يصبح لدينا

ذا العالم بواسطة الادراك، فكرة حول العالم، وانا لست هنا الفكر العالم بل انا أعيش و اتفاعل مع ه

فاالدراك هو طريق الحقيقة و بالتالي ينبغي الربط بين املمكن و الواقعي و هذه هي مهمة

الفينومينولوجيا، اما وظيفتها قتصبح وصف عملية الادراك فقط و تحليل الشعور الكتشاف املاهيات

حيث تصبح حينئذ 'علما كليا شامال و الكلية الكامنة فيه، و التي تقوم عليها كل معرفتنا و علومنا،

39أساسا ماهويا يقينيا لكل العلوم ألاخرى"

إشكالية االدراك و الجسد عند ميرلوبونتي

405

:مشكلة الجسد

ليست بمشكلة جديدة، فقد كانت فكرة الجسد ووظيفته و أهميته من ابرز مشكلة الجسد

ين اهتموا املشكالت الفلسفية التي تناولها الفالسفة منذ القدم، و عبر الحضارات حتى ان املصري

بالجسد من خالل علم التحنيط، بل كان وسيلة للتمييز بين الغني و الفقير، اذ بعد املوت تحفظ

40ألاجساد في توابيت بشكل جيد، وهذا الامر حسبهم يمكن من الحصول على جسد غير فان

سجن و عذاب كتب اما في الفلسفة اليونانية تغيرت الرؤية الى هذا الجسد و اعتبره اليونان انه

على النفس العيش فيه، وينبغي العمل على التخلص من هذا السجن، للتواصل الثنائية )الروح و

الجسد( في الفلسفة الحديثة مع ديكارت الى غاية لحظة اسبينوزا الذي اعتبر "ان الجسم و النفس

و مع ميرلوبونتي 42 اداته" و نيتشه الذي سماه "العقل الكبير" و"ما الروح الا 41هما ذات الكائن ووحده"

ليصبح مقولة وجودية فينومينولوجية

لقد تناول ميرلوبونتي مشكلة الجسد في القسم ألاول في كتابه "فينومينولوجيا الادراك" تحت

، و انتقد كل التصورات الكالسيكية حوله ال سيما مع ديكارت و le corpsعنوان سماه" الجسد"

وضعية املنافية لكل رؤية فينومينولوجية حول الجسد، بحيث أحدثت هذه الاتجاهات الحسية و ال

الاطروحات حوله ثورة حقيقية بدءا من القرن التاسع عشر من خالل مقولة" العودة الى ألاشياء عينها"

ومن ثمة العودة الى الجسم، في مقابل النموذج البرغماتي ملاركس الذي يجعل من الجسم و اجهزته

ـ إضافة لذلك يرى بان علم النفس الكالسيكي وقع في تناقض لم يجد محرجا له ذلك 43ان""أداة الانس

ما يثبت -اعتبره مجرد ش يء مثل باقي ألاشياء-نظرة تشيئية (corps propre)النه نظر للجسد الخاص

كيف ذلك ؟ يوضح لنا ذلك بمثال ان لرؤية ش يء فانا visionان الجسد ليس شيئا هو "الرؤية"

طيع رؤيته من جميع جوانبه، فانا املالحظ و الرائي و هو املرئي، هذه الكيفية ال استطيع تجربتها است

وجدت الحل في البيولوجيا التي يعلى جسدي، وعندما طرحت هذه املشكلة على النفس الكالسيك

ه للعلوم العين و ان علم النفس ينبغي ضم ااعتبرت ان هذا القصور يرجع بالدرجة ألاولى ملورفولوجي

التي تستخدم املنهج التجريبي بغية ضبط قوانينه، هل نجح الامر ؟ طبعا ال على حسب ميرلوبونتي الن

التي اغفلها علم النفس الكالسيكي ما جعله بدل ان يعطينا تجربة للجسد و .هناك تجربة الجسد

تحليل وجد نفسه امام تصور حوله.

"الش يء" معارضا الاتجاه الكالسيكي الذي يصنف الجسم في يميز ميرلوبونتي بين "الجسد" و

خانة ألاشياء الخارجية، ويرى بان الجسد الخاص بي يغيب عن ادراكي او يبقى في هامش ادراكي وال

استطيع انتقاء ما اراه منه، عكس ألاشياء املوجودة في العالم الخارجي التي تحتل مكانة بارزة داخل

شهرزاد دراس ،التي حاج احمد

406

يقول ميرلوبونتي " القول انه دائما بجانبي، ودائما هنا امامي، يعني هذا انه هامش ي البصري كيف ذلك

44ليس فعال امامي، واني ال استطيع وضعه تحت نظري"

كما يعيب ميرلوبونتي على املواقف الكالسيكية التي ترى بان الجسد هو مثل باقي ألاشياء املوجودة

. إذا كان (je vis mon individualité au monde)في العالمأعيش فرديتي في العالم، فمن خالل جسدي

جسدي مريًضا ، فأنا الوحيد الذي يعاني. في حالة ألالم النفس ي ، فإن جسدي وحده يشعر به. من

في حالة التوائم املتطابقة ، هناك تشابه حتى "خالل جسدي ، لدي هوية تميزني عن كل ا آلاخرين.

45"الخاص عن آلاخر ، وإذا أصيب أحدهما فلن يكون آلاخر كذلك.قوي ، لكن لكل منهما جسده

: للكوجيتو الديكارتي قراءة ميرلوبونتي -4

ان قراءة فيلسوف لفيلسوف ليست فكرة جديدة، بل ان تاريخ الفلسفة هو تاريخ قراءات و

ندما يتعلق الامر بديكارتتأويالت وابداع و ابتكار ملفاهيم جديدة على حسب جيل دولوز، ال سيما ع

مكتشف قارة الكوجيتو ' انا افكرـ اذن انا موجود" ما جعل الذات هي سيدة املعرفة ، ان قراءة

ميرلوبونتي له تختلف عن قراءة هوسرل وهنا تكمن اصالته، فاذا كان هوسرل يحافظ على املضمون

إن و بنيته و تجلياته، اذ يقول :"الذي جاء به الكوجيتو فان ميرلوبونتي سيربطه بفعل الادراك

الكوجيتو ال يكشف لي فقط عن اليقين من وجودي ، ولكن بشكل عام يمنحني الوصول إلى مجال

الفكر الخالص في كل مجال ، طرق التفكير املعرفة بأكمله من خالل إعطائي طريقة عامة: البحث ،

46"دراك ؛ على سبيل املثال ، فيما يتعلق بال الذي يقوم بمعرفته

خصص ميرلوبونتي جزء من كتابه " فينومينولوجيا الادراك" للكوجيتو، وهنا طرح تساؤالت

جوهرية حوله فما هو الكوجيتو هل هو تلك الفكرة التي تكون قبل ثالث قرون في عقل ديكارت، ام هو

الذي يتجه نجو être culturelمتضمن في معنى النصوص التي تركها لنا، الكوجيتو هو الوجود الثقافي

47فكري دون ان يتحد معه

نظرة ميرلوبونتي للكوجيتو هي نظرة مزدوجة بين الايجاب و السلب، فهو يثني على ديكارت هذا

الاكتشاف املدهش الذي يؤسس لألرضية الفينومينولوجية، اما الجانب السلبي يكمن في تحويله الى

ففلسفة ميرلوبونتي ترفض كليا فكرة الثنائيات التي ميزت تاريخ مثالية متطرفة تغادر ارض الواقع،

الفكر الفلسفي منذ اللحظة الافالطونية، و يزاوج ميرلوبونتي بين الذات وعاملها ويرى ان الذات تكون

وتوجد في هذا العالم، و هذه املهمة الاساسية التي ينبغي للكوجيتو ان يقوم بها، رافضا تصورات

ل حول الدور ألاساس ي له لهذا يقول:" ان الكوجيتو الحقيقي )...( يعترف بان فكرتي هي ديكارت وهوسر

être)‘واقع ال يقبل التغيير ويلغي أي نومن أنواع امليثالية، يمكنني من اكتشاف نفس ي ككائن في العالم '

ou monde)"48 و ينبغي ها هنا طرح سؤال ماذا يعني بالعالم ؟

إشكالية االدراك و الجسد عند ميرلوبونتي

407

كما يترجم فؤاد -بونتي في كتابه فينومينولوجيا الادراك ان العالم ليس موضوعا، فهو يبين ميرلو

كما ان معالجة مشكلة ادراك العالم 49" الوسط الطبيعي و حقل كل افكاري وادراكاتي البارزة" -شاهين

ما يمكن ال ينبغي ان تفهم اننا نريد حلها بطرق ما تريده السيكولوجيا لهذا يقول: "يجب ان ابين ان

50اعتباره كسيكولوجيا في فينيومينولوجيا الادراك الحس ي هو في حقيقة الامر انطولوجيا"

ما اريده قوله هاهنا انه اذا وضعنا ميرلوبونتي في خانة الفالسفة الوجوديين كما يذهب اغلب

ه في الوقت نفسه، الباحثين في فكره، فان الفلسفة الوجودية تبدا من الكوجيتو الديكارتي و تتجاوز

ويتناول هذا التجاوز جانبين من جهة فكرة القصد فاالنا دائما يتجه ملوضوعه في انا افكر في ش يء،

ومن ناحية أخرى الانا الوجودي لم يعد كما رأى ديكارت جوهرا مفكرا، وانما ارتكز على الجسد ليصبح

الفكرة الجديدة عنده التي لم وهي 51انا وجودي متجسد، فالكوجيتو الوجودي هو كوجيتو متجسد

توجد في فلسفات الكوجيتو السابقة.

:خاتمة .4

مفكر اصيل استطاع بطريقة ذكية ان يكون هوسرليا من ميرلوبونتي نستنتج أن مما سبق

ناحية املنهج ال من ناحية الفكر، بمعنى استطاع العودة الى العالم و فتح حوار طويل معه و الى التطرق

للمعرفة الحقيقية يبدا من هذين املفهومين فاالنسان هو وعي فالتأسيساك و الجسد، لقضية الادر

إعادة طرح و أن من املهم جسد مرتبط بعالم ال يمكن فهم أي احد دون ربطه بهذا الثالوث املفهومي.و

الى سؤال حول أهمية الفينومينولوجيا كمنهج للوصول الى الجقيقة و ادراك حقيقة العالم بالعودة

.الجسد، الذي ظل منسيا عبر تاريخه الطويل

و املصادر : قائمة املراجع. 5

سامعيل مصدق، املنظمة ال1 140ص: 8002، 1عربية للرتمجة، بريوت، طادموند هورسل ، ازمة العلوم الأوربية و الفينومينولوجيا الرتستندنتالية، ترمجة: ا

140املصدر نفسه، ص: 2

144املصدر نفسه، ص: 3

)الكم املرتمج( 040املصدر نفسه، ص: 4

842هورسل، الازمة، ص: 5

، 8011و التوزي،، البععة الأو،ى، ادموند هورسل، أأفاكر ممهدة لعمل الظاهرايت اخلالص و الفلسفة الظاهراتية، ترمجة: أأبو يعقوب املرزويق، جداول للنش 6

22ص:

58 ادموند هورسل، أأفاكر ممهدة لعمل الظاهرايت اخلالص و للفلسفة الظاهراتية، مرج، سابق، ص: 7 8 Edmaund H, la philosophie come science rigoureuse, traduit par launay (M), paris, PUF, 1989, p 17 Cf. Avant-Propos de Husserl dans De la phénoménologie, Ed. De Minuit, 1974. Dans son Avant Propos Husserl a

reconnu, à Eugen FINK, la qualité de disciple de haute fidélité. En tant que tel, il mérite d'être considéré comme le

meilleur (le plus fidèle) des disciples de Husserl. 9 Antoine W, IDEE DE PHILOSOPHIE CHEZ MAURICE M, Université de Genève /Suisse, 2004, p : 87

شهرزاد دراس ،التي حاج احمد

408

ظر الكتاب ابتداء لقد قام مصبفى عادل برتمجة حمارضة قرايعورغ لأدموند هورسل ا،ى اللغة العربية يف كتابه فهم الفهم)مدخل ا،ى الهريمينوطيقا للمزبد ين 10

28من ص 11 Edmund H, la philosophie come science rigoureuse, ibid, p :19

نسان، دار مرص للبعاعة، ط12 22، ص: 1فؤاد زكرايء، نظرية املعرفة و املوقف البعيعي لل

املرج، نفسه، ص: 13 20املرج، السابق، ص: 14

15 Maurice m, phénoménologie de la perception, paris, Galimard, 1945, p : 7

16 Ibid., p : 8 للمزيد حول هذه النقطة انظر : 17Antoine m, IDEE DE PHILOSOPHIE CHEZ MAURICE m, Université de Genève /Suisse, 2004, p : 85

18 Ibif, p 8

128 - 122ص: 1، العدد،1للمزيد: ينظر ا،ى ترمجة: نور ادلين علوش، نقد ادورنو لفينومينولوجيا هورسل، جمةل مقارابت فلسفية، اجملدل 19

20 Ibid, p : 7

براهمي، دراسات يف الفلسفة املعارصة، ص: 21 214زكرايء ا

ة او أأساس لك وصف فينومينولويج، الارتاكز عىل العباء الظاهراييت، سواء بس يبا او مبارشا للموضوع املقصود، اذلي ال يس تدعي اية واساطة حس ي

، 02ا،ى : بروس بيغو، الفينومينولوجيا: تأأملت املهنج، ترمجة: قوامسي مراد، جمةل مقارابت فلسفية، العدد عقلية ، للمزيد حول فينومينولوجيا هورسل ينظر

511، ص: 8012

الادراك" و هناك من يرتمج هذه الععارة مبصبلج "احلدثية" مثلام ذهب ا،ى ذكل فؤاد شاهني يف ترمجته لكتاب " فينومينولوجيا الادراك" ب " ظواهرية

لت اس تخدام ترمجة خشصية بلكمة "حقيقهتا وواقعيهتا وحارضها" لتقريب املعىن للقاريءفض22 Maurice m, phénoménologie de la perception, paris, Galimard, 1945, p : 7

23 Ibid., p 8

24 Ibid, p : 20

25 Edmund H, idée directrices pour une phénoménologie, GALIMARD p 185

ف يلسوف وس يكولويج املاين اكن يعمل طلبه الروح النقدية و عدم قبول لك املعارف اجلاهزة، اشهر اعامهل " Psychologie d’un point de vue

emprique" هوم القصدية تقل، اش هتر مبغ يف هذا الكتاب رفض عمل النفس التجرييب و عمل النفس الورايث كام حاول اقامة دعامئ عمل النفس ابعتعاره علام مس

نومينولوجيا، وترتعط ارتعاطا اذلي هومصبلح جاء به من العصور الوس يبية للمتيزي بني املوضوع القصدي و املوضوع الواقعي، جعلها هورسل امه مقوالت الفي

,Encyclopédie philosophique universelle, Les Notions philosophique, Dictionnaire 2 volume d’érigé par sylvain Auroux :وثيقا ابالبوخية للمزيد ينظر

Tome 2, P.U.F, France,p1346

26 Husserl, Premières Recherches logiques, Paris, PUF, 1990, p.171.

27 Husserl, Idées directrices pour une phénoménologie (Ideen I) § 20 (HUA III 38), trad. TEL-Gallimard, p. 69

511 ، ص:8012، 02يغو، الفينومينولوجيا: تأأملت املهنج، ترمجة: قوامسي مراد، جمةل مقارابت فلسفية، العددبروس ب 28

On peut lire à ce sujet le livre du Prof. Christoff (D), Husserl ou le retour aux choses mêmes, Ed. Seghers, 1966.

29 Merleau ponty, phénoménologie de la perception, ibid., p09

33توفيق سعيد، الخبرة الجمالية )دراسة في فلسة الجمال الظاهراتية(، مرجع سابق، ص: 30 31 Antonio M, Le point de départ dans la philosophie de Merleau-Ponty, Revue Philosophique de Louvain , Quatrième série, tome 73, n°19, 1975. P

453 (version pdf a ce lien https://www.persee.fr/doc/phlou_0035-3841_1975_num_73_19_5849)

24 25، ص: 8002، 1، طموريس مريلوبونيت، املريئ و اللمريئ، ترمجة: ععد العزيز العيادي، املنظمة العربية للرتمجة، بريوت32

25موريس مريلوبونيت، املريئ و اللمريئ، مرج، سابق: ص: 33

إشكالية االدراك و الجسد عند ميرلوبونتي

409

كام يرتمجه الععض العني و الروح هو اخر كتاب كتعه مريولوبنيت قبل وفاته، قال عنه سارتر " انه يقول لك يشء عن فكر مريلوبونيت العني و العقل او

,Guylaine, La profondeur au coeur de L’oeil et l’esprit للمزيد انظر : 1204ون من مائة صفحة كتب سة بشط ان نعرف كيف نفكك الغازه وهو نص يتك

; Montpetit, 2003, p118 version numérique a lien suivant-Collège Édouard

https://id.erudit.org/iderudit/801255ar

34 maurice m, L'oeil et l'esprit, Paris : Les Éditions Gallimard, 1964, p 13

35 Antonio M, ibid, p p : 166 - 167

36 Maurice m, pp, p 40

808توفيق سعيد، اخلربة امجلالية، مرج، سابق، ص: 37

520مريلوبونيت، املريئ و اللمريئ، مرج، سابق، ص: 38

102 سامح راف، محمد، املذاهب الفلسفية املعارصة، مكتعة مدبويل ، ص: 39

لوبونيت نظرته ينبغي اال شارة ا،ى ان اجلسد اذلايت يعين اخلاص يب و ملكييت و اجلسد املوضوعي هو اجلسد املوجود يف العامل و احملسوس وهكذا يقسم مري

حول اجلسد.

10، ص: 8005الأو،ى جورج هارت، احلضارة املرصية القدمية، تر: هاةل حسانني، دار الهنضة املرصية للبعاعة و النش، البععة 40

2، ص: 8011ميش يل مارازانو، فلسفة اجلسد، ترمجة نبيل أأبو صعب، املؤسسة اجلامعية لدلراسات و النش، بريوت، البععة الأو،ى، 41

2املرج، نفسه، ص: 42

20املرج، نفسه، ص: 43 Merleau ponty, pp, ibid., p 119 44

122-Antonio Muniz de Rezende, ibid., Pp 12145

Maurice merleau ponty, la structure de comportement, Précédé de Une philosophie de 46 l’ambiguïté par Alphonse de Waelhens. Paris : Les Presses

Universitaires de France, 6e édition, 1967 p 252

Maurice m, pp, ibid., p : 47727

13 : Maurice m, pp, ibid., p 48 موريس مريلوبونيت، ظاهراتية الادراك، ترمجة: فؤاد شاهني، ،ص: 10 492

850، ص: 8002موريس مريلوبونيت، املريئ و اللمريئ، ترمجة: ععد العزيز العيادي، املنظمة العربية للرتمجة، بريوت، البععة الأو،ى، 50

125، ص: 1225يف فلسفة مريوبونيت(، دار الثقافة للنش و التوزي،، القاهرة، البععة الأو،ى عل مصبفى أأنور، علقة الفلسفة ابلعلوم اال نسانية)دراسة 51