دﻻﻻت اﳌﺪﻳﻨﺔ ﰲ ﺷﻌﺮ ﻣﻨﲑة ﺳﻌﺪة ﺧﻠﺨﺎل ﻣﲎ...

21
ﻠﺪ ا: 05 / اﻟﻌﺪد: 01 ) 2021 ( ، ص. ص. 283 / 303 283 دﻻﻻت اﳌﺪﻳﻨﺔ ﰲ ﺷﻌﺮ ﻣﻨﲑة ﺳﻌﺪة ﺧﻠﺨﺎلThe significance of the city in the poetry of Munira Saada Khalkhal د. ﻣﲎ ﺑﺸﻠﻢ[email protected] اﳌﺪرﺳﺔ اﻟﻌﻠﻴﺎ ﻟﻸﺳﺎﺗﺬة اﻟﻜﺎﺗﺒﺔ آﺳﻴﺎ ﺟﺒﺎر ﻗﺴﻨﻄﻴﻨﺔ) اﳉﺰاﺋﺮ( رﻳﺦ اﻻﺳﺘﻼم09 / 03 / 2021 رﻳﺦ اﻟﻘﺒﻮل : 20 / 05 / 2021 رﻳﺦ اﻟﻨﺸﺮ : 02 / 06 / 2021 ﻣﻠﺨﺺ: ﻳﺘﻨﺎول اﻟﺒﺤﺚ ﺛﻴﻤﺔ اﳌﺪﻳﻨﺔ ﰲ ﺷﻌﺮ ﻣﻨﲑة ﺳﻌﺪة ﺧﻠﺨﺎل و اﳌﺪﻳﻨﺔ ﻣﻦ اﳌﻮﺿﻮﻋﺎت اﳍﺎﻣﺔ اﻟﱵ اﲣﺬت ﺻﻮرا ﻣﺘﻌﺪدة ﰲ اﻟﺴﺮد و اﻟﺸﻌﺮ ﻟﻴﺲ ﻋﻨﺪ اﻟﻜﺘﺎب اﳉﺰاﺋﺮﻳﲔ ﻓﻘﻂ ﺑﻞ ﻋﻨﺪﺎ ﺑﺘﻄﻮر اﳌﺪﻳﻨﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ و ﻣﺎ ﺗﻮﻓﺮﻩ ﻟﻺﻧﺴﺎن، واﻟﺒﺤﺚ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻌﺎﳌﻴﲔ أﻳﻀﺎ، و ﺗﻄﻮرت دﻻﻻ ﻳﺘﻐﻴﺎ اﻟﺒﺤﺚ اﳌﺪن اﻟﱵ ﺻﻮرت اﻟﺸ ﰲ ﻧﻮع ﺎﻋﺮة، أﻫﻲ ﻣﺘﺨﻴﻠﺔ أم واﻗﻌﻴﺔ، و ﻣﺎ اﻟﺪﻻﻻ تﳌﺪﻳﻨﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﺸﺎﻋﺮة اﳌﺮﺗﺒﻄﺔ ، ﻣﺴﺘﻌﻴﻨﺎ ﲟﻤﺎ ﺗﻮﻓﺮﻩ اﳌﻮﺿﻮﻋﺎﺗﻴﺔ اﻹﺣﺼﺎﺋﻴﺔ ﻣﻦ إﺟﺮاءات ﲤﻜﻦ ﻣﻦ ﲡﻤﻴﻊ ﺗﺼﻮر ﻋﻦ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻣﻨﲑة ﺳﻌﺪة ﺧﻠﺨﺎل، و ﻣﺎ ﻳﺘﻔﺮع ﻋﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﻮﺿﻮﻋﺎت ﻓﺮﻋﻴﺔ. ﻓﻜﺎن أن ارﺗﺒﻄﺖ اﳌﺪﻳﻨﺔ ﻋ ﻨﺪ اﻟﺸﺎﻋﺮة ﺑﻌﺪد ﻣﻦ اﳌﻮﺿﻮﻋﺎت اﻟﻔﺮﻋﻴﺔ أﳘﻬﺎ اﳊﺐ ، اﻟﺮﺣﻴﻞ،ﺎ ﲡﺴﺪ ﻣﺸﺎﻋﺮﻫﺎ اﻷﻧﺜﻮﻳﺔ، ﲟﻨﲑة ﺗﻜﺘﺐ اﳋﻮف، اﳌﻮت، ﻏﲑ أن أﻫﻢ ﻣﺎ ﳝﻴﺰ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﺸﺎﻋﺮة أ ﲜﺴﺪ اﳌﺪﻳﻨﺔ ﻻ ﲜﺴﺪ اﻷﻧﺜﻰ. ﻛﻠﻤﺎت ﻣﻔﺘﺎﺣﻴﺔ: اﳌﺪﻳﻨﺔ؛دﻻﻟﺔ؛ﺛﻴﻤﺔ؛ ﻣﻮﺿﻮع ﻓﺮﻋﻲ؛ اﻟﻐﺮﺑﺔ؛ ﻓﻀﺎء،ﻣﻨﲑة ﺳﻌﺪة ﺧﻠﺨﺎلAbstract:

Transcript of دﻻﻻت اﳌﺪﻳﻨﺔ ﰲ ﺷﻌﺮ ﻣﻨﲑة ﺳﻌﺪة ﺧﻠﺨﺎل ﻣﲎ...

283/303.ص.ص، )2021( 01: العدد / 05: ا�لد

283

دالالت املدينة يف شعر منرية سعدة خلخال

The significance of the city in the poetry of Munira Saada Khalkhal

مىن بشلم.د[email protected]

قسنطينة –املدرسة العليا لألساتذة الكاتبة آسيا جبار

)اجلزائر(

02/06/2021: �ريخ النشر 20/05/2021: �ريخ القبول 09/03/2021 االستالم�ريخ

:ملخص

يتناول البحث ثيمة املدينة يف شعر منرية سعدة خلخال و املدينة من املوضوعات

اهلامة اليت اختذت صورا متعددة يف السرد و الشعر ليس عند الكتاب اجلزائريني فقط بل عند

الكتاب العامليني أيضا، و تطورت دالال�ا بتطور املدينة نفسها و ما توفره لإلنسان، والبحث

ت ما الدالالاعرة، أهي متخيلة أم واقعية، و يف نوع املدن اليت صورت الش يتغيا البحث

، مستعينا مبما توفره املوضوعاتية اإلحصائية من إجراءات متكن املرتبطة �ملدينة عند الشاعرة

. ما يتفرع عنها من موضوعات فرعيةتصور عن مدينة منرية سعدة خلخال، و من جتميع

ند الشاعرة بعدد من املوضوعات الفرعية أمهها احلب ، الرحيل، فكان أن ارتبطت املدينة ع

اخلوف، املوت، غري أن أهم ما مييز مدينة الشاعرة أ�ا جتسد مشاعرها األنثوية، مبنرية تكتب

. جبسد املدينة ال جبسد األنثى

املدينة؛داللة؛ثيمة؛ موضوع فرعي؛ الغربة؛ فضاء،منرية سعدة خلخال:كلمات مفتاحية

Abstract:

مىن بشلم.د

284

The city is one of the important topics that took many forms in narration and poetry. We aim to research the type of cities that portrayed the poet Munira Saada Khalkhal, are they imagined or real, and what are the connotations associated with the city among the poet. The city was associated with a number of sub-topics, the most important of them are love, departure, fear, and death. However, the most important characteristic of the poet’s city is that it embodies her feminine feelings, Munira writs with the body of the city not with the female body. Keywords: City; signification; theme Subtopic; space, Alienation; Mounira Saada Khalkhal

املقدمة .1

حيتل املكان يف املتون الشعرية املعاصرة مكانة هامة، أ� كان نوعه، و املدينة واحدة

يرسم من خالهلا الشاعر بيئته مرتكزا إىل معامل مرجعية أو حىت من املوضوعات املكانية اليت

ألفكار مثالية، أقرب إىل احللم منها إىل الفلسفة،أو يتخذها مطية لتمرير مواقف أو مشاعر

أو حىت إيديولوجيا معينة،لذا تتعدد دالال�ا، مما يفرض على القارئ معاملة النص كقيمة

1و بنية صغرى لبنية كربى هي العامل بكل جتلياته موضوعية، ومن حيث هو صورة عفوية

ذلك أن ثيمة املدينة و ما يرتبط �ا من دالالت اختلفت زمانيا بشكل مطرد مع تطور

املدينة ذا�ا، ما جيعلنا نفتح السؤال حول الدالالت اليت ارتبطت �ملدينة اجلزائرية ، و كيف

صورها الشعر ، و الشعر النسوي خاصة ، و هل انفتحت األنثى الشاعرة على هذه الثيمة

نيه األنثى اجلزائرية من ابعاد عن أغلب األفضية املدينية، فماذا ميكن أن تصور رغم ما تعا

األنثى الشاعرة من املدينة، و كيف ستصورها، و ذلك للكشف عن عالقة الشاعرة بفضائها

املديين، و الدالالت اليت ترتبط �ملدينة عند األنثى، متخذين من بعض إجراءات املوضوعاتية

ل ، اليت طينية منرية سعدة خلخاملعاينة ثيمة املدينة عند الشاعرة القسناإلحصائية سبيال

دالالت املدينة يف شعر منرية سعدة خلخال

285

تناول شعرها عدد من الباحثني اجلزائريني منهم الدكتور يوسف وغليسي يف مؤلفه خطاب

الدكتور عز الدين جالوجي يف مقاله الرتاث و مصادره و أشكال استلهاماته يف التأنيث، و

املديـنة يف الشعر النسوي حسن تليالين يف مقاله .د ، وئرالشعر النسوي املعاصر �جلزا

الذي خص جتربة الشاعرة �لدراسة متناوال عالقة املدينة �لبناء الشعري ، و لغة اجلزائري

الشاعرة ، وكذا عالقة املدينة ببعض الوقائع التارخيية ، خالصا إىل أن حداثة طرح منرية سعدة

لشعر العمودي و اإلجتاه صوب القصيدة النثرية ، بينما خلخال هو ما دفعها للتخلي عن ا

نروم التدقيق يف عالقة األنثى كلغة و جسد �ملدينة ، والدالالت اليت تتخذ هذه األخرية

. حني تصاغ شعرا أنثو�

: دالالت املدينة يف الشعر.2

كس غري أن التجليات الشعرية للمدينة ال تقتصر على الشعر املعاصر، بل على الع

ن نفتش يف متاما فقد ظهرت املدينة يف أقدم املدو�ت الشعرية، ال ميكن القفز عليها و حن

منرية سعدة خلخال، فباملعرفة املتعلقة �لوحدة يتجلى تفرد هذه التجربة يف هذه الوحدة عند

تعاملها و هذه املوضوعة؛ فتربز مالمح اإلبداع ونقاط تقاطعها مع جتارب شعرية أخرى ، من

جل ذلك نقتطف أهم احملطات اليت قطعت املدينة على خط الشعر،ونبدؤها من البداية ، أ

وحدة حضارية « حتديدا من أشعار اإلغريق الذين تغنوا �ا، فكانت مدينتهم األثرية ذات

الشاعر اإلغريقي مل جيد موضوعا أشّد وقعا يف "موضوعا أثريا لدى شعرائهم، فـ ... متكاملة

مثلت ذاًت يتغنون �ا و يبكون 2»احرتاق مدينة أو الوقوف على أطالهلا النفس من رؤية

. خرا�ا،و على رأسهم هومريوس الذي نقل ما تعرضت له بعض املدن من حرائق وخراب

غري أ�م مل يقتصروا على هذا االفتتان �ا ، بل وصفوها يف جانبها السليب حني حتولت إىل

.تكدسات لألحياء والتجمعات البشرية، و طغى عليها سوء خلق اجلواري

غري بعيد عن هذه الصورة جند املدينة يف الفكر املسيحي يف العصور الوسطى ترتبط

اكتسبت جالال و قدسية،جلمعها بني " دير الرب"�لقدسي فهي عند القديس أغسطيوس

الكنائس الدينية، و اجلامعات العلمية، لتنزاح عن هذه الصورة اجلليلة، يف القرن التاسع

مىن بشلم.د

286

ة كربى من جسد الشعر يف هذا العصر،لرتتبط �لضياع و عشر، رغم احتالهلا مساح

املدينة البودلريية هي موطن املتناقضات، والفوضى و «االغرتاب، و العزلة و اجلدب الروحي

القبح و البؤس و الضوضاء و البشاعة، إ�ا املوطن الذي فيه يالقي اله احلب حتوال

رة اليت أثرت يف الشعراء احملدثني و هي النظ 3»و يتجلى حتت شعار الدعارة ...قاسيا

. فتأرجحوا بني موافقته واالختالف معه

فقد وقف موقفا مغايرا من املدينة،حبيث منحها ثقته، و جمد «أما ويتمان الشاعر األمريكي

حتاول النأي �ملدينة 4»ما فيها من عمال و أزقة، و زمحة خانقة،إنه كان نربة معاصرة راضية

بل يصورها صناعية جتمع " جهنم اللذاتمتاهة البذخ و "دلري، فهي مل تعد و عما أحلقه �ا ب

.األنشطة اإلنسانية

ساقت �اية القرن فقد ديوا� جيمع بني املدينتني و يتجاوزمها، مبا يقتضيه منطق

حيث يسقط " فريهاردن"لصاحبه " نتف العشب يف املدن ذات األذرع املميتة "التطور،إنه

مسها و صفا�ا وتقاليدها، لرتتبط بفرع جديد مل نصادفه قبال،إنه االعتداء على عن املدينة ا

العامل و افرتاسها إ�ه، تشع منها الغربة ، الوحدة والغم،ومتتد عدائيتها إىل ما جياورها من

هي مرة أخرى مدينة صناعية لكن حبس أعمق . الرباري و القرى فتقتل مظاهر البهجة �ا

ا ليست امتدادا طبيعيا للجسم، وماديتها تقتل إنسانية اإلنسان، و تفرغ هذه املرة فأدوا�

موقف محاسي مشع على عكس هذا التصور ، و يف عاطفة احلب من كل مضامينها،

مطرحا أللوهية مبهمة، و هي تتفرع لتالمس موضوعا آخر هو املدينة عنده تغدو �ألمل ،

هكذا تستمر .سية إلنسان يعيش هذا العصرأعماهلا العظيمة اليت حتقق احلاجات األسا

. املدينة موضوعا أساسيا عنده، فتتأرجح بني التأليه و االحندار إىل حضيض احليوانية

ميتد �ثري هؤالء الشعراء الثالث على شعراء آخرين، فيفرز موقفني متناقضني،حيث

ها آخرون و أخذوا تبىن البعض فكرة العصرنة، وانتصر للمدينة الصناعية ، بينما �ر علي

يفضحون شرورها، من أمثال جون وين، رومانن، و رامبو يف أمريكا ، و التعبرييون �ملانيا

الذين ربطوها �لعظمة القاتلة ، و اخلراب الشامل، أما �جنلرتا فإن اهلجاء املر و التهكم

دالالت املدينة يف شعر منرية سعدة خلخال

287

ضياع اإلنسان فالتيمة األساسية اليت ترتدد يف شعره،هياليوت .س.الذع يبلغ ذروته عند تال

املضخمة للشعور �لوحدة و املشعة �إلحساس �لزوال و الفناء، يف صحراء املدينة اهلائلة،

.الغبار،و أ�س ينفثون حسرا�م�ا إال على الضجيج املتعايل، و اليت ال تعثر 5الغربة

د�ا هذه الصورة املفجعة للمدينة مل تقف عند حدود التأثري على موضوعات القصيدة بل تع

فكما هو . إىل لغتها، اليت أغرقت يف االضطراب و الفوضى، و امليل الواضح إىل التعقيد

.العامل الطبيعي للمدينة، القصيدة أيضا فقدت الشعور �الرتياح النفسي و اجلسدي

الشعر ازدهرت املدينة العربية القيمة يف العصر العباسي و األندلسي فتجلت يف

يربز املتنيب منتصرا للبداوة مفضال هلا على احلضر الذي من العباسي فالعباسي و األندلسي

يرتبط �لتصنع و التكلف،غري أنه مل ينطو على نفسه بل وقع يف صدام عنيف مع جمتمع

.املدينة كلفته شعورا عميقا �لغربة ؛هي غربة فكرية أكثر منها نفسية

احلواضر،فافتنت �ا أهلها إذ كانت جنة بلغت املدنية �ألندلس فقد ما مل تبلغه يف غريها من

و ملا ...اخللد كما يقول ابن خفاجة، الرتباطها �خلضرة و العذب من املياه، و نعيم العيش

انقلب احلال و سارت إىل احلروب و غزاها الصليبيون، حتولت إىل موضوع ر�ء، فصارت

.الفردوس املفقود، و انقلب حبها اشتياقا هلا،وحنينا جارفا

بني األسى و اإلعجاب يطفوا موقف سليب من املدينة األندلسية، اليت غرق أهلها مبلذا�ا،

و اللهو وا�ون، حىت تسطحت التجربة الشعرية و خلت من املعاين العميقة، و تبعت الزينَة

رتاب و هم يف الشكلية متاما كاملدينة األندلسية، هذه احلياة أشعرت عددا من الشعراء �الغ

عزال و النفي يتكثف احلزن و تتعمق املأساة،ليربز التشكي طورا،و االنالوطن األم فـحضن

، و قد عربت الذات الشاعرة عن وعيها �لغربة اليت تعيشها يف هذه 6الذايت أطوارا أخرى

املدن، و حاولت رفع هذا الشعور �الجتاه إىل النقد االجتماعي الذي مس يف جانب منه

غزال مثال يعرتض على مظاهر الرتف يف بناء القبور اليت تشبهت أشكاهلا هندسة املدينة، فال

.�لقصور

مىن بشلم.د

288

املعاصر ، فما من شاعر إال و أدىل بدلوه فيه، العريب املدينة موضوع �رز يف الشعر

هي عند الشعراء النازحني من الريف مرتبطة .متخذا موقفا منها، أي كان سلبيا أو إجيابيا

ان اجلداُر أوَل ما عاينه منها السياب، والبيايت،و فاروق شوشة و ك. �لضياع و التوجس

حجازي، الذي سحقه و خنقه اجلدار ليمثل رمزا للمعا�ة اليت ختلقها املدينة،اليت مل متنحهم

موسومة بسمات التضايق،فهي حزينة،شاحبة،مؤملة، «الشعور �الرتياح فجاءت يف أشعارهم

ال مما تلمح أعينهم من مظاهر ، بل مما انطبع يف 7»ءوهي صفات �بعة من داخل الشعرا

النفس بعد لقاء املدينة،و سنجد يف البدا�ت األوىل للتطرق ملوضوعة املدينة املالمح اليت كنا

وجد�ها عند الشعراء الغربيني، من تربم �لضجيج و رفض لوسائل النقل السريعة، وتفاقم

أصالة الرؤ� و يربز أكثر نضجا تتخذ داللتها منحى مث .و غريها..للفقر، الكثافة السكانية

كما هو احلال و مدينة احلضارة،لصراعات االجتماعية والسياسية و ا و يكشفخيص، التش

وهي ترتبط مبوضوع القهر ،"مدينة تتسول النور" امرعب امزيف اعاملاليت مثلت سعدي يوسف

القاهرة الرافضة عند أحالم مستغامني،وهي املدينة الغابة وهي االجتماعي عند عبد الصبور،

يف الليل و املدينة و "�كل القوي فيها الضعيف،إ�ا القبح و اخلوف و اجلرمية يف قصيدة

.مث هي التدليس و التزوير عند محدي حبري، و ربيعة جلطي، و خليل حاوي. للبيايت" السل

بل إ�ا كانت سبيال لطرح موضوعات املدينة تغب املوضوعات السياسية عنمل

القهر السلطوي السياسي، ورضوخ الشعوب، و افتقاد الكرامة اإلنسانية، و تردي األوضاع ،

و مرة أخرى التدليس والتزوير لكن هذه املرة يف عالقة السلطة �لشعب، ال كما جتسد سابقا

اع األسطوري رمزا مرة ، و يف العالقات االجتماعية، غري أ�ا مل �ت صرحية بل لبست القن

التهكم مرة �نية كما هو احلال و الشاعرة املغربية مليكة العاصمي و هي تصور املفارقات

.اليت حتكم الواقع املغريب

هذه املوضوعات السياسية و االجتماعية ارتبطت غالبا �إلحساس �الغرتاب، الذي

نة، و الذي يرى بعض النقاد أنه ال يعدو هيمن على غالبية القصائد املتمحورة حول املدي

كونه �ثرا بشعراء الغرب، يف نقمتهم على حضار�م املادية، يف حني تثبت القراءة املتأنية

دالالت املدينة يف شعر منرية سعدة خلخال

289

الوعي املغرتب لدى الشاعر العريب املعاصر �بع من حمنة ذاتية و واقع « للشعر العريب أن

عاملني العريب املرتاجع املتقهقر و هو يواجه انشطاره بني 8»قهري، و وعي �لوجود تعيس

�ستمرار، و عامل يتقدم برؤاه املستقبلية الواعدة،فال هو متجذر يف األول بسبب رفضه ملاضيه

و حاضره الذي يظلم و جيوع و يقهر فئة لتنعم أخرى، و ال هو منسجم مع الثاين ألنه

.اآلخر القاهر العدو املستعمر

سعدة خلخالثيمة املدينة يف شعر منرية . 3

تفر األبيات يف هذا املنت الشعر مبتعدة عن نطاق احلواس حىت و هي تستجلي املدينة

، هذا الفضاء الذي يطوق حواسنا و حياصرها، فإذا منرية سعدة خلخال تطوقه مبشاعرها، و

سبحا�ا يف عوامل الروح ، حتاصره بكو�ا الداخلي لتعيد تشكيل املدينة، فتنقلب مرآة لنفسية

الشاعرة ، اليت تتقلب بني التفاؤلية ، و التشاؤم ، بني منح األمان و التيه يف الشعور �لغربة،

وفق تغري مزاجات الشاعرة، املرتبطة يف أحايني كثرية مبزاج الوطن، املوضوعة اللصيقة غالبا

االت و إن حنن عد� إىل الظرف التارخيي ألفينا هذا الوطن هو خالق تلك احل. بثيمة املدينة

. النفسية اليت سيطرت على عدد من قصائد منرية سعدة خلخال

قصائد تتوارى فيها التفاصيل احلسية متاما كما اختفى اجلسد، و كأن الشاعرة تؤسس

هي . لكن �ألجواء الداخلية للنفس..لكتابة نسوية من منط مغاير، كتابة الروح يف حتليقها

الذي حاولنا اإلمساك حبدوده الطبوغرافية، و ذي شاعرتنا إذن و هو ذا أيضا موضوعنا

هندسته، فلم نعثر عليها بل وجد� أنفسنا نعاجل الفضاء اجلغرايف معاجلة احلالة النفسية أن

.�لشاعرة تثور على احملسوس و تقدم مدينة مغيبة املعامل مكشوفة حضار� و عاطفيا

، 2002ليد االحتمال ال ارتباك (يالحظ املطلع على أعمال منرية سعدة خلخال

إذ تواتر لفظة هوسا �ملدينة، .) 2006،الصحراء �لباب 2004أمساء احلب املستعارة

، 9املدينة،حىت أ�ا تبدو موضوعا رئيسيا،هي مبثابة مركز الثقل املوضوعايت يف أشعار شاعرتنا

م مرة �ذه اللفظة، و حضرت يف عدد من القصائد �س) 26(فقد تكررت ست و عشرين

مرات، أما امسها ) 3(و هو االسم القدمي ملدينة قسنطينة ثالث "سري�"املدينة كما تكرر اسم

مىن بشلم.د

290

وهو االسم التارخيي القدمي " بونة"احلايل فلم يرد سوى مرة واحدة يف عبارة مقتبسة، أما اسم

.ملدينة عنابة فذكر مرة واحدة

إىل نفس العائلة اللغوية،حتديدا تزداد أمهية تواتر املوضوع �ضافة األلفاظ اليت تنتمي

مرات و هو أبرز ) 6(اجلسر املكرر ست: تلك اليت جتمعها بلفظ املدينة قرابة معنوية،من مثل

و لفظة شوارع اليت تكررت . معامل مدينة قسنطينة، املدينة مسقط رأس الشاعرة

األعلى مرات، و مثلها لفظة أرصفة، مث لفظة مكان معرفة و نكرة ذات التواتر )5(مخس

و إن كانت لفظة عامة ال تقتصر فقط على املدينة، مع ذلك فإ�ا ترتبط .مرات) 8(بثماين

.�ا كما ترتبط بغريها

هذه الكثافة يف توظيف لفظة املدينة، و ألفاظ من عائلتها اللغوية جتعلنا نصنفها يف

املعمارية غري املرئية، و تشكل هندسته «خانة املوضوعات الرئيسية يف شعر منرية، تلك اليت

. ميكن أن تزود� مبفتاح تنظيمها، توجد فيه بصورة متطورة غالباً، وبتواتر واضح واستثنائي

الذي ال تكاد تبارحه الشاعرة إال )10(»التكرار هنا، ويف أماكن أخرى، مؤشر على اهلاجس

.لتتوسع يف مواضيع متفرعة عنه

خاصة يف املدونة، فهي تتجاوز كو�ا موضوع أمهية" املدينة"املوضوع /تكتسي الكلمة

جتربة لتصبح موضوعا و أداة تعبريية عند شاعرتنا، اليت تسقط مشاعرها على مدينتها مرة ، و

تستكشف أعماقها ممتطية مدينتها �رة أخرى،فاملدينة عندها وسيلة كشف لألعماق، مث هي

جسد لنْفس شاعرتنا اليت تبتعد الوعاء احلسي الذي تسكب فيه مأساة وطنها اجلريح،وهي

مغيبة معامل األنوثة اليت غالبا ما جيسدها الشعر «كثريا عن الكتابة بشرط اجلسد كغريها

و منكفئة على نفسها حىت و هي تكتب الوطن،وحىت و هي تكتب املدينة، 11» النسوي

ثنني و عشرين املوضوعة اليت ال تغيب يف قصيدة إال لتعود و تظهر يف التالية، فقد وردت �

" الصحراء �لباب"قصيدة من جمموع سبع و مخسني قصيدة،هذا يف املدونة كاملة، أما يف

. فقد ظهرت بثماين قصائد من أصل أحد عشرة

دالالت املدينة يف شعر منرية سعدة خلخال

291

و هو الديوان الذي يتبلور فيه املوضوع بوضوح، ليمثل نضج التجربة عند شاعرتنا، و انتقاهلا

شاعرها و تستجيله حضار� و فنيا، مع ذلك إىل التعامل الواعي مع موضوعها،حتاصره مب

أكثر توسعا يف طرق املوضوعات الفرعية، و أعمق " أمساء احلب املستعارة"تبدو املدينة يف

. إحساسا �ا

متثل املدينة قالب التجربة عند شاعرتنا اليت تسكب مشاعرها و حلم احلب يف جسد

ستعارت هلا معامل غريبة عن هندسة املدينة املدينة، وإن كانت حدد�ا �السم سري�، فإ�ا ا

املرجع، لتصبح سري� داخل القصيدة فضاء ختييليا منفصال متاما عن املكان الواقعي، تتوحد

:به على طريقة شعراء املدرسة الرومانسية، فتخرج يف صورة الوفاء

كي تعرف أن لسري� موانئ و أشرعة

و حبات رمل و مشس حمرقة

و أصيل متيم

12نوارس ال �جر إذا جاء املساء شطآ�ا و

فأنــّا لسري� و هي التسمية التارخيية القدمية ملدينة قسنطينة الشطآن و األشرعة ، إن مل

الوفاء ..." نوارس ال �اجر "تكن معامل أوجد�ا القصيدة،لتجسد حلم احلب بدوام الوفاء

مان ا�سد يف املوانئ و األشرعة، أمل الذي مينح احملبني، وخاصة الطرف األنثى اإلحساس �أل

تكن األشرعة ضمان األمان وفقدا�ا يف السفن القدمية كان املوت احملتم، أما املوانئ فإ�ا

ختام املسري، و أي امرأة ال تتمىن أن يكون حبيبها خامتة مسريها،وتقلبها بني مشاق

.ة التخييلية جسدا ملشاعرهااحلياة،لرتسو عند احلب ، هكذا ختلق منرية من معامل املدين

و إذا كانت وظيفة االجتياف «مث هي تعود يف عدد من القصائد لتجتاف صورة مدينتها

امتصاصية على الدوام، مما جيعل الرمز الشعري يدخل �لضرورة يف تعالق نصي مع رموز

ن تتناص و عدد م) اليت ال حنسبها غري قسنطينة" (25الزنزانة "فإن قصيدة 13»أخرى

و " بولرواح"األعمال األدبية بدء �غنية املالوف، إىل رواية الزلزال، فتبعث الشخصية الروائية

هي الشخصية الرمز اليت اختزلت إيديولوجيا الفئة املستغلة، الشخصية اليت قطعت شوراع

مىن بشلم.د

292

قسنطينة و قدمت قراءة الروائي هلا يف تلك الفرتة، هاهي تبعث يف القصيدة، لتحيني أحزان

:ذه املدينة وتقدم قراءة الشاعرة للمدينةه

و املدينة مقلوبة

! أخاذ ،عزيز خطبها

عائم يف صقيع الصمت املسنون

خوذة الكرنفال على القلب مشدودة

لتنعم فراشة الروح العنيدة

جبور املكان

....

و من جديد

جملجال صوته " بولرواح"يعود

حمموال على رحيق الصدى املهزوم

قوالني إىل ساحة الشهداءيستدرج ال

25عند الزنزانة

ملبايعة أ�بيل الكالم

�ء احلكمة يف وصف النعام

غراب قابيل يدفن هواه

14جيتلي تراب السالم

لينفتح موضوع املدينة لدى شاعرتنا متوسعا إىل أكثر من فرع، غري أن هذه الفروع

عند الشعراء املعاصرين كما مر بنا فموضوع الغربة اليت تكررت كثريا . �يت متشابكة متداخلة

،مل تغب عن املدونة لكن �ختالف مرده خصوصية التجربة عند شاعرتنا، اليت اختذت املدينة

بؤرة تنطلق منها عدة موضوعات فروع، أمهها الغربة،اخلوف،،احلب،املوت،ويضاف إليها

دالالت املدينة يف شعر منرية سعدة خلخال

293

دينة على األنثى، اهلجر الذي يتكرر بشكل واسع، اهلجر الذي ميارسه احلبيب و متارس امل

فتعود و ختلق اإلحساس �لغربة

فاملدينة نفسها ختلق . �يت املوضوعات الفرعية متشابكة متداخلة، يستدعي أحدها اآلخر

مرات، بلفظه لتطالعنا الشاعرة بقاموس واسع ) 10(الشعور �لغربة، اللفظ الذي تكرر عشر

" و غريها...التيه، الضياع، التشتت، الغريب" التكرار أللفاظ تصب يف هذا املعىن أمهها

عائد إىل "�هيك عن العبارات ا�ازية اليت تكين وال تصرح �لغربة، اليت تبدو يف قصيدة

عوامل ا�هول "مزدوجة، فالعائد مل يتوطن �ملكان الذي كان به، واملوصوف بـ " جنوين

:وال هو كان حقق ذلك مبدينته.." املستفحلة

ة السكون أبشري مدين

عدت

مل ترمين حدود الغاب

ال، طوعا جئتك

15آمل إعادة توطيين

تقرتن املدينة يف هذه القصيدة �لرجوع بعد غياب، أما يف عدد معترب من القصائد

مرة ،خاصة الرحيل املقرتن )16(فإن الرحيل هو املوضوع املهيمن الذي تكرر ست عشرة

مبوضوعة احلب إذ يقرتن االثنان ليخلقا اإلحساس �لغربة يف مدينة غاب عنها احلبيب،و هنا

الوحدة، الذهاب، الرحيل،التشظي، "جم هذا املوضوع ؛و منها أيضا تتعدد مفردات مع

ترد بتكرار كبري، كما تتنازع النص جمموعة من ..." االختفاء، الغياب، البون،الزوال، تباعد

توطيين، ال /عائد، منفاي/رحلوا: الثنائيات الضدية تفتح الرحيل على احتمال الرجوع منها

غري أن اهليمنة املطلقة من حيث ... أقبل/، غبترواح/تعود، غدوك/اهلجر، انزوت/ �جر

التكرار تبقى للمفردات الدالة على الرحيل،و حىت من حيث املبىن ميكننا مالحظة الفرق

فمثال يف الثنائية األوىل جاء الفعل بصيغة اجلمع،أما اسم الفاعل فجاء مفردا،يف الثنائية الثانية

مىن بشلم.د

294

توطينه يقوم به غريه ألجله،يف الثنائية الرابعة منسوب إىل املتكلم،يف حني" املنفى"املكان

. غدوك منسوب إىل احلبيب بينما تسقط كاف املخاطب يف الرواح

يتنوع املعجم املعتمد يف موضوعة احلب ذات التواتر الكبري بلفظها حيث تتكرر

مرة،غري أن الوحدات املعجمية اليت تصب يف هذا املوضوع اقل من ) 21(إحدى و عشرين

، مع ذلك تكتسب أمهية خاصة كو�ا القاعدة "متيم، العشق، القلب"ها فال نطالع إالغري

الذي ال تظهر أمهيته إال يف ظل موضوع " اهلجر أو الرحيل"اليت يبىن عليها موضوع

احلب،غري أن الشاعرة ال تفصل املوضوع، و ال تقدم جتربة احلب، بل تنتقل مباشرة إىل

ربة اليت يوقعها �لنفس، ال يقف الشعور بفقد احلبيب عند خلق الغياب ورحيل احلبيب و الغ

إحساس �لغربة بل يتعداه إىل خلق حالة من اخلوف،و هو املوضوع الذي ال أخاله يرد عند

شاعر رجل، ألنه خيتص �ملرأة اليت مينحها احلبيب الشعور �ألمان، ويف غيابه، ينقلب األمان

:بتعبري الشاعرة "خوفا ورعبا"افتقادا لألمان أو

كأنك غبت

فجادت املدينة �لطعن،

بوابل من التجريح يكتنزه الصباح الواحد

سريره اجلسر

يهوي » سيدي راشد«و عند

على القلب يصفعه

....

و يشقق ظل األصيل

على تغريبه للسفر

عند بئر الكالم

شوكية سرية احلب

و اخلوف أروع ما تصدح به

دالالت املدينة يف شعر منرية سعدة خلخال

295

16التعبصحراء يف منتهى

عند التجربة املألوفة بل تفاجئنا بتجربة فريدة، تسلك فيها املدينة 17ال تقف سيدة ا�از

:دروب الرحيل خملفة للشاعرة أوزارها، لتطرق التيه ، اخلوف،و الوحدة

عن مدينة حتل يب

توقظ يف جرحها األول

تفرد يل سحنة البجع الرائد

يف السفر الكاسر

و النواح

مدينة أعارتين امسها املكبل �لتيه

و املواويل احلزينة

أجازت يل الوحدة

..كل الوحدة

و اشرأبت �لغياب

الضباب خييفهامل أكن غري طفلة

الليل و السراب يرعبهاغري موجة

18إذ يدنو من مساوا�ا

على عكس جتربة احلب اليت جتيء مقتضبة، رحيل املدينة يسوق تفاصيل تكشف

رئ هوية املدينة موضوع التجربة فيتعدد املعجم الواصف للمدينة و بتنوعه تكثر اإلشارات للقا

.املرجعية، لرتسم وجه املدينة،و انعكاسها على نفس الشاعرة

و إن ) رحيل املدينة(أو الثاين) رحيل احلبيب(تبقى املدينة واحدة سواء يف املوضوع األول

كانت الشاعرة ال تذكر امسها فإنه ال يبدو عسريا استنتاجه،بتجميع بعض اإلشارات

املرجعية، مثل اجلسور ، سيدي راشد ،الرمييس، كلها أماكن من قسنطينة، و إذا أضفنا إليها

مل يبق شك يف هوية مدينة الشاعرة، رغم أن " سري�"و االسم التارخيي " 25زنزانة ال"كناية

مىن بشلم.د

296

مل يرد يف هذه األعمال الشعرية �ستثناء مرة واحدة حيث جاء يف عبارة " قسنطينة"امسها

مقتبسة ،كأن �لشاعرة غضب على مدينتها يصّعب عليها حىت لفظ االسم احلايل هلا، و

لقدمي مستكينة إليه، مينحها اإلحساس �ألمان الذي فقدته بني شوارع جيعلها حتتمي �السم ا

قسنطينة،فلم توقف البحث عن سري�، بكل ما هي وسط قسنطينة،لذا تكتب املدينة املاضي

بكل ثقلها احلضاري، و ال تلفظ حىت اسم املدينة احلايل، فها هي ترسم املدينة منشطرة بني

:ما كانت عليه و ما سارت إليه

تعلقت ببال العمر أسئلة جسور سبعة

توارثت أجيال النسيان أسرار النجمة

أفل ا�يء إليها

و شاع الدوار املقصور على غواية السباحة

"الرمييس"نصب طموحات

يرفع تواشيح البلسم " سيدي مسيد"و

19"النشرة"عن أماين اللوايت تكحلن مباء

حلسرة على املدينة اليت ملكت من اخلصوصية و تتعاىل أ�ت ا 25يف أصداء الزنزانة

�يت الشاعرة على " مقلوبة عزيز خطبها"السحر ما أهلها المتالك القلوب، فإذا هي اليوم

تصوير حالة من اختفاء كل ما كان لقسنطينة خاصية مميزة،الطقوس،القدسي،براءة

اهر، و هو الروائي األمنيات،و الدعوات،يف حني طفت على وجه املدينة نبوءات عمي الط

اجلزائري الطاهر وطار يف روايته الزلزال اليت تبعث الشاعرة بطلها بولرواح لتجعل منه واجهة

:مأساة تلملم فجائعها بعبارات جمازية، إىل أن ينقطع نفس الكناية فتصرخ

من يذكر سري�؟

من علمها كل هذا االختفاء؟

من أخرس الوهج يف دقا�ا؟

الدفلى يف عروقها؟من مسح بتقطري

دالالت املدينة يف شعر منرية سعدة خلخال

297

من انتحل زرقة صباحا�ا و أدماها؟

مث من أفناها؟

20و أضرم يف الكون كل هذا احلريق؟

يتضح للقارئ سر تكرار ثيمة رحيل " املدينة"املوضوع –بتوضيح عالقة الشاعرة �لكلمة

ة املدينة عند الشاعرة،وإحساس هذه األخرية �لغربة يف مدينة هي ما عادت هي، فقسنطين

املغيبة على مستوى النص امسا احلاضرة مأساة هي سبب تنامي الشعور �لغربة، و الدافع

ويف غياب املدينة يطرق اخلوف قلب . لبحث الشاعرة الدائم عن مدينتها وسط مدينتها

الشاعرة، فتلتفت تفتش عن األمان، فال جتده إال يف الذكر�ت؛ ذكرى مدينة تبدل حاهلا،

:الذي غاب أيضا و ما عاد من جدوى منه وذكرى احلب السالف

و تنصرف املدينة عين -

حتملين صمتها و الغياب

و أنصرف إيلّ

تعودين الذكر�ت

..قمم البهاء

فأحتمي �لدروب،

ظلك بوصليت

21!و ال جدوى منك

يف حبثها عن األمان املفتقد حتيلنا الشاعرة على موضوع فرعي آخر هو اخلوف الكلمة

مرات،اإلحساس الذي يعاود شاعرتنا و هي تفقد مدينتها ) 07(رر يف املدونة سبعاليت تتك

كما أحسته سابقا و هي تفقد احلبيب، واخلالص أو االحتماء هو نفسه، إذا تطالعنا يف

:املقطع السابق ��ا حتتمي �لدروب ،يف فقدها احلبيب أيضا تلجأ إليها

آن أن ترحل اآلن

..إىل عش احللم املتآكل

مىن بشلم.د

298

إىل حضن األحرف األمنية

22و آن أن ترتديين األرصفة و احملطات

كاشفة عن مكانة خاصة جدا تربطها �ملكان فهو اجلرح و هو العالج، بل هو العالج

من كل جرح، يعوضها فقدها، و به حتتمي من اخلوف إذ تفقد اإلحساس �ألمان يف غياب

مدينة منرية سعدة خلخال الغربة و اخلوف بعد من حيتويها،و يشعرها �النتماء، هكذا ختلق

أما املعجم الذي تعتمده يف هذا املوضوع .25أن تعلمت سري� االختفاء لتحل حملها الزنزانة

.فال يتسع بقدر ما يتكرر فهي تعتمد اخلوف والرعب،الفزع الذعر لكن بتكرار كبري

تكرر بلفظه مخسا و املوضوع الفرعي التايل هو املوت �على نسبة تواتر حيث

عشرين مرة،�ذا اللفظ حتديدا، �هيك عن اقرتانه �ملعجم األكثر اتساعا يف مدونتنا هذه و

القرب، امليتة، التالشي، سكاكني، النكبات، الشهداء، اجلماجم، يوارونك، انتهيت، " منه

، التوابيت، ينقض، يدق، يقتلع،جنازة،خوذة،مناورة،يدفن، ألغام، الغدر، االند�ر، الفناء

موضوع القتل يرتبط �لوطن يف صورتني مأساة اجلزائر يف . وغريها...االحتضار، االنتحار

و إن كانت األوىل حتتل مساحة نصية أكرب يتساوى .العشرية السوداء،و�لقضية الفلسطينية

من دواعي القبول «فيها الوطن و املدينة فيغيب ذلك الرفض للمدينة، ليصبح هذا االحتاد

:�ا ،فتصف الشاعرة املوت املزروع �ملدينة �نه ال مشروع،بل إنه 23»ا، بل إميا� مطلقا �

أهازيج رصاصات طائشة

و �رة مرتبة وفق رز�مة

24! مهرجان املسدسات املفاجئ؟

هذا املوت هو بكلمة أدق قتل مرتب معد مسبقا، غري أن بر�جمه، لشدة كثافته يشبه

الفوضى فيلتبس على الشاعرة،ما بني ترتيب و طيش، أو هو طيش مرتب، يف مدينة تغريت

و تبدلت األدوار،وحىت معىن احلب تبدل يف اتساع معاين قاعدة " أمساء األمساء"فيها

ع إال على مستوى القول، ألن الفعل مل يكن يشبه الرمحة يف االختالف رمحة اليت ال تتس

دالالت املدينة يف شعر منرية سعدة خلخال

299

شيء، حىت البشرى اليت تسوقها الشاعرة للوطن طرأ عليها تبدل االسم ،و بتعبري الشاعرة

: استعارت االسم ال أكثر

بشرى للوطن

يوارونك خلف اجلماجم

كي حترس أعني الشهداء

ينصبون لك االختالف

رمحة

يعيدون حبك

تسجيال و ذكرى

و أنت الوطن

منهم، إليك، قرابينهم

ال يعبدون سواك

بشراك

25وقد مجعهم هواك

مدن " بسخرية فيها من املرارة أكثر بكثري مما فيها من التهكم تسرد منرية للوطن بكل

اليت تشكله، تسرد له املوت الذي حيل �بنائه، حتت شعار حبه، حىت صار مو�م " الضياع

غري أن حقيقة القرابني هذه تتكشف عارية و حنن نتجه صوب موضوع فرعي .دم لهقرابني تق

أخر و هو الظلم الذي خيتفي خلف الشعارات الرباقة،جنده خاصة مع ذكر القضية

الفلسطينية حيث نعثر على تغري يف املفردات من أهم مفردات املعجم

، الغارات،الغضب، يستوطن،الضحا�،الزحف، املدججة ،الوطن املسلوب ،الدمار"

و هو معجم ال يدل على التضحية من أجل الوطن قدر ما يدل . الغصة،السخط، التنكيل

هو حتديدا موضوعنا الذي أُنزل �هل األرض،�هل " الظلم"على استباحة أهله وظلمهم و

مىن بشلم.د

300

املدن املقدسة، لتتخذ الشاعرة من أمساء الشهداء رموزا حتقق مبرجعيتها دالالت ال حيققها

:عجم مهما اتسعامل

يعز علينا املقام يف الصمت

حكمة تتضاءل، تتهلهل و تتذلل

يف زمن الد��ت الفصيحة و هي �زج ببالغة التسلل

إىل شرعية التنكيل �شجار الزيتون

"..مالك"و "شهيد"براءة

26" ميسون"و"آ�ت"،"فاطمة"،"دمحم"أحالم"و

حتديدا ال ميكن أن ميثل أّ� من كل فإذا كان الصمت حكمة و بالغة فإنه بفلسطني

هذا، ألنه سيجلب الذل و اهلوان ألهل األرض،مع ذلك فإنه واحد من مفردات الثنائيات

الضدية اليت حتكم املوضوع الفرعي من الدرجة الثالثة،و هو املقاومة ال تتكرر كثريا بلفظها

: ئيات أمههاحيث ظهرت مر�ن فقط، معوضة ذلك �النشطار بني عدد من الثنا

عربة، ويبقى املعجم زاخرا / قرح، بسمة/صراخ، فرح/تراجع، صمت/اال�زام، مقاومة/جتلد

التوطن، األمل،الرجاء،الصفح،الثورة،و مل ندرج : بعدها جبملة من الوحدات املعجمية منها

الوحدتني األخريتني ضمن ثنائية أل�ما برأيي ليستا متضادتني،و يبقى أن الغلبة من حيث

مرة،و هو الرقم الذي يعكس وعيا ) 34(لتكرار هي للصمت الذي ورد أربعا و ثالثنيا

سياسيا كبريا عند شاعرتنا، وإحساسها العميق �يمنة الصمت على الواقع العريب،و وقع هذه

اهليمنة على هذه األمة، و إن كانت ال جتاهر بوعيها السياسي بل خترجه يف ثوب جمازي

اجلمال ينقد اإلنسان من االحنطاط «لوكاتش الذي يرى أن جورج مجيل،آخذت برأي

فهرو� من هول الواقع العريب تعتمد الشاعرة الرمز و تكين و ال 27»اإلنساين املميز للمجتمع

تصرح، حملقة يف فضاء خاص مازجة موضوعا�ا و متشعبة يف طرح قضا�ها، حيررها حتليقها

.الدقيقة فتقرأ إذ تقرأ شعرا على أشرعة ا�از من الرتتيبات املنطقية

:خامتة. 4

دالالت املدينة يف شعر منرية سعدة خلخال

301

تتوسع املدينة يف األعمال الشعرية ملنرية سعدة خلخال لتغطي موضوعات إنسانية و

قومية متنوعة، أمهها احلب، الرحيل ، الغربة اخلوف، الوطن ، املقاومة ،لتخرج عن الصورة

املتلقي، و رغم أن شاعرتنا ختفي اليت اصطنعها هلا بعض الشعراء املعاصرين، وتالمس وجدان

ذا�ا األنثى خلف مدينتها، و إال أن هي املدينة و ما توسعت إليه من موضوعات فرعية،

.تعري جانبا من أنوثة الشاعرة، اليت يتخطفها الضياع أمام هول ما ترى فتفتش عن األمان

نه احلماية اليت تفتش عنها فإذا كان اجلدار معذب الشعراء النازحني من الريف إىل املدينة فإ

:األنثى، تريدها أسوارا مسيكة،حتقق هلا املنعة، فتطمئن، لكنها ال تعثر عليها

فإذا كانت كل األمكنة املأهولة حقا حتمل جوهر فكرة البيت و هو منح اإلنسان اهلناءة

�حلماية،غري أن وألفة املكان، فاملفروض أن متنح املدينة شاعرتنا هذه الفكرة و جتعلها حتس

املدونة الشعرية تربز العكس متاما، فيطفوا اإلحساس �خلوف،و تغيب احلماية فيشرع اخليال

تقيه هذا الفقد الذي يبدو فضيعا لكثرة تكراره" جدرا�"يبين

أما الصانع هلذه األجواء النفسية اليت صنعت بدورها النص الشعري، فإ�ا جلية يف النص

. املوت الالمشروع، املوت املباغت للقتلى، املرتب بدقة للقاتلذاته، حيث يستفحل

ــــــــــــ

:اإلحاالتقائمة -

قادة عقاق،داللة املدينة يف اخلطاب الشعري العريب املعاصر،دراسة يف إشكالية التلقي اجلمايل : 1

9،ص 2001للمكان،منشورات إحتاد الكتاب العرب،دمشق،

26،ص املرجع نفسه :2

94املرجع نفسه،ص : 3

76،ص 1995املعرفة،الكويت،خمتار علي أبو غايل،املدينة يف الشعر املعاصر،سلسلة عامل : 4

106،ص املرجع السابق: 5

75املرجع نفسه،ص : 6

19خمتار علي أبو غايل،املدينة يف الشعر املعاصر، ص: 7

212،ص قادة عقاق،داللة املدينة يف اخلطاب الشعري العريب املعاصر : 8

مىن بشلم.د

302

51، ص 2007اجلزائر،يوسف وغليسي، التحليل املوضوعايت للخطاب الشعري، دار رحيانة، : 9

، احتاد الكتاب 1997،سنة 93غسان السيد، اآلداب األجنبية، ع : ميشيل كولو، النقد املوضوعايت، تر: )10(

.جان بيري ريشار، العامل اخليايل ملاالرميه: ،نقال عن106العرب،دمشق، ص

مه، حمافظة مهرجان يوسف وغليسي، خطاب التأنيث ،دراسة يف الشعر النسوي اجلزائري و معجم ألعال:11

312ص2008الشعر النسوي ، قسنطينة،

33،اجلزائر،ص2004منرية سعدة خلخال،أمساء احلب املستعارة،منشورات أصوات املدينة،: 12

،العدد )نسخة إلكرتونية(دمحم مجال �روت،بنية الرمز الديناميكي و دالالته يف شعر خليل حاوي،جملة نزوى: 13

17/6/2009الرابع،

17،18،اجلزائر،ص ص 2006ة سعدة خلخال،الصحراء �لباب،منشورات أصوات املدينة،منري : 14

21، اجلزائر،ص 2004منرية سعدة خلخال، أمساء احلب املستعارة،منشورات أصوات املدينة، : 15

، اجلزائر، ص ص2002منرية سعدة خلخال، ال ارتباك ليد االحتمال، منشورات إحتاد الكتاب اجلزائريني ، : 16

80-82

308يوسف وغليسي ، خطاب التأنيث، ص: ينظر: 17

75،76.أمساء احلب املستعارة ،ص ص : 18

11،12منرية سعدة خلخال ، الصحراء �لباب، ص: 19

12املصدر نفسه، ص: 20

47منرية سعدة خلخال، ال ارتباك ليد االحتمال، ص: 21

46منرية سعدة خلخال، أمساء احلب املستعارة، ص : 22

81تار علي أبو غايل،املدينة يف الشعر املعاصر، صخم: 23

91أمساء احلب املستعارة ،ص منرية سعدة خلخال،: 24

58-57املصدر نفسه،ص : 25

48منرية سعدة خلخال،الصحراء �لباب ،ص: 26

- 130.ص ،1986 ،الثقافة للنشر والتوزيع،القاهرةالغرتاب، دار جدل اجلمال و جماهد عبد املنعم جماهد، :27

131.

قائمة املصادر واملراجع

، اجلزائر2004منرية سعدة خلخال، أمساء احلب املستعارة،منشورات أصوات املدينة، .

، اجلزائر2002منرية سعدة خلخال، ال ارتباك ليد االحتمال، منشورات إحتاد الكتاب اجلزائريني ، .

دالالت املدينة يف شعر منرية سعدة خلخال

303

،اجلزائر2006املدينة،منرية سعدة خلخال،الصحراء �لباب،منشورات أصوات .

قادة عقاق،داللة املدينة يف اخلطاب الشعري العريب املعاصر،دراسة يف إشكالية التلقي اجلمايل .

2001للمكان،منشورات إحتاد الكتاب العرب،دمشق،

1986جماهد عبد املنعم جماهد، جدل اجلمال و الغرتاب، دار الثقافة للنشر و التوزيع،القاهرة ،.

1995علي أبو غايل،املدينة يف الشعر املعاصر،سلسلة عامل املعرفة،الكويت،خمتار .

51، ص 2007يوسف وغليسي، التحليل املوضوعايت للخطاب الشعري، دار رحيانة، اجلزائر،.

يوسف وغليسي، خطاب التأنيث ،دراسة يف الشعر النسوي اجلزائري و معجم ألعالمه، حمافظة مهرجان الشعر .

2008سنطينة،النسوي ، ق

، احتاد الكتاب 1997،سنة 93غسان السيد، اآلداب األجنبية، ع : ميشيل كولو، النقد املوضوعايت، تر.

العرب،دمشق

: 17/6/2009دمحم مجال �روت،بنية الرمز الديناميكي و دالالته يف شعر خليل حاوي،جملة نزو�لعدد الرابع، .

https://www.nizwa.com /