مجلة أبعاد

جملــة دورية حمكمـة يصدرهاجملــة دورية حمكمـة يصدرهاجملــة دورية حمكمـة يصدرهاجملــة دورية حمكمـة يصدرها

ـة جبامعة وهرانـة جبامعة وهرانـة جبامعة وهرانـة جبامعة وهران

ب�ن�ا�سيحية�و�س�م

مساهمة�حمدان�خوجة��ي�ال��ضة�العربية��س�مية

واللغة�الكاملة�منطقيا

مارتن�هيدغر: تأليف

استقبال�ا�فاهيم�الغربية��ي�البيئة�الثقافية�العربية

والتعدديةإشكالية�الثقافة�الجزائرية�ب�ن�>حادية�

"ا�دينة�الجديدة"دراسة�سوسيولوجية�

عدد خاصعدد خاصعدد خاصعدد خاص

2014 جانفيجانفيجانفيجانفي

جملــة دورية حمكمـة يصدرهاجملــة دورية حمكمـة يصدرهاجملــة دورية حمكمـة يصدرهاجملــة دورية حمكمـة يصدرها

خمرب األبعاد القيميخمرب األبعاد القيميخمرب األبعاد القيميـة جبامعة وهرانـة جبامعة وهرانـة جبامعة وهرانـة جبامعة وهرانخمرب األبعاد القيمي

مفهوم�الجسد�عند�الفارابي ♦ بوشيبة حممد.د ــــــــــــــ

->لوهية�والوKي�والنبوة��مباحث ♦ رزقي بن عومر.د ــــــــــــــ

مساهمة�حمدان�خوجة��ي�ال��ضة�العربية��س�مية ♦ رابح مراجي.د ــــــــــــــ

واللغة�الكاملة�منطقيا" برتراند�راسل" ♦ مصطفى بلبولة.د ــــــــــــــ

تأليف". �نسان"فكرة�الواقعانية�ومفهوم� ♦ عمارة ناصر.د ــــــــــــــ

استقبال�ا�فاهيم�الغربية��ي�البيئة�الثقافية�العربيةإشكالية� ♦ حممد بن علي.أ ــــــــــــــ

>سس�العلمية�لفلسفة�فتجنشت�ن ♦ قادري عبد الرمحن.أ ــــــــــــــ

إشكالية�الثقافة�الجزائرية�ب�ن�>حادية� ♦ عبد الوهاب بلغراس.د ــــــــــــــ

دراسة�سوسيولوجية��-الشباب�والعمل��ي�الجزائر� ♦ زواوي بن كروم. أ ــــــــــــــ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــجملة أبعاد جملة أبعاد جملة أبعاد جملة أبعاد

2014 شهر�جانفي -عدد�خاص

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـــــــــــــــ عـادعـادعـادعـادــــاباباباب ـــــــــــــــ

جملــة دورية حمكمــة يصدرها جبامعة وهران ةخمرب األبعاد القيمي

:رئيس التحرير :مدير الـة

:هيئــة التحريــر

:ة العلميةاهليئـ

:ة االستشاريةاهليئـ

عبد�القادر�بوعرفــةد�.أ

قسول�ثـابت. د

بلبولـة�مصطفـى. د

بلحمـام�نجـاة. د

مغربـي�زين�العابديـن. د

)جامعة وهران( الحس�ن�الزاوي . أد�

)جامعة وهران( بوزيد�بومدين. أد�

)جامعة وهران( بوكرلدة�زواوي . أد�

)اجلزائرجامعة ( بوقاف�عبد�الرحمن. أد�

)جامعة وهران( محمدعبد�ال�وي�. أد �

)جامعة وهران(عمر�الزاوي�. أد �

)جامعة وهران(رزeي�بن�عومر�. د �

)معسكرجامعة (عدالة�عبد�القادر��. د �

)جامعة وهران(البخاري�حمانة�. أد�

)قسنطينةجامعة (اسماعيل�زروgي�. أد�

)اجلزائرجامعة (دهوم�عبد�ا�جيد�. أد�

)اململكة العربية السعودية(زكي�ا�ي�د�. أد�

)مصر(حسن�حنفي�. أد�

)جامعة اجلزائر(كمال�بومن��i. أد�

)اجلزائرجامعة (عبد�الرزاق�قسوم�. أد�

)سوريـا(عيس�عkي�العاكوب�. أد�

)جامعة اجلزائر(عمار�طال�lm. أد�

)جامعة وهران(فغرور�دحو�. أد�

)جامعة اجلزائر(الشيخ�أبو�عمران�. أد�

)جامعة سعيدة(مو�qrsعبد�هللا�. أد�

بوشيبــة�محمـد. د




:باسم توجـه كافـة املراسالت

أبعــادأبعــادأبعــادأبعــاد السيد رئيس حترير جملة

:إىل العنوان التايل الربيد اإللكترونــيعن طريق

[email protected]

:قواعد عامة

ترتيب االحباث واملقاالت املنشورة خيضع العتبارات فني�ة وطباعي�ة؛ -

ال تعاد املادة املرسلـة اىل احصاهبا سواء نرشت او مل تنشـر، كام ال تلزتم ا/. -بداء - اسـباب عدم النرش؛

.املادة املنشورة اال� عن اراء احصاهبـاال تعبـر -

قواعد النشرقواعد النشرقواعد النشرقواعد النشر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــجملة أبعاد جملة أبعاد جملة أبعاد جملة أبعاد


راسات الد قبول نشر أعماهلماغبني يف الســادة الباحثيـن الر " أبعــاد"جملـة تعلـم يف العلوم اإلنسانية خصصاتسائر الت خمتلف إشكاليات الفلسفة، و يف واألحباث

شريطة ،كتب، وتغطية امللتقيات العلميةاإلصدارات احلديثة لل، ومراجعات واالجتماعية :بقواعد النشر التاليــةالتزام أصحاا

وأالفرنسية : اللغتنيإحدى ب وأ ،دونة باللغة العربيةمأن تكون املـادة املرسلـة للنشر .1وليست مستلة من ،ومل يسبق نشرها، واحلداثةاألصالة : ها، كما يشرتط فياالجنليزية

؛رسائل جامعيةلغته مغايرة للغة ، )10( حدود عشرة أسطريف أن تكون املقاالت مصحوبة مبلخص .2

؛املقالالكتابة العلمية بأصول همع التزام أصحاب صفحة) 18(و )12( أن يرتاوح املقال ما بني .3

:التاليةية واملنهجية العلمقواعد للحمرتمة املتعارف عليها، وعلى أن تكون املادة املعرفية ؛كل اجلهاتسم يف 2.5هوامش الصفحة و ، )16/24( الورقةحجم ....أأأأ وعند الكتابة باللغة . يف اهلامش 11 وبنط ،Traditional Arabic يف املنت 14بنط ....بببب

؛يف التهميش 11 وبنط ،Times New Roman يف املنت 13بنط يستعملاألجنبية

:توثيق التايلحسب ال ،توضع احلواشي أسفل الصفحة ....جججج ، دار النشر، )إن وجد(اسم املرتجم / قق ، عنوان الكتاب، اسم احملاسم املؤلف :الكتب -

النشر، رقم الطبعة، تاريخ الطبعة، الصفحة؛مكان العدد، مكان النشر، صاحب املقال، عنوان املقال، اسم الة، :المجالت والدوريات -

؛تاريخ النشر، الصفحة . ترتب قائمة الببليوغرافيا يف آخر املقال ترتيبا أجبديا -التصرف يف املادة املقدمة للنشر، من تعديل، أو تغيري مع ما يتماشى ق حللمجلـة .4

سق املعتمد يف أصول الة؛ والن ، لتقرير مدى صالحيتها للنشرختضـع البحوث وسائر الدراسات إىل التحكيـم السري .5

.ويبلغ أصحاا بالرأي النهائي للمحكمني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاحملتـويــات احملتـويــات احملتـويــات احملتـويــات جملة أبعادجملة أبعادجملة أبعادجملة أبعاد


......................................................................................... :كلمة�العدد

مفهوم�الجسد�عند�الفارابي .1 .............................................................................. بوشيبة�محمد. دــــــــ

ب�ن�ا�سيحية�و�س�م�- مباحث�>لوهية�والوKي�والنبوة .2 .............................................................................. رزeي�بن�عومر. دــــــــ

مساهمة�حمدان�خوجة��ي�ال��ضة�العربية��س�مية .3 .................................................................................. رابح�مراtي. دــــــــ

ا" بivاند�راسل" .4 واللغة�الكاملة�منطقيـ

............................................................................ مصطفى�بلبولة. د ــــــــ

مارتن�هيدغر: تأليف. " �نسان"فكرة�الواقعانية�ومفهوم� .5 .......................................................... عمارة�ناصر. د :ترجمة�وتعليقــــــــ

إشكالية�استقبال�ا�فاهيم�الغربية��ي�البيئة�الثقافية�العربية .6

مفهوم�التنوير�نموذجـا .............................................................................. محمد�بن�علـي. أــــــــ

>سس�العلمية�لفلسفة�فتجنشتيـن .7 ...................................................................... قادري�عبد�الرحمن. أــــــــ

إشكالية�الثقافة�الجزائرية�ب�ن�>حادية�والتعددية� .8

قراءة��ي��ص�حات�>خ�iة .................................................................... عبد�الوهاب�بلغراس. دــــــــ

07

09 22

41 55

73 90

114

127

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاحملتـويــات احملتـويــات احملتـويــات احملتـويــات جملة أبعادجملة أبعادجملة أبعادجملة أبعاد


دراسة�سوسيولوجية�. الشباب�والعمل��ي�الجزائر� .9

،�مدينة�وهران"ا�دينة�الجديدة" ............................................................................ زواوي�بن�كروم. أــــــــ

�ل�زمة�ا�عاصرة .10 نيتشه�ومسألة�قلب�كل�القيم�منعطفا

.............................................................................. حفصة�طاهر. أــــــــ

خصوصية�أسلمة�ب�د�ال�iبر� .11

العوامل�النابعة�من�ذاتية�شخصية�ال�iبر ................................................................................ شنعة�خديجةــــــــ

والتأويلب�ن�الivجمة� .12 .......................................................................... واضح�عبد�الحميدــــــــ

ا�رأة�والجنس��ي�الخطاب�الصو�ي .13 .................................................................................. هدي�عينونةــــــــ

:ا�خ�iإصدارات� .14 ...................................................................... مغربي�زين�العابدين. د ــــــــ

138

156

169

184 200

219

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــكلمة العدد كلمة العدد كلمة العدد كلمة العدد جملة أبعاد جملة أبعاد جملة أبعاد جملة أبعاد

2014 شهر�جانفي -خاصعدد�

7

يف العلوم اإلنسانية واالجتماعية بإصدار هذا أبعادتتشرف هيئة حترير جملة ، وتأمل أن تكون الة 2014وبداية سنة 2013العدد اخلاص لنهاية سنة

يف أعدادها املتالحقة، ويف ذات الوقت، فرصة أمام فاحتة آلفاق جديدة الباحثني لنشر أفكارهم وتطلعام العلمية، قصد فتح جماالت للتواصل

. ق النقاش وإيصاله إىل أبعد مدى ممكنبينهم، وتعمي

فالتواصل املعريف هو الوسيلة الوحيدة لفهم العامل اجلديد وفهم موقعنا فيه، السيما أن املتغريات اليت تعرفها البشرية اآلن، مل يسبق هلا يف الفرتات السابقة أن عايشتها،

واستتباعاا يعد اخلطوة فاستحداث طرائق جديدة للتكيف مع تلك املتغريات .األوىل اليت من املفروض أن يويل الباحث هلا اهتماماته

من هنا، يكمن دور الباحث، حنو ذاته وأمته، وحنو اإلنسانية كلها، يف كل قضايا الساعة وآفاق املستقبل، شريطة أن يتسم فكره بالواقعية واملوضوعية، وأن

. ال بالفعالية اليت تعود على جمتمعه باإلجيابيكون إنتاجه مكل خمرب األبعاد "هذا املقام أن ننوه باهودات اليت تقوم ا أسرة وال يفوتنا يف

ته،، وعلى رأسهم املشرف على إدار "القيمية للتحوالت الفكرية والسياسية باجلزائرحيث نلتمس ونعاين هذه ، "عبد القادر بوعرفة"األخ والزميل، األستاذ الدكتور

أو يف العديد من النشاطات العلمية، سواء تعلق األمر بامللتقيات، أو الطبع، اجلهود، مبا يف ذلك نشر حبوث األساتذة وأعمال طلبة الدراسات العليا، الدكتوراه التوثيق

. واملاجستريتسعى أسرته إىل إصدار هذا العدد اخلاص من ويف إطار إسهامات املخرب، يف حميط ثقايف متنوع ومتغري قصد رسم معامل واضحة نتوخى منها طرح "أبعاد"جملة

كلمة العددكلمة العددكلمة العددكلمة العدد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ جملة أبعادجملة أبعادجملة أبعادجملة أبعاد


8

إشكاليات أساسية تعاجل قضايا تعكس طموحات الواقع االجتماعي، والفكري، .والسياسي بطريقة علمية وموضوعية

وحتقيقا هلذا اهلدف النبيل، جتدون يف هذا العدد اخلاص جمموعة من املقاالت والدراسات باللغة العربية والفرنسية تبعا لتخصصات أصحاا يف خمتلف الدراجات

.العلميةمن هنا، ندعو كافة الزمالء الباحثني للمشاركة يف إثراء مضامني أعداد الة

الذي ينشده الفعال مبواضيع تتسم باألصالة والدقة والعمق تعزيزا للدور الطالئعي .ألمته ولإلنسانيةالباحث

هيئة التحرير

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مفهوم اجلسد عند الفارايب أبعادأبعادأبعادأبعادجملة جملة جملة جملة


9

مفهوم اجلسد عند الفارايب

∗∗∗∗بوشيبة حممد. د

أهم املواضيع اليت عاجلها فالسفة العرب إن موضوع النفس اإلنسانية من كما حاولوا االستدالل على ،ومصريها ومصدرها، فبحثوا يف معرفة ماهيتها،

ومن بني هؤالء .وجودها فاتفقوا يف أكثر هذه القضايا واختلفوا يف بعضهاالذي استطاع أن يوفق بني فلسفيت أفالطون ∗∗∗∗∗∗∗∗الفالسفة نذكر الفارايب

وخاصة فالسفة العصر ،اوأرسطو مع تأثريه يف الفكر األورويب تأثريا كبري .الوسيط

الفارايب من الفالسفة املسلمني الذين حاولوا بشكل موسوعي تدوين آرائهم يعترب

ما شروحاته لكتب أرسطو يف املنطق والطبيعة و إىل جانب الفلسفية والفكرية، فاشتهررسالة "، "اجلمع بني رأيي احلكيمني" ،"آراء أهل املدينة الفاضلة" :اتهبكتاب ،وراء الطبيعة

.1إذ لقب باملعلم الثاين باعتبار أرسطو املعلم األول ،"إحصاء العلوم"، و"يف العقل

.أستاذ حماضر بقسم الفلسفة، جامعة وهران ∗

ويضطرب نسبه بني ،يف بالد الرتك يف أرض خراسان فارابـ هو أبو نصر حممد بن أوزلغ بن طرخان ولد ب ∗∗مؤلفات أرسطو بالدرس تناول صار أوحد زمانه وعالمة وقته من كثرة تصانيفه وتالميذه،. الرتكي والفارسيوقيل عنه أنه أكرب ،إذ كان حاد الذهن واسع الثقافة واحتل املقام األول بني املفكرين والفالسفة ،والشرح والتعليق

.تبة الثانية بعد أرسطور حيث أخذ امل ،فالسفة اإلسالم وفيلسوف املسلمني مجيعا إىل 223من ص ، 1982، لبنان، بريوت، الثقافةدار ، 3ج،عيون األنباء يف طبقات األطباء، ابن أيب أصيبعة 1

233.


2014 جانفيشهر� -عدد�خاص


10

اعركما تساءل . 1"باملوجودات مبا هي موجودةالعلم " ف الفارايب الفلسفة على أعن األسباب اليت جعلت أكثر أهل زمانه يرون أن بني فلسفة أفالطون وفلسفة أرسطو

:فانتهى إىل النتيجة التالية ،اختالف كبري ا أن يكون رأي األكثرية فيهاا أن يكون تعريف الفلسفة غري صحيح، وإم إم

ويقول الفارايب .الف فهو جاهلتخاسخيفا، وإما من قال أن بينهما ) أفالطون وأرسطو( اضواخأهل زماننا قد فإين ملا رأيت أكثر " ":اجلمع بني رأي احلكيمني" يف مقدمة كتابه

يف ا اختالف احلكيمني املقدمني املربزين، بنيوادعوا أن وتنازعوا يف حدوث العامل وقدمه،أردت يف (...)ويف أمر النفس والعقل ويف وجود األسباب منه، إثبات املبدع األول،

عما يدل عليه فحوى قوليهما ليظهر اجلمع بني رأييهما واإلبانةمقاليت هذه أن أشرع يف .2...ويزول الشك واالرتياب عن قلوب الناظرين يف كتبهما االتفاق بني ما كانا يعتقدانه،

طالع واسع بالكتب الفلسفية اليونانية املرتمجة إىل اعلى أن الفارايب كان ذا وهذا يدل .وخاصة منها كتب أفالطون وأرسطو ،العربية آنذاك

الطون ن فلسفة الفارايب كانت ترتكز أساسا على تعاليم أفإ ،ميكننا القول ،وبذلك إبراهيم مذكور، تعبري الدكتور الفارايب على حد ويعترب ،وأرسطو مع اجتاه ديين واضح

وحنن ال .ووضع أصوهلا ومبادئها أول من صاغ الفلسفة اإلسالمية يف ثوا الكامل،"وأرسطو عرض لبعض نظرياما بالشرح نذكر أن الكندي تنبه قبله إىل دراسة أفالطون

ي نظرات بل ه ولكنا ال جند لديه مذهبا فلسفيا كامال بكل معاين الكلمة، واالختصار،ث، وأقام عأما الفارايب فقد مل هذا الش .متفرقة ومتعلقة مبوضوعات خمتلفة ال رابطة بينهما

.3"دعائم مذهب فلسفي متصل احللقات

البري نصري نادر، دار الشرق، بريوت، : أبو نصر الفارايب، كتاب اجلمع بني رأيي احلكيمني، قدم له وعلق عليه 1

.73، ص 1985، 4ط .79املصدر نفسه، ص 2 .35، ص 1968، 2مصر، طإبراهيم مذكور، يف الفلسفة اإلسالمية منهج وتطبيقه، دار املعارف، 3



11

ا من جهة باألفالطونية جند الفارايب قد أقام منهجا فلسفيا ممزوج ،وذا .ومن جهة أخرى بالفلسفة والدين طاليسية،واألرسطو

وكان الطابع الغالب على فلسفته هو طابع ،إىل العقليات لقد كان الفارايب مياال .أفالطون وأرسطو" اجلمع بني رأيي احلكيمني"وهذا ما جنده واضحا يف كتابه ،التوفيق

أن عقلني كبريين كعقلي أفالطون : "فقال ،وأنه حاول اجلمع بني اآلراء املتناقضة عندمهاوالفارايب من الفالسفة الذين ،1"خيطئا وال أن خيتلفا يف احلقوأرسطو ال ميكن أن

كان للفارايب ،ذاو . وخاصة فلسفة أرسطو ،ا صحيحا ب عاياستوعبوا الفلسفة اليونانية استمن مذاهب بأا خليط ففلسفته توصف .أثر بالغ األمهية يف اجتاه التفكري األورويب

من الروح شيءكانت األفالطونية حباجة إىل " :حبيث ني،ي أرسطو واملشائو أفالطون، العلمية املدققة والرصانة املنطقية فحذف منها الفارايب تلك األحالم الشعرية اليت ال تستند

واالضمحالل والتناسخ، ،وتذكر العلوم على جتربة وال برهان، كالقول يف أزلية النفس،وضبط يف عالقة النفس باجلسد، وأدخل فيها حتليالت أرسطو العميقة الكلي يف اهللا،

.2"...وكيفية االنتقال من األول إىل الثاين ،واإلدراك العقلي قوانني اإلدراك احلسي،أنه تعلم من يوحنا بن حيالن إىل أخر " :وقال أبو نصر الفارايب عن نفسه فقال لو أدركته لكنت أكرب وسئل أبو نصر من أعلم أنت أو أرسطو؟(...) الربهان

اللهم إين (...) وأرى أين حمتاج ملعاودته قرأت السماع ألرسطو أربعني مرة، تالميذه،وأن جتعل أن تعصمين من الزلل، ،قدميا مل يزل ويا علة العلل، أسألك يا واجب الوجود،

وارزقين يف اللهم امنحين ما اجتمع من املناقب، .يل من األمل ما ترضاه يل من العملالتعريف " صاعد بن أمحد بن صاعد يف كتاب) القاضي(وقال .3"أموري حسن العواقب

فبذ مجيع (...) أن الفارايب أخذ صناعة املنطق عن يوحنا بن حالن" ":بطبقات األمم

.35، ص 1985، 4فروخ، عمر، عبقرية العرب يف العلم والفلسفة، منشورات املكتبة العصرية، بريوت، ط 1 .34، 33، ص ص 1979غالب، مصطفى، يف سبيل موسوعة فلسفية، دار مكتبة اهلالل، بريوت، 2، 227ص ص ، 1981 ،3ط، بريوت، الثقافةدار ، 3ج، عيون األنباء يف طبقات األطباء، ابن أيب أصيبعة 3

228.




12

وكشف سرها وقرب أهل اإلسالم فيها وأرىب عليهم يف التحقق ا فشرح غامضها،منبهة على ما لطيفة اإلشارة، العبارة،ومجع ما حيتاج إليه منها يف كتب صحيحة تناوهلا،

وأوضح القول فيها عن مواد .أغفله الكندي وغريه من صناعة التحليل وإحناء التعاليموكيف نصرف صورة وعرف طرق استعماهلا، ا، االنتفاعوأفاد وجود املنطق اخلمس،

.1"...الفاضلةوالنهاية القياس يف كل مادة منها فجاءت كتبه يف ذلك الغاية الكافية،وفلسفة الفارايب مزيج من األرسطوطاليسية واألفالطونية احملدثة مع صبغة إسالمية

وذا يكون الفارايب قد سار على ج أرسطو يف كثري من األفكار الفلسفية من واضحة،وإن كان هناك خالف كبري من حيث النتائج املتوصل إليها يف ،حيث املنهج على األقل

وبصفة عامة تتسم .وباألخص يف نظرية املعرفة ونظرية الوجود ،من القضايا الفلسفية كثريوتوظيف نظرية الفيض فلسفة الفارايب باألخذ بازدواجية املنهج على مستوى نظرية املعرفة،

.كأداة لتفسري الوجودنظرنا إىل إذا " :كما يتناول املستشرق دي بور الفارايب من الناحية الفلسفية فيقول

وبعبارة أدق ،ساقاالتمذهبا روحانيا متسقا متام وجدناها فلسفة الفارايب يف مجلتها،وكل ما هو مادي حمسوس فمنشأه القوة املتخيلة، وميكن اعتباره تصورا مذهبا عقليا،

كان الفارايب يعيش يف عامل العقل ابتغاء للخلود، وكان ملكا يف عامل العقل، ... مشوشا من حيث ما يقتين من متاع الدنيا فكان فقريا، فانيا من جمردات العقل احملض وكان أما

مل جيعل بني تعاليمه يف األخالق والسياسة ... تالميذه يرون أن احلكمة قد جتسدت فيهمكانا ألمور الدنيا أو للجهاد ومل تكن فلسفته ترمي إىل إشباع الرغبات املادية من أي

كما .رايب كان مثاليا زاهدا يف احلياة يبتغي فضل اهللا ويعمل لآلخرةأي أن الفا .2نوعاملؤسس احلقيقي للدراسات "وكان مبثابة اشتهر الفارايب بالتوفيق بني الفلسفة والدين،

فقد أشاد واملنشئ األول ملا نسميه اآلن بالفلسفة اإلسالمية، الفلسفية يف العامل العريب،

.226املصدر السابق، ص 1دار النهضة ، دحممد عبد اهلادي أبوريدة:نقله إىل العربية وعلق عليه، تاريخ الفلسفة يف اإلسالم، دي بور.ن.ت 2

.225، 224، 223: ص، 1981، 5ط، بريوت، العربية



13

وال نكاد جند فكرة عند من جاؤوا بعده من فالسفة يع فروعها،بنياا ووضع األساس جلم . 1"اإلسالم إال هلا أصل لديه

أنه طالع كتاب ما بعد الطبيعة " :الفارايب شارحا ألرسطو وقد روى ابن سينا ويعد أغراض ما "ألرسطو أكثر من أربعني مرة ومل يفهمه حىت وقع أخريا على كتاب للفارايب يف

. 2"واتضح ما كان مغمضا فلما قرأه فتح له ما كان مغلقا منه،" طبيعةبعد الوإذا كان أرسطو بعد أرسطو املعلم األول،" املعلم الثاين"كما لقب الفارايب باسم

قد أثر يف جزء كبري من فلسفة الفارايب، فأفالطون هو األخر له أثر ال يقل أمهية عن أثر وعلى هذا األساس يعاجل الدكتور عثمان أمني . أرسطو وخاصة يف السياسة واألخالق

اإلخالص للفلسفة : فيلسوف مسلم مجع بني ميزتني": الناحية التوفيقية للفارايب بقولهان بالدين، وذين امليزتني حاول أن يوفق بني لغتني، لغة العقل ولغة القلب، ومها واإلمي

عنده لغتان مفهومتان ضروريتان لإلنسانية اليت تريد أن تتخطى نفسها ساعية من وراء رايب قد جاء إىل العامل ليؤدي رسالة جليلة خالصتها أن الفلسفة االكمال، وكان الف

يف للحياة الروحية اليت ا يكون اتمع اإلنساين فاضال وبدوا والدين مها املعني الصافويل للمجتمع إذا تنكر للفلسفة أو الدين، وما أشقانا إذا طغت علينا يكون ضاال،

. 3"املادة فخلت حياتنا من مشاغل الروحوابن رايب ال ختتلف عن فلسفة الكندي من قبله اومما سبق يتضح لنا أن فلسفة الف

سينا وبن رشد من بعده، إال أن الشروحات اليت قام ا يف علم املنطق والنظريات العقلية .جتعله ينفرد ذا اال

، ص ص 1982، 3باريس، ط- منشورات عويدات، بريوتموسى املوسوي، من الكندي إىل ابن رشد، 1

82،83. بدران للطباعة والنشر، بريوت، طبعة جديدة، .حنا الفاخوري، وخليل اجلر، تاريخ الفلسقة العربية، مؤسسة أ 2

.376، ص 1966 .32مصطفى غالب، يف سبيل موسوعة فلسفية، ص . 61عن شخصيات ومذاهب ص: نقال 3




14

:ثنائية النفس والجسد عند الفارابيترى كيف كانت نظرة الفارايب هلذه العالقة؟ هل كان أرسطيا أم أفالطونيا؟ أم كانت

ة من املبادئ اإلسالمية؟نظرته هلذه العالقة نابعوتوضيح رأي الفارايب يف اإلنسان لكونه جيمع بني النفس ،لإلجابة عن هذه األسئلة

واجلسد، النفس الكائن الروحي واجلسد الكائن املادي، جند الفارايب يف كل كتاباته يتبىن :تعريف أرسطو للنفس باعتبارها

كمال أول جلسم " :، أو بعبارة أدق"بالقوةكمال أول جلسم طبيعي آيل ذي حياة "، ولكن هذا التعريف ال يتضمن كل النتائج اليت يتوصل إليها 1"طبيعي آيل قابل للحياة

مل ينته إىل ما انتهى إليه املعلم األول " الفارايب، بل خيالف أرسطو يف ذلك فهولفارايب يف أنه أخذ تتجلى أصالة ا ،وهنا .سدفالنفس عند الفارايب صورة اجل. 2")أرسطو(

ومن جهة أخرى وظفه ألهداف يراها ختدم بالتعريف كحقيقة علمية وفلسفية من جهة،هدف الفارايب من وراء هذا املوقف أن "إذ يرجع كثري من الباحثني أن ،نسقه الفلسفي

أي ال يسبقه كمال أدىن منه يف عامل الطبيعة، مؤكدا يف ذات الوقت ) كمال أول(النفسلكائن احلي، وأا ال تتعدد، وال تفرتق، وال جيوز أن تكون موجودة قبل وجود وحدة ا

. 3"اجلسد وأن النفس هي كمال اجلسد، وأما هي فكماهلا العقلنستنتج من أهداف الفارايب يف تعريفه للنفس بأا كمال أول جلسم طبيعي، يف أنه

باعتبارنفي للوجود املسبق للنفس على اجلسد، وهذه إشارة لنقد ما ورد عند أفالطون، رأى بأن النفس حلت يف اجلسد، بعدما كانت تعيش يف حياة املثل، ،أن هذا األخري

س وكماهلا، فهي ليست متجزأة أو منقسمة، بل هي إضافة إىل ذلك يؤكد وحدة النفأي ،وحدة ال تتجزأ تكمل اجلسد، أي مبفهوم أرسطو حيقق الفارايب ثنائية املادة والصورة

.65 ص، السابقاملرجع ، ماجد فخري 1 ص، 1980، 1ط، دار األندلس للطباعة والنشر، الكندي والفارايب، فيلسوفان رائدان، ل ياسنيآجعفر 2

109. 109 صنفسه، املرجع 3



15

ا ال يقبل فاملادة والصورة متالزمتان تالزم ،أن اجلسد ميثل املادة والنفس متثل الصورةرضه الفارايب من نظام العالقة بني فالنفس إذن وحدة ووحدا تتحقق مبا يف" ،االنفصال

فتصبح هذه القوى مرتبة حبيث تكون الواحدة األعلى واألدىن يف كل مراحل فلسفته،منهما صورة ملا دوا ومادة ملا فوقها حىت تصل إىل الناطقة اليت هي صورة لكل صورة

.1"تقدمتهاجتدر اإلشارة إىل أنه إذا كان كمال اجلسد هو النفس، فإن كمال النفس يف ،وهنا

بعبارة أخرى كمال اإلنسان هو النفس الناطقة أو النفس نظر الفارايب هو العقل، أوالتقسيم الذي سبق وإن قسمه هذا .الشهوانية والنفس الغضيبةالعاقلة يف مقابل النفس

ة حتقق نوعا من الكمال، بل تعترب هاتني القوتني أرسطو فال الشهوانية، وال الغضبيا من خالل أما تؤديان وظيفة جسدية، ويبدو ذلك جلي ،مبعىن .مرتبطتني باجلسد أكثر

فالنفس هي كمال اجلسد وأما هي فكماهلا العقل " )جسدا ونفسا بالعقل( ربط اإلنسانوأما العقل الذي يذكره " :العقلويقول الفارايب يف رسالته يف . 2"واإلنسان هو العقلفإنه إمنا يعين به قوة النفس اليت ا حيصل لإلنسان اليقني "الربهان"أرسطو يف كتاب

باملقدمات الكلية الصادقة الضرورية ال عن قياس أصال وال عن فكر بل بالفطرة والطبع أو جزء ما من صباه أو من حيث ال يشعر من أين حصلت وكيف حصلت فإن هذه القوة

من النفس حيصل هلا املعرفة األوىل ال بفكر وال بتأمل أصال واليقني باملقدمات اليت صفتها وأما العقل الذي (...) الصفة اليت ذكرناها وتلك املقدمات هي مبادئ العلوم النظرية

فإنه يريد به جزء النفس الذي ) ألرسطو( يذكره يف املقالة السادسة من كتاب األخالقمما هو يف جنس جنس من األمور وطول جتربة شيء شيء اعتياديه باملواظبة على حيصل ف

شيء مما هو يف جنس جنس من األمور على طول الزمان اليقني بقضايا ومقدمات يف . 3"األمور اإلرادية اليت من شأا أن تأثر أو جتتنب فإن ذلك اجلزء من النفس مساه العقل

109 ص، املرجع السابق 1 .109 ص، املرجع السابق، ياسني آلجعفر 2 .8، 9 ص، ص 1983، 2ط، بريوت، دار املشرق، رسالة يف العقل، أبو نصر الفارايب 3




16

ايب وفلسفته جيب علينا أن نطلع على بعض آراء املفكرين ومبا أننا نتكلم عن مذهب الفار .والعلماء الذين عاجلوا أفكار وفلسفة الفارايب

يف أساس مذهب الفارايب جند أرسطو وأفلوطني فإذا " :قال الدكتور إبراهيم مذكور قبس عن أفلوطني فقد" الروح احملض"كان املفكر العريب قد أخذ عن أرسطو فكرة اآلهلة

وإذا كانت نظرة العقول العشرة مستمدة متناهي واملتسامي فوق الكائنات،فكرة اإلله الالفإا مستمدة بالوقت نفسه من مبادئ الفيض ألفلوطني، وإذا من نظام أرسطو الفلكي،

قال مع أرسطو بأن النفس صورة اجلسد، فقد جزم مع مدرسة اإلسكندرية بأا جوهر السعادة التامة عند الفارايب جند أصوهلا يف كتاب األخالق وإذا كانت روحاين مفارق،

واجنذااخنطاف النفس ابتساعيات أفلوطني وفكرة انفصامفإا ترتبط حىت ال ألرسطو،وإظهارا للطابع الروحاين املثايل عند الفارايب يضيف الدكتور إبراهيم . 1"إىل املأل األعلى

روح األرواح، وعقوله املفارقة كائنات هلهإ: مكانيرى الفارايب الروح يف كل " :مذكورروحية حمضة، ورئيس مدينته أو نبيه هو إنسان تسيطر فيه الروح على اجلسد، والروح هو الذي يسري العامل السماوي وينظم عامل من حتت القمر، وهذه الروحانية هي من ناحية

فارايب معقول املعقوالت أخرى تعظيم للعقل وحنني للفكر، فالكائن األول هو عند الهلذا املعقول ومظهر من مظاهر امتدادا وليست الكائنات األخرى سوى وفكرة الفكر،

هذا الفكر، وحنن ال نصعد إىل العامل الروحاين وال حنصل على السعادة إال بالفكر والعلم . 2"والتأملفإذا حدث اإلنسان فأول ما " :يقول "آراء أهل املدينة الفاضلة" والفارايب يف كتابه

حيدث فيه القوة اليت ا يتغذى، وهي القوة الغاذية، مث من بعد ذلك القوة اليت ا حيس وحيدث مع احلواس ا نزوع إىل ما حيسه، (...) امللموس، مثل احلرارة والربودة، وسائرها

مث من (...) بعضمث القوة التخيلة تركب احملسوسات بعضها إىل (...) فيشتاقه أو يكرهه

، منشورات دار ومكتبة اهلالل، يف سبيل موسوعة فلسفية، مصطفى غالب. 220ص ، مكانة الفارايب :نقال 1 .31 ص، 1979 ،بدون طبعةبريوت،

.31ص ، مصطفى غالب . 220 صاملرجع نفسه، :نقال 2



17

بعد ذلك حيدث فيها القوة الناطقة اليت ا ميكن أن يعقل املعقوالت وا مييز بني اجلميل . 1"ويقرتن ا أيضا نزوع حنوما يعقله (...) والقبيح القوة الغاذية، :أن النفس عند الفارايب هلا قوى متعددة فمنها ،إذن نستنتج مما تقدم

كما يرى الفارايب بأن .وأخريا القوة النزوعية والقوة الناطقة، القوة املتخيلة،و والقوة احلاسة، .رغم تعدد قوى النفس فالنفس واحدة ومجيع هذه القوى رغم اختالفها فغرضها واحد

أي العامل اإلهلي أو أحدمها من عامل األمر، واإلنسان عند الفارايب يتكون من عنصرين،الثمرة "ـ ويقول الفارايب يف كتابه املسمى ب .فهو من عامل احلساملثايل والعنصر الثاين

أحدمها مشكل مصور مكيف مقدر متحرك وساكن :أنت مركب من جوهرين" ":املرضيةوالثاين مباين لألول يف هذه الصفات غري مشارك له يف حقيقة متجسد منقسم،

ألنه ومن عامل األمر، فقد مجعت من عامل اخللق.ويعرض عنه الوهم يناله العقل،.الذاتإن الروح " :خرآكما يقول يف نص . 2"وبدنك من خلق ربك روحك من أمر ربك،

فلذلك .وال يتعني بإشارة وال يرتدد بني سكون وحركة ،األمرالذي لك من جوهر عامل وتنتقش من وتسبح عامل امللكوت، ت،آنتظر الذي هو وامل تدرك املعدوم الذي فات،

. 3"خامت اجلربوت .عامل احلس وعامل العقل ومن هذين النصني يتضح لنا أن الفارايب فرق بني عاملني،

وإمنا تشمل مجيع الكائنات احلية، والنفس عند الفارايب ال تقتصر على اإلنسان فقط، .بل وللكواكب أيضا نفوسا والنفس اإلنسانية، والنفس احليوانية، فهناك النفس النباتية،

بيهة بالنفس الناطقة عند شوهي وأشرف من النفوس السابقة،وهذه األنفس أكمل .اإلنسان

، بريوت، دار املشرق، البري نصري نادر: قدم له وعلق عليه، راء أهل املدينة الفاضلةآكتاب ، أبو نصر الفارايب 1

.87 ص، 1985، 5طمكتبة ، يف النفس والعقل لفالسفة اإلغريق واإلسالم، محود قاسم. 64، 63 ص، عن الثمرة املرضية :نقال 2

.74 ص، 1962، 3ط، جنلو املصريةاأل .74 ص املرجع نفسه،. 43، 63 ص، عن الثمرة املرضية :نقال 3




18

ل ياسني تنبيها ذا الشأن إىل املوقف املتباينة هلذا املوضوع،آويقدم الدكتور جعفر راء أهل املدينة الفاضلة يتعلق بالنفس كان أرسطيا تارة آحيث أن الفارايب يف كتابه "

يفرق بني الداللتني اللتني يستعملهما، ا وأحيانى، تارة أخر وصوفيا وأفالطونيا أخرى،هذا التشابك والتداخل يف مفهومي النفس ولعل . 1"فالروح عنده شيء غري النفس

وهنا إشارة إىل منهج يرجع أوال وقبل كل شيء إىل املنهج املتبع، ،واجلسد عند الفارايبمتالزمتان واقعيا ومنفصلتان ذهنيا فقط مما ترك فهما ويف ثنائية املادة والصورة، وأرسط

سفة الفارايب وخبصوص هذه الثنائية لحتديد هذه الثنائية على مستوى ف غموضا كبريا يفطن عديدة من مأثوراته موا" ففي تتجلى إزدواجية املعاجلة املنهجية يف مؤلفات الفارايب،

منطلقا من (فيعترب البدن سجنا للنفس اغوريا مصبوغا بروح أفالطونية،ثفي يذهب مذهبا ويف مواطن )...القاعدة اليونانية اليت نظرت إىل املادة وكأا عنصر النقص وموطن اخلطايا

أخرى يؤكد عدم جواز وجود النفس قبل وجود البدن رافضا موقف أفلوطني ذا . 2"اخلصوص

جنده يطعن " حي بن يقضان" كما أن فيلسوف املغرب ابن طفيل يف مقدمة كتابه بقاء النفوس الشريرة بعد املوت "حيث يشري فيه إىل أن أبا نصر يرى أن ،موقف الفارايب

وأا منحلة وسائرة إىل العدم، وأنه ال بقاء إال للنفوس الفاضلة ... يف آالم ال اية هلاعدة إىل بقاء ويف هذا اإلطار جند الفارايب قد أشار بقول صريح يف مواطن . 3"الكاملة

الفارايب حيث "وهذا مؤشر كاف لتقرير أن ، (....)بعد املوت واتصاهلاالنفس ومفارقتها أما فيما خيص . 4"منه أقوال مبهمة مل تكن مبهمة له بل هي غامضة بالنسبة إلينا نزت

األرسطي عكس ما رآه ابن الوظيفة املعرفية للنفس، فنجد أن الفارايب يظل حبيس التفكريفالفارايب يرى أن اإلدراكات احلسية من اآلالت الكلية اردة، .من بعده ديكارتو سينا

.112 ص، املرجع السابق، جعفرال ياسني 1 .111 صاملرجع نفسه، 2 .13 صاملرجع نفسه، 3 .112 ص، املرجع السابق، ل ياسنيآ جعفر 4



19

ويفسر نظرية الوجود عن طريق نظرية الفيض األفالطونية، أي ال يوظف النفس كماهية لإلنسان أو كذات مقابلة موضوع، خالفا هلذا جنده عنده ابن سينا من خالل مفهوم

وتبقى مسألة خلود . رب مفهوم الذات من خالل الكوجيتواإلنية، بينما عند ديكارت عالنفس اليت يكتنفها أيضا نوع من الغموض، فالفارايب يرى أا ال توجد قبل اجلسد كما قال أفالطون، كما أا ال تنتقل من جسد إىل آخر كما قال أصحاب مذهب التناسخ

يتضح لنا أن ،ناء اجلسد، ومن هناومبا أا ذات طبيعة معقولة غري مادية فهي باقية بعد فومن هنا يتضح لنا أن الفارايب يقول طبيعة معقولة غري مادية فهي باقية بعد فناء اجلسد،وجدل كبريين عند مفكري اختالفخبلود النفس، ولقد كانت هذه املشكلة موضع

. 1ومنهم من أثبتها فمنهم من قال بإنكار الفارايب خللود النفس، ،اإلسالم ،ما ومن هنا يتضح لنا أن رأي الفارايب يف خلود النفس كان مضطربا إىل حد

النفس اإلنسانية، وإن " :والفارايب يرى بأن. فأحيانا يقول خبلودها وأحيانا أخرى ينكرهألن كل نفس هلا خمصص كانت قائمة بذاا، فإا ال تنتقل عن هذا اجلسد إىل غريه،

وبتحديد بقاء النفس أو . 2"النفس غري خمصص تلك النفسجبسدها، وخمصص هذه عدمه بعد املوت تتجلى تلك العالقة بني مشكلة خلود النفس ومصريها بعد املوت ويف

أوال إىل اخلري األمسى أو السعادة الكلية، وثانيا باالستنادهذه املسألة حيدد الفارايب موقعه .إىل نظرة اإلسالم

بقول "ن غاية النفس بعد املوت هي السعادة األخروية فلقد أشار فبالنسبة إىل أ .3"وأا صائرة بأفعاهلا احلسنة إىل أقصى السعادات(....) صريح ببقاء النفس ومفارقتها

أا إذا كانت عاملة فاضلة أكسبها ذلك شعورا مستمرا بالسعادة، وإذا كانت عاملة شريرة "

ص، 1986، 2ط، اإلسكندرية، دار املعرفة اجلامعية، تاريخ الفكر الفلسفي يف اإلسالم، ريانحممد علي أبو 1

374 ،375. ، 1ط، بريوت، دار املناهل للطباعة والنشر والتوزيع، ل ياسنيآجعفر :وتعليقحتقيق وتقدمي ، التعليقات، الفارايب 2

.48 ص، 1988 .112 ص، املرجع السابق، ل ياسنيآجعفر 3




20

وهذه إشارة واضحة إىل تغليب وجهة النظر . 1"والشقاء أدى ا ذلك إىل شعور بالتعاسةاإلسالمية يف هذا الشأن فالسعادة ليست السعادة الدنيوية وإمنا السعادة األخروية، وأن

.النفس موجودة يف احلياة الدنيا من أجل بلوغ السعادة الدائمةوتنفي ائيا نظرية ،بني النفس واجلسد من جهة االنفصالهذه الفكرة تؤكد عالقة

تلك هي إذن نظرة اإلسالم، " :وهذا ما يؤكده إىل ياسني بقوله ،التناسخ من جهة أخرى . 2"وتلك هي نظرة الفارايب بالذات

ا تقدم ميكننا أن نستنتج النظرة العامة للفارايب من حيث عالقة النفس باجلسد، م ـوم ة املزدوجة، وذلك لصعوبة اجلمع بني سمت بنوع من الغموض، وباملعاجلواليت ات

. متناقضات الفكر الفلسفي قبله من جهة والتوفيق بني الدين والفلسفة من جهة أخرى

المراجعقائمة المصادر و

.1981، 3ط، بريوت، دار الثقافة، 3ج، عيون األنباء يف طبقات األطباء، ابن أيب أصيبعة .1دار ، لبري نصري نادرأ :قدم له وعلق عليه، احلكيمنيكتاب اجلمع بني رأيي ، أبو نصر الفارايب .2

.1985، 4ط، بريوت، الشرقدار املناهل للطباعة والنشر ،جعفر آل ياسني :تعليقيق وتقدمي و حتق ،التعليقات ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ، .3 .1988 ،1ط ، بيوت،التوزيعو .1983، 2ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، رسالة يف العقل، دار املشرق، بريوت، ط .4ألبري نصري نادر، دار املشرق، : ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ، كتاب آراء أهل املدينة الفاضلة، قدم وعلق عليه .5

.1985، 5طبريوت، . 1968، 2ط، مصر، دار املعارف، يف الفلسفة اإلسالمية منهج وتطبيقه، إبراهيم مذكور .6، 1جعفر آل ياسني، فيلسوفان رائدان، الكندي والفارايب، دار األندلس للطباعة والنشر، ط .7

1980. .1985 ، بريوت،منشورات املكتبة العصرية ،الفلسفة عبقرية العرب يف العلم ، خو عمر فر .8

.107، 106 ص 1979، 6، طبريوت، دار العلم للماليني، معامل االفكر العريب، كمال اليازجي 1 .113 ص، املرجع السابق، ل ياسنيآجعفر 2



21

.1979 ،بريوت ،دار مكتبة اهلالل ،سوعة فلسفيةو يف سبيل م ،مصطفى غالب .9اإلسكندرية، مصر، ،دار املعرفة اجلامعية ،تاريخ الفكر الفلسفي يف اإلسالم ،حممد علي أبو ريان .10 .1986 ،2ط

، 3حممود قاسم، يف النفس والعقل لفالسفة اإلغريق واإلسالم، مكتبة األجنلو املصرية، ط .111962.

حممد عبد اهلادي أبو: علق عليهنقله إىل العربية و ،تاريخ الفلسفة يف اإلسالم ،دي بور.ج.ت .12 .1981 ،5ط ، بريوت، دار النهضة العربية ،ريدة ،3ط ،باريس -بريوت ،منشورات عويدات ،من الكندي إىل ابن رشد ،موسى املوساوي .13

1982. - بريوت ،النشربدران للطباعة و . مؤسسة أ ،تاريخ الفلسفة العربية ،خليل اجلرحنا الفاخوري و .14

.1966 ،طبعة جديدة ،لبنان15. .1979 ،بريوت ،6ط ،دار العلم للماليني ،معامل الفكر العريب ،كمال اليازجي .16

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ...ة والوQ والنبوة مباحث االلوهي جملة أبعادجملة أبعادجملة أبعادجملة أبعاد


22

مباحث األلوهية والوحي والنبوة

ـــــــ بني املسيحية واإلسالمـــــــ

∗∗∗∗رزقي بن عومر

: تمهيــد وقفنا على هذا العمل غري منحصرين يف مرحلة زمنية معينة،

لغرض تلمس القضية والوقوف على إشكاالا الالهوتية والفلسفية كهذا يقتضي حبثا معمقا يف باألساس، ال التحقيق فيها ألن عمال

.املسألة ليس متيسرا ملثل هذه الدراسة ملاذا هذه املباحث الثالثة؟

ارتأينا أن نقف على هذه األصول ألا من جهة تشكل أصول العقائد يف اإلسالم حبيث ال يعترب مسلما من أنكر واحدة من هذه األصول باإلضافة إىل

، ومن جهة أخرى هذه املباحث تشكل يف املسيحية ..كاملعادأصول أخرى ا من مل ، وال يكون مسيحي )األب واالبن وروح القدس(موضوع األقانيم الثالثة

يؤمن ذه األصول وفق ما يقرره قانون اإلميان املسيحي باإلضافة إىل أصول أخرى على طبيعة ومن شأن الوقوف على هذه املباحث أن يكشف. كاخلالص والفداء

النقاش العقائدي بني اإلسالم واملسيحية، وطبيعة الصراع القائم بينهما وهل هذا

.بقسم الفلسفة، جامعة وهرانحماضر أستاذ ∗




23

الصراع واخلالف ميكن فكه عقليا بعد أن استحال نصيا، هذا إذا غضضنا الطرف عن الرتاكم التارخيي والعاطفي الذي تشكل حول نص كل ديانة وفكرها العقائدي،

.على رؤية موحدة حول هذه املفردات العقائديةالذي من شأنه أن مينع اللقاء ا الغرض من الدراسة هو حتليل هذه املفردات والكشف عنها ال حل طبع

الصراع عليها بني الديانتني ومعرفة أي الرؤيتني الصائبة ودليل ذلك، فإن هذا – حبث هذه املفاهيم الثالثة لالزملذلك رأينا من ا. املسار غري مقصود حبثنا هنا

فقط ضمن املرجع األصلي لكل ديانة وهو كتاا املقدس، -املذكورة يف العنوانومها هنا القرآن الكرمي بالنسبة لديانة اإلسالم والنجيل بالنسبة للمسيحية مستعينني نسبيا ببعض اآلراء الالهوتية والكالمية والفلسفية املوافقة ملنطوق

، )العهد اجلديد(سواء آيات القرآن الكرمي، أو آيات اإلجنيل : نصوص الديانتنيباعتباره مرجع املسيحية واملشكل األساسي لقانون اإلميان املسيحي، ويف هذا السياق سنكون مضطرين إىل إدراج بعض البحوث التارخيية ألن العقيدة املسيحية

ى حقبات وكان مل تتشكل دفعة واحدة كما كان عليه اإلسالم، بل تغريت علالتغيري ميس جوهر العقيدة ال التصورات عنها، كما عهدناه عند املسلمني من

.خالل الفرق الكالمية :ملحوظة مهمة -

دراسة مبحث األلوهية والنبوة والوحي، سوف لن يكون بنحو من التفصيل هذه، والتعمق ألن هذا يقتضي إفاضة وهو املتعذر هنا وغري مرادنا من الدراسة

وهو مطلب عزيز ال ننكره، إذ للمدارس الكالمية والالهوتية ما تقول وبينها من اخلالف ما يستوقف الباحث، وخاصة هذه القضايا الثالثة، فمثال قضية اإلحتاد بني الناسوت والالهوت وقد درسنا بعضا من هذا يف مقالة سابقة، عندما تناولنا

ثليث املسيحي، لدى كل من الفرق املسيحية نقد القاضي عبد اجلبار املعتزيل للت



24

، وكذلك األمر بالنسبة لإلسالم فإن الفرق )النساطرة واليعاقبة وامللكانيني(الشرقية الكالمية، بينها من اخلالف ما ال ميكن إنكاره ويصل إىل حد التكفري فيما بينها،

رة وما اجنر عنه مثال قضية الذات والصفات والصراع الذي كان بني املعتزلة واألشاعمن التهمة بالشرك يف حق األشاعرة ومة التعطيل واإلحلاد يف حق املعتزلة، وما يقال عن األلوهية يقال عن النبوة وما تقتضيه من عصمة ووحي وهل العصمة دائمة أم قد تتخلف وما هو جماهلا وكذا من تفريعات وما حلقها من أحكام تقضى

ري أننا ال نعين بوجود االختالف بني كل هذه غ. يف حق كل خمالف ألي فريقاملدارس الكالمية فيما بينها والالهوتية فيما بينها، أو حىت بني املسيحية واإلسالم

.أنه ال اشرتاك بينها على األقل يف ساحة كل ديانة :األصول الثالثة في المسيحية .1

يقابل مباحث األلوهية والنبوة والوحي يف املسيحية، األقانيم الثالثة وهي واألقنوم مجع أقانيم، هي «اإلسالم، تباين ديانة اليهود و جوهر الديانة املسيحية ا

كلمة يونانية، تعين األصل أو املبدأ، وكان فالسفة اإلغريق يرجعون وجود العامل فلسفة اإلغريقية يف تفلسف النصرانية بعقيدة إىل أصول ثالثة، وقد أثرت هذه ال

التثليث، إذ أولوا نصوص العقيدة النصرانية على منط الفلسفة اليونانية يف األقانيم .1»الثالثة عندهم وهي الوجود والعلم واحلياة

. يعترب اإلجنيل مرجع العقائد املسيحية لنقل مصدر قانون اإلميان املسيحي ب الذي أنزل على السيد املسيح، ولفظة إجنيل تعين فكرة دينية واإلجنيل هو الكتا

وعقيدة معنوية، موضوعها التبشري بالسعادة احلقيقية، وهذه السعادة احلقيقية مع العلم أن اإلجنيل . موجودة يف ملكوت اهللا الذي سيتقرر تأسيسه يف املستقبل

السالم سطرا واحدا، مل يكتب منه املسيح عليه) ع(الذي أنزل على السيد املسيح

.29 ، ص1995، 1حممد عزت الطهطوي، النصرانية يف امليزان، دار القلم، دمشق، ط 1




25

حبيث مل خيلف بعده نصا بيده أو بإمالئه املباشر سواء فيما خيتص مبلكوت اهللا أو كالمه الذي خاطب به بين إسرائيل،ألن املسيح مل يكن مكلفا بتأسيس دين جديد، وهلذا السبب فإنه مل يكن جلماعة النصارى من كتاب ملهم رمسي غري

ية وهي التوراة وأسفار األنبياء، وذلك انتظارا لكالم كتب اليهود املقدسة العربانأنه سيأيت بعده، ولذا كان كتابه اإلجنيل ) ع(ملكوت اهللا الذي بشر به املسيح

، مىت ومرقس ولوقا ويوحنا: أقدم الكتب عن املسيحية هي أربعةأي البشارة و هم التالميذ بعد طول عهد من فقدان ملهمنقلها هؤالء وهي عظات املسيح

السيد املسيح، فهذه العظات بلغها السيد املسيح مشافهة وبلغ مضموا احلواريون مشافهة كذلك دون أن يكتبوا من ذلك شيئا، فالعامل املسيحي حىت اإلثنا عشرة

اية الربع األول من القرن الرابع امليالدي، ظل بغري كتاب مسيحي مقدس معتمد ، بل كان هناك شتات من م325سنة نيقيةوذلك حىت انعقاد امع املسكوين يف

الكتب والرسائل، وهناك يف نيقية بعد طرد املوحدين مت انتخاب الكتب األربعة باسم اإلجنيل وأضيفت إليها الرسائل املعتمدة حاليا وضموها إىل الكتب األربعة

.األخرى مؤلفة منيسمى اإلجنيل كذلك باسم آخر وهو العهد اجلديد، وهو جمموعة

وأطلق عليها اسم العهد اجلديد، وضعت يف سفرا وضعت كلها باليونانية 27لقد سيطرت على املسيحيني األوائل فكرة تناقلتها «الثاين للميالد، أواخر القرن

األلسن شفاها، تعلن انتهاء هذا العامل سريعا، وعودة املسيح ثانية إىل األرض ذا املعتقد أن توقف التفكري يف تأليف كتابات ليدين الناس، وكان من بني نتائج ه

مسيحية تسجل أخبار املسيح وتعاليمه فتأخر لذلك تأليف األناجيل، إذ مل يشرع سيح إال وهو إجنيل مرقس الذي مل يكن فقط من تالمذة امل. يف تأليف أقدمها



26

وكان هذا التأخر يف كتابة اإلجنيل يعزى إىل ،1»بعد بضع عشرات من السننيمن وصية كان يرددها السيد املسيح على حسب ما تنقل اإلجنيل نفسها إذ سبب

ال متضوا إىل طريق األمم« عشر الذين أرسلهم يبلغون عنه يقول حلوارييه اإلثينال تدخلوا، بل اذهبوا باحلري إىل خراف بيت إسرائيل وإىل مدينة السامريني

مىت( »حىت يأيت ابن اإلنسان ال تكملون مدن إسرائيل: احلق أقول لكم... الضالة10 :5 – 23(.

:بولس الرسول والعقيدة المسيحية . أملسيحي تعترب شخصية بولس من الشخصيات اهلامة يف الرتاث الديين العقدي ا

أن املسيحية مل يؤسسها شخص واحد، و إمنا « حبيث يذهب مايكل هارت إىلبل يعد بولس الرسول هو واضع تعاليم املسيح، مع 2»أقامها إثنان املسيح وبولس

وتالمذته العلم أنه كان الشخصية األبرز من حيث العداء للمسيحية وللمسيح كان بولس أكثر وجوه املسيحية موضعا للنقاش وإذا كان «، "شاؤول"وكان امسه

بقوا قد اعترب خائنا لفكر املسيح، كما وصفه بذلك أسرة املسيح واحلواريون الذين ، فذلك ألنه كون املسيحية على حساب هؤالء الذين ∗∗∗∗بالقدس حول يعقوب

.3»مجعهم املسيح حوله لنشر تعاليمهما جاء به يتفق العلماء عموما على أن بولس دعا إىل تعاليم ختالف متاما

.ال تظنوا أين جئت أنقض الناموس أو األنبياء«: السيد املسيح يقول

.77، ص 1987، 1مكتبة وهبة، ط أمحد عبد الوهاب، اختالفات يف تراجم الكتب املقدس، 1 . 100نقال عن، أمحد عبد الوهاب، اختالف يف تراجم الكتاب املقدس، ص 2 شخصية يعقوب ترد يف الكتاب املقدس للنصارى وهو قريب املسيح رئيس اجلماعة املسيحية يف البداية مث خلفه ∗

.بطرس مث يوحنا .100املصدر نفسه، ص 3




27

كم إىل أن تزول السماء واألرض، ال يزول حرف واحد أو نقطةفإين احلق أقول ل )19 – 17: 5: مىت( »واحدة من الناموس حىت يكون الكل

ن لكن بولس نقض هذه الوصايا وعلم الناس إبطال الناموس، فحق عليه أ مجيع الذين هم من أعمال الناموس هم حتت «يبقى أصغر يف ملكوت السماوات

»تربرون بالناموس سقطتم من النعمةتبطلتم عن املسيح أيها الذين تقد . لعنةوهذا النوع من التغيري يف تعاليم اإلجنيل هو من أجل بث .)4: 5/ 10: 3غالطية (

عقيدة جديدة يف اإلميان واليت سيتم إقرارها يف جممع نيقية، وهي فكرة اخلالص وكفاية اإلميان عن العمل، وبالتايل التحلل من الشريعة، فاملسيح يف األناجيل دعو

كل من يأيت «: موعظتهال يكفي، ويف هذا تقول إىل العمل وبني أن اإلميان وحده يشبه أنسانا بىن بيتا وحفر وعمق ووضع األساس ... إيل ويسمع كالمي ويعمل به

على الصخر، فلما حدث سيل صدم النهر ذلك البيت فلم يزعزعه ألنه كان .مؤسسا على الصخر

وأما الذي يسمع وال يعمل فيشبه إنسانا بىن بيته على األرض من دون 47: 6 :لوقا( »ر فسقط حاال، وكان خراب ذلك البيت عظيماأساس فصدمه النه

– 49(. ما املنفعة يا إخويت إن قال «: أحد حواريي املسيح يف رسالتهيقول يعقوب

أحد أن له إميانا ولكن ليس له أعمال هل يقدر اإلميان أن خيلصه؟ . هكذا اإلميان أيضا، إن مل يكن له أعمال ميت يف ذاته

.والشياطني يؤمنون ويقشعرون. حسنا تفعل. تؤمن أن اهللا واحدأنت »ولكن هل تريد أن تعلم أيها اإلنسان الباطل أن اإلميان بدون أعمال ميت

.)24 – 14: 2 يعقوب(



28

بينما بولس خالف هذه التعاليم ودعا إىل فصل اإلميان عن العمل وأن العمل نعلم أن اإلنسان ال يتربر بأعمال «: ي رسالته إىل أهل غالطية يقولعبث، فف

بإميان الناموس، بل بإميان يسوع املسيح، آمنا حنن أيضا بيسوع املسيح أن يتربر .)16: 2 غالطية( »يسوع ال بأعمال الناموس

هذه األمور اليت استحدثها بولس تساعدنا على فهم االحنراف الذي وقع يف العقيدة املسيحية وكان املباشر هلذه العملية بولس نفسه، ووافق هذا األمر أن جاءت سلطة رومانية ترسم هذه املعتقدات على حساب املعتقدات احلقة اليت بثتها األناجيل ورسائل الرسل الشرعيني بعد املسيح كما تشري إىل ذلك الدراسات

.اليت حققت يف الرتاث املسيحيرسى املبادئ األخالقية للمسيحية وكذلك نظرا الروحية وما يتعلق فاملسيح قد أ«

لذلك يعد شريكا .1»مبادئ الالهوت فهي من صنع بولس بالسلوك اإلنساين أماللمسيح يف بناء الفكر الديين املسيحي، بل إن بولس هو الذي جعل املسيح إهلا

من أفكار ووضع بذرة احلديث عن الهوت وناسوت املسيح، وما شاكل ذلكهللينية املمزوجة بأساطري اإلغريق والديانات السرية وذلك يف رسائله اليت كتبت

:بأكثر من عشرين عاما إذ قال بولسوذاعت قبل كتابة أقدم األناجيل .)9:5رومية ( »الكائن على الكل إهلا مباركا إىل األبد... املسيح" .)9: 2كولوسي ( »فيه حيل كل ملء الالهوت جسديا« .2»كثريا ما تعارض األناجيل) البولسية(إن الرسائل « :يقول تشارلز دود

.100أمحد عبد الوهاب، اختالفات يف تراجم الكتاب املقدس، ص 1 .92أمحد عبد الوهاب، اختالف يف تراجم الكتاب املقدس، ص 2




29

:مجمع نيقية وإقرار العقائد . بللميالد انعقد جممع األساقفة املسيحيني لكي جيمعوا أمر أتباع 325سنة يف

املسيحية على رأي موحد حول املسيح والدين املسيحي بعد أن تشعبت اآلراء طور تناقضت بني توحيد وتثليث، وكان هذا األمر يف عهد اإلمرباوالتصورات بل

أسقفا، فيهم ثلثان 2048 حضر هذا امع الروماين قسطنطني أغوسطينيوسموحدون يتزعمهم أسقف نيقوميديا أو اإلسكندرية آريوس وثلث من األساقفة

يتزعمهم يعتقدون التثليث و يرون أن املسيح إله تام متحد اجلوهر مع اهللا، آثاناسيوس من نصارى اإلسكندرية، انتهى األمر إىل إقرار التثليث من ذلك الوقت وأعلن قانون اإلميان املسيحي املعتمد حاليا يف الكنائس املسيحية كلها، رجحت كفة التثليث ألن اإلمرباطور تبىن رأي مواطنه بابا روما الذي مال مع

.آثاناسيوسوقتل بعضهم وعلى رأسهم . داأسقفا موح 700 من طرد من املؤمتر أكثر سيخرجونكم من اامع، "املسيح الواردة يف إجنيل يوحنا وحتققت نبوءة . آريوس

وسيعملون هذا بكم . بل تأيت ساعة فيها يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة هللا . )3 – 2: 16يوحنا ( "ألم ال يعرفوا األب وال يعرفوين

أسقفا ممن يؤيدون ألوهية املسيح ووقعوا على 328 طني جممعا منبعدها كون قسطن .وثيقة عقيدة نيقية واملسماة قانون اإلميان املسيحي

على أن املسيحية املتأخرة وبعد التحقيقات يف النصوص والرتاث الديين املسيحي بدأت خترج منها بعض األصوات املعرتفة بتغري مسارا لعقيدة املسيحية،

–لقد بدأت عقيدة التوحيد "ورد م1959لسنة عارف األمريكيةال يف دائرة املفمثويف حقيقة األمر فإا تسبق . بداية مبكرة جدا يف التاريخ –كحركة الهوتية

إن الطريق الذي سار من أورشليم ... عقيدة التثليث بالكثري من عشرات السنني



30

عام حيث عقد امع املسكوين األول(إىل نيقية )جممع تالميذ املسيح األوائل(من النادر القول بأنه كان طريقا ) حملاولة االتفاق على عقيدة مسيحية واحدةم 325

مل تعكس بدقة . مستقيما إن عقيدة التثليث اليت أقرت يف القرن الرابع امليالدي، التعليم املسيحي األول، فيما يتعلق بطبيعة اهللا، لقد كانت على العكس من ذلك

... وهلذا فإا تطورت ضد التوحيد اخلالص. احنرافا عن هذا التعليمإن التوحيد هو القاعدة األوىل من قواعد العقيدة، أما التثليث فإنه احنراف

عن هذه القاعدة لذلك جند من الصواب أن نتكلم عن التثليث باعتباره حركة خري حركة دينية جاءت متأخرة ظهرت ضد التوحيد، بدال من اعتبار هذا األ

.لتقاوم التثليثالذي كان أول ) م200( إن أغلب املسيحيني مل يقبلوا التثليث، وجند ترتليان

أن « :من أدخل تعبري التثليث يف التفكري املسيحي، مسؤوال عن الفقرة اليت تقولهذه تصرحيات 1»ظرون إىل املسيح باعتباره إنسانايف أيامه كان غالبية الشعب ين

رمسية تكشف عن تارخيية العقيدة املسيحية احلالية اليت شرعت مبرسوم واتفاق مما ، ذلك أن دافعها مصلحة اجتماعية سياسية االعتقادجيعلها ال ترقى إىل مستوى

من اجلدير التنبيه له . رفية نبوية أو عقليةال مبدأ وجوديا يكشف عنه بأدوات معحي حيدد داللة املفاهيم املطروحة للبحث بشكل خيتلف أن قانون اإلميان املسي

.عنه إذا تعاملنا معها وفق التوحيد املسيحي املعتمد لدى املسيحية األوىل :األلوهية �

خيضع تصور األلوهية يف الديانة املسيحية إىل اضطراب يرتك الفراغ لتأويل وذا اإلقرار ال خترج املسيحية عن –املعىن على وجه االحتمال، نعم هو واحد

غري أن التوحيد هو بنحو عددي –ديانات التوحيد الكربى كاليهودية واإلسالم

.104نقال عن أمحد عبد الوهاب، املصدر السابق، ص 1




31

يفتح جمال امام الرتكيب، فهو واحد وثالثة يف الوقت نفسه، هذا بالنسبة اليت لعقيدة اليت كان عليها آريوس فهيللمسيحية اليت أقرها جممع نيقيا، أما ا

وحيد احلقيقي الذي جيعل من اإلله واحدا أحدا، هو األزيل وحده، وان أقرت بالتعدم كان آريوس االبن ليس أزليا، ولكنه خلق من خلق اهللا أوجده اهللا من ال

اهللا، الواحد األحد، القائم وحده، هو الوحيد الذي مل يولد، « :ومجاعته يقولونس له معادل أو مكافئ نه، وليليس له بداية أو اية ال ميكن إدراكه أو التعبري ع

يف الصيغة إقرار بالوحدانية املطلقة اليت ال تقيدها ماهية ما، .1»على اإلطالقوهي املعرب عنها يف الفلسفة بالوحدة احلقيقة أو الوحدة غري العددية؛ الواحد الذي ال يقبل الثاين يف حني ا،العقيدة املسيحية مع جممع نيقية أو تعاليم بولس تشذ عن

دائما : هذا املسار، فالصيغة اليت أقرها جممع نيقية واليت فرضها إلسكندر تقولإله، دائما إبن ويف نفس الوقت أب، ويف نفس الوقت ابن، االبن أزيل غري خملوق، قد يقبل من هذه الصيغة أزلية املسيح وكونه غري خملوق ألن هذا ال يتعارض مع

زمين وال عالقة له بالذات اإلهلية كذات مبعىن التوحيد احلق وألن األزلية هي اعتبارال خيل باإلطالق الثابت لإلله، لكن أن يكون لإلله مرتبتني خمختلفتني بشخصني

.وحدة احلقة احلقيقية، الثابتة لهخمتلفني ومها واحد هذا ما يتعارض مع ال :أبوة اإلله في المسيحية �

تفهم بنحو اخلالق وهنا يصبح اإلله األبوة يف املسيحية تؤخذ بنحوين، فإما أبا للكل وال خصوصية للمسيح يف ذلك وبالتايل كل الناس أبناؤه أو على األقل

فظ األب مثال ال ينفرد السيد املسيح بالبنوة له، فقد ورد يف التوراة وصف اهللا بلطني وأنت عاملنا و كلنا عمل اآلن يا رب أنت أبونا حنن الو «يف سفر أشعيا ورد

فأبوة اإلله هي مبعىن الصنع أي اخللق، فكذلك األب يف ) 8: 64 أشعيا( »ديكي

.106أمحد عبد الوهاب، املصدر السابق، ص 1



32

واملعىن . السريانية يعين اهللا وهي اللغة اآلرامية اليت كان يتكلم ا السيد املسيحاللغوي الدقيق للفظ آب هو إعطاء الشيء أي إجياده لكن الكنيسة يف مفهومها

إبنا وحيدا فاستعاضت عنه لفظ الوالد عن املسيح فسرت لفظ اآلب مبعىن أن له ،الذي كان يعين ) ع(بدل األب وفق التداول اللغوي يف اللغة اآلرامية، لغة املسيح

خالق الكائنات أو مكون املوجودات، وفرق بني اإلجياد والوالدة، ألن الوالدة ق والحق يراعى فيها التجانس يف املرتبة بني الوالد واملولود حىت وإن كان هناك ساب

تضايفني بالرتبة واجد وموجود، علة ومعلول، بينما اإلجياد فيه متايز يف طرفيه امل .)31 – 30: 13مرقس ( »د وليس آخر سواهالرب إهلنا إله واح«

يف مسيحية قانون اإلميان املسيحي اهللا واحد يف اجلوهر له ثالث أقانيم هو يقول القديس غريغوريوس ) احلياة(القدسوالروح )العلم(واإلبن ) الوجود(اآلب

ذا نظرنا إىل الذات اإلهلية مبعىن األبوة والوجود كان اقنوم اآلب هو «: الثيولوغوسالذات اإلهلية مبعىن العقل النطق كان أقنوم االبن هو اإلله، اإلله، وإذا نظرنا إىل

قدس هو اإلله، فكل وإذا نظرنا إىل الذات اإلهلية مبعىن احلياة كان أقنوم الروح الواحد من اخلواص الثالثة أعين األقانيم الثالثة هو اهللا وال يلزمنا القول بثالثة آهلة

إذن فالتعامل مع اإلله يف إطار فلسفة األقانيم الثالثة . 1»إذا كانت الذات واحدةال مييز الذات اإلهلية عن مرتبة اخللق، ومينعها من أهم صفة كمال وهي الفردانية والقهارية حبيث يقتسم املرتبة مع ذوات أخرى، وأي معىن ميكن حتميله لألبوة سواء الروحانية وهو املعىن الذي ختتاره الكنيسة حىت تضفي طابعا روحانيا للعالقة بني املسيح واهللا أو مبعىن الوالدة املادية فهي سواء، ألن املشكلة تكمن يف تنزيه ذات

.ه وحدة مطلقة، ال عدديةاإلله يف الوحدة بأن تكون ل

. د( جورج بولس ،التوحيد والتثليث، درس ألقي يف كنيسة السيدة العذراء والقديس مارجرجس، مدينة الشروق 1

).ت.ط ود




33

أن اهللا «: رر األلوهية على النحو التايليق 1929سنة فمثال قرار الفاتيكان هو األقنوم األول يف الالهوت، يف رتبة الوظيفة والعمل، وأنه بكيفية ال ) اآلب(

تدرك، وهو األب لالبن الوحيد بالوالدة األزلية، وأن منه ومن األب ينبثق الروح املبدع ، وأنه يف وحدة وشراكة متبادلتني مع االبن والروح القدس، وأنهالقدس

، ال حل للمشكلة وبالتايل يظل اإلله بالطرح الالهويت 1»األصلي يف اخللق والفداءالرمسي للمسيحية، يف حاجة لشراكة لكي يظهر بكماله الكلي فهو ال خيلو من

طلق، فال يكفي األزلية والصنع يف الرتكيب وذلك ما يتعارض مع الغىن والتعايل املالتعبري عن الكمال املطلق ما مل يتميز يف احلقيقة عن كل ما سواه فإما أن تكون األقانيم هي هو أو ال هو واألول يبطل كينونتها بالنظر إىل الوحدانية والثانية جتعل

كة له لإلله من األقانيم غري والغري إذا ما لوحظ فيه عالقته باإلله فهو فقري وال شرا .مبا هو كذلك

:الوحي �الوحي يف اللغة من وحى إليه، وحيا مبعىن أشار وأومأ وكلمه بكالم خيفى

،2على غريه، فالوحي مبعىن اإلشارة، والكتاب، والرسالة، واإلهلام، والكالم اخلفياملعىن الذي جيمع حوله أهل اللغة فيما خيص الوحي هو اإلعالم يف خفاء،

د ويف االصطالح حسب ما ور . يف الوحي اخلفاء حبيث خيفى على الغريفاألصل يستخدم لفظ الوحي يف الالهوت ليدل على احلالة «يف دائرة املعارف الربيطانية

اليت يكون فيها اإلنسان حتت التأثري اإلهلي املباشر، ويعين الوحي جترد اإلنسان الطريق أو القناة اليت يسري ليكون يف قبضة اإلله، حبيث يصري هذا اإلنسان هو

صالل املوحي، العبادات يف األديان السماوية، األوائل، دستور الكنيسة اإلجنيلية، نقال عن عبد الرزاق رحيم 1

.151 ، ص2001، 1دمشق، ط .4787، ص 53ج .ابن منظور، لسان العرب، دار املعارف احلديثة، حتقيق عبد اهللا علي الكبري 2



34

هنا اإلنسان يصبح القناة اليت ينزل فيها املر .1»فيها وحي اهللا من كالم ومشيئةأو إذن بفعل معني يقوم بنحو خارق عر به يف نفسه يعلمه من اهللا اإلهلي كالما يش

.كما حدث مع املسيح من إحياء للموتى :د القدمي وهي كالتايلتعرتف املسيحية بطرق الوحي اليت وردت يف العه

ويكون بسماع صوت الرب بصفة حسية ومباشرة . كالم اهللا إىل األنبياء :أوالويصل هذا الوحي عن طريق شخص منظور يكون مالكا أو يف صورة إنسان وقد

. يكون الشخص هو الرب نفسه .الرؤى واألحالم، يف العهد القدمي الرؤيا هي الصفة الغالبة لألنبياء :ثانياالوحي عن طريق املالئكة، كان الوحي يصل إىل األنبياء كذلك عن طريق :ثالثا

وهناك طرق أخرى . أشخاص منظورين وهم املالئكة يف صور بشرية ختاطب البشر ...كان يسمع الصوت وال يرى الشخص

وتضيف طريقا جديدا مل يكن من قبل وهو طريق خاص باملسيح باعتباره ففي الرسالة إىل العربانيني من"النيقيوية"سب اعتقاد املسيحية ابن اهللا الوحيد ح

اهللا بعدما كلم اآلباء باألنبياء قدميا بأنواع وطرق كثرية، كلمنا يف « :العهد اجلديد- 1: 1الرسالة إىل العربانيني( »هذه األيام األخرية يف ابنه الذي جعله وارثا لكل شيء

غري حالته بطبيعته فيتكلم على العبد فتتهذه الطريق تكون حبلول روح اهللا ). 2وامتأل اجلميع من الروح القدس، وابتدأوا يتكلمون بألسنة أخرى، كما " بالوحي

فالروح هنا قد حل يف تالميذ ) 5 - 2:4أعمال الرسل ( »أعطاهم الروح أن ينطقوا . املسيح فأصابتهم حالة الوحي

العربية، القاهرة، ط، نقال عن أمحد عبد الوهاب، الوحي واملالئكة يف اليهودية واملسيحية واإلسالم، دار النهضة 1

.35، ص 1979




35

روحاين فيه يتلقى النيب أو العبد خالصة الكالم يف الوحي أنه اإلنباء بنحو الصاحل كالما يسمعه أو حيل فيه حبيث يكون هو الناطق بغري اختيار منه أو شعور، فحىت الوحي مل ينفك عن السياق العام للطرح العقائدي الذي جيعل من اإلله ينصبغ بصبغة حمسوسة من جهة تبين املسيحية ملفاهيم العهد القدمي،

وهذا إيغال يف التشبيه والنزول .ي على سبيل احللول والسريانوأضافت مفهوم الوح .يف املرتبة لإلله

:النبوة �االختيارية معرفة احلوادث املستقبلية و «ا تعرف النبوة يف الديانة املسيحية بأ

فالنيب هو من حيصل على .1»واألخبار السابق األكيد ا وهي أعجوبة عقليةاألخبار بنحو يقيين وصحيح لكن بغري الطرق الكسبية حيث ال طريق للعقل

عجوبة عقلية، إذ يالحظ فيها تدخل الغيب ’إليها، لذلك جاء يف التعريف أا وهي تشمل كل األنبياء السابقني على املسيح ويستثىن املسيح . بشكل مباشر

.بن الوحيد للربمنها ألنه ليس بنيب بل هو اإل: 6لوقا ( »يرسل يف مهمة خاصةهو املبعوث وهو الشخص الذي «ـ أما الرسول ف

13( . ينبغي "مذته اإلثين عشر وهم احلواريون وتال) ع(فلفظ املرسل يشمل املسيح

أن أسري اليوم وغدا وما يليه ألنه ال ميكن ـن يهلك نيب خارج أورشليم، يا فالفرق بني ) 33 :13لوقا ( :أورشليم يا قاتلة األنبياء ورامجة املرسلنيأورشليم، يا

وهنا نلمس تغريا يف التعامل ،يف الفارق بني التلقي والتبليغ النبوة والرسالة هنا هومع النبوة والرسالة يف املسيحية بني كتب اإلجنيل القدمية وما جاء بعد تقرير قانون

ية، ففي احلالة األوىل تؤكد النصوص على املعىن اإلميان املسيحي يف جممع نيق

.151 قاموس الكتاب املقدس، نقال عن، عبد الرزاق رحيم صالل املوحي، املصدر السابق، ص 1



36

ع فارق له عالقة الذي تعطيه الديانات السماوية للنبوة والرسالة م املوافق للمعىنمن حيث التنزيه والتشبيه بني دياينات اليهودية واملسيحية من جهة بتصور األلوهية

النبوة عن املسيح كما وديانة اإلسالم من جهة أخرى، لكن بعد جممع نيقية رفعت .الرسالة باملعىن الذي خلع على بقية األنبياء و الرسل

:األصول الثالثة في اإلسالم .2ذكرنا فيما سبق أن األصول الثالثة حتدد انتماء اإلنسان وتعطيه صفة املسلم

إذا اعتقد ا على وفق التحديد اإلسالمي، وهذا التحديد ميكن الكشف عنه يد من ظاهر منطوق القرآن الكرمي، ففي القرآن الكرمي بيان هلذه بغري جهد جه

سابقني املفاهيم ورد على التصورات املنحرفة هلا واليت سبقت يف الدينني ال .املسيحيةلإلسالم، ومها اليهودية و

:األلوهية . أيعترب القرآن الكرمي أن وجود اهللا الشك فيه ويقدم األدلة على ذلك،

ألدلة الدليل الفطري الذي ال حيتاج إىل تعلم وحتصيل، بل جيعل والعمدة يف ااإلسالم معرفة اهللا واإلذعان لوجوده مسألة ال ختضع للتقليد وال حيق التقليد فيها،إال أن يعتقد فيها بدليل حيصله املعتقد نفسه مبا أويت من ملكة التفكري، ومن

.مل يفعل فهو مكابرهتم به القرآن الكرمي وهو التوحيد، إذ جعل عنوان يهمنا من املسألة ما ا

االنتماء وأول أصل عقائدي يف اإلسالم، فاهللا تعاىل واحد مبعىن أنه من الوجود حبيث ال حيد حبد حىت ميكن فرض ثاين له فيما وراء ذلك احلد وهذا معىن قوله

﴾ومل يكن له كفوا أحد . ومل يولد مل يلد .الله الصمد . قل هو الله أحد ﴿: تعاىلفإن استعمال لفظ األحد يدفع إمكان تصور العدد يف حقه .)سورة اإلخالص(

. تعاىل يقال ما جاءين أحد ينفي بأن يكون قد جاءه الواحد وكذا االثنان واألكثر




37

، اآليةاإلخالصسورة ( ﴿قل هو الله أحد﴾ :فاستعمال لفظ األحد يف قوله تعاىليف اإلثبات من غري نفي وال تقييد بإضافة أو وصف يفد أن هويته تعاىل حبيث ) 1

: قال تعاىل. ن واحدا أو كثريا يستبعد املماثلة له يف هويته بوجه سواء كا- 159اآلية ، الصافاتسورة ( ﴾إال عباد الله المخلصني . سبحان الله عما يصفون ﴿

فإن املعاين الكمالية اليت نصفه ا أوصاف حمدودة، جلت ساحته سبحانه ) 160اء ال أحصي ثن«يف كلمته املشهورة Sه النيب أن حتد أو تقيد، وهو الذي يقصد .»عليك أنت كما أثنيت على نفسك

وهذا النوع من التوحيد هو الذي يدفع به تثليث النصارى فإم موحدون يف غني التثليث لكن الذي يذعنون به من الوحدة وحدة عددية ال تنفي الكثرة فإم

)الوجود والعلم واحلياة(مبعىن )األب و االبن و الروح القدس (يقولون أن األقانيم ثالثة وهي واحد، كاإلنسان احلي العامل فهو شيء واحد ألنه إنسان حي عامل

.وهو ثالثة ظلنه إنسان وحياة وعلملكن التعليم القرأين ينفي ذلك ألنه يثبت من الوحدة ما ال يستقيم معه

فرض أي كثرة ومتايز ال يف الذات وال يف الصفات و ال يف األفعال، وكل ما فرض من شيء يف هذا الباب كان عني اآلخر لعدم احلد فذاته تعاىل غني صفاته، وكل

.يشركون و سبحانه عما يصفون صفة مفروضة له هي عني األخرى تعاىل اهللا عمالذلك اآليات اليت تنعته بالقهارية تبدأ أوال بنعت الوحدة مث تصفه بالقهارية

لتدل على أن وحدته ال تدع جماال لفرض الثاين املماثل بأي وجه من الوجوه فضال ر أم الل ﴿: عن أن يكون موجودا قال تعاىل ﴾ه الواحد القهار أأرباب متـفرقون خيـ

.)40 ، من اآليةيوسفسورة (الذي مييز دين اإلسالم يف طرحه للذات اإلهلية هو صيغة التوحيد املانعة عن

توهم الثاين له وهو الذي جعل القرآن يكشف ثغرات توحيد النصارى وتوحيد



38

أهم توصيف اليهودون وهذه الصيغة تكمن يف إثبات األحدية هللا تعاىل، وهذا يسهل التعامل مع الصفات اإلهلية، وحىت تفسري القرب منه حبيث لو اقرتب منه أي كان فيضل مقهورا مهما كان هذا القريب، ولعل توصيف أقرب موجود له وهو

،كي عن هذا اإلحكام يف توحيد اهللاحي »ال أحصي ثناء عليك« S النيبملطلق وهو األحد حبيث ال ميكن فطبيعة الوحدانية تنفي العددية، فهو الواحد ا

.تصور الرتكيب يف ساحته تعاىل :الوحي . ب

وما كان لبشر أن يكلمه الله إال وحيا أو من وراء حجاب أو يـرسل رسوال ﴿ ). 51 ، اآليةالشورىسورة ( ﴾فـيوحي بإذنه ما يشاءبني اهللا تعاىل ومن يكلمه من حجاب وهو كسب العبد من إذا مل تكن واسطة

فكر وتعقل أو إحساس فذاك هو املقصود به الوحي واملوحى إليه ال جيد مكلما له إال اهللا وال جيد كالما إال كالم اهللا، وهذا حال النيب أو الرسول يف أول ما يوحى إليه

ه هو اهللا تعاىل من غري أن بالنبوة والرسالة ال خيتلجه شك يف أن الذي يوحي إليحيتاج إىل إعمال فكر أو نظر، أو طلب دليل أو حجة ولو اضطر إليها ملا كان

.اب بواسطة حجاب هو القوة النظريةالذي وصله وحي بل اكتس

: النبوة . جيستدل على النبوة عقال يف الفكر اإلسالمي انطالقا من ضرورا والوجه

حصر وجه احلاجة إليها، يف ما تقتضيه الطبيعة الذي به يربر وجودها، ويناإلنسانية من االختالف املانع هلا من حتصيل السعادة والوصول إىل الكمال الالئق باإلنسان مبا هو كذلك، فالطبيعة اإلنسانية قاصرة عن تدارك ما أعدت له أو إصالح ما أفسدته، فاإلصالح ال يكون إال من جهة غري جهة الطبيعة، وهي

ذا ) ع(اجلهة اإلهلية اليت هي النبوة بالوحي، ولذا عرب تعاىل عن قيام األنبياء




39

اإلصالح ورفع االختالف بالبعث ومل ينسبه يف القرآن الكرمي كله إال إىل نفسه تعاىل، مع أن قيام األنبياء كسائر األمور له ارتباطات باملادة والروابط الزماين

.واملكانيةضرورة وجود األنبياء لتكميل األشخاص بالعقائد «: طوسيقال نصري الدين ال

احلقة، واألخالق الفاضلة، واألفعال احملمودة النافعة هلم يف عاجلهم وآجلهم، وتكميل النوع باجتماعهم على اخلري والفضيلة، وتساعدهم يف األمور الدينية

.1»سياسة اخلارجني عن جادة اخلري والصالحية أو غيبية نسبتها إىل احلالة العامة من اإلدراك نسبة اليقظة فالنبوة حالة إهل

إىل النوم، ا يدرك اإلنسان املعارف اليت خترجه من طور النقص واالختالف والتناقض، وهذا التلقي من الغيب هو املسمى يف القرآن الكرمي بالوحي واحلالة اليت

.يتخذها اإلنسان منه لنفسه بالنبوةخمتصة بقوة قدسية تذعن هلا غريزة العامل األكرب "من حيث الطبيعة والنبوة

فتأيت مبعجزات خارجة عن اجلبلة والعادات، وال تصدأ مرآا، وال مينعها شيء عن انتقاش ما يف اللوح احملفوظ من الكتاب الذي ال يبطل وذوات املالئكة اليت هي

.2الرسل فتبلغ مما عند اهللا إىل عامة اخللقمعىن النيب حامل النبأ ومعىن الرسول حامل الرسالة ومبلغها، وللرسول شرف

.الوساطة بني اهللا تعاىل وبني خلقه، وللنيب شرف العلم باهللا ومبا عندهوقيل الفرق بني النيب والرسول ألن الرسول يبعث فيؤمر بالتبليغ وحيمل الرسالة، أما

وعلى هذا فالنيب هو الذي يبني للناس . يؤمرالنيب فيبعث سواء أمر بالتبليغ أو ملصالح معاشهم ومعادهم من أصول الدين وفروعه على ما اقتضته عناية اهللا من

.363 – 362، ص 1991ط، حممد مجال الدين القامسي، دالئل التوحيد، دار النفائس، 1

2 . 365املصدر نفسه، ص



40

هداية الناس إىل سعادم، فالرسول هو احلامل لرسالة خاصة مشتملة على إمتام .حجة يستتبع خمالفته هالكه أو عذابه أو حنو ذلك

:خاتمـــــةىف األخري بعد هذه الدراسة املتواضعة نستنتج أنه من خالل هذه األصول

أعاله نستطيع أن نقف على جوه اخلالف بني املسيحية واإلسالم، رغم املذكورةوجه اإلشرتاك بينهما يف ذلك، ففي األلوهية نلمس اإلقرار بالتوحيد يف الديانتني مع فارق يف طبيعة هذه الوحدانية، ويف النبوة كذلك إمجاع لدى الديانتني بضرورة

اعتبارها من دون توسط بني اهللا النبوة والرسالة، وخصائصها لديهما مشرتكة بالنيب أو الرسول، إال أن املسيحية بعد جممع نيقية رفعت عن املسيح النبوة و

وهناك مالحظة تستوقف الباحث . والرسالة ألا أصبغت عليه صبغة الالهوتخاصة فيما يتعلق جانب العقائد لدى املسيحية وهي خضوع العقيدة لقرار

قائد املفروض أا حتكي مبادئ وجودية يكشف عنها ال سياسي وإلمجاع بينما الع.اأو حق صيغ حتقق توافقا يضمن وحدة تصور بغض النظر عن كونه باطال

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ...مسامهة محدان خوجة يف الهنضة جملة أبعادجملة أبعادجملة أبعادجملة أبعاد


41

م)1841-1773(إن املرحلة اليت عاش فيها محدان بن عثمان خوجة هي مرحلة حامسة يف تاريخ البشرية، حيث عرف العامل حتوال كبريا يف

قد سارعت الدول العربية من مراحله، و هي مرحلة النهضة، و مرحلة مل خيرج الفكر إىل املسامهة يف هذه املرحلة، و على لسان مفكريها

جزءا ال يتجزأ باعتبارهعند مواكبة ما تدعو إليه هذه املرحلة، اجلزائريمن العامل العريب، حيث ساهم هو اآلخر يف معاجلة القضايا املتعلقة

.بكيفية النهوض باتمع

يعرف بسؤال النهضة، هو العالمة الذي قاد هذا التجديد أو التحديث أو ما و لعثمانية، اجلزائر أكثر مما حيسب على الدولة ااحلكيم الكرغلي الذي حيسب على و

.اجلزائر ،جامعة منتوري قسنطينة ،قسم الفلسفة ∗

مسامهة محدان خوجة يف النهضة العربية اإلسالمية

∗∗∗∗ رابح مراجي. د




42

يتأسف كثريا ملا قد حيل أو حل باجلزائر واجلزائريني، فهو كونه عاش يف اجلزائر و ...عن سكاا أهليو خياطب يف بعض األحيان اجلزائر بقوله وطين، بلدي،

يتتساؤل غريت بعضا من احلالة الطرحت يف هذه املرحلة أهم قضية و وقد : هيال و اليت كانت تئن حتت اإلستعمار الغريب، أكانت تعيشها الدول العربية، و

جيب اتباعها هي الوسائل املمكنة اليت ماالنهوض بالعامل اإلسالمي؟ و كيف ميكن :حيال هذا الطرح، انقسم املفكرون إىل طائفتنيحىت حنقق النهوض؟ و

.منه االستفادةو وصل إليه الغرب تدعو إىل العلمانية والعقالنية نشر ما ت واحدة .أحيانا إىل حتقيق اخلالفة اإلسالميةتذهب إىل بعث النهضة اإلسالمية و الثانية و ونتج عن هذا الصراع الفكري طائفة ثالثة ممثلة يف محدان خوجة تدعو إىل التوسط

كيف كانت : ميكن طرح السؤال التايل لكذمن انطالقاو .بني هاتني الطائفتني كيف تلقى املفكرون هذه املسامهة؟محدان خوجة يف النهضة العربية؟ و مسامهة

: اإلطار الفكري .1إن القارئ ملؤلفات محدان خوجة ابتداء من املرأة حىت احتاف املنصفني

نها يالحظ بال شك اطالع هذه الشخصية على العلوم العقلية وخاصة احلكمية موعلى الرغم من أن كتاب املرآة هو كتاب يعكس تاريخ اجلزائر من حيث السكان

.وأصلهم والثورة وأسباا، إال أنه مييل أكثر إىل التحليل الفلسفيففي مقدمة الكتاب يذكر صراحة كلمة فلسفة أكثر من مرة، ويستشهد

والعادات والقوانني، ومن بأقوال الفالسفة بالدرجة األوىل حيث يبحث يف الديانات .بينها من محالت أو خالفات

فإن مثل هذا االختالف يف العادات والتقاليد هو الذي يكون دائما عن أساس احتقار األمم بعضها لبعض، وبكل تأكيد فليست هذه هي احلضارة اليت

الشاملة نريد إدخاهلا يف إفريقيا، إن الشرقيني يعتربون احلضارة هي إتباع األخالق



43

والعدل إزاء الضعيف والقوي على حد سواء واملسامهة يف إبعاد اإلنسانية اليت .1تشكل أسرة كبرية واحدة

خيتتم محدان مقدمة كتابه لفكرة صرحية للداللة على أن األسلوب الذي كتب به هذا الكتاب هو أسلوب فلسفي الذي نراه يوجه إهداء هذا الكتاب إىل أولئك

إن اربني املتعودين على القضايا سيفهمون : "يفهمون هذا األسلوب بقولهالذين .2"كما ينبغي هذا األسلوب الفلسفي

، فإنك جتد نفسك أمام "اتحاف المنصفين"وعندما نقرأ كتابه اآلخر شخص ملم مبباحث علم الكالم ويطرح أهم قضية سيطرت على عقول مفكري

ن، وهي قضية األصالة واملعاصرة، فيكون بالتايل أن سي اإلسالم إبان القرن العشريمحدان قد درسها وحبثها وأفاض فيها وبني موقفه من هذه اإلشكالية، فإليه يعود السبق بنفسه إىل طرح هذه اإلشكالية وإليه الفضل يف مسامهته يف وضع حل هلا

من الشريعة وإخراجها من قالب أهل السنة الذين مييلون إىل تأكيد وجهة نظرهم ).قرآن وسنة(

غري أن ما نالحظه عند محدان خوجة أن فكره هو فكر متفتح على الثقافات واحلضارات مبختلف أنواعها، وعنده ال فرق بني حضارة وأخرى إال بالعمل، وال ضري إذا أخذنا ما جربته احلضارة اإلفرجنية إذا تأكد لنا صالح ما جربوه ومل يتعارض

، فذلك يساعدنا وخيرجنا من دائرة التخلف ويضعنا يف الطريق مع الشريعة .الصحيح، الذي نواكب به مسايرة هذه احلضارة

: حصرها يف النقاط التالية ومشارب محدان خوجة الفلسفية والفكرية ميكن

، ص1982، 2حممد العريب الزبريي، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، اجلزائر، ط :املرآة، حتقيق: محدان خوجة 1

48. .48 املرجع نفسه، ص 2




44

: 1إطالعه على ما قاله فالسفة اليونان . أعلم الطب، ولعل املشهور حيث يذكر لفظ فالسفة اليونان وينسب إليهم

الذي بني أن أسباب 2"سقراط"عند اليونان يف هذا اال هو الطبيب اليوناين .املرض طبيعية رغم أا كانت تنسب يف تلك الفرتة إىل األلوهية

أرسطو "و" سقراط"إضافة إىل هذا فإن بعض األفكار هلا ما يشاا يف فكر ".الفضلية وسط بني رذيلتني"يف قوهلم وهي املتعلقة بالتوسط " طاليس

: قوله" المرآة"بكالم الفالسفة، حيث جاء يف كتاب " محدان"ويستشهد .3..."قال أحد الفالسفة"

: إطالعه وتأثره بالفلسفة اإلسالمية . بكرغلي إال أنه يف فلسفته يبدو بصورة جلية وواضحة أن " محدان"رغم أن

وإذا أردنا حتديد من هم أهل السنة فإننا نقول أنه اتبع أهل السنة واجلماعة، حني حبث " اتحاف المنصفين"أشعري، وتتجلى أشعريته يف مقدمة كتاب

.األسباب وحرية اإلرادة، التأثري: إشكالناوقد عاجل هذه اإلشكاليات معاجلة مدرسة األشعرية، حيث بني أن األسباب

لشارع، فالشارع هو مرتب األسباب والعلل ولكنها وحرية اإلرادة والتأثري كلها تعود ل .4ليست مؤثرة بذاا وإمنا التأثري يعود إليه عز وجل

الوطنية، إحتاف املنصفني واألدباء يف االحرتاس من الوباء، حتقيق حممد بن عبد الكرمي، الشركة : محدان خوجة 1

.70 ، ص1968اجلزائر، هو بقراط بن إيراقليس، وهو وحيد دهره الكامل الفاضل املبني املعلم لسائر األشياء الذي يضرب به املثل، 2

الطبيب الفيلسوف، وبلغ به األمر إىل أن عبده الناس، وهو أول من علم الغرباء الطب، ملا خاف عن الطب أن .400 البن ندمي، دار املعرفة، بريوت، ص يفىن من العامل، كتاب الفهرست

.47إحتاف املنصفني، ص: محدان خوجة 3 .57-43 إحتاف املنصفني، ص: محدان خوجة 4



45

أيب حامد "كما أن سي محدان مطلع على الفكر اإلسالمي، وخاصة فكر ؛ إضافة إىل هذا ، وهذا ما يؤكد انتماؤه لألشعريةليثبت قضية أو تفنيدها 1"الغزيل

اطالع بالفكر اإلسالمي فهو يذكر بعض الشخصيات فإن سي محدان على داود "، "أبو احلسن الشاذيل"، "ابن عطا اهللا السكندري"الفكرية اإلسالمية مثل

.2وغريهم" األنطاكيأما من حيث انتمائه الفقهي، فإن سي محدان ينتمي إىل املذهب احلنفي

اع هذا املذهب إمنا الذي كان سائدا يف تلك الفرتة، وهو مذهب العثمانيني، وأتبجاد حبكم تواجده يف منطقة الشام حيث اختصت ذا االجتاه الفقهي على يد

).ھـ150" (أبو حنيفة النعمان"بني مذهبني كالمي وفقهي خمتلفني نوعا ما، " سي محدان"ويبدو جليا أن توزع

تنسب إىل ومدرسة احلديث " أيب حنيفة"حني جند أن مدرسة أهل الرأي تنسب إىل ".مالك"

وارتوائه من مشارب متعددة " محدان خوجة"نقول أن هذا التنوع يف فكر ومتنوعة يف الفكر اإلسالمي، جعلت منه يؤلف بني هذه االجتاهات وخيرج بفكر جيمع بني التحرر والتقيد، بني األخذ مبا توصلت إليه احلضارات اإلفرجنية وبني ما

.تدعو إليه الشريعة : جديد عند حمدان خوجةالت .2

عاش سي محدان يف فرتة عرفت بالركود الثقايف من جهة، ومن جهة ثانية عرفت كذلك حتوالت يف اتمع اجلزائري، وذلك عقب دخول االستعمار الفرنسي

.للجزائر

.75- 62 املرجع نفسه، ص 1 .72 املرجع نفسه، ص 2




46

ومن هنا بدأت اإلشكالية تطرح على الساسة والفقهاء وخاصة الفقهاء . على أمور الدين وموجهني العباد إىل طريق احلق واخلريباعتبارهم القائمني

؟ هل تعاملنا معه يتعارض وقوانني ف ميكن التعامل مع الوافد اجلديدكي ؟ مقاطعته يؤدي إىل استقالل البالدالشريعة ؟ وهل

ولقد كان رأي أهل الدين من فقهاء وأئمة وغريهم أم يقاطعون التعامل مع الفرنسي ألن التعامل معه يدخل يف إطار التحرمي باعتبار أن ديانتهم االستعمار

ختتلف عن ديانتنا وعادام وتقاليدهم غري عاداتنا وتقاليدنا، وأن معبودهم غري وإذا رأيت اخللل الداخل على املسلمني : "... معبودنا، لذلك يقول محدان خوجة

والتعصب، يف عدم دفع املضرة، بإمهال هذه القواعد وإنكارها والتزام التقشف ومالحظة أغوارها من كثري مما ابتكره الفرنج بدعواهم واشتهرت نسبته إليهم مما يتعلق بأمر دنياهم حىت شدد بعضهم النكري على الذين يستحسنوا، وعدوا ما

.1"يطرأ هلم من املضرة قربة حيسبواموقف املسلمني من العلوم يتبني من هذا النص أن سي محدان يطرح إشكالية .الغربيةوانتهى من خالل هذا الطرح أن غالبيتهم تدعو إىل عدم األخذ مما توصل إليه

بل وشدد بعضهم النكري على مستحسنيها وتبدو هنا صفة ) الفرنج(الغرب التعصب، وهذا يف رأي سي محدان هدم للبناء اإلسالمي كقوة بشرية واقتصادية

ن التوسط يف األمور واالعتدال هو الركن األقوى، يعد خصلة رحيمة واجتماعية أل ".ال ضرر وال ضرار: " -صلى اهللا عليه وسلم-لقوله

.45-44 إحتاف املنصفني، ص: ان خوجةمحد 1



47

إضافة إىل هذا فإن أقوال احلكمة وأفعاهلا ال يستنكف العاقل عن اقتنائها مصداقا لقول 1لصفة من فعلها أو قاهلا بل يبادر للحق وقبوله واستجالب النفع

". الحكمة ضالة المؤمن" Sالرسول السبب الذي أدى باملسلمني إىل إنكار العلوم اإلفرجنية يعود لقوهلم ولعل

التأثري والفعل لألسباب، غري أن هذا السبب يعد غري كاف يف نظر محدان وإمنا هو مي اهللا إنه للغلط وأ"جمرد ذريعة وتعصب وسبب لعدم األخذ مبا توصل إليه الفرجنة

.2"واملبالغة يف التعصب فقطواحلقيقة أن سي محدان مل يكن راض ذا الرأي وهو االبتعاد وعدم األخذ مبا

توصل إليه الفرجنة من العلوم والفنون، ألن العزوف عن هذه النتائج هو تأخر فتزداد قوته املسلمني وتقدم غريهم، كما أن االبتعاد عنها يساعد العدو على غزونا

.وتضعف قوتناويؤكد سي محدان على هذا األمر من خالل ما الحظه أثناء أسفاره اليت كان

يقوم ا يف بالد الفرجنة من انتظام أمورهم واعتنائهم بأمور السياسة يف صيانة مجهورهم، بالتزامهم دفع الوباء عن طريق الوقاية مما جربوه حيث اتبعوا يف ذلك

ء واالحرتاز واالستقراء للداخلني إليهم وال يسمح هلم بالدخول إال بعد االحتماالشفاء واالسترباد، وحكموا على تلك األماكن أناس يقومون عليها ومسوها بـ

.3"الكرنتينة"

.44 املرجع نفسه، ص 1 .46 املرجع نفسه، ص 2يوما مبا حيمل 40صحي حيجر من كان مريضا مرضا معديا أو مشكوكا يف مرضه، ويعزل ملدة الكرنتينة، حمجر 3

.عند دخوله حدود البلد




48

وهذا العمل الناجح الذي توصل وعمل به الفرجنة وأدى إىل نتائج حسنة نه ال ميس ه، لنجاعته وفائدته وكذلك ألوطيبة، كان على املسلمني أن يأخذوا ب

وأمي اهللا إن للغلط واملبالغة من التعصب فقط، إذ ال تستباح : "ديانتهم إذ يقولنفوس نوع بين آدم مع التمكن من صيانتهم بسبق الكفار إىل هذا االحتياط

.1"الواجب وهو ال يتعلق بديانتهم : ومن نتائج هذا االحتماء ما يلي

.الصنائع املهمة وزاد فيها آخرهم عن األولتوارثوا - .زاد عمرهم حىت ظنوا أن هلم عمرا طبيعيا يبلغونه - .توفرت عساكرهم ومناصبهم وعليها املعول يف احلروب -

فية للقضاء ولقد شهد سي محدان وقوع الوباء باجلزائر مرات، وهي مدة كا راء مستحسنة، فاقفرت فشوهت خلقة اجلزائر بعد عذ: "على العباد، حيث يقول

معامل البالد، وتشوشت أحوال العباد واضمحل العلم و دوو االستعداد وانقرض من .2"العساكر من كان عدة يف العمران والفلوات

فلو أخذنا مبا توصل إليه الفرجنة من تقدم يف العلوم والفنون ملا توصل بنا بصورة بلدنا احلسنة، وأن األخذ احلال ألن نصاب يف شعبنا واقتصادنا وكل ما ميس

من هذه احلضارات إمنا مبناه أن احلضارات تتعاقب الواحدة تلو األخرى يف السيطرة .على قيادة العامل

وأن هناك حضارات تعرف باملركز واحلضارات تعرف باألطراف، حيث موقعها جودة يف األطراف يف األطراف، وهنا يكون أثر احلضارة املركزية على احلضارات املو

األخرية من األوىل وال ضرر يف ذلك إذ يأخذ اجلاهل من املتعلم قصد بناء فكر

.46 إحتاف املنصفني، ص: محدان خوجة 1 .47 املرجع نفسه، ص 2



49

يأخذ الغرب من احلضارة وحضارة تضاهي تلك احلضارة اليت أخذ منها، أمل ؟ مث عمل على تطويرها حىت صارت حضارته هي املركز وحضارتنا هي اإلسالمية .األطراف

ي منذ احلضارة اليونانية وانتقاهلا إىل العامل اإلسالمي مث وهذا التعاقب احلضار إىل العامل املسيحي أدى إىل تطور حضارة وانكماش حضارة أخرى، ولذلك يقول

ال يقتضي اختصاصها بالعرب ألنه مفهوم اللقب، وال معترب به، " :سي محداننان وهم الفالسفة ولكون مسية السموم، ومنفعة كثري من األدوية، تثبت عند اليو

وأقرها الشراع، مث عربت كتبهم ودونت ووقع اإلمجاع على جواز العمل بتلك األدوية، فثبت أن أصل ثبوت التجربة ال يتوقف على اإلسالم وال على العدالة بل

.1"الحكمة ضالة المؤمن، بأخذها أينما وجدها: "كما قال عليه الصالة والسالمال يتعارض والشريعة اإلسالمية حيث أن تابعي فاألخذ بتجارب األمم

التابعني قد أخذوا مبا كتب فالسفة اليونان حني ترمجت هذه الكتب ابتداء من قيام يزيد بن "حىت وقتنا هذا، وأول من قام ذه الرتمجة هو ) ھـ132- 40(الدولة األموية

.ھـ84املتويف سنة " معاويةطب، فلك، صيدلة (ر منصبة على كتب الصنعة وكانت الرتمجة يف بداية األم .2ألن املسلمني يف حاجة هلذه العلوم قصد توظيفها يف حيام اليومية) وغريهاأما العلوم األخرى املتمثلة يف الفلسفة فتلك اليت كان عليها مدار اخلالف بني

ري، مث كانت الفقهاء وتأخر دخوهلا إىل حوايل النصف الثاين من القرن الثاين اهلجالسيادة والريادة للمسلمني بعد تقهقر اليونان، وسبب تقدمهم هو عدم إقصاء احلضارات اليت نبغت يف العلوم والفنون، فنهلوا منها وبنوا علمهم فأحسنوا البناء،

.70 املرجع نفسه، ص 1 .73 ، ص1992رة، ، رسالة ماجستري، جامعة القاه"دراسة يف علم أصول الفقه"التعليل : رابح مراجي 2




50

وأسسوا حضارة مل تضاهيها حضارة يف تلك الفرتة، بل نقول أن عمر احلضارة ضارة اليونانية وظهر أثرها يف فالسفة وعلماء اإلسالمية قد عمر أكثر من احل

احلضارة الفرجنية أثناء وضها حنو القرن الرابع عشر امليالدي بعد وفاة آخر .الفالسفة املسلمني

ال جمال إلنكار كون الفرنج يف زماننا وقبله، قد : "ولذلك يقول سي محدان دم تقيدهم مبا يتعلق بأمر آخر أهم متهروا العلوم الرياضية والطبيعية والصناعية مع ع

وخصوصا الطب والنجوم واهلندسة وكثري من العمليات حىت صار ذلك كاملختص م، مع إقرارهم بأن مأخذهم لذلك كان كتب اإلسالم، مث زادوا عليها ما صح

.1"عندهم بالتجربة واملشاهدةأخذوا من علوم إذن فكما أخذ املسلمون سر علوم اليونان فإن الفرجنة قد

املسلمني، ومل يكتفوا بذلك بل زادوا عليها ما خربوه بالتجربة واملشاهدة وليس يف هذا األمر حرج خصوصا إذا علمنا أن علماء اإلسالم من فقهاء وذوي الرياسة قد

وانظر ما ذكره الشيخ ابن . "استعانوا ببعض العلماء من الديانات غري اإلسالميةمن قصد الشيخ أيب احلسن الشاذيل رضي اهللا " لطائف المتن"عطا اهللا يف كتاب

3". 2عنه للطبيب النصراينوهذه الدعوة التجديدية من طرف سي محدان يف املغرب األقصى يف فرتة

حياته يف اية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر قد ساعدت كثريا يف

.73-72 املصدر نفسه، ص 1وقيل الطبيب اليهودي، ألن هذه القصة وقعت للشاذيل مع طبيب يهودي، حيث استدعى الشاذيل الطبيب 2

اليهودي ليداوي من عنده، فامتنع اليهودي حبجة ممانعة مشارق الطب بالقاهرة إال بإذن، ومل يتوان الشيخ الشاذيل القاهرة فشد الرحال لذلك وأتى له مبا مسح مبمارسة عمله كطبيب، فتعجب الطبيب من هذا عن إتيانه باإلذن من

.اخللق الكرمي .74محدان خوجه، احتاف املنصفني، ص 3



51

اليت فرضها بعض الفقهاء املتشددين واملتعصبني اخلروج عن تلك النظرة الضيقة .حيال العلوم والفنون الفرجنية

وقد بين هذا األمر على كثري من احلجج والرباهني، استقاها من الشريعة والسلف الصاحل والعلماء، وكثريا ما استشهد بآراء للغزايل الذي دافع عن الفلسفة

را وال ناكرا لدين اإلسالم، ألن الشرع مل واملنطق وأن من أخذ ما ال يعد كاف .يتعرض هلذه العلوم باإلثبات أو النفي، كما أن هذه العلوم ال ختالف األمور الدينية

فلماذا إذن التحرمي وعدم األخذ مبا ال يتعارض واألمور الدينية، وال يقف حائال عن تطور احلياة الدنيوية ؟

اء نتيجة الوضعية اليت آل إليها اتمع اجلزائري وعالجه هلذه اإلشكالية ج كونه جمتمعا مستعمرا ويعاين التخلف والتهميش نظرا لتفادي بعض الفقهاء بعدم األخذ بعلوم الفرجنة وما ينتجونه يف خمتلف أنواع املعرفة، وهو هذا الطرح والعالج

تبريز "يف كتابه " الطهطاوي"هلذه اإلشكالية ويكون قد سبق علماء املشرق أمثال ، "شكوى وأمل"يف رسالته " شبلي مشيل"، و"اإلبريز في وصف القاهرة وباريز

وغريهم كثري ممن كان يدعو إىل النظر يف " سالمة موسى"، )"1935(رشيد رضا "و .العلوم الغربية والنهل منها

شارقة وإذا أردنا الرتكيز أكثر وأخذنا عينة من مؤلفات بعض هؤالء العلماء امل شكوى "بالدراسة واملقارنة، ال جند أفض من رسالة شبلي مشيل اليت حتمل عنوان

حيث افتتح هذه " عبد احلميد خان"وهي رسالة موجهة جلاللة السلطان " األملأجتاسر بأن أرفع إىل "الرسالة بالتحية مبينا األسباب اليت دفعت به إىل كتابتها

األمة ويبسط لكم طالقتها فأتوسل إليكم حفاوة جاللتكم كتاب يشرح لكم آمال أيها السلطان املعظم أن متعنوا النظر فيه، ألنه صادر من عبد خملص لسلطان

وإمنا قصدي الوحيد أن استلفت نظر ... حريص على وطنه، عامل بأحوال أمته




52

جاللتكم إىل األخطار اليت تتهدد اململكة من داخل ومن خارج لتداركها ما دام .1"إلمكاناألمر يف ا ملاذا تقدم غرينا وتأخرنا حنن ؟ : اإلشكالية وهي " شبلي مشيل"مث يطرح

وجييب يف هذا اإلشكال بأن السبب ال يعود إىل طبائع السكان ألننا منلك بنية صحية قوية، وال إىل تغلب دين على دين، ألن جناح املسلمني يف العصور

ماية العلوم وإقامة العدل وتقرم من الرعية اهتمام امللوك حب"اخلالية جاء نتيجة .2"لسماع نصيحة رعاياهم ولو أم من عامة الشعب

وإذا حبثنا يف األسباب اليت أدت إىل تقدم الدول املعاصرة من أهل أوروبا : وبلوغها الغية القصوى من احلضارة، فإننا جندها ال خترج عن أسباب ثالث هي

احلرية، واالبتعاد عن هذه األسس الثالث ال يعترب ملك وال تسود العلم، العدل، أمة إذ ال عدل من دون حرية، وال علم من دون عدل، وإذا فقد العلم مل يبق قوة

الزراعية، التجارة والصناعة وهي : ألن القوة متوقفة على الثورة، ومصادر الثروة ثالثة .3متوقفة يف جناحها على العلم

جعل شبلي مشيل العلم على رأس هذه األسباب وال عيب إذا تسلحنا وهكذا بالعلم من احلضارت اليت متلك هذه القدرة على إصالح حال البالد والعباد إمنا يكون بإصالح شؤوننا الداخلية إصالحا حقيقيا بالفعل ال بالقول، وذلك بنشر

ح قلبا واحدا من العلم يف البالد على أسلوب يقرتب من طوائف األمة حىت تصب

.74 املصدر نفسه، ص 1 .2 شكوى وأمل، خمطوط، ص: شبلي مشيل 2 .4 املصدر نفسه، ص 3



53

حمبة الوطن والسلطان وبأن تنظر إىل أبناء الوطن كأم شعب واحد بقطع النظر . 1عن أديام ومذاهبهم وبإقامة العدل بني الناس حىت يتساوى اجلميع

ومل يقف األمر يف الدعوة إىل األخذ باملدنية الغربية عند شبلي مشيل بل تعداه الذي كان كافرا بالشرق مؤمنا بالغرب، إذ يقول يف ) 1958(إىل سالمة موسى

يف مصلحتنا ومصلحة العامل كله أن نغرس يف آذان " "ما هي شروط النهضة"كتابه مجيع العرب يف مصر والعراق وسوريا ومشال إفريقيا أم أوروبيون ساللة وثقافة

م ويتعودون وحضارة، وعليهم أن يسريوا مع أرقى الشعوب األوروبية يثقفون ثقافته .2"عادامونستنتج من هذا أن هذه الثورة على األوضاع العربية من قبل مفكريها كان

بسبب ذلك التخلف الذي تعانيه األمة العربية واإلسالمية والتعنت من عدم مسايرة ما وصلت إليه احلضارة األوروبية من تقدم ورقي يف مجيع ااالت، فكانت إذن

: مها ، أساسيني إعجابا ماعلى عاملنيالثورة قائمة العلــم -1 احلكم الدستوري -2

محدان خوجة، شبلي مشيل، سالمة (والعامل الذي جيمع بني هؤالء الثالثة هو حبهم للعلم، ونظرم إليه على أنه يقود األمة إىل النجاح والتقدم ) موسى

غريه من العناصر ألا مبنية واالزدهار، لذلك يركزون على هذا العنصر أكثر من .عليه

كل من شبلي مشيل وسالمة ) 1873(وقد سبق رفاعة رفعت الطهطاوي تربيز األبريز يف "موسى إىل الدعوة باألخذ باملدنية الغربية وذلك من خالل كتابه

.4 املصدر نفسه، ص 1 .16 املصدر نفسه، ص 2




54

، حيث بني إعجابه الشديد مبا توصلت إليه فرنسا من حسن "وصف القاهرة وباريز .تمام بالعلم والثقافة وغريهاتنظيم واه

وحدا عبد احلميد بن باديس حدو هؤالء املفكرين الداعني لتجديد الفكر اإلسالمي، والذين يعدون من رواد التنوير العريب، حيث أدرك أن للحضارة دورات، وأن أوروبا تأثرت بالعلم واملعرفة العربية يف العصور الوسطى، لذلك نراه يؤكد أن

نة اإلسالمية نقلت أصول املدنيات السابقة نقل األمني وخنلتها خنل الناقد املديوزادت عليها من نتائج أفكار ومثار أعماهلا ما كان األساس املتني ملدينة "البصري،

.1"اليوماإلسالم هو أبو املدنية أمس واليوم وأعين مبدنية اليوم املدنية : "مث يضيف قائال

عمران ال من جهة األخالق واالجتماع فهناك ما يتربأ منه من جهة العلم وال . 2"اإلسالمومن هنا انطلقت دعوته إىل أن نأخذ العلم من حيث انتهت أوروبا وهي

دعوة ال يداريها عندما دعا الشباب إىل أخذ العلم بأي لسان كان وعن أي لوب كما أخذه شخص وجدمتوه وأن تطبعوه بطابعنا ننتفع به االنتفاع املط

.3"األوروبيون من أجدادنا وطبعوه بطابعهم النصراين وانتفعوا به

.483 ، ص1983، دار الغرب اإلسالمي، بريوت، 3ابن باديس حياته وآثاره، ج: طاليبعمار 1 .508-3 املرجع نفسه، ص 2املوقف من الغرب األورويب من خالل كتابات عبد احلميد بن باديس، مقال نشر مبجلة اجلمعية : عشماويسيد 3

. 122 ، ص1992، سنة 1الفلسفية املصرية، العدد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ واللغة الاكم. منطقيا " برتراند راسل" جملة أبعادجملة أبعادجملة أبعادجملة أبعاد


55

ميكن اعتبار التجديد الذي عرفه املنطق يف القرن التاسع عشر احلساب " جورج بول"البداية الفعلية للفلسفة التحليلية، حيث اخرتع

الذي قال به المذهب المنطقي "برتراند راسل"املنطقي، مث تبىن ؤكد على إمكانية التعبري عن كل يي لذا ذلك املذهب، "غوتلوب فرجيه"

يرى ذلك بل ،املعرفة باستعمال مفاهيم مستوحاة من املنطقأشكال .ياضرور

، "أوغست كونت"لفلسفة التحليلية متتد إىل وضعية لالتارخيية رذو اجلوإذا كانت

وميكن أن نعثر، . شكلت حلظة االنطالق احلقيقية هلذه الفلسفة" حلقة فيينا"فإن يف " أوغست كونت"مذهب بدرجات متفاوتة الوضوح، على بعض تأثريات

باملعىن الضيق، تلك " النزعة الوضعية"ومن أهم تلك التأثريات، . الفلسفة التحليلية

.بالشلف ،جبامعة حسيبة بن بوعليحماضر أستاذ ∗

واللغة الكاملة " برتراند راسل" منطقيا

∗∗∗∗ مصطفى بلبولة. د




56

كل ما هو ا إال ملا هو علمي يف جمال املعرفة، إذ إا تنبذالوضعية اليت ال تقيم وزن الذي يعترب مسألة جوهرية التطوركما تؤمن هذه النزعة مببدأ . ميتافيزيقي والهويت

باإلضافة ،"بوبر"و" فيتجنشتني"و" راسل"ا واضح املعامل عند ، وتوجه "كونت"عند الذي كان له إسهام كبري )1916 - 1838( "أرنست ماخ"تأثري الواضح لوضعية إىل ال

.1يف الفلسفة التحليليةالتحليليني يف بعض املسائل ورغم وجود بعض الفوارق بني بعض الفالسفة

الفرعية، فإننا نستطيع أن حنصر القواسم املشرتكة هلم واملبادئ األساسية اليت تقوم الفلسفة، كما أشرنا إىل ولعل أهم ما مييز هذه. عليها كل تيارات الفلسفة التحليلية

فكل تيارات هذه الفلسفة ". أوغست كونت" وضعيةذلك أعاله، ما ورثته عن فالعلماء وحدهم . الالهوتو الميتافيزيقاو الشعريةوترفض يف املقابل لعلمامتجد

.هم من يتميزون باجلدية والدقة يف التفكري، مظهرا "دافيد هيوم"، يف شكلها الذي وصلت إليه مع االسميةوتعترب النزعة

الكلمة أساسيا آخر يف الفلسفة التحليلية، تلك االمسية اليت تتخذ من اللغة ومعاينفحجر الزاوية يف منظور االمسية هو العبارات اللغوية قبل . مستندا هلا ملعرفة الواقع

.األشياء املعرب عنها، وقبل األفكار اليت نكوا عن األشياءوإذا كانت الفلسفة التحليلية ذات توجه علموي، فمن البديهي أن تكون

" راسل"فالسفة ومناطقة من طراز ال غرابة إذن، أن جند ف .تجريبيةذات نزعة يف النسيج الفكري " براديل"اليت أقحمها " هيجل"يقوضون مثالية " مور"و

وهلذا . اإلجنليزي، حيث كانت تبدو نشازا بالنسبة إىل هذا الفكر يف عمومهجاءت دحضا للمثالية «ألا ثورة فلسفيةالسبب، ميكن اعتبار الفلسفة التحليلية

1 Piguet (J-Claude), Où va la philosophie et d'où vient – elle ? La Baconnière, Neuchâtel (Suisse), 1985. p. 98.



57

، 1»ثاين من القرن التاسع عشرسادت التفكري اإلجنليزي يف النصف الاهليجلية اليت ومن مث فهي ليست سوى حماولة إلرجاع الفكر اإلجنليزي إىل منحاه األصيل

. باعتباره تقليدا فلسفيا ذا طابع جترييب المنطقي التوجهتتخذ الفلسفة التحليلية من ي، فستوى املنهجاملعلى ا أم

حيث يشكل االستنتاج الصارم واملضبوط أداة فعالة ال ميكن االستغناء ،هلا" مذهبا" . عنها يف معاجلة املعطيات املعرفية

، تلك النقدية اليت تقضي نقدية وأخريا، فإن الفلسفة التحليلية ذات نزعة نقدي وينصب هذا احلس ال .بضرورة الفحص الدقيق لكل شيء قبل التسليم به

الواقع، باعتبار عند الفالسفة التحليليني على العبارات اليت نسجل ا أفكارنا عن . 2هذه العبارات ذاا وقائع ذات وجود موضوعي

وتنضاف إىل هذه القواسم املشرتكة لتيارات الفلسفة التحليلية جمموعة من :املبادئ ذات طابع إبستيمولوجي

وهو مبدأ يقضي بأن العبارة املتعلقة بواقعة ال تكون ذات : مبدأ التحقق .أ وكل عبارة ال ختضع هلذا . معىن، إال إذا كان باإلمكان إرجاعها إىل مالحظة مادية

امليتافيزيقا " قضايا"فإن كل ووفقا هلذا التصور،. خالية من المعنىاملعيار، فهي .خالية من املعىن أو هي أشباه قضايا

يقضي هذا املبدأ بتطبيقه على التجربة، بضرورة إرجاع : بدأ اإلجراءم .ب أما عند بتطبيقه . الوقائع املالحظة إىل العمليات واإلجراءات اليت كشفت عنها

على اللغة، فإنه يقضي بضرورة اختزال دالالت األلفاظ يف استعماهلا، أي يف .ه التداويل الذي يظهرهفاملعىن إذن، مرهون ببعد. العمليات اليت تنجر عنها

.23. ، ص1998رشوان حممد مهران، دراسات يف فلسفة اللغة، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 1

2 Piguet J – C, op. cit. pp. 100-101.




58

إن قيمة «: ميكن صياغته على الشكل التايلوهو مبدأ : مبدأ االمتدادية .ج قوال احلقيقة اليت يعرب عنها قول مركب تتحدد بقيمة احلقيقة اليت تعرب عنها األ

.1»اجلزئية املؤلفة لذلك القول لقد أدخلت الفلسفة التحليلية معىن جديدا يف مفهوم الفلسفة، حيث إناملوضوع االعتيادي للفلسفة هو البحث يف الكون مبظهريه الطبيعي والروحي، يف

. عن الكون، أي اللغة» ما يقال«موضوعها لدى الفالسفة التحليليني هو حني أن . فالفلسفة يف منظور الفالسفة التحليليني ليست سوى لغة واصفة للغة

عموما، واألفكار اليت وليس من الشطط القول بأن الفلسفة التحليلية ـ ف. ا، ال تعدو أن تكون يف جوهرها فلسفة للغةخصوص " حلقة فيينا"دعت إليها

علم "شعارا هلا يهدف إىل إقامة " احللقة"الذي رفعته "للعالم التصور العلمي"نقاة من رمزية م«علها تركز جهودها على البحث عن ، وهو األمر الذي ج"موحد

وليس مثة طريقة تسمح بتحقيق هذا اهلدف أفضل من ، 2»خييةحثالة اللغات التار .التحليل المنطقي

تظهر يف » اخلالية من املعىن« إىل أن أشباه القضايا" كارناب"ويذهب إما الستعمال كلمة خالية من الداللة يف اجلملة، وإما الستعمال : اخلطاب لسببني

ومعىن هذا أن األلفة اليت . 3اللغةكلمات ذات داللة ولكن بطريقة خمالفة لنظم قواعد اللغة وتراكيبها توقعنا يف فخ البداهة الزائفة اليت ختفي وراءها معحتصل لنا

إال بعد إخضاع اللغة إىل التحليل املنطقي الذي يسمح أخطاء منطقية ال ننتبه إليها

1 Ibid, p. 102. 2 Carnap Rudolf & autres, Manifeste du Cercle de Vienne et autres écrits (s/ la direction d'Antonia SOULEZ), trad. Barbara CASSIN & autres, éd. P.U.F. Paris, 1985, p. 115. 3 Ibid. p. 156.



59

اللغة أ يف استعمالمشريا إىل مصدر اخلط" كارناب"ويقول . لنا بالكشف عنهااستعمال صيغ ألمساء إن تركيب اللغات الطبيعية ال يستبعد دائما ... «الطبيعية

. ، وهو مما يرتتب عنه ظهور أشباه قضايا1»ليس هلا معىنوإذا كان هذا هو شأن اللغة الطبيعية وما يرتتب عن قواعدها النحوية من

ع جتاوز تلك العوائق، أي عوائق، فإن ذلك يستدعي بناء لغة منطقية رمزية تستطيولكن أدوات املنطق . ال الرتكيب النحوي التركيب المنطقي بناء لغة حيكم عباراا

لنا املنطق الرمزي أو التقليدي ليست كافية لصياغة أحكامنا وتصوراتنا، بينما حيقق مضبوطة الدقة املطلوبة يف التعبري عنها، حيث ميكن أن تصاغ صياغة " اللوجستيك"

يف هذا "كارناب"ويالحظ . ميكن التحكم فيها بشكل آيل عن طريق الرموزالسياق أن معظم األخطاء املنطقية اليت ترتكب يف أشباه القضايا مصدرها عيوب

- اهلندو" اللغات ا يفخصوص و )être( ∗∗∗∗الستعمال فعل الكينونة منطقية مالزمة . ا بأدوات املنطق التقليديأخطاء اليت ال ميكن الكشف عنه ، وهي"أوربية

:النزعة المنطقيةو " راسل"على " مور"يف تارخيها القريب تنطلق من ثورة " راسل" إن النزعة املنطقية لـ

:املثالية اهليجلية، ومن أهم املبادئ اليت بنيت عليها هذه املعارضة للمثالية

1 Ibid. p. 163.

ال يظهر فعل الكينونة يف اجلملة العربية إذا كانت قضية محلية، ولكن يرتبط املوضوع باحملمول مباشرة يف صورة ∗". اإلنسان عاقل"تقابلها يف العربية " "l'homme est raisonnable: فالقضية). مبتدأ وخرب (مجلة امسية

فلو أخذنا القضية . بني املوضوع واحملمول لرفع اللبس" هو"وقد يظهر يف بعض اجلمل ضمري املفرد الغائب للربط بني املوضوع واحملمول، " هو"السابقة وعوضنا فيها احلدود حبروف للرتميز الضطررنا إىل استعمال الضمري

) هو: (وسنضطر فيما بعد إىل استعمال هذا الضمري هكذا". ب هوأ "إىل " A est B "فننقل الكتابة الرمزية .فئ لفعل الكينونة عندما نستعمل بعض األمثلة باللغة الفرنسية و ننقلها إىل العربيةكمكا




60

الواقع ليست شياء اليت ترتكز على احلس املشرتك، فأ الواقعية الحسية .أ ".أفكارا هيجلية"وال " مفاهيم"الذي يتمثل يف ضرورة شرح كل شيء وتوضيحه وإظهار ما هو التنوير .ب

خفي، وهو تنوير ال يهتم إال مبا هو واقعي وموجود وجودا موضوعيا، وال يكفي نقوله أن تكون لنا معرفة واضحة بالشيء، بل جيب أن تكون لنا معرفة واضحة مبا

.عنهالذي يتمثل يف رد املركبات إىل العناصر البسيطة املكونة هلا، ما يلالتحل .ج

.يؤدي تدرجييا إىل إزالة الصعوباتال تنصب على األشياء وال على األفكار، بل على األسئلة الفلسفيةإن .د

.جيعل من الفلسفة التحليلية فلسفة لغة بامتياز وهو أمر، العبارات واألقوالبرنامج عمل دقيق حاول " اهليجلية"من أفكاره ضد " راسل"وقد جعل

ومن أهم اإلجنازات اليت حققها من هذا الربنامج، . جتسيده خالل مسريته الفكرية، حيث كانت "وايتهد"الذي ألفه رفقة » مبادئ الرياضيات«جسده يف كتابه ما

". أخوان "نطق الفكرة اجلوهرية فيه هي حماولة إثبات أن الرياضيات واملحساب القضايا، وحساب : ثالثة أقسام«ني يف منطقه الرمزي ب" راسل"ومييز . 1»، وحساب العالقات)احملموالت ( ت الفئا

ومدار . جداول الحقيقةويتمثل يف العمل باالستناد إىل : حساب القضايا . أكوا احلساب هنا، هو اعتبار القضية من حيث هي قضية، أعين من حيث

حتتمل الصدق والكذب، بصرف النظر عن حمتواها املعريف وعن الكيفية اليت ، حيث جترى التوليفات صورة القضيةفالعمل هنا موجه إىل . تكونت ا

1 Russell Bertrand, Ecrits de logique philosophique, trad. Jean-Michel ROY, éd. P.U.F., Paris, 1989, p. 32.



61

ومثل هذا . والعمليات احلسابية على العالمات دون اعتبار ملدلوهلا يف الواقعقضية أو كذا كما لو كنا احلساب املنطقي للقضايا جيعلنا حنكم على صدق

جنري عمليات حسابية على اللغة، وهو حساب ذو فعالية كبرية يف حتليل اللغة .الطبيعية وإزالة ما يكتنفها من غموض

إن احملمول يف املنطق األرسطي هو تلك ): احملموالت ( حساب الفئات . ب، يتمثل يف "مفهوما"الصفة اليت نسندها إىل موضوع، وذا املعىن، فإن للمحمول

يتمثل يف جمموع األفراد الذين يشرتكون " ما صدقا"جمموع اخلصائص املكونة له، وفقد ". فئة"إىل " الماصدق"، يتحول "راسل"ويف منطق . يف تلك اخلصائص

، ويف »كل الناس فانون«: معينة، كقولنايكون كل أفراد الفئة مشرتكني يف خاصية بالنسبة إىل كل : منطقية لتأخذ الصيغة التالية هذه احلالة تتحول اجلملة إىل قضية

إنسانا إذن فهو فان، وهي صيغة ميكن كتابتها كتابة رمزية ) س(، إذا كان )س(معينة، وإمنا بعضهم فقط، وهناك فئات ال يشرتك كل إفرادها يف خاصية. حمضة

تتحول إىل) يف اللغة الطبيعية (، وهي مجلة »بعض الفالسفة وضعيون«: كقولنا، هو يف الوقت نفسه )س(يوجد على األقل : قضية منطقية لتأخذ الصيغة التالية

. فيلسوف ووضعي، وهي صيغة ميكن كتابتها كتابة رمزية كذلكأو اخلاصة اليت يكون فيها املوضوع فردا » الشخصية«وهناك بعض القضايا

الذي فتح ق بن زياد هو طار «: حملمول وصفا حمددا له، كقولناواحدا، وايوجد فرد، هو الذي فتح : وهي قضية تأخذ الصيغة املنطقية التالية» األندلس

.األندلس، وهذا الفرد وحيد، وهو نفسه طارق بن زيادإن مثل هذه الصيغ املنطقية، إذا ما كتبناها كتابة رمزية حمضة، تسمح لنا

ة اخلارجية للجملة يف اللغة اليت ختفيها الصورة النحوي البنية الحقيقيةبالكشف عن




62

الطبيعية، ويسمح لنا هذا التحليل املنطقي باالنتباه إىل االستعمال الدقيق للغة اليت . كثريا ما تكون صيـغها الرتكيبية سببا يف الوقوع يف اخلطأ

، هو عالقتها "راسل"يف منطق " احملموالت"واألمر الثاين الذي خيص فإذا كانت القضية احلملية يف املنطق ". الدالة القضوية"بـبالقضية، وهو ما يسمى

يسند إليه " جوهرا"التقليدي تتألف من موضوع وحممول، حيث يكون املوضوع ويكون بشيء ما ، بلليس متعلقا جبوهر " راسل"احملمول، فإن احملمول يف منطق

اس كل الن«ة تشري إىل أي شيء، ففي القضية ، أي عالم» متغريا حرا«اجلوهر يصبح هو بدوره حمموال بلجوهرا أو موضوعا، » الناس«ال يبقى احلد » فانون

، »س«ينطبق هو كذلك على »فانون«ومرتبطا مبحمول آخر» س«ينطبق على إنسانا، » س«، إذا كان »س«مهما يكن : يةألن قضيتنا تأخذ الصيغة املنطقية التال

" حمموالت"هناك بل ضوع واحملمول، فلم يعد هناك متييز بني املو . فان» س«فإن .1تربطها عالقة

إن مفهوم العالقة مفهوم حديث نسبيا، وهي مثل اجلسر : حساب العالقات . جالذي يكون أحد طرفيه معلقا جبوهر والطرف اآلخر جبوهر آخر، ولكن العالقة

.عن األطراف اليت تربطها ، من حيث خصائصها، مستقلةأن كل قضية " كانط"و" ليبنتس"حىت " أرسطو"لوفا ابتداء من لقد أصبح مأ

"راسل"بسيطة تتألف من موضوع وحممول، ولكن مع ظهور األعمال املنطقية لـ، أصبح التحليل ذا الشكل موضع شك، وذلك "مور"و" بيانو"و" فرجيه"و

:باكتشاف أمرين اثننييف اللغات » être «هو االستعمال الغامض واملبهم لفعل الكينونة أولهما

:واألمثلة التالية تبني ذلك الطبيعية،

1 Piguet J-C., op. cit. p. 109.



63

(Platon est le disciple de Socrate) "سقراط"تلميذ ) هو" (أفالطون" -

.الهويةويدل فعل الكينونة هنا على ، ويدل فعل الكينونة هنا ) Socrate est un homme ( إنسان) هو(سقراط -

. فرد موعة انتماءعلى ، ويدل )les hommes sont des mammifères ( من الثدييات) هم(البشر -

.جمموعة يف جمموعة أخرى احتواءفعل الكينونة هنا على (certains mammifères sont ثنائية األرجل) هي(بعض الثدييات -

bipèdes(متبوع مكمم وجودي ىالقضية عل ، ويدل فعل الكينونة يف هذه .ثدييات وهي ثنائية األرجل توجد: ، حيث ميكن كتابتها هكذا"و"بالرابطة

، ويدل ) tous les hommes sont raisonnables ( عقالء) هم(كل الناس -، حيث تأخذ القضية الصيغة "ذاإ"متبوع بأداة الشرط مكمم كليهنا على

.عاقل" س" فإنإنسانا، " س"كان إذا، "س" لكلبالنسبة : التاليةمن هذه األمثلة ميكننا أن نتبني الغموض الذي يكتنف فعل الكينونة من

.1حيث داللته يف اللغات الطبيعية، هو أن "بيانو"و" فرجيه"و" راسل"الذي كشفت عنه أعمال األمر الثاني و

: قضايا كثرية حتتوي على عالقات ال تسمح بإرجاعها إىل الصيغة التقليدية املألوفة على يمينموجود أ«: القضية التالية مثاال على ذلكو لنأخذ ". حممول/ موضوع"

، وجب "وضوع ـــ حممولم"فإذا أردنا أن نعطي هذه العبارة الصيغة التقليدية . »بموجود على «هو املوضوع األصلي والطرف » أ«نا أن نقرر ما إذا كان الطرف عليحيث يكون الطرف هو املوضوع األصلي » ب«أم أن هو احملمول،» ب ميني

1 Jacob Pierre, l'empirisme logique, ses antécédents, ses critiques, éd. Minuit, Paris, 1980, p.60.




64

فمثل هذه األمور ال ميكن تناوهلا بأدوات . هو احملمول» أموجود على يسار «، األمر 1"موضوع ــــ حممول: "لقضية على صيغةاملنطق التقليدي الذي تقوم فيه ا

الذي جعل النزعة املنطقية تستعيض عن التقسيم التقليدي للقضية مبنطق العالقات . و دوال القضايا

يهتم أوال بتحليل العالقات بني " راسل"و" فرجيه"إن املنطق الذي ابتكره كما يسميها " الجزيئية"املركبة أو اليت تؤلف القضايا ) الذرية( القضايا األولية

". القضايا حساب"، وهذا التحليل هو ما يسمى بـ"راسل"جتاه اللغة الطبيعية، " راسل"ا من هذا التحفظ واحلذر اللذين يبديهما انطالق

تركزت جهوده املنطقية حول تأسيس نظام قائم على الرتميز يضمن دقة التعبري يف هذا " فرجيه"س من شك يف أن العمل الذي أجنزه ولي. االستدالل" سالسة"و

صاغ أفكاره انطالقا منها، إذ ميكن " راسل"اال كان مادة أساسية، قد يكون فاحتة عهد جديد يف تاريخ املنطق وحلظة تأسيس للمنطق الرمزي أو " فرجيه"اعتبار

".اللوجستيك"كثريا على االستدالل الصوري، ذا نزعة منطقية رمزية، يعول " فرجيه"لقد كان

ذلك االستالل الذي يقوم على االستعاضة عن ألفاظ اللغة الطبيعية برموز أو بلغة الطريقة االستنتاجية اليت يقول يف سياق حديثه عن فهواصطناعية أساسها الرتميز،

يف «: على شاكلة احلساب" كتابة رمزية"أراد اتباعها يف عمله املتعلق بتأسيس الذي كنت أهدف فيه إىل حتقيق هذا املطلب بكل دقة، وجدت عائقا يف الوقت

ونفهم . 2»...ومن هذه احلاجة، انبثقت فكرة الكتابة الرمزية... عدم مالءمة اللغةمن هذا أن الدافع إىل اخرتاع هذه الكتابة هو عدم مالءمة اللغة الطبيعية للتعبري عن

1 Jacob Pierre, l'empirisme logique .. op. cit. p. 61. 2 Frege Gottlob, Idéographie, un langage formalisé de la pensée pure, trad. Corine BESSON, éd. Vrin, Paris, 1999, préface, p. 6.



65

اخرتاع خلدمة أهداف علمية، " ابته الرمزيةكت"األفكار العلمية، وهو نفسه يؤكد أن من قبل عندما كان يلح على " بيكون"كما أنه ال خيفي ارتباط فكرته مبا ذهب إليه

. ضرورة اخرتاع مناهج وطرق جديدة لالكتشاف وتطوير العلمعلى أنه إذا أصبح من مهام الفلسفة أن تقطع الصلة مع " فرجيه"ويؤكد

كر اإلنساين بالكشف عن األوهام اليت تنتج عن االستعمال سلطة الكلمة على الف .1تعترب أداة فعالة يف خدمة الفالسفة" كتابته الرمزية"السيئ للغة، فإن

:واللغة الكاملة منطقيا" راسل"و كتابته الرمزية، فذلك " فرجيه"وإذا كنا عرجنا ذا الشكل على منطق

أفكاره املنطقية منه، إذ يكفي أن نعرف موقف هذا استوحى كثريا من " راسل"ألن األخري من اللغة الطبيعية حىت نتبني أما ينطلقان من تصورات متقاربة جدا، فهو

أال نقنع باللغة التفكير الجادينبغي يف حماولتنا «: يقول يف نقده للغة الطبيعيةوأنا مقتنع متاما بأن . مروعالعادية مبا فيها من اشرتاك يف املعاين وما هلا من تركيب

التشبث العنيد باللغة العادية يف أفكارنا اخلاصة هو واحد من املصاعب األساسية .2»فلسفةيف سبيل تقدم ال

ال ينكر أن مبقدور اللغة الطبيعية التمييز بني ،متاما" فرجيه"مثل ،"راسل"إن األشياء، ذلك التمييز الذي قد تعجز عنه حىت اللغة املنطقية، ولكن الذي متتاز به

ألن اللغة الطبيعية لغة املنطق الرياضي عن اللغة الطبيعية هو دقتها وتعميماا،وتكون ة دالالت، تتصف بعيبني متقابلني؛ فغالبا ما تكون للكلمة الواحدة عد«

1 Ibid, (préface), op. cit. p. 8.

، ص1978، وكالة املطبوعات، الكويت، 2.عبد الرمحن بدوي، مدخل جديد إىل الفلسفة، ط: نقال عن 2242.




66

، ومن هنا تظهر حاجة العلوم والفلسفة إىل تكييف 1»لعدة كلمات الداللة نفسهاإن هذه الدقة املتوخاة تستدعي إدخال . لغة مالئمة توخيا للدقة وطلبا للتقدم

ويؤكد . تعديالت على اللغة إن على مستوى الرتكيب أو على مستوى املفرداتكل ...« ختص العلوم وحدها، بل الفلسفة كذلك، فـعلى أن املسألة ال " راسل"

علوم الفيزياء والكيمياء والطب يف حاجة إىل لغة غري لغة احلياة كونالناس يؤيدون هذا االجتاه فأنا ال أفهم ملاذا يكون ممنوعا على الفلسفة أن تبذل جهدا يف . اليومية

. 2»طلبا للدقة واإلحكام ،"فرجيه"و" راسل"وجود بني األفكار املنطقية عند التقارب امل ظهرمن هنا ي

على إرساء قواعده يهدف إىل جتاوز " راسل"ونفهم أن املنطق الرمزي الذي حرص ، تبقى 2×4+3: فعبارة مثل هذه. الغموض الذي يشوب اللغات الطبيعية كثريا

نتبني غامضة جدا إذا اكتفينا بأدوات اللغة الطبيعية يف صياغتها، إذ ال ميكن أن، أم أن املقصود "2" مضروبا يف العدد) 4+3( فيها ما إذا كان املقصود هو اجلموع

وهلذا السبب، فإن الكتابة الرمزية اليت ). 2×4( مضافا إليه اجلداء" 3"هو العدد يؤكد عليها املنطق الرمزي ضرورية إلزالة هذا الغموض، إذ يصبح األمر بينا إذا ما

.)2×4(+3 :، أو هكذا2×)4+3( :قة هكذاكتبنا العبارة السابيرى يف اللغة املنطقية القائمة على الرتميز سبيال إىل التحرر " راسل"وإذا كان

من عيوب اللغة الطبيعية، فإن تصوره للمنطق خيتلف عن ذلك التصور الكالسيكي ، ذلك املنطق الذي يرجع كل قضية بسيطة إىل "أرسطو"الذي أرسى قواعده

" راسل"إن التشبث ذه الصيغة يف نظر ". موضوع ـــ حممول: "لصيغة التقليديةاومصدر الصعوبة هو اخللط بني الصورة .ببا يف كثري من اخللط والتشويشيكون س

1 Russell Bertrand, Histoire de mes idées philosophiques, trad. Georges AUCLAIR, éd. Gallimard, 1961, p. 292. 2 Ibid. p. 303.



67

وهلذا السبب، ومن أجل جتاوز هذه . النحوية والصورة املنطقية يف اللغة العادية اللغة المثاليةة سليمة، أعين نوعا من الصعوبة، جيب على الفلسفة أن جتد هلا لغ

. ان متطابقتنيفيها الصورت تكوناليت :بنية اللغة وبنية العالم

توازيا بني اللغة والواقع أو نوعا من التماثل بينهما، حيث جيعل " راسل"يقيم مركبة، من بنية اللغة صورة تعكس بنية الوقائع املعرب عنها، فحيثما كانت هناك مجلة

. وجب أن يكون هناك تركيب مماثل يف الواقعة اليت جتعل هذه القضية صادقةدم أخذهم ذا التصور، وهذه على كثري من املناطقة الوضعيني ع" راسل"ويعيب

لدى بعض «كما يقول، و جيد ، 1»نقطة اخلالف األساسية بيين وبينهم «هي ميكن أن تكون منفصلة متاما عن عامل إن اللغة : املناطقة الوضعيني رأيا غريبا

فإذا قلت إن اجلملة املنطوقة حادثة فيزيائية مركبة من بعض حركات املادة، . الوقائعن لون مغاير، وإن اجلملة املكتوبة مركبة من عالمات ذات لون معني فوق أرضية م

.2»فإم جيدونك ساذجاألف من أجزاء بينها عالقات، فكل واقعة وإذا كانت األشياء مركبة، فإا تت

تتألف من جمموعة من العالقات بني أجزاء املركب أو بني كيفيات األشياء البسيطة،عنها عندما ال تعبر، وصادقةعن تلك العالقات عندما تكون معبرةوتكون اجلمل

وإذا كانت جمموعة من املركبات حتتوي على عنصر مشرتك، فإن . كاذبةتكون ة عنها، حيث تكون ذل ك جيب أن يظهر يف اجلمل املعرب

1 Russell Bertrand, Histoire de mes idées philosophiques, op. cit. p. 294. 2 Ibid. p. 272.




68

وإذا كان لكلمة ما إسهام يف حتديد معىن . كلها حمتوية على كلمة مشرتكة " راسل"، ولكن 1اجلملة، فال بد أن يكون هناك شيء ما تدل عليه تلك الكلمة

التصور، جعلته فيما بعد يرتاجع عن هذا " نظرية األوصاف احملددة"يعرتف بأن أن يكون لكلمة ما إسهام يف تكوين معىن اجلملة دون أن حيث اقتنع بأنه ميكن

. أدوات الربط واحلروف مثليكون هلا معىن يف ذاا، . ذلك الكل" بنية"إن الكيفية اليت تنتظم وفقها األجزاء ضمن الكل تشكل

الواقع، فإن معرفتنا للواقع متر حتما وملا كان هناك تواز ومتاثل بني بنية اللغة وبنية معرفتنا نستطيع أن نوسع ] النحوي للغة [ دراسة الرتكيب « لبنية اللغة، فـ مبعرفتنا

. 2»لبنية العامل بشكل كبري :مذهب الذرية المنطقية

" راسل"إن البديهية األوىل اليت يقوم عليها مذهب الذرية املنطقية الذي وضعه تقابلها » ذرية وقائع«هي أن العامل مكون من " فيتجنشتني"تلميذه حتت تأثري

. يف اللغة كما لو كانت هذه األخرية صورا هلا" قضايا أولية" هي النواتج النهائية اليت ينتهي إليها التحليل،" راسل"والذرات اليت يقصدها

إن السبب الذي «:يقولإذ ولكنها ليست ذرات فيزيائية، وإمنا هي ذرات منطقية، أمسي من أجله نظرييت بالذرية املنطقية هو أن الذرات اليت أريد التوصل إليها من

. 3»ذرات منطقية وليست ذرات فيزيائيةحيث هي اخلالصة النهائية للتحليل هي ينطلق من أن كثريا من العبارات اليت تصدر " راسل"إن التحليل املنطقي عند

فيقتضي األمر مبهمة،الواقع يف ا واضحة للوهلة األوىل، يف حني أاعنا، تبدو لنإن تلك العناصر األولية هي . حتليلها إىل عناصرها األولية من أجل حتقيق الدقة

1 Ibid. p. 197. 2 Ibid. p. 217. 3 Russell Bertrand, Ecrits… op. cit. p. 338.



69

إن الطريقة «": راسل"يقول . احلقيقة اليت تعترب تلك األشياء املبهمة ظالال هلااليت " البديهية"االنتقال من األشياء تتمثل أساسا يف ، يف نظري، السليمة للتفلسف

حنس أننا على يقني منها واليت هي يف احلقيقة غامضة ومبهمة، إىل شيء دقيق ية اليت يعترب ذلك الشيء احلقيقة الواقع ،إن صح التعبري ،والذي هو... واضح وحمدد

. 1»ظال هلاشيء جيعل قضية ما كل «يف قاموس الذرية املنطقية هو " الواقعة"واملقصود بـ

ما ال يعين احلديث عن " واقعة"ومعىن هذا أن احلديث عن . 2»صحيحة أو خاطئةشيء خاص موجود، فمثل هذه األشياء اخلاصة ال جتعل بذاا قضية ما صحيحة

كاملة، ال بكلمة بجملةإذن، هو ما نعرب عنه " الواقعة"فاملقصود بـ. أو خاطئةواقعة ما بكلمة واحدة، فيجب أن نفهم أن هناك وإذا حصل أن عربنا عن . واحدة

. سياقا مضمرا تندرج حتته هذه الكلمة، حبيث تـؤول على أا مجلةفهل جيب أن نفهم من هذا أن العامل ليس مكونا من أشياء؟ نعم، ليس العامل

إننا نكون بصدد التعبري عن واقعة عندما ننسب". وقائع"هو بل " أشياء"جمموعة خاصية ما إىل شيء ما أو ندخله مع شيء آخر ضمن عالقة ما، ولكن ذلك

ويرتتب على . فالعامل إذن هو جمموعة من العالقات. الشيء ليس واقعة يف ذاتهيكون صحيحا أو خاطئا حسب تطابقه أو عدم تطابقه مع نقولههذا، أن ما

. الواقعة املوضوعية املتعلق االذرية يف تناسب مع الوقائع، فإنه ال توجد وقائع توازيها وإذا كانت القضايا

ك أو « قضايا جزيئية، أي إنه إذا كانت لدينا مثال القضية اجلزيئية اليت صورا ، ولكن ال توجد »ل«وأخرى تتناسب مع » ك«، فإن هناك واقعة تتناسب مع »ل

1 Ibid. p. 339. 2 Ibid. p. 341.




70

قضية، ال تقابلها جديدة لل ، وبالتايل فنحن أمام صورة»ك أو ل«تتناسب مع واقعة أية واقعة رغم أا مركبة من قضايا ذرية تقابلها وقائع ذرية، ورغم أن قيمة الصدق

. 1فيها مرهونة بصدق أو كذب تينك القضيتني الذريتنيواملقصود بالعالمة املركبة، أا تتألف .عالمة مركبة" راسل"والقضية يف نظر

تكون بذلك الكلمات املستعملة يف مجلة ما من أجزاء هي بدورها عالمات، ف يسعى إليهااليت كان الكاملة منطقياويف اللغة . 2عالمات، و اجلملة عالمة مركبة

، تكون الكلمات اليت تتألف منها القضية متناسبة مع مكونات الواقعة اليت "راسل" ،»إذا«، »ذنإ«، »أو«تعرب عنها تلك القضية، باستثناء بعض األدوات من قبيل

وبالتايل فإن لكل شيء بسيط كلمة واحدة فقط تعرب عنه، وأما األشياء املركبة فنعرب . عنها من خالل توليفات بني الكلمات

يتضح مما سبق أن هاجس اللغة الكاملة منطقيا يندرج ضمن التوجه العام كثري من متفصالته مع للفلسفة التحليلية والوضعية املنطقية، وهو توجه يتقاطع يف

ونظرا إىل اللغة، رغم أن فالسفة األنوار أحجموا عن التفكري يف " األنوار"تعاليم اللغات الطبيعية من " تطهري"مثل هذه اللغة االصطناعية، حيث كان هدفهم هو

من قبل، واملتمثل يف احلرص على " جون لوك"العيوب، وهو اخلط نفسه الذي رمسه فلم يفكر هؤالء يف إصالح نظام اللغة، بقدر ما . ق للغة الطبيعيةاالستعمال الدقي

.كانوا يدعون إىل احليطة واالحرتاز يف استعمال ألفاظهاالقفز فوق التنوع اللغوي الذي تفرضه هو بعض املشاريع هدف ولئن كان

اللغات الطبيعية، إذ كانت موجهة إىل االستعاضة عن هذا التنوع باخرتاع لغة

1 Russell Bertrand, Ecrits… op. cit. p. 368. 2 Ibid. p. 344.



71

اصطناعية، فإن برتراند راسل كان على وعي باستحالة ذلك، إذ كان يؤمن بإمكان . إنشاء لغة اصطناعية ألغراض علمية فقط

الطبيعية يف إن الذي يدفعنا إىل االعتقاد بأنه يستحيل االستغناء عن اللغات األوىل تقوم تنوعها واالستعاضة عنها يف احلياة اليومية بلغة اصطناعية حمضة، هو أن

، أي إا تتأسس على قواعد تأخذ بعني االعتبار السياقات اليت تداوليعلى أساس يتم فيها اإلرسال والتلقي، تلك القواعد اليت يكرسها االستعمال، واليت بفضلها

ويف خمتلف مظاهر البالغة والبيان صور . تأخذ الكلمات واجلمل دالالت متنوعةولكنها مظاهر جعلت أصحاب تلك املشاريع ،ازاالستعارة وامثل لذلك،

يعتقدون أن دقة اللغة تكمن يف حذف مثل هذه املظاهر باعتبارها سببا يف . الغموض ومدعاة للجدل الناجم عن التأويل

ورغم هذه النقائص اليت قد تشوب اللغات الطبيعية، فإا وحدها القادرة ،أبعادها من إحساسات وإدراكات وجتريدات على استيعاب التجربة اإلنسانية بكل

الوحيد الذي يفسح جماال تعبرييا أكثر اتساعا " نظام العالمات" وتبقى بذلك .ومالءمة

ومهما كانت اللغات الطبيعية مشوبة بعيوب، فإن حماولة اختزاهلا يف لغة رمزية صعوبات يفرضها منطقية قصد حتقيق درجة عالية من الدقة يف التعبري، تصطدم ب

ومن هذه الصعوبات، . ذلك التنوع و تلك اخلصوصيات املميزة للغات الطبيعيةويف . مع ذلك ميكن صياغتها منطقيابارات فارغة متاما من الداللة، و وجود مجل وع

املقابل، هناك مجل وعبارات كثرية يف اللغات الطبيعية، ذات داللة واضحة .لى الصياغة الرمزية املنطقيةومفهومة، ومع ذلك فهي مستعصية ع




72

:المراجعقائمة

.الكويت ،1978، 2وكالة املطبوعات، ط، ة، مدخل جديد إىل الفلسفبدوي عبد الرمحن .1 .1998رشوان حممد مهران، دراسات يف فلسفة اللغة، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، .2

3. Carnap Rudolf & autres, Manifeste du Cercle de Vienne et autres écrits ( s/ la direction d'Antonia SOULEZ ), trad. Barbara CASSIN & autres, éd. P.U.F. Paris, 1985. 4. Frege Gottlob, Idéographie, un langage formalisé de la pensée pure, trad. Corine BESSON, éd. Vrin , Paris, 1999. 5. Jacob Pierre, l'empirisme logique, ses antécédents, ses critiques, éd. Minuit, Paris, 1980. 6. Piguet ( J-Claude ), Où va la philosophie et d'où vient – elle? La Baconnière, Neuchâtel (Suisse ), 1985. 7. Russell Bertrand, Ecrits de logique philosophique, trad. Jean-Michel ROY, éd. P.U.F., Paris, 1989. 8. Russell Bertrand, Histoire de mes idées philosophiques, trad. Georges AUCLAIR, éd. Gallimard.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ " ...االنسان"فكرة الواقعانية ومفهوم جملة أبعادجملة أبعادجملة أبعادجملة أبعاد


73

"اإلنسان"فكرة الواقعانية ومفهوم

مارتن هيدغر: تأليف

:ترمجة وتعليق

∗∗∗∗عمارة ناصر. د

:ملخص وتقدمي

األنطولوجيا، هرمينوطيقا :"هذه ترمجة للفصل الثاين من كتاب هيدغر - إن -جبامعة فرايبورغ 1923سنة ، وهي حماضرته اليت ألقاها 1"الواقعانية، عرب سلسلة من الدروس، واليت تعترب (Fribourg-en-Brisgau)بريسغو

، (Sein und Zeit)" الكينونة والزمان"من أهم اإلرهاصات األوىل لكتاب حيث كان هاجسه يف هذه الفرتة هو تبيني احلياة الواقعانية للدزاين من

.خالل هرمينوطيقا مطعمة بالفينومينولوجيا

حيث إن موضوع البحث اهلرمينوطيقي املمارس يف هذا النص هو الدزاين اخلاص واليت (من خالل مساءلته يف خاصية كينونته، يف سياق اإلمكانيات الزمانية للكينونة

، واليت ال تبني نفسها إال يف املعيش (Existentiaux)يسميها هيدغر بالوجوديات

.قسم الفلسفة، جامعة مستغامن، اجلزائر ∗1 Martin Heidegger, « Ontologie, Herméneutique de la factivité », Traduit de l’allemand par : Alain Boutot, éd. Gallimard, Paris, 2012. PP :42-56.




74

وسطا وحشوا كالميا فيهما يعيش الدزاين ومن أي كحياة واقعانية تتضمن خطابا مت .خالهلما يفهم، ولكنهما أيضا القناع الذي خيتفي خلفه االنشغال بالدزاين

دف اهلرمينوطيقا اهليدغرية إىل إيقاظ الدزاين يف احلاضر الذي هو يف ، ويسمي هيدغر هذا "مع اآلخرين -الكينونة"، يف "حنن"، يف "الوهلة األوىل"" L’aujourd’hui " ، ففي اليومي"Das Heuteاليوم " "حلاضر للوهلة األوىلا"

نكون أقرب إىل الكينونة يف حياا اخلاصة يف كل مرة، يف احلياة الواقعانية "Faktisches Leben" . وعليه فإن اإلمكانية األساسية ملقاربة هذه الكينونة يف

ميكنه ، "Contingence"مبا أا إمكان عرضي ) مصادفتها" (مالقاا"يوميتها هي .أال يكون

حتدد الواقعانية الكينونة اليت نكوا حنن أنفسنا، كينونة ملموسة، " اليومي"يف اقعانية هي خاصية للحياة، واليت من خالل ارتباطها إن الو "كما هي يف كل مرة، إذ

، إن "هي احلياة" كيف"باللحظة احلاضرة، تتملص من القبض النظري، إا تعني ال ينفتح يف املواجهة النظرية، ولكنه ينفتح داخل املعيش " كيف"الولوج إىل هذا الـ

ر تريد أن تفهم مضامني وجتربة الواقعية احلية، اليت تنبع منها نظرة يقظة للظواه. 1"دون إدراكه ومعرفته بشكل كامل" الواقعاين"وتعابري عامل احلياة وتقرتب من

ويستعني هيدغر يف مغامرة الولوج إىل احلياة الواقعانية للدزاين، يف هذا النص، ، من أجل تدعيم املقاربة ...بأوغسطني، لوثر، شبنغلر، دلتاي، ريكر، ناتروب

. اليت تتطلبها حالة تبيني الدزاين الفينومينولوجية

1 Ina Schmidt, « La vie comme défi phénoménologique », in : Sophie-Jan Arrien, Sylvain Camilleri, « Le jeune Heidegger (1909-1926): herméneutique, phénoménologie, théologie », éd. Vrain, Paris, 2011, p.127.



75

: نص هيدغركل مرة هو الدزاين = 1الواقعانية: عندما حندد دالليا موضوع اهلرمينوطيقا يف

" اإلنساين"اخلاص بنا، فإننا نكون قد تفادينا بشكل أساسي احلديث عن الدزاين ".كينونة اإلنسان"أو

الشخص )2كائن حي وهب عقال، و )1: تعين" اإلنسان"إن مفهومات والشخصية، املولودان يف إطار اخلربات املوجهة يف كل مرة يف سياقات موضوعية

املفهوم األول يندرج ضمن السياق الواقعي الذي . حمددة ومعطاة مسبقا يف العامللسنا حباجة هنا . (، إلهنبات، حيوان، إنسان، شيطان: يشري إىل سلسلة موضوعية

املفهوم الثاين ). ألن نفكر مبقاربة علمية وبيولوجية خاصة باملعىن احلديث للكلمةيتجلى يف إطار التفسري املسيحي للرتكيبة األصلية لإلنسان بوصفه خملوقا من اإلله،

صر يتعلق األمر يف كل من املفهومني بتثبيت العنا. تفسري موجه بتعاليم العهد القدمياليت تدخل يف تكوين شيء معطى مسبقا ننسب إليه، انطالقا من هذه العناصر،

وتعين الواقعة، وهي يف الفلسفة تعين خاصية ما factumمن الكلمة الالتنية ): Faktizität( الواقعانية 1

وكان سارتر قد عرف الواقعانية املرتبطة مبا هو لذاته، . اإلمكان، دون تربير كاف له) طارئة(يوجد بطريقة عرضية أن نقول إن لذاته، فالواقعانية هي اليت متكننا من -لذاته والعامل وماضي ما هو-أا العالقة الرابطة بني ما هو"يف

حتمية "، أو ما يسميه بـ"وواقعانية احلرية مثال هي كون احلرية ال ميكن أن تكون حرة. لذاته يكون أو يوجد-ما هو : ، أنظر."، ميكن للوعي أن خيتار ارتباطاته بالعامل)الكينونة العرضية(بدون الواقعانية "، ويضيف "الواقعة

Jean-Paul Sartre, « Etre et Néant, Essai d’ontologie phénoménologique », Gallimard, Paris, 1943, PP.119-120.

إن الواقعانية تعني خاصية "غري أن هيدغر سيعطي للواقعانية مزيدا من الراهنية والزمانية واخلصوصانية، الكينونة "ظاهرة (ذا الدزاين يف كل مرة هو ه: إن هذا املصطلح يعين بالتحديد". بنا" "اخلاص"الكينونة للدزاين

بشرط أن يكون الدزاين، ) هنا-أمام، الكينونة-هنا-، يرتيث، ال يذهب، الكينونة"Jeweiligkeit يف كل مرة احلياة الواقعانية، فريى أنه "، بل يذهب إىل ربطها باحلياة أي بوصفها ."بفضل كينونته" هنا"يف خاصية كينونته،

الدزاين اخلاص بنا بوصفه : تعين" حياة الواقعانية"، فإن الـ"الكينونة"نفهم طريقة ما يف " حياة"إذا كان بواسطة الـ" )املرتجم". (يف تعبريية ما خلاصية كينونته، تعبريية تنتمي له بفضل كينونته" هنا"موجودا




76

طريقة حمددة يف الكينونة، مما جيعلنا نقول أن هذا الشيء هو نفسه موجود يف حالة . 1واقعية غري مبالية -كينونة، إن هذا املفهوم ليس "الكينونة املوهوبة عقال "جيب أن حنرتس هنا من مفهوم

λογος إن كلمة لوغوس. ζῶον λόγον ἔχο" حيوان عاقل"املعىن الدقيق لعبارة

، "عقل"على معىن ) أرسطو(مل تدل أبدا يف الفلسفة الكالسيكية لدى اليونان هو كائن له عامله املؤسس ولكن دلت على معىن خطاب، حوار، فاإلنسان إذن

ستصبح هذه املفاهيم سطحية يف الفلسفة الرواقية، مث يف . 2على األولية اخلطابية πιστις اإلميان، σοφιαالتأمل والتصوف اهللنسيت، ستظهر مفاهيم احلكمة

.λογοςأقانيم للوغوس -كمفاهيمإن مفهومات اإلنسان املستخدمة حاليا مستمدة من مصدرين سيأيت احلديث عنهما أدناه، حيث نستأنف فكرة الشخص باالرتباط مع كانط واملثالية

. األملانية أو بإحياء تيولوجيا العصور الوسطى :في التراث اإلنجيلي" اإلنسان"مفهوم .1

العبارة اليونانيةوهو مفهوم حاضر يف -إن شرح فكرة اإلنسان كشخص يرد يف الفكرة املوجهة ملقطع أصبح - ζῶον λόγον ἔχο" حيوان عاقل"

، 26، 1سفر التكوين، : كالسيكيا، العتبارات عديدة، بالنسبة للتيولوجيا املسيحيةإن كلميت ". فلنجعل اإلنسان على صورتنا وشبهنا: قال الرب): "السبعون(يف

. تأخذان معىن متطابقا تقريبا ομοιωσις والشبه εικωνالشخص ملعرفة . إن فكرة اإلله هذه تتضمن على نظرة جتاه البشر، هي موقف ديين(

" شخصية"كينونة –) ουσιαطبيعية، (كينونة : Kuhnكوهن : أنظر. النظرتني

).املرتجم(وهي احلالة اليت تستوجب اليقظة 1 ).إضافة الحقة هليدغر" (1924يف سداسي صيف 2



77

)υποστασις )قادرة على تكوين حقيقة حول "معقول حمسوس، ) أقنوم، جوهر . 1")لهحمبة "وتكوين " اإلله

Saintإن تاريخ تفسري هذا املقطع من سفر التكوين يبدأ مع القديس بولس

Paul يف الرسالة األوىل إىل الكورنثوس ،(Corthiens) ،XI,7 : جل الالر فإن ".يـنبغي أن يـغطي رأسه لكونه صورة اهللا وجمده

ألنVIII,29 : ، رسالة الرومانيني، III,8الرسالة الثانية إىل الكورنثوس، : أنظر الذين سبق فـعرفـهم سبق فـعيـنـهم ليكونوا مشاني صورة ابنه، ليكون هو بكرا بـني

.إخوة كثريين ما هي املرأة؟ : مشكلة ": خطاب إىل اليونانيني"، يف )م150حواىل سنة ] (السوري[يقول تاتيان

. اإلنسان وحده هو صورة اإلله وشبهه، وال أعين باإلنسان الذي يتكون كاحليوانات، ولكنه من يبتعد عن اإلنسانية لكي يقرتب من )ζωονليس بوصفه خملوقا حيا (

الطريقتان األساسيتان لفهم . 2)اهالذي يبتعد كثريا يف هذا االجت" (اإلله نفسه . اإلنسان حمددتان هنا بكل بوضوح

جنعل اإلنسان على صورتنا : "ويقول الرب: "يقول القديس أوغسطني لقد . جيب أن نالحظ هنا أن هناك اقرتان واختالف بني مجيع احليوانات". وشبهنا

يف الواقع فإن كل . قال بأن اإلنسان خلق يف اليوم نفسه الذي خلقت فيه الدواب

1 Die christliche Lehre von der göttlichen Gnade, 1re Partie, Tübingen, 1868, p.11.

). املذهب املسيحي يف العفو اإلهلي( 2 Texte und Untersuchungen zur Geschichte der altchristlichen Literatur, éd. Par O.v. Gebhardt et A.harnack, t.IV, cahier1, Leipzig 1888-1893, chap. 15 (68), p.16, 1.13-16.

)نصوص ودراسات حول األدب املسيحي القدمي(




78

ياز العقل، الذي جعل ولكن بسبب امت. حيوانات األرض خلقت يف الوقت نفسهاإلنسان خيلق على صورة اإلله وشبهه، فإننا نتحدث بشكل خمتلف، بعد أن خلص

. 1"رأى اإلله أن ذلك جيد: "من خلق حيوانات األرض، بالقولحول اية أو حد تكاثر اإلنسان، بالنظر إىل أنه صنع على "القديس توماس،

.2"صورة اإلله وشبهه، 2يف اإلميان األرثوذكسي، الكتاب (القديس يوحنا الدمشقي لقد قال

، أن اإلنسان خلق على صورة اإلله، مما يعين أنه وهب عقال، إرادة حرة )2الفصل كذلك، وبعد وصفه بالنسخة، يعين اإلله، واملوجودات اليت فاضت من . وقوة بذاته

اإلنسان هو مبدأ . انقوته حسب إرادته، بقي لنا أن نتأمل صورته، يعين اإلنسإن هذا الطرح يقدم . 3)أفعاله ألنه ميتلك إرادة حرة والقدرة على التحكم يف أفعاله

. التيولوجي الرئيسي في العصور الوسطىالبنية املنهجية الداخلية للعمل شاخصتني حنو اإلله ) اإلنسان(مبا أن عينيه : (Zwingli)يقول زوينغلي

ضوح بأنه، بطبيعته، مولود بطريقة ما بالقرب من اإلله، وكلمته، فهذا يدل بو ويستمد قوته منه، ويوجد شيء ما جيذبه حنو اإلله، كل هذا يؤدي بدون شك إىل

4."أنه خلق على صورة اإلله

1 De Genesi ad litteram imperfectus liber, Migne XXXIV, Paris, 1845, chap. 16,55, p.241. 2 Somme théologique, I, question XCIII, prologue. )املقدمة(3 Somme théologique, II prologue. )املقدمة( 4 Von Klarheit und gewusse oder unbetrogliche des Worts Gottes, in Werke, t.1, Der deutschen Schriften erster Theil, Zurich, 1828, p.58.

)يف وضوح ويقني أو قوة كلمة الرب(



79

إن الشرط األول لإلنسان قد مت حتسينه وجعله : (Calvin)يقول كالفن وحرية التصرف ليس من أجل نظام احلياة على بأن يكون له احلذر واحلكم : ساميا

1."األرض فقط، ولكن من أجل الوصول إىل اإلله وبلوغ السعادة الكاملة . وعرب املثالية األملانية (Scheler)2إن تأويل الشخصية مير من هنا عرب شيلر ة، إن شيلر نفسه يتحرك داخل إطار اإلشكاليات القدمية، اليت مل تعد صاحل

إذا مل تكن إال التصفية الفينومينولوجية للتفسري وللرؤية اليت جتعل من تلك ، يف كل (...)املكان امليتافيزيقي "إنه يريد أن حيدد 3.اإلشكاليات أكثر تأثريااللباس التخيلي "يريد أن ينزع ". النوع اإلنساين"، 4"الوجود، العامل واإلله

5.لشيء نفسهعن الفكرة والقبض على ا" األسطوريوحدة اخلصائص الواقعية "لعلوم الطبيعة، 6"اإلنسان الطبيعي"يف الفرق بني وحدة "من جهة أخرى، " اإلنسان التارخيي"من جهة، و" النوع احليواين"، "املميزة

، إنه ببساطة 7"يف علوم الفكر ويف الفلسفة" اإلنسان"فكرية يتجلى من خالهلا فهوم الطبيعي واملفهوم العقالين الذي يعاود الظهور يف شكل الفرق الكانطي بني امل

1 J.Calvin, institio, I,15,8. 2 Voir :« Zur Idee des Menschen », 1re éd. In: Abhandlungen und Aufsatze, t.I, Leipzig, 1915, p.319-367. 4e éd. In: Vom Umsturz der Werte, Abhandlungen und Aufsatze, Gesammelte Werke, t.3, Berne, 1955, p.173-195. 3 cf. p.346, 186.

)والثاين للمقطع يف الطبعة الرابعةيف كل اهلوامش الالحقة هلذا النص يشري الرقم األول للمقطع يف الطبعة األوىل ( .173، 319: نفسه، ص 4 .173، 320: نفسه، ص 5 .174، 322: نفسه، ص 6 .175، 323: نفسه، ص 7




80

الكل يرى . من وجهة نظر القصدية والتصورية 1"خطأ أنرتوبولوجي. "(...) باهت !! "الفلسفة امللموسة"، "اخلارج"من

قصد وحركة "إنه ! ، معىن، رؤية، هرمينوطيقا هذا السؤال"ما هو اإلنسان" إله، -حيوان"". (حد "، "بني اإلثنني"، كينونة تبحث عن إله، 2"نفسه" التعايل"

مدخل للعفو "، 3"أبدي يذهب إىل املا بعد"، )الكائنان املستعادان خارجاهي من جانب إىل آخر " اإلنسان"الفكرة الوحيدة املعقولة عن "(...) ، 4"والرمحة

نة وحية عن اإلله، ، فكرة إنسان ما يصبح صورة متق"ثيوموريف، املتشكل إهليا"واحدة من رموزه، واحدة من صوره اخليالية املضاعفة إىل الالائي على جدار

! ، رسم، رواية! منظر شامل: بوضوح. 5"الوجود الكبري: أنظر كذلك(لقد قام شيلر باسرتجاع التيولوجيا القدمية حسب الظروف

ولكن بينما ، πνευμαالروح ψυχηالنفس σαρζاجلسد : الغنوصية الفالنتينيةكان التيولوجيون القدامى يعرفون، على األقل، أن األمر يتعلق بالتيولوجيا، فإن

إن هذه املنهجية اليت تؤدي إىل . شيلر يدمر الكل بضربة واحدة التيولوجيا والفلسفة . ، ميارسها شيلر يف كتابه بدقة كبريةFactif غض الطرف عن الواقعاين

":الحيوان العاقل"التيولوجي ومفهوم المفهوم .2تتخذ اهلرمينوطيقا يف كل مرة من الدزاين اخلاص موضوعا تسائله يف خاصية

كينونته وبنياته الظاهراتية، يف نسقية نطاقية كونية، إا توجز قطاعا حمددا لتوجيه . حبث نسقي حمدد

.173، 321: نفسه، ص 1 .186، 346: نفسه، ص 2 .186، 347: نفسه، ص 3 .187، 348: نفسه، ص 4 .187، 349: نفسه، ص 5



81

طالحيا، تفادينا وسنتفادى لتثبيت نطاق الكينونة، حتديده والقبض عليه اص إن مفهوم اإلنسان يعيق . من اآلن عبارة الدزاين اإلنساين والكينونة اإلنسانية

بشكل أساسي، يف كل من هاتني املقولتني التقليديتني، ما جيب أن يأيت من حييد عما يريد التحدث عنه، باستدعاء " معرفة ما هو اإلنسان"إن سؤال . الواقعانية

). ياسربس: راجع. (ب عنهموضوع غريلقد مت التناول املسبق للكائن الذي هو هنا والذي ندعوه إنسانا، داخل

". حيوانا عاقال"أشكال مقوالتية حمددة عندما نعتربه حسب التعبري التقليدي باألخذ ذا التعريف كقاعدة موجهة، فإن الوصف التعريفي يتعلق بوجهة نظر

. ء على ما حيركه يف األصلحمددة دون االستيالينفصل عن األرضية اليت نشأ منها وعن إمكانية ) حيوان عاقل(إن التعريف

حمدد بتأويل يعتمد على ) كانط(، وتأثريه على الفلسفة احلديثة 1كل برهنة حقيقيةإن معىن أفكار اإلنسانية، الشخصية، الشخص، ال . الدوافع التيولوجية املسيحية

: راجع. (ال انطالقا من هنا، أي بوصفها مضادات تيولوجية مصورنة حمددةيفهم إ ).1793كانط، الدين يف حدود العقل،

، بشكل غري دقيق، املعىن األساسي لفكرة الشخص عند 2لقد فهم شيلردون أن يدرك أن فكرته " استثناء غريب"كانط الذي وصف الشعور باالحرتام كـ

اخلاصة حول الشخص ال ختتلف عن فكرة كانط إال يف كوا أكثر دوغمائية فة ليخلط أكثر بني الفلسفة والتيولوجيا، يعين أنه خرب التيولوجيا وأضر بالفلس

. وبإمكاناا يف املساءلة النقدية

1 Cf. Aristote, Ethique à Nicomaque, A, 6. 2 der Formalismus in der Ethik und die materiale Wertethik, in Jahrbuch für Philosophie und phänomenologische Forschung, 2,1916, p.266.




82

، وبوصفه "نفسه" للتعايل"قصدا وإشارة "عندما يعرف شيلر اإلنسان بوصفه ، فإن هذا يف األساس ال خيتلف عن العبارة الكانطية "كينونة تبحث عن اإلله"مفتوحة من أجل الواجب بوصفه طريقة -مبعىن كينونة" اكتساب االحرتام من أجل" . واجهة القانون األخالقيمل

إن ما يدل على مدى ارتباك شيلر يف مواقفه األساسية هو، من بني أشياء أخرى، أن فكرته حول الشخص، حىت يف صيغتها احلرفية، هي بالضبط الفكرة نفسها اليت ساهم اإلصالحيون يف إظهارها يف مواجهة النزعة األرسطية للسكوالئية

، (Zwingli)زوينغلي : ، يراجع)القرون الوسطىمدرسية (السطحية الذي مل يـر أمهية يف التمييز، نظريا، بني وضعيات (Sauf)، زوف(Calvin)كالفن

وضع االكتمال، وضع الفساد، وضع (متعددة، أشكال متعددة لكينونة اإلنسان وأن هذه األوضاع ليست قابلة للتغري فيما بينها بشكل ) اد، وضع الشكر

.باطياعتضمنيا ) اإلنسان(من عرف (...) وحده لوثر : "عندما قال شيلر

: يراجع). 6، 40(، فإنه، يف احلقيقة، خيلط هنا بني لوثر والنيب إشعياء "1"جسد"كـ . 2"إن اجلسد يعين اإلنسان يف كليته بعقله وكل ما وهب طبيعيا : "لوثر

هذا يف وضع الفساد، احملدد كلية منذ البداية، انطالقا من اجلهل باإلله، هذه . األمن، الشك، كراهية اإلله، هي عالقة سلبية مع اإلله وتقف ضد اإلله

. العالقة مبا هي عليه هي عالقة مؤسسة

. 176، 325 :نفسه، ص 1

2 In Esaiam prophetam Scholia praelectionibus collecta, multis in locis non parva accessione aucta, 1534, chap.40,Werke (éd.d’Erlangen). Exegetica opera latina XXII, éd.H.Schmidt, Erlangen et Francfort, 1860, p.318.



83

تراه يف منظور كائنات " حيوان عاقل"إن الرؤية اليت حتدد اإلنسان يف تعريفه بـ ، وتراه ككائن ميتلك )النباتات، احليوانات(أخرى هي هنا معه يف شكل احلياة

أوليا هنا يف يقارب عامله خطابيا ويناقشه، عامله موجود ، λόγον ἔχονالكلمة حيوان "إن التعريف الالحق . واالنشغال باملعىن الواسع، πραξις عمومية املمارسة

ريف واملهمل، حيجب القاعدة احلدسية اليت ينبثق مبعناه احل ، "حيوان معقول"، "عاقل . اإلنسانية -منها حتديد الكينونة

إن هذا التعريف، الذي هو طرح وقضية يف الوقت نفسه، سيصبح، يف الفهم املؤسس داخل الوعي املسيحي للدزاين، أساس التحديد التيولوجي لفكرة اإلنسان

جيب على التحديد ). القادر على املعرفة= املعقول(املتولدة من فكرة الشخص التيولوجي أن يشتغل وفقا ملبدأ يسمح مبعرفته، يعين العودة إىل الوحي، والكتاب

إن الفكرة املوجهة اليت نستخرجها هي هذا املقطع يف سفر . املقدس قبل كل شيء ):I ،26(التكوين

"και είπεν ο Θεός· ποιήσωµεν άνθρωπον κατ ' εικόνα

ηµετέραν και καθ ' οµοίωσιν ،"فلنجعل اإلنسان على : قال الربإن الكينونة اإلنسانية حمددة مسبقا، وفق تعاليم اإلميان، ككينونة ". صورتنا وشبهنا

كتجريد -إن التحديد األساسي للكينونة اإلنسانية. خلقها اإلله على صورتهيتبع فكرة اإلله املكرسة هنا -مستمد من التعريف اليوناين املستعاد خارجا بسطحية

. واليت تلعب دورا معيارياباإلضافة إىل ذلك، بالنسبة لإلميان، فإن اإلنسان، كما هو يف الزمن احلاضر،

إن . ، أو بشكل دقيق مت إنقاذه وإحياؤه من طرف املسيح"بالسقوط"قد قام ث وضع اإلنسان السقوط واخلطيئة هي حالة ال تنسب إىل اإلله، ولكن من حي

ا نفسه فهو ملزم إذن بأن يكون خري(bonum) بوصفه خملوقا من اإلله، ولكن ومبا




84

إن وضعية احلالة . أن كل شيء خملوق بواسطته، فإنه ميكنه السقوط يف الوقت نفسهالراهنة نفسها تتبع يف كل مرة التجربة األصلية لفعل الوقوع يف اخلطيئة، وتتبع هذه

. ها يف كل مرة أصالة وال أصالة العالقة مع اإللهالتجربة بدور إن هذه التجربة املركبة املنغلقة على ذاا هي القاعدة اليت ترتكز عليها

.األنرتوبولوجيا التيولوجية املسيحية، إا تغري نفسها كل مرة وتبقى كما هيمع اإلله املؤسسة يف الفكر الفلسفي احلديث حول الشخص، مت حتييد العالقة

فعل مؤسس هلذا النوع " األنا املركزي"إن . لكينونة اإلنسان يف شكل معايري وقيم ).) ἀρχή (مبدأ انطالق(من األفكار، إنه مركز األفعال

إذا كان من الواجب إقصاء هذه التحديدات التيولوجية والدوغمائية األساسية يف تأمل فلسفي جذري للكينونة اإلنسانية، فيجب إذن أن نبتعد عن كل توجيه

ليس هذا فقط، ولكن املهمة (متضمن أو مسترت لفكرة حمددة للكينونة اإلنسانية، املوقف بسبب أن هذا األخري ميتلك األنطولوجية اإلجيابية متنع االعتماد على هذا

). مسبقا إجابة جاهزةكل مرة هو فيها الدزاين اخلاص بنا، ال مينع ما يذهب : إن مفهوم الواقعانية

يف حتديدات . ، الشخص، األنا املركزي، مركز األفعال"أنا"من البداية يف اجتاه فكرة فإن " الذات نفسها"م مفهوم حىت عندما نستخد". اململوك"، "التملك"، "اخلاص"

). ἀρχήالقصدية ومبدأ انطالقها ). (من اإلنية" (إين "ليس له أصل : مرة -كل -في -الواقعانية بمعنى الدزاين في كينونته الخاصة بنفسها .3 :(Das Heute)1"اليوم"مفهوم

ساءل يف خاصية إن موضوع البحث هو الواقعانية، يعين الدزاين اخلاص امل

الراهن، ما يعين يف حلظة " املوضوع"من املهم وقبل كل شيء أال نغفل . كينونته

".هرمينوطيقا الوضع" :عنوان هيدغر 1



85

جيب أن نتمسك باملؤشرات احملتواة . واحدة، من بداية انطالق الشرح اهلرمينوطيقيإن الدزاين اخلاص هو ما يوجد فقط . يف مفهوم الواقعانية يف طريقه إىل التحقق

. اليت يف كل مرة هي له" هنا"وبشكل دقيق يف الـ، "اليوم"هو مفهوم " مرة -كل -يف -الكينونة اخلاصة بنفسها"إن حتديد

الدزاين بوصفه . اإلقامة املاكثة يف كل مرة يف احلاضر، احلاضر اخلاص يف كل مرةالكينونة يف العامل، املعيش انطالقا من العامل، .تارخيانيا، احلاضر الذي هو له

).له اليومي -احلاضريف " اليوم"لقد أحيلت انطالقة التأويل إذن، بواسطة املوضوع نفسه، إىل التقليل من قوة هذه اإلحالة فقط، بل من إمكانية " اليوم"إذ مل مينع . حتديده

واسطتها يتم تتبع هذه اإلحالة حىت تتحقق اإلمساك بالواقعانية التابعة لألصالة اليت بسنقوم بإظهار املقوالت اخلاصة للدزاين واليت تفعله وتوقظه، يف . نتائجها القصوى

حاضر ما : باملعىن األنطولوجي هو" اليوم"إن مفهوم . لليوم 1حالة التبيني العمومي ". زماننا"، أولئك-مع-هؤالء - معا - ، الكينونة"حنن"هو كائن من أول وهلة، الـ

ميكن لإلحالة إىل اليوم أن تضعف، وبالتايل أن تتموه يف شكل سوء فهم إذا باشرنا القبض اهلرمينوطيقي على اليوم، نزوال عند ما )1: أساسي، بطريقتني

تفرضه اإلحالة دائما، بالوصف املطول واملفصل، وبطريقة مسلية كذلك، ملا نسميه ومن جهة أخرى، إذا استخرجنا )2هذا من جهة . للحاضر" النزعات األكثر إثارة"

نغالق، املريح يف العمق، من اإلحالة إىل الدزاين اخلاص يف كل مرة، اإلشارة إىل االفضول عاملوي، : هنا كما ههنا. داخل موقف عبثي وجمرت حول األنا املركزي املعزول

.، نزعة مركزية لألنا"ثقافة"

). املرتجم). (العمومي، اجلماهريي(، Das öffentlicheيف النص األملاين 1




86

ما حيدث بشكل "ال يطمح الشرح اهلرمينوطيقي إىل تقدمي تقرير عاملوي حول تص وندخل يف العامل، أن ، يف أيامنا هذه، هو اليومياتية، أن من "اليوم"إن ". مهم

إن اإلمكانيتني اللتني تقودان إىل تضليل . نتحدث من خالله، أن نكون منشغلنيالتحليل منذ االنطالقة ليستا طارئتني، ولكنهما تتقاطعان دائما عندما تتبعان

إن انتشار اهلرمينوطيقا هو باستمرار يف صراع مع إمكانية . الطريق احلقيقي هلما . أو ألخرىالتأرجح جلهة

لكن االفرتاضات، . لقد أعطى عمل كريكغارد دوافع قوية للشرح املعروض هنا نقطة االنطالق، الطريقة اليت جنعل ا الشرح واهلدف املتبع مكتملني، هذا كله

يف األساس، مل يطرح . خيتلف اختالفا جوهريا، ألن هذا جيعل األشياء أكثر سهولةلقد كان تيولوجيا، واإلميان يسكن . كن إال تفكريه اخلاصعليه ذلك إشكاال إذ مل ي

. اليوم، الوضع خمتلف. يف داخله، وعليه فقد كان خارج الفلسفة أساسا، يف بداية التحليل، بطريقة يصبح فيها "اليوم) "مفهوم(من احلسم تناول

من ألن هذه اخلاصية هي ما ينبغي توضيحه. شيء ما كخاصية للكينونة مرئياال ميكن . جانب آلخر ونقله على هذا النحو داخل احللقة الفينومينولوجية للواقعانية

إال أن تثار قضية بشكل مباشر هي معرفة ما إذا حتققت خاصية الكينونة، املفهومة ". اليوم"يف بداية التحليل، فعليا

بوصفه كيفية أن يكون حمددا كليا، يف خاصيته األنطولوجية،" يوم"ال ميكن للـ " الزمانية"، إال إذا أصبحت الظاهرة األساسية للواقعانية، أعين )الوجود(للواقعانية

.، مرئية بشكل واضح)ليس كمقولة وإمنا كوجودانية(أن الدزاين : يف الوقت احلاضر، نقول بشكل سابق ألوانه عن هذا املوضوع

يتحرك . وطريقته يف الرؤية ، إن له إعالنه(Publiquement)يظهر بشكل عمومي يف طريق حمددة خلطاب يدور حول نفسه، احلشو الكالمي ) ظاهرة أساسية(الدزاين



87

نفسه هو الطريقة العمومية اليت يقبض ا " حول"إن هذا اخلطاب ). مصطلح تقين(: إن احلشو الكالمي ينقل تصورا حمددا ميتلكه الدزاين مسبقا. على الدزاين ويوقف

وبالتايل فإن هذا احلشو الكالمي . يقرتب من نفسه خطابيا" بوصفه ماذا"لـهو هذا اإن حالة . حالة ما لتبيني ذاته بذاته] الدزاين[هو الشكل الذي يكتسب من خالله

التبيني هذه ليست نفسها شيئا سيضاف إىل الدزاين، معلقا به من اخلارج، ولكنه إنه . (ث يعيش، أو ما يوجه حياتهشيء يصل من خالله الدزاين إىل نفسه، حي

).1كيفية كينونته، زيادة على ذلك، بأا ال تعرب عن نفسها يف "اليوم"تتصف حالة تبيني

. شكل تعبريي، إا ليست حاضرة، إا شكل الدزاين الذي يوجه حياة اجلميع-L’être-dans-la)املتوسط -يف -ألنه يشكل بدقة اإلعالن والكينونة

moyenne) اليت فيها ميكن لكل طرف أن يتحرك بسهولة مع اآلخرين متخذايتحدث احلشو الكالمي عن كل . جزءا جاذبا، إذ ال شيء مما حيدث يفلت منه

على اعتبار أن اإلعالن هو . شيء مظهرا فرادة عدم القدرة على إحداث الفروق" من الوهلة األوىل"املؤذية، غري " الوهلة األوىل"املتوسط، هذه -يف - هذه الكينونة

حنن نقول، حنن نسمع، حنن ": النحن"، إنه شكل كينونة "األكثر استعماال"باملعىن إن احلشو الكالمي ال ينتسب إىل ... حنكي، حنن نشم، حنن نتوقع، حنن نوافق على

.حنن نقول ذلك: أحد، ما من أحد مسؤول،" الضمري"هو " النحن"هذا ). كإشاعة(نكتب كتبا انطالقا مما مسعناه " حنن"

الذي يطارد الدزاين الواقعاين كشبح، إا طريقة خاصة تؤثر حتما على كل . واقعانية، وهلا تدفع كل حياة واقعانية ضريبتها

".سابق ألوانه"مت تشطيبها من طرف هيدغر مع وضع عبارة 1




88

حتدد حالة التبيني اعتياديا اال الذي من خالله يطرح الدزاين أسئلته بنفسه يف الدزاين الواقعاين توجيها (Da)، للـ"هنا"ـإنه يعطي لل. ويصيغ متطلباته

خصائصيا، إنه حيدد، بطريقة حمددة، الكيفية اليت يرى ا األشياء وإىل أي مدى إن الدزاين يتحدث عن نفسه، إنه يرى نفسه بطريقة أو بأخرى وعلى . ميكنه ذلك

. رته املرئيةالرغم من أنه ليس هنا إال قناعا مييل إليه بنفسه حىت ال يرتعب من صو إن هذه النظرة اليت تعطى له بنفسه هي القناع الذي ". قلق" الـ"سور واق ضد

، وحتت قناع حالة التبيني العمومي، "كان"يالقي حتته نفسه، حتته يتقدم كما ).بالنظر إىل هذا االنشغال(يعرض الدزاين كحيوية قصوى

، يف فرتة نقدية 1ا إىل أخيهيوم (Vincent Van Gogh)لقد كتب فان غوغ : مثالأفضل املوت بشكل طبيعي على : "حيث كان منشغال مبساءلة الدازين اخلاص به

حنن ال نقول هذا لنزيد يف الرثاء الذي نسمعه هنا ...". أن تقوم األكادميية بإعداديوماذا حدث؟ لقد : متسائلني. أو هناك حول حالة عدم الرضا يف العلوم اليوم

لوحاته ليقول ما يف أعماقه، وغرق يف اجلنون ليجرب على الشرح مع اشتغل، رسم . الدزايننكتب . ماذا حدث؟ ال شيء. إن وضع العلوم واجلامعة أصبح إشكاليا : اليوم

ما نقوله عن هذا نقوله عن اآلخر، . كتيبات عن أزمة العلوم، وعن كفاءة العلمتوجد اليوم أدبيات خمصصة . ونقول عنه كما نسمع عنه، سننتهي من العلوم

. دثما عدا ذلك ال ح. للكيفية اليت جيب أن نتناوهلا امثل اخلصائصي حلالة تبيني اليوم يوجد باخلصوص يف الوعي الثقايف إن امل

. احلديثة" الروحانية: "لعصر ما، احلشو الكالمي للروح العمومي املتوسط، اليوم هي

1 Lettre du 15 octobre 1879, in Van Gogh, Briefe an seinen Bruder, réunies par J.Van Gogh – Bonger, trad.all.L.Klein-Diepold,vol.1, Berlin, 1914, p.157.



89

ويهمنا، فيما سيأيت، شكالن من . إن هذا الوعي يعيش يف أشكال حمددة للتبيني .الوعي الفلسفي )2، )الوعي الثقايف(ي الوعي التارخي )1: هذه األشكال

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ...اشاكلية اسـتقبال املفاهمي الغربية جملة أبعادجملة أبعادجملة أبعادجملة أبعاد


90

:التاريخي والفلسفي للتنوير السياق من املهم لفت االنتباه هنا إىل مسألة مهمة، وهي أن عصر

جمرد تعبري عن التنوير األوريب مل يكن نتاج مطارحات فكرية هادئة، أوالسياسية، بقدر اجلماعات الفكرية أو رغبة مزاجية لبعض األفراد، أو

.آنذاكما كان حل عملي فرضته حالة أوربا يف القروسطيمن املعلوم أن املسيحية شكلت النسق العام الذي ميز الفكر

آنذاك، املرجعية األوىل للفكر أوربا، حيث شكلت أفكار القديس أوغسطني السياسي والالهويت، طيلة عقود من الزمن، لقد تصدى أوغسطني ألهم املسائل

العامل واإلله مصدر كل يبىن تصوراته حولالفلسفية يف عصره، حيث حاول أن

.باملركز اجلامعي، غليزانأستاذ ∗

إشكالية استقبال املفاهيم الغربية يف البيئة الثقافية العربية

ـــــــ امفهوم التنوير منوذجـــــــ

∗∗∗∗ حممد بن علي. أ




91

إن هذا العامل الذي ليس فيه أي شيء واضح متاما، اهللا وحده هوا لقادر احلقائق،على التميز بني أهل اخلري والشر، وليس ألهل اخلري أن يفتخروا، ألنه ما من نعمة

نشأت فكرة انطالقا من هذا التصور األوغسطيين، .1متتعوا ا إال وجاءم من اهللااللطف ، أواإلهلية العنايةاألوريب، إا فكرة التاريخ كان هلا بالغ اخلطورة على

الشرط األساسي خلالص اإلنسان، فاملعايري الثابتة للحقيقة ي، الذي يعد هلإلاواجلمال واخلري، مستمدة كلها من عمل الروح القدس، املكتنف باألسرار، والتاريخ

يدير العامل بشكل مطلق وتام، فاهللا ،2هو سجل حلضور اهللا يف الشؤون البشريةطط لإلنسان على اعتبار ومشيئته هي القاعدة لكل املشيئات البشرية، وهو الذي خي

يف اال السياسي أصبحت ، فحىتأن هذا األخري عاجز عن فعل اخلري لنفسهالسلطة القائمة على األرض، إمنا هي بأمر من اهللا، وفق نظرية التفويض اإلهلي،

إن األفكار املسيحية ،3تفويض ملمارسة السلطة فالسلطة هي تفويض من اهللا، أو أعطت للتاريخ نفسه صورة حتمية دينية، ذلك أن النشاط حول العناية اإلهلية،

إلرادة الربانية، وأن اهلية، هكذا يصبح التاريخ هو إلااإلنساين تسريه دوما العناية حتولت بذلك ،4األداة اليت توجهها السماء، لتنفيذ هذه اإلرادة وهاإلنسان

إقطاعية، حتالف فيها الكهنة مع املسحية، بسبب تربيراا وتشريعاا، إىل ممارسات كانت الفلسفة خاضعة لالهوت، ومل جتد ساسة العصر اإلقطاعي، يف هذا اجلو

، امللتقي الدويل األول للقديس أوغسطني، الس اإلسالمي )أوغسطني رجل عالقات وحوار(ماريا قراصيا مارا، 1

.206، ص 2001األعلى، اجلزائر .77، ص 2008 ،1اهرنربغ جون، اتمع املدين، املنظمة العربية للرتمجة، بريوت، لبنان، ط 2، 1999، 1سعيد عمران حممود، النظم السياسية عرب العصور، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بريوت، ط 3

.175ص .100، ص 1996، 1عباس فيصل، الفلسفة واإلنسان، دار الفكر العريب، بريوت، ط 4



92

إمكانية لتطور مستقل، فكان الفالسفة يبحثون املشكالت الفلسفية من خالل . »لآمن لتتعق«العقيدة والدين املسيحي من منطلق

إنكار قيمة اإلنسان، كعقل له لقد قامت فلسفة العصور الوسطى على حقوق مثل ما عليه واجبات، فقد كانت الكنيسة تدعو إىل إنكار الذات، والتأكيد على أولوية احلياة اآلخرة، مقابل إمهال احلياة هنا، مبوجب ذلك كان على اإلنسان أال يعرتض على ما أصابه من سوء مهما بلغ، وبعبارة أخرى مل يكن هناك جمال

دع، أو يبتكر، بل كانت التقاليد حتطم كل رغبة دف إيل حتكيم العقل، للفرد ليبوإتباع املناقشة للوصول للحقيقة، يف وقت كان فيه الصراع على السلطة بني الكنيسة والدولة، من أهم املظاهر السائدة على املسرح السياسي آنذاك، صراع

تسرتجع أنفاسها منتصف ، قبل أن م14القرن القت فيه الكنيسة هزمية قاسية يف، حماولة إعادة فرض االنسجام الداخلي املفقود، بقوة احلديد والنار، م15القرن

واستخدام شىت ضروب القهر الفكري والديين، ولكن رغم ذلك ظل الشرخ عميقا، وعلى ورباومل تقدر على رأبه، إذ غطى االنقسام الطائفي مجيع املستويات، ومرت أ

الة واسعة من االضطرابات السياسية، واحلروب الدينية املفزعة، حب سنة 130 امتداددفعت باألوروبيني إيل البحث عن خمرج من هذا النفق املظلم، ضمن هذا السياق

االنبعاث فما هي معامل سوف تربز مالمح عصر جديد عرف بعصر النهضة أو هذا العصر؟

: عصر النهضة وبدايات الوعي األوربيا، فلسفة العصور الوسطى، وتأكد عصر النهضة بفلسفة تناقض متام لقد جاء

حركة جتديد واسعة وعميقة، « على قيمته اإلنسان ودوره يف احلياة، عصر عرف قياممشلت الفنون والعلوم واآلداب، حركة اعتمدت أحياء الرتاث اإلغريقي الروماين، مما

جديدا، لقارة ظلت شبه ميتة جعل منها حركة جتديدية مبعىن الكلمة، بل ميالدا




93

الواقع الذي اجتهت معه الفلسفة وجهة مدينة عقلية، 1»طوال القرون الوسطىبعيدة عن الصيغة الدينية،فبدأ األوربيون مييلون إىل التفكري احلر، وبدال من التفكري

النهضة، بضرورة البحث عن مستقبل مفكرو ىيف العامل اآلخر وكيفية اخلالص، نادعلى هذه األرض، فنادوا بتثقيف األفراد والتمتع باجلمال والفن وحتقيق اإلنسان

. من االقتصار على التأمل الديين وامليتافيزيقي السعادة، بدال ز عصر النهضة عامة، بديناميكية وثراء فكري، وذلك يف إطار السعي لقد متي

العديد من مؤلفات إلحياء الرتاث القدمي، وعليه نشطت حركة الرتمجة، فرتمجتأفالطون وأرسطو لاليطالية، كما متيز عصر النهضة بظهور حركة اإلنسانيني، الذين

عادوا إىل تراث العصور القدمية لينسجوا على منواهلا منوذج اإلنسان، الذي يرفض «أن يوجه اهتماماته إىل أشياء ختص اآلخرة، هلذا كانت فردية عصر النهضة

تعظيما للحياة األرضية، اليت تستحق أن حتيا بذاا، بآالمها احتجاجا على الزهد، و .2وأماهلا نفس الوقت اتصال بال ريب انقطاع، ولكنه يفضة لقد كان عصر النه

وتواصل، انقطاع بالنسبة ملا قبله، لكنه انقطاع ال يتحدد بسنة، وال بعقد وال حىت وهو بالنسبة إىل ما بعده شيء بارز بنصف قرن، كما انه انقطاع ال يلغي ما قبله،

ذا املعين، مل تكن النهضة األوربية جمرد تطور نوعي وكمي للرتاث . 3ومذهلوالتاريخ الثقايف، إا والدة جديدة، لشيء مل حيدث أن تصوره إنسان، يف زمن من

.األزمنة املاضية

.18، ص 1988 ،3اجلابري، عابد، اخلطاب العريب املعاصر، دار الطليعة، بريوت، ط 1، ص 1984، )ب ط(األدمهي حممد، دراسات يف التاريخ األورويب، مكتبة املعارف احلديثة، مل يذكر البلد، 2

16. ، فعاليات الندوة املهداة إىل هشام شرايب، امع )الوعي التارخيي بني املاضي واحلاضر(أبو السعود عطيان، 3

.48 ، ص2005التونسي للعلوم واآلداب والفنون،



94

راك الوعي كانت النهضة، حلظة امتالك الوعي وحتديده لذاته، حلظة إد العيين، واكتشاف اإلمكانيات الثورية الكامنة فيه، ومع انه مل يكن يف عصر النهضة، ضة علمية كبرية، فقد كان مرحلة الزمة لتطوره انه مبثابة إحدى املعارك

.اليت ينبغي للبشر خوض غمارها، لكي يصلوا إيل مستوى ارفعر الرئيس يف حضارة عصر النهضة، هذا وقد لعب الفالسفة اإلنسانيون، الدو

إذ كان موضوع الفردية والدعوة إىل الرفع من قيمة الفرد، من األولويات الفكرية للنزعة اإلنسانية، فاعترب اإلنسان معجزة جديرة بأن ينصب كل االهتمام عليها، ومن الضروري أن يكون هذا اإلنسان مسؤول عن صنع حياته بأسرها، وكان الغرض

هذا االهتمام باإلنسان، إرادة التحرير من الالهوت باالنتقال التدرجيي من من وراءاملفهوم املسيحي عن اإلنسان، لكائن روحي منفتح على العامل اآلخر، إىل اإلنسان

.ككائن حي، متطور مسته األساسية، أنه كائن رغبة ودوافع غريزية ر النهضة، هي مبثابة الناطق هكذا أمكن القول، أن النزعة اإلنسانية يف عص

الرمسي باسم اإلنسان احلر، املبدع والقادر على تطوير ذاته، عن طريق النشاط املتعدد اجلوانب، لقد ترك اإلنسانيون منجزات حضارية جديدة خالدة، وقاموا بدور كبري يف حتطيم اجتاهات ومعتقدات العصور الوسطى، كما سامهوا شكل فعال يف

احلديثة، وهيئوا بيئة اجتماعية وفكرية لتقدم العلوم، يضاف إىل ذلك إقامة الدولة الثورة العلمية، فالتجديد الذي جاء به كوبر نيكوس كان جذريا حقا، فقد كان الوصف الفيزيائي للكون الذي جاء به كوبر نيكوس، اقرب إىل احلقيقة من النظام

اللذين أتوا بعد كوبر نيكوس من البطلمي القائم على مركزية األرض، مث إن العلماء أمثال كبلروغاليليومث نيوتن بعد ذلك، ما كان بوسعهم أن حيققوا ما حققوه، لوال

.1التحول من مركزية األرض إىل مركزية الشمس

.28، ص2006مسرحي فارح، احلداثة يف فكر حممد أركون، منشورات االختالف، اجلزائر، 1




95

لقد زعزعت النظرية الكوبرنيكية، املكانة اليت كانت حتتلها الكنيسة، وقوضت الطبيعة، لقد كانت هذه النظرية مبثابة نقطة االنطالق، آرائها حول الكون وقضايا

لتحرير العلم من سلطة الالهوت وااليدولوجيا الغيبية، األمر الذي شجع العقل األورويب، على طرح أسئلة كانت حمرمة عليه، فاتسعت معارفه وتطورت ملكاته،

ر النهضة، إال وأصبح أكثر جرأة، ذا ميكن القول أنه ورغم الطابع االنتقايل لعصأن احلركات الفكرية اليت شهدها، تعد مسامهة يف بلورة تصور جديد لعامل خمتلف عن العامل القروسطي، كما تعد األفكار الفلسفية لعصر النهضة، الدعامة األساسية

.اليت سيتم تطويرها يف عصر التنوير :المالمح األساسية للتنوير

: مفهوم التنويراملعجم الفلسفي ملراد وهبة أن التنوير حركة فلسفية نقطة بدايتها جاء يف

تنوير إىل ، يرد ال)أزمة الضمري األوريب( هيف كتاب "بول أزال" ـموضوع خالف، ففريده إىل اليونانيني، ) التنوير(يف كتابه "بيرت جراى"أما . 17 القرن النصف الثاين من

أول من أدخل املنهج العلمي يف طاليس هو: وال أدل على رأيه من قول ديدروالفلسفة، وكل من جاء بعده اجته من العقل ناقدا له، مث أن فالسفة اليونان قد استنبطوا األخالق من طبيعة اإلنسان، وليس من طبيعة اهللا، ومع ذلك فالرأي

عصر التنوير، وهو من صنع من أطلق عليهم لفظ هو م18أن القرن الشائع هوفلسفة األنوار، يشري التنوير أو ،1فالسفة، داللة على التنوير األوريب على اإلطالق

، واملتميزة بربوز فكرة التقدم م18القرن إىل احلركة الفلسفية اليت ازدهرت يف أوروبا يفوبتحدي التقليد والدعوة لإلميان بالعقل، كمبدأ مشويل وكحكم وحيد مطلق وسيد

.231، ص 1998، )ط.ب(وهبة مراد، املعجم الفلسفي، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 1



96

نفسه، فقد شكلت العقالنية تعارضا ونفيا مطلقا للفكر الديين، الذي جعل من .القوة اإلهلية احملركة األساسية لإلنسانية

الغيبية والالهوتية، اليت جعلت من لقد أطاحت فلسفة التنوير بكل التصورات العناية إال الهية حمورا للعامل، يتقرر من خالهلا مصري الوجود الطبيعي، واالجتماعي واإلنساين، فجعلت من اإلنسان مركز العامل وسيد نفسه، ميكن التطلع إىل فلسفة

ان، فقد كان علوم اإلنس" هيوم"م، بأا حماولة لتطوير ما أمساه 18التنوير يف القرن هدف الفالسفة آنذاك، أن يقدموا لعامل اإلنسان ما قدمه نيوتن لعامل الطبيعة،حيث اعتربوا أن قوانني نيوتن تعترب منوذجا متكامال ميكن تطبيقه على علم اإلنسان، هلذا رجع فالسفة األنوار إىل القواعد الفلسفية اليت أرساها نيوتن، وذلك ملعاجلة مشكلة

الباحث أشار إليهاملنهج خصوصا، وأن املقصود باملنهج هنا، ما الطريقة أوغسدورف يف قراءته لفكر األنوار، من أنه وسيلة لتقليص املسافات الفكرية، وأداء القتصاد اجلهد الفكري، بفضل التربير العقالين، املستعمل حلل املشاكل املطروحة

هكذا سوف يشكل النموذج النيوتوين، الصورة اليت سوف تتأسس ،1على الفكرجل االستدالل ا أعليها فلسفة األنوار ويتبناها الفالسفة املوسوعيني، خاصة من

. على أطروحتهم يف بناء عامل املعرفة واإلنسانإن انتقال العقل من منوذج الوصاية القائم على الرضوخ، إىل االستقالل

ولد وعيا كبريا وقدرا من التفاؤل مبصري البشرية، وإمكانيتها يف الرتقي الذايت،خروج اإلنسان من قصوره املولود عصر التنوير هو« الالحمدود، لقد أعلن كانط أن

عدم قدرة الفرد على استخدام فهمه، من دون توجيه شخص ذاتيا، والقصور هواالفتقار إىل الفهم، إمنا االفتقار إىل آخر، فهذا القصور مولد ذاتيا إذا مل تكن علته

ره، قسنطينة، خمرب ، التنوير، تنسيق الزواوي بغو )إنسانية األنوار أوخطاب العقل واحلرية(حنفي مصطفى، 1

).248-229(، ص )ط.ب(الدراسات التارخيية والفلسفية،




97

العزم والشجاعة يف استخدام قدرة الفهم من دون توجيه خارجي، إن شعار عصر ذا األسلوب املباشر والقاطع، بدأ ،1»كالتنوير هو كن شجاعا واستخدم عقل

كانط مقالته بدون مقدمات وال تربيرات وبعيدا عن املصطلحات الفلسفية العويصة .دالالت الطويلة املعقدةواالستشعار حتريري، عقالين، ينطوي على "إن شعار جترأ على استخدام عقلك

مقدمات ونتائج عديدة، هلا وزن كبري يف تقرير العالقات بني أفراد اتمع اإلنساين، فاملطلوب استعمال هذه األداة، ال "ا ا فالعقل عند كانط، أداة وليس إهل من هن

فالعقل يعكس احلقيقة على وجهها الصحيح، فإن عجز عن ذلك فسبب تقديسها األفكار املوروثة، اليت تعكر صفاءه، وعندما تتبدد تلك بالتحليل والنقد، يرجع الفكر إىل صفاءه األول، فريى احلقيقة، إذا الشرط األساسي لفاعلية العقل، وهو

ماهية األنوار، هذا يعين أن حتريره من املوروث الديين الالهويت الذي يعيق حتقيق داخل فلسفية األنوار، ال تسجل نفسها كظاهرة ) العقل، األنوار، احلرية(الصلة بني

دفع خطر «لبحث عن احلقيقة، شرط ميكن من عرضية، وإمنا كشرط ضروري ل . 2»االستعباد الذي يستهدف االستخدام العلين للعقل وزيف استقاللية اإلرادة

رر من التنوير منذ بداياته، من شأن العلم وااللتزام باملوضوعية، والتحلقد أعلى لقد كانت مهمة األنوار األوروبية، التأكيد على أن ،األهواء والتحيزات املسبقة

وبذالك متت النقلة العقل قادر على إجياد جمتمع قائم على املساواة واحلرية والعدالة،من التفكري اخلاضع للخوارق والغيبيات، إىل تفكري عقالين وضعي يقوض اخلرافات

واألحكام املسبقة

.220اهرنربغ جون، مرجع سابق، ص 1 .حنفي مصطفى، املرجع واملكان نفسه 2



98

فولدت نظرية الدولة احلديثة أوروبا، يف هذا اجلو نشطت احلركة الفكرية يف سم الذي كان له الفصل يف النظر إىل اتمع نظرة وضعية، فاتمع ج مع هوبز،

سياسي، أوال تنظمه قوانني موضوعة تنظم عالقاته وسلوكياته، ينعكس على هذه القوانني نظما حقوقيه، ويرتتب عليها مقاييس أخالقية، واألهم من هذا كله هو رد االعتبار لإلرادة اإلنسانية، وقدرا على تغيري الواقع االجتماعي، تلك هي بوادر

ال امللكية من سلطة الكنيسة إىل سلطة الدولة حركة العلمنة، اليت عربت عن انتقالزمنية، يف انتظار استكمال الصريورة املتصاعدة حنو التخلص من املرتكزات الدينية الغيبية لصاحل نظرة مادية عمادها العقالنية اليت تعرب بوجه من الوجوه عن عالمة

يت كشفت نضج الوعي، الذي أدركه اإلنسان احلديث، بفضل فتوحات العلم الأمامه جماهيل الكون وأسرار احلياة، خالفا لألسالف املسكونني واجس الرهبة والوجل من القوى السحرية، والغيبية وهي بذلك قرينة العصر احلديث، املتجه حنو

الرتشيد العقالين والعلميهو حركة التاريخ ومساره حركة تعرب عن النخبة أخريا نقول أن التنوير األورويب،

والعامة، ومن مث كان التغري شامال يف شىت ااالت، ذه اخلاصية أصبحت فلسفة األنوار القاعدة األساسية للذهن الغريب، والنموذج الذي حاولت بقية الشعوب

الفكر االقتداء به، مبا فيها الشعوب العربية، فكيف انتقلت فلسفة األنوار إىلهي األسس اليت بين عليها التنويريون العرب ؟ وماالعريب وما هو األثر الذي أحدثته

حركتهم التنويرية؟ هل من الواقع املعاش؟ أم انطالقا من األسس اليت بين عليها التنوير األوريب؟ وما هي حقيقة العالقة بني الفكر العريب وفلسفة األنوار يف ظل ما

ضة العربية؟يسمى اصطالحا بالنه




99

:الجذور األولى للتنوير في الفكر العربي الحديث ، النموذج والقاعدة م19و18القرنني لقد أصبحت فلسفة األنوار خالل

األساسية للذهن الغريب، وامتدت تأثرياا لبقية الشعوب، ومن مث ميكن القول إن هذه الفلسفة، فغالبا ما يؤرخ جذور التنوير يف الفكر العريب تعود يف أساسها إىل

بداية -ي هذا القرن بدأ العامل العريب ، فف19بالقرن للحركة الفكرية العربية احلديثةالتفتح على أسباب احلضارة، والتعرف على وسائل التقدم اإلنساين، -من مصر

ويعقد مقارنات بني مكانته وما وصل إليه غريه يف أوروبا، لقد كان هذا االتصال الشرق والغرب، بداية لعمليات من القلق واملعاناة،قلق عرب عنه قاسم أمني بني كل من تعلم من املصريني وساعده احلظ على أن يتعرف أحوال أمته " قائال

بل يف أخطر دور وحاجاا وحييط ا ،أن ألمة املصرية دخلت اليوم يف دور خطري،ا معرضة للخطر ،مثل هدا مل مير عليها زمن صارت فيه حيا.....من تارخيها

فان متدن األمم الغربية يتقدم بسرعة البخار والكهرباء حىت فاض من منبعه .الزمن .1إىل مجيع أحناء املعمورة

ال « وأيقن أنه يت متر ا مصر أنداك،لقد أدرك قاسم أمني خطورة املرحلة ال المندوحة عنها،وهي أن سبيل للنجاة من االضمحالل والفناء إال طريق واحد

بغية جتاوز عصر الركود، الذي ساد ،2»تستعد األمة هلدا النضال وتأخذ له أهبتها، مرورا حبكم األتراك 1250سنة العامل اإلسالمي، منذ بداية العصر اململوكي

.1517 العثمانيني بداية منمن الوسائط، لقد انتقلت أفكار عصر التنوير إىل الفكر العريب، عرب العديد

لعل أمهها إرساليات التبشري املسيحي،اليت كانت تأيت من أوربا لألقليات املسيحية

.103، ص1988، )ط.ب(أمني قاسم، حترير املرأة، ، اجلزائر، سلسلة األنيس موفم للنشر، 1 .105املرجع نفسه، ص 2



100

يف العامل العريب عامة، وبالد الشام على وجه التحديد، ضف إىل ذلك البعثات العلمية اليت أرسلها حممد علي وعلى باك إىل أوروبا، دون أن ننسى الدور الذي

ليس من - يف العامل العريب، يف نقل أفكار عصر التنويرلعبه االستعمار األورويبيف ظل هذه -أجل تنوير الشعوب املستعمرة، ولكن يف أسلوب معيشته ومؤسساته

ااة بني الشرق والغرب، بدأت تتواىل األسئلة من خمتلف املواقع، حول أسباب ! ضعف الشرق حىت يتمكن الغرب من اجتياحه

األسئلة املطروحة واإلجابة عنها، ظهر تباين يف أراء املفكرين العرب، يف إطار إزاء الثقافة الوافدة عموما، وحول سبل اخلروج من حالة التخلف على وجه

،والتحريرية ،واإلصالحية ،ما بني العلمانية وانقسموا إىل تيارات تنوعت اخلصوص،عريب باحلضارة الغربية، ظهرت حماولة ففي إطار ربط اتمع ال .والليربالية ..والسلفية

على وجه لتبيئة مكتسبات احلضارة الغربية عموما، والفرنسية رفاعة الطهطاوي،اخلصوص، فمن وجهة نظر الطهطاوي، ينبغي على املسلمني إذا ما أردوا اخلروج من حالة التخلف ومسايرة التقدم، أن يسايروا الفرنسيني يف أسلوب حياته

.اخل.. الثقافيةاالجتماعية و من خالل كتابه طاوي باحلضارة األوربية احلديثة وميكن أن نربز إعجاب الطه

ختليص اإلبريز، حيث يظهر صراع الشرق والغرب جليا من خالل هذا الكتاب، الذي مل يكن الغرض من ورائه وصف الغرب،بقدر ما كان يهدف إىل نقد العامل

م من أن كتاب ختليص اإلبريز هو وصف للغرب يف العريب من خالل الغرب، فبالرغ، إال أن الواقع املعاش كان دائما حاضرا من خالل املقارنات اليت كان 1صورة باريس

، )ط. ب(، املؤسسة العربية للدراسات والنشر والتوزيع، 3األعمال الكاملة لرفاعة الطهطاوي، ج عمارة حممد، 1

.39، ص 1973




101

يعقدها الطهطاوي بني باريس ومصر، داعيا بين جلدته إىل مواكبة الغرب، : حيث يذكر ذلك يف بيت شعري قائال واإلطالع على منشآته،

لقد آمن الطهطاوي بالعديد من مفاهيم الليربالية الفرنسية، نتيجة إلطالعه على مفاهيم عصر التنوير الفرنسي، كاحلرية واملساواة والتسامح، لكن الطهطاوي

مشدود إىل مرجعيته األزهرية، ورغم إميانه مبفاهيم التنوير وقيم الليربالية، إال أنه بقي حيث كان يقيم التعامل مع احلضارة الغربية، يف إطار نظرة معيارية دينية تتعامل مع

فلكي مييز بني براعة الفرنسيني يف العوم الكونية الغرب من منظور الكفر واإلميان، :نشد يقولأوظالهلم الديين

كذلك سعى خري الدين ومن هنا كانت ليرباليته حماصرة بفهمه احملافظ للرتاث،

على جناعة مواكبة احلضارة األوربية واالقتباس منها، من التونسي إىل تبيان الدليل،حيث تظهر هذه النزعة من واملمارسة،أجل إحداث التنوير على مستوى العقل

»املسالك يف معرفة أحوال املمالك أقوم«رضه للغرض من وراء تأليف كتابه خالل عأمران آيالن إىل مقصد واحد احدمها ...ما دعانا جلمع هدا التأليف«الذي جاء فيه

ل إغراء ذوي الغرية واحلزم من رجال السياسة و العلم بالتماس ما ميكن من الوسائهدف أدرك خري ،»ة اإلسالمية وتنمية أسباب متدااملوصلة إىل حسن حال األم

املتمثلة يف ،رضية املناسبةالدين التونسي أنه يستحيل حتقيقه ما مل تتوفر له األحسن اإلمارة املتولدة من األمن املتولد من األمل املتولد من إتقان العمل املشاهد «

ما�عرف�الدنيا�و��الناس ***الروم�و��أهلها� من�لم�ير

تغيب �شموس�العلم�ف��ا� *** أيوجد�مثل�باريس�ديار ا�وحقكم�عجيبذأما�ه *** وليل�الكفر�ليس�له�صباح



102

صد من ورائه تأليف كتابه أما األمر الثاين الذي ق ،1»انيف املمالك األورباوية بالعيحتذير ذوي الغفالت من عوام املسلمني عن متاديهم يف اإلعراض عما «: هذا فهو

حيمد من سرية الغري املوافقة لشرعنا مبجرد ما انتقش يف عقوهلم من أن مجيع ما عليه دعا إىل اقتباس ولذلك ،2»الرتاتيب ينبغي أن يهجر و غري املسلم من السري

األفكار السياسية واالقتصادية، كون مثل هذه االقتباسات تتوافق مع روح الشريعة داعيا إىل تقليد الغرب فيما ينفع وال يتعارض مع الشرع وترك ماال ينفع مستشهدا

الشرع مل ينه عن التشبه مبن يفعل ما أدن اهللا فيه ويف حاشية «: على دلك بقولهالمة الشيخ حممد بن عابدين احلنفي ما نصه أن صورة املشاة فيما الدر املختار للع

تعلق به صالح العباد ال تضر على أنا إذا تأملنا يف حالة هؤالء املنكرين ملا حيسن من أعمال اإلفرنج جندهم ميتنعون عن جمارام فيما ينفع من التنظيمات ونتائجها

اهم يتنافسون يف املالبس وأثاث املساكن وال ميتنعون منها فيما يضرهم وذلك أنا نر فالشريعة ال تناىف تأسيس التنظيمات السياسية املقوية ،3»وحنوها من الضروريات

فاألمر إذا كان صادرا عن غرينا وكان موافق .... ألسباب التمدن ومنو العمراناحلرص لألدلة السيما إذا كنا عليه، واخذ منا فال وجه إلنكاره وإمهاله، بل الواجب

، يف مقابل ذلك شكل اخلطاب الليربايل، دعوة صرحية 4على اسرتجاعه واستعمالهإىل إتباع خطوات النهضة األوروبية، إذا ما أردنا اخلروج من مأزق التخلف،دعوة وصلت يف كثري من األحيان إىل الغلو الفكري رأى عرب عنه سالمة موسي بصراحة

كراهييت له وشعوري بأنه غريب ازدادت ،بالشرقفإين كلما ازدادت معرفيت «: قائال

.5، ص )ت.ب(، 1التونسي خري الدين، ، أقوم املسالك يف معرفة أحوال املمالك، تونس مطبعة الدولة، ط 1 .املرجع والصفحة نفسها 2 .7املرجع نفسه، ص 3 .57، ص )ت.ب(، 2املثقفون العرب والغرب، دار النهار، بريوت، ط شرايب هشام، 4




103

وأنا ،وزاد شعوري بأا مين تعلقي ا،وكلما زادت معرفيت بأوربا زاد حيب هلا و ،عينفأنا كافر بالشرق ، ،ذي أعمل له طوال حيايت سرا وجهراا هو مذهيب الذه منها،

ة األوربية يف التعليم داعيا إىل استلهام الطريق"مث يواصل آرائه هده ،1»مؤمن بالغربوال دخول ،ليما أوربيا ال سلطان للدين عليهأريد من التعليم أن يكون تع« :قائال

العلمانية يف مجيع دعو سالمة موسى إىل تبين النزعة، ويف طرح جريء ي2»له فيهبإطالق املدارس النزعة العلمانية،: فمن أهم النزعات«: مناحي احلياة فيقول

القيود الدينية ، ألن العلمانية نزعة أوربية تشمل مجيع األمم املتمدنة واحلكومات من ، كما شدد هذا التيار على القومية كبديل للخالفة، وعلى العلمانية كبديل 3»تقريبا

الدين، والعقالنية كبديل لإلميان الديين املطلق، والتحرير االجتماعي بديال للنزوع على إحياء ) 1893 /1819( بطرس البستاين التقليدي، ففي ظل هذا التيار عمل

اللغة العربية ونشر العلم، فانشأ املدرسة الوطنية، وألف قاموس احمليط وموسوعة املعارف، لقد عقد أصحاب هذا االجتاه أماال كبرية على تقاليد الليربالية األوروبية،

عوة إىل وتبنوا بعضها يف إطالق حركة التحديث يف خمتلف ااالت، فربزت الدمشاركة املرأة للرجل يف األعمال وحتريرها من قيود املاضي، وهذا ما قام به رائد هذه

واملرأة اجلديد 1899حترير املرأة ( من خالل مؤلفيه، ،)1908 / 1863( الدعوة قاسم أمني، حيث تناول يف الكتاب األول، قضية املساواة بني املرأة والرجل، حيث جاء )1900

النصوص الدينية وأرجع أمر اضطهاد املرأة إيل التقاليد املوروثة والنزعة باألدلة من أن املرأة « االستبدادية املسيطرة على العقلية العربية أنداك،واليت عند جتاوزها يظهر لنا

ا ملكت نفسها،ومتتعت حبريتها ذال تكون وال ميكن أن تكون وجودا تاما إال ا

.7، ص 1946، 2سالمة موسى، اليوم والغد، دار سالمة موسى للنشر والتوزيع، القاهرة، ط 1 .8املرجع نفسه، ص 2 12املرجع نفسه، ص 3



104

الفطرة معا ومنت ملكاا إىل أقصى درجة ميكنها أن املمنوحة له مبقتضى الشرع و وارتقائها، مانع عظيم حيول بني املرأة، ،ويرى أن احلجاب على ما ألفناه .اتبلغه

ألن ،ترجع للدين سألة اضطهاد املرأة الإن م. 1»اتقدمهلك حيول بني األمة و ذوبلرجل فأعلن حريتها سبق كل شريعة سواه يف تقرير مساواة املرأة ل« الدين اإلسالمي

ولكن األمر راجع .2»واستقالهلا يوم كانت يف حضيض االحنطاط عند مجيع األممكان من أثر هده احلكومات االستبدادية أن الرجل قي قوته أخد حيتقر املرأة إىل ما

ة إعجابه فقد أظهر بداية من املقدم" املرأة اجلديد"، أما يف كتابه الثاين، 3يف ضعفهاهي مثرة من مثرات املرأة اجلديدة"صلته املرأة األوربية فاملكانة اليت و الشديد ب

التمدن احلديث بدأ ظهورها يف الغرب على أثر االكتشافات العلمية اليت خلصت الظنون واخلرافات وسلمته قيادة نفسه ورمست له لعقل اإلنساين من سلطة األوهام و ا

املوجة استعان بالعلوم ه ذمسايرة ه لك ومن أجلذل. 4الطريق اليت جيب أن يسلكهااالجتماعية الغربية، فلجأ إىل مفاهيم التقدم واحلرية املدنية، وخاصة مفهوم احلرية الفردية، وحرية االعتقاد، ورفض التقاليد، فاملهم يف اتمع ليس التقاليد املوروثة، بل

ته علم، الذي بلغ ذرو املصلحة العامة للمجتمع، اليت لن تبلغ غايتها وكماهلا إال بال، وهو ذاته 5»ستطيع حلد ذاته بناء جمتمع متقدمال ي« يف أوروبا وليس بالدين الذي

الرأي الذي ذهب إليه دعاة الفكر التقدمي العقالين،يف موقف يشبه حماولة للتوفيق ن بنات إقحام مصطلحات ليست م إىل ،)1902 - 1854( والتلفيق يذهب الكواكيب

.79، ص 1901، )ط.ب(أمني قاسم ، املرأة اجلديدة، مصر، مطبعة املعارف، 1 .11املرجع نفسه، ص 2 .13املرجع نفسه، ص 3 .املرجع نفسه، املقدمة ص أ 4، 1968، )ط.ب(حوراين ألربت، الفكر العريب يف عصر النهضة، تره كرمي غرقول، دار النهار للنشر، بريوت، 5

.2075ص




105

: حيث يقول ! ما كأنه حياول أن يربر لآلخر أسبقيةو ،اإلسالميةالبيئة العربية احلرية برفعها كل سيطرة وقد ظهر مما تقدم أن اإلسالمية مؤسسة على أصول «

وحبضها على اإلحسان ،العدل واملساواة والقسط واإلخاءبأمرها ب ،وحتكمشورى أهل أي ،الشورى االرستقراطية: وقد جعلت أصول حكومتها التحابب،و

التشريع : بسيوفهم وجعل أصول إدارة األمةالعقد يف األمة بعقوهلم الاحلل و تتواصل حالة الرتدد هذه عندما يتطرق الكواكيب ،1»أي االشرتاكي الدميقراطي

لشكل الدولة الكفيلة بالقضاء على االستبداد فيخلط بني الدولة الدينية و الدولة بلغه الرتقي يف البشر،هو إحكامهم أصول وأنفع ما « : املدنية حيث يقول

ثومة كل احلكومات املنتظمة ببنائهم سدا متينا يف وجه االستبداد،و االستبداد جر ،2»والشرع هو حبل اهللا املتني لشرع،ال نفوذ فوق قوة اوجبعلهم أال قوة و فساد،

فاء الراشدين فإدارة الدين وإدارة امللك مل تتحد يف اإلسالم متاما إال يف عهود اخللوعمر عبد العزيز فقط، وال يوجد يف اإلسالم نفوذ دين مطلق، يف غري مسائل إقامة

، منهجه القائم على )1922- 1874( طوانأمن جهة أخرى قدم فرح ،3الدين العلمانية، اليت متثل بالنسبة له دين اإلنسانية اجلديد، ففي مناقشته حملمد عبده،

ولكنا نعلم .العصر هدا الكتاب يف هدا الزمان أبناءال نعلم كيف يستقبل « :يقولأولئك العقالء " بالنبت اجلديد"ونريد . يف الشرق قد صار كثريا" النبت اجلديد"ن أ

يف كل ملة وكل دين يف الشرق الدين عرفوا مضار مزج الدنيا بالدين يف عصر كهذا م ليتمكنوا من العصر فصاروا يطلبون وضع أديام جانبا يف مكان مقدس حمرت

، 2006، 3، ط)البلدمل يد كر (الكواكيب عبد الرمحان، طبائع االستبداد ومصارع االستعباد، دار النفائس، 1

.56ص .169املرجع نفسه، ص 2 408ص .بريوت مركز دراسات الوحدة العربية 2، اتمع العريب املعاصر، ط 1985بركات حليم، 3



106

إال جرفهم هله و االحتاد احتادا حقيقيا وجماراة تيار التمدن األوريب اجلديد ملزامحة أ، كما أكد على ضرورة اعتماد العقل بدل 1»مجيعا وجعلهم مسخرين لغريهم

.اإلميان، وإطالق الفكر اإلنساين من كل قيد، خدمة اإلنسانيةورغم اتفاقهم مع دعوات التيارات أما رواد الفكر السلفي اإلصالحي

السابقة، الرامية إيل إعمال العقل والثورة على حالة التخلف إال أن احلركة السلفية يطالب «العقالنية خارج الدين، فالدين كانت ترى انه من اخلطأ بناء هذه

املتدينني، أن يأخذوا بالربهان يف أصول دينهم، كلما خاطب العقل، وتنطق السعادة من نتائج العقل والبصرية فاإلصالح من هذا املنظور، يعين نصوصه بأن

العودة إىل النص األصلي، واألصل هو زمن الوحي والصدر األول يف اإلسالم فالتخلف حسب اخلطاب السلفي راجع إيل بعد املسلمني عن الدين، وتشبثهم

عة اإلسالم تأيب طبي"ادي وال يضطهد العلماء، بل إن بالتقليد، فاإلسالم ال يعاضطهاد العلم ملعناه احلقيقي، فلم يقع من املسلمني األوائل تعذيب وإلحراق وال

املطلوب حسب ، هلذا ف2»الكونية، ومقومي العقول البشرية شنق، حلملة العلومحترير الفكر من قيد التقليد، وفهم الدين على طريق السلف، الشيخ حممد عبده هو

الف، والرجوع يف كسب معارفه إىل ينابيعها األوىل، سلف األمة قبل ظهور اخلمن شططه، وتقلل واعتباره من ضمن موازين العقل البشري، اليت وضعها اهللا لرتد

على هذا الوجه، صديقا للعلم باعثا على «من خلطة وخبطه العقل الذي يصبح يها يف تعويل علالبحث يف أسرار الكون، داعيا إىل احرتام احلقائق الثابتة، مطالبا بال

أنطوان فرح، ابن رشد وفلسفته مع نصوص املناظرة بني حممد عبده وفرخ أنطوان، تقدمي، طيب تزيين دار 1

.41ص ، 1988، 1الفارايب، بريوت، ط .1987، )ط.ب(عبده حممد، اإلسالم دين العلم واملدنية، دار سيناء للنشر والتوزيع، القاهرة، 2




107

، العقل من هذا املنظور مكبوح، ممنوع من احلركة 1»آداب النفس، وإصالح العملتفاديا للزلل، هكذا فالتحرير من املنظور السلفي، ال يعين اخلروج عن احلقل املعريف واإليديولوجي القدمي، بل حترر الفكر يعين الرجوع إىل مرحلة ما قبل ظهور اخلالف

حال األمة فال يصلح«على إحياء أساليب السلف، المية، والعمليف األمة اإلس .»إال مبا صلح به أوهلا

بعد هذه اإلطاللة اليت عرضنا من خالهلا بإجياز رؤى أهم التيارات املمثلة للفكر : العريب حول مسألة التنوير تطرح السؤال التايل

فة العربية ؟ هل استطاعت هذه التيارات إرساء مفاهيم التنوير يف الثقا - : مظاهر التردد في الخطاب التنويري العربي

يف حقيقة األمر، مل يستطع الفكر العريب، إعطاء مضمون حمدد ملشروع التنوير، لقد بقي هذا اخلطاب يستقي حمددات للتنوير املنشود ال من الواقع وحركته

إحساس الوعي العريب وآفاق تغيريه أو اجتاه تطوره، بل من اإلحساس بالفارق، باملسافة بني واقع االحنطاط يف احلياة املعاصرة، وواقع التقدم يف العامل األورويب، وعليه مل يستطع هذا اخلطاب التقدم ولو خطوة واحدة على مجيع األصعدة، وظل

.يتأرجح بني سلطة النموذجني العريب اإلسالمي واألورويب املعاصر ضته احلديثة قبل مخسة قرون، أخذ يستوعب األفكار إن الغرب عندما بدأ

على مهل، ويهضمها بالتدريج، واحدة تلوى األخرى وعلى مراحل، دون أن يضطر إىل مواجهتها دفعة واحدة، وذلك ألنه كان هو املبدع هلذه األفكار

.واإليديولوجيات، اليت كانت نتاج التجربة احلضارية الغربية، ومثار طبيعية هلاإن التطورات الفكرية اليت مرت ا احلضارة الغربية، مل تكن خالية من الصراع

واالختالف، لكن هذا الصراع مل يتخذ شكل العبث الفارغ، الذي ال يؤدي إىل

.35اجلابري، عابد، مرجع سابق، ص 1



108

خمرج مفيد، بل تاريخ هذا التطور، يؤكد على أن كل حقبة انتهت باجنازات ونتائج .مهدت الطريق ملنجزات حضارية الحقة

شكل مفاجئ يف اجلهة املقابلة، بدأت ضة العامل العريب وحركته التنويرية ب فكانت كاجلمر اليت تصيب جسما باردا مجده اجلليد، «وكنتيجة خلطر خارجي،

فانقسم بني خاليا ساخنة ملتهبة، وخاليا أخرى حمتفظة جبمودها، وخاليا من نوع فما استوعبه الغرب يف مخسة قرون بالتدريج 1»مشدود بني الثلج والنار ثالث

وباقتناع داخلي، منبثق من تطور ذايت، أراد العرب هضمه دفعة واحدة، وبضغط من . حضارة أخرى، مل تكن يف يوم ما صديقه هلم

البداية بدأ اتمع الغريب فمنإن قضية التنويريني يف أوربا، كانت واضحة ، وهذا يعين أن بداية احلضارة احلديثة كانت ،الرتاث ورفضهحضارته احلديثة باخرتاق

وتقاليد النظام اإلقطاعي ،األخالقية-قاليد الكنيسة الفكريةمنذ أن وضعت تبرزت ،لكذوعلى ضوء .االقتصادية موضع الشك مث النفي واإلنكار- االجتماعية

ومن مث .رسان ميداامعضلة كانت احلضارة احلديثة وقادا الفكريون واملعنويون فلقد كان اهلدف يف الغرب، اليوم يف موطن ظهورها،ترسخت احلضارة احلديثة

األمسى هلذه احلركة حترير الربجوازية من أغالل اإلقطاع، وبالتايل كانت الشعارات اليت رفعوها تتالءم وطبيعة الفرتة آنذاك، مبعىن آخر، كانت أوروبا وليدة تلك احلركة،

.رمست توجهها على أساس إيديولوجيا التقدم، واحلرية والعقل إذ أامما ال شك فيه أن مفاهيم التنوير األورويب، قد أدت إيل إحداث هزة عنيفة

يف الفكر العريب احلديث، هزة تلتها نقاشات حادة، حول كيفية االستفادة من هذه ات الفكر العريب املختلفة، إال املفاهيم، ولكن وعلى رغم من اجلدل الدائر بني تيار

، ص 1986، 2األنصاري جابر، جتديد النهضة باكتشاف الذات ونقدها، العربية للدراسات والنشر، ط 1

322.




109

أن هذا األخري، مل ينجح يف إرساء مقوالت التنوير العريب داخل ثقافتنا، لذلك فمعظم الصراعات اليت تعانيها اليوم، ناجتة عن كيفية اللقاء، اليت مل نوائم فيها بني تلك العلوم احلديثة من جهة، وتراثنا من جهة أخرى، ففريق منا آثر أن يعتصم

فنتج ...وفريق ارمتى يف أحضان العلم، مغلقا نوافذه دون الرتاث ...الرتاث وحدهبعن ذلك فريق عريب غري معاصر وفريق معاصر غري عريب، ويظهر مأزق اخلطاب التنويري العريب جليا يف الصراع األضداد، مأزق نكشفه من أفكار صاحب الوضعية

بني الناس ناسا درسوا هذا الفرع أو ذاك وما أكثر ما صادفنا « : املنطقية، إذ يقولمن فروع العلم، كالفيزياء أو الكيمياء أو ما إليهما ،وال ينفكون يزهون أمام اآلخرين

فهذه كلها - بدراستهم العلمية اليت مل يشبها شيء من أدب وشعر وحنو وصرفم مث يفاجئونك يف جلسا –عندهم من عالمات التخلف عن العصر وما يقتضيه

الكرامات اليت تقوم كلها على اخلوارق و ،اخلاصة بقصص يرووا عن إميان وتصديقم أن خيتاروا أل نفسهم أحد ال جيوز قبوهلا إال إذا أجزنا تعطيل القوانني العلمية ،فله

وإما ،كل ما ينفي ذلكفإما هم العلماء املعاصرون لروح العلم فريفضون :وجهني .1»ية فيقبلون هذا التذبذبهم الوارثون لثقافة غري علم

ما يبدل موقفه من لكن نظرة زكي جنيب حممود هذه سرعان ما تتغري عند ، وازداد لدينااشتدت فيه عنصرية اللون واجلنس و ويف العصر الذي « :الرتاث قائال

فيها وقفة مثلى، نا الفكري ما يضع بني أيديناجند يف تراث ،البطش واتسع الظلمتدرج القيم من األعلى إىل التسامح وفيها العدل واالعتدال ،وفيها املساواة وفيها

نسجا ثقافيا يتناول اخليوطولو نسجنا من هذه لسلوك السوي،خطة ل ،األدىنل يف كان لنا بذلك ما يصح أن نوصف بسببه بأننا أمة االعتدا ،قضايا عصرنا ،بني الفرد واجلماعة ،بني الدنيا واآلخرة لدين،عقل واأمة جتمع بني ال ،الفكر والعمل

.12-11، ص ص 1971، 9العريب، دار النشر الشروق، بريوت، طزكي جنيب حممود، جتديد الفكر 1



110

،ت بني ثقافة الروح و حضارة العيشلو سار حاضرها على ج ماضيها مجع -أمة .1»واحلضارة أن تفرتقا إىل غري تالقيف هدا العصر الذي كادت الثقافة

إن ملمح الرتدد الذي نلمسه يف فكر زكي جنيب حممود هنا، راجع أساسا إىل أسلفنا تشتت منذ البداية فشلنا يف حتديد عالقتنا باألخر الغريب، فالفكر العريب كما

التيار اإلصالحي الذي بدأ بأنه ال يتغري شيء يف الواقع، إن مل يتغري فهمنا «: إىلللدين أوال، والتيار الليربايل الذي بدأ بأن ال يتغري شيء يف الواقع إن مل ننب الدولة

والتيار العلمي العلماين الذي يقصره دعاة التنوير وحدة على التنوير ...احلديثة أوال، 2»همنا للطبيعة، ونبدأ بالعلم أواليبدأ بأنه ال يتغري شيء يف الواقع إن مل يتغري ف

لكن أصحاب هذه التيارات، فشلوا يف مسعاهم الرامي إيل إرساء حركة تنويرية يف دة بينهم وبني الواقع املراد تغيريه، حلقة العامل العريب، نتيجة لوجود حلقة مفقو

تكمن أساسا يف عدم االنطالق من عمق الواقع العريب املشخص، وحتليله، وتقدمي أن الثقافة ال تسود بنقلها «حلضاري وجتارب الشعوب تدل على البدائل، فاملنطق ا

من مكان إيل آخر، بل جيب خلقها يف نفس املكان، ألن البيئة ليست إحدى حات الرسم اليت نفكها من مسمار اجلدار الذي علقت عليه، لكي ننقلها إىل لو

ني إن البيئة تقدم لنا عناصرها على صورة مرتاكمة وغري منظمة، وهلذا يتع...منزلنا . »علينا أن نقوم برتتيب عناصرها

:خـــــــاتــمة والقيم الغربية احلديثة،عملية التفاعل احلضاري اليت متت بني الفكر العريب إن

عملية أدت إىل حالة من بني الثقافة الغربية املهيمنة والثقافة احمللية املستتبعة، أو

.256املرجع نفسه، ص 1، التنوير، تنسيق الزواوي بغوره، قسنطينة، خمرب الدراسات )التنوير يف الفكر العريب احلديث(زروخي إمساعيل، 2

).228، 207(، ص )ط. ب(التارخيية والفلسفة،




111

القطيعة مع الذات، وإحلاق هذه الذات الثقافية باآلخر املهيمن، يف نوع من عالقة ن السيد بالعبد والتابع باملتبوع، ذلك أن هذا االتصال مل يكن قائما على أساس م

التفاعل الثقايف بني متكافئني، باملعىن النفسي واملعريف، وإمنا على أساس من التلقي تصديقا ملقولة ابن خلدون يف الذي يبديه املغلوب جتاه الغالب،والتبين واالنقياد

.مقدمته، عن ولع النفس باالنقياد للغالب واعتقادها الكمال فيه منذ منتصف القرن التاسع عشر، هي لقد كانت قضية التنويريني العرب

اللحاق بالغرب، بينما كانت قضية التنويريني يف أوربا قبل ذلك بقرن، حترير الربجوازية من أغالل اإلقطاع، وإذ رأى جيل الرواد من التنويريني العرب أن النهضة

احلرية ومحل لواء التنوير التكنولوجية والصناعية يف أوربا قد اقرتنت برفع شعاراتاملسلمني بالغرب العرب، أو فقد اعتقدوا أن حلاق. والتسامح والعلم والعقالنية

األفكار يف أوربا كانت يتطلب اعتناق األفكار نفسها، وكما أن الدعوة إىل هذهمكمن اخللل وهنا !مثل هذا عندنا أيضا شرط، فاملطلوب هو جتري بال قيد أو

فبادئ ذي بدء صار منوذج !نفسها التنوير ةالذي تفرعت عنه إساءات بالغة لقضي املثال، بل صار التحيز للغرب مسة ملداخالت التنويريني العرب الغريب هو التنوير

األوائل، وأدت عملية النقل دون مراعاة تراث وتقاليد الواقع العريب إىل نوع من - الروادالصدام مع هذا الواقع، والصدمة لكثري من أبنائه، فالتنويريون العرب

معظمهم عادوا ما عاداه التنويريون الربجوازيون يف الغرب، وصادقوا ما صادقوه،عادوا الدين أو استهانوا به، بينما مل يكن هذا ضروريا باملرة لتنويرنا حنن، وتقدمنا

العلمي، كما تبنوا مبادئ الفردية الغربية كمعيار لقياس التكنولوجي أو السياسي أو ما مل يكن هذا بدوره كامل املالئمة للواقع العريب املتجذرة فيه قيمبين الرفاهية،

.العائلة والقبيلة



112

تاريخ التقدم حنو هو التاريخ اإلنساين، كما يبدو من قراءة الغرب لتارخيه،إن املعرفة، ومزيد من مزيد من احلرية، مزيد من املساواة، مزيد من التسامح، مزيد من

بشيء من كان أحرى بتنويريينا الرواد أن ميزجوا محاسهم للتنوير الغريب الرخاء،خليقا بإبداع فقد كان ذلك ،منبثق من واقعنا الروحي واملادي مراعاة املالئمة لتنوير

أنه يبدو تنوير قادر على التواصل والرتاكم والوصول بنا إىل شيء آخر غري ماأنفسهم التنوير يب، والشك أن بعض دعاةانقالب مضاد للتنوير يف عاملنا العر

.مسئولون عن حدوثهإن مفردة التنوير شأا شأن املفردات املتوافدة على ثقافتنا فقدت بريقها منذ

البداية، ألنه صار تقليدا ضارا جعل من الغرب املرجع والرتمومرت الذي تقاس به –ال تطبيقا اتباعيا-تطبيقا إبداعيا عل من التنوير حرارة حمرك قطار التنوير، ومل جي

فالتنوير ال ينال إال بطرق اإلبداع، مبعىن أن التنويري جيب أن يبدع يف مجيع أركان الفعل التنويري، باستقاللية تامة عن غريه، يبدع ويعمم إبداعاته على مجيع املستويات، السياسية والثقافية والرتبوية، وإن اهلدف املنشود جيب أن يكون

تمحورا حول قيام جمتمع متنور إىل جانب اتمع األورويب وقادر على التفاعل ممعه، هدف ينبغي له أن يستفيد من احلضارات كلها ليمزجها حبضارته األصلية،

.ليخلق من املزيج، حضارة تنسجم مع التقدم يف العامل كله

: قائمة المراجع

، امللتقي الدويل األول للقديس أوغسطني، الس )وحوارأوغسطني رجل عالقات ( ماريا قراصيا مارا، .1 .206ص ،2001اجلزائر اإلسالمي األعلى،

.77 ص ،2008 ،1، بريوت، لبنان، طاملنظمة العربية للرتمجة، اتمع املدين اهرنربغ جون، .2، 1ط، بريوت، النظم السياسية عرب العصور، دار النهضة العربية للطباعة والنشر سعيد عمران حممود، .3

.175 ص، 1999




113

.100 ص، 1996 ،1، بريوت، طعباس فيصل، الفلسفة واإلنسان، دار الفكر العريب .4 .18 ص، 1988، 3طدار الطليعة، بريوت، اجلابري، عابد، اخلطاب العريب املعاصر، .5 ص، 1984، )طب ( مل يذكر البلد،، األدمهي حممد، دراسات يف التاريخ األورويب، مكتبة املعارف احلديثة .6

16. ، فعاليات الندوة املهداة إىل هشام شرايب، امع )الوعي التارخيي بني املاضي واحلاضر(السعود عطيان، أبو .7

.48 ص ،2005التونسي للعلوم واآلداب والفنون، .28ص، 2006، اجلزائر، منشورات االختالف احلداثة يف فكر حممد أركون، مسرحي فارح، .8 .231 ، ص1998، )ط.ب( القاهرة، ،دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع الفلسفي،وهبة مراد، املعجم .9

قسنطينة، خمرب تنسيق الزواوي بغوره، التنوير، ،)إنسانية األنوار أوخطاب العقل واحلرية(حنفي مصطفى، .10 .)248-229(، ص )ط.ب(الدراسات التارخيية والفلسفية،

103، ص1988، )ط.ب( ،سلسلة األنيس موفم للنشرأمني قاسم، حترير املرأة، ، اجلزائر، .11. ب(، ، املؤسسة العربية للدراسات والنشر والتوزيع3عمارة حممد، األعمال الكاملة لرفاعة الطهطاوي، ج .12 .39 ص ،1973، )ط

.5 ص، )ت.ب( ،1ط، تونس مطبعة الدولة أقوم املسالك يف معرفة أحوال املمالك، ، التونسي خري الدين، .13 .57 ص ،)ت.ب(، 2بريوت، ط، هشام، ، املثقفون العرب والغرب، دار النهارشرايب .14 .7 ص، 1946 ،2ط ،القاهرة دار سالمة موسى للنشر والتوزيع، اليوم والغد،، سالمة موسى .15 .79ص ،1901 ،)ط.ب(، مطبعة املعارف مصر، املرأة اجلديدة، أمني قاسم ، .16، )ط.ب( بريوت،، تره كرمي غرقول، دار النهار للنشر حوراين ألربت، الفكر العريب يف عصر النهضة، .17

.2075ص ، 1968 ، 2006، 3ط ،)مل يد كر البلد( دار النفائس،، طبائع االستبداد ومصارع االستعباد الكواكيب عبد الرمحان، .18 .56ص .408ص ، بريوت مركز دراسات الوحدة العربية 2، اتمع العريب املعاصر، ط 1985بركات حليم، .19تقدمي، طيب تزيين دار ابن رشد وفلسفته مع نصوص املناظرة بني حممد عبده وفرخ أنطوان، أنطوان فرح، .20

.41 ص ،1988 ،1ط بريوت،، الفارايب .1987، )ط.ب(، القاهرة، دار سيناء للنشر والتوزيع عبده حممد، اإلسالم دين العلم واملدنية، .21 ، ص1986، 2ط ، نقدها، العربية للدراسات والنشرجتديد النهضة باكتشاف الذات و ، األنصاري جابر .22

322. 12- 11 ص ص ،1971 ،9ط ، بريوت،زكي جنيب حممود، جتديد الفكر العريب، دار النشر الشروق .23تنسيق الزواوي بغوره، قسنطينة، خمرب الدراسات ، ، التنوير)التنوير يف الفكر العريب احلديث(زروخي إمساعيل، .24

.)228، 207( ص، )ط .ب( التارخيية والفلسفة،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ االسس العلمية لفلسفة فتجنشـتني جملة أبعادجملة أبعادجملة أبعادجملة أبعاد


114

يؤكد تاريخ الفكر البشري أنه ال ميكن لفلسفة أن تنشأ من فراغ، فهي البد أن تعود يف بعض أصوهلا وتصوراا إىل شروط سابقة وحمددات

وكثريا ما شكل العلم أحد أهم . مسارهاتساهم ولو نسبيا يف توجيه .شروط التفكري الفلسفي

واألمثلة يف هذا كثرية؛ فسقراط يستلهم املنهج الرياضي منطلقا من تعريف املفاهيم

: املرتبطة مبوضوع ما مثلما يبىن االستدالل اهلندسي على تعريف مصطلحات مثليكارت نظريته يف املعرفة استنادا ويؤسس د. النقطة، املستقيم والدائرة وما إىل ذلك

ويقيم إميل .إىل الرياضيات معتربا أن البداهة أو الوضوح التام هو معيار احلقيقةدوركامي فلسفته االجتماعية اعتمادا على نتائج العلوم البيولوجية يف عصره وبالتحديد

مما تتميز واليت بالرغم وهذا األمر ينطبق على فلسفة فتجنشتني،. علم الفيزيولوجيابه من أصالة وجتديد، إال أا ال خترج عن توجه علمي له حضوره وهيمنته اخلاصة

.يف عصر فتجنشتني

.بلعباسجبامعة جياليل ليابس، سيدي أستاذ ∗

لفلسفة فتجنشتنيالعلمية األسس

∗∗∗∗قادري عبد الرمحن.أ




115

إن الدراسة التحليلية ألعمال فتجنشتني، تكشف لنا عن مكونات متعددة األصول، وتبني لنا كيف توظف املفاهيم والرموز والقواعد الرياضية واملنطقية للتعبري

حقائق العامل واللغة والفكر، وكيف تساهم االكتشافات الفيزيائية والكيميائية عن وكلما تعمقنا أكثر يف أصول تلك املكونات وطريقة توظيفها . يف بلورة هذه الفلسفة

وحاولنا معرفة خمتلف االرتباطات القائمة بينها، كلما استطعنا أن ندرك أكثر ما ذا السياق أوال باالجنازات العلمية املنطقية وسنهتم يف ه. الذي أراده فتجنشتني

والرياضية من جهة مث الفيزيائية والكيميائية من جهة أخرى، خالل النصف الثاين مع الرتكيز على بعض األفكار األساسية اليت مهدت 20القرن وبداية 19القرن من

ز لفلسفة فتجنشتني وسامهت يف تشكيلها، وكذا عرض لبعض األمثلة اليت ترب .بوضوح ما أريد الذهاب إليه

لقد كان إلجنازات علماء املنطق والرياضيات يف تلك الفرتة أثرا بالغا يف نشأة ديدكيند :الذرية املنطقية بشكل خاص والفلسفة التحليلية بشكل عام ومن هؤالء

Dedekind )1831-1916(، جورج كانتور G.Kantor 1854) -1918(، تشالرز Giuseppe Peano ، جيوسيب بيانو)C.S.Peirce )1938-1914 ساندرس بريس

فردريك جوتلوب ،)1862 -1943( David Hilbert ، دافيد هلربت)1932- 1858(وألفرد ويتهد ) 1970-1872( ، برتراند راسل)F.G.Frege )1848 -1925 فرجية

Alfred Whitehead )1861 – 1947(. الرياضيات و املنطق إىل ما يثريه كل منهما من لقد تعدت أعمال هؤالء جمايل

وكان ذلك نتيجة التطورات اجلذرية والقفزات النوعية اليت . إشكاليات لغوية وفلسفيةعرفتها الرياضيات وبدت جتلياا منذ بداية القرن التاسع عشر أول األمر يف أعمال

ا أثبت عندم Gauss (Carl Friedrich,1777-1855) الرياضي الشهري غوصلكنه رفض أن يطرح ذلك أو . )1816( هذا األخري إمكانية قيام هندسة ال إقليدية



116

ينشره علنا تقـديرا ملكانة إقليدس وخشية أن يثري ذلك نوعا من الفـوضى يف ولكـن ما عالقة تلك . األوسـاط العلمية، مث يف أعمـال لـوباتشفسكي ورميان

عىن ميكن القول أا سامهت يف ظهور هذه اإلبداعات بفلسفة فتجنشتني؟ أو بأي م الفلسفة اجلديدة؟

كان من املعروف رياضيا أن الدوال متصلة و خاصية االتصال مرتبطة باملكان اهلندسي، لكن اكتشاف الداالت املنفصلة اليت ال تتحقق فيها خاصية االتصال كانت نتيجته الشك يف املكان اهلندسي، أي الشك يف أحد أهم أسس التحليل،

ندسات الالإقليدية املتباينة فأصبح هذا األخري حباجة إىل أساس، خاصة بظهور اهليف منطلقاا ونتائجها، وحلل هذه األزمة حاول الرياضيون رد التحليل إىل احلساب،

لكن علم . ضمن ما عرف مبشروع حتسيب التحليل، وهو أحد أهم مشاريع فرجيه .احلساب كان هو اآلخر حباجة إىل اإلصالح

وهلذا الغرض قدم . نسقا استنباطياولذا كان من الواجب أوال إقامة احلساب بيانو وفرجيه حماولتني مستقلتني لنسق استنباطي للحساب، وحاول بعض الرياضيني

وعن هذه . ديدكند ، كانتور وفرجيه: رد األعداد مجيعا إىل األعداد الطبيعية ومنهماحلركة نشأ االجتاه اللوجيستيقي الذي عمد إىل رد التصورات األساسية يف علم

ساب للمنطق، أي تعريف األعداد و العمليات احلسابية منطقيا،مث مشل املشروع احلغري أن املنطق كان عاجزا عن حل مشاكل الرياضيات،ومل . مجيع فروع الرياضيات

يكن يصلح إلعادة بنائها على أسس دقيقة، إذ مل يكن بإمكانه أن يستوعب كثريا . ته كافية لرتمجة تلك احلقائق الرياضيةمن األفكار والعالقات الرياضية أومل تكن لغ

، وقد )احملمول –املوضوع (وذلك ألن املنطق كان يقتصر على قالب فكري واحد . ظل مرتبطا بقواعد الرتكيب اخلاصة باللغة اليونانية، ومفتقرا إىل الوضوح والدقة

ومن هنا ظهرت احلاجة إىل تطوير منطق جديد حيل بديال للمنطق التقليدي، وقد




117

بدأت حركة إصالح شاملة للمنطق قبل اية القرن التاسع عشر، لتمثل بذلك . نقطة انعطاف يف تاريخ املعرفة

ويف هذا السياق ظهرت مسامهات عديدة إلقامة املنطق كعلم استنباطي وجعله أساسا الستنباط القضايا الرياضية ، لتشكل بذلك بعثا ملشروع ليبـنز املتعلق

ومل تعد هذه اللغة مقتصرة كما . رمزية مثالية، تتميز بالدقة و الشمولية بإجياد لغةسبق أن ذكرت مبجايل الرياضيات واملنطق، بل تعدت ذلك إىل املعرفة اإلنسانية

ومادام هذا املنطق اجلديد منشغال بتحديد قوانني الفكــر وصياغتها . بشكل عاملن ختص موضوعا دون غريه، وإمنا -جيهكما رأى فر -رمزيا فإن هذه القوانني املنطقية

فالفكر هو نفسه أينما كان و ليس صحيحا أن «ميزا األساسية أا عامة ومطلقة هنالك أنواعا خمتلفة من قوانني الفكر لتالءم أنواعا خمتلفة من املوضوعات املفكر

.1»فيها ،وشرويدر ،بريس: واملهم هنا ليس هو تلك اإلجنازات،خاصة اليت قدمها وويتهد، وإمنا املهم هو ما متخضت عنه من نتائج شكلت ،ورسل ،وفرجيه ،وبيانو

هذه النتائج ميكن . مصدرا أساسيا لفلسفة فتجنشتني وعامال جوهريا يف بلورا :للوضوح ومراعاة للدقة بتغاء اتلخيص أمهها يف مجلة من النقاط

كلغة فلسفية و منطقية نظرا لكوا تنطوي على رفض اعتماد اللغة العادية : أوال كثري من الغموض، وهذا يعين أن هذه اللغة ليست مالئمة للتعبري عن البنية املنطقية األساسية للفكر وأن استخدام هذه اللغة يسمح بدخول كيانات غريبة متمثلة يف

وعلى . ملنطقكلمات جمردة أو قد ال ميكن لقواعد هذه اللغة أن تعكس لنا قواعد اشيء ما هو : "1جسبيل املثال فإن هناك مساواة بني اجلملتني التاليتني حنويا،

، 2001 ،1ط ،الدار البيضاء رادولف كارناب، اية الوضعية املنطقية، املركز الثقايف العريب، وداد احلاج حسن، 1

.15 ص



118

، هذا التساوي ال جتيزه اللغة "ما هو اإلسكندر العظيم شيء: "2ج ،"حيوان لبون" شيء ما"يف اجلملة األول توظف كرابطة انتماء بني املوضوع " هو"املنطقية ألن

. كرمز للهوية" هو"بينما يف املثال الثاين استخدمنا الرابطة " لبونحيوان "واحملمول مما يعين أن استخدام اللغة العادية ال يتسق مع منطق الفكر، وهذا ما ميهد ال حقا

.لتلك االنتقادات املوجهة ضد امليتافيزيقيا خاصة لدى الوضعية املنطقيةوانني املنطق، أي أن هذه األخرية التأكيد على أن قوانني الفكر هي ذاا ق :اثاني

حتكم مجيع ما هو مفكر فيه، األمر الذي يعين وجود لغة منطقية عامة متثل بنية عميقة للمعرفة، وهذا ما تعرب عنه فلسفة فتجنشتني األوىل، اليت دف إىل صياغة

.هذه اللغة املنطقية أو إىل البحث عن الشروط اليت جتعل اللغة كاملة منطقياالتأكيد على أن ما حيـدد معىن كلمة معينة هو استخدامها، وهذا ما تضمنته :اث ثال

بعض أحباث فرجيه، إذ يعترب أن من بني املبادئ األساسية لكل استدالل، و اليت هي مبادئ أو قوانني املنطق العامة، أن ال نسأل عن معىن كلمة مبعزل عن سياقها

وحسب فرجيه فإنه . تني يف املرحلة الثانيةوهذه الفكرة تشكل أساسا لفلسفة فتجنشونفس الفكرة . »أال يسأل، البتة، عن معىن كلمة مبعزل عن سياقها يف قضية«ينبغي

هذه تتبناها بعد ذلك مواقف لسانية كذلك الذي طرحه فرديناند دي سوسري حول .عالقة الدال باملدلول

القضايا الرتكيـبية أو التأليفية البعدية التمييز بني القضايا التحليـلية القبلية و :ارابع واعتـبار القوانـني الرياضية واملنطقية حتليلية، وهذا يعين أا ليست تركيبية كما رأى جون ستوارت ميل وال تركيبية قبلية كما ذهب كانط، مع التأكيد على مكانة ودور

أي دورمها يف كل من القضايا التحليلية والرتكيبية األساسي بالنسبة للعلـوم وإذا كانت القضايا التحليلية، أي قضايا . استخالص وصياغة املعارف العلمية

الرياضيات واملنطق، ال تقول شيئا عن الواقع فإا بالرغم من ذلك تساعدنا على




119

وهذه الفكرة ذاا جندها عند . االنتقال من قضايا واقعية إىل أخرى واقعيةفهي يف نظره إما حتليلية أو تركيبية أو أشباه قضايا فتجنشتني يف تصنيفه للقضايا،

، وقد أضاف فتجنشتني هذا الصنف األخـري متاشيا مع الفكرة "قضايا مزيفة" .األوىل، أي لكون بعض اجلمل اللغوية ال تتسق مع منطق الفكر

تلك هي أهم النتـائج املرتتبة عن التحوالت اجلذرية يف جمـايل املنطق والرياضيات واليت سامهت بشكل مباشر كعوامل موجهة لفلسفة فتجنشتني فماذا

عن األسس التجريبية وبالتحديد يف جمايل الكيمياء والفيزياء؟أثارت املواقف الفلسفية تقليديا مشكلة تركيب املادة ، فطرحت فرضية وجود

وطرحت أيضا لدى وأبيقور ،دميقريطسـ الذرة من قبل بعض فالسفة اليونان كوإبراهيم بن سيار ) ھـ 235 - 135( بعض املسلمني مثل حممد بن هذيل العالف

.)ھـ672-604( وجالل الدين الرومي) ھـ 231- 160(النظام وانبعث من جديد التفسري الذري للمادة يف عصر النهضة و العصر احلديث

،ديكارت، ليـبنز ،جاليلو لدى كثري من الفالسفة والعلماء مثل جيوردانو برونو،لكن مفهوم الذرة ظل منذ القدمي خاضعا العتبارات ميتافيزيقية، ومل يكن .ونيوتن

. باإلمكان أن يبث ائيا يف حقيقة ما يقوله الفالسفة عن تركيب املادة وتكوينهاومع بداية القرن التاسع عشر، قرن التحوالت الكربى أثريت هذه الفرضية يف جمال

اء فتبني أن بعض الظواهر ال ميكن تفسريها إال على أساس هذه الفرضية ومت الكيمي التعرف من خالل بعض التجارب الرائدة ،خاصة تلك اليت قدمها جون دالتون

John Dalton )1766-1844 ( مؤسس الكيميـاء احلديثة على بعض العنـاصرهد دالتون ملعرفة كما م. الكيمائية كاهليدروجني واألوكسجني والنحاس واحلديد

العامل األصغر بفرضياته العلمية املتعلقة خبصائص الذرة كالوزن الذري واخلصائص . الفيزيائية والكيمائية للعناصر



120

Mendeleiev( Dmitri Ivanovitch )مندليف أما االجناز املهم فقام به عندما صنف العناصر الكيميائية حسب الوزن الذري و التكافؤ ) 1907- 1834(

ورغم توصل العلماء ملثل هذه احلقائق اليت تعطي تفسريا معقوال لرتكيبة . الكيمائي املـادة فقد ظل البعض يشكك يف وجـود الذرة عمليا معتـربا أا جمـرد فرضـية

. ميـتافيزيقية Avogadroلغزو عامل الذرة، وضع أفوغادرويف طريق طويل ،وكخطوة أخرية

ومضموا . فرضية كانت هلا شهرا ودورها يف إثبات وجود الذرة) 1776-1856( أن األحجام املتساوية من الغازات تشمل على نفس العدد من اجلزيئات ، وقد استطاع العامل الفرنسي جان بريان إثبات صحة هذه الفرضية عندما اكتشف أن

– مم76(من أي غـاز يف الشروط النظامية للضغط واحلرارة ل 22.4 قدارهحجما م

2310×6 يشمل نفس العدد من اجلزيئات وهو) درجة حرارة 0 .جزيء

وقبل أن يتأكد . تأكد انقسام املادة إىل وحدات بسيطة هي الذرات ،وهكذا ذلك بصورة ائية كان الفيزيائيون يف جمال الكهرباء قد وصلوا إىل وجود جزيء

بتـداء من كوملب امادي هو اإللكرتون بعد جتارب متواصلة قام ا بعض العلماء Millikan (Robert Andrews) األمريكي مليكان والعامل األيرلندي ستوين إىل

الذي أثبتت جتاربه مبا ال يطرح شكا وجود اإللكرتون باعتباره جزءا ) 1953- 1868(من املادة، أي من الذرة األمر الذي يعين قابلية الذرة لالنقسام و أصبح ينظر إليها

ولكن التجارب العلمية . كبنية، أي كشيء يتألف من عناصر تقوم بينها عالقاتاليسري إجراء االختبارات سرعان ما واجهت صعوبات متزايدة، إذ مل يعد من

للتعرف بدقة على مكونات الذرة وتفسري ظواهرها أو مواصلة التحليل املادي للذرة، ومل يعد باإلمكان حتديد صفات الالمنقسم، أي الصفات اليت متيز اجلسيمات املادية األولية كاإللكرتون، ما هو احلجم احلقيقي جلسيمة اإللكرتون؟ ما




121

هي بنيته األساسية؟ مل تستطع التجارب إجراء القياس هو شكله األصلي؟ مامبفهومه املعتاد مثال قياس احلجم بتحديد نقاطه وأقسامه مث قياس ذلك وفق

وقد أدت بعض القياسات اليت طبقت إىل إقصاء قياسات أخرى . عالقات رياضيةا مما يعين غياب أي أن إجراء كل القياسات يف وقت واحد أمر ال ميكن حتقيقه،

. للتحقق التجرييبلقد تبني أن إجراء أي قياس،كذلك الذي يتعلق بسرعة اإللكرتون، يؤدي إىل

تدخل فعلي ومباشر يف طبيـعة و بنية الواقع املقاس، مما يؤدي إىل تغيري نظام الواقع كما أن هذا التغيري احلاصل يلغي كل توقع أو تنبؤ وذلك ألن التفاعل بني أدوات

.بنية الواقع اجلديد يتم يف جمال ال يقبل املراقبة والتحليلالقياس و مل يعد إذن موضوع الفيزياء والكيمياء كما كان يف السابق تلك الطبيعة

املوضوعية لألشياء، بل أصبح الطبيعة يف عالقتها باملالحظ، ونتج عن ذلك أن ا وأصبحت حباجة معان ومفاهيم عقلية كثرية اعتمدت منذ قرون قد فقدت مدلوال

وتبعا هلذه النتائج، ويف إطار ما توصلت إليه العلوم الفيزيائية .إىل حتديد جديدوالكيميائية، ميكن أن نفهم كثريا من أفكار فتجنشتني خاصة املرتبطة بفلسفته

ومل يعد باإلمكان . فظواهر العامل األصغر قد ابتعدت عن اإلدراك العادي. األوىلونفس األمر حيصل بالنسبة للوقائع الذرية يف . د أدق الوسائل العلميةمراقبتها باعتما

فلسفة فتجنشتني واليت هي وقائع منطقية، تعرض على أا أبسط الوقائع ومن الصعب حتديدها مبثال وكذا األمر بالنسبة ملكونات هذه الوقائع املنطقية من

.أشياءي ينبغي اعتماده للتعبري عن هذا والتماثل مرة أخري حيصل يف األسلوب الذ . أو اللغة اليت ميكنها أن تساعد على سرب أغواره واكتشاف قوانينه وصياغتها الواقع،

بالنسبة للفيزياء والكيمياء أول األمر مث علوم أخرى كامليكروبيولوجيا واالقتصاد



122

واللسانيات، ولذا كانت الرياضيات ومنهجها األكسيومي احلديث أنسب وسيلة لتعبري وأيضا للتفكري، إذ مت يف جمال الفيزياء النظرية استلهام هذا املنهج الفرضي ل

االستنباطي وتوظيفه الستخالص النتائج أو القوانني العلمية دون االعتماد على إننا ال نصل إىل هذا الواقع املادي املعقد . التجربة اليت أصبحت إمكانياا حمدودة

ذا الواقع جتريبيا، وإمنا بواسطة لغة رياضية تساعد عن طريق مالحظة واستنطاق همث استخالص ما ينتج عن هذه . على صياغة الفروض األولية هلذا الواقع املادي

الفروض استنادا إىل قواعد رياضية تتميز بالدقة والشمولية والنسقـية والقدرة على قرتحه فتجنشتني أما األسلوب الذي ي. اإلحاطة بظواهر هذا العامل اخلفي والدقيق

يف التعامل مع عامل الوقائع الذرية، فهو اآلخر لغة صورية ورمزية دقيقة هي اللغة . املنطقية فبواسطتها ميكن التعبري عن العامل وحمتوياته وعن الوقائع واألشياء

وملا كان البحث العلمي املتواصل يف جمال املادة، عبارة عن عملية مستمرة ، د يوم أكثر مما كان متوقعا من األسرار، وأنه ال اية على األقل تكشف يوما بع

فتجنشتني، الوقائع الذرية بسيـطة ـ حاليا ملسار التحليل، فكذلك األمر بالنسبة لوهي مكونة من أشياء بسيـطة . لدرجة يصعب فيها حتديد معيار ما لبسطاا

. يصعب حتليلهاأشياء هذا العامل، بل ميكن أن تقبل هي وإذا أردنا أمثلة فهي أبسط من

والشيء ليس شيئا حمددا واضح املعامل، بل يصعب تعريفه بإثبات . األخـرى حتليالإذن .صفات معينة، ألن هذا الوصف حيوله إىل واقعة جديـدة مكونة من أشياء

فنحن نتكلم يف نظر فتجنشتني من الناحية املنطقية عن األشياء النهائية اليت ميكنوملا كنا ال حندد واقعا معينا وال حنصر منطا من الظواهر . أن يقود إليها التحليل

الواقعية وال نقتصر على مثال حمدد، فمعىن ذلك أننا نتكلم عن كل ما هو ممكن إن نظرة فتجنشتني هنا ليست . وعن مجيع العوامل اليت ميكن التفكري فيها منطقيا




123

األشياء «رع إىل القول بأنه أشبه بالالشيء عدمية تنفي وجود الشيء ،عندما تسا، وإمنا نظرته تستبق البحث العلمي مسرتشدة به وقبل ذلك بتجربة 1»ال لون هلا

لكن ما هو السبيل إىل حقيـقة ما قبل أن يثبتهـا أو ينكرها العلم؟ .فلسفية سابقةليس من املفيـد علميا أو تارخييا أنه -من وجهة نظر الذرية املنطقية-إذا ثبت

يف شيء أن نصف العـامل، أو نفسر وقائعه استنادا إىل امليتافيزيقا وتصوراا الفارغة من املعىن، كاملطلق واجلوهر والشيء يف ذاته،كما أنه ينبغي أن ال خنوض يف ذلك، اعتمادا على ما نعرفه يف حلظة تارخيية معينة، ال للتغري احلاصل يف اإلبداعات

ب بل إن الواقع الذي ندرسه سريع التغري و عميق األغوار و أكثر العلمية فحسمما يعيق قدرتنا على رصد مكوناته ونظامه النهائي فإننا سنكون ا وخفاء غموض

أكثر حاجة إىل الرمز يف التعبري عنه، فالرموز ختتزل الدالالت املتغرية ما أمكن مثلما بني عدد قد يكون ال حمدودا من خيتزل مفهوم الدالة يف صيغة حمدودة العالقة

. املتغرياتوميكن أن نالحظ ميزة اخلفاء هذه ال كخاصية مرتبطة بعامل الذرة يف جمال

. الفيزياء الدقيقة و الكمياء الذرية بل بالظواهر اإلنسانية كذلك يف عصر فتجنشتنيعن هو تعبري) م1900( فرويدـ ل " تفسـري األحالم"ومن هنا ميكن القول أن كتاب

هذه احلقيـقة، ففي جمال احلياة النفسية ال ميكن تفسري السلوك إال بإظهار ما ميارس يف إخفاء وكبت، وعامل النفس أعمق وأخفى مما نشعر به والالشعور هو عامل

ونفس الشيء جنده مثال يف التاريخ لدى مدرسة احلوليات مع بداية . النفس احلقيقيريخ ال ينحصر فيما هو ظاهر ومدوي من أحداث املاضي بل القرن العشرين، فالتا

إن حقيقة التاريخ كامنة فيما خيتفي وراء هذا املظهر من حوادث خفية كثريا ما ينظر

عزمي إسالم، مراجعة زكي جنيب حممود، مكتبة األجنلو املصرية :، تعريبرسالة منطقية فلسفيةفتجنشتني، 1

.66 ، ص2.0232العبارة ،1968 ،القاهرة



124

ولكننا إذا أردنا بناء املاضي إليها على أا فرعية أو غري فاعلة يف مسـار التاريخ، .ا هو خفي منهاحقيقة فيجب أن نعود إىل مجيع وقائعه ونتتبع كل م

هذه اخلاصية تتجلى مرة أخرى عند عرض القضايا ضمن الرسالة فهناك ، وهناك عبـارات فرعية متثل سبع جمموعات، كل 7 إىل 1 عبارات رتبت مرقمة من

جمموعة تلي إحدى العبارات الرئيـسة، حيث تتبع كل واحـدة من هذه األخرية وإذا كانت األرقام صحيحة بالنسبة لألوىل، فإن . بعبارات فرعية تشكل حتليال هلا

وال شك أن هذه الطريقة حتمل أكثر . الرتقيم الفرعي يعتمد على األعداد احلقيقيةإن هذه الطريقة تبعث من .من داللة كما أا يف نفس الوقت تطرح أكثر من سؤال

امل ال جديد فكرة مفادها أن العدد هو أساس النظام كما رأى فيثاغورس ألن العميكن أن يكون معقوال إال إذا كان منظما وال ميكن أن يكون منظما إال إذا خضع

وفتجنشتني يقرتب هنا من فيثاغورس عندما يستخدم األعداد كأساس لألعداد،لعرض أفكاره، لكنه يتجاوز هذا األخري لكونه يقبل مبجموعة األعداد احلقيقية إىل

وظف األعداد مبا يسمح أو يرفع من قدرتنا وهو بذلك ي. جانب األعداد الصحيحةوقد مت تقدمي هذه األخرية بطريقة . على التعبري والتفكري مقارنة باملوقف الفيثاغوري

تشري إىل فواصل وقفزات، فما الذي يقـابل األرقـام احلقيقية الالمكتوبة يف مـؤلف للغة؟ من حقائق يف العامل اخلارجي ويف عامل ا" رسالة منطقية فلسفية"

هناك عدة أجوبة حمتملة من بينها مثال وجود حدود ال ميكن تعديها أو أن وحقيقة األمر أن طريقة الرتقيم . هناك حد ائي للمعرفة قد بينته الذرية املنطقية

تلك تدل أكثر على قابلية اشتقاق عبارات جديدة تدخل هي األخرى يف إطار ما الذي وضعته الذرية املنطقية، حبيث تشكل القضايا ميكن قوله أو يف اإلطار العام

وهذا يعين أن قضايا الرسالة .اجلديدة مضمون الفراغ القائم بني القضايا األساسية .تؤسس لنسق معريف منفتح وقابل للنمو يف اجتاه معني




125

أال يعكس هذا التصور ما هو قائم من إبداعات علمية خاصة يف جمال العلوم لدقيقة كالفيزياء والبيولوجيا؟املادية اففي جمال الذرة هناك حقائق مت حتديدها كوجود بعض املكونات الذرية

كالنواة واملدارات الذرية والنيرتونات والربوتونات وتسارعت وترية االكتشافات لتقدم افه ويرسم هذا النموذج إطارا عاما ملا ميكن اكتش .ا يفسر البنية العامة للذرةمنوذج

من جديد أي حيدد مجلة خصائص بصورة مسبقة ملا ميكن أن يفضي إليه التحليل كأن تكـون املكونات الذرية اجلديدة أقل كتلة أو أن تتميز خبصـائص . الحقا

. فيزيائية وكيميـائية معينة لتؤدي دورا وظيفيا يف تفسري متكامل للنشاطات الذرية. مت حتديده وما هو ممكن وقابل للتحديد وهكذا جند أنفسنا أمام ما هو كائن وما

وإذا كانت الفيزياء قد جنحت بفضل الرياضيات يف صياغة املنهج العلمي الذي ميكنها من حتقيق املزيد من االكتشافات، فإن الفلسفة حسب االجتاه الذري املنطقي هي األخرى ستكون حباجة ماسة إىل املنهج الذي ميكنها من التعبري

.ميكن قوله بوضوح عن ماإن فلسفة فتجنشتني ليست مصطبغة بنتائج العلوم فحسب، بل تأثرت

باألسس النظرية للمعرفة العلمية واليت تضمنتها العديد من األحباث كتلك اليت أشار ارجع إىل كتاب هرتز يف « :إليها فتجنشتني بشكل واضح، فعندما يقول مثال

ملؤلفه " مبادئ امليكانيك"أي يقصد كتاب 1»امليكانيكا عن النماذج الديناميكيةفهو يرشدنا إىل الكتابات اليت وجهته إىل بعض Heinrich Hertz هينريش هرتز

ومن بني أفكار هذا الكتاب األساسية ضرورة .املنطلقات األساسية يف فلسفته إن العالقة بني« :يلي وجود مطابقة بني الطبيعة والتفكري، ففيه ميكن أن نقرأ ما

منوذج ديناميكي وبني النسق الذي يعد منوذجا له هي نفس العالقة متاما بني الرسوم

.88 ، ص4.04 الفقرة، فتجنشتني، مرجع سابق، 1



126

ألننا لو اعتربنا حالة النموذج مبثابة .اليت يشكلها عقلنا لألشياء وبني األشياء ذاااليت جيب أن تتضح وفقا لقوانني هذا - متثيل حلالة النسق، فإن نتائج هذا التمثيل

متثيل للنتائج اليت تنشأ عن الشيء األصلي وفقا لقوانني هذا هي أيضا -التمثيل .الشيء األصلي

على ذلك يشبه االتفاق بني العقل والطبيعة االتفاق بني نسقني يكون وبناء كل منهما منوذجا لآلخر، وميكننا أن نفسر متاما هذا االتفاق عن طريق افرتاض أن

. 1»ة فعلية لألشياء، وقادر على العمل معهاالعقل قادر على صنع مناذج ديناميكيويف نفس هذا الكتاب الذي رأي فتجنشتني أن قيمته ال تضاهيها قيمة

نقول عن نسق مادي ما أنه منوذج ديناميكي لنسق آخر، : "كتاب آخر ورد أيضاحينما ميكن التعبري عن العالقات املوجودة يف النسق األول مبثل اإلحداثيات اليت

:جيب أن تستويف الشروط اآلتية ؛أن يكون عدد إحداثيات النسق األول مساويا لعدد إحداثيات النسق الثاين . أ كل من النسقـني ينشأ تساوي إلحداثياتإنه بناء على الرتكيب املناسب . ب

.2...حالتيـهمامثل هذه األفكار هي اليت سامهت بشكل فاعل يف التأسيس لفلسفة

أي يف فلسفته وموقفه من العامل واللغة ويف القول خاصة أول األمر،فتجنشتني ،ويف نظرته ملعىن القضية والصدق املنطقي –التصويرية يف اللغة بنظريته األوىل،

.ميكن قوله وما ميكن معرفته وكافة تصوراته عن ما

، 1993 الطبعة األوىل، دار التنوير، بريوت، ،لتحليل اللغوي عند مدرسة أكسفوردصالح إمساعيل عبد احلق، ا 1

.81 ص .200 ص عزمي إسالم،. ، مرجع سابق، فصل الشروح والتعليقات بقلم املرتجم دفتجنشتني 2

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ... بني االحادية والتعددية اشاكلية الثقافة اجلزائرية جملة أبعادجملة أبعادجملة أبعادجملة أبعاد


127

ا ما يتم اخللط بينها، داللية خمتلفة غالب طي مفهوم الثقافة حقوال غي فاحلقل الداليل األول هو حقل اخلطاب الكالسيكي الذي ساد القرن

حول احلضارة، حيث اعتربت الثقافة حسب هذا اخلطاب سريورة م18 .عاملية متجهة حنو املستقبل متيز الكائن اإلنساين عن الكائنات األخرى

وأساس احلضارة أو جوهرها هو إنتاج العلم وتطبيقاته التقنية املتمكنة من السيطرة

اخلطاب خطاب إيديولوجية التقدم على الطبيعة، ما جيعلنا نستنتج إمكانية اعتبار .الذي مهد لربوز التطورية مث املاركسية فيما بعد

.، وهرانCRASCدكتوراه فلسفة، باحث دائم مبركز البحث يف األنرتوبولوجية االجتماعية والثقافية ∗

إشكالية الثقافة اجلزائرية بني األحادية والتعددية

ـــــــ قراءة يف اإلصالحات األخرية ـــــــ

∗∗∗∗عبد الوهاب بلغراس.د




128

ا مع التعريف من خالل اإلشارات إىل خمتلف الدالالت ملفهوم الثقافة ومتاشي فإىل أي . الوظيفي الذي قد خيدم موضوعنا نتساءل حول الظاهرة الثقافية يف اجلزائر

اعية وفكرية أن تربز يف احلقل املعريف مدى استطاعت الثقافة كظاهرة اجتم والسياسي عندنا؟

؟ وما هي "حوار الثقافات" ـ مما يعرف اليوم ب" الوطنية"وما هي مكانة هذه الثقافة 1أهم التغريات اليت طرحت على اخلطاب الثقايف بعد اإلصالح؟

:الحقول الداللية لمفهوم الثقافة 2"دوركامي"هم عامل االجتماع الفرنسي يستعمل علماء األنرتوبولوجيا ومع

جمتمع وحضارة وذلك ،قبيلة ،"عرق" جانب كلمات أخرى مثل كلمة ثقافة إىلفبالنسبة ألصحاب هكذا طرح ال وجود ،وهكذا. لداللة على مجاعات متميزةل

لشعب بدون وعي مجعي األمر الذي جيعل كل مجاعة تتوحد داخل حضارة معينة، .اوقد خيتزل املفهوم هنا ليشمل املنتوج الفين والفكري مع

أما احلقل الداليل الثاين فهو احلقل الذي جند فيه الثقافة تعين كل ما مييز تمع يتمتع خبصائص ثقافية جتسد وب األخرى، إذ كل جما عن باقي الشعشعب

–" العبقرية الشعبية"

والقانون التوجيهي اخلاص ...) املنظومة القضائية ، املنظومة الرتبوية(نقصد باإلصالح هنا اإلصالحات الكربى 1

مت االعرتاف بالتعدد اللغوي وإعادة االعتبار بتسيري احلقل الديين، اليت عرفتها البالد بعد تغيري الدستور حيث ...للمذهب اإلباضي

2 Emile Durkheim –Education et sociologie; éd P.U.F col le sociologue, Paris 1973 –p : 60.



129

1حسب تعبري الفيلسوف األملاين Herder ، وتأخذ الثقافة هنا من التقاليد

ا من األصالة الشعبية خاصة التقاليد ذات الطابع القروي الشيء الذي يضمن نوع والتميز والتفرد، ما جيعل اخلصائص الثقافية تمع ما ال تتعلق بااالت العلمية

. والعقالنية وإمنا هي خصائص روحانية ولغوية وفنيةعمال الفنية والفكرية بينما يف احلقل الداليل الثالث تدل الثقافة على جمموع األ

ت أساسها اإلشكاال" إنسانوية"يته ثقافة الكربى اليت تؤسس ملا ميكن تسموالعلمية وهنا جند أنفسنا ...الشر واجلمال واحلب وغريهاالكربى للوجود البشري كاخلري و

ا ، هذه الثقافة يف الغالب تشكل حاجز "النخبة"خاصة مبا يسمى " ثقافة رفيعة"أمام . يصعب على عموم الشعب اجتيازه

هي يف الواقع سياقات تارخيية خمتلفة " افةثق"هذه الدالالت الثالث لكلمة عمال حىت نتفادى الغموض لنشأة مفهوم الثقافة واليت جيب استحضارها يف كل است

لثقافة أصبح اليوم أكثر وأن املفهوم السوسيولوجي واألنثروبولوجي لالسيما .استعماال

:الحركات الثقافية وتنقالتها عبر التاريخثقايف من املعطيات - رخيية املتعددة أن التعدد اإلثنوالنظر التااعتربت توجهات

فقد جند عرب التاريخ، ساكنة تنتقل وجمموعات ختتلط، .القدمية لتاريخ البشريةوأراضي مت ضمها أو التخلي عنها، وعمليات تبادل جتاري سبق إقامتها، وصريورات

الظواهر سامهت يف كل هذه. إدماج سياسي مت حتقيقها، وحدود جرى تغيريهاوقد تعرف هذه التنقالت وعمليات الرتحال تغيريا يف حجمها . ثقايف-التنوع اإلثنو

1 Johann Gottfried von Herder, né les 25 aoûts 1744 à Morhange et mort le 18 décembre 1803 à Weimar, est un poète, théologien et philosophe allemand.




130

سلوكات غري معهودة، ما تلبث كما قد تساهم كذلك يف خلق ميول و وسرعتها، . أن تصبح اجتماعية ومألوفة

ل عرب هذا التاريخ الطويل، إنكار هذه التنقالت والعمليات ب ومل يتم، الدينامية وت بفضل العوملة وضغوط العوملة و خبالف ذلك، وتضاعفت وتق استمرت،

فحركات اهلجرة ليست اعتباطية بل تستجيب حلاجات .الدميغرافية وموجات اهلجرة .اقتصادية أو رغبات عائلية

كما تدخل تارخييا ضمن خملفات االستعمار الذي خلق صراعات مقصودة يف إطار هوي، أو احملاوالت اليت أدت إىل التفرقة وإىل شتات معروفة مشروع اإلدماج اجل

فاملهاجر يتجه بداهة حنو أقاربه ويعتمد كذلك على الشبكات احمللية اليت . تارخيياتدعمه للحصول على خدمات خاصة، وأحيانا تؤدي احلركات املتشعبة جمتمعة، إىل

ألطر ثقافية ذات بعد إقامة فضاءات متعددة القوميات ينشأ عنها تواجد متعدد .1ثقايف دال :مقولة حوار الثقافاتثقافتنا و

املطروحة يف الساحة الدولية اليوم، "حوار الثقافات"لو انطلقنا من مقولة إذ جندها تتعلق بالدين والدولة والثقافة دون انتقاد لثقافة ما حلساب ثقافة أخرى،

. يف ثقافة ما وإال ال ميكن أن يتم احلوارمينع بل من املستحيل اإلشارة إىل أي نقص يف هذا اإلطار جند أن مثل هكذا طرح للخصوصيات الثقافية قد حيول ما هو

يعمل خصوصية وبالتايل فال شك من أنهاجتماعي إىل طبيعي وحيول التبعية إىل

واملذهبية والطائفية عرب السوسيولوجية اليت اهتمت بالتشكالت اجلماعاتية نستحضر هنا الكتابات الفلسفية و 1

".مالحظات نقدية حول حوار الثقافات "حمسن خوخو" ومنها حديثا أطروحة ،التاريخ



131

ومع ذلك فال حيق من الناحية السوسيولوجية وحىت فلسفيا . 1على متجيد التخلفهذه اخلصوصيات اليت بقدر ما تعمل على التميز .2ذه اخلصوصياتإنكار ه

واإلثراء بقدر ما قد تشكل جمموعة من العوائق على مستوى املقارنة االقتصادية والسياسية وحىت الثقافية باملعىن الضيق، فكما يربر التخلف باسم االختالفات

.والتمسك بالسلطة وغريهاواهلوية والتميز، قد تربر الديكتاتورية واحلكم الفردي بني ما اإلسالمي وقد حيتدم الصراع املفاهيمي حول الثقافة يف السياق الديين

الثقافة السياسية، يسمى التيار اإلسالمي،خاصة جمال مايسمى بالتيار العلماين و ميكن احلديث عن أزمة الثقافة السياسية العربية اإلسالمية 3ويف هذا اإلطار

حيث تكتشف مظاهر األزمة الفكرية احلديثة، بني التيارين اإلسالمي و العلماين، .اليت جتمع بني هذين التيارين العلماين واإلسالمي يف اال العريب

ية غري املتوفرة يف اتمعات فاألول يعاين من الشروط التارخيية والثقافية واتمع أوربية تأسست ضمن "مدنية"العربية والناجتة عن استرياد منوذج سياسي وثقافة

شروط تارخيية وجمتمعية وثقافية ال ميكن أن تتوفر اليوم يف اتمعات العربية بينما الثاين يتجه مبثالية سياسية يف األصل، إىل إلغاء البعد التارخيي وخلط العبادات

ويسقط باملعامالت،ما يؤدي إىل تداخل وظائف العمل اجلماعي والعمل الفردي،جيعله يقدس كل أعالم 4)باملعىن السليب لكلمة مهدوية( على التاريخ بعدا مهدويا

.اا مطلق ا سياسي وبالتايل تصبح السرية مرجع ،املاضي

ربيع ،38مقدمات، الة املغاربية للكتاب، العدد حول حوار الثقافات،مالحظات نقدية حمسن حلسن خوخو، 1

.24 ، ص2009 ."مشكلة الثقافة"يف هذا اال ميكن العودة إىل كتابات مالك بن نيب خاصة 2 ،38العدد الة املغاربية للكتاب، مقدمات، أزمة الثقافة السياسية بني املهدوية ومنطق العلمنة، نعمان الربودي، 3

.14 ص ،2009 ربيع .يقصد بالبعد املهدوي هنا تقديس كل ما هو ماضي 4




132

يتجاوزون قواعد التحقيق من هنا جند أصحاب الطرح الثقايف على هذا املنوال التارخيي وحيملون الرتاث ما ال يتحمل، الشيء الذي جيعل العقل ينصرف عن مشاكل الواقع، ويغرق يف معاجلة مشاكل ماضية جدا بل ال وجود هلا، وكل هذا

على غرار اخللط بني العبادات اليت جاءت 1راجع إىل اخللط بني النسيب واملطلقت اليت تتميز أحكامها بالنسبية يف اال الديين، بينما يف أحكامها مطلقة واملعامال

ترتبط طبيعيا بنسبية "اإلطالق ثبات ويف النسبية تغري مستمر فهي أي املعامالت .2"األحوال والظروف اليت تعين نسبيتها بشكل آيل تغريها وتبدهلا املستمرين

:الثقافة الجزائرية بعد اإلصالحثقايف يرتبط باهلوية مبا فيها اهلوية السياسية وشروط االنتماء إن أساس الطرح ال

إىل اال السياسي الذي يتم وفقا لسلم قيم توزع من خالله احلقوق اليت هي ، تعبري عن وجود اإلنسان 3التعبري املدين أو التعبري عن ما يسمى اليوم قيم املواطنة

طن العريب اإلسالمي نفتقد إىل وحنن يف اجلزائر كما الو .وعن استقالله وكرامتهالتناسب بني تطور قاعدة النسيج االجتماعي وتغريها يف اجتاه الفردانية، إذ هذه القاعدة عندنا ثابتة حتافظ على صبغتها اجلماعوية يف التجربة العربية اإلسالمية

.املقلدة

.17 املرجع نفسه، ص 1حممد الشريف الفرجاين، السياسي والديين يف اال اإلسالمي، ترمجة حممد الصغري جنجار، مقدمات، الدار 2

.21 ص ،2008 املغرب، البيضاء،مدخل لالجتاهات وااالت، مكتبة ضة الشرق، جامعة القاهرة، حنفي عوض، علم االجتماع الرتبوي، 3

.15 ص، 1964



133

ع من بنو 1فالظاهرة الثقافية عندنا اتسمت يف مرحلة ما قبل اإلصالح األحادية، حىت وإن كانت تتنوع يف مظاهرها حيث كان اخلطاب الثقايف قائما

ال مذهب إال املذهب املالكي وال لغة إذ وحىت سياسية،على أحادية لغوية ومذهبية إال اللغة العربية على األقل على مستوى اخلطاب والفلسفة الرمسيني ما أدى إىل نوع

.من االنغالق اإليديولوجيما ( لكن املرحلة اليت تعىن بإعادة التأسيس للفكر الديين واللغوي يف اجلزائر

، سوف تلتفت إىل التعددية اللغوية املوجودة يف البالد على )مسي باإلصالحاتاعتبار أا ثراء ثقايف ال بد من استغالله والعمل على إحيائه وتطويره، ويتعلق األمر

مث وما حتمله من تراث ثقايف وفكري وحىت ديين وروحي،باألمازيغية جبميع أشكاهلا االلتفاتة إىل جانب آخر ال ينفصل عن الظاهرة الثقافية غري أنه ذو طابع ديين مذهيب ويتعلق األمر باملذهب اإلباضي املوجود يف اجلزائر منذ قرون والذي ظل

.بعيدا عن االهتمامات الرمسية عرب العصورالظاهرة الثقافية يف اجلزائر يف إطار السياق الديين اإلسالمي ومن فلو تناولنا

على غرار االعرتاف بالتعددية - خالل ربطها بإعادة التأسيس للظاهرة الدينيةاجلوانب الروحية وإبراز خطاب ، يتجلى لنا نوع من حماولة تفعيل- اللغوية

ساس الديين يف صورته اخلصوصيات اجلزائرية يف اال الروحي الذي يستند إىل األما جسدته عملية إعادة بناء الفكر الديين يف اجلزائر، متثلت يف الرتكيز ،"احلنيفة"

على خطاب اقرب إىل الصوفية، فاخلطابات الرمسية واملؤمترات العلمية والندوات الفكرية بل كل جمهود سياسي رمسي وحىت اجلهود ذات الطابع الفكري الثقايف

.هذا اال وجدناها تصب يف

نقصد باإلصالح هنا اإلصالحات الكربى اليت عرفتها البالد بعد تغيري الدستور حيث االعرتاف بالتعدد اللغوي 1

.وإعادة االعتبار للمذهب اإلباضي




134

إذا كان املذهب واألخالق الصوفية كل منهما يتناول أو يتناول بصفة تكاد تكون شاملة لدرجة أننا وجدنا يف اجلزائر تصاحل وتفاهم كبري بني التيار اإلصالحي

احلالية وشيوخ الزوايا الصوفية يف " مجعية العلماء املسلمني اجلزائريني"املتمثل يف ذا ألن التصوف كفيل بتقدمي حلول ألزمة القيم احلالية، ما يرتجم يف اجلزائر،كل ه

. الواقع وال يبقى جمرد كالم نظريوجتربة باطنية تستثمر "براكسيس"فالتصوف ليس فلسفة نظرية جمردة ولكنه

على املستوى اجلماعي جتسدت احلكمة .ااالت الروحية والسيكولوجية واجلسديةواجتماعية حمددة، وهذا املسار للمزج ية يف صورة إنسانيةملثالية الصوفا

incorporation م الرجال .الذي حصل بني كل هذه العناصر مع الوقتإوالنساء الذين يف السياق الزماين املكاين جعلوا من هذا املعيش الشكل الذي هو

.عليه اآلنأن الطابع املؤسسايت وقد ال حظ بعض الباحثني التصوف ظاهرة مفارقة،

ألنه مبجرد البحث عن وضعه .1للتصوف قد ال يؤدي الوظيفة املرجوة منه بالضرورةيف شكل معني إما ينسحب وإما يصبح كاريكاتور ذاته، عليه أن يظهر على األرض لتوزيع الطاقة الروحية اليت استثمرها وأيضا ليأخذ مكانه كامال يف الفضاء اإلسالمي

.خمتلف احلقول املرتبطة باإلسالموالتعاون مع وإذا كانت املبادرات الصوفية غري منتظمة يف البدايات األوىل لإلسالم ،فإننا

نشهد اآلن تطورا منطقيا من طبيعة روحية و تارخيية يف الوقت نفسه، ففي الطريقة ة الصوفية واليت أصبحت ممثلة يف زاوية أو عدة زوايا كمؤسسات مشخصة وثابت

،فإن اجلوهر هو وجود أناس، ذكورا وإناثا، التفوا حول بركة وتعليمات شيخ الطريقة

1 Eric Geoffroy ,L’islam sera spirituel ou ne sera plus ,édition Seuil, Paris, 2009, p :184.



135

خمتلفة، وذلك قد أسس له منذ أن " عائالت روحية"مشكلني ) من الوالية(أو الويل ومع الوقت أثبتت هذه ،م14و م12ظهرت هذه املؤسسات أي ما بني القرنني

les confrériesة ما يسمى بالطرقية وعرفت الفرتة املعاصر . الطرق هويتهاهذا من جهة، ومن جهة أخرى ااالت الفنية املتعددة بالنسبة ملختلف

لبشرية فاجلزائر برقعتها اجلغرافية الواسعة وتركيبتها ا. اجلهات شرقا وغربا وجنوبا ومشاالكر الديين يف خطاا الثقايف من خالل إعادة بناء الف املتنوعة،كان لزاما عليها

مراعاة هذه اجلوانب الروحية والفنية وحىت اللغوية املتنوعة، على اعتبار أن اخلطاب .1الديين الذي ال يراعي هذه اخلصوصيات اللغوية والروحية والفنية لن يعمر طويال

وهكذا، جند التغريات السياسية واالجتماعية اليت عرفها العامل وعرفتها اجلزائر هذا تغيري يف اخلطاب السياسي اجلزائري ويف املشروع الثقايف احلضاري،أدت إىل

التغيري الذي سوف يدفع إىل إعادة بناء النظرة إىل الثقافة وإىل املذهب الديين باعتبار أن النظرة الشاملة للدين ال تقصره على مذهب واحد رغم أمهيته يف الوحدة

اصة إذا تعلق األمر مبذهب فقهي االجتماعية بل تراعي كل مقومات اتمع خعقائدي له أتباع عرب القرون ويتمتع من الناحية الثقافية واالجتماعية مببادئ وأسس

.جديرة بأن تتخذ كنموذج إلعادة بناء اهليكل االجتماعي وفق مبادئ وقيم ساميةوهكذا مت العمل على إعادة إحياء الثقافات احمللية وأدجمت اللغات املختلفة

ازيغية إىل جانب اللغة العربية يف إطار الدين اإلسالمي الذي مل يفرض يف يوم األم .من األيام لغة واحدة

خاتمةمت تناولنا للغة األمازيغية واملذهب اإلباضيإذن ومن خالل هاتني النقطتني ا

ء على اعتبار أن االنتما لظاهرة الثقافية يف اجلزائر بناء على فكر ديين متحرر أكثر،

.2008اإلصالحات الدستورية واملنظومة الرتبوية والقانون التوجيهي للسلك الديين 1




136

مل يقم على إيديولوجيا حيث احتوى ، عربية وإىل اإلسالم انتماء حضاريإىل الاللغات الفارسية واهلندية أين جند الكثري من املؤلفات ذه اللغات إال أن روحها كان إسالميا، بل هناك مؤلفات فلسفية وصوفية وفقهية غاية يف األمهية كتبت

.ريها من اللغاتباللغة الفارسية وحىت بال أمازيغية وغكما أن النظرة إىل اآلفاق، تدل على أن األمم اليت تسمى غالبة قد أدركت

أن إشراك قيم األمم األخرى املخالفة، زيادة عن كونه شرطا للبقاء هو أساس وهكذا مت .األمن، فما بالك بأمة واحدة لكن اخلصوصيات احمللية للثقافة خمتلفة

الثقافات احمللية وأدجمت اللغات املختلفة األمازيغية إىل العمل على إعادة إحياء جانب اللغة العربية يف إطار الدين اإلسالمي الذي مل يفرض يف يوم من األيام لغة

ما جيعل عملية إعادة التأسيس للفكر الديين يف عالقته بالظاهرة الثقافية .واحدةبل يأخذ غوية كانت أو مذهبية،واللغوية ال يكتف بضم الثقافات احمللية والفرعية، ل

أيضا مبعطيات العامل املعاصر وكل ما يقتضي التواصل والتقاطع مع العامل يف ميادين االقتصاد والسياسة وحتقيق قدر أدىن من االشرتاك يف القيم العاملية وهذه مهمة

.ليست باليسرية على عاتق النخب السياسية والدينية والثقافية

:العربيةبالمراجع

حممد الشريف الفرجاين، السياسي والديين يف اال اإلسالمي، ترمجة حممد الصغري جنجار، مقدمات، الدار .1 .2008 البيضاء، املغرب،

حنفي عوض، علم االجتماع الرتبوي، مدخل لالجتاهات وااالت، مكتبة ضة الشرق، جامعة القاهرة، .21964.

املفاهيم واإلشكاليات من احلداثة إىل العوملة، مركز دراسات الوحدة عماد عبد الغين، سوسيولوجيا الثقافة .3 .2006 بريوت، العربية،

، 38حمسن حلسن خوخو، مالحظات نقدية حول حوار الثقافات، مقدمات، الة املغاربية للكتاب، العدد .4 .2009 ربيع



137

مات، الة املغاربية للكتاب،مقد نعمان الربودي، أزمة الثقافة السياسية بني املهدوية ومنطق العلمنة، .5 .2009 ربيع ،38العدد

.2000 مالك بن نيب، مشكلة الثقافة، ترمجة عبد الصبور شاهني، دار الفكر العريب، دمشق، .6

:األجنبيةبالمراجع

1. Jean-Louis Vieillard, Baron Francis Kaplan ; Introduction à la philosophie de religion ; les éditions du CERF, Paris 1989. 2. Emile Durkheim, Education et sociologie, éd PUF, col le sociologue, Paris 1973. 3. André Jacob (dir) –Encyclopédie Philosophique universelle, Les notions Philosophiques -Tome 1, PUF. Paris ,1990. 4. André Jacob (dir), Encyclopédie Philosophique universelle, les notions Philosophiques -Tome 2, PUF. Paris1990. 5. Eric Geoffroy, L’islam sera spirituel ou ne sera plus, Paris, édition Seuil, 2009.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ...الشـباب والعمل يف اجلزائر جملة أبعادجملة أبعادجملة أبعادجملة أبعاد


138

:مقدمة اإلنسان،تعترب فئة الشباب من املراحل العمرية املهمة يف حياة

وذلك من خالل النمو يف مجيع النواحي سواء اجلسمية أو العقلية أوالنفسية، كما هلذه الشرحية اتمعية دور فعال من خالل إحداث التغري والتطور يف أي جمتمع، كما ميكن أن يكون الشباب عامل مؤثر يف

. 1قيم اتمعيةضعف ال

دراستنا نتساءل عن متثالت الشباب للعمل يف اجلزائر خصوصا حنن من خاللو ، وفيما يتجسد معىن العمل بالنسبة هلذه الفئة "املدينة اجلديدة" مبدينة وهران

االجتماعية لكون العمل ركن أساسي لفرض الذات واالندماج داخل الوسط

.، وهرانCRASCباحث دائم مبركز البحث يف األنرتوبولوجية االجتماعية والثقافية ∗ ، ص2003املصرية اللبنانية، الطبعة األوىل، يناير، التغري االجتماعي، الدار سامية الساعايت، الشباب العريب و 1

78.

الشباب والعمل يف اجلزائر

، "املدينة اجلديدة"دراسة سوسيولوجية مدينة وهران

∗∗∗∗ زواوي بن كروم. أ




139

املهنية ألا حتمل ثالث ميزات أساسية وهي كما تدرج فكرة القدرة .اتمعيألا حتمل معاين سوسيولوجية " متثالت"ونركز على كلمة واألهلية والكفاءة، القدرة

. ا بالنسبة للشرحية الشبانيةأكثر عمق واعتقاد التمثالت من الناحية السوسيولوجية عبارة عن موقف تعد و

ومجاعية منفصلة عن املعرفة العلمية، واليت تقدم جوانب وإيديولوجية، ومعرفة فردانية "فيشر"هذه امليزة قد عرفها . ة تفاعلإدراكية، نفسية واجتماعية تكون يف عملي

Ficher ا واقع عملية باليت حتول األشياء االجتماعية العقلي احلسي و اإلدراكأقيم، معتقدات، (إىل فئات رمزية ) األشخاص، األفراد، السياقات، الوضعيات(

ا يسمح باندماج جوانب احلياة العادية، ا معرفي ، ويعطيها موضع )إيديولوجيات .1بإعادة صياغة سلوكياتنا اخلاصة يف التفاعالت االجتماعية

وقد اعتمدنا يف هذه الدراسة على مقاربة وصفية وكيفية حتليلية، ونستخدم هلا متكنا من مالحظة جتمع اجتماعي، أين تقنية املقابلة واملالحظة، واليت من خال

يكون الباحث عضوا فيه، كما مسحت لنا هذه التقنية مالحظة ما هو خمبأ أو فيما خيص الفئة اليت قمنا بدراستها و .علم اموعة اخلاضعة للمالحظةمسترت دون

مستوى جامعي وغري وذهي عينة متنوعة من خمتلف شرائح الشباب، سواء شباب الشباب العامل أو العاطل واملتواجدين على مستوى مدينة وهران، وقد جامعي،

، ودامت دراستنا عدة شهور، لكن عرب سنة 35إىل غاية 18حددنا سن العينة من .2013سنة إىل غاية 2012 سنةفرتات متقطعة انطالقا من

االقتصاد لقد تطرقنا يف حبثنا إىل عدة نقاط مهمة حيث عاجلنا فيها مسرية اجلزائري، ومفهوم الشباب، مث مفهوم العمل من الناحية االجتماعية، كما تطرقنا

1Ariel Cordier, Dictionnaire de sociologie, sous la direction de André AKOUN et Pierre ANSART, 1999, le ROBERT/Seuil, page 450.



140

لنظرية ماركس عن االغرتاب والصراع االجتماعي، ألن العامل يف بعض الفرتات أصبح يشعر بأنه مغرتب عن فضاء عمله، إىل جانب العمل امليداين واملتمثل يف

ا نعلم أن الشباب يشرتكون يف عدة مميزات مقابالت أجريناها مع مبحوثني، وكمقضاء وقتا كبريا يف مزاولة الدراسة، الدخول املتأخر إىل سوق العمل، متديد : منها

سن الزواج، فهذه اخلصائص جعلت من أغلب الشباب يعيشون نوع من البطالة يف د بيوغرافيام املهنية، كما اعتربت فئة اجتماعية تعيش يف الفوضى وعدم حتدي

مكانتها يف اتمع، فهي يف وضعية ما بني الطفولة والبلوغ و مابني االستقاللية .1والتبعية

إن بيري بورديو يعترب الشباب جمرد كلمة، ويف مفارقة باريتو ال نعرف يف أي ، حبيث 2وتبقى احلدود بني الشباب والشيخوخة حمل صراع. سن تبدأ الشيخوخةمفهوم موحد هلذه الفئة موضوع الشباب مل تعط اليت تناولت أغلب الدراسات

اتمعية فبعض الدارسني يعتربوا شرحية جمتمعية والبعض األخر يعتربها كفئة عمرية . تكون مرتبطة بالسن

:مسيرة االقتصاد الجزائري و أثرها على النمو االقتصادي .1ل مسيت مبرحلة مرحلة ما بعد االستقال: اجلزائري مبرحلتني 3مر االقتصاد

زت شاشة البنية التحتية، وفرتة التخطيط متي 1966 - 1962 االنتظار وهي بني

حتت إشراف األستاذ واقع و ممارسات، : جماهدي مصطفى، مشروع حبث حول الشباب و اتمع يف اجلزائر 1

.CRASC 2007موالي احلاج مراد،

2Pierre BOURDIEU, question de sociologie, les éditions de MINUIT, Paris, 1984-2002, page 143.

: 32: ، السنة الرابعة، العدداإلنسانيةاألستاذ حاكمي بوحفص، أستاذ يف االقتصاد، جامعة وهران، جملة العلوم 3 http://www.ulum.nl. 2007) يناير(




141

حيث انتهجت الدولة منوذج التخطيط االقتصادي 1989 -1967 والتسيري املركزي .واالستثمار يف القطاع العمومي

:المحتشمة اإلصالحاتمرحلة .أ مالية دولية حول برناجمني يغطي الفرتةقامت اتفاقيات بني اجلزائر ومؤسسات إىل فائض 1988سنة باملائة 3 ، ومع حتسن أسعار البرتول حتول من عجز1989-1991

، مما زاد تعاقد اجلزائر ألجل القروض اخلارجية وزاد من ارتفاع 1991سنة باملائة 6 .الدين

:مرحلة التردد و التراجع في االصالح .ب اإلصالح وتباطؤاتسمت السياسة االقتصادية باالرختاء واالختالل

6 بـ ، ارتفاع االستثمار احلكومي)الدينار(اخنفاض قيمة العملة االقتصادي نتيجةباملائة من الناتج احمللي، وعجز امليزانية 10 ، وهبوط ادخار أكثر من1994سنة باملائة

دم تعديل سعر الصرف ودعم احلكومة سلع ، وهذا لع1993سنة باملائة 10 العامة بـ .1993 -1992 باملائة من الناتج احمللي 5استهالكية بـ

1998 -1994 :االقتصادية المتسارعة اإلصالحات .ج ماي و 1994 اتفاقية ماي: د اتفاقيتنياالختالل واألزمة يف ميزان املدفوعات ول قيمة الدينار ألجل التحول إىل ، فتم إعادة جدولة الديون دف ختفيض 1995

سنة باملائة 17.7 كما أن معدل البطالة يف اجلزائر كان يقدر بـ .1اقتصاد السوق2004

2009سنة باملائة 10.2 أصبح املعدل يقدر بـو ، 2، وبالتايل نالحظ أن هناك 3 .اخنفاض يف نسبة البطالة خالل اخلمس السنوات الفارطة

.األستاذ حاكمي بوحفص، نفس املرجع السابق1 2 O.N.S, numéro 123, 2004, page 1-2,8. 3 O.N.S, numéro 150, 2009, page 4,5,6.



142

:الشبابمفهوم .2حسب دراسة سابقة حول الشباب مبدينة وهران واليت قام ا األستاذ

الثقافية جتماعية و باحث دائم مبركز األحباث يف األنثروبولوجيا اال(جماهدي مصطفى ما معىن أن تكون « ، حيث خلص إىل أنه توجد مخسة مصادر هلذا املفهوم)بوهران

العامي، الشباب كإبداع ثقايف، الشباب كقوة شابا وفقا للتصور الشعيب واحلديث وبالتايل .1»اجتماعية، الشباب كظاهرة اجتماعية، والشباب كشرحية اجتماعية

وهو اجتياز املراحل ) البلوغ(الدخول يف حياة الكبار «مفهوم الشباب يعين االجتماعية املرتبطة باألدوار االجتماعية، وهناك ثالث مراحل رئيسية وهي الرحيل

فمرحلة الشباب .2»من األسرة األصلية، الدخول يف احلياة املهنية، وتشكيل زوجنيصعبة التحديد وهي ختتلف من فرد آلخر من جنس إىل جنس، ومن ثقافة إىل

. 3ثقافة وتكون هذه الفروق من خالل املعايري اليت يرتكز عليها الدارسون املختلفونوبالتايل . يؤهله إىل العيش يف رفاهية فالشباب ينتظر ضمان نوع من مستقبله الذي

.يسعى إىل احلصول على نوع من التكوين املساعد على ضمان ذلك املستقبلواألسرة بدورها تنظر عموما إىل الشباب من زاوية السن، وقلة التجربة يف

احلياة وحمدودية اإلدراك والتفكري، وعدم االتزان فيما خيص توجيهات اتمع .4وقيمه

واقع و ممارسات، حتت : جماهدي مصطفى، مفهوم الشباب، يف مشروع حبث حول الشباب و اتمع يف اجلزائر1 .7 ، صCRASC 2007إشراف األستاذ موالي احلاج مراد،

2GALLAND Olivier, sociologie de la jeunesse, Armand Colin/Masson, Paris, 1997 ? Cité par MEDJAHDI Mustapha, Ibid.

يصدرها الس الوطين للثقافة والفنون مشكالته، سلسلة كتب ثقافية شهريةعزت حجازي، الشباب العريب و 3 .28 ، ص1990-1923مشاري العدواين، :آلداب، الكويت، إشرافو آفاق، إجناز دار أرشيفة سحب، مطبعة الرهان الرياضي اجلزائري، الطبعة يسى بوزغينة، قطاع الشباب واقع و ع 4

.13، ص 2003األوىل




143

فمصطلح الشباب عند الباحثني العرب يرتدد بني مفهومني اثنني مها مفهوم .1الفئة العمرية أو املرحلة العمرية، ومفهوم الفئة االجتماعية

وفيما خيص الشباب املتخرجني من اجلامعات اجلزائرية وهاجس البطالة، مت الشهادات اجلامعية حصلوا من حاملي 142541 التصريح من طرف الوزارة أن قرابة

وهذا يف إطار عقود ما قبل 2005 إىل غاية 1999 على مناصب شغل خالل فرتةمن هذه الفئة وظفت بصفة دائمة، وقد بلغ عدد اجلامعيني % 20 التشغيل، حبيث

جامعي، كما أكد الوزير السابق مجال ولد 48716بـ 2005 الذين وظفوا خالل سنةخلقت عدة أجهزة تسهر على توفري الشغل كالوكالة الوطنية عباس أن الدولة قد

.2لدعم تشغيل الشباب والوكالة الوطنية لتسيري القروض املصغرة : 3العمل .3

ة وسائل واليت من شأا التأثري على البيئة كي يستخرج عد اإلنسانلقد ابتكر والزراعة، وكل هذه األنشطة منها املواد األولية ألجل الوجود االجتماعي مثل الصيد

تدخل يف مصطلح العمل، حيث كانت تعين كلمة عمل يف الغرب أثناء القرن الثاين ، كما يعين العمل اجلهد املبذول Tripalium عشر على أداة تعذيب وهي بالالتينية

من طرف املرأة أثناء الوالدة، ومنذ بداية القرن الرابع عشر أصبح العمل يأخذ معىن عتباره نشاط فردي أو مجاعي يهدف إىل استخدام العناصر املادية يف آخر با

العلمي العريب، مركز الدراسات واألحباث االقتصادية حممد بشوش، مالمح الشبيبة العربية يف اخلطاب 1دراسات ، سلسلة ال1982نوفمرب 14- 8التغري االجتماعي، تونس الجتماعية، أشغال ملتقى الشباب و او

.9 ص، 1984، تونس 10االجتماعية .27، ص 2006د الثامن و العشرون، ديسمرب جملة جملس األمة، العد 2 إشراف مصباح الصمد، ص ميشال إيزار، معجم األثنلوجيا واألنثروبولوجيا، ترمجة و حتت إشراف بيار بونت،3

667-668.



144

احلاجات البشرية، ومن خاصية العمل أنه يهدف إىل إنتاج فائدة، كما يعترب اجلهد ومن خصائص العمل . اجلسدي والعقلي الذي يقوم به االنسان مقابل أجر حمدد

يضا موضع التبادل أنه يكون موضوع لتقييم نقدي يهدف إلنتاج فائدة، وهو أوهيمنة وسيطرة العمل ،)بيع قوة عقلية وفيزيقية للعمل مقابل فائدة(والتناسق

.1املأجوروقد اعتربت األمثال الشعبية أن لديها سلطة قانونية واجتماعية وذلك ألجل

.2إصالح الواقع اتمعي من خالل قيمه سواء السلبية أو االجيابيةجمموعة أفعال حمسوسة، وإشارات دقيقة، إىل متثل العمل فإنهوإذا نظرنا

وحركات، عمليات ذهنية، وأخذ املعلومة، وقرارات متثل تدخل مشغل اآلالت، كما هناك عدة مصطلحات .العامل يف شغل، منصب عمل، وظيفة، التسليات

بالنسبة ( نشاط مهين، شغل، مهنة مأجورة تكون مرتبطة مبفهوم العمل منها .3)جراءلأل

يقوم علم اجتماع العمل بتحليل العمل من خالل نشاطه وذلك دف ضبط السلطة، (ووصف املبادئ اليت يقوم عليها تقسيم العمل، وصيغه التنظيمية والتعاونية

إثراء / تعدد التكافؤ، تنفيذ/ املشاركة، دائرة النوعية، حق التعبري، التخصص، )تكوين، مستوى التأهيل، أجر(يد العاملة ، كذلك أشكال تسيري ال)األعمال

يشكل حتليل النشاط موضوعا أساسيا لعلم النفس واهلندسة البشرية، بينما هو و

.2000من حماضرة األستاذ الدكتور موالي احلاج مراد، أستاذ حماضر، قسم علم االجتماع، جامعة وهران، 1 .29-28ص ،1997ربيع 1إنسانيات، العدد رقم حممد سعيدي، أستاذ جبامعة تلمسان، 2

3 Mireille Dadoy, dictionnaire de sociologie, sous la direction d’André Akoun et Pierre Ansart, le Robert seuil 1999, page 9.




145

تقسيم :جمرد منهج مقاربة بالنسبة إىل موضوع البحث اخلاص بعلم اجتماع العمل .1العمل والعالقات االجتماعية للعمل

لفظ نشاط إىل الوضعية املهنية للفرد، سواء كان يف علم اجتماع العمل، يشري يشتغل فعليا أو يف إطار البحث عن شغل واألشخاص الذين يعتربون عماال يف نظر

INSEE2 هم األشخاص الذين مارسوا عمال مأجورا ، يف األسبوع الذي يسبقكانوا أو) كانوا يف عطلة سنوية مدفوعة، أو عطلة مرضية التعداد الوطين حىت ولو

.3باحثني عن عمل :4القدرة المهنية .4

خاصية تضمن إمكانية النجاح يف نشاط، يف عمل، بفضل امتالك هي تظهر هذه اخلاصية يف السلوك و االستعدادات والكفاءات املطلوبة هلذا العمل،

.القابل للمالحظة وحىت للقياسبعض االستعدادات، تشكل تنتج القدرة املقيمة يف امتحان مادي عن امتالك

ومع ذلك هناك فروقات فاصلة بني األفكار الثالثة الكفاءات، اجتاه عمل معني،تعطى وتعترب األهلية يف الغالب ميل طبيعي، موهبة : )الكفاءةالقدرة، األهلية و (

يف أغلب األحيان إىل القدرة والكفاءة على أا مكتسبة عند الوالدة، يف حني ينظر، بتقييم سلوك ما يف درة، مثلها مثل األهلية والكفاءةمع الزمن؛ حتدد القوتتطور

. وضعية معينة، دقيقة جدا ومرتبطة ية وتطبيقية حمددةلكن بينما ترتبط الكفاءة مبهارة نظر

بوضعية حمددة، فإن القدرة هي تقدير إمجايل لكامل املهارة، مقارنة مبعايري واضحة

1 Mireille Dadoy, Ibid. page 9.

.والدراسات االقتصاديةإلحصاء الوطين ليتمثل يف املعهد 23 Mireille Dadoy, dictionnaire de sociologie, page9. 4 Ibid. page 59-60.



146

إا تساهم يف تصنيف الفرد يف صنف .ون أو قاعدة ماوحمددة من طرف قانرغم ذلك ال تقصي فرصة أو يري الثابتة يف هذا الصنف؛ فإااألكفاء، حسب املعا

.ضرورة اكتساب مهارات عملية جديدة من أجل تنفيذ عمل خصوصي جدا ويف الغالب، تستعمل فكرة القدرة يف صيغة اجلمع، يف مستوى واحد مع

األهلية والكفاءة، لإلشارة إىل تعدد اخلصائص األكثر خصوصية اليت حتددها، .وبالتايل، تشكلها

قدرة التجديد، قدرة حتمل املسؤولية، قدرة االعتماد على :على سبيل املثال النفس، وعلى النقيض من فكرة الكفاءة، اليت كثريا ما يتم ذكرها إىل جانب

).حذق، قدرة الصرب(فكرة القدرة هي متعددة التكافؤ األوصاف الثقافية، فإن :الصراع االجتماعينظرية ماركس عن االغتراب و .5

أن يفسر " االغرتاب االجتماعي"أراد ماركس من خالل استعماله مصطلح عوامل املنافسة والصراع املوجود بني الطبقات يف اتمع، حيث حسب مفهومه

يشعر باالغرتاب، مبعىن يصبح العامل مغرتبا عن رب العمل وعن اإلنسانيصبح السلعة اليت قام بإنتاجها، واليت تعود فائدا إىل رب العمل الذي بطبعه ميتلك

، فيتولد شعور للعامل بأن جهوده أصبحت تباع وتشرتى يف األسواق اإلنتاجوسائل .1لقاء أجر زهيد

نتج الرأمسايل، ونتيجة ذلك يرتاكم الرأمسال لصاحل امل 2فائض القيمة ويصبح .3العامل لصاحل رب العمل مما ينجم عنه صراع مع

، مشار إليه من طرف إحسان حمسن احلسن، أستاذ علم االجتماع يف 68كار ماركس، من اقتصاديات، ص 1

.60-59 ، ص2005وائل للنشر، الطبعة األوىل كلية اآلداب جبامعة بغداد، علم االجتماع االقتصادي، دار .60-59 ، نفس املرجع السابق، ص70 كارل ماركس، من اقتصاديات، ص 2 . 60-59 نفس املرجع السابق، ص، 70-69لس، من الكلمات املختارة، صماركس، اجن 3




147

مبقابالت مع طلبة جامعيني وغري ومن خالل عملنا امليداين حيث قمنا معروف بالبزنسة والبيع بوهران" املدينة اجلديدة" والحظنا أن حي جامعيني،

لديهم الرغبة يف العمل حيث جتد الشوارع واألزقة والشراء، واكتشفنا أن الشبابفهناك من يتاجر يف القماش واألحذية، وهناك من يكتفي مكتظة بالفئة الشابة،

ببيع املأكوالت اخلفيفة واملشروبات الغازية، كما رأينا أن هذه األزقة أصبحت الشباب ملكهم وال مكان للغريب بينهم، مبعىن ال يستطيع تواجد فرد أجنيب وسط

البائعني باحلي والذين بطبعهم ميارسون أنشطة جتارية موازية، وحىت املكان املخصص للبيع والشراء يكون سواء على الرصيف أو الطريق وأصبح هذا املكان يباع ويشرتى

وهناك من يأجر . تصل إىل املاليني حسب املكان وخصوصية املوقع باهظةبأمثان ه غري مرخص قانونا، كما تطغى الروح االجتماعية مكان البيع حيث نعلم أن

واجلماعية على هؤالء الشبان فهم متضامنون، يعرفون بعضهم البعض جيدا وهذا ما أعاق بعض جوانب حبثنا، فقد مت سؤايل أكثر من مرة من طرف الباعة الشبان،

ما خطبك يا شاب حتتاج مساعدة بأسعار " وهذه هي العبارة املتداولة بينهمكأم يف جمتمع خاص م، كما أردنا من خالل حبثنا دراسة هؤالء ،"معقولة

.الشبان على حالتهم الطبيعية يف بعض احلاالتودائما من خالل عملنا امليداين الحظنا أن هناك شباب يعاين من الفراغ و

يعيش أزمة يف اهلوية، وهناك من الشباب من أصبح هاجسه الوحيد هو احلصول على منصب عمل، البعض اآلخر أصبح مههم الوحيد هو اهلجرة حنو اخلارج سواء

.بطريقة شرعية أو غري شرعيةففئة الشباب على مستوى مدينة وهران يشعرون بالفراغ، وهي تعترب مشكلة

عاملية وال تقتصر فقط على اجلزائر ولعل أول مشكلة اليت تواجه الشباب هي ار أي إنسان لقضاء ساعات الفراغ من يومه دون عمل جيعله الضجر وامللل، فاضطر



148

ضجرا حيث هذا األخري يسبب مشكالت كبرية ومتعددة على صعيد الفرد و اتمع، وله انعكاسات نفسية خطرية على الشباب، وما نعنيه هنا هم الشباب

ون البطال الذي يقضي معظم أوقاته يف التجول بالشوارع وال يعرفون كيف يضبطوقتهم، ألن الضجر يتحلل تدرجييا من قيمه وأخالقه وقد يدفعه هذا التحلل إىل ارتكاب محاقات يعاقب عليها القانون كالتصرفات الغري أخالقية اليت الحظناها

.على الشباب يف سوق البائعنيفمرحلة الشباب هي مرحلة تغري جدري كمي ونوعي يف مالمح الشخصية

البالغة لدى العينة املدروسة، ومن ناحية ثانية مرحلة تغري سريع تتسم باألمهية .متالحق ال يرتك لبعض األفراد فرصا كافية إلعادة التنظيم والتكيف

ودائما من خالل االستجوابات اليت أجريناها مع الشباب اتضح أن هناك يت واجهت هذهاختالف بالنسبة للمسار الدراسي، وكذلك الصعوبات والعراقيل ال

الفئة، وتباينت اآلراء فيما خيص أمهية الشهادة ومعناها لدى الشباب، فهناك من يعلق عليها آمال كبرية كاقتحام عامل الشغل بالدرجة األوىل، ومنهم من ال تعين له

: يلي موظف مبؤسسة علمية ما صرح لنا مبحوث وهو اإلطارشيء، ودائما يف هذا ة يف احلياة العلمية تسمح لك باالخنراط يف سوق العمل، الشهادة اجلامعية مهم«

ة وبالتايل ليست ملكا االندماج املهين واالجتماعي، الشهادة مهمة بالنسبة لألسر .»خاصا للفرد

وفيما خيص العنصر الذي هو حمور دراستنا وهو متثل ومعىن العمل لدى يق مادي ولتحقيق استقرار الشباب كان بالدرجة األوىل ميثل هلذه الفئة مصدر لتحق

يف حيام وهو الزواج، وبالتايل االستقاللية بعيدا عن تبعية األسرة، وكذلك تكوين هيبة ومكانة اجتماعية يف وسطهم القريب، سواء من ناحية األسرة أو احمليط كجماعة األصدقاء أو األسرة املمتدة، ودائما فيما خيص فكرة العمل صرحت لنا




149

بالنسبة إيل هو سوناطراك ألنه العمل املثايل «: ، علم االجتماعما يليسنة 19طالبة ، ويف هذه النقطة أكد جل »حتصل على الكثري من املال وتكون مستقر به

املبحوثني أن العمل هو ضروري وهو وسيلة من أجل كسب قوت العيش وهناك من سمح للفرد يعتربه عامل مهم ألجل احلفاظ على املكانة االجتماعية، كما ي

باالستقاللية واحلرية يف أخذ القرار، وفيما خيص الظروف احمليطة بالعمل يصرح يا أخي املال الذي أجنيه «: ، مستوى متوسطسنة 28مبحوث وهو حارس سيارات

خالل اليوم فيه بركة، أنا أتدبر أمري، أنا أعمل بدون تأمني لكن املهم أحصل على قائمة اإلنسانيةم املستجوبني أن كل اتمعات ويرى معظ. 1»املال خالل اليوم

على مفهوم العمل حيث الفرد يصبح مندمج اجتماعيا إذا كان ميلك منصب عمل، فاملبحوثني وإذا كان الفرد موجود على اهلامش يبقى غري مندمج يف سوق العمل،

جامعية أمجعوا على أن العمل جد ضروري يف حياتنا اليومية، كما صرحت لنا طالبة الناس، ويكون لدي بالعمل تكون لدي معارف كثرية مع«سنة 22 يف علم النفسالعمل يعين «، علم النفس سنة 23 وصرح لنا أيضا طالب جامعي .»استقرار مادي

يل كل راحة البال، خاصة ملا تكون موظف يف إدارة ما، العمل هو املفتاح لكل . »شيء خاصة يف بالدنا

وهناك من يرى يف الشغل عبادة بالدرجة األوىل، مث بعد ذلك حتقيق األهداف العمل أوال «سنة 21املسطرة مثلما جاء يف تصريح طالب جامعي يف البيولوجيا

املبحوثني أنه دون عمل وأكد جل .»عبادة، ثانيا لبناء حيايت الشخصية، االستقرارال تكون الفرص مواتية للفرد حبيث ال يستطيع أن يكون أسرة، العمل يعترب فرصة

كما توجد فئة من الشباب تعودت على العمل . لتحقيق األهداف واملكانة اتمعية

تغريات البالد تعرف تطورات و حلايل، ألن بالنسبة هلذا املبحوث فإن الربح السريع هو احلل األفضل يف وقتنا ا 1

.سريعة، والفرد ال يبقى مكتوف األيدي حسب تصريح املبحوث، خاصة األفراد الذين هم من الطبقة الفقرية



150

التجاري احلر حيث ال يستطيعون العمل يف مؤسسات وذلك ألا تلزمهم التقيد إىل الدكتور موالي احلاج مراد الذي اعتمد على نظرية حداثة وهنا نشري بالوقت

دراسته حول العمال الصناعيون يف اجلزائر واليت خلصت إشكاليةيف طرح ،1الفردومتثالت حديثة عوض تساهم يف تلقني الفرد قيم جديدة إىل أن املؤسسة الصناعية

.القيم الثقافية اليت كان حيملها العمال يف سابق عهدهمفاملؤسسة بالنسبة لبعض الشبان تعترب مكان خمصص للعمل أو االنتاج،

والقمع، كما يراها آخرون بأا وبالنسبة للبعض اآلخر تعترب كمكان لالستغاللوهذا يرجعنا إىل األعمال السابقة اليت قام ا العامل بيري .2تشكل رباط اجتماعي

نطقة القبائل حيث خلص أن عقالنية مبو 3ائربورديو من خالل أعماله األوىل يف اجلز احلساب التجاري تندرج فيها عقالنية عامة تكون حاملة ملعىن جمسد أين يكون الرأمسال الرمزي متفوق على الرأمسال املادي، و هذا حييلنا بأن قيمة املعايري ال تكون

اهليبة و و تكون متعلقة مبعىن املسئوليةدوما اقتصادية حبيث تكون أيضا رمزية .االجتماعية

الشباب، وعلى على العموم استطعنا إجراء بعض املقابالت مع خمتلف شرائح الصعوبات اليت واجهتنا كانت خاصة ، و إمتامها نستطع ملوهناك مقابالت توقفت و

بالفئة اليت ليس هلا مستوى جامعي مما اضطررنا لشرح موضوع حبثنا، فهناك من قبل .و هناك من رفض وكل حسب ظروفهأسلوب احملاورة

ص 2006ديسمرب -، أكتوبر34الدكتور موالي احلاج مراد، العمال الصناعيون يف اجلزائر، إنسانيات عدد 1

61. 2 Jean Spurk, Reynald Bourque, Pierre Cours-Salies, Genevie’ve Dahan,-Seltzer, Antonella de Vincentti, Melly Mauchamp, Daniel Mercure, l’entreprise écartelée, entreprises et société, regards croisés, éditions syllepse (Paris), la presse de l’université-Laval (Québec)2000, page 143. 3 Mohamed DAOUDI, organisation du travail et relations sociales dans les P.M.E à Béjaia, Insaniyat n38, octobre-décembre 2007, page 30.




151

وأمام كل هذا تضاربت آراء املبحوثني فيما خيص ظاهرة البطالة، فهناك من اتمع (يرجعها لكال الطرفني ، و البعض اآلخر إىل تقصري اتمعيرجع األسباب

، وكذلك لعوامل أخرى دخيلة على اتمع اجلزائري، كما يعترب الشباب )الشبابو االت التشغيل تبقى فقط عبارة عن حلول قاصرة و ظرفية ال تعد خمرج أن وك

مرحلة كارثية يف مسار أي إنسان لوضعيتهم، كما يعتربون أن ظاهرة البطالة تعترب واالجتماعية، هي مشكلة عاملية حيث تؤثر على استقرار الفرد من الناحية النفسيةو

و الفضاء العائلي، مما يؤدي سواء يف فضاءه األسري أو اتمع أو الشارع أبالشباب مبشاكل نفسية كمحاولة اهلجرة الغري الشرعية اليت تعرفها خمتلف بلدان

.العاملوتبقى تطلعات الشباب اجلامعي يف االلتحاق بعامل الشغل وحتقيق منصب

حتقيق االستقرار وحتقيق الذات عمل أو امتام الدراسات العليا ما بعد التدرج ألجلاملكانة االجتماعية، بينما يطمح باقي الشباب دون املستوى اجلامعي إىل حتقيق و

.ربح سريع من خالل أعماهلم املوازية ألجل تسوية وضعيتهم االجتماعيةل متنوعة، سواء كما أن غالبية املستجوبني خاصة منهم الذكور قد شغل أعما

أو احمليط، كما اتضح لنا من خالل وهذا بعيدا عن ضغط األسرة رمسية أو موازية دراستنا امليدانية أن هناك وعي املبحوثني مبسئوليام ووضعيتهم، و يف بعض

أجرينا وفيما خيص عملية االدراج املهين .األحيان يسامهون يف التكفل باألسرةأكدت لنا طالبة امعيني ميارسون أعماال موازية، و مقابالت مع مبحوثني وهم طلبة ج

سنوات يف حمل للتجارة 3عملت بالتجارة ملدة «سنة 22ة يف علم االجتماع جامعي



152

نشاط التجارة حىت ال يقتحمعامل أجنيب حمل الذي متلكه العائلة،ومازلت أمارس .1»العائلةالعمل يف العطل الصيفية يف « سنة 21يقول طالب جامعي يف علم االجتماع و

طالب أيضا صرح لناو ، »أحيانا البيع يف السوقجمال الفالحة، جين الثمار و مركز (أنا عملت يف مؤسسة خواجة «يلي ما سنة 22جامعي يف علم االجتماع

كمراقب ملدة عامينثم عملت يف قاعة احلفالت بفندق شرياتون بوهران،) جتاريوهذا يدل على تعدد . »أشهر أعمل كمراقب يف مدرسة خاصة 3ومنذ حوايل تجربة اليت تسمح هلم باالندماج اليت ميارسها الشباب قصد اقتناء الالنشاطات

.التكيف مع عامل لشغل مستقبالو خاصة يف جمتمعنا اجلزائري، اإلنسانوبالتايل فإن العمل له أمهية كبرية يف حياة

، ألن 1986 الذي عرف خالل سنوات الثمانينات عدة أزمات منها األزمة البرتوليةاجلزائر كانت تعتمد بدرجة كبرية على الريع البرتويل مما كانت صدمة كبرية للدولة

باملائة من عائدات البرتول إىل جانب أزمة 98 اجلزائرية، وكانت الصادرات بنسبةاليت عاشتها البالد حيث أثرت جدا على ) العشرية السوداء(، واألزمة األمنية 1988

ا قلة يف مناصب العمل وكثرة الطلب عليها، وإفالس االقتصاد الوطين، مما نتج عنه .الشركات ومن مث تسريح العمال

:الخالصةحيدث سواء بوهران واع بكل ما" املدينة اجلديدة"يبقى الشباب املتواجد حبي

واالتصال اإلعالمعلى املستوى احمللي أو الدويل، خاصة مع مواكبته لتكنولوجيات

الذيلذي تعمل به و تبني من خالل املقابلة اليت قمنا ا أن الطالبة كانت جد حريصة على احملل التجاري ا 1

معارفها مع ه وهذا نظرا خلربا يف السوق و اليت تطمح يف املستقبل ألجل توسيعتعود ملكيته لعائلة املبحوثة، و .التجار و الباعة مما يسمح هلا بالسري احلسن ألعماهلا




153

املعلومة، وظاهرة العوملة اليت أصبحت تؤثر يف كل أرجاء وسهولة احلصول على العامل، واجلزائر هي جزء ال يتجزأ من هذا العامل، الذي أصبح يعرف تغريات كبرية، سواء من الناحية االجتماعية أو االقتصادية، فشرحية الشباب بكوا القوة الفاعلة

الل عامل الشغل وإبراز يف اتمع اجلزائري، فإا تطمح ملستقبل أفضل من خسواء شباب دون مستوى جامعي أو الكفاءات واقتناء التجارب، فالفئة املبحوثة

ألجل حتمل املسئولية، فهذه الشرحية اإلرادةشباب دو مستوى جامعي لديهم تتحلى بروح املسئولية سواء من خالل الوسط األسري أو احمليط اخلارجي، خاصة

، ويف بعض احلاالت التوجه إمتامهاسام اجلامعية من أجل الذين يزاولون درا الطلبةللظروف االجتماعية واالقتصادية الصعبة اليت تواجههم يف احلياة حنو اخلارج نظرا

على املكانة االجتماعية اليت تسمح هلم مبواصلة حيام اتمعية، بغية احلصولسرتاتيجيات من أجل خلق على حنو أفضل، والدولة اجلزائرية بدورها سامهت بعدة ا

هذا جلميع الفئات سواء اجلامعيني وغري اصب عمل جديدة، مؤقتة ودائمة، و مناجلامعيني، لكن الشباب يرون أن هذا التقدم يبقى نسيب من خالل فتح وكاالت وطنية ووضع أجهزة خاصة لدعم و ترقية التشغيل الذي تشرف عليه الوزارة،

لة الوطنية لدعم تشغيل الشباب، روض املصغرة والوكاكالوكالة الوطنية لتسيري القنؤكد من خالل دراستنا على تكيف الشباب مع الواقع اتمعي املعاش خصوصا و

مع األزمة االقتصادية العاملية، واليت تؤثر على اجلزائر كوا جزءا ال يتجزأ عن العامل هو درجة الوعي الذي يتميز ا الشباب خاصة ،مرة ثانية اخلارجي، وما نؤكده

اجلامعي من خالل نظرته ومتثالته ريات الواقع وعما حيدث يف اتمع، كما هلذه الفئة الشبانية الرغبة يف االستقالل عن الكبار واالستقرار والتطلع إىل كل ما هو

.جديد



154

:المراجع

:باللغة العربية .2003التغري االجتماعي، الدار املصرية اللبنانية، الطبعة األوىل، يناير، و سامية الساعايت، الشباب العريب .1يصدرها الس الوطين للثقافة والفنون مشكالته، سلسلة كتب ثقافية شهريةعزت حجازي، الشباب العريب و .2 .1990-1923اآلداب، الكويت، إشراف مشاري العدواين، و إجناز دار أرشيفة سحب، مطبعة الرهان الرياضي اجلزائري، عيسى بوزغينة، قطاع الشباب واقع و آفاق، .3

.2003الطبعة األوىل األحباث االقتصادية العلمي العريب، مركز الدراسات و حممد بشوش، مالمح الشبيبة العربية يف اخلطاب .4، سلسلة الدراسات 1982نوفمرب 14- 8التغري االجتماعي، تونس الجتماعية، أشغال ملتقى الشباب و وا

.1984، تونس 10االجتماعية : األستاذ حاكمي بوحفص، أستاذ يف االقتصاد، جامعة وهران، جملة العلوم االنسانية، السنة الرابعة، العدد .5

http://www.ulum.nl. 2007) يناير: (32واقع وممارسات، : يف اجلزائر جماهدي مصطفى، مفهوم الشباب، يف مشروع حبث حول الشباب و اتمع .6

.CRASC 2007حتت إشراف األستاذ موالي احلاج مراد، .1997ربيع 1حممد سعيدي، أستاذ جبامعة تلمسان، إنسانيات، العدد رقم .7 .2006جملة جملس األمة، العدد الثامن و العشرون، ديسمرب . .8 .2000م علم االجتماع، جامعة وهران، من حماضرة األستاذ الدكتور موالي احلاج مراد، أستاذ حماضر، قس .9

إشراف مصباح الصمد، وجيا و األنثروبولوجيا، ترمجة و حتت إشراف بيار بونت، ميشال إيزار، معجم األثنل .10 .2006، 1بريوت، لبنان، ط" جمد"يع املؤسسة اجلامعية للدراسات و النشر و التوز

:باللغة الفرنسية1. Ariel Cordier, Dictionnaire de sociologie, sous la direction de André AKOUN et Pierre ANSART, le ROBERT/Seuil1999. 2. Pierre BOURDIEU, question de sociologie, les éditions de MINUIT, Paris, 1984-2002. 3. GALLAND Olivier, sociologie de la jeunesse, Armand Colin/Masson, Paris, 1997. 4. Jean Spurk, Reynald Bourque, Pierre Cours-Salies, Genevie’veDahan,-Seltzer, Antonella de Vincentti, MellyMauchamp, Daniel Mercure, l’entreprise




155

écartelée, entreprises et société, regards croisés, éditions syllepse (Paris), la presse de l’université-Laval (Québec)2000. 5. Mohamed DAOUDI, organisation du travail et relations sociales dans les P.M.E à Béjaia, Insaniyat n38, octobre-décembre 2007. 6. O.N.S, numéro 123, 2004. 7. O.N.S, numéro 150, 2009.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ... مساv قلب لك القمي منعطفا نيتشه و جملة أبعادجملة أبعادجملة أبعادجملة أبعاد


156

إن احملاوالت املعــاصرة يف الفكر الفلسفي أخضعت األخالق كما أخضعت الدين لدراســات وتساؤالت أضعفت متسك اجلماهري ما، ودفعتها إىل استبدال اإلباحية واإلحلاد ا، وسلك الفن طرقا غريبة، كثريا ما أبعدتـه عن الواقع للتعبري عما وراءه يف عامل ال وجود له إال يف

.خميلة أصحـابه

ا غري الفكر عامة، شكلت منعرجـ االختالف الذي عرفته مسألة القيم يف إن

فإذا كانت الالأخالقية ترى القيمة كلهـا يف . منغلق على التحليل الفلسفي والعلميلذات اجلسم واملادية تراهـا يف اإلنتاج واالقتصاد، والنزعة العلمية يف العلم والعقالنية

.األوامريف العقل والنزعة الفنية يف الفن والنزعة األخالقية يف التعليمات و

.، اجلزائرأستاذ جبامعة تيارت ∗

نيتشه ومسألة قلب كل قيم منعطفا لألزمة املعاصرة

حفصة طاهر.أ∗∗∗∗




157

هذا التباين الصـارخ حول مفهوم القيم ومدى تأثريهــا على الفكر اإلنسـاين إن خلقت املشكلة وأضحت ردحا من الزمن تنظر لتأسيس النظرية وفق ضوابط

نظريـات القيمة ال تظهر إال يف «: لكنها على حد تعبري جان فال. منهجيةمة، فنحن حنيا يف عامل ميكن مقارنته بالكهف اللحظـات اليت يقل فيها الشعور بالقي

الذي يتحدث عنه أفالطون يف اجلمهوريــة، وهو كهف ال يرى املسجونون فيه إال إن العامل احلديث ليس شيئا سوى هذا العامل . صورا مسطحة منعكسة على حائط

فتحليالت جان فال حتيلنا إىل أن . 1»السطحي الذي ال نرى فيه عمق األشياءة القيم تأخذ بعـدا فكريا كبريا، وجعل منها سـدا أمام املعرفة واختالفـا يف الفكر مسأل

.وصريورة للمكـاشفة واحلجـاج الفلسفي وليست يقينـا للعلمحاول أن يرسم تصورا للحيـاة خالف به كل Nietzscheوإذا كان نيتشه

ائدة وخاصة منها التصور الفلسفات امليتـافيزيقية السابقة والتصورات الدينية السفان الرئية الكـانطية تعترب القيمة . املسيحي الذي يعادي احلياة ويقصي كل بعد فيها

سبينوزا وليبنتز يعتربون القيمة تقلة عن الوجـود بينما كان أرسطو وديكـارت و مس .تابعة للوجود بكيفية أو أخرى، ولكن كانط يعتربها مستقلة عنه

وملعرفة األزمة اليت تركهـا الفكر الغريب على مسألة القيم نـورد الفيلسوف نيتشـه يف بلدة ريكن 1844أكتوبـر من عام 15املولود يف أواسط القرن التاسع عشر، يف «

وصـادف يوم مولده يوم عيد امللك الربوسي احلاكم فريديريك غليوم . قرب ليبجسعيدة السرور إىل قلب والده الذي رىب العديد الرابع، وقد جلبت هذه املناسبة ال

من أعضـاء العائلة املالكة، فأطلق على وليده اجلديـد اسم فريديريك تينما باسم لقد كانت هناك، يف كل األحوال، فائدة« :امللك، ويف هذا الصدد يقول نيتشه

، 1الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، اجلزائر، ط ،اصر بني النسبية واملطلقيةالربيع ميمون، نظرية القيم يف الفكر املعـ 1

.67 ، ص1978



158

ليت، يوما واحدة يف اختيار هذا اليوم لوالديت، إذ أن يوم مولدي كان طيلة أيام طفو . 1»لالغتباط الشعيب

هاجسا مشرتكا بني بعض الفالسفة ) أو اإلغريق(تشكل العودة إىل اليونان naissance de" ميالد املأساة"واملبدعني بصفة عامـة فهذا نيتشه يف كتابيه اهلامني

la philosophie à l’époque de la tragédie Grecque يغوص يف أعماق ،اليونانية وهي الفرتة السابقة لسقراط زمنيـــا، ألن ظهـور هذا األخري سيكون احلياة

لألسف مؤشرا لبداية االحنطـاط واحنسـار اإلبداع بسبب طغيـان العقل واملبالغة يف استخدامه يف مجيع ااالت، وما ترتب عن هذا االستخدام من كبت للذات

. 2ولعواطفهـا وغرائزهانيتشه مبشرا بعصر جديــد على غرار األبطال العظـام والقديسني لقد بدأ لنا

واألنبياء، وان كان خمالفا هلم يف املنهج والطريقة، لذا فالتبشري كثريا ما كان يف شكل أحالم طوبـاوية عند هؤالء، فان نيتشه يسعى إىل خلق واقع جديد، واقع أرضي

. حتكمه قوى حيوية وغرائز متوهجةكانت فلسفة نيتشه تتعلق أساسا باحلياة من حيث هي جمال خللق القيم، وملا

فان هذه الفلسفة تكـاد تسوي بني إرادة القوة من جهة وبني احلياة من جهة أخرى، إذ أن العامل واحلياة والوجود يف احلقيقـة وجود متعددة إلرادة القوة، وجوهر احلياة

، ص1985، 1، منشورات مكتبة اهلالل، بريوت، طهنيتشـ -يف سبيــل موسوعة فلسفية مصطفى غالب، 1

44. ، ص2005، 1، منشورات االختـالف، اجلزائـر، طاصرةإشكـالية التواصل يف الفلسفة الغربية املعـعمر مهيبل، 2

192.




159

ة والرغبة اليت تسكن كل شخص يف أن يهيمن نفسها هو إرادة القوة اليت تعين املقدر . 1على اآلخرين وخيضع األشياء لسلطته

ومنه فان نيتشه ينتقد الفالسفة الذيـن حللوا مفهوم إرادة القـوة ذا املعىن إن فلسفة . حيث تكون القـوة هي الشيء املرغوب فيه واملفصـل من قبل اإلرادة

يزيقـا القدمية وتعلن أن فعل اإلرادة هو فعل اخللق وأن اإلرادة النيتشوية تدمر امليتاف .2اإلرادة يف حد ذاا فرح حيرر الكائن عرب خلق قيم جديدة

فالسبيل الذي سلكته القيم اليت زعزع نيتشه أركاا تأخذنا إىل مفارقة الكشف عن حجاب املعقول يف حلقة االرتيــاب، فحديث نيتشه عن أمهية وجود

–عليـا خارج اجلامعات ليس صدفة وإمنا انطلق من ارث أستاذه اجلليل حمكمة إذ يقول . الذي ترك فيه مأساة حقيقية وتراجيديا فكرية عن اجلامعة - شوبنهاور

يبدو من املهم جدا بالنسبة يل أن تكون هناك حمكمة عليا خارج : "نيتشهجعها، وحاملا اجلامعات كما تشرف عليها، وحتاكمها بصدد الثقافة اليت تش

تنسحب الفلسفة من اجلامعات، وتشذب نفسهـا من مجيع االعتبارات التافهة ومن . 3اإلام، فلسوف تؤدي، بالضرورة، دور هذه احملكمة

إن مشروع نيتشه يقوم على إدخـال القيمة واملعىن إىل الفلسفة، ولقد أراد أن Kantحيرك هذا املشروع هو كانـط تكون فلسفة القيمـة فلسفة نقدية، واملربر الذي

مل حيسن، يف نظره، طرح املشكلة النقدية بتعابري القيم، فتصبح املشكلة النيتشوية

، ص2010، 1مناذج نيتشوية، دار التنوير للطبـاعة والنشر والتوزيع، ط -نبيل عبد اللطيف، فلسفة القيـم 1

64. .66 املرجع نفسه، ص 2 .279 ، ص2002، 1علي حاكم و حسن ناظم، املركز الثقــايف العريب، ط: ، تر"نصيــات"هيوج سلفرمان، 3



160

متعلقة بالبحث يف قيمة القيم وفعل التقومي مبا هو مصدر هلذه القيمة، باإلضافة إىل .مشكلة خلق القيم

االختالف، فهو ترتكز على أبعاد خلقية خلقت مشكلة هفمشكلة نيتش كيف حيدث إذن أين مل ألتق أحـدا بعد، حىت ولو يف الكتب، : يعرتف يف قوله

يكون قد اختـذ موقفـا شخصيـا مماثال خبصوص األخالق، يكون قد عرف األخالق كمشكلة وعرف هذه املشكلة ككآبة، كعذاب، كشغفه الشخصي؟ بكل بداهة،

نت ذلك الذي كان الناس ينتهون مل تكن األخالق مشكلة قط حىت اآلن، بل كابأن يتوافقون حوله بالتبادل بعد مظنات وانشقاقات وتناقضـات، كانت املكان املقدس للسلم حيث يسرتيح املفكرون، الذين أكهم طبعهم، يتنفسون ويستعدون احلياة، أين ال أعرف أحـدا جترأ على انتقـاد أحكام القيمة، أحبث عبثـا، يف هذا

ن كل حماوالت الفضول العلمي، عن حمـاوالت خيـال علمــاء النفس املضمار، عواملؤرخني املتذبذبة والفاسد الذي حيدس مشكلة بسهولة ويستوعبها يف اهلواء دون

.1أن يعلم بالضبط ما قد استوعبهيف االنفتاح عن مسار التحقق يؤكد نيتشه أن اإلنسان حيتاج إىل إنتاج أحكام

تهـا لنفسه وخاصة حمليطه مجلة أفعال ومواقفه، ولكن العمل قيمة يربر بواسطالفلسفي األهم يتمثل يف حتديد أصل هذه القيم األخالقية اليت يتداوهلا الناس

:بينهم، وقد عرب عن هذه الوجهة الفكرية قائال «Le problème de l’origine des valeurs morales est pour moi

une question de tout premier ordre, par ce que l’avenir de

l’humanité en dépend» 2 .

، ص1993، 1حسان بورقية وحممد الناجي، إفريقيا الشرق، الدار البيضاء، ط :مجة، تر "العلم املرح"نيتشه، 1207.

.32عبد اللطيف، مرجع سبق ذكره، ص 2




161

الدراسة اليت نقدمها عن القيم يف فلسفة نيتشه من فرضية تنطلق هذه بأكملها حماولة من أجل إعادة تقييم القيم، أو قلب أساسيـة هي أن فلسفة نيتشه

رغم تعدد وتنوع القضايا ميكننا أن نقول أنه حيث Transvaluation – القيموكانت حمور - العود األبدي، العدمية إرادة القوة، -اليت شغل ا الفيلسوف

التحليل أا مشغولة بالوجود واحلقيقة كتابات الباحثني يف فلسفته، اليت يظهرهااألسـاس إال قلب للميتافزيقـا الغربية والعقل واملعرفة والفن والتأويل، ما هي يف

النقد اجلذري للفكر امليتافيزيقي إن. ل مشكلة الوجود مبشكلة القيمةواستبداحقيقته اليت تكمن يف أنه جمرد ال يتحقق إال بكشف –فيما يرى نيتشه –بأكملـه

.األنطولوجي هو األخالق والقيم أخالق، معىن ذلك أن أساس امليتافيزيقا والبحثإن قلبا ما لكـل قيم، « ،ب فهم نيتشهفاإلفراط يف القوة هو ما يربر القوة حس

عالمة االستفهـام هذه السوداء، املقلقة حىت إا تلقي بظلها على الذي يطرحها مهمة حمملة ذا املقدار باللعنة، هو ذلك ما يرغم على اإلسراع كل آن إىل الشمس لتحرير احلمل الثقيل، املفرط الثقل، من جديته، من أجل هـذا، كل وسيلة

.1»حسنة، كل حظ هو حظ سعيديف حني يتخذ نيتشه موقف النـاقد للقيم األخالقيـة املمحص الذي ال يعرتف

.2أصال بالقيم السائـدة وحياول تقوميها من جديدفتحليالت نيتشه كانت معمقة لدحـض امليتافيزيقـا الغربية وكل ما صورته

يف هذا الكتاب «: بقوله - ا اإلنسانهذ -األخالق السابقـة فهو يعرتف يف كتابه

، ص 1996، 1حممد الناجي، إفريقيـا الشرق، الدار البيضاء، ط -حسان بورقية : ، ترنيتشه، أفول األصنام 15. .57نيتشـه، ص - غالب، يف سبيل موسوعة فلسفية 2



162

نالحظ أن الرؤية النيتشويـة وسعت من جمال القيم . 1»محليت ضد األخالقياتوتركت جراحـا مزقت الفكر الغريب وشكلت األزمة اليت لطاملـا شغلت الفكر الغريب

.املعاصرقية وخيلص نيتشه من حتليله لألخالق إىل إعالن الثورة على األوضاع األخال

السائدة والعمل على قلب أسسها الواهية لقصورها عن املبادئ األساسية للسلوك .اإلنساين، ذلك من اجل إجياد إنســـانية أفضل وأرقى

فقد كانت أفكار فيخته وشلينغ وهيغل وشوبنهاور ب مجيعا ناشرة يف أوربا فقال شوبنهاور أن . ة احلرةمرجيـا من مذاهب القدرية والعدمية ووحـدة الوجود واإلراد

روح الوجود قوة طائشة عميـاء أدركت نفسها يف عقل اإلنسان وشعوره فوجم حائرا . 2ويف نفسه ظمأ يف صحراء ال ماء فيها غري وهج السراب

الفلسفية املعاصرة، وسـار وراء الكثري من خيم شبح نيتشه على كل التيـارات وبعد التجاهل الذي . مباركوز، ووصوال إىل فوكو ورااملعجبني بدءا من هيدغر، ومر

اليوم أكثر قوة، من خالل جيل جديـد من النقاد لقيه أثناء حياته، يعود عمل نيتشهنيتشه على الفكر الغريب فقط، بل امتد تأثريه ومل يقتصر تأثري. والفالسفة الكبـار

سفته الكثري من نيتشه أن جيتذب إىل فل إىل املفكرين العرب؛ فلقد استطاعولقد اجتـذب نيتشه . عريب للنيتشوية املتحمسني الذين عربوا عن مزاعم يف مرياثومناهضة القيم اليت مل تعد، يف نظره، املفكرين العرب بدعوته إىل السمو باحلياة،

حنوه معلنني ثورم على التقاليد متفقة مع أحوال العامل احلــاضر، فاندفعوااالحنطـاط اليت محل لواءهـا نيتشه، الزعم يقدم حتليال للثورة علىوهذا . واالحنطاط

.48، ص 2004، 2لسيد ولد أبــاه، التاريخ واحلقيقة لدى ميشـال فوكو، الدار العربية للعلوم ناشـرون، طا 1سنة وناعة والنشر، بريوت، بدفليكس فارس، املكتب العاملي للطب: فريديريك نيتشه، هكذا تكلم زرادشت، تر 2

.18ص طبع،




163

. العريب، وإقحـام نيتشه فيها وشرحا ألسباب انتقـال تلك الثورة إىل الفكراألصل حبوث والدراسـات اليت تشتمل على كل ما صورته الفلسفـات، واليت هي يف

نيتشه على الفالسفةالقسم األول يعرض محلة : وحمـاضرات موزعة على قسمنياملسؤولني، يف نظره، على إشاعة قيم االحنطاط، وأبرزهـم سقراط، وأفالطون،

أما القسم الثاين فيعرض لتأثري نيتشه على املفكرين العرب الذين . وهيغـل وكانط، .للتحرر، كما يعرض للرافضني لفلسفته والساخطني عليـه اختذوه كرمز

من منظور تاريخ للفلسفـــة بوضع إشكالية - Heideggerيتشبث هايدغر أنه يتنزل داخل خـط «نيتشه ضمن سؤال الفلسفة الذي هو سؤال امليتافيزيقـا، فريى

التساؤل الفلسفي الغريب، وان كان يشكل حلظة ارتكاز واكتمال هذا اخلط، فبتأويل . 1»فكر نيتشه تتم قراءة الفكر الغريب مبجمله

بني الفالسفـة املعـاصرين فلسفة نيتشه اجلـدل اجلـاري اليومولقد استقطبت احلداثة، النزعة اإلنسانية وفلسفة موت حول العقالنيـة والالعقالنية، احلداثة وما بعد

تشغـل كتابـام الصـدارة يف عامل ومارست تأثريها الكبري على من. اإلنسان وجيل دولوز M.Foucault فوكـوالفلسفة اليوم من الفالسـفة الفرنسيني ميشيـل

احلداثة والعقالنية والتنوير وجاك دريدا من جانب وفالسفة فرانكفورت ودعاةكالوتر بني مؤيديها واإلنسانية والتقدم من جانب أخر فهي فلسفة مشدودة

ياسربز ونقادهـا، مثلما كانت باألمس القريب مصدر اهتمام فالسفة الوجوديةJasper نفسه دوي يف الفكر العريب املعـاصر، كما كانت يف الوقتوهيدجر وب

.موضع نقد يف كتابـات املاركسيني وغريهم من نقـاد نيتشه

، 1جماهـد عبد املنعم جماهد، دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، بريوت، ط: فريديريك نيتشه، هذا اإلنسـان، تر 1

.68، ص 2005



164

ومن هنا سيقدم هايدغر قراءة لنيتشه يف هذا األفق باعتباره آخر فيلسوف ديه ميتـافيزيقي يف الغرب؛ كما أن مفهوم إرادة القوة يقدم منـط تناول سؤال الكائن ل

.1ما دام يعرب عن اخلـاصية املؤسسة لكل األشياء املوجودةفوكو ودولوز : كانت القراءات املعاصرة لدى فالسفة ما بعد احلداثة وإذا

نيتشه، ومن القراءة اهليدجريه لفلسفته اليت جتعـل منه آخر وديريدا تنطلق منميكن أن نعده نيتشاويا يف فإن هيدجر نفسه الذي. الغرب امليتافيزيقيني الكبار يف

قد أكد وهذا ما يهمنا يف هذا السياق على تغلغل القيم مرحلة من مراحل تفكريه، .يف فلسفة نيتشه

: يلي إن نيتشه كتب نقيض العصايب واملولع باحلياة وذو الصحة اهلشة، ما ... عصره يبدو أحيانا أن الفنـان والفيلسوف باخلصوص، عبـارة عن جمرد صدفة يف«

تقوم الطبيعة اليت ال تقفز أبـدا، مع ظهوره بقفزا الوحيدة وهي قفزة البهجة، لكوا تشعر أا حتقق ألول مرة اهلدف، هناك حيث تدرك أا بلعبها مع احلياة والصريورة كانت يف مواجهة أصعب مقابلة، جيعلهـا هذا االكتشاف تلمع ويعلو وجهها عياء

.2»الذي يسميه الناس اءمسائي ناعم، ذلك يف هذا السيـاق يربز دولوز الفرق بني النقدية الكـانطية والنقدية النيتشوية يف

:النقـاط اآلتيـةال ينطلق نيتشه من مبادئ ترنسندنتالية، تكون شروطا بسيطة إلدراك الوقائع -

قيمة وضبط الظواهر، وإمنا ينطلق من مبادئ جينيالوجية تكشف عن املعىن وعن .املعتقدات والتأويالت

.48ولد أباه، التاريخ واحلقيقة لدى ميشال فوكو، ص 1احلي أرزقان، أمحد عبد : كلري بارين، حوارات يف الفلسفة واألدب والتحليل النفسي والسياسة، تر -جيل دولوز 2

.48، ص 1999، 3العلمي، إفريقيا الشرق، ط




165

ال ينطلق نيتشه كذلك من فكر مشرع يستجيب للعقل وحده، وإمنا يقدم -توجها فكريا مضادا للعقل، ومن اخلطأ الظن أن الالمعقول هنا يقدم يف مقابل

ففي . املعطى أو القلب أو العاطفة أو اهلوى: العقـل شيئا آخر سوى الفكر مثـلألمر بشيء سوى الفكر، وما يناقض ويقابل العقل والوجود الالعقالنية ال يتعلق ا

.العقليفاملشرع قاضي . يف مقابل املشرع الكانطي، يقرتح نيتشه منوذج اجلينيالوجي -

حمكمة يراقب ويقيم ويوزع القيم السائدة بينما يتعارض النهج اجلينيالوجي مع التقييم فكري بالنسبة له منط من التقييم، فالت: القضائي، إن اجلينيالوجي هو املشرع احلقيقي

.ولكن القيم هنا تأويل وإبداعليس الغرض من النقد تتبع الغائيـات اإلنسـانية أو العقلية، وإمنا جتاوزها حنو -

. اإلنسـان األعلى من كل هذا أن فيلسوفنـا نيتشه يرفض النقدية الكـانطية، وتقويض يتبني

دم قاعدته األخالقية، وتعويض نقدية العقل من أساسه وه األنطولوجياملشرع . بالنقد اجلينيالوجي الذي يرسم املعارف واحلقائق ويتعهدها بالتأويل والتقومي

فاجلينالوجيا تعين إذن يف آن واحــد املسـار التارخيي لنشوء املفـاهيم، والكشف إا تنطلق من هذا املقتضى الذي يفصح عنه .عن النوازع واحليوية هلذه املفاهيم

إننا حباجـة إىل نقد القيم األخالقية كما أن قيمـة هذه القيم جيب دوما أن «: نيتشهتوضع موضع سؤال وألجـل ذلك، من الضروري أن نعرف الظروف واألوسـاط اليت

األخالق كنتيجة وعرض وقناع وخدعة (ـا أنشأـا، واليت احتضنت منوها وتبدهلإا ) ومرض وسوء وفهم، ولكن األخالق كذلك كسبب وعالج ودافع وقيد وسم

. 1»عنها معرفة ال نظري هلا حىت اآلن، بل ال أحد يبحث

.55ولد أباه، مرجع سبق ذكره، ص 1



166

وهي احلكمة يف إرادة القـوة 1885ويستشهد هيدجر خباطرة دوا نيتشه عـام يستطيع احلقيقة هي ذلك النوع من اخلطأ الذي ال إن- واليت يقول فيها 493رقم

يف إن قيمة احلياة هي الشئ احلاسم. نوع معني من الكائنات احلية أن يعيش بدونه وهذا االهتمـام الذي يضع فلسفة نيتشه. اية األمر، وهي كما سنجد مصدر القيم

كما قدمها لنا، يف بؤرة الفكر املعاصر مما يدفعنا إىل الوقوف أمام فلسفة القيم األول بيان ما قدمه نيتشه من كتابات : يتم من وجهة نظري على مستويني وذلك

القيم واملستوى الثاين تناول القضايا املختلفة اليت انقالبكلها حول متعددة تدورباعتبارها فيما نرى تعبيـرا عن القيم باملعىن الواسع، الذي يرادف البحث عرض هلا

. لن يتم إال بتحليل مفهومه للجينالوجيا مقابل مفهوم امليتافزيقاوهذا يف الوجود، .هي منهج نيتشه الذي يتناول من خالله فهم وتأويل احلقائق فاجلينالوجيا

هذا اإلقصاء االركيولوجي بالنسبة لفيلسوفنا فوكو قد بني انقطاعني «لكن حنو (العصر الكالسيكي االنقطاع الذي دشن: كبريين يف ابستمية الثقافة الغربية

وذلك الذي طبع يف بداية القرن التاسع عشر عتبة ) منتصف القرن السابع عشر . 1»حداثتنا

فاحلقيقة اليت أعلنها فوكو عن وحدات اخلطاب وكيفية تناول مثل هذه املوضوعـات خلقت املشكلة وأضعفت كيان الفكر الغريب املعاصر وأظهرت اختالفا

.يف الرؤى، فليست Nietzscheيقال عن نيتشه Mallarméوأن ما قيل عن مالرمي

ذات العالقة، هي اليت تربط بني اسم نيتشه والرتمجات الذاتية اليت ألفهـا يف مرحلة الشباب، أو اإلنشـاءات املدرسية اليت كتبها، أو املقاالت الفيلولوجية أو هكذا تكلم

يتشه اإلمرباطور، والكراسات العديدة اليت زرادشت أو هـذا اإلنسان، والرسائل ون

.25، ص 1990مطـاع صفـدي، مركز اإلمنـاء القومي، : ميشيل فوكـــو، الكلمــات واألشيـاء، تر 1




167

حيشر فيهـا مالحظات له على تنظيف الثياب، ومأثورات من احلكـم وجوامع .1الكلميرى دولوز إىل خلق مشكلـة القيم والتقومي وهو الذي لقد سعى نيتشه فيما

الباحثني فالقيم يف نظر عـدد كبري من . األكسيولوجيـا وجهـه الفالسفـة إىل تأسيسمشكلة الوجود بأسرها فاملشكلة قيمة ويكفي هي حمـور فلسفة نيتشه، بل انه حول

.نشأة نظرية القيمة املعاصرة من أجل التدليل على أثر كتابـات نيتشه علىإنين لن « :ويف هذا الصرح الفلسفي يتحدث نيتشه إىل دعاة األخالق فيقول

ذين يعظون، إن كنتم حترصون أشد احلرص أعظ قط، لكنين سأسدي هذا النصح للعلى إفقـاد األوضاع االجتماعية واألشيـاء اجليدة كل شرف وكل قيمة فاستمروا، كالسابق، يف إجرائها على ألسنتكم باستمرار، أجعلوهـا يف قمة أخالقكم وال تتكلموا من الصباح حىت املساء إال عن سعادة الفضيلة، عن طمـأنينة الروح، عن

بيد انه ابتداء من هاتـه اللحظة سيصري كل ما هو ... الة الثابتة، وعن اإلنصافالعد .2»فيهـا من ذهب باليا، بل األدهى من ذلك

والقيمة إىل الفلسفة، انه يريد أن يقوم عمل نيتشه على إدخال مفهومي املعىن جينالوجيا، وهو مل خيف يوما أن فلسفة يتجاوز امليتافزيقـا الغربية كلها بتحويلها إىل

احلواجز الرئيسية لعمل نيتشه فيما يقول وأحد. املعىن والقيم جيب أن تكون نقديـةاحلقيقي، ألنه مل يعرف أن يطرح ط مل يقم بالنقدهو كون كانـ Deleuze دولوز

يف أول صفحات كتاب مشكلته باصطالحات القيم بينما فلسفة نيتشه، كما نقرأالقيم كما يؤسسها أن فلسفة: تنطلق من الواقعة التـالية" نيتشه والفلسفة"دولوز

.24، ص 1986، 1طسامل يفـوت، املركز الثقـايف العريب، : ، ترةحفريـــات املعرفـو، ميشيل فوكـ 1 .173، ص نيتشه، العلم املرح 2



168

ساؤل، ما موضع الت ويصورها هي اإلجناز احلقيقي للنقد، ينبغي أن نضع نقد نيتشه.ميثل يف نظر نيتشه نفسه قرارا أساسيا ال يستلزم أي إعادة فكرية

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ...خصوصية اسلمة بالد الرببر جملة أبعادجملة أبعادجملة أبعادجملة أبعاد


169

رخصوصية أسلمة بالد الربب

العوامل النابعة من ذاتية شخصية الرببر

∗∗∗∗شنعة خدجية

: مفهوم كلمة البربر .1 أو ،بالد املغرب استوطنو امن أقدم السكان الذين 1عترب الرببري

وميكن رد أصل تسمية كلمة الرببر إىل ،نيالسكان األصلي هم باألحرى رجع أصل الكلمة إيل جذرها الروماين ت ،فالرواية األوىل ؛عدة روايات

Barbar ا منهم بتفوق اعتقاد 2تتكلم الالتينية أي كل الشعوب اليت ال

أما الرواية . عن باقي حضارات العامل وهي نظرة متييزية عنصريةاحلضارة الرومانية بر بن قيس بن "وبالتايل أرجعت الكلمة إىل اجلد األكرب . الثانية فأصل الكلمة عريب

.طالبة مبدرسة الدكتوراه، قسم الفلسفة، جامعة وهران ∗أما الفينيقيون فأطلقوا ،"لويب"سم افأطلق اليونانيون ، لبالد املغربنيلقد تعددت تسميات السكان األصلي 1راجع بوزياين الدراجي، سلسلة العصبية القبلية، القبائل . هذه األخرية أصلها أمازيغي تعين الكهف" إفري"سم ا

. 13، ص 2007، دار الكتاب العريب، اجلزائر، 1 .جاألمازيغية أدوارها، مواطنها، أعياا، 2 G.-H. Bousquet, Les berbères, presses histoire et institution universitaire de France, p. 89.




170

النعمان "أما الرواية الثالثة فهي رواية النزوح وتذكر أن .1"عيالن بن مضر بن نزاربنائه دف تعمري بالد املغرب ومن ساللتهم جاءت خمتلف بن محري بن سبا هجر أ

إفريقش بن 3"وتذكر الرواية الرابعة واليت ترتكز على غزو ملك التبابعة 2قبائل الرببرومنه، استعمل كلمة الرببر وإذا أرجعنا الكلمة . صيفي بالد املغرب فسميت إفريقية

كثرة الكالم واجللبة " مرادهفنجدها تفسريها 4البن منظور يف قاموس لسان العربعندما نزل بأرض ،التايل ومنه استعمل إفريقش كلمة الرببر بالتصريح ."باللسانكالمكم غري مفهوم مع نربة أي" ما أكثر بربربتكم": التقي م فصرحالرببر و أما الرواية اخلامسة فرتكز على النفي والتهجري وترجع أصل الرببر إىل ولد . الغضب

عليه السالم أوال، مث داوود عليه السالم وهذا "نفاهم يوشع بن نون حام، حيث، أي أن الرببر مزيج من الكنعانيني والعمالقة 5عندما قتل داوود ملكهم جالوت

وقد ركز ابن خلدون على نظرية ،ا إىل بالد املغرب بعد مقتل جالوتنزحوا مجيع . من اليمن من شبه اجلزيرة العربية وأن أصلهم 6جالء الرببر

ومنه، يستخلص أن تسمية الرببر هي تسمية مستوردة وليست نابعة من ا التقوا باخلليفة جوهر اتمع، حيث أن الرببر أنفسهم فضلوا تسمية األمازيغ عندم

.عمر بن اخلطاب

إبن خلدون عبد الرمحن، العرب وديوان املبتدأ واخلرب يف التاريخ العرب والرببر ومن عاصرهم من ذوي الشأن 1

. 176، ص 6. األكرب، مراجعة سهيل زكار، دار الفكر للطباعة، بريوت، لبنان، ج . 18، ص 1. بوزياين الدراجي، املرجع السابق، ج 2، راجع مبارك بن حممد امليلي، 2030التبابعة هم العرب املستعربة من ساللة قحطان بن عامر بن سامل بن نوح 3

. 14، ص 13. ، املؤسسة الوطنية للكتاب، ص2. تاريخ اجلزائر يف القدمي واحلديث، ج . 254 - 253حممد بن مكرم، لسان العرب، دار املعارف، القاهرة، مصر، ص إبن منظور 4 . 185ن خلدون، العرب، املصدر السابق، ص بالرمحن عبد 5 .185بن خلدون، املصدر السابق، ص عبد الرمحن 6



171

): النابعة من خصوصية مجتمعهم ( عوامل أسلمة بالد البربر .2 ،اإلخباريون العرب عن مراحل احلمالت العسكرية للفاحتنيسنتجاوز ما ذكره

بانتهاء حيث أن أسلمة الرببر مل تنته ،مونركز على عوامل اعتناق الرببر لإلسالوإمنا جتاوزا حيث أن املصادر العربية حبكم ،احلمالت العسكرية للفاحتني العرب

ية ركزت تركيزا كليا عل اجلانب بعد الفرتة اليت ألفت فيها وفرتة الفتوحات اإلسالمأو " أسلم الرببر وحسن إسالمهم"العسكري دون سواه، إذ يالحظ تكرر مجلة

ومنه سنركز على العوامل الذاتية النابعة من ،"أصبحت بالد الرببر للمسلمني"حيث يذكر ،خصوصية اتمع األمازيغي اليت أدت إيل اعتناق الرببر لإلسالم

البحث التارخيي جيب أن يستند إىل دراسة عناصر اخللق إن" 1غوستاف لوبانالعناصر الذاتية (عناصر اخللق القومي ويشبه" القومي األساسية ليفرق بني األمم

أن تزحزحها ومنه بصخرة اليت تلتطم عليها األمواج من غري ) األساسية الثابتة :قسمت إىل ما يلي

: تاريخية الذاتيةالالعوامل 1.2 :البربريالمعتقد 1.1.2ويقصد به الفكر ،2لقد كان املعتقد الرببري ذو اتصال وثيق باملظاهر الطبيعية

3وقد مر بعدة مراحل بداية مبرحلة الروحانية ،البدائي الديين لدى الرببرAnemesme ) وهو املعتقد الذي يصور وجود أرواح يف املظاهر الطبيعية فمثال

مث مرحلة احليوانات فمثال ،)العتقاد وجود األرواح فيهاقدست الكهوف واملغارات

غوستاف لوبان، حضارة العرب، ترمجة عادل زعيرت، دار إحياء الثراث العريب، بريوت، لبنان، الطبعة الثالثة، 1 . 717 ، ص1997

عبد الرمحن حممد اجلياليل، تاريخ اجلزائر العام، منشورات دار مكتبة احلياة، الطبعة الثانية، بريوت، لبنان، 2 . 59، ص 1965

عثمان عكاك، موجز التاريخ العام للجزائر من العصر احلجريإىل اإلحتالل الفرنسي، دار الغرب اإلسالمي، 3 . 30، ص 2003بريوت، لبنان، الطبعة األوىل،




172

علي أنه إله هلم ، كل هذا لنستخلص أن للفكر " Gurzil"عبد ثور يسمى قورزيل كبش ذو هالة (الديين أمهية لدى الرببر منذ القدم كما تطور قورزيل إىل إله بعل

إن " Gsell 1سالإذ الحظ غ) مشسية اإلله األكرب وهو شكل من أشكال التوحيدعلو أله بعل عن باقي اآلهلة قد هيأ عقول الرببر إىل التوحيد احملض الذي ستأيت به

."املسيحية مت بعدها اعتناق اإلسالم : المسيحية عند البربر 2.1.2 .اعتنق الرببر املسيحية كوجه للمقاومة يف وجه سلطة اإلمرباطورية الرومانية

ولكن سنركز على ،لن ندخل يف متاهات الصراع الدونايت الكاثوليكي إنناحيث التعريف الالهويت للدوناتية، إذ أن تعاليم املذهب الدونايت يعترب عامال أساسيا من عوامل اعتناق الرببر لإلسالم ونعلم أن اإلسالم ركيزته األساسية هي التوحيد أي

اختلفت مذاهب املسيحية ووجد جدل وهنا ،توحيد اهللا يف ذاته وصفاته وأفعالهنشأة يف ) رثودكسيةاأل(فاملذاهب الشرقية . يه السالمعقيم حول طبيعة املسيح عل

وهلذا جاءت عقيدا مؤسسة على نوع من التوحيد إذ تؤمن بالطبيعة ،بيئة األديانأما ،وقد احندرت منه الدوناتية اليت اعتنقها الرببر .2الواحدة للمسيح منها اليعقوبية

3إذ اعترب يف بادئ األمر اإلمرباطور ،املذاهب الكاثوليكية فقد منت يف بيئة وثنيةومع تزايد اعتناق املسيحية لسبب سياسي ال ، األوائلنينفسه إله واضطهد املسيحي

ومبا أن ،)األب، االبن، الروح القدس( 4ومنه وجد ما يسمى بالتثليث. عقائدي

1 S. Gsell, Monuments antiques de l’algérie, Tome I, Albert fontémoing édition, 1910, p. 87.

. اليعقوبية نسبتا إىل يعقوب الربذعاين راهب القسطنطينية يذكرون أن املسيح جوهر واحد أي طبيعة واحدة 2دار املعرفة، بريوت، لبنان، الطبعة الثالثة، راجع الشهر ستاين ملل وحنل حتقيق أمري على مهىن وعلي حسن فاكور،

. 271 - 270، ص 1993اجلزء األول، ومسي ) م Diocletianus )284-305من أشد فرتات حكم قساوة فرتة حكم اإلمرباطور دقليانوس 3

. عصره عصر الشهداء . 96، 95عبد الرمحن بن حممد اجلياليل، املرجع السابق، ص 4



173

،فالبد أن ختتلف معها لغويا ،وعقيدة" مذهبا"وليكية الدوناتية ختتلف عن الكاثن يصلون يف كنائسهم فلغة املذهب الدونايت هي الفينيقية أي الكنعانية، فالدوناتيو

Gsellوهنا يذكر غسال بالفينيقية،إن بقاء الفينيقية بألسنة الرببر سهل عليهم " 1

ولغته الفينيقية املتداولة يف لص أن املذهب الدونايت ومنه نستخ". تعلم العربية .ق اإلسالم أوال مت عربتهم ثانياكنائسه هيأت الرببر العتنا

: العوامل السياسية 2.2 : إسالم زعماء قبائل البربر . أ

تتجلى يف إسالم قبائل الرببر وهنا " إن الناس على دين ملوكهم"إن مقولة الرببر والذي نتج عنه سنستعرض بعض األمثلة عن إسالم بعض زعماء قبائل

.بالضرورة إسالم كافة قبائلهم ):أمير قبيلة مغراوة(إسالم وزمار بن صقالب -

عبد اهللا بن سعد مع جرجري سبيطلة واليت اشتبك فيها إن من نتائج معركة حليف جرجري أمري قبيلة مغراوة 2زمية هذا األخري ومقتله وهنا آسر وانتهت

سلم أعفان إىل املدينة املنورة فوأرسل إىل اخلليفة عثمان بن ،)صوالت(صقالب .م وهذا ما نتج عنه إسالم قبيلتهوأرسل إىل قومه ليكون داعية إيل اإلسال ،على يده

):أمير قبيلة أوربة(إسالم كسيلة -إن إسالم كسيلة أمري قبيلة أوربة الرببرية تعود بالدرجة األوىل إىل إسرتاتيجية

مهاجر دينار الذي طبق سياسة اللني مع قبائل الرببر وهنا كسب حلفاء جدد أيب .أوربة وأمريها وهذا بعد هزميتهم من بينهم قبيلة

1 S. Gsell, op. cit. p. 200.

. 216 - 215ابن خلدون، املصدر السابق، ص 2




174

كان تصرف مالة كسيلة لصفوف الفاحتني العربومنه يستخلص أن است حيث متثل يف اعتناق مجاعي ،انعكس إجيابيا على حركة اعتناق الرببر لإلسالم

ومن الناحية التارخيية تعثرت ظاهرة أسلمة الرببر ،لة أوربة وحلفائها لإلسالملقبيلدى عودة عقبة، ومواصلة سياسة العنف وقد ارتكب عقبة لدى عودته مرة ثانية

وانتقم أيضا من " أيب مهاجر دينار"إىل إفريقية واليا خطأ اسرتاتيجيا، إذ انتقم من ). وربةأمري قبيلة أكسيلة (أصدقائه

كان حديث " كسيلة"عومل االثنان معاملة قاسية وهنا ال ننسى أن وبالتايل، عن ردته يشوا اجلدال، ) خباريون العربإلا( وحديث املصادر ،العهد باإلسالم

بني القبائل العربية Sبعد وفاة الرسول اهللا ة عن اإلسالم عرفت تارخييا قبل و فالرد ،وطليحة بن ذويلة األسدي ،وزعمائها األسود العنسىمثل عنس، أسد ومتيم

اإلسالم إما وقد ثاروا دينيا إذا أساؤوا إىل ،ومسلمة الكذاب ،وسجاح التميمةأبو بكر "ومل يتهاون ،أو إدعائهم النبوة ،برفض ركن من أركان اإلسالم كدفع الزكاة

رف تارخييا رضي اهللا عنه يف القضاء عليهم عسكريا إذ وجدت ما ع" الصديق .حبروب الردة

عنه أنه قال كالما مس فقد ظلمته املصادر والدليل أنه مل يثبت " كسيلة"أما ومل مينع أي شعائر من شعائر اإلسالم خاصة أنه عامل املسلمني املتبقني ،باإلسالم

. 1يف القريوان معاملة حسنةومنه " بكر الصديق أيب"يف عهد اكلة املرتدين العربوبالتايل مل يكن على ش

مسلمان اختلفا يف الرأي " كسيلة"و" عقبة"وحتليال ملا سبق ذكره نستخلص أن ألسباب بسيكولوجية وانتقامية " عقبة" "كسيلة"وتقابال يف ساحة احلرب فقتل

إسطنبويل رابح ومنصف عاشور، اجلزائر يف القدمي :أندري برنيان، أندري نوشي إيف الكوست، ترمجة 1

. 80، ص 1984واحلديث، ديوان املطبوعات اجلامعية، اجلزائر،



175

بسبب اعتناقه سابقا املسيحية واعتناقه طواعية " كسيلة"إذ أن . ميزت جمتمع الرببر" عقبة"وصداقته القوية مع أيب مهاجر دينار عرف دين احلق ورغم خطأ اإلسالم

إال أنه مل يرتد حبكم ثقافته ،باإلساءة إليه مع كونه مسلم حديث العهد باإلسالمالدينية، وقد أيقن أن تصرفات عقبه ال ترتبط باإلسالم حتما وإمنا هي تصرفات

فرغم أن نوايا عقبة .2ثر األسلمةوخطأ هذا األخري ستكون نتيجتها تع ،1منفردة، و لزم هنا ذكر إال أن األسلوب كان خطأ ،كانت حسنة يف هدفها لنشر اإلسالم

وقد كان هذا األخري يطبقه يف ، "خالد بن الوليد"قبة أشبه بأسلوب إن أسلوب عن أل ،فنجح خالد وفشل عقبة ،نف والشدةحربه مع الفرس والروم أسلوب الع

مل يكونوا قبائل تعتز بالكرامة الشخصية وعزة النفس وال تؤمن بأخذ الفرس والروم، أما قبائل الرببر فهم جمتمع يعتز بكرامتهم وهي من خصوصيات شخصية 3الثأر

. حافظ عليها علي مدي قرون وقروناالمازيغ اليت : إسالم أبناء كاهنة -

التحاليل لقد اعتربت الكاهنة من الشخصيات األسطورية وكثرت عنها ضد الفتح اإلسالمي يف بالد 4املؤرخني واعتربت من الشخصيات األكثر تشددا

إن الرسول صل اهللا عليه وسلم فدوتنا يف التعامل مع هذه املواقف فعلى سبيل املثال ال احلصر عند فتح مكة 1

. بإطالق سراح املغلوبني من قبائل قريش مما أدى إىل إعتناق مجاعي لإلسالم ، ص 1981الطبعة الثانية، رابح بونار، املغرب العريب تارخيه وثقافته، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، اجلزائر، 2

وسار إنتشار اإلسالم يف إطراد وإنسياق وكاد يعمر الرببر لوال غلطة عقبة مع كسيلة اليت كانت سببا يف " :22 ". قتله وإيقاف زحف الفتح بعده إىل حني

قاهرة ،مصر عبد احلميد حسني محودة، تاريح املغرب يف العصر اإلسالمي ،الطبعة األويل ،دار النشر للثقافة،ال 3 .72ص ،2007

جتسيد ألمان الرببر، حيث فرضت : "جتدر اإلشارة إىل أن هشام جعيط تطرق ملعىن املقاومة الكاهنة وأكد أا 4نفسها كقائدة دون مساعدة بيزنطية وهو الفرق بينها وبني مقاومة كسيلة، حيث أن مقاومة الكاهنة مثلت نقاء




176

كن ميالدي جعل من املم السنوات األوىل من القرن الثامن ومبقتلها يف ،الرببرنقطة تتمثل يف وصية الكاهنة ،والذي يهمنا هنا ا،لإلسالم أن يتقدم تقدما ملحوظ

وإصرارها على مقاتلة والتصادم مع ،م استسالمهااعتناق اإلسالم مع عدألبنائها بوعليه، فقد وجد تناقض يف شخصية الكاهنة بني الوصية والتصادم . العرب الفاحتني

حتليال سيكولوجيا للظاهرة حيث ذكر أن الرببر مستعدين 1والقتال وهنا قدم غوتييهالف مع للتح ينمستعد، و يف سبيل عائلته ومجاعته وقبيلتهللتضحية بأنفسهم

اذهبا فبكما "ودليل تصريح الكاهنة لولديها ،املنتصر من أجل إبقاء الزعامةومنه، حتليل . والقدرة تعين الزعامة قبيلة جراوة ."سيحافظ الرببر على بعض القدرة

غوتيه لوصية الكاهنة مرده أن غايتها سياسية أكثر منها دينية ولكن املتتبع لسريورة وقد أسرت ،"حسان"مسلمني عند هزمية ة قد أسرت األحداث جيد أن الكاهن

األسرىوتذكر معظم املصادر أن الكاهنة أحسنت إىل ،رجال 80 حوايل الكاهنةوقد " خالد بن يزيد القسي"وبعد ذلك أطلقت سراحهم إال واحد هو ،املسلمني

ولكن ما يهمنا هو أننا سنقيم مقاربة تتمثل أن الكاهنة تعرفت ،تبنته يف األخريخالد بن "على مبادئ اإلسالم من خالل األسرى املسلمني وفيما بعد االبن املتبين

إال أن عندها وعزا جعالها تواصل الصدام مع العرب الفاحتني واألمر " يزيد القسييف سلك اجلندية وإسالمهم مما الذي يستهوي االهتمام هو اندماج أبناء الكاهنة

العنيدة وبدأت حركة أسلمة الرببر بسريورة أسرع " جراوة"نتج عليه إسالم شعوب .بعد هزمية الكاهنة

الغرب اإلسالمي، تأسيسراجع هشام جعيط، ". ان ينقصها هو إدراك معىن الدولةاحلركة الرببرية يف اجلوهر، وما ك . 31. ، ص2004دار الطليعة للطباعة والنشر، بريوت، لبنان، الطبعة األوىل،

. 60 - 58، ص 2010هشام احلسيين، مؤسسة تواليت، :غوتيه، ماضي مشال إفريقيا، ترمجة. إميل ف 1



177

: العوامل الدينية 3.2إن خري من سهل رسالة اإلسالم هو إسالم نفسه حديث يتميز بطبيعته

قبال اهلام على اعتناق اإل"أن " فون جون مسيث"ببساطته ومساحته، حيث يذكر دين جديد على أثر فتح أجنيب أمر ال يكاد يعرفه العصر القدمي، ولكن اإلسالم يقف وحيدا يف هذا الفوز ومنه، فإن العوامل اخلاصة النابعة من خصوصية اتمع

.اليدهأعرافه وذاتية عاداته وتقاألمازيغي تتمثل يف متسكه ب : العرف واإلسالم . أ

إن طبيعة اتمع الرببر حمافظ على تقاليده ومتمسك برتاثه، حيث يذكر وهكذا مل ختتلف أحوال معظم الرببر رغم مرور حضارات اختالفا " عثمان عكاك"

جذريا باالهتمام وهم ال يزالون إىل اآلن يف تقشف ومسكنه غري مقصودة ما ظة عليه وعدم اإلقبال على ألعبادة والرببر من أشد األجناس متسكا بالقدمي وحماف

" األمازيغ شعب عظيم"، وترى بعض املصادر التارخيية أن 1احلديث واملستحدثويردف مفهوم مازيغ هو الرجل النبيل الشريف كما سبق ذكره، غري أن هناك جانب

.2أن األمازيغ مازالوا حمافظني على أعرافهم عاشقني للحرية ادر تؤكدآخر من املصتعرض املنطقة إىل موجات احتالل فإن القوانني العرفية بقيت هي فعلى الرغم من

املطبقة فال القوانني وال الشرائع اآلتية من الشرق وال تلك القادمة من الغرب خاصة أن اإلسالم دين كوين حيرتم خصوصيات اتمعات ،3استطاعت حموها

شريطة أن ال ويعترب األعراف والتقاليد مصدرا من مصادر التشريع اإلسالمي (

. 68بق الذكر، ص عثمان عكاك، املرجع السا 1كهينة زموش، نقل معاين القرأن الكرمي إىل اللغة األمازيغية جهود الشيخ بوستة أمنوذجا، سلسلة القوافل العلمية 2

، منشورات وزارة الشؤون الدينية واألوقاف اجلزائر، 2010القيم الروحية يف ثقافة األمازيغية، ملتقى األمازيغ . 42ص 2011

. 43كهينة زموش، املقال السابق الذكر، ص 3




178

، حيث أن رسالة اإلسالم رسالة إنسانية مجعاء وقد أرسل )ختالف قواعده ومبادئهسيد اخللق صلى اهللا عليه وسلم إىل الناس كافة عكس األنبياء والرسل الذين سبقوه

وذا فاإلسالم يعترب األعراف والتقاليد مصدرا من . الذين أرسلوا على أقوامهم، حيث يذكر 1ي شريطة أن تناقض مقاصده ومبادئهمصادر التشريع اإلسالم

أدرك اخللفاء السابقون الذين كان عندهم من العبقرية ما ندر " 2غوستاف لوبانوجوده يف دعاة الديانات اجلديدة أن النظم واألديان ليست مما يفرض قسرا فعاملوا

وهو ما "عليه بلطف تاركني هلم قوانينهم ونظمهم ومعتقدام استولواأهل كل قطر وهلذا لزم استعراض عالقة الشرع اإلسالمي بالعرف، حيث يذكر .يعرف بالعرف

عالقة الشرع بالعرف متفرعة عن عالقة أخرى وهي عالقة "أن 3"عبد العزيز غوردو" 4دائما إىل التنافراإلسالمي الشعيب باإلسالم الرمسي حيث ال توحي هذه العالقة

سيتم توسيع الشرع اإلسالمي ليصبح قادرا على وذا ."بل تفيد التكامل أيضاوالفتاوى يف بالد املغرب 5احتواء العرف ويف هذا اإلطار تنتج كتب النوازل

فإن احرتام اإلسالم خلصوصيات اتمعات وعامليته ومجعهم يف بوتقة . اإلسالميمسلم يف دينه أمازيغي "وبالتايل فالرببر جمتمع . رببر يعتنقونهاألمة اإلسالمية جعل ال

."عريب يف مصحفه عاملي يف إنسانيته ،يف ثقافته

. 11ص ،اجلزائر ،دار املعرفة رابح لونيسي، دعاة الرببرية يف مواجهة السلطة، 1 .15غوستاف لوبان، حضارة العرب، ص 2 .73 عبد العزيز غوردو، املرجع السابق الذكر، ص 3ملياء دمحاين، مداخلة حتت عنوان ظاهرة توسل باألولياء الصاحلني يف الرتاث الديين القبائلي بني العرف والشرع، 4

الدينية ، منشورات وزارة الشؤون2010سلسلة القوافل العلمية القيم الروحية يف ثقافة األمازيغية، ملتقى األمازيغ . 203ص ،2011واألوقاف اجلزائر،

راجع كمال أبو مصطفى، . ازل الونسرتيسي الذي استعرض أمناط التشابه بني عادات العرب والرببرأشهرها نو 5 .1997جوانب من حضارة يف املغرب االسالمي من خالل نوازل الونسرتيسي، الناشر مؤسسة شباب اجلامعة،



179

: الفطرة . بإن ظهور اإلسالم باملغرب ألول غزو العرب " 1يذكر مبارك بن حممد مبارك

قليل لشيء عجاب يف يف أمد له، وإنتشاره من بعد، ومتكنه من قلوب الرببرنتيجة لذلك، . حيث يرجع سبب إقبال الرببر على اإلسالم إىل الفطرة ،"التاريخ

فأقم ﴿ :نسبة إىل قوله تعاىل "اإلسالم دين فطرة"فإنه سيتم التفصيل يف عبارة ها ال تـبدي ين حنيفا فطرة الله اليت فطر الناس عليـ ين وجهك للد ه ذلك الدل خللق الل

وكذا نسبة إىل ).30 سورة الروم، اآلية( ﴾القيم ولكن أكثـر الناس ال يـعلمون فأبواه يهودانه أو . ما من مولود إال يولد على فطرة" Sاحلديث النبوي لرسول اهللا

بالفطرة هي يذكر من خالل تفسري احلديث أن املراد حيث، "ينصرانه أو ميجسانهفطرة الله اليت ﴿: ومنه أمجع أهل العلم بالتأويل على أن املراد بقوله تعاىل. 2اإلسالم

ها أن اهللا خلق قلوب بين آدم مؤهلة ": ويرى القرطيب ،اإلسالم ﴾فطر الناس عليـقابلة للمرئيات واملسموعات فما دامت لقبول احلق كما خلق أعينهم وأمساءهم

باقية على ذلك القبول، وعلى األساس تلك األهلية أدركت احلق ودين اإلسالم هو يولد على " Sيرى أنه ليس املراد بقول رسول اهللا " ابن قيم"غري أن .3"دين احلق

أخرجكم من والله ﴿ :ألن اهللا تعاىل يقول ،أنه أخرج من بطن أمه يعلم الدين "فطرةبطون أمهاتكم ال تـعلمون شيئا وجعل لكم السمع واألبصار واألفئدة لعلكم

لكن املراد أن فطرته مقتضية ملعرفة دين . )78 ، اآليةنحلسورة ال( ﴾تشكرون . وحمبته 4اإلسالم

. 39 مبارك بن حممد امليلي، تاريخ اجلزائر يف القدمي واحلديث، ص 1، 1991الدين حممد قاسم، اإلسالم والفطرة تأمالت، دار الصفوة للطباعة والنشر، الطبعة األوىل، حممد زكي 2

. 26 ص 26 حممد زكي الدين حممد قاسم، املرجع السابق الذكر، ص 3 .29 حممد زكي الدين حممد قاسم ،نفس املرجع السابق، ص 4




180

بعقيدته يصل إىل الوجدان عن طريق اإلقناع وبالتايل فإنه يستخلص أن اإلسالم ين عند الله اإلسالم وما اختـلف الذين أوتوا إ﴿: العقلي مبوجب قوله تعاىل الد ن

ه فإننـهم ومن يكفر بآيات الل الله الكتاب إال من بـعد ما جاءهم العلم بـغيا بـيـيتم تبين موقف املصدر ومن مث، فإنه ). 19 ، اآليةآل عمرانسورة ( ﴾سريع احلساب

الرببر يقبلون على كل ما هو أمسى وعقالين فيندجمون "الذي يذهب إىل القول أن ذلك أن كل مولود مفاد" كل مولود يولد على الفطرة"وعليه، فإن . 1"فيه بسرعة

. صانعايولد على معرفة اهللا تعاىل واإلقرار به فال يوجد أحدا إال وهو يقر بأن له جتب اإلشارة إليه أن مصطلح فطر وما. ومنه التوحيد املطلق ملعرفة الذات اإلهلية

واخللق يساوي "اخللق واإلبداع "والذي يستفاد منها .كثريا ما تردد يف القرآن الكرمي، حيث أن 2اع أي ال وجود لسابقة له أي اإلتيان باجلديد يف مقابل التقليدياإلبد

. د تقليد الطبيعةاإلنسان يف اخرتاعاته كثريا ما اعتمباجلديد وإمنا طوره أما خلق اهللا سبحانه وتعاىل فهو الريادي وعليه، مل يأت

األرض، أو مبدع ومن مث فاطر السموات واألرض أي خالق السموات و . يف اخللق السموات واألرض

فالدين حقيقة كامنة يف اإلنسان وتعاليم مجيع األنبياء مبينة على ،وبالتايل إحياء ذلك احلس الفطري وهلذا فقد نادى مجيع املرسلني كنوح وإبراهيم وموسى

ما ﴿ :والدليل على ذلك قوله تعاىل 3وعيسى عليهم الصلوات اهللا بدين اإلسالم ﴾إبـراهيم يـهوديا وال نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركني كان

).67 ، اآليةآل عمرانسورة (

.11رابح لونيسي، املرجع سبق ذكره، ص 1، 1992مرتضى املطهري، الفطرة، ترمجة لـ جعفر صادق خليلي، مؤسسة البعثة، بريوت، لبنان، الطبعة الثانية، 2

. 12ص .17مرتضى املطهري، نفس املرجع السابق الذكر، ص 3



181

عليه، فإنه يالحظ أن اإلسالم ال يعين اإلسالم خامت األنبياء بل املقصود أن و هلذا فإنه يتم متييز ) التوحيد املطلق(احلقيقي اليهودية والنصرانية احنراف عن الدين

اعتناق الرببر للمسيحية بنسب حمدودة يف حني يالحظ انتشار واسع العتناق اإلسالم فالفطرة هي اليت أدت إىل حمدودية اعتناق الرببر للمسيحية ملا يعرتيها من

واعتناق هي اليت أدت إىل انتشار اإلسالم 1احنراف على دين احلق والفطرة نفسهاويرجع رابح بونار الدليل إىل الوقائع . معظم الرببر له ملا يتضمنه من حق وحقيقة

عندما ثار الرببر على األمويني ورفضوا . اليت ثلث اعتناق الرببر لإلسالم 2التارخييةوأسسوا بذلك دول إسالمية بربرية أي مل يرتدوا عن ) العربية(النزعة القومية العنصرية

يل املثال ال احلصر نعلم كس ما رأيناه سابقا يف سريورة تارخيهم وعلى سباإلسالم عوهذا كشكل .أن الرببر عادوا إىل الوثنية عندما ثبنت روما الدين املسيحي تارخييا

من املعارضة والذين مل يعودوا إىل الوثنية اعتنقوا الدوناتية، أي يستخلص مما سلف يان كشكل من أشكال املعارضة السياسية بسبب ذكره أن الرببر كانوا يعتنقون األد

سيطرة وظلم السلطة مبختلف أنواعها يف حني أن السلطة املركزية األموية عندما ويرجع هذا أن فطرم . أوجدت نزعتها القومية العنصرية ثار الرببر سياسيا ال دينيا

عاملي وليس سليمة إذ أم عرفوا أن السبب ليس اإلسالم الذي هو يف احلقيقة دين 3قومي كما سلف الذكر وإمنا السبب راجع للروح العنصرية وفكرة القومية العربية

واإلسالم بطبيعة احلال برئ من هذه . وتشجيع جور وظلم والة اخلالفة األمويةالتصرفات وذا احتفظ الرببر بإسالمهم بل وتفقهوا فيه ووجد بذلك علماء أمازيغ

. من أبناء املنطقة

ملغرب ، ويوافقه يف هذا الطرح رابح بونار، ا39مبارك بن حممد امليلي، تاريخ اجلزائر يف القدمي واحلديث، ص 1وعن حب ملبادئه اإلسالم عن رغبة أصيلة فيه اعتنقواواألصح أن الرببر إمنا ..." :25العريب تارخيه وثقافته، ص

".واألسباب اليت أوردها مؤرخنا اجلزائري الشيخ مبارك امليلي هي األسباب احلقيقة...وتعاليمه . 25رابح بونار، نفس املرجع السابق، ص 2 .25 ، صاملرجع نفسهرابح بونار، 3




182

:الخاتمةإن أسلمة بالد الرببر تنبع من خصوصية هذا اتمع الذي وجدناه أم جنس يعتز حبريته والدليل الصدمات العسكرية اليت قاموا ا لتصدي للغزو األجنيب مبختلف أنواعه األمر الذي جعلهم ال خيضعون ألي احتالل مهما كان نوعه على

االحتالل أقوى دولة يف تلك الفرتة مثل مدى قرون وقررن حىت وإن كان هذا اإلمرباطورية الرومانية وهو األمر نفسه الذي أدى إىل مقاومة الرببر للعرب الفاحتني

الذين حاولوا ) الرومان، الوندال، البيزنطيون(واعتبارهم مثلهم مثل الغزاة السابقني العرب والرببر احتالل بالدهم، غري أنه وبطول مدة الفتح وتعدد املواجهات بني

فيه من مبادئ سامية غري عنصرية اتعرف هؤالء على الدين اإلسالمي فقبلوه ملا رأو حتقق حريتهم ورقيهم االجتماعي وهذا ما يفسر الصدام يف بادئ األمر و األسلمة

اتية واجلدير بالذكر أن أسلمة جل الرببر كانت نابعة من عوامل داخلية ذ .يف األخريمازيغي وتعددت بذلك جماالا واليت ركزنا فيها علي ألب اتمع ااملستمدة من صل

عامل ديين أال وهو الفطرة اليت حباهم اهللا ا ومنه إذا كان أسلمة الرببر بفعل قوة ن يزول مفعول هذا أكان ال بد ،)السيف(ي باإلكراه عن طريق العنف مادية أ

اليقني قناع و نعلم حق املعرفة أن اإلن اإلكراه عند جمئ فرتة احلركة االستعمارية وحناقوي اثر وأعمق يف حني القوة املادية وحدها أثرها ال يلبث أن يزول وهنا نالحظ ان الرببر ما زالوا متمسكني باإلسالم متسكا مل يضعفه ال مرور الزمن وال اضطهاد

سة احلركة االستعمارية اليت حاولت بكل ما أوتيت من جهد أن تستعيد جمد الكنياالفريقية يف بالد الرببر وكم يوجد تارخييا أمثلة علي متسك الرببر بدينهم وثورة

ألكرب دليل علي ذلك، حيث 1930ماي 16الضهري الرببري يف املغرب األقصى ثار الرببر عندما أوجدت االستعمار الفرنسي قانون الظهري الرببري الذي ينص

وهنا خرج الرببر ."الرببرية حمل احملاكم الشرعية اإلسالمية األعرافأن حتل "مبوجبه



183

وبالتايل نستخلص أنه رغم أننا الحظنا أن الرببر . يف ثورة رافضني هذا القانونإال أن هذا ال يقارن بكل ما هو قدمي مع معتز بأعرافه وتقاليده ومتمسكجمت

.مةبتمسكهم باإلسالم واعتزازهم به حيث اعتنقوه عن قناعة تا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بني الرتمجة والتاويل جملة أبعادجملة أبعادجملة أبعادجملة أبعاد


184

بني الترمجة والتأويل

∗∗∗∗واضح عبد احلميد

املتتبع حلركة الرتمجة عرب تارخيها الطويل ال ميكنه إغفال أمهيتها داخل احلقل املعريف بصفة عامة، فقد مثلت الرتمجة منذ البدايات األوىل للفلسفة حمورا من احملاور اهلامة واألساسية يف الفكر الفلسفي، وكانت

ذلك االنتقال واالنفتاح حبيث كانت تضمن هلا تعد قضيتها املركزية، .الفكري يف شىت ااالت املعرفية

. مما جعل من عالقتهما خاصة الفلسفة املعاصرة عالقة أكثر اتصاال واستشكاال

املعطيات اليت تطرح اليوم يف ساحة الفلسفة، وأصبح املوقف من أيضا نظرا لتلك فلسفية كاللغة واملعىن، وحىت املؤلف الرتمجة موقفا فلسفيا كون الرتمجة تتصل مبسائل

ولعل أهم والقارئ معا وللعالقة اليت بينهما، مما جيعل منها موضوعا فلسفيا بامتياز،هل ميكن أن نعترب الرتمجة عملية : التساؤالت اليت ميكن أن نطرحها حول الرتمجة

تأويلية؟، وما هي أهم التداعيات اليت طرحت بشأا ؟طت الرتمجة بعدة حقول معرفية متنوعة، فكان هلا ذلك الدور البارز يف لقد ارتب

تقريب وتوضيح املشكالت املعرفية اليت طرحت عرب العصور، وكذا نقل اخلربات

.مستغامن –باحث دكتوراه بكلية العلوم االجتماعية، قسم الفلسفة، جامعة عبد احلميد بن باديس ∗




185

واملعارف املختلفة بني الشعوب يف تعددها وتنوع ألسنها ولغاا، كما أا مسألة وكل نص بطبيعته حيمل دالالت لغوية ترتبط بالنصوص ارتباطا مباشرا وعميقا،

لذلك جند الرتمجة «جب معرفتها وفهمها، أي ترمجتها ومعاين خمتلفة، وبالتايل و ناشطة يف كل الثقافات املندفعة يف إحياء لغتها وتوسيع أفاق فكرها، ومدى وجودها، فاآلخر املختلف هو اهلناك اهول والغامض واملخيف، والرتمجة هي بداية

.1»لسحره ووهجه بأن جتعله مقروءا ومفهوما ومفسرا تفكيك فالنص عندما يرتجم، كأنه يقوم بانتقال وحتول لغوي انطالقا من لغته إىل لغة

أخرى، وهنا يكون هذا النص قد افتتح حياة أو عاملا معرفيا جديدا رغم احتفاظه يتها، ومعايريها ونظام بكل سلطتها ومرجع«يف كثري من األحيان بلغته األصلية

ليست املسألة جمرد خلع النص اجلديد لثوب لغوي سابق وارتداء . إنتاجها وحتكمهاثوب لغوي آخر، بل هي عملية التحام وتشابك بل وصراع بني لغتني أو أكثر، تنتهي بتسوية لغوية بني ما عرب عنه يف اللغة األوىل، وما ميكن أن يـعرب عنه يف اللغة

نية، حبيث يصبح الشكل اجلديد للنص عبارة عن انصهار فضائني، فضاء لغة الثاالنص األوىل، وفضاء لغة الرتمجة الثانية بكل أمحال أو أثقال الفضائني الثقافية

.2»واالجتماعية، والسلطوية بل والدينية لفاظ فالرتمجة وفق هذا الطرح املعطى، تقدم نوعا من العالقة املعرفية بني األ

املختلفة، قصد توضيح املعىن وجعله أكثر متاسكا حول ما يذهب إليه، أو ما يعرب عنه داخل ذلك االختالف اللغوي، الذي يصبح اختالفا يسعى إىل حتقيق التالؤم بني لغة النص األصلية ولغته اليت ترجم إليها، حيث يصبح هذا النص حيمل شكال

، ص 2007، 1وجيه قانصو، منشورات االختالف، اجلزائر، ط :دايفيد جاسرب، مقدمة يف اهلرمينوطيقا، ترمجة 19. .8 املرجع نفسه، ص 2



186

فالعهد اجلديد يف اإلجنيل، كتب بلغة « .تلفة، رغم تلك السياقات املخمتكامال يونانية رغم أن املسيح كان ناطقا بالعربية أو اآلرامية، واملسيحيون يقرؤون اإلجنيل

.1»بكل لغات العامل، ويعتقدون أن املسيح أو اهللا خياطبهم بلغتهم همتناوله فبالرغم من هذا التعدد اللغوي إال أن النص ضل واحدا مع أن طريقة

وقصص " كليلة ودمنة"ورغم أن قصة " تعددت حسب تعدد تلك اللغات املختلفة،، هي ذات أصول هندية إال أن واسطتها إىل العامل كانت باللغة "ألف ليلة وليلة"

العربية، وكذا األمر بالنسبة إىل الرتاث اليوناين، كذلك فان كل احلكايات األسطورية مثال، كانت " اإللياذة" فال اخليالية إىل امللحمية كـالكربى، ابتداء من قصص األط

حاضرة بشكل عضوي داخل كل ثقافة، حبيث يعتقد غري امللتفت ألصوهلا األوىل فقد حيافظ النص على طابعه اخلاص .2أا حكاية رمزية لتجارب حملية خاصة به

النص واألجنيب داخل ثقافات أخرى دون أن حيس القارئ أو املستمع بغربة ذلك .بالرغم من ظهوره يف لغة أخرى

الذي اهتم بقضية الرتمجة يف بداية عمله الفلسفي، من " بول ريكور"وجند ، إضافة إىل اهتمامه بالرتمجات "أفكار ادموند هوسرل"مجته لكتاب خالل تر

املختلفة لإلجنيل، وكذا اتصاله بالفلسفات املعاصرة، مما عمق جتربته يف مسألة ي ذلك اللفظ الذي يؤخذ إما حيث يعتربها منوذجا للفهم والتأويل، فه الرتمجة

باملعىن احلصري لنقل رسالة شفوية من لغة معينة إىل لغة أخرى، وإما نأخذه « .3»دالة داخل نفس اجلماعة اللسانية باملعىن الواسع كمرادف لتأويل كل جمموعة

.7 املرجع نفسه، ص 1 .8 دايفيد جاسرب، مقدمة يف اهلرمينوطيقا، مرجع سابق، ص 2عز الدين اخلطايب، يف الرتمجة والفلسفة السياسية واألخالقية، منشورات عامل الرتبية، الدار البيضاء، املغرب، 3

.27 ، ص2004، 1ط




187

س الشيء بطريقة أو بصيغة أن عمل الرتمجة يقوم يف األساس على قول نف فهو يرىعملية الرتمجة هي مبثابة اكتشاف لآلخر، وهي بسط لثنايا أخرى، لذلك فان

أفكاره وتفسريها وتأويلها وإعادة صياغتها، فاملرتجم يقوم بنقل رسالة من لغة إىل أخرى، وال خيرج ذلك عن عملية الفهم اليت من خالهلا يقرتب من معاين النصوص

" هايدغر"ة الفهم هي مبثابة اخرتاق للنص، وهو ما انتبه إليه فعملي«املختلفة، بذكاء، حينما اعترب الفهم كاستيالء وكامتالك وبالتايل كعنف، ألن التمثل والتأويل

... صيغة هجومية موحدة وضرورية ، تشكل جمتمعة "هايدغر"بالنسبة إىل هي عبارة عن غزو خبصوص الرتمجة من لغة إىل أخرى، فان مثل هذه اإلسرتاتيجيةو

.1»واستهالك إىل حد اإلاكعن طريق النصوص املختلفة لتجعل منها فالرتمجة ممارسة فلسفية وتفاعلية

عمال فكريا حول هذه النصوص وبالتايل تنصهر داخلها، فيحدث ذلك االزدواج بينها، إذ ال والتكامل بينهما فتعمل اللغة دور الوسيط يف ربط عالقاا املتصلة فيما

ميكن أن تستمر خارج هذه النصوص السيما الفلسفية منها حبكم حبثها يف خمتلف مسائل املعرفة، فالعالقة بينهما ليست فضولية وإمنا حاجة دافعة والزمة يف نفس

.الوقتهي اليت تنفخ احلياة «ن الرتمجة إاء احلياة للنصوص، فوإذا اعترب التأويل هو م

وص وتنقلها من ثقافة إىل أخرى، والنص ال حييا إال ألنه قابل للرتمجة، يف هذه النصئية، فانه وغري قابل يف الوقت ذاته، فإذا كان يف اإلمكان ترمجة نص ما ترمجة ا

.2»ميوت، ميوت كنص وكتابة

، ص2010، 4مجة، بريوت،ع عز الدين اخلطايب، الرتمجة والتأويل، جملة العربية والرتمجة، املنظمة العربية للرت 1105.

.27 ، ص1محد إبراهيم، سر الرتمجة وهاجس التأويل، يف التأويل والرتمجة، منشورات االختالف، اجلزائر، طأ 2



188

األجنيب أو «: من قطبني أساسيني" بول ريكور"عند تتألف عملية الرتمجة أما املرتجم فهو الواسطة بينهما، إذ هو الناقل لرسالة األجنيب إىل الغريب والقارئ،

لغة القارئ، وهو يقوم بذلك تعرتضه مشاكل الرتمجة سواء من جهة اللغة الغريبة أو من جهة اللغة اليت سيرتجم فيها رسالة اللغة الغريبة، هذا فضال عن مدى إخالصه

وهو يتساءل هنا يف ظل هذه املعطيات حول .1»هو أو خيانته ملدى صدق الرتمجةفكرة رئيسية هي هل الرتمجة ممكنة أم مستحيلة؟ وهل نرتجم املعىن أم الكلمات؟

بأن األعمال العظيمة قد «: وكتجاوز هلذه التساؤالت العقيمة يذهب إىل القول" دحت"عددة، وهلذا يرى أن الرتمجة هي شكلت على مر العصور موضوع ترمجات مت

.2»إنه يتخذ من املعىن وسلطة الرتمجة رهانا" بريمان"األخري الذي يقول عنه هذا أي أن موضوع الرتمجة بأمهيته، وتعدده هو الذي جيعل منها ترمجة حاضرة

دائما، وحتاول الوقوف كسلطة معرفية مع كل نص يتضمن موضوعا يدعو إىل ذا األخري يشري إىل االختالف يف ومبا أن الرتمجة مرادفة للتأويل، وه. االلتفات

الفهم، ألن هناك أراء متعددة ومعان خمتلفة، فهي تدل على فهم وتأويل معني عن فكرة " بول ريكور"لرسالة حتملها لغة ما قصد نقلها إىل لغة أخرى، فقد دافع

.3»ومن هنا يغدو كل مرتجم مؤوال«ن الفهم إىل التفسري فالتأويل، التدرج مأي أن النص يصبح ملكا للمرتجم فهو الذي حيرره ويدفعه للعيش دوما،

وبالتايل يصبح املرتجم ندا للمؤلف، فهذا األخري ينتج النص للمرة األوىل أما املرتجم فيعيد إنتاجه عدة مرات، فتمنح له احلياة كلما تتم إعادة ترمجته من جديد، ويف

، ص 2012، 1لزهر عقييب، جدلية الفهم والتفسري يف فلسفة بول ريكور، منشورات االختالف، اجلزائر، ط 1

243. .11 ص، 2008، 1طحسني مخري، منشورات االختالف، اجلزائر، :بول ريكور، عن الرتمجة، ترمجة 2 .12املصدر نفسه، ص 3




189

عملية القراءة، فيصبح املرتجم أفضل ذلك تفعيل هلذه اللغة وتطويرها من خالل قارئ للنص باعتباره مصححا وحمققا له، بل يصبح كاتبا جديدا هلذا النص، فالقراءة فعالية تأويلية تنتج النصوص، وهذه األخرية هي اليت تسمح بتعدد القراءات

يل مثلما تتعدد الكتابات، وقد تكون الرتمجة يف اللغة الواحدة فتأخذ مفهوم التحو transformation كما أن اشتغال الرتمجة «". جاك دريدا"كما يذهب إىل ذلك

كتحويل يقود إىل نوع من التحول الداليل يف مسات النص وآثاره ووقعه، ويتم ترهني هذا التحول من خالل عمليات الصوغ السياقي للنص يف وضعيات جديدة خمتلفة

.1»زمنيا وثقافيا االنتباه إىل قضية أخرى أال وهي عالقة الذات قد شد " ريكوربول "إال أن

وهي إشكالية حقيقية تطرح على املرتجم الذي جيد «باملوضوع، واألنا باآلخر، نفسه أمام خيارين ال ثالث هلما، إما أن يقرب املؤلف من القارئ، هنا يقوم بعملية

ملؤلف، فيعمد إىل إحلاق ودمج للعمل فيلغي خصوصيته، أو يقرب القارئ من ا .2»حبدة ويف أكثر من موضع من حبثه" شاليرماخر"تغريبه، وهي الفكرة اليت أثارها

فعملية الرتمجة تستدعي من املرتجم أثناء عمله أن يقف على أطراف هذه العملية املعرفية، بداية من املؤلف الذي حرر النص، إىل القارئ املتقبل هلذا النص، كما أن

ميكن أن ختتلف عن ثقافة الثاين، ومن مث وجب عليه احرتام تلك ثقافة األول . املسافة الثقافية بينهما

إن تعدد اللغات واختالفها بني البشر يعد شيئا معروفا، فكل البشر يتكلمون بلغتهم اخلاصة اليت اعتادوا عليها، لكن ذلك ال يعين أم غري قادرين على تعلم

، ص 2011، 1من النصية إىل التفكيكية، منشورات االختالف، اجلزائر، ط: حممد بوعزة، إسرتاتيجية التأويل 1

52. .12بول ريكور، عن الرتمجة، مصدر سابق، ص 2



190

لغتهم األم، إال أن ذلك طرح شيئا من اجلدل الذي شكل لغات أخرى إضافة إىلتنوع اللغات الذي «داخل بديل جيب التخلص منه، وهو نوعا من االنغالق للرتمجة

يعرب عن تنافر جذري، ومنه تكون الرتمجة مستحيلة نظريا، ألن اللغات قابلة للرتمجة ا ستفسر بذخرية مشرتكة فيما بينها قبليا، أو أن الرتمجة إذا أخذت كحدث فإ

جتعل الرتمجة ممكنة، لكن هنا جيب إما العثور على هذه الذخرية املشرتكة، وهو أو إعادة بنائها منطقيا وهو الطريق ). األوىل( الطريق املؤدي إىل اللغة األصلية

وسواء أكانت أصلية أو كونية، فان هذه اللغة املطلقة ..املؤدي إىل اللغة الكونية .1»، واللفظية والرتكيبية والبالغيةرها من خالل مرصوفاا الصوتيةجيب إظها

إال أنه و بالنظر إىل األمر الواقع فإننا جند أن الرتمجة موجودة، ووجودها دليل فإنه توجد هناك بنيات خفية إما ألا «كنة فمع االعرتاف بتنوع اللغات على أا مم

جيب إجيادها، وإما وجود شفرات ما قبلية يف حتمل اثر لغة أصلية مفقودة واليت .2»ة، أو متعالية ميكن إعادة بنائهاشكل بنيات كلي

فالرتمجة عن طريق هذا التواصل اللغوي والثقايف بني خمتلف الشعوب واألجناس، تكون قد حققت نوعا من االجناز والتكامل املعريف، وتبادل ما كان

بكل مستوياا ص األول يف بيئة نصية أخرى جديدةسائدا يف اللغة األوىل والنوسياقاا، ففي ذلك جتديد ملا هو قدمي وفتح اجلديد على ما هو قادم، مما يسمح للغة بأن تتكلم عرب الذات اإلنسانية، فهي تتعدد لتكون موطن هذا الوجود

".هيدغر"ولكينونته كما يقول قد اهتم مبسألة الرتمجة " ورج غادامريهانس ج"جند أيضا الفيلسوف األملاين

وأعلى من شأا، وقد ال خيرج ذلك عن اهتمامه مبسألة التأويل، ومبا أن هذا األخري

.34 املصدر نفسه، ص 1 .36 بول ريكور، عن الرتمجة، مصدر سابق، ص 2




191

يعمد إىل الوقوف على خمتلف النصوص وكشف أغوارها، والتعمق يف معانيها املتعددة، فهو يظهر يف الكثري من األحيان عن لغة أخرى، غري لغة ذلك النص

، انطالقا من املعىن املوجود يف هذا النص، وهنا البد من حضور الرتمجة األول .1»طريقة المتالك كل ما هو أجنيب«كتأويل هلذا النص، حبيث يرى فيها

أي يصبح كل ما هو متعلق به قابل للفهم، وهذا األخري يقرتن بالرتمجة، إذ ال األشكال ترمجة للموضوع أو تتم الرتمجة بدون فهم، كما أن الفهم هو بشكل من

هذه العالقة الوطيدة بني الرتمجة " هانس جورج غادامري"أفكار الكاتب، ويوضح وب أحدمها والتأويل، وقد قرب بينهما حىت جعل منهما مفهومني مرتادفني، أو ين

معىن التأويل والفهم، هو أنين أفهم وأعرب داللة النص «: عن األخر، حيث يقولبريايت اخلاصة، هلذا تعترب الرتمجة إحدى النماذج والقواعد اهلامة يف حسب أقوايل وتع

التأويل ألن الرتمجة ترغمنا ليس فقط على إجياد اللفظ املناسب وإمنا أيضا إعادة .2»للنص داخل أفق لغوي جديد متاما بناء وتشكيل املعىن احلقيقي

لغة املصدر إىل لغة فهي حتمل ما تنقله النصوص من لغتها األصلية، أي ين ولدالالته تكون هدفها ومرادها، وال شك أن يف ذلك تطويرا لثقافة النص الثا

فكلما كانت النتيجة احملصلة من النص املصدر كلما عمت «وأبعاده املختلفة الفائدة، وكلما كان هذا احلصول ناجزا وتاما كلما أدت الرتمجة أمسى ما عندها من

ليست عمل سطحي يكتفي بنقل معىن لغوي من لغة إىل فهي 3»خصائص وظيفية

حسن ناظم، علي حاكم صاحل، دار اويا للطباعة والنشر، :رمجةغادمري هانس جورج، احلقيقة واملنهج، ت 1

.14، ص 2007، 1طرابلس، طحممد شوقي الزين، املركز الثقايف : غادمري هانس جورج، فلسفة التأويل، األصول، املبادئ، األهداف، ترمجة 2

.131 ص. 2006، 2العريب، الدار العربية للعلوم، ط، 2009، 1يامسني فيدوح، إشكالية الرتمجة يف األدب املقارن، دار صفحات للدراسات والنشر، دمشق، ط 3

.158ص



192

أخرى، بل إن وظيفتها أمسى من ذلك فهي تعمل على اكتساب ثقافة النص وتطويرها بشكل جديد وفق اللغة املناسبة لذلك، والتطلع إىل حتقيق ترمجة حقيقية،

أمر فالرتمجة احلقيقية تستلزم دوما الفهم الذي نسعى إىل تفسريه وتوضيحه، وهو «مل يناقش بإسهاب، إن الرتمجة تستحيل دون فهم دقيق وصحيح مثل الفهم الذي نستعني به يف إدراك خطاب يف لغتنا األم وعليه، نظام األشياء هو على النقيض من ذلك، عندما نفهم النص ميكننا عندئذ مباشرة الرتمجة، ألنه ال ميكننا الشروع يف

فهي ال ختتلف عن .1»ا يدور موضوع النصمسبقا حول ماذ الرتمجة دون أن نفهمالعمل التأويلي كون املرتجم يقوم بتفحص النص من خالل اجلمل والكلمات يف

فالرتمجة جيب أن تكون « فعمله هذا ال خيرج عن التفسري، معانيها ودالالا،كل ترمجة : "هانس غادامري" يلية كما يطرحها تفسريا، وهذا هو غاية أهداف التأو

وضعه حبقيقة ذاا تفسري، وبالفعل نستطيع أن نقول أا تتويج للتفسري الذي .2»املرتجم للعمل الذي يواجهه

احنصرت مهميت يف إحياء رجل «": Ezra Poundايزرا بوند " يقول ميت، أي يف تقدمي شخصية حية، وذلك من خالل تشبيهه إعادة إنسان ميت مرة أخرى إىل احلياة، ويف هذا تركيز على النص اهلدف الذي يتجدد بقراءة من لغة

.3»ميت يف لغة النص املصدر –مثال –أخرى لنص شاعر كل جهد فكري نقوم به، وهي إن الرتمجة تسكن كل خطاباتنا وتصاحب «

، ومن بعده "شاليرماخر"إذا تأمالها بطريقة جدية ميكن أن نقول مثلما قال نتيجة الفاضلة لصريورته أا الشكل األمثل للفهم وال" هانس جورج غادامري"

.131هانس جورج، فلسفة التأويل، مصدر سابق، ص غادمري 1 .100 يامسني فيدوح، إشكالية الرتمجة يف األدب املقارن، مرجع سابق، ص 2 .157، صاملرجع نفسه 3




193

وهذا ما يفسر تلك العالقة املوجودة بني الفهم والرتمجة من خالل ما .1»وعملياتهة من سهولة يف الفهم، ومن مث على املرتجم أن يعرف كيف تقدمه هذه األخري

يستخدم تلك اللغة اليت من خالهلا تتم عملية الفهم، وفق ما هو مرتجم، هذه عن اللغة " مهمة املرتجم"، الذي كتب "يامنيفالرت بن "املهمة اليت حتدث عنها

ق خالص لفعل املثالية واللغة الصافية، اليت هي من تعبريات الكاتب وتبدو كأف .الرتمجةحتكي كيف كان للناس لغة واحدة يف األصل، مث تدخل " بابل"فأسطورة «

اهللا الذي جعل الناس شعوبا وقبائل خمتلفني يف لغام وأساليب حيام، وكلمة بابل هي يف احلقيقة من البلبلة، أي التفرق والتشتت، مبا فيه اللغوي، لكن هل هو

، 2»قافته وكتبه؟طريقه وينزوي داخل ثتشتت مطلق حبيث يذهب كل يف فاالختالف شيء موجود منذ القدم حيث تعددت األلسن بني خمتلف الشعوب،

والتنوع يف فهم تلك الثقافات، فكانت الرتمجة هي من جيمع هذا االختالفيف هذا التفسري النظري جتاهل لواقع الرتمجة اليت تشهد " بول ريكور" حيث يرى«

القدم، بصرف النظر عن دعوى تطورات ملحوظة، وهي ظاهرة موجودة منذ .3»عدد اللغوي يطرح مسؤولية املرتجمإمكانيتها أو عدم إمكانيتها، ذلك أن الت

هي أن يسمح للنص بأن «": فالرت بن يامني "ن مهمة املرتجم كما يعتقدإ يبقى ويدوم، ويف هذا البقاء الذي ال يستحق هذا االسم إن مل يكن حتوال وجتددا،

فتسهم الرتمجة يف رفع حواجز .4»النص األصلي أي انه ينمو ويتكاثريتحول

.41، ص )ط.د(حسني مخري، جوهر الرتمجة، دار الغرب للنشر والتوزيع، اجلزائر، 1 .246 يكور، مرجع سابق، صلزهر عقييب، جدلية الفهم والتفسري يف فلسفة بول ر 2 .246، ص املرجع نفسه 3

.44، ص2011، 1عبد السالم بن عبد العايل، الفلسفة أداة للحوار، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط - 4



194

االختالف اللغوي، حبيث تكون الفضاء الذي تتنوع فيه اللغات، ومن مث تتيح الفرصة لكل لغة مرتمجة ببسط حمموالا املتعددة، وبالتايل تتاح فرصة التأويل

ة، حيث تصبح اللغة ملختلف القضايا واملوضوعات اليت تطرح يف جماالت خمتلفالعامل املهم يف تكريس جهود الرتمجة اليت متنح االستمرارية هلذه النصوص يف

.االنبعاث من جديدليست الرتمجة إذن انتقاال من حمتوى داليل قار حنو شكل من التعبري «

خمالف، وإمنا هي منو وختصيب للمعىن بفعل لغة تكشف بفضل عملية التخالف إمكانيات جديدة، فبعيدا أن تكون الرتمجة مفعول غياب فهم الباطنية عن

manque ا إبداع يأخذ نقطة انطالقه يفما يسعى املرتجم إىل ملء فراغه، فإ .1»تعرفه اللغات من تعدد واختالف

حتمل اللغة الكثري من املعاين والدالالت، وهذا ما جيعلها تتفاعل مع خمتلف واملخفية للنصوص، قصد حتقيق اإلبداع املعريف والفين الذي السياقات الظاهرة

تتماشى وحتيا من خالله عن طريق الرتمجة اليت تكون مبثابة املنتج املؤول هلذه فالرتمجة إذا كانت مثرة من مثرات اإلبداع فإا ال تنفصل عن التأويل، . النصوص

جم للنص األصلي، وتبلغ ألا تنتج خطابا جديدا أي خطابا نامجا عن قراءة املرت هذه القراءة منتهاها عندما تتحول إىل تأويل، أي إىل نص أو قول، أو خطاب ميتلك مقوماته اخلاصة متاما، وهذا يعين أن بوسع أي قارئ أن ينتج نصا جديدا

.2ابتداء منهرض إن املرتجم قد جيد نفسه أمام لغات متعددة ومتباينة، األمر الذي يف وهي ممارسة ال خترج عن إطار جدل األمانة واخليانة، «ارسة عملية الرتمجة، عليه مم

.46 ، صاملرجع نفسه 1 .99يامسني فيدوح، إشكالية الرتمجة يف األدب املقارن، مرجع سابق، ص 2




195

فاألمانة تشد املرتجم إىل اإلخالص واملوضوعية وتوخي احليطة واحلذر، بينما اخليانة ترمجة شعور يراود املرتجم دائما، ألنه يدرك انه مهما بذل من جهد، لن يصل إىل

فاملعىن يتعدد بتعدد الكلمات واختالفها يف كل .1»طبق األصل، أو ترمجة كاملةلغة من اللغات، مما جيعل من الداللة اللغوية هلا أوجه خمتلفة ويف سياقات متباينة لكل نص من النصوص، وهذا ما يفسر سوى حدوث ترمجة نسبية دف إىل

أو إا على حد تعبري القول الفرنسي املأثور. حتقيق تناسب مع النص األصلي .2»يف خيانتها للنص األصلياخلائنات اجلميالت «

إذا كان التأويل عبارة عن كشف ملا هو خفي من معان خمتلفة ودالالت متنوعة، فإن الرتمجة هي أيضا كشف وتوضيح ملا هو قابع يف لغة األخر، وغري املكتمل واملفسر بلغة أخرى، حيث يسعى كل مرتجم أن حيقق هذا اهلدف باللغة اليت مل تتم الرتمجة إليها بعد، أو حىت يف اللغة الواحدة لكن بشكل آخر أكثر فهما

اليت ترتجم فيها املعاين " القواميس"ويشري الكثري يف ذلك إىل مثال وتفسريا،والكلمات داخل اللغة الواحدة، باعتبارها ترمجة داخلية يف النص الواحد، مما جيعل

أن جوهرمها أي الرتمجة والتأويل هو " هيدغر"ل منها عمال تأويليا أو كما يقو .الشيء نفسه

قد تكون الرتمجة من األمور املستحيلة، وقد تكون تظليال وخداعا، تزويرا « واخرتاعا، أكذوبة بيضاء، إال أن من يشارك يف حركة األسلوب وينقلها من لغة إىل

ر رهافة ادا بنفسه، لكن أكثأخرى، يصبح أذكى ليتحول إىل قارئ أفضل، أقل اعتدفالرتمجة ال تعكس عالقة بني لغتني خمتلفتني .3»يف أحاسيسه، وأكثر سعادة

.246لزهر عقييب، جدلية الفهم والتفسري يف فلسفة بول ريكور، مرجع سابق، ص 1 .99يامسني فيدوح، إشكالية الرتمجة يف األدب املقارن، مرجع سابق، ص 2 .18 غادمري هانس جورج، احلقيقة واملنهج، مصدر سابق، ص 3



196

فحسب، فهي توسع مدى اللغة املرتجم إليها وتزيد من كثافة وتعقيد قاموسها ومعجمها اللغوي، وتولد داخل اللغة صورا ومعاين غري مسبوقة، وبالتايل ختلق منط

الوجود والعامل، وحتث على حنت مفردات جديدة ومصطلحات تعبري جديد عن .حديثة تواكب وتستوعب ما حيصل يف العامل

فالرتمجة تقف إىل جانب التأويل يف كيفية التعامل مع النصوص، حماولة يف ذلك أن جتعل من العمل مستمرا يف الكشف واإلنتاج، وحتقيق التواصل املعريف

ملختلفة على تعدد لغاا وسياقاا، مما يطرح نوعا من والفكري بني الثقافات ااملماثلة التأويلية، حبيث يتم فهم املعىن وإدراكه من خالل هذه النصوص ومن لغة إىل أخرى، مث أا تسمح مبحاورة النص عرب الذات اليت حتاول إدراك هذا العامل يف

لته التأويلية، أي كمؤول لرسالة نه الدور الذي يقدمه املرتجم يف حماو ألغاته املتعددة، النص بغية الوصول إىل اهلدف، كما يتضح يف اهلرمينوطيقا الغربية يف صورة رسول اآلهلة الذي ينقل تلك الرسالة من اآلهلة إىل الشعوب، أي من األصل إىل اهلدف

.وبلغة احلقيقة اخلالصةص من سياقات اللغة إال أن عمل الرتمجة عندما يكون عبارة عن حتول النصو

األصلية إىل لغة أخرى، فان هذا ما ترفضه امليتافيزيقا الغربية اعتقادا منها بان النص " املقدسة " األصلي عندما يتعرض هلذه الرؤيا اللغوية عندها يفقد مكانته األصلية

أي يصبح مهددا بصور وأشكال نصية أخرى، غري تلك الصورة املنفردة اليت كان كأن الرتمجة هنا ال تستطيع أن حتقق ما حققه النص األصل، فلغة النص حيملها، و

ن اهلدف أو املرتجم ال تضاهي لغة النص األول وال تكشف عن حقيقة أخرى ألمجة يأيت من الرتمجة عن وأكثر النقص يف الرت «احلقيقة واحدة وغري متعددة،

.1»الرتمجة

.256 حسني مخري، جوهر الرتمجة، مرجع سابق، ص 1




197

اين مؤقتة يف ظل غياب ترمجة ائية وبالتايل قد تكون احلقيقة يف النص الث ومتمكنة، تسمح بتفكيك لغة األصل تفكيكا تاما قصد الوصول إىل املعىن املقصود من طرف املؤلف، فاملرتجم قد ال يقدم نصا مكتمال ألن اللغة تضل دوما لغة

عرب أخرى، إال أن األصل ال بد له من أن يظهر، فهو يف حاجة إىل الرتمجة، أي يفكما لو أن النص يشيخ يف لغته فيشتاق إىل أن يرحل « غبته يف البقاء واحلياة،عن ر

ويهاجر ويكتب من جديد، ويتلبس لغة أخرى، وكما لو أن كل لغة تصاب يف بفضل . عزلتها بنوع من الضمور، وتضل ضعيفة مشلولة احلركة، متوقفة عن النمو

ل اللغوي الذي تزود عن ، اعين بفضل هذا التكام"جاك دريدا"الرتمجة، يكتب طريقه لغة األخرى مبا يعوزها، وهي تزودها به بكيفية متناسقة، فإن من شأن هذا

غات أن يضمن منو اللغات ن هذا التالقي بني اللأمن ش (croisement)االلتقاء .1»وتزايدهامع كل هذا تضل الرتمجة عملية تأويلية تسعى إىل فهم آخر وجديد للمعىن

األصلي يف نص ثاين وفق لغة ثانية، فباإلضافة إىل إعادة إنتاج النص تقوم ببعثه من فبالرغم مما تطرحه الرتمجة على املستوى التقين « .جديد بفهم آخر وفق لغة أخرى

يتقدم " بول ريكور"من عذاب للمرتجم، ومن صعوبات ال ميكن إغفاهلا، إال أن راحها من قيود اجلانب التقين ليضعها ضمن بالرتمجة أشواطا إىل األمام ويطلق س

ألة تأويلية إطار التأويل، إذ الرتمجة يف رأيه مهما كانت تقنية فهي يف جوهرها مس .2»بامتيازتلك األطروحات النظرية حول الرتمجة، وربطها مبا هو " بول ريكور"لقد جتاوز

عملي ألا موجودة يف هذا الواقع الذي جيعل منها حاجة إنسانية، ختدم كل الناس

.51 عبد العايل، الفلسفة أداة للحوار، مرجع سابق، صعبد السالم بن 1 .200 ، ص2014، 1بول ريكور والفلسفة، نايب بوعلي، منشورات االختالف، اجلزائر، ط 2



198

يف اتصاهلم وتواصلهم، وتفامههم، وتقوي دعائم احلوار ونشر الثقافات، بل تسعى أين متعة «يف مفهوم الضيافة اللغوية، " رو بول ريك" إىل ما هو أخالقي، كما يرمسه

السكن يف لغة األخر متعادلة مبتعة الظفر عنده، يف بيته اخلاص لالستقبال، بكالم .1»األجنيبفإذا كانت الرتمجة عملية تأويلية تستهدف النصوص يف أجزائها لتصل إىل

هو أمسى يف الكل، وبشكل من التماسك واالنسجام، فإا تتجاوز ذلك إىل ما .عالقة األنا باآلخر، وبلغته ووجوده

قائمة المصادر والمراجع

قائمة المصادر: أوال .2008، 1حسني مخري، منشورات االختالف، اجلزائر، ط :بول ريكور، عن الرتمجة، ترمحة .1 .2007، 1وجيه قانصو، منشورات االختالف، اجلزائر، ط :دايفيد جاسرب، مقدمة يف اهلرمينوطيقا، ترمجة .2حممد شوقي الزين، املركز الثقايف :غادمري هانس جورج، فلسفة التأويل، األصول، املبادئ، األهداف، ترمجة .3

.2006، 2العريب، الدار العربية للعلوم، طار اويا للطباعة والنشر، حسن ناظم، علي حاكم صاحل، د :غادمري هانس جورج، احلقيقة واملنهج، ترمجة .4

.2007، 1طرابلس، ط

قائمة المراجع: ثانياعز الدين اخلطايب، يف الرتمجة والفلسفة السياسية واألخالقية، منشورات عامل الرتبية، الدار البيضاء، املغرب، .1 .2004، 1ط .1اجلزائر، طامحد إبراهيم، سر الرتمجة وهاجس التأويل، يف التأويل والرتمجة، منشورات االختالف، .2 .2012، 1لزهر عقييب، جدلية الفهم والتفسري يف فلسفة بول ريكور، منشورات االختالف، اجلزائر، ط .3 .2011، 1من النصية إىل التفكيكية، منشورات االختالف، اجلزائر، ط: حممد بوعزة، إسرتاتيجية التأويل .4 .2009، 1لدراسات والنشر، دمشق، طيامسني فيدوح، إشكالية الرتمجة يف األدب املقارن، دار صفحات ل .5

.244 لزهر عقييب، جدلية الفهم والتفسري، مرجع سابق، ص 1




199

).ط.د(حسني مخري، جوهر الرتمجة، دار الغرب للنشر والتوزيع، اجلزائر، .6 .2011، 1عبد السالم بن عبد العايل، الفلسفة أداة للحوار، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط .7 .2014، 1، منشورات االختالف، اجلزائر، طنايب بوعلي، بول ريكور والفلسفة .8

:المجالت .2010، 4عز الدين اخلطايب، الرتمجة والتأويل، جملة العربية والرتمجة، املنظمة العربية للرتمجة، بريوت،ع -

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ املراة واجلنس يف اخلطاب الصويف جملة أبعادجملة أبعادجملة أبعادجملة أبعاد


200

ده مبثل هذا النوع من الرغبات، قد ارتبط وجو اإلنسان منذ ظهوره األول و

واء، و اليت حاألوىل اليت اعرتت كل من آدم و ذلك من خالل الشهوة اجلنسية و وهذا ما جعل من الذات اإلنسانية ذات جنسية ،من بعدمهاورثها اجلنس البشري

.طالبة مبدرسة الدكتوراه، قسم الفلسفة، جامعة وهران ∗

استعرنا هذا املصطلح إجرائيا من اإليتيمولوجيا اليونانية، لكي نعرب به عن ما يسمى يف الدراسات : اإليروس ∗∗احلديثة بـ اجلنسانية، والذي تطور مع أحباث مدرسة التحليل النفسي اليت ركزت على تفسري احلياة النفسية بردها

ب اإلشباع، وما يرتتب عن ذلك من انعكاسات على إىل ما يصدر عن طاقة الليبيدو اجلنسية من غرائز تتطلوإن كان النزوع اإليروسي حديث من الناحية اإلصطالحية، إال انه قدمي من حيث الظهور . الشخصية اإلنسانية

.على أساس طبيعته الفطرية يف اإلنسان

اجلنس يف اخلطاب الصويفاملرأة و

∗∗∗∗هدي عينونة

اجلسم ( حتكم اإلنسان ثنائيات عدة، سواء على املستوى الوجودي ، أو املستوى األخالقي )والقلب العقل( ، أو املستوى املعريف )الروحو منشطرا أو بتعبري أدق كائنا متعدد ، وهذا ما جيعله كيانا )الشراخلري و (

خل، ا...األبعاد، ومن بينها أنه ذات هلا جسد يتأمل حيس يشتهي يتلذذ تطلب ليت تستغرق كل الكيان اإلنساين و الح عليه بالرغبة، طوهو ما يص

.∗∗∗∗∗∗∗∗ )اإليروس(ضاء خاصة إذا كانت رغبة جنسية ر ا اإلدوم




201

.1بامتيازأن إال احليوي للجنس عند اإلنسان، وبالرغم من هذا الطابع الفطري و

أن ألفاظه حىت فتنا العربية بنوع من االحتشام والتحرج،مفهومه ارتبط دائما يف ثقاال نستطيع أن ،ثقافتنا العامية مثال ومعانيه أخذت شكل الكناية وااز، ففي

،املدرسة ،يف العمل ،نتكلم عن موضوع اجلنس يف أحاديثنا اليومية، داخل األسرةشخص، وال أي مكان، وال أي زمان صاحل ملثل هذه فليس أي .اخل...الشارع

ذلك الرتباط اجلنس يف وجدان اجلماهري العامة مبا ينايف األدب أو األحاديث، و .اخللق السوي

ويف ضوع اجلنس يف جمتمعاتنا العربية،ويف مقابل هذا احلظر اخلطايب ملو العاملة، مؤكدا ثقافتها د أن ذلك احلظر سرعان ما يتالشى يفثقافتها العامية، جن

بذلك على احلظوة اخلطابية اليت متتع ا موضوع اجلنس، بوصفه موضوعا اكتسى نثرا، كما كانت شعرا أو ختيليا يف النصوص األدبية، سواءيف بعض األحيان منزعا

خرى ذات صبغة روحية ودينية، يف بعض النصوص الفقهية أوجد متظهرات اإلسالمية، بوصفه أن اجلنس سجل حضوره يف الثقافة أي .والتشريعية والصوفية

إنسانيا، إذ ال يزال بيا، ال بوصفه موضوعا اجتماعيا و أدموضوعا لغويا وشرعيا و علم و مبحث من مباحث التحليل النفسي، والفلسفة، واألنثروبولوجيا،اجلنس ك .قل احلاالت يعيش حلظة التكوين فقطأأو هو يف ،االجتماع

حرج من فسنجد أن هذا األخري مل يت إىل النص الديين، ا ما انتقلناأما إذ لو حديث قرآين عن على العكس من ذلك متاما، فال خي ذكر املسألة اجلنسية، بل

فاعل فيه، األنبياء إال ويرتبط باحلدث اجلنسي، واملرأة باعتبارها عنصر أساسي

1 Merleau Ponty, phénoménologie de la perception, librairie Gallimard, Paris, p. 180.



202

م سورة النساء، بل إن باس حىت أن القرآن خص سورة كاملة من سوره الطوال،مع عوامل ، كلها كانت عالقاتSسري األنبياء من آدم عليه السالم إىل حممد

نسائية، بدءا من آدم وحواء، إىل إبراهيم وهاجر وسارة، إىل لوط وزوجته، إىل .وزوجاته Sمه مرمي العذراء، إىل حممد أوامرأة العزيز، وصوال إىل عيسى و يوسف

حيمل يف طياته حيث أن ذلك احلدث اجلنسي الذي يعرضه النص القرآين، د مجيع البشر، حىت صورة تعرتف باجلنس كدافع فطري عن صورتني متجاورتني،

حيب ترغب فيه النساء يتزوج بالنسبة للنيب الذي هو كغريه من البشر، يرغب و ة القياألخ حدودا دينية، وذلك برسم معايريهصورة تضع له و .ويشتهي

.اليت تتأطر داخل مؤسسة الزواجواالجتماعية و كما أن حضور اجلنس يف اخلطاب الديين اإلسالمي، مل يقتصر على كونه

جمرد فعل دنياوي، بل إنه يستمر يف احلياة اآلخرة كثواب، أي أنه ينتقل من هنا تصف اجلنة األحاديث النبوية اليتهذا ما تبينه اآليات القرآنية، و إىل هنالك، و

ما يشتهيه حيث اإلشباع ونساءها احلور العني، كمكان يتحقق فيه لكل امرئ املطلق للرغبة، ليتجسد احلدث اجلنسي كأعظم اللذات، اليت يعدها الكامل و

اهللا كثواب لعباده الصاحلني لدرجة يصبح الواحد منهم، موضوعا لذلك احلب .1الفردوسي حىت أثناء وجوده على األرض

اجلنسي يف يدل على االمتزاج بني القدسي و ن دل على شيء، فإمناإوهذا الثقافة اإلسالمية، مما يعين أن حياة املسلم تتضمن يف جوهرها، حوارا مسترتا مع

إذا اشتقن أن نتظر وصول املؤمن بفارغ الصرب، و هن احلور العني، تالرتاث اإلسالمي أن نساء اجلنة و لقد روي يف 1

دخلن منازلكن، فيقلن ال ندخل حىت نرى أفيقول هلن رضوان ،يرين سادن يف الدنيا، خيرجن من أبواب القصورللتفصيل حول شهوة أهل و . فتنظر كل حواء إىل سيدها وهو ال يعلمنان، على اجلأسادتنا فيخرجهن رضوان إىل

دار بن كثري، ، يوسف علي بدوي: ح ووصف اجلنة، تححادي األرواح إىل بالد األفرا ابن القيم، : انظر .احلنة .2000 ،4ط ،دمشق




203

غية أن تصري األنثى يف اجلانب اآلخر، بجانب، وحوارا ثانيا بني الذكر و اهللا يفاعتبار أن احليوية علىتمع، يف انس احلياة حماولة دؤوبة لدمج الدين واجل

هذين املعطيني، املعطى الديين واملعطى األصيل يف االجتماعية جتد تعبريها العميق و رب خري مع ولعل ، 1الذي اصطلح عليه بعض العلماء تسمية ثقافة املشاعراجلنسي و

اجلنسي يف الثقافة اإلسالمية، سيكون بدون منازع عن هذا االمتزاج بني القدسي و قد استطاع احتواء اخلطاب اجلنسي، التيار الصويف، فهو بروحانيته املضاعفة

فريدا من البيداغوجيا الشاعرية، مقدما بذلك منوذجابطريقة ال ختلو من اجلمالية و املنهجية اليت ما هي االسرتاتيجية اإلبستيمية و ف. الروحية يف ذات الوقتاجلنسية و

دنياويتها الصرفة ؟فية يف معاجلة املسألة اإليروسية حبسيتها و اعتمدا التجربة الصو لإلجابة عن هذه اإلشكالية ارتأينا كإجراء منهجي، أن حنصر موضوع

البحث، حيث مل نشأ تناول موضوع اجلنسانية يف التجربة الصوفية بشكل عام، الشيخ األكرب حمي وذج حمدد، فوقع خيارنا على تصوفوإمنا فضلنا العمل داخل من

لشروطها وذلك ألن املسألة اإليروسية عنده، قد بدت مستوفية ،∗∗∗∗الدين بن عريبتربيرها، جهازا نظريا اإلقناعية، حيث كون ابن عريب من أجل التعبريية والتبليغية و

ك وعيه املنهجي بكل بذل الدينية، مربزامتماسكا، ومتناسقا مع مرجعياته املعرفية و

ص، 2010، )ط(دفريقيا الشرق، املغرب، إعبد اله زارو، : شبل مالك، اجلنس و احلرمي روح السراري، تر 1

05 وهو من قبيلة حامت ،م1165ه 560 مورشيا باألندلس عام هو الشيخ األكرب ابو بكر حممد بن العريب ولد يف ∗

الشيخ األكرب وبرزخ الربازخ ومسيت ن و م لقب مبحي الدي1240ه 638الطائي العربية و تويف يف دمشق عام ت املكية و فصوص احلكم إىل جانب جمموعة كبرية اخرى من طريقته الصوفية األكربية من اهم مؤلفاته الفتوحا

.املؤلفات



204

لذلك جعلنا من نصوصه منوذجا نتقصى من خالله اإلجابة عن ،مواجيدهأذواقه و .تلك اإلشكالية السابق ذكرها

أن املسلم مبجرد دخوله يف اإلسالم ونطقه بالشهادتني يدخل مما هو معلوم إالحبيث يصبح كل فعل دنياوي خاضع ملا هو ديين . 1يف عملية قدسية معممة

لصويف بأكملها أنه يف التجربة الصوفية سيكون التعميم مضاعفا، ذلك أن حياة احد تعبري دا اجلديدة كوالدة روحية، فعلىتريد أن حتقق وال ترتسم كتجربة ذات،

املطلق، هو لب على مجيع احلواجز بني الفرد و التغ" )1950 – 1842(وليم جيمس املقامات الصوفية واحدا مع املطلق ونكون حنن نصبح يفاإلجناز الصويف العظيم، و فالتصوف ذا املفهوم هو نزعة من النزعات، تعرب . 2"على وعي ذه الواحدية

هويته اليت املطلق، بغض النظر عن خصوصيتة و عن تلك الرغبة احلارقة يف معانقةختتلف من ثقافة إىل أخرى، األمر الذي جيعل اجلانب اإلهلي يستغرق حياة

س فبان عنهم، وفارقهم، واختلف عنهم ويف بأكلها، فالصويف عبد كان مع الناالصميكن أن تنفلت منه سكناته، هي شهود لذلك املطلق الذي الفكل حركاته و

ن التجربة الصوفية شهواته، اليت ينفرد ا يف حياته احلميمية، ذلك أحىت غرائزه و انتقلت فيه من املستوى املرأة،قد فتحت فضاء جديدا للرغبة بني الرجل و

د اإليروسي احلسي إىل مستواه الكوين األنطولوجي، حبيث تصبح الرغبة يف اجلسا اإليروس رمز للتعبري عن رغبة أعمق، يصبح فيهاألنثوي احملسوس، جمرد إشارة و

ذلك ألن الذات وإن كان ينطلق منه ويباشر فعله فيه، و ،متعاليا عن كل حمسوس

ص ، 1999 ،)ط(د ،املغرب الشرق الدار البيضاء، املقدس يف اإلسالم، إفريقياالزاهي فريد، اجلسد والصورة و 1

56. . 62 ص ،)س-ط( د ،القاهرة ،إمام عبد الفتاح إمام، مكتبة مدبويل: الفلسفة، ترولرتستيس، التصوف و 2




205

ش الشمولية يف جتربتها اإلنسانية الروحية، فإا تعيش حىت عندما تريد أن تعي .1جنسانيتها مندجمة يف بوتقة الروحانية املطلقة

، فالرغبة اجلنسية وكل ما يتعلق ا من مفاهيم، كالنكاح، املرأة، احملبة تغدو مناذج للرمزية الصوفية اليت حتدث التضايف بني الطبيعي اخل، ...العشق

احلب الروحي، ولعل اجلسدي و اجلمال األنثوي واجلمال اإلهلي، احلبوالروحي، حمي الدين بن عريب، خري دليل على ذلك، فما ـ ل "ترمجان األشواق"قصائد ديوان

راء العذريني، حيويه من أشعار غزلية، تفوق يف شهوانيتها لغة العشاق من الشعوذ، قاهر، من ديالكتيك هلي مستحإحتمل صياغة رمزية موحية، للتعبري عن حب

عاطفي وجداين، فاحملب ال حيب حبيبه كما هو يف واقعه فحسب، و إمنا حيب فيه جيعله يف تردد دائم بني الواقع دوما صورة متخيلة، أو شيئا جمازيا أو معىن باطنا

وقد وجدت رمزية الفعل اإليروسي، ومجالية األنوثة يف اخلطاب الصويف . 2الرمزو صيغ، بني التجلي ، دعامتها النظرية من خالل جدل ذي ثالث عند ابن عريب

حيث ومجالية األنوثة، و مشروع اإلنسان الكامل، العارف حبقيقتهما، اإلهلي .لناظم ملنظومة ابن عريب الصوفيةا شكلت هذه األفكار الثالث احملور

:التجلي اإللهي .1حديث عن جتربة ذوقية انتهى احلديث عن التجلي اإلهلي عند ابن عريب هو

فيها ابن عريب إىل تصور الوجود مبراتبه املختلفة كحركة حبية فجرها حب األمساء كنت كنزا خمفيا "ابن عريب يف ذلك على املرويات اإلهلية لظهور آثارها وقد اعتمد

1 Chirpaz, François, Le corps, BUF, Paris, 1ere édition, 1963, p 67.

، ص 1990 1حرب علي، احلب والفناء تأمالت يف املرأة والعشق والوجود، دار املناهل، بريوت، لبنان، ط 265.



206

هللا فإذا كان ا. 1"تعرفت إليهم فعرفوينرف فأحببت أن اعرف فخلقت اخللق و عأمل نه أحب أن يعرف أاستأثر مبرتبة األحدية لنفسه إال ذاته بالعلم القدمي و قد عرف

ن أفأراد اهللا ،بعم حادث بعدما حتمل أمساءه من وحدته الناشئة عن اجلهل بهآثارها اهللا بإظهار ما جتده من عدم ظهور آثارها فقامصفاته ينفس عن أمساءه و

يقول حيث ،احلادثةتبتيها القدمية و مال املعرفة مبر بذلك يتحقق له كو ،يف الوجودحكامها ونسبها أب املتجه إىل إجياد كل ما سوى اهللا تعاىل هو األلوهة" :ابن عريب

فان قاهر بال مقهور وقادرا بال مقدور ضافاا وهي اليت استدعت اآلثار او .2"صالحية ووجودا وقوة وفعال حمال

ليس يف الوجود إال "ملقولة إن مثل هذا التصور عند ابن عريب، يؤسس ال املطلق، ، حبيث يصبح كل ما يف الوجود مبراتبه املختلفة، ابتداء بعامل اخلي"اهللا

حتقيقا ألمسائه، مما يعين أن الكثرة تهاء بعامل اخللق جتليا هللا و انمرورا بعامل األمر، و ية، فاملوجود ليست حقيقي متوهم أي أا كثرة اعتبارية و املثبة يف الوجود، أمر عقل

هو اهللا، وهو واحد من حيث ذاته، متكثر من حيث جتليه يف الصور، كثرة أمساءه إىل احلق املعرب هي األحكام املنسوبة و ،فما صدرت الكثرة إال عن الكثرةوصفاته

املنازل فهو ظهور احلق إما سر املنزل و " :عنها باألمساء والصفات حيث يقول، فلوال جتليه لكل شيء، ما ظهرت شيئية ذلك بالتجلي، يف صور كل ما سواه

ويف مثل هذا التصور الذي يصبح فيه اهللا، هو شرط إجياد املخلوقات، . 3"الشيءمل ، وتكون هي عالمة ظهوره، ألن وجودها )الوجود الواجب(ه املوجود بذاته ألن

ذهب إمنا كان جمرد إظهار لتلك احلقيقة، يتجلى ميكن إضافة إىل عني احلقيقة، و

.267، ص 3ج ابن عريب، الفتوحات املكية، 1 .41، ص 1ابن عريب، الفتوحات املكية ج 2 .188، ص 1ابن عريب، الفتوحات املكية ج 3




207

وحدة الوجود على الطريقة األكربية الذوقية الذي تصبح معه املوجودات كلها جمرد .جتليات اهلية حتقيقا حلضرته األمسائية

ابن عريب ال خيلو من اجلمالية ن كان مثل هذا التصور للوجود عندإو جود، فإذا الو وقع املركزي، للحب يف املعرفة و الشاعرية، إال أن ما يهمنا فيه هو املو

األمساء يف للذات اإلهلية، من حيث الصفات و كان الوجود قد حركه توجه حيبأن تعرف، فإن تلك احملبة ستنعكس على اهللا، فال تكون حمبته يف احلقيقة إال

اهللا ال غري، حيث لنفسه، فيرتتب عن ذلك إن كل حمبوب إمنا هو يف احلقيقةاملوجودات غريه، فهو الظاهر يف كل حمبوب، إن اهللا ال حيب يف " :يقول ابن عريب

حمبوب، وان كان وجود إال حمب، فالعامل كله حمب و لعني كل حمب، وما يف الينحجبون القه، ولكن ال يعرف متعلق حبه، و احملبون كثريون فما أحب احد غري خ

م فيه، فيتخيلون أن ذلك املوجود حمبوم، وهو على باملوجود الذي يوجد حمبو . 1"يقة حبكم التبعيةاحلق

يف الوجود، يفتح اال إلبراز ن االعرتاف باحلب ومبوقعه املركزي يف املعرفة و إ الغري ن عريب مل يستخدم مصطلحي اآلخر و الدور اخلالق لآلخر، وان كان اب

اليت ء املرآة والصورة واملنفعل، و بشكل واسع، بل سخر للداللة على الغريية أمسانفعل ذلك الغري من تلقاء ذاته، ىن انعكاس الذات يف الغري، حينما يتدل على مع

صورته، ويتمكن فتحصل الرؤية كعالقة بني الراء و ويقبل تأثري املشاهدة أو الفاعل،ملعرفة بذاته، حيث يقول ابن الراء من معرفة ما يراه، ومتنح الصورة لصاحبها ا

وال يظهر ملوجود عني جود إال منه، ليس يف الوجود إال هو، وال يستفاد الو " :عريبوالصورة أنت حبسب رة اإلمكان، واحلق ناظر فيها، فاملرآة حض إال بتجليه،

آة من اهليئة يف مكاناتك، فإما ملك، وإما فرس، وإما إنسان، مثل الصورة يف املر إ

.333، ص 2ابن عريب، الفتوحات املكية، ج 1



208

، كذلك واختالف أشكاهلا، مع كوا مرآة يف كل حال واالستدارةالطول والعرض اإلهلي يكسب املمكنات الوجود ، التجلي األشكال يف اإلمكان، و مثل املمكنات

لك واجلوهر واجلسم والعرض، واإلمكان هو ال املرآة تكسبها األشكال، فيظهر املو .1"خيرج عن حقيقته

مل يف ثناياها املعرفة بالذات وباآلخر، حت) املرآة(ن حركة املشاهدة إف ،هكذا بذلك يتحقق ثل هذه املغايرة بني الذات وموضوعها، و تقتضي ماملعرفة بطبيعتها و

ومثل هذه املقاربة فة حقائق األلوهة يف صورة غريية،هدف اإلجياد وهو معر ذي ميكن نعته بالفكر األحادي، والذي يهمش تتعارض يف أسسها، مع الفكر ال

االختالف، وهذا أن دل على شيء،فإمنا يدل على أن ابن عريب، دور التعدد و .د وان كان قد قال بالوحدة بينهماالوجو على مستوى اإلثنينية بني اهللا و قد حافظ

:رمزية األنوثة عند ابن عربي .2هذا ند ابن عريب قد ظهر بسبب احلب، و أبرزنا فيما سبق، أن الوجود كله ع

فصل تعدد، ترتمجه عالقة الذات باآلخر، وهي عالقة متثلها األخري ال يقوم إال باألنوثة، ال يف مستوياا احلسية فقط، وإمنا ى املستوى الرمزي حضور الذكورة و عل

وهو ما يضفي عليها صفة التجريد والشمولية، فتسري يف يف إبعادها الكونية، ا مينحها نعت احلقيقة يقي مميف العوامل املتنوعة، مبا فيها العامل امليتافيز الكائنات و ا املوجودات كلها، وقد استثمر ابن عريب يف ذلك و اليت صدرت عنهااألصلية، كنظام للوجود، يف قوله عز الزوجية رآنية، اليت تتحدث عن الثنائية و اآليات الق

أنفسهم ومما ال سبحان الذي خلق األزواج كلها مما تنبت األرض ومن ﴿ :وجلنا فيها من كل ﴿ ،)36 اآليةمن ،سورة يس( ﴾يـعلمون وأنزلنا من السماء ماء فأنبتـ

.80، ص 3ابن عريب، الفتوحات املكية ج 1




209

وأنه خلق الزوجني الذكر ﴿ :تعاىل وقوله )10اآلية من ،سورة لقمان( ﴾زوج كرمي .)45 اآليةمن ،سورة النجم( ﴾واألنثىتكزان على تكامل استمراره، ير الكالم اإلهلي أن إجياد الكون و يثبت

ستثمر ابن عريب مفهومي الذكورة واألنوثة يف ذكوري، وقد اعنصرين أنثوي و انفعال، فيصبح حيث نظر إليهما كفاعلية و قام بتوسعتهمابعدمها الكوين، بعدما

يتلقى والذكورة، ووجه لفاعلية جهني، وجه يؤثر ليتصف باكل موجود مركب من و مبثل هذا التصور تصبح املوجودات كلها التأثري وينعت باالنفعال واألنوثة، و

ن يف باستثناء الذات اإلهلية، يف رتبة حمل تنفعل بفعل الغري، نظرا لسريان اإلمكابقابلية الكائنات لتلقي آثار األمساء اإلهلية، املوجودات وعلى املستويات كافة، و

مما جيعل األنوثة سارية يف كل أشكال الوجود *اعها لفعل األمر التكويين كن ومس .1"ته رتبة األنثى وما مث إال منفعلن كل منفعل فرتبأ" :حيث يقول ابن عريب

هكذا تسري األنوثة، كتعبري على الوجه اإلمكاين لألشياء يف الكون كله، خمتلفة يف إال أا متعددة و االنفعال،ن كانت واحدة يف داللتها على إوهي و

" أمساء اجلالل" األمساء اإلهلية مستويات جتليها، إما الفاعلية فال تدخل إال بتأثريلها يف املمكنات، فيحدث عن هذا التأثري اختالف عرضي بني املوجودات، ينق

ألشياء يف ا الفاعلية، مع أن األصلمن مقام األنوثة واالنفعال، إىل مقام الذكورة و .ليس فاعلية الذكورةهو انفعال األنوثة و

منفعل من الفكر الفلسفي، /ن كان ابن عريب قد استقى زوج املفاهيم فاعل إو وقد صيغت عالقة الفاعل باملنفعل يف ث مت تداول هذا الزوج بشكل واسع،حي

تأثري، وطرف الفلسفة، على أساس الفصل بني طرف ميلك القدرة على الفعل والل على منطق تفاضلي، امتد االنفعال، وانبىن هذا الفصب عليه اإلمكان و يغل

.507ص ،1الفتوحات املكية ج ،ابن عريب 1



210

ى، حبكم نسبة الفعل إىل األول، واالنفعال إىل ليشمل عالقة الذكر باألنثمفعوله أن ابن عريب قد كسر هذا التقليد، ذلك انه نظر إىل الفعل، كحركة إال .الثاين

، ساري وهذا االشرتاك يف الفعل املنفعل،صي حضورا مشرتكا لكل من الفاعل و تقتاملنفعل الكوين، فإذا كانت الفاعلية ال تصدر إال عن حىت بني الفاعل اإلهلي و

قبلتها املمكنات كل حسب ة، فإن أحكامها ال تظهر، إال إذااألمساء اإلهليبذلك يؤثر املنفعل يف طبيعة التجلي، فيصري املمكن استعداده وخصوصيته، و

تحول وجه االنفعال إىل فاعلية، وذلك ألن كل من اعال، و يبفضل استعداده فاملنفعل، واقع حتت سلطان احلب، فانفعال احملب يتمثل يف كونه يضع الفاعل و

تحق ملوقعه اللغوي اسم ن احملب يسأنفسه راضيا حتت تصرف إرادة احملبوب، غري حية الداللية، االنفعال من النامعه حيوز صفة الفاعلية، فيضم احملب الفاعل، و

احملبوب فيتمتع بقدرة التأثري والسلطة، لتحكمه ماأالفاعلية من الناحية اللغوية، و بوب يف الوقت نفسه، يقبل احمليف قلب احملب، وبذلك تعود إليه رتية الفاعلية، و

فيضم عول توجه فعل احملب حنوه فينفعل،باعتباره اسم مفمن الناحية اللغوية و .1علية من الناحية الداللية، واالنفعال من الناحية اللغويةاحملبوب بذلك الفا

كل تكون على ر الذي يفيض حبا، يعترب كل فعل و يف سياق هذا التصو و أنوثة، ال تكون األفصلية فيها لواحد على ستويات كافة، عناقا بني ذكورة و امل

املنفعل فيها ة عمودية بل توضع السلطة بينهما، ليصري حساب اآلخر، يف تراتبي .االشرتاك بني الزوجني كس بالعكس فيتحقق بذلك التكامل و العفاعال، و

النكاح رمزية الحب و :المرأة .3على املستويات كافة، ن سريان اإلمكان يف املوجودات، و بينا فيما سبق ا

ذالك يتخذ املصطلح طابع بفة تندمج يف كل أشكال الوجود، و جيعل األنوثة ص

. 72 ، ص2008، 1ان، طنزهة براضة، األنوثة يف فكر ابن عريب، دار الساقي، بريوت، لبن 1




211

كليات المتداده إىل عامل الاحملسوسات، و اقتصاره على احلس و لعدم التجريد،ن كانت واحدة يف داللتها على إولكن األنوثة، و . املعقولة واحلقائق اخلفية

وقد مسي الصنف البشري الذي ت خمتلفة يف الوجود،االنفعال، إال أن هلا جتليا .1له وكانت يف النساء اظهرتظهر فيه باملرأة، فاألنوثة سارية يف العامل ك

، يف سياق االختالف، بني الذكورةكان حديث ابن عريب عن األنوثة و وإذا الرجل من منفعل وفاعل من الناحية الروحية واملعرفية، فإن حديثه عن املرأة و

ى أساس تكوما من وحدة، انشقت وظهر منها الرجل الناحية اإلنسانية، انبىن علوحيا، وهذا ما يصدقه قوله عز ر قني متماثلني ومتكافئني ماديا و واملرأة، كشقي

ها زوجها﴿ :وجل عراف،سورة األ( ﴾هو الذي خلقكم من نـفس واحدة وجعل منـ ).189 اآليةمن

إن مثل هذا التصور عند ابن عريب، يفيد أن مفهوم اإلنسان يف الفكر ة و األنوثة، وهذا االختالف الطبيعي و حىت الرمزي بني الذكور األكربي، يتعدى

حد اإلنسان بالصورة اإلهلية خاصة، ومن ليس له هذا احلد " :ما يوضحه قولهفليس بإنسان، وإمنا هو حيوان يشبه يف الصورة ظاهر اإلنسان، فاطلب لصاحب

.2"ت لسائر احليوانهذا الوصف حدا خيصه، كما طلبأمام تصور جديد ملفهوم اإلنسانية، تقابل فيه اإلنسان احليوان مع حنن إذن

بل يف يس الفرق بني اإلثنني يف النوع، ، ولنسان الكائن على الصورة اإلهليةاإلاملرتبة، مبعىن آخر هو فارق معريف ال وجودي، ذلك أن إشكالية اإلنسان يف

أساس للتمييز بني اإلنسان التجربة الصوفية، جتد انطالقتها األوىل من املعرفة، كهو احليوان و اإلنسان الكائن على الصورة اإلهلية، وإذا كان احلديث عن املعرفة،

.256، ص 3ابن عريب، الفتوحات املكية، ج 1 .154، ص 3ابن عريب، الفتوحات املكية، ج 2



212

يصبح حينها املنت الصويف أسري موضوع حديث عن جدل الذات بوضوعها، على مقولة التجلي اإلهلي، صفاته، وذلك بناءمساءه و أن حيث واحد، هو اهللا م

بتحقيق املعرفة فيكون اإلنسان بذلك هو املقصود، يف أعيان صور املمكنات،اليت تثين املعرفة األزلية القدمية، فربد الوجود إىل اهللا، وبرد اهللا إىل احلادثة باهللا، و

هو التفسري الذي قدمه ابن ىل رد الوجود كله إىل اإلنسان، و اإلنسان، ننتهي إ .1"من عرف نفسه عرف ربه"عريب ملقولة

تصبح احلقيقة األنطولوجية ليس يف الوجود إال اهللا، ه املعرفة، ومبثل هذ ي حقيقة وجدانية يتمكن ا اإلنسان من رؤية اهللا متجليا يف كل ما سواه، فه

فرتتسم معرفة يتحقق معها فناء اجلهل، ببقاء العلم ورؤية اهللا متجليا يف خملوقاته،ث دائم عن املعاين و األسرار حبلصويف بوصفها سفرا حنو املطلق، و بذلك حياة ا

أو مبعىن آخر البحث عن احلد الغييب، ، اليت تقف وراء الصور املشاهدة،اإلهلية .يقف وراء احلد املوضوعي احملسوس الذيرتقي ا اإلنسان عن اليت يرفة اليت يتحدث عنها ابن عريب، و هذه املع

النساء على ة، يتقامسها الرجال و اصية إنسانيحيقق ا كماله، تظهر كخحيوانيته، و حد السواء، انطالقا من الوحدة األصلية اليت تكونا منها، فكل ما يصح أن يناله

الصفات، ميكن أن يكون ملن شاء اهللا من النساء، الرجل، من املقامات واملراتب و .2كما ملن شاء من الرجال

نه أعرب نصوص كثرية، على هذه الرؤية، حرص ابن عريب على التنبيه بناء الرجل، هلذا م عن اإلنسان، وما حيصله روحيا وماديا، يقصد به املرأة و مىت تكلذلك للداللة على اإلنسان، و " نفس"الكثري من األحيان، يستعمل اسم جنده يف

.101، ص 3ابن عريب، الفتوحات املكية، ج 1 .89، ص 3ابن عريب، الفتوحات املكية، ج 2




213

قيل لبعضهم كم األبدال فقال " :الذكورة على كالمه، حيث يقول لكي ال يغلب .1"رجال، فقال قد يكون فيهم النساء ال تقول أربعونأربعون نفسا، فقيل له مل

يف املعرفة شريكة للرجلاخلطاب األكربي، ليست مساوية و كما إن املرأة يف ن العني ال تدرك نفسها بنفسها، أيضا، وكما أليها إطريقه فقط، بل هي وسيلته و

شيء نفسه بنفسه، متيزه، إال حبضور الغري، فرؤية الذاته و فكذلك اإلنسان ال يعي ه يف شيء آخر يكون له كاملرآة، ومتتد جدلية الرؤية هذه، لتشملليست كرؤيت

ن ن مشاهدة الذكورة لذاا ووعيها بنفسها، ميراأالرجل، ذلك العالقة بني املرأة و ي ذا املعىن يفسر ابن عريب، سر خمالفة آدم للنهعرب رؤية األنوثة يف متيزها، و

يرى إن الشجرة حتيل كما يفهم من داللتها و اب من الشجرة،اإلهلي عن االقرت حصول االختالف، رة، ويصبان يف معىن االنقسام، و املشاجاللغوية، إىل التشاجر و

نوثة حواء، أوباقرتاب أول إنسان وهو آدم من الشجرة، تنكشف له ذكورته، أمام .2يتوارى تشاهما أمام الغريية وتتولد الرغبةو

حيدث للرجل وعي ذايت، ملشاهدته املرأة يف موقع اآلخر، فيتخذ من ،هكذا سك بذاتيتنا، يف مواجهة وصاهلا وسيلة للحديث عن كينونته اإلنسانية، إذ أنا من

و البحث عن احلب إمنا هصبح حتديا لألنا ملعرفة ذاا، و الذي ياآلخر وبواسطته، و يف أن يعرتف بنا، ال من اجل الرغبة يف احلب، هي الرغبةحبث ملعرفة الذات، و

.3ما نفعل، ولكن من أجل ما نكونة، اليت فاملرأة ذا املعىن مقوم هلوية الرجل، فهو يرى ا أناه يف رتبة الفاعلي

ليس ذلك إال باملرأة، فكان حبه هلا من هذا الوجه، تقتضي وجود منفعل عنه، و

.07، ص2ابن عريب، الفتوحات املكية، ج 1 .109نزهة براضة، املرجع نفسه، ص 2 .141، ص 1980، 4السعداوي نوال ، املرأة واجلنس، املؤسسة العربية للدراسات والنشر، بريوت ، ط 3



214

الصورة من كون اإلنسان على ضفالغر يؤول به يف النهاية إىل حتقيق كماله،مسائه، ومنها صفة القدرة أحقائق هار ما هو عليه اهللا يف صفاته، و ظإاإلهلية، هو

تكون هي فعل النكاح، حىت يكون فاعال، و اإلجياد، فشفع اهللا وجوده باملرأة عربو ، بذلك يكون على صورة اهللا يف اإلجيادبناء، و عيان األأاملنفعلة عنه حمل وجود

اح مستمرة، حبيث حييل إىل باعتبار أن الكون كله عند ابن عريب، يف عملية نكالطبيعة هي ، و "كن"من خالل الكلمة املقدسة منفعل، فاهللا هو الفاعل فاعل و

نكاح بني عيان األجسام، وذا الشكل يكون الأاملنفعلة عنه، باعتبارها حمل ظهور لق، حيث أن نسبة املرأة فيه إىل الرجل، ترمجة مصغرة لعملية اخلاملرأة والرجل،

كنسبة الطبيعة إىل احلق، وكما إن اهللا يفتح صور العامل يف الطبيعة، فإن الرجل يفتح يف املرأة صور اآلدميني، وإظهار املرأة لفاعلية الرجل بكوا حمال للفعل، هو

ث هو كمل، ألنه يشاهد احلق من حيأمت و أالذي جيعل شهود احلق فيها وا .1فاعل منفعل، ومن نفسه من حيث هو منفعل خاصة

يب، ومرآة تعكس املعرفة مظهرا للغبح املرأة جملى للوارد اإلهلي، و تص ،هكذا من كوا حمال للتكوين الطبيعي والروحي، وعنصرا تستقي رتبتها بالذات واآلخر، و

لي األعظم، فهو مصدرا للحب، وهو ما جيعل يف النكاح التجإلبداع، و اللخلق و باعتباره تزاوجا بني اثنني، يعرب عن آية الثنائية كنظام كوين، وهذا ما يثبت عظمة

اإلنسانية، كما أن احلركة العشقية اليت حترك اإلهلي،أمام األزواج الطبيعية و التفردوقهر اللذة، والشهوة املفنية، والذلة النكاح، حتاكي عشق العابد ملعبوده،

مام معبوده، وهو ما أذلة العابد و للمحبوب، متاثل لذة القاهر لقهوره، االستسالمو مام غىن الرب عن من سواه، وهذا كله جيعل املتمكن، العابد أيرتجم فقر الذات،

.200ابن عريب، فصوص احلكم، ص 1




215

سرهن وال يزهد يف حبهن بل احب املقام، يعرف قدر النساء، و من أهل اهللا، ص .1من كمال العارف حبهن

ة الشهوة عند الصويف يف وصاله للمرأة، فهو ال هكذا، تتحكم مقصدي يشرتك فيها مع مجيع احليوانات، يطلب الوصل، رد قضاء حاجة الغريزة، اليت

يرتقي حببه هلا إىل ما ما يعرب عن حقيقته اإلنسانية، و إمنا يرتقي بشهوته إىلو رأة يف ليصري حب املباحلب الذي وهبه اهللا له، عي، ليحبهايتجاوز احلب الطبي

مبثل هذا و . يا فتعلو الشهوة بعلو املشتهي وتسفل باستفالهختلقا اهلهذا املقام، يف Sحتبيب النساء للرسول النكاح، يفسر ابن عريب سر التصور لرمزية املرأة و

و جعلت قرة عيين يف الطيب النساء و :يل من دنياكم ثالثإحبب " :قولهفال يعقل أن حيبب إىل الرسول، ما يبعده عن ربه، بل ما يقربه إليه، ."الصالة

، فما وقع احلب إال ملن "بحب "فحب الرسول للنساء، إمنا هو حبه لربه من صيغة حببت من نفسي، لتعلق حبه بربه أتكون منه، وهو اهللا هلذا قال حبب، ومل يقل

.2المرأتهحىت يف حمبته بوي، يلتقي فيه العشق لنساء مع ابن عريب إىل ارث نهكذا، حتولت حمبة ا

باملعرفة، فال يقتصر على تلك النظرة احلسية، اليت ختتزل اجلسد األنثوي، بالعبادة و اخرتق إىل جمرد مادة للنهم اجلنسي، بل أن حضور األنثى يف اخلطاب األكربي،

ربها النسائي اخليال، وتقاطع عكل تصورات الشيخ، للوجود واإلنسان والسلوك و هادما يف نفس الوقت بذلك احلضور املركزي لألنوثة، و باإلنساين بالوجودي، معلنا

.ة على مركزية الذكورةأساسيات النظام األبوي، و قواعده القائم

.109ص 2ابن عريب، الفتوحات املكية، ج 1 .200ابن عريب، فصوص احلكم، ص 2



216

الخاتمة لقد استطاعت التجربة الصوفية أن تنتزع املسألة اإليروسية من معناها الت أخرى كونية، يف بناء رمزي أنتج ثنائيات تعطي هلا معاين ودال، و احلسي، اليت يستنفذ فيها جسدية الروحيفة، عربت كلها عن روحية اجلسد، و متضا

شعور العبودية يف أكثر املشاهد الصويف ذاته، وحيقق ا كماله بشهود الربوبية، و احد انه بل صلب متظهرات املقدس، محيمية، واليت يتبلور معها الفعل اجلنسي يف

يف خاصيته اجلمالية أو الرمزية، فهو يقف على عتبة متظهراته األساسية، سواء، األمر الذي جيعله ذو ي واملتخيل، النفسي، واجلسميالواقعالديين والدنياوي،

، إىل حتديد هوية ة إىل التوارث االجتماعي للخرياتتفرعات متعددة متتد من املتعهذه احلالة، عبارة عن ممارسة تأويلية فتصبح مقاربته يف . 1اجلنس البشري

الذي و ،البحث يف الطابع احلسي للجنس حتول السؤال معها من وسيميائية،اليت عيات صياغته الثقافية املختلفة، يشكل بعده األفقي، إىل البحث عن نو

.تشكل انفتاحه العمودي حنو ممكنات الوجود العميقةن كان إ، و جلنس كما قدمتها التجربة الصوفيةاويف احلقيقة أن رمزية املرأة و

غفال الدروس القيمية إال ميكن نهأصعب تقبلها إال بذوق صويف عال، إال خاصة يف يف واقعنا املعاش، توي عليها، حبيث ميكن استلهامهااجلمالية اليت حتو

ليت ة اليت تشهدها الفرتة املعاصرة، واالدينيماعية و االجتظل التطورات السياسية، و ، اخذ يفقد مسة اجلدية على حنو متزايد بالنسبة إىل أصبح مالحظا فيها أن اجلنسياها بسمة الرتفيه والفردية واألنانية، أي أن كمال إأبناء اجليل احلايل، مستبدال

صبح العالقة خذ يف الضياع لتألذي كان يوجد خلف الفعل اجلنسي، ااملعىن ، واللذان أصبحا يف ني شريكا الفعل اجلنسيقل جة بأو اجلنسية أكثر سهولة،

.65ص الزاهي فريد، اجلسد الصورة واملقدس يف اإلسالم، 1




217

ذلك أن الشريك يف ل، بل وحىت يف وضح النهار أيضا،الغالب غريبان يف اللي .1حلديث بات يعد هدفا وليس إنسانااجلنس ارة، املمارسات اجلنسية املعاصاخلروج من مثل ذلك االغرتاب، يف وال يتحقق

،دة اكتشاف معىن احلوار مع الشريكأو مبعىن آخر إعا إال بأنسنة العالقة اجلنسية،ن من اكتشاف معىن وجوده ميكنان اإلنسا ذلك أن اللقاء األصيل مع اآلخر،

وذا نسمو ،وهو ما يعادل احلصول على احلرية الذايت والغريي على حد السواءإىل نتشارك فيه مع مجيع احليوانات، باجلنس من مرتبته الدنيا كفعل بيولوجي،

كفعل إنساين له أبعاده القيمية مرتبته العليا اليت يتأسس فيها الفعل اجلنسي .الوجوديواجلمالية واملعرفية و

قائمة المصادر والمراجع

.القرآن الكرمي .1 .)س - ط(دار صادر، بريوت، د ،3، 2 1ج ،الفتوحات املكية، ابن عريب حمي الدين .2ــ، .3 ــــــــ ـــــــــــــ .1997 ،1طترمجان األشواق، دار األرقم بن أيب األرقم، بريوت، ـــــــــــــــــــــــــــــــ، .4 ـــــــــــــ .1980، 2لبنان، ط ،دار الكتاب العريب، بريوتالعفيفي أبو العالء، : فصوص احلكم، تقدميــــــــــــــــــــــ .1997، )ط(د ،املغرب الشرق، الدار البيضاء، إفريقيا الصورة واملقدس يف اإلسالم،الزاهي فريد، اجلسد و .5 .1980، 4ط النشر، بريوت،و سعداوي نوال، املرأة واجلنس، املؤسسة العربية للدراسات ال .6 .)س_ ط ( د ، مكتبة، مدبويل، القاهرة، إمامعبد الفتاح إمام: ولرت ستيس، التصوف والفلسفة، تر .7، بريوت، 2هالة العوزي، ديار الريس للكتب والنشر، ط: الوهاب بوحديبة، اإلسالم واجلنس، تر عبد .8

.2001 لبنان، .2010، )ط( املغرب، د الشرق، إفريقياعبد اهللا زارو، : شبل مالك، اجلنس واحلرمي روح السراري، تر .9

.2008، 1، طلبنان ساقي، بريوت،يف فكر ابن عريب، دار ال األنوثة نزهة براضة، .10

، 2طالنشر، بريوت، لبنان، دار اريس للكتب و هالة العوزي، : تراجلنس، بوحديبة عبد الوهاب، اإلسالم و 1

.339، ص 2001



218

نظم املعرفة يف الثقافة العربية، مركز دراسات الوحدة بنية العقل العريب، دراسة حتليلية ل اجلابري حممد عابد، .11 . 2004، 7ط العربية، بريوت، لبنان،

2003، 5ط ، بريوت،الدار البيضاء عند ابن عريب، املركز الثقايف، زيد نصر حامد، فلسفة التأويل أبو .1213. Chirpaz, François, Le corps, BUF, Paris, 1ere édition, 1963.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ اصـدارات ا�رب جملة أبعادجملة أبعادجملة أبعادجملة أبعاد


219

العلية يف التاريخ

بني ابن خلدون وهيغل

قادة جليد. د: التأليف خمرب األبعاد القيمية للتحوالت الفكرية والسياسية باجلزائر: الناشر

وهران -دار القدس العريب للنشر والتوزيع :طبع 978- 9947-927-97 -7: ردمك صفحة 272 :الصفحاتعدد

2013الطبعة األوىل، :سنة النشر

∗∗∗∗مغريب زين العابدين.د: إعداد

" قادة جليد"قدم الباحث ما يف فلسفة التاريخ، بنيمن جامعة وهران، حبثا قيالقيمة املعرفية والعملية اليت يكتسيها البحث يف التاريخ، ال رد أنه مرتبط فيه

يضا، يطرح على صعيد معريف ووجداين إشكالية أمبسار األمم والشعوب، بل ألنه املتجسد يف الوعي التارخيي للشعوب عرب مساراا ي اإلنسانوحدة التاريخ يف وع ذا النوع من الدراسة، املتعاقبة، كما أن بشخصييت تأثرهيعزى اهتمام الباحث

ملا ميثالنه من حضور ثقايف ومعريف داخل منظومة ثقافية " هيغل"و" ابن خلدون"يف الثقافة العربية اإلسالمية خالل القرن " ابن خلدون"كل واحد منهما؛ خاصة ب

يف " هيغل"الرابع عشر ميالدي، متحدثا عنها وناطقا باسم شخصيتها التارخيية، و

.حماضر، جامعة جياليل ليابس، سيدي بلعباسأستاذ ∗



220

جمسدا لروحها وامتدادها ،الثقافة الغربية املسيحية يف القرن الثامن عشر ميالدياجلغرايف ومتثالته الثقافية واحلضارية اليت يف االنتماء ولعل االختالف . التارخيي

انعكست على فلسفتهما، هو ما دفع بالباحث إىل سرب أغوار النصوص التارخيية . ساعيا من ورائها إبراز حقيقتها، وحقيقة احلقائق الثابتة املتجسدة يف فلسفتهما

:وهنا يطرح الباحث إشكاليته ؟"ابن خلدون"على مقدمة " هيغل"هل اطلع -لصياغة نظريته يف مفهوم " ابن خلدون"مقدمة " هيغل"ل استلهم وه -

التاريخ، ونظريته حول التاريخ العاملي؟ وألجل البحث يف ما مدى تقارب أو تباعد فلسفة كل واحد منهما عن اآلخر،

.عمد الباحث لإلجابة عن هذا االنشغال الفلسفي إىل اقرتاح أربعة فصولتناول فيه الباحث مفهوم التاريخ وإشكالية تعليله، مرتكزا على مناذج الفصل األول،

مث انتقل إىل إبراز أمهية فلسفة التاريخ استأنس ا الباحث يف تقريب مفهوم التاريخ، تبقى اليت قد تبدو من الناحية الشكلية تتعارض مع التاريخ، غري أن دراسة التاريخ

، بنظرية فلسفية توجهها على الصعيد املنهجي واملعريفعدمية الفائدة ما مل تعزز ، وقد تتجلى لنا وهذا ما يربر استحضار الباحث لنماذج فلسفية يف دراسة التاريخ

، )الوحدة(الكلية : هذه العالقة بني التاريخ وفلسفة التاريخ يف املقوالت، منهاأيضا، ا حبث فيه عن باحث عنصرا أساسي ويف اية الفصل األول، أفرد ال. الغائية، والعلية

أشكال التعليل التارخيي، معلال يف ذلك، أن التاريخ إذا مل يكن حبثا يف األسباب .والعلل واستشرافا للمستقبل واملصري، فإنه من األجدر بنا أن ال نقرأه أبدا

اريخ عند تعليل الت"، فجاء موسوما بـ "ابن خلدون"الفصل الثاين، خصه الباحث لـ وقد قسمه الباحث إىل قسمني، القسم األول عاجل فيه التعليل ، "ابن خلدون

، من جهة، الفهم "ابن خلدون"فيه مكانة التاريخ لدى مبينا النقدي للتاريخ،



221

ابن "، السيما نقد )الفلسفة(اجلديد الذي أعطاه للتاريخ، حني ربطه باحلكمة احلوادث التارخيية دون نقد ومتحيص، وهذا للمؤرخني السابقني الذي نقلوا " خلدون

ما جعله يفصل يف جمموعة العوائق والعوارض اليت جتعل املؤرخ يعجز عن تشخيص العوائق "الواقع التارخيي كما وقع بالفعل، وهو ما أطلق عليه الباحث اسم

بلورة منهج جديد يتالءم أكثر مع ومن جهة أخرى، ". اإلبستمولوجية يف التاريخيعد إجنازا علميا " ابن خلدون"ابتدعه أن ماالتاريخ، وهنا، يعترب الباحث طبيعة

الباحث فتحدث من الفصل الثاين، أما القسم الثاين . كبريا يف إعادة كتابة التاريخالتعليل السياسي، : وقد حصره يف ثالثة أشكال، فيه عن التعليل الفلسفي للتاريخ

احلضارة تاريخ تعليال وتفسريا حلركة متقد التعليل اجلغرايف، والتعليل الديين، ومجيعها ".ابن خلدون"يف نظر اإلسالمية

الفصل الثالث من البحث، تطرق فيه الباحث إىل النموذج الثاين من الدراسة، ، وكان الفصل مقسما إىل عناصر، حاول "ند هيغلتعليل التاريخ ع"فجاء عنوانه

الباحث من خالهلا إظهار البعد الفلسفي لدراسة التاريخ، علما أن هذا البعد جاء لفهم الواقع األملاين الذي عرف تراجعا أمام قوى أوروبية كانت تنشد الرقي والتقدم،

مل تكن " هيغل"فلسفة وهذا يف نظر الباحث يقودنا إىل فكرة جوهرية، مفادها أن، بل فلسفة حتاكي الواقع منتقدة تلك ة عن الواقعيف امليتافيزيقا، بعيد فلسفة غارقة

من هنا، يرى . إقصاء للعقل" هيغل"املقاربات الفكرية والسياسية اليت رأى فيها ن جعلت لتغيري أملانيا ماملتشبعة بالوطنية والقومية، " هيغل"الباحث أن مسؤولية

الناحية السياسية والفكرية واالجتماعية واالقتصادية، فكانت فلسفته كلها يف سبيل ومن جمموع ما حتدث عنه الباحث يف هذا الفصل، . حتقيق هذا اهلدف وهذه الغاية

، على ضوء إعادة قراءته للتاريخ العاملي وفق "هيغل"تصور اية التاريخ لدى .نهجيةمفاهيمه الفلسفية واختياراته امل



222

أما الفصل الرابع واألخري، فقد خصه الباحث لعرض بعض املواجهات النقدية ما ، وكان عضده يف ذلك، تلك املفاهيم اليت تناولتها "هيغل"و" ابن خلدون"بني

فمثال، يف ". اية التاريخ"، "احلرب يف التاريخ"، "حقيقة التاريخ": فلسفتهما، منهافيلسوفني، للفلسفية الرؤى التوصل الباحث إىل تقارب كبري يف الفكرة األوىل،

أعطيا للعقل دوره يف فهم التاريخ وتعليله، كما جاءت فلسفتهما حبيث أما مستنطقة ومعاجلة لوقائع اجتماعية وسياسية متأزمة، باعتبارمها فاعالن اجتماعيان

لفيلسوفني تقابلها اختالفات يف غري أن هذه القواسم املشرتكة بني ا. يف الوقت ذاتهمن خالل السؤال الذي طرحه تأسيس القوانني العامة اليت حتكم حركة التاريخ،

من أين نبدأ يف فلسفة التاريخ؟ هل نبدأ من اخلاص إىل العام أم من العام : الباحثابن "إىل اخلاص؟ وهذا هو الذي يشكل يف نظر الباحث عنصر االختالف بني

".غلهي"و" خلدونمن ويف اية الدراسة، مجع الباحث جمموعة من احلقائق كان قد توصل إليها، ولعل

أمهها تطابق نظرتيهما إىل احلقيقة التارخيية، من خالل تقامسهما إشكاليات معرفية ، كمفهوم الدولة، واحلرب، وربط التاريخ باحلدث السياسي واإلطار وتارخيية نفسها

على " هيغل"لباحث يف اخلامتة لإلجابة عن إمكانية اطالع مث يعود ا... اجلغرايفتعرف على املقدمة " هيغل"، وقد تبني من طرح الباحث أن "ابن خلدون"مقدمة

، الذين "فيكو"، و"مونتسكيو"، و"مكيافيلي"من خالل أعمال بطريقة غري مباشرة، م مل يشريوا ال من على الرغم أ " ابن خلدون"، وتأثروا هم بـ "هيغل"تأثر م

، ويضيف الباحث، وهذا ما يتعارض مع "ابن خلدون"قريب وال من بعيد إىل آراء . الروح العلمية ويتناىف مع أخالقيات البحث العلمي املوضوعي

وينهي الباحث حديثه، أن الدراسة اليت عكف عليها بينت له طبيعة النسق الفكري اخللدوين املفتوح ، والذي يعكس يف نظر الباحث تأثري الثقافة العربية اإلسالمية



223

فمفاهيمه ، بيد أن النسق الفكري اهليغلي يكاد يكون مغلقا "ابن خلدون"على رسالة للحوار وإنشاد السالم بني احلضارتني، من قطعية وائية، مث يوجه الباحث

ميكن أن يتناىف مع ما وتصحيح كل " هيغل"و" ابن خلدون"خالل إعادة قراءة .القيم اإلنسانية ومعاين التاريخ وغاياته

وحنن بدورنا نوجه عناية القراء واملهتمني مبثل هذا االنشغاالت الفلسفية .كتاب ومناقشة أفكارهوالتارخيية إىل قراءة ال

مجلة أبعاد

Documents

Transcript of مجلة أبعاد